الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1185 ). زمن البحث بالثانية ( 0.012 )

العام الهجري : 716 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1317
تفاصيل الحدث:

هو الشيخُ أبو عبد الله محمد بن الشيخ المفتي زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل شيخِ الشافعية في زمانه، وأشهَرُهم في وقته بكثرة الاشتغالِ والمطالعة والتحصيل والافتنان بالعلوم العديدة، وقد أجاد معرفةَ المذهب والأصلين، ولم يكن بالنحوِ بذاك القويِّ، وكان يقع منه اللَّحنُ الكثير، مع أنه قرأ منه المفَصَّل للزمخشري، وكانت له محفوظاتٌ كثيرة، ولد في شوال سنة 665، وسمِعَ الحديث على المشايخ، من ذلك مسند أحمد على ابن علان، والكتب الستَّة، وكان يتكَلَّم على الحديث بكلام مجموعٍ من علوم كثيرة، من الطبِّ والفلسفة وعلم الكلام، وليس ذلك بعلمٍ، وعلوم الأوائل، وكان يكثر من ذلك، وكان يقول الشعرَ جَيِّدًا، وله ديوانٌ مجموع مشتَمِلٌ على أشياء لطيفة، وكان له أصحابٌ يحسدونه ويحبُّونه، وآخرون يحسدونه ويُبغِضونه، وكانوا يتكَلَّمون فيه بأشياء ويرمونه بالعظائِمِ، وقد كان مسرفًا على نفسِه، قد ألقى جلبابَ الحياءِ فيما يتعاطاه من القاذورات والفواحش، وكان أحَدَ خصومِ شَيخِ اسلام ابن تيمية ينصِبُه العداوة ويناظِرُه في كثير من المحافل والمجالس، وكان يعترف للشيخ تقي الدينِ بالعلوم الباهرةِ ويُثني عليه، ولكِنَّه كان يجاحِفُ عن مذهبه وناحيته وهواه، وينافِحُ عن طائفته، وقد كان شيخُ الإسلام ابن تيمية يثني عليه وعلى علومِه وفضائِلِه ويشهَدُ له بالإسلامِ إذا قيل له عن أفعالِه وأعماله القبيحة، وكان يقول: "كان مخَلِّطًا على نفسِه مُتَّبِعًا مراد الشيطان منه، يميلُ إلى الشهوة والمحاضرة، ولم يكنْ كما يقول فيه بعضُ أصحابه ممن يحسده ويتكَلَّم فيه هذا أو ما هو في معناه، وحين بلغ شيخَ الإسلام ابن تيمية وفاتُه قال: أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدرَ الدينِ" وقد درَّس بعِدَّة مدارس بمصر والشام، ودرس بدمشق بالشاميتين والعذراوية ودار الحديث الأشرفية، وولي في وقت الخطابة أيامًا يسيرة، ثم قام الخلقُ عليه وأخرجوها من يَدِه، ولم يَرْقَ مِنبَرَها، ثم خالط نائِبَ السلطنة الأفرم فجَرَت له أمور لا يمكِنُ ذِكرُها ولا يحسن من القبائحِ، ثم آل به الحالُ على أن عزم على الانتقالِ مِن دمشق إلى حلب لاستحواذه على قلب نائبِها، فأقام بها ودرَّس، ثم استقر به المنزل بمصر ودرس فيها بمشهد الحسين إلى أن توفي بها بكرة نهار الأربعاء رابع عشرين ذي الحجة بداره قريبا من جامع الحاكم، ودفن من يومه قريبا من الشيخ محمد بن أبي جمرة بتربة القاضي ناظر الجيش بالقرافة، ولما بلغت وفاته دمشق صلي عليه بجامعها صلاة الغائب, ورثاه جماعة منهم ابن غانم علاء الدين، والقجقازي والصفدي، لأنهم كانوا من عشرائه.

العام الهجري : 864 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1459
تفاصيل الحدث:

هو الإمام العلامة جلال الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن هاشم بن الكمال الأنصاري المحلي الأصل نسبة للمحلة الكبرى من الغربية بالقاهرة، الشافعي المصري، ويعرف بالجلال المحلي. ولد في مستهل شوال سنة 791 ونشأ بها فقرأ القرآن وحفظ المتون واشتغل في فنون، فأخذ الفقه وأصوله والعربية وأفتى ودرَّس عدة سنين، وله عدة مصنفات، ولم يكمل بعضها، ورُشِّح لقضاء الديار المصرية غير مرة. قال شمس الدين السخاوي: "مهَر المحلي وتقدم على غالب أقرانه وتفنَّن في العلوم العقلية والنقلية، وكان أولًا يتولى بيع البزِّ في بعض الحوانيت ثم أقام شخصًا عوضه فيه وتصدى هو للتصنيف والتدريس والإقراء، فشرح كلًّا من جمع الجوامع والورقات والمنهاج الفرعي والبردة، وأتقنها ما شاء مع الاختصار، وعمل منسكًا وتفسيرًا لم يكمل وغيرهما، ورَغِب الأئمة في تحصيل تصانيفه وقراءتها وإقرائِها وكان شيخنا ابن خضر يكثر من وصفه بالمتانة والتحقيق, وقرأ على جلال الدين من لا يحصى كثرة، وارتحل الفضلاء للأخذ عنه، وتخرج به جماعة درَّسوا في حياته، ولكنه صار بأخرة أيامه يستروح في إقرائه لغلبة الملل والسآمة عليه وكثرة المخبطين، ولا يصغي إلا لمن علم تحرزه خصوصًا، وهو حاد المزاج لا سيما في الحر، وإذا ظهر له الصواب على لسان من كان، رجع إليه مع شدة التحرز، وحدَّث باليسير وسمع منه الفضلاء، وقد ولِيَ تدريس الفقه بالبرقوقية، وبالمؤيَّدية وعرض عليه القضاء فأبى، وشافه الظاهرَ العجزَ عنه، بل كان يقول لأصحابه: إنه لا طاقة لي على النار، وكان إمامًا علامة محققًا نظَّارًا مفرط الذكاء صحيح الذهن؛ بحيث كان يقول بعض المعتبرين: إن ذهنه يثقب الماس، وكان هو يقول عن نفسه: إن فهمي لا يقبل الخطأ، حاد القريحة قوي المباحثة" وأشهر مصنفاته هو التفسير الذي لم يكمله، وأكمله بعده جلال الدين السيوطي، والمعروف اليوم بتفسير الجلالين نسبة إليهما، وله كنز الراغبين في فقه الشافعية، وله البدر الطالع في شرح جمع الجوامع في أصول الفقه، وغيرها من المصنفات, وقد حج مرارًا. توفي بالقاهرة وسنه نحو ثلاث وسبعين بعد أن تعلل بالإسهال من نصف رمضان, وفي صبيحة يوم السبت مستهل محرم سنة أربع وستين، وصلِّيَ عليه بمصلى باب النصر في مشهد حافل جدًّا، ثم دفن مع آبائه بتربته التي أنشأها تجاه جوشن، وتأسف الناس عليه كثيرًا وأثنوا عليه جميلًا ولم يخلف بعده في مجموعة مثله، ورثاه بعض الطلبة بل مدحه في حياته جماعة من الأعيان.

العام الهجري : 1265 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1849
تفاصيل الحدث:

هو محمد علي باشا المسعود بن إبراهيم آغا القوللي الملقَّب بعزيز مصر، مؤسِّسُ الأسرة العَلَوية وحاكم مصر، من مواليد قوالة على الساحل المقدوني 1769م، كان عمه يشغل منصب (متسلم - أو نائب والي) وفي ديوان عمِّه هذا تمرَّس محمد علي بالأعمال والمعاملات من غيرِ أن يحظى بتربيةٍ مدرسية صحيحة. حتى إذا بلغ العشرين كان قد نجح في تجارةِ التبغ وعقد الصفقاتِ فيها، والتبغ مادةُ التجارة الرئيسية في بلده الأم. وظهرت عليه أمارات النزوع إلى السلطة وقوة الشخصية منذ نعومةِ أظفاره. وعندما غزا نابليون مصر أرسل السلطان سليم الثالث بِضعَ سُفُن حاملة جنودًا إلى مصر في صيف سنة 1799. كان على عمِّ محمد علي أن يبعثَ إلى مصر أيضا بكتيبةٍ مؤلفة من ثلاثمائة رجل، فعهد إلى ابنِه الصغير بقيادتِها، وعيَّن محمد علي مستشارًا لابنه. ولم تكد الكتيبةُ تَصِلُ إلى مصر حتى تولَّى محمد علي القيادةَ الفعليةَ، وأظهر في المعارك التي قادها ضِدَّ الفرنسيين من الكفاءةِ القيادية ما أهَّلَه للوثوب بقفزةٍ واحدة إلى منصِبِ القيادة العامة في سنة 1801م، وفي سنة 1805 أصبح حاكِمَ مصر بدون منازِعٍ، مستعينًا على بلوغ مأربه بشيوخِ الأزهر. ووافق السلطانُ على تعيينه واليًا على مصر. ومنحه لقبَ باشا. وأظهر من الغَيرة على الدين والرَّغبة في الجهاد والعمل لبناء مصر، ما جعله يستحوِذُ على محبة أهل مصر الذين التَفُّوا حوله وساندوه. خاض محمد علي في بداية فترة حكمه حربًا داخليَّةً ضِدَّ المماليك والإنجليز إلى أن خضعت له مصرُ بالكليَّة، ثم خاض حروبًا بالوكالةِ عن الدولة العثمانية في جزيرة العرب ضِدَّ الوهَّابيين وضِدَّ الثوار اليونانيين الثائرين على الحكم العثماني في المورة، كما وسَّع دولته جنوبًا بضمه للسودان. خلال فترة حكمِه لمصر استطاع أن ينهض بمصر عسكريًّا وتعليميًّا وصناعيًّا وزراعيًّا وتجاريًّا؛ مما جعل من مصرَ دولةً ذات ثقل في تلك الفترة، حتى أصبح ينافس الدولةَ العثمانية نفسَها؛ فقد خاض حروبًا ضِدَّها حتى دخل الأناضول وكاد يُسقِطُ الدولة العثمانية، ولكن أُخمِدَت حركتُه لتعارضها مع مصالحِ الدُّوَل الغربية التي أوقفت محمد علي وأرغمَتْه على التنازل عن معظم الأراضي التي ضَمَّها. وبسبب المشاكل في آخرِ عهد محمد علي الناجمة عن كثرة حروبِه مع خصومِه وغَرَقِ مِصرَ بالديون تخلَّى عن الحكم لابنه إبراهيم باشا في شعبان من سنة 1264هـ ثمَّ لم يعمَّرْ بعدها كثيرًا حتى توفِّيَ في رجب من هذا العامِ.

العام الهجري : 1335 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1917
تفاصيل الحدث:

هو السلطانُ حسين كامل سلطان ابن الخديوي إسماعيل، حَكَمَ مصر تحت الاحتلال البريطاني، ولِدَ في القاهرة، ولما بلغ الثامنة التحق بمدرسة قصر النيل التي أنشأها والده ليتعلَّم فيها، بخاصة أولاده وأولاد الأعيان. ولي حسين كامل سلسلةً من المناصب الإدارية. وأقام في طنطا فترةً بوصفه مفتشًا للدلتا، وأشرف على النهوض بقنوات الري في هذه المنطقة. وكذلك خدم مراتٍ عدةً في وزارات المعارف والأوقاف والأشغال العمومية، والداخلية والمالية. وعمل في مجالس إدارة كثيرٍ مِن الشركات الأجنبية، مثل سكة حديد الدلتا. على أنَّ خير ما أسداه من فضلٍ هو نهوضه بالزراعة في مصر، وأنشأ في دمنهور مدرسةً تجارية صناعية، ورأس مدة قصيرة مجلس شورى القوانين والمجلس التشريعي، ولكنه استقال من المجلسين سنة 1909 إثرَ الأزمة التي نشأت حول تمديدِ امتياز قناة السويس. ولما أعلنت تركيا الحربَ على بريطانيا سنة 1914. وشكَّت بريطانيا في أن الخديوي عباس حلمي الثاني يتعاطفُ مع تركيا فضلًا على تأييده للوطنيين في مصر، فعزلته وأقامت الأميرَ حسين كامل حاكمًا على مصر، وأطلقت عليه لقب سلطان؛ نكاية بالسلطان العثماني، وكان قبولُ حسين كامل للسلطنة قد قوبِلَ بمعارضة العناصر الوطنية؛ إذ رأوا أنَّ قبولَه لها في ظِلِّ الاحتلال البريطاني والحكومة العسكرية مَهانةٌ قومية. بل إن كثيرًا من هذه العناصر رأت أنها خيانةٌ عظمى ارتكبها في حَقِّ الدولة العثمانية المُسلِمة في حربها مع بريطانيا. بل نظر بعضُ الوطنيين إلى السلطان وحكومةِ الحرب التي يرأسُها حسين رشدي باشا إلى أنها أدواتٌ في يد سلطات الاحتلال البريطاني، فاستفحلت الوحشةُ بين الجمهور وبين الحكومة والسلطان؛ ولذلك ما إن تربَّع السلطان حسين على دست الحكمِ حتى باشر واجباتِه فمضى يمحو البقيةَ الباقية من آثار السلطان التركي على مصر ومظاهره الإدارية والقضائية، وعلى الرغم من كل هذا إلا أن علاقة السلطان حسين كامل بالسلطات البريطانية في مصر لم تكن في جميع ِالأحوال علاقاتٍ وديةً أو وثيقة؛ فقد كانت بريطانيا في مصر تنظر بعين السخط إلى أنه يعمَلُ على تقوية الروابط بينه وبين الحركة الوطنية؛ ومن ثم فإن البريطانيين كانوا لا يقرُّون محاولات السلطان بالظهور في صورة الزعيم الشعبي، في حين أن الشعب المصري كان ينكِرُ منه أنه أداةٌ في يد البريطانيين. بدأت صِحَّةُ السلطان حسين تضمحِلُّ إلى أن توفي في هذا العام، وكان ابنه الأمير كمال الدين حسين قد أعلن من قَبلُ نزوله عن حقه في وراثة عرش مصر، فخَلَف السلطانَ حسين أخوه الأميرُ فؤاد الذي أصبح ملكًا بعد ذلك.

العام الهجري : 1366 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1947
تفاصيل الحدث:

كانت قضيةُ تقسيم الهند بين المسلمين والهندوس قضيةً شائِكةً جِدًّا، وبقيت سنواتٍ عِدَّةً بين أخذ ورد ومقترحات ومشروعات ومفاوضات وتدخلات بريطانية، وما إلى ذلك، وكان من آخِرِها اللجنةُ الوزارية المؤلَّفة من ثلاثة بريطانيين مهمَّتُهم المباحثة مع زعماء الهند، وأجرت المحادثات وادَّعت أن الشعب باستثناء الرابطة الإسلامية يرغَبُ في وحدة الهند، وأنهم سيرون موضوعَ استقلال باكستان، وزعموا أنَّ إقامةَ دولة باكستان لن يحلَّ المشكلة، وإن كان ففي حدود أضيق مما يطالب به الانفصاليون، وقام مجلِسُ الرابطة الإسلامية برَدِّ مقترحات هذه البَعثة الوزارية، والتي من بينها تقسيمُ البنجاب والبنغال، وقامت مظاهراتٌ واشتدت في كلِّ أرجاء الهند، وعَمِلَ الهندوس خلالها على قتلِ كُلِّ من يُنسَب إلى حزب المؤتمر الهندي من المسلمين، وفتكوا بالتجَّار القادمين من دلهي، ثم دُعِيَ الأطراف الممثِّلون عن حزب الرابطة والمؤتمر وطائفة السيخ للسفَرِ إلى لندن للمشاورة، واستمَرَّ النزاع فأعلنت بريطانيا عن خطة جديدة؛ ففي 25 شعبان 1366هـ / 14 تموز قُدِّمَ إلى المجلس النيابي البريطاني قرارُ استقلال الهند مؤلَّفًا من عشرين مادة وثلاثة جداول، ثم حاز القرارُ على التصديق الملكي في 29 شعبان، وجاء فيه: تنشأ اعتبارًا من 27 رمضان 1366هـ / 14 آب دولتانِ مستقلَّتان من طراز الدومنيونات (مستعمرات لها نظام حكم ذاتي واستقلال وحكومة خاصة مع بقائها تحت التاج الملكي البريطاني) في الهند تُعرَفُ إحداهما بالهند، وثانيهما باكستان، وسيكونُ في كل دولة حاكِمٌ يدير الدومنيين، ويتم تعيينُه من قِبَلِ صاحبِ الجلالة، (وتم تعيين محمد علي جناح حاكمًا عامًّا على باكستان)، ثم جرى خلافٌ حول بعض المقاطعات، مثل: جوناكاد (التي أخذها الهنودُ بالقوة العسكرية بمباركة إنجلترا ) وحيدر أباد (التي أيضا أخذها الهنودُ بالقوة العسكرية عام 1367هـ بسكوت إنجلترا وعصبة الأمم) وكشمير (التي ما يزال الخلاف عليها قائمًا إلى اليوم) ونيبال وبوتان وسيلان وسكيم (وهذه مقاطعات لم تدخُلْ ضِمنَ التقسيم، وإنما شَكَّلت دولًا مستقلة، ولكن سكيم انضمت للهند عام 1396هـ) وغوا (احتفظ بها البرتغاليون كميناء تابع لهم) وبونديشيري (احتفظ الفرنسيون بهذا الميناء)، ومن الجدير بالذكر أن هذا التقسيم لم يتمَّ بسهولة؛ فقد عمل الهندوس على تفريغ أكبر قدر من عصبيَّتِهم قبل أن يُفلِتَ المسلمون من أيديهم، فأقاموا الحواجز التي تمنع وصولَ المسلمين وارتكبوا المذابِحَ الشنيعة، وأحرقوا القطارات التي تنقل المسلمين إلى باكستان، حرقوا وسَبَوا ودمَّروا القرى ومحطات السكك، وفعلوا ما تقشعر منه الأبدانُ وخاصَّةً في دهلي والبنجاب الشرقية.

العام الهجري : 1368 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1949
تفاصيل الحدث:

قام العقيد حسني الزعيم بأول انقلاب عسكري في سوريا، ويعَدُّ الانقلاب الذي قاده العقيد "حسني الزعيم" في سوريا في 29 شعبان سنة 1368هـ/ 30 مارس هو الانقلابَ الأوَّلَ في تاريخ الدول العربية الحديثة. فبعد رحيلِ الفرنسيين عن سوريا كان الأمريكيون يخشون من تنامي التيارات العقائدية داخِلَ البلاد، خاصة الشيوعية واليسارية، ورأى الأمريكيون أنَّ تَرْكَ المسرح السوري للقوى السياسية للتفاعل فيه سيقود حتمًا إلى أن يوجد السوفييت في سوريا؛ ولذا رأوا ضرورةَ إحداث انقلاب عسكري للمحافظة على الأوضاع القائمة. فشجعت المفوضية الأمريكية في دمشق الجيشَ السوري على القيام بانقلاب. وقد رأى الأمريكيون أن حسني الزعيم أفضَلُ الخيارات المطروحة أمامهم؛ حيث كان يتَّفِقُ معهم في العداء للسوفييت، ومن ثم عقَد الأمريكيون معه عدةَ لقاءات عام 1948م. وكانت الأوضاعُ في سوريا قلقةً مضطربة خاصةً بعد نكبة فلسطين؛ حيث اتُّهِم بعض قيادات الجيش بالفساد، وجرى التحقيق مع بعضهم، واتُّهِم بعض السياسيين بسرقةِ المجهود الحربي للجيش، فاستقال وزير الدفاع، ثم استقالت الوزارة، واحتدمت النقاشاتُ بين السياسيين في البرلمان، حتى إن الشرطة تدخَّلت أكثر من مرة لفَضِّها، وانهارت الحكومةُ للمرة الثانية خلال فترة وجيزة. استغل حسني الزعيم الذي عُيِّن قائدًا للجيش في ذي القعدة 1367ه / سبتمبر 1948م هذه الظروف للقيام بانقلابه، فقام بإصدارِ أوامره إلى وحدات من الجيش بمحاصرةِ مبنى الرئاسة والبرلمان والوزارات المختلفة، وتمَّ اعتقال الرئيس "القوتلي"، ورئيس الوزراء، وعدد من القيادات والشخصيات السياسية. ثم قام حسني الزعيم عَقِبَ نجاح انقلابه بحَلِّ البرلمان، وشكَّل لجنة دستورية لوضع دستورٍ جديد، وقانون انتخابي جديد، وأعلن أنه سيتِمُّ انتخابه من الشعب مباشرة، وبدأ بخوضِ الانتخابات الرئاسية كمرشح وحيد، وفاز فيها بنسبة 99.99% في يونيو 1949م!! وقد نمت في عهدِه أجهزة المخابرات والأمن بطريقة غير مسبوقة، وتم استخدامُ أساليب الاعتقال والتعذيب مع المعارضين. أمَّا أخطر سياساته فهي اتجاهُه للتعاون مع الغرب بطريقة مبالَغ فيها، ووقَّع على اتفاقية الهدنة مع إسرائيل، وبدأ يعتَمِدُ على الأقليات في المخابرات والجيش. رضي الشعب عن الزعيم بادئَ الأمر، ولكِنَّه بعد ذلك أخذ يرصُدُ أخطاءه الكثيرة، واستنكَرَ سياسته القائمة على كمِّ الأفواه وخنق الحريات، وحَلِّ البرلمان وتعليق الدستور. وكانت التجربةُ الاستبدادية القصيرة لحكم الزعيم كافيةً لتغذية السَّخط والتبرم بين صفوف الضبَّاط والمثقَّفين، فلم يلبَثْ أن حدَث الانقلابُ الثاني ليلة 14 أغسطس 1949، وذهب ضحيَّتَه الزعيمُ ورئيس وزرائِه.

العام الهجري : 6 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 628
تفاصيل الحدث:

كان رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قبلَ عَقْدِ صُلحِ الحُديبيةِ بعَث خِراشَ بنَ أُميَّةَ الخُزاعيَّ إلى مكَّةَ، وحمَلهُ على جَملٍ له يُقالُ له: الثَّعلبُ. فلمَّا دخَل مكَّةَ عَقَرَتْ به قُريشٌ وأرادوا قَتْلَ خِراشٍ فمنَعهُم الأَحابيشُ (هم: بنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة ، والهون بن خزيمة بن مدركة، وبنو المصطلق من خزاعة) حتَّى أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فدَعا عُمَرَ لِيَبعثَهُ إلى مكَّةَ، فقال: يا رسولَ الله إنِّي أَخافُ قُريشًا على نَفْسي، وليس بها مِن بني عَدِيٍّ أحدٌ يَمنعُني، وقد عَرفتْ قُريشٌ عَداوتي إيَّاها وغِلْظَتي عليها؛ ولكنْ أَدلُّك على رجلٍ هو أَعزُّ مِنِّي عُثمانَ بنِ عفَّانَ. فدَعاهُ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فبعَثهُ إلى قُريشٍ يُخبِرُهم أنَّه لم يأتِ لحربٍ، وأنَّه جاء زائرًا لهذا البيتِ مُعَظِّمًا لِحُرمَتِه، فخرج عُثمانُ حتَّى أتى مكَّةَ ولَقِيَهُ أَبانُ بنُ سَعيدِ بنِ العاصِ، فنزَل عن دَابَّتِه وحمَله بين يَديه ورَدِف خلفَه وأَجارهُ حتَّى بلَّغَ رِسالةَ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فانطلق عُثمانُ حتَّى أتى أبا سُفيانَ وعُظماءَ قُريشٍ فبَلَّغهُم عن رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم ما أَرسلهُ به، فقالوا لِعُثمانَ: إن شِئتَ أن تَطوفَ بالبيتِ فَطُفْ به. فقال: ما كنتُ لأفعلَ حتَّى يَطوفَ به رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم. فاحْتبسَتهُ قُريشٌ عندها، فبلَغ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم والمسلمين أنَّ عُثمانَ قد قُتِلَ).قال ابنُ عُمَرَ رضِي الله عنهما:كانت بَيعةُ الرِّضوانِ بعدَ ما ذهَب عُثمانُ إلى مكَّةَ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيدِه اليُمنى: «هذه يدُ عُثمانَ». فضرَب بها على يدِه، فقال: «هذه لِعُثمانَ».
وقال جابرُ بنُ عبدِ الله: كُنَّا يومَ الحُديبيةِ ألفًا وأربعَ مائةٍ، فبايَعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وعُمَرُ آخِذٌ بيدِه تحت الشَّجرةِ، وهي سَمُرَةٌ. وقال لنا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أنتم اليومَ خيرُ أهلِ الأرضِ». ثم قال جابرٌ: لو كنتُ أُبصِرُ لأَرَيْتُكُم مَوضِعَ الشَّجرةِ.
وعن مَعقِلِ بنِ يَسارٍ قال: لقد رَأيتُني يومَ الشَّجرةِ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُبايِعُ النَّاسَ، وأنا رافعٌ غُصنًا مِن أَغصانِها عن رَأسِه، ونحن أربعَ عشرةَ مائةً. وقدِ اخْتلفتِ الرِّواياتُ في عَددِهم، فقال ابنُ حَجَرٍ: (والجمعُ بين هذا الاختلافِ أنَّهم كانوا أكثرَ مِن ألفٍ وأربعمائةٍ، فمَن قال: ألفًا وخمسمائةٍ جبَر الكَسرَ، ومَن قال: ألفًا وأربعمائةٍ أَلغاهُ).

العام الهجري : 20 العام الميلادي : 640
تفاصيل الحدث:

هو فلافيوس أغسطس هِرقل إمبراطور الإمبراطوريَّة البِيزَنْطيَّة، مِن أُصولٍ أَرْمِينيَّةٍ, بدأَ صُعودَه إلى السُّلطةِ عام 608م، قاد ثَورةً ناجِحَةً ضِدَّ الإمبراطور فورس الذي تَسَلَّم السُّلطةَ بعدَ خَلْعِ الإمبراطور موريس، ودون شَعبِيَّةٍ تُذْكَر في ظِلِّ القَلاقِل التي عانت منها الإمبراطوريَّة. كان والدُ هِرقل -وهو هِرقل الأكبرُ- قائدًا عَسكرِيًّا ناجحًا، شارَك في حُروبِ الإمبراطور موريس، ويُعتبَر هِرقل مُؤَسِّس السُّلالة الهِراقليَّة التي اسْتَمرَّت بحُكم الإمبراطورية البِيزنطيَّة حتَّى عام 711.  انْتَصر هِرقل على الفُرْس في مَعركةِ نينوى 5 هـ، ثمَّ كانت هَزيمةُ جُيوشهِ على يَدِ المسلمين في مَعركةِ اليَرْموك عام 14 هـ، وقد تَنَبَّأَ هِرقل بانْتِصارات المسلمين، كما في صَحيحِ البُخاريِّ قال هِرقلُ لأبي سُفيانَ قبل أن يُسْلِم: فإن كان ما تقولُ حَقًّا فسَيَمْلِكُ مَوضِعَ قَدَمَيَّ هاتين، وقد كنتُ أَعلمُ أنَّهُ خارِجٌ، لم أَكُنْ أَظُنُّ أنَّهُ منكم، فلو أنِّي أَعْلَمُ أنِّي أَخْلُصُ إليه لتَجَشَّمْتُ لِقاءَهُ، ولو كنتُ عنده لغَسَلْتُ عن قَدَمِهِ.  كاد هِرقلُ أن يُسْلِمَ لكنَّ خَوْفَهُ على مُلكِه منَعهُ عن الإسلامِ، كما وَرَدَ خَبَرُهُ في صَحيحِ البُخاريِّ، قال ابنُ النَّاظُورِ:كان هِرقلُ حَزَّاءً يَنظُر في النُّجومِ، فقال لهم حين سألوهُ: إنِّي رَأيتُ اللَّيلةَ حين نَظرتُ في النُّجومِ مَلِكَ الخِتانِ قد ظهَر، فمَن يَخْتَتِنُ مِن هذه الأُمَّةِ؟ قالوا: ليس يَخْتَتِنُ إلَّا اليَهودُ، فلا يُهِمَّنَّكَ شَأْنُهُم، واكْتُبْ إلى مَدايِنِ مُلْكِك، فيَقْتُلوا مَن فيهم مِن اليَهودِ. فبينما هُم على أَمْرِهِم، أُتِيَ هِرقلُ بِرَجُلٍ أرسَل به مَلِكُ غَسَّانَ يُخْبِرُ عن خَبَرِ رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، فلمَّا اسْتَخْبَرَهُ هِرقلُ قال: اذْهَبوا فانْظُروا أَمُخْتَتِنٌ هو أم لا، فنَظَروا إليه، فحَدَّثوهُ أنَّه مُخْتَتِنٌ، وسألَهُ عن العَربِ، فقال: هم يَخْتَتِنون. فقال هِرقلُ: هذا مُلْكُ هذه الأُمَّةِ قد ظَهَرَ. ثمَّ كتَب هِرقلُ إلى صاحِبٍ له بِرُومِيَةَ، وكان نَظيرَهُ في العِلْمِ، وسار هِرقلُ إلى حِمْصَ، فلم يَرِمْ حِمْصَ حتَّى أَتاهُ كِتابٌ مِن صاحِبهِ يُوافِقُ رأيَ هِرقلَ على خُروجِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأنَّهُ نَبِيٌّ، فأَذِنَ هِرقلُ لِعُظماءِ الرُّومِ في دَسْكَرَةٍ له بِحِمْصَ، ثمَّ أَمَرَ بأَبوابِها فغُلِّقَتْ، ثمَّ اطَّلَعَ فقال: يا مَعْشَرَ الرُّومِ، هل لكم في الفَلاحِ والرُّشْدِ، وأن يَثْبُتَ مُلْكُكُم، فتُبايِعوا هذا النَّبيَّ؟ فحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الوَحْشِ إلى الأبوابِ، فوَجدوها قد غُلِّقَتْ، فلمَّا رأى هِرقلُ نَفْرَتَهُم، وأَيِسَ مِن الإيمانِ قال: رُدُّوهُم عَلَيَّ. وقال: إنِّي قلتُ مَقالَتي آنِفًا أَختَبِرُ بها شِدَّتَكُم على دِينِكُم، فقد رَأيتُ. فسَجَدوا له ورَضُوا عنه. هلَك هِرقلُ بعدَ أن هَرِمَ وتَخَلَّى عن قِيادَةِ الجُيوشِ.

العام الهجري : 36 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 656
تفاصيل الحدث:

بعدَ وَقعةِ الزَّابوقةِ بين الزُّبيرِ وطَلحةَ مع مَن أَرسَلهم عُثمانُ بن حَنيفٍ مِن أهلِ البَصرَةِ بقِيادةِ حَكيمِ بن جَبلةَ سار عَلِيٌّ مِن المدينةِ، وبعَث ابنَه الحسنَ، وعمَّارَ بن ياسرٍ إلى الكوفةِ بين يَديهِ يَسْتَنْفِران النَّاسَ، فخرَج مِن الكوفةِ سِتَّة آلافٍ، قَدِموا على عَلِيٍّ بذي قار، فسار في نحوِ عشرةِ آلافٍ، ثمَّ إنَّه وصَل إلى البَصرَةِ، فالتَقى هو وجيشُ طَلحةَ والزُّبيرِ، فاصْطَفَّ الفَريقان وليس لِطَلحةَ ولا لِعَلِيٍّ رأسي الفَريقين قَصْدٌ في القِتالِ؛ بل لِيَتكَلَّموا في اجْتِماعِ الكَلِمَةِ، أرسَل عَلِيٌّ المقدادَ بن الأسودِ والقَعقاعَ بن عُمَر لِيَتكلَّما مع طَلحةَ والزُّبيرِ، واتَّفقوا على عدمِ القِتالِ، فطَلحةُ والزُّبيرُ ومعهما عائشةُ أُمُّ المؤمنين يَرون أنَّه لا يَجوزُ تَرْكُ قَتَلَةِ عُثمانَ، وكان عَلِيٌّ يَرى أنَّه ليس مِن المَصلحةِ تَتَبُّعُ قَتَلَةِ عُثمانَ الآنَ؛ بل حتَّى تَسْتَتِبَّ الأمورُ، فقَتْلُ قَتَلَةِ عُثمانَ مُتَّفَقٌ عليه مِن الطَّرفين، والاخْتِلافُ إنَّما هو في متى يكونُ تَنفيذُهُ، وبعدَ الاتِّفاقِ نام الجَيشان بخيرِ ليلةٍ، وبات قَتَلَةُ عُثمانَ بِشَرِّ ليلةٍ حتَّى قَرَّروا أن يُنْشِبوا القِتالَ بين الفَريقين, فحمَل القَتَلَةُ على عَسكرِ طَلحةَ والزُّبيرِ، فظَنَّ طَلحةُ والزُّبيرُ أنَّ عَلِيًّا حمَل عليهم، فحمَلوا دَفْعًا عن أَنفُسِهم، فظَنَّ عَلِيٌّ أنَّهم حمَلوا عليه، فحمَل دَفْعًا عن نَفْسِه، فوَقَعت الفِتنةُ بغيرِ اخْتِيارِهم، وحاوَل قادةُ الجَيشين وَقْفَ القِتالِ لكن لم يُفْلِحوا، فكان طَلحةُ يقولُ: يا أيُّها النَّاسُ أَنْصِتوا. وهُم لا يُنْصِتون، فقال: أُفٍّ أُفٍّ فَراشُ نارٍ, وذِبَّانُ طَمَعٍ. وعَلِيٌّ يُحاوِل يَمنعُهم ولا يَردُّون عليه, وعائشةُ راكِبةٌ جَمَلَها: لا قاتَلَت، ولا أَمَرَت بالقِتالِ, وقد أَرسَلت كعبَ بن سُورٍ بمُصحفٍ مَنْشُورٍ بيَدِه يُناشِدُ النَّاسَ أن لا يُرِيقوا دِماءَهُم، فأصابُه سَهْمُ غَرْبٍ فقَتَلهُ، فتَرامى أَوْباشُ الطَّائِفَتين بالنَّبْلِ، وشبَّت نارُ الحربِ، وثارت النُّفوسُ، فالْتَحَموا واشْتَدَّ القِتالُ أمامَ الجَملِ الذي عليه عائشةُ رضِي الله عنها حتَّى عُقِرَ الجَملُ، وقُتِلَ طَلحةُ والزُّبيرُ، وحُمِلَتْ عائشةُ بِهَوْدَجِها إلى دارِ عبدِ الله بن خَلَفٍ، ثمَّ سَيَّرَها عَلِيٌّ إلى مكَّةَ في صُحبَةٍ مِن النِّساءِ، ثمَّ وَلَّي على البَصرَةِ عبدَ الله بن عبَّاسٍ بعدَ أيَّامٍ مِن وَقعةِ الجَملِ. وكان سببَها الأصليَّ هو المطالبةُ بقَتلِ قَتَلَةِ عُثمانَ، وإقامةِ الحَدِّ عليهم، ولم يكُن القِتالُ أصلًا في بالِ أحدٍ مِن الفَريقين، ولكن قَدَّرَ الله وما شاء فَعَلَ، ومَعلومٌ أنَّ طَلحةَ والزُّبيرَ وعَلِيًّا ممَّن شهِد لهم النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالجنَّةِ، فرضِي الله عنهم جميعًا وأَرضاهُم.

العام الهجري : 334 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 946
تفاصيل الحدث:

تطَلَّعَ بنو بُوَيه الديلم الشِّيعيَّة إلى السيطرةِ على العراقِ مَقَرِّ الخلافة، وقيل: إنَّ أصلَهم يرجِعُ إلى ملوك ساسان الفارسيِّين الذين شُرِّدوا، فاتَّخَذوا من إقليمِ الديلم الواقع في المنطقة الجبليَّة جنوبيَّ بَحرِ قزوين ملجأً لهم ومقرًّا, وسُمُّوا بالدَّيلمة؛ لطُولِ مُجاورتِهم الدَّيلم. تزعَّم أبو شجاع بُوَيه قبائلَ البُويهيِّينَ سنة 322 - 329 والذى ينتهي نسَبُه إلى الملك الفارسي يزد جرد، وقد أنجب ثلاثة من الذكور، هم: أبو الحسن علي (عماد الدولة)، وأبو على الحسن (ركن الدولة)، وأبو الحسين أحمد (معز الدولة). وكانت بدايةُ الدولة البويهيَّة باستيلاءِ أبي الحسن عليِّ بن بويه على أرجان وغيرها، وقد دخل أبو الحسن علي على شيراز سنة 322، وجعلها عاصمةً لدولته الجديدة، كما دخل فارسَ، وأرسل إلى الخليفةِ الراضي أنَّه على الطاعة. واستولى أبو الحُسَين أحمد بن بويه سنة 326 على الأهواز، وكاتبه بعضُ قواد الدولة العباسيَّة، وزيَّنوا له التوجُّهَ نحو بغداد، وفى سنة 334هـ/ 946م، اتَّجه أبو الحسين أحمد بن بويه نحو بغداد بقُوَّة حربيَّة، فلما جاءت الأخبارُ بأنَّه قد أقبل في الجيوشِ قاصِدًا بغداد، اختفى ابن شيرزاد والخليفة المستكفي بالله، فأقبل أحمدُ بن بويه في جحافِلَ عظيمةٍ مِن الجيوش، فلمَّا اقترب من بغداد بعَثَ إليه الخليفة المستكفي بالله الهَدايا والإنزالات، وقال للرَّسول: أخبِرْه أني مسرور به، وأنِّي إنما اختفيتُ مِن شَرِّ الأتراك، وبعث إليه بالخِلَع والتُّحَف، ودخل أحمدُ بن بويه بغداد في جمادى الأولى وافتتَحَها في سهولةٍ ويُسرٍ، فلم تستطِعْ حامَيتُها التركيةُ مُقاومَتَه، ففَرَّت إلى الموصل، نزل الحسينُ بنُ احمد بن بويه بباب الشماسية، ودخَلَ مِن الغَدِ إلى الخليفة فبايعه, ولقَّبَه الخليفةُ المستكفي بمُعِزِّ الدولة، ولقَّبَ أخاه عليًّا عماد الدولة، ولَقَّبَ أخاه الحسن ركن الدولة، وأمر أن تُكتَبَ ألقابهم على الدَّراهم والدنانير، ولكِنَّ أبا الحسين أحمد بن بويه مُعِزَّ الدولة لم يكتَفِ بهذا اللقب الذي لا يزيدُ على كونِه أميرَ الأمراء. وأصَرَّ على ذِكرِ اسمِه مع اسم الخليفةِ في خُطبةِ الجُمعة، وأن يُسَكَّ اسمُه على العملة مع الخليفة. نزل معزُّ الدولة بدار مؤنس الخادم، ونزل أصحابُه من الديلم بدور الناس، فلقِيَ الناس منهم ضائقةً شديدة، وأمَّنَ مُعِزُّ الدولة ابن شيرزاد، فلما ظهر استكتَبَه على الخَراجِ، ورتَّبَ للخليفة نفقاتِه خَمسةَ آلافِ درهم في كلِّ يومٍ.

العام الهجري : 478 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1085
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ الأَميرُ شَرفِ الدَّولةِ أبو المَكارِمِ مُسلِمُ بن مَلِكِ العَربِ أبي المعالي قُريشِ بن بدران بن مُقَلَّدٍ حُسام الدَّولةِ أبي حَسَّان بن المُسَيِّب بنِ رافعٍ العقيليُّ, كان يَتَرَفَّض كأَبيهِ, ونَهَبَ أَبوهُ دارَ الخِلافَةِ في فِتنَةِ البساسيري، وأَجارَ القائمَ بالله, وماتَ سَنةَ 453هـ كَهْلًا، فقامَ شَرفُ الدولةِ بعدَه، واستَولَى على دِيارِ رَبيعةَ، ومُضَر، وتَمَلَّكَ حَلَب، وأَخذَ الحملَ والإتاوةَ من بلادِ الرُّومِ في أنطاكية، ونَحوِها. وسار إلى دِمشقَ فحاصَرَها. وكان قد تَهَيَّأَ له أَخذُها، فبَلغَه أنَّ حران قد عَصَى عليه أَهلُها، فسار إليهم، فحارَبَهم وحارَبوهُ، فافتَتَحها وبَذلَ السَّيْفَ، وقَتَلَ بها خِلْقًا من أَهلِ السُّنَّةِ. قال الذهبيُّ: "كان رافِضِيًّا خَبِيثًا، أَظهرَ ببِلادِه سَبَّ السَّلَفِ، واتَّسَعَت مَملكتُه، وأَطاعَتهُ العَربُ، واستَفحلَ أَمرُه حتى طَمِعَ في الاستِيلاءِ على بغداد بعدَ وَفاةِ طُغرلبك. وكان فيه أَدَبٌ، وله شِعرٌ جَيِّدٌ. وكان له في كلِّ قَريةٍ قاضٍ، وعاملٌ، وصاحِبُ خَبَرٍ. وكان أَحْوَلَ، له سِياسَةٌ تامَّةٌ. وكان لِهَيْبَتِه الأَمنُ وبعضُ العَدلِ في أيامِه مَوجودًا. وكان يَصرِف الجِزيةَ في بِلادِه إلى العَلَوِيِّين". وهو الذي عَمَّرَ سُورَ المَوصِل وشَيَّدَها في سِتَّةِ أَشهُر من سَنةِ 474هـ. ثم إنه جَرَى بينه وبين السُّلطانِ سُليمان بن قتلمش السلجوقي مصاف على بابِ أنطاكية، كان سُليمانُ بن قتلمش قد مَلَكَ مَدينةَ أنطاكية، فلمَّا أَرسلَ إليه شَرفُ الدولةِ مُسلمَ بن قريش يَطلُب منه ما كان يَحمِلُه إليه الفردوس من المالِ، أَجابهُ بأن المالَ الذي كان يَحمِلُه صاحِبُ أنطاكية فإنَّما هو لِكَونِه كافرًا، وكان يَحمِل جِزيةَ رَأسِه وأَصحابِه، وهو بِحَمدِ الله مُؤمنٌ، فنَهَبَ شَرفُ الدولةِ بَلدَ أنطاكية، فنَهبَ سُليمانُ أيضًا بَلدَ حَلَب، فلَقِيَهُ أَهلُ السَّوادِ يَشكُون إليه نَهْبَ عَسكرِه، فقال:أنا كنتُ أَشَدَّ كَراهِيةً لما يَجرِي، ولكنَّ صاحِبَكم أَحوَجَني إلى ما فَعلتُ، ولم تَجرِ عادَتي بنَهبِ مالِ مُسلمٍ، ولا أَخْذِ ما حَرَّمَتهُ الشَّريعةُ. وأَمَرَ أَصحابَه بإعادَةِ ما أَخذوهُ منهم، فأَعادَهُ، ثم إن شَرفَ الدولةِ جَمعَ الجُموعَ من العَربِ والتُّركمانِ، وسار إلى أنطاكية لِيَحصرَها، فلمَّا سَمِعَ سُليمانُ الخَبرَ جَمعَ عَساكِرَه وسار إليه، فالتَقَيا في طَرفٍ من أَعمالِ أنطاكية، واقتَتَلوا، فانهَزمَت العَربُ، فتَبِعَهم شَرفُ الدولةِ مُنهَزِمًا، ثم قُتِلَ، وله بِضعٌ وأَربعون سَنَةً. ولما قُتِلَ قَصدَ بَنُو عُقيلٍ أَخاهُ إبراهيمَ بنَ قُريشٍ، وهو مَحبوسٌ، فأَخرَجوهُ ومَلَّكوهُ أَمرَهُم، وكان قد مَكثَ في الحَبسِ سِنينَ كَثيرةً بحيث إنَّه لم يُمكِنهُ المَشيُ والحَركةُ لمَّا أُخرِجَ، ثم سار سُليمانُ بن قتلمش إلى حَلَب فحَصرَها مُستَهلَّ رَبيعٍ الأوَّلِ، فأَقامَ عليها إلى خامسِ رَبيعٍ الآخرَ، فلم يَبلُغ منها غَرَضًا، فرَحلَ عنها.

العام الهجري : 544 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1149
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العَلَّامة الحافِظُ الأوحَدُ، شَيخُ الإسلامِ القاضي أبو الفَضلِ عِياضُ بنُ موسى بنِ عِياضِ بنِ عَمرِو بنِ موسى بن عياض بن محمد بن موسى بن عِياض اليحصبي الأندلسي، ثمَّ السبتي، المالكيُّ، قاضي سبتة. أحدُ مشايخ العُلَماءِ المالكيَّة، أصلُه من الأندلُسِ انتَقَلَ جَدُّه عَمرٌو مِن الأندلُسِ إلى مدينة فاس، ثمَّ مِن فاس إلى سبتة, ووُلِدَ القاضي عياض بسبتة في النِّصفِ مِن شعبان سنة 476, لم يَحمِل القاضي العِلمَ في الحداثة، وأوَّلُ شَيءٍ أخذه عن الحافِظِ أبي علي الغساني إجازةً مُجَرَّدة، وكان يُمكِنُه السَّماعُ منه. بدأ بطلب العلمِ في الثانية والعشرين مِن عُمُرِه, ثمَّ رحل إلى الأندلس سنة 503، فاستبحَرَ مِن العُلومِ، وجمَعَ وألَّف، وسارت بتصانيفِه الرُّكبانُ، واشتُهِرَ اسمُه في الآفاقِ، حتى أصبح إمامَ وَقتِه في الحديثِ وعُلومِه، والفِقهِ واللُّغةِ والأدَبِ، وأيَّامِ الناس، وله مُصَنَّفات كثيرةٌ مُفيدةٌ شاهِدةٌ على إمامتِه، منها: الشَّفا بتعريف حقوق المصطفى، وشَرحُ مُسلِم، ومشارِقُ الأنوار، وشَرحُ حديث أم زرع، وغير ذلك، وله شِعرٌ حَسَنٌ. قال خلف بن بشكوال تلميذُه: "هو مِن أهلِ العِلمِ والتفَنُّنِ والذَّكاءِ والفَهمِ، استُقضِيَ بسبتةَ مُدَّةً طويلةً، حُمِدَت سِيرتُه فيها، ثمَّ نُقِلَ عنها إلى قضاءِ غِرناطة سنة 532، فلم يُطَوِّلْ بها، وقَدِمَ علينا قُرطُبةَ، فأخَذْنا عنه". قال الفقيهُ محمد بن حماده السبتي: "جلس القاضي للمُناظرة وله نحوٌ مِن ثمان وعشرين سنة، ووَلِيَ القضاءَ وله خمس وثلاثون سنة، كان هيِّنًا مِن غَيرِ ضَعفٍ، صُلبًا في الحَقِّ، تفَقَّه على أبي عبدِ الله التميمي، وصَحِبَ أبا إسحاق بن جعفر الفقيه، ولم يكُنْ أحَدٌ بسبتة في عَصرِه أكثَرَ تواليفَ مِن تواليفِه" ذكره الذهبي بقوله: "تواليفُه نَفيسةٌ، وأجَلُّها وأشرَفُها كِتابُ (الشَّفا) لولا ما قد حشاه بالأحاديثِ المُفتَعَلةِ عَمَلَ إمامٍ لا نَقْدَ له في فَنِّ الحديثِ ولا ذَوْقَ، واللهُ يُثيبُه على حُسنِ قَصْدِه، وينفَعُ بـ (شِفائِه) وقد فَعَل، وكذا فيه من التأويلاتِ البَعيدةِ ألوانًا، ونبيُّنا صَلَواتُ الله عليه وسلامُه غَنِيٌّ بمِدحةِ التَّنزيلِ عن الأحاديثِ، وبما تواتَرَ مِن الأخبارِ عن الآحادِ، وبالآحادِ النَّظيفةِ الأسانيدِ عن الواهياتِ، فلماذا يا قومِ نتشَبَّعُ بالموضوعاتِ؟ فيتطَرَّق إلينا مقالُ ذَوي الغِلِّ والحَسَدِ، ولكِنْ مَن لا يعلَمُ مَعذورٌ، فعليك يا أخي بكتاب (دلائل النبوة) للبَيهقيِّ؛ فإنَّه شِفاءٌ لِما في الصُّدور، وهُدًى ونُور" مات بمراكش يومَ الجُمُعةِ في جمادى الآخرةِ، وقيل في رمضانَ، بمدينة سبتة, ودُفِنَ بباب إيلان داخِلَ المَدينةِ.

العام الهجري : 815 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1412
تفاصيل الحدث:

بقي الخليفة العباسي المستعين بالله سلطانًا بعد خلع السلطان الناصر فرج أول السنة، ولكن الأمير شيخ المحمودي بيده كل شيء من أمر ونهي وعزل حتى تسمى بالأمير الكبير، ثم لما عَظُم أمره بعد موت بكتمر، وهو مقدم الألوف في الجيش، رأى شيخ المحمودي أن الجوَّ قد خلا له فلا مانع من سلطنته، فطلب الأمراء وكلَّمهم في ذلك، فأجاب الجميع بالسمع والطاعة طوعًا وكرهًا واتفقوا على سلطنته، فلما كان يوم الاثنين مستهل شعبان، وعمل الموكب عنده على عادته بالإسطبل السلطاني، واجتمع القضاة الأربعة، قام فتح الله كاتب السر على قدميه في الملأ وقال لمن حضر: إن الأحوال ضائقة، ولم يعهد أهل نواحي مصر اسم خليفة، ولا تستقيم الأمور إلا بأن يقوم سلطان على العادة، ودعاهم إلى الأتابك شيخ المحمودي، فقال الأمير شيخ: هذا لا يتم إلا برضا الجماعة، فقال من حضر بلسان واحد: نحن راضون بالأمير الكبير، فمدَّ قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن البلقيني يدَه وبايعه، فلم يختلف عليه اثنان، وخُلِعَ الخليفة المستعين بالله العباس من السلطنة بغير رضاه، وبعد مبايعته بالسلطنة لُقِّب بالملك المؤيد شيخ، ثم جلس على كرسي الملك، وبعث إلى الخليفة القضاة ليسلِّموا عليه، ويشهدوا عليه أنه فوَّض إلى الأمير شيخ السلطنة على العادة، فدخلوا إليه وكلموه في ذلك، فتوقف في الإشهاد عليه بتفويض السلطنة توقفًا كبيرًا، ثم اشترط في أن يؤذَنَ له في النزول من القلعة إلى داره، وأن يحلف له السلطان بأنه يناصِحَه سرًّا وجهرًا، ويكون سِلمًا لمن سالمه وحَربًا لمن حاربه، فعاد القضاة إلى السلطان وردوا الخبر عليه، وحَسَّنوا له العبارة في القول، فأجاب: يُمهَل علينا أيامًا في النزول إلى داره، ثم يُرسَم له بالنزول، فأعادوا عليه الجواب بذلك وشهدوا عليه، وتوجَّهوا إلى حال سبيلهم، وأقام الخليفة بقلعة الجبل محتفظًا به على عادته أولًا خليفة، فكانت مدة سلطنته من يوم جلس سلطانًا خارج دمشق إلى يوم خلعه يوم الاثنين أول شعبان، سبعة أشهر وخمسة أيام، فلما حان يوم الاثنين مستهل شعبان حضر القضاة وأعيان الأمراء وجميع العساكر وطلعوا إلى باب السلسلة، وتقدم قاضي القضاة جلال الدين البلقيني وبايعه بالسلطنة، ثم قام الأمير شيخ من مجلسه ودخل مبيت الحراقة بباب السلسلة، وخرج وعليه خِلعة السلطنة السوداء الخليفتي على العادة، وركب فرس النوبة بشعار السلطنة، والأمراء وأرباب الدولة مشاة بين يديه، والقبة والطير على رأسه حتى طلع إلى القلعة، ونزل ودخل إلى القصر السلطاني، وجلس على تخت الملك، وقَبَّلت الأمراءُ الأرض بين يديه، ودُقَّت البشائر، ثم نودي بالقاهرة ومصر باسمه وسلطنته، وخُلِع على القضاة والأمراء ومن له عادة في ذلك اليوم.

العام الهجري : 911 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1505
تفاصيل الحدث:

هو الشيخ الإمام الكبير العلَّامة جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي الخضيري القاهري الشافعي، صاحب التصانيف والمؤلفات الحافلة الجامعة التي تزيد على خمسمائة مصنف، وقد تداولها الناس واشتهرت, وعم النفعُ بها، وُلد في مستهل رجب سنة 849 في مصر بأسيوط وإليها نسبته، وأمُّه أَمَةٌ تركية، وكان أبوه قاضي أسيوط، ثم نشأ في القاهرة يتيمًا بعد وفاة والده، فاشتغل بالعلم فحفظ القرآن والعمدة والمنهاج الفرعي وبعض الأصلي وألفية النحو, ثم رحل إلى كثير من البلاد، فبرع في عدة فنون وشارك في كل العلوم تقريبًا، فله في كل فن مؤلفات مقبولة قد سارت في الأقطار مسير النهار، حتى اعتبر من أكثر العلماء تأليفًا، وأجاز له أكابر علماء عصره مَن سايَرَ وفاق الأقرانَ واشتهر ذكره وبعُد صيتُه, وقد وقع خلاف بينه وبين معاصره الإمام السخاوي رحمهما الله. قال الإمام الشوكاني عن السيوطي: "لكنه لم يسلَمْ من حاسدٍ لفضله، وجاحد لمناقبِه؛ فإن السخاوي في الضوء اللامع- وهو من أقرانه- ترجم له ترجمة مُظلِمة غالبها ثلبٌ فظيع وسبٌّ شنيع، وانتقاصٌ وغمط لمناقبه تصريحًا وتلويحًا، ولا جرم؛ فذلك دأبه في جميع الفضلاء من أقرانه، وقد تنافس هو وصاحب الترجمة منافسة أوجبت تأليف صاحب الترجمة لرسالة سمَّاها: الكاوي لدماغ السخاوي، فليعرف المطَّلع على ترجمة هذا الفاضل في الضوء اللامع أنها صدرت من خصمٍ له غير مقبول عليه" والحق أن السيوطي صاحب فنون وإمام في كثير منها، وهو أحفظ للمتون من السخاوي وأبصر باستنباط الأحكام الشرعية، وله الباع الطويل في اللغة العربية والتفسير بالمأثور وجمع المتون، والاطلاع على كثير من المؤلفات التي لم يطلع عليها علماء عصره، وقد وقع في بعض مؤلفاته الحديثية بعض التسامح والتناقض, أما السخاوي فهو في علم الحديث وعلوم الإسناد وما يتعلق بالرجال والعلل والتاريخ إمام لا يشاركه فيها أحد, ويعتبر صاحب فن واحد؛ ولذا يرجَّح قولُه في الحديث وعلومه على السيوطي، ومؤلفاته في ذلك مرجع المحققين، وهو وارث شيخه ابن حجر. ومن تصانيف السيوطي: الجامعين في الحديث، والدر المنثور في التفسير بالمأثور، وحسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، وتاريخ الخلفاء، واللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، والجامع الصغير وزيادته في الحديث، وأسباب النقول، وشرح على مسلم، وعلى الموطأ، وعلى النسائي، وألفية في المصطلح، وفي اللغة ألفية في النحو، والأشباه والنظائر، وفي علوم القرآن أسباب النزول، والإتقان في علوم القرآن، وغيرها كثير يصعب حصره. توفي السيوطي بعد أذان الفجر يوم الجمعة التاسع عشر جمادى الأولى.

العام الهجري : 1184 العام الميلادي : 1770
تفاصيل الحدث:

لَمَّا كانت روسيا ليس لها عمارةٌ بالبحر الأسود استقدمت أساطيلَها من بحر البلطيك واستعانت بسفن من إنكلترا والفلمنك والبنادقة، واستأجرت ضباطًا ورجالًا لها، فأقبل هذا الأسطول إلى البحر الأبيض ومَرَّ بسواحل مورة، وأمَدَّ رجال الثورة هناك بالمال والسلاح. فلما رأت فرنسا تغلغل روسيا في البحر الأبيض كرهت ذلك جدًّا، وعرضت على الدولة العثمانية النجدةَ فقَبِلتْها، فحضر أحد مهندسيها واسمه البارون (توت) ليساعد مهندسي الترك على ترميم القلاع وبناء الاستحكامات، وعرضت إسبانيا مساعدتها على أن تمنَحَها امتيازات تجارية، فأبى الترك ذلك، وظهر عجز الجيش العثماني في تعليماته ونظاماته أمامَ الجيوش الأوروبية التي كانت قد خطت خطواتٍ واسعةً في سبيل النظام العسكري. أما الأسطولُ الروسي بالبحر الأبيض المتوسط فإن خطره لَمَّا استشرى هناك أرسلت إليه الدولةُ أسطولها تحت قيادة حسين باشا الجزائري ففاز عليه، ثم تقدَّمت سفينتُه لأسرِ سفينة الأميرال الروسي الذي كان يعاونُه كبار رجال البحر من الإنكليز، فأسرع الأميرال بالانتقال إلى سفينة أخرى وأشعل في السفينةِ التي تركها النارَ فاحترقت، وأصيب القبودان حسين باشا بجروجٍ اقتضت أن يُنقَلَ إلى البر، ثم إن القائد العام حسام الدين باشا أمر أن تدخُلَ العمارة إلى ميناء جشمة، وكانت ميناء ضيقة، فنصحه القبودان حسين باشا بأن ذلك لا يجوزُ وربما أفضى إلى ضياع الأسطول كله فلم يُصْغِ إليه. فلما رأى قواد الأسطول الروسي أنَّ العمارة العثمانية دخلت ذلك الميناء حصروها وصَفُّوا بقيةَ السفن وأمروها بالضرب، وساقوا الحرَّاقات للهجوم على السفن العثمانية، فوقعت العمارة العثمانية في حالةٍ سيئة فأُحرِقَت جميعُها إلا سفينتين كبيرتين وخمس سفن صغيرة. فلما شفي حسين باشا الجزائري من جراحِه عاد إلى الأستانة، وطلب من الصدر أن يأذن له في فتح جزيرة ليمنوس التي استولى عليها الروسُ برجال ينتخِبُهم من الفدائيين، فأذن له فانتخب أربعة آلاف رجل، فذهب بهم ونزل في سفن مأجورة حتى نزلوا جميعًا بالجزيرة، فأوقعوا بالروس حتى أجلَوهم عنها. وانتصرت الجيوشُ العثمانية على الروس أيضًا عند طرابزون وكرجستان. ثم أُسندت قيادة السفن لحسين باشا الجزائري لِما اشتُهِر عنه من الحزم والدربة، فأخذ الأسطولَ العثماني وخرج لقتال الأسطولِ الروسي في البحر الأبيض فاضطره للهربِ. أما عساكر روسيا فقد تقدمت بعد أن انتصرت على الجيوش العثمانية في عِدَّة مواقِعَ، واستولت على قلاع إسماعيل وكلي وبندر وآق كيرمان. فاضطرت الدولةُ للجِدِّ في حشد الجنود، ولكن كانت النمسا وبروسيا أسرعَ منها في الوساطة، فرفضت روسيا هذه الوساطةَ وطلبت أن تتفِقَ مع الأتراك مباشرةً، وعرضت مطالِبَ فرفضتها تركيا، فرجعت الحرب إلى ما كانت عليه فاستولت روسيا على قلاع ماجين وطولجي وإيساقجي، ودخلت جنودُها بلاد القرم واستولت على قلاع طومان وكرج وكفه وكرزلوه، فهاجر كثير من التتار إلى الأناضول.