انْتدَب ثلاثةٌ مِن الخَوارجِ، وهُم: عبدُ الرَّحمنِ بن مُلْجِمٍ المُراديُّ، والبَرْكُ بن عبدِ الله التَّميميُّ، وعَمرُو بن بكرٍ التَّميميُّ، فاجتمعوا بمكَّةَ، فتَعاهَدوا وتَعاقَدوا لَيَقْتُلَنَّ هؤلاء الثَّلاثةُ: عَلِيَّ بن أبي طالبٍ رضِي الله عنه، مُعاويةَ بن أبي سُفيانَ، وعَمرَو بن العاصِ، ويُريحوا العِبادَ منهم، فقال ابنُ مُلْجِمٍ: أنا لِعَلِيٍّ. وقال البَرْكُ: أنا لِمُعاويةَ، وقال الآخرُ: أنا أَكْفِيكُم عَمْرًا، فتَواثَقوا أن لا يَنكُصوا، واتَّعَدوا بينهم أن يَقَعَ ذلك ليلةَ سبعَ عشرةَ مِن رمضانَ، ثمَّ تَوجَّه كلُّ رجلٍ منهم إلى بلدٍ بها صاحِبُه، فقَدِمَ ابنُ مُلْجِمٍ الكوفةَ، وبَقِيَ ابنُ مُلْجِمٍ في اللَّيلةِ التي عزَم فيها على قَتْلِ عَلِيٍّ يُناجي الأشعثَ بن قيسٍ في مَسجدِه حتَّى طلَع الفجرُ، فقال له الأشعثُ: ضَحِكَ الصُّبحُ، فقام وشَبِيبٌ فأخَذا أَسْيافَهُما، ثمَّ جاءا حتَّى جلَسا مُقابِلَ السُّدَّةِ التي يَخرُج منها عَلِيٌّ، فضرَب عَلِيًّا بسَيْفِه المَسمومِ على رَأسِه، فلمَّا قُتِلَ أَخَذوا عبدَ الرَّحمنِ بن مُلْجِمٍ وعَذَّبوهُ فقَتَلوهُ. وكانت مُدَّةُ خِلافةِ عَلِيٍّ خمسَ سنين، فجَزاهُ الله عن المسلمين خيرًا، ورضِي عنه وأَرضاهُ، وهو أحدُ العشرةِ المُبَشَّرين بالجنَّةِ.
بعدَ أن فَرَّ يزدجردُ مِن المدائنِ وسار بِاتِّجاهِ حُلوان، والْتَفَّ مَن الْتَفَّ حولَه خِلالَ مَسيرِه فأَمَّرَ عليهم مِهرانَ وأقاموا بجَلُولاء، وتَحَصَّنوا فيها، وحَفروا الخَنادِقَ حولَها، فبعَث سعدٌ إلى عُمَر يُخبِره بذلك، فأَمَرَهُ أن يُقيمَ بالمدائنِ، ويُرْسِل إليهم هاشمَ بن عُتبةَ بن أبي وَقَّاص، فسار إليهم هاشمٌ وحاصَرهُم، واشْتَدَّ القِتالُ، وكانت النَّجدات تَصِلُ إلى الطَّرفين حتَّى فتَح الله على المسلمين، وقد قتَلوا مِن الفُرْسِ الكثيرَ.
بلغ أبا جعفر المنصور ما فعله الدَّيلمُ بالمسلمين وقتْلُهم منهم مقتلةً عظيمةً، فوجَّه إلى البصرة حبيبَ بن عبد الله بن رغبان، وعليها يومئذ إسماعيلُ بن عليٍّ، وأمره بإحصاءِ كلِّ مَن له فيها عشرةُ آلاف درهم فصاعدًا، وأن يأخُذَ كلَّ من كان ذلك له بالشُّخوصِ بنَفسِه لجهاد الدَّيلم، ووجَّه آخر لمثل ذلك إلى الكوفة. ثم سيَّرَ أبو جعفر النَّاسَ من الكوفة والبصرة والجزيرة والموصل إلى غزو الديلم، واستعمل عليهم محمد بن أبي العباس السفَّاح.
الشَّيخُ عبدُ المَجيدِ الزِّندانيُّ مُؤَسِّسُ كُلٍّ مِن جامعةِ الإيمانِ باليَمَنِ، والهيئةِ العالميَّةِ للإعجازِ العِلميِّ في القرآنِ والسُّنةِ في مكَّةَ المكَرَّمةِ، كان -رحمه اللهُ- رئيسَ مجلِسِ شُورى حزبِ التَّجمُّعِ اليَمَنيِّ للإصلاحِ، تُوفِّي في إسطنبول، عن عُمرٍ ناهَز اثنين وثمانين عامًا، ودُفِن في إسطنبول بعدَ الصَّلاةِ عليه في مَسجِدِ السُّلطانِ محمَّد الفاتِح بحُضورِ الرَّئيسِ التُّركيِّ رَجَب طَيِّب أردوغان وعَدَدٍ مِنَ السِّياسيِّينَ والعُلَماءِ المُسلِمين، وجموعٍ مِنَ المُصَلِّين من مختَلِفِ الجِنسيَّاتِ.
هو العلَّامةُ العِزُّ مجد الدين عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم بن أحمد بن محمد بن كيدوم بن عمر بن أبي الخير سعيد الحسيني القيلوي البغدادي ثم القاهري الحنبلي ثم الحنفي. ولدَ تقريبًا بعد سنة 770 والقيلوي نسبة لقرية بالجانب الشرقي من بغداد يقال لها قيلويه نشأ بها العز. قرأ القرآنَ لعاصم وحَفِظَ كتبًا جمة في فنون كثيرة، وبحث في غالب العلوم على مشايخ بغداد والعجم والروم، حتى إنه بحث في مذهبي الشافعي وأحمد وبرع فيهما وصار يقرأ كتبَهما ولازم الرحلةَ في العلم إلى أن صار أحدَ أركانه، وأدمن الاشتغال والأشغال بحيث بقي أوحدَ زمانه، ومن شيوخه في فقه الحنفية الضياء محمد الهروي أخذ عنه المجمع بعد أن حفظه، وسمع غالب الهداية على عبد الرحمن التشلاقي أو القشلاغي، وسمع عليه أصولَ الحنفية، وفي فقه الحنابلة محمد بن الحادي، وسمع عليه البخاري، وتزايد اشتغاله بالمذهب الحنبلي لكون والده كان حنبليًّا، وفي فقه الشافعية ناصر الدين محمد المعروف بأيادي الأبهري ولازمه مدة طويلة أخذ عنه فيها النحو والصرف، ولم يتسير له البحث في فقه المالكية، وقصد ذلك فما قدر، وأخذ أصول الدين وآداب البحث عن السراج الزنجاني، وأصول الفقه عن أحمد الدواليبي، وحضر بحث المختصر الأصلي لابن الحاجب والعضد وكثيرًا من شروح التلخيص في المعاني، وكثيرًا من الكشَّاف على ميرك الصيرامي أحد تلامذة التفتازاني، وبحث بعض الكشاف أيضًا والمعاني والبيان على عبد الرحمن ابن أخت أحمد الجندي، وجميع الشاطبية بعد حفظها على الشريف محمد القمني، والنحو عن أحمد بن المقداد وعبد القادر الواسطي، وبحث عليه الأشنهية في الفرائض بخلوة الغزالي من المدرسة النظامية ببغداد، وانتفع به في غير ذلك, وعُنِيَ بالطب والمعاني والبيان بعد حفظه للتلخيص عن المجد محمد المشيرقي السلطاني الشافعي, والمنطق بعد حفظه الشمسية عن القاضي غياث الدين محمد الخراساني الشافعي، كذا بحث عليه علم الجدل والطب عن موفق الدين الهمذاني، وسمع على موسى باش الرومي علم الموسيقى بحثًا، وارتحل إلى تبريز فأخذ بها عن الضياء التبريزي النحو وأصول الفقه، وعن الجلال محمد القلندشي فقه الشافعية وأصولهم، وحضر المعاني والبيان وبعض الكشاف عند حيدر، ثم ارتحل إلى أرزنجان من بلاد الروم فأخذ علم التصوف عن يارغلي السيواسي، ثم عاد من بلاد الروم بعد أن جال الآفاق وقاسى شدة مع تيمورلنك بحيث كانوا يقطعون الرؤوس ويحمِّلونه إياها إلى البلاد الشامية في سنة 810, ولقي بحلب مَن شاء الله من العلماء، وناظر في الشام الجمالَ الطيماني واجتمع في القدس بالشهاب بن الهائم فعظَّمه كثيرًا وارتحل إلى القاهرة بعد هذا كله, فأشير إليه في الصرف والنحو والمعاني والبيان والمنطق والجدل وآداب البحث والأصلين، والطب والعروض، والفقه والتفسير والقراءات، والتصوف وغيرها، فنزل بالجمالية وقرر في صوفيتها وأقبل الناس عليه فأخذوا عنه، وزوَّجه الشيخ مصطفى المقصاتي ابنته وتدرب به في عمل المقصات، وتكسب بها وقتًا مع اشتهاره بالفضيلة التامة حتى إنه لما تمت عمارة الجامع المؤيدي وحضر السلطان عند مدرسيه ومنهم البدر الأقصرائي الحنفي كان من جملة الحاضرين فلم يتكلم معه غيره، بحيث عظُمَ في عين السلطان، وأشار لما تم الدرس ورام المدرس الدعاء بنفسه مبالغة في تعظيم السلطان القيلوي أن يفعل ففعل، وأعلمه البدر بن مزهر وذلك قبل أن يلي كتابة السر بأنه رجل عالم يتكسب بعمل المقصات، فوعد ببناء مدرسة من أجله يكون هو شيخًا فما تيسر، وربما أقرأه ولده إبراهيم بل رام المؤيد الاجتماع به في محل خلوة للقراءة عليه، فما وافق العز خوفًا من إلصاق كثير مما يصدر عن السلطان به، وعُدَّ ذلك من وفور عقله، واستمر العز ملازمًا للإشغال غير مفتقر للاستفادة من أحد إلا في علم الحديث دراية ورواية؛ فإنه أخذ علوم الحديث جميعًا لابن الصلاح عن الولي العراقي بعد قراءته وسائره سماعًا، وسمع المنظومة في غريب القرآن، ومن أول السيرة الألفية إلى ذكر أزواجه والكثير من النكت على ابن الصلاح، وقرأ منها جميع الألفية الحديثية رواية، والمورد الهني، ومن غيرها الكثير من الأصول الكبار وغيرها، قال شمس الدين السخاوي: " قرأ العز عبد السلام على شيخنا الكمال الشمني صحيح البخاري والنخبة له، واختص به كثيرًا، وكان أحد الطلبة العشرة عنده بالجمالية، وحضر دروسه وأماليه، ورأيت بخط شيخنا بتصنيفه النخبة كتبها برسمه قال في آخرها ما صورته: علقها مختصرها تذكرةً للعلامة مجد الدين عبد السلام نفع الله به آمين، وتمت في صبيحة الأربعاء ثاني عشر شوال سنة أربع عشرة، وقال في أولها ما نصه: رواية صاحبها العلامة الأوحد المفنن مجد الدين عبد السلام البغدادي، وكتب له عليها أنه قرأها قراءة بحث وإتقان وتقرير وبيان، فأفاد أضعاف ما استفاد، وحقق ودقق ما أراد، وبنى بيت المجد لفكره الصحيح وأشاد، ثم قال: وأذن له أن يُقرئها لمن يرى ويرويها لمن درى، والله يسلمه حضرًا وسفرًا، ويجمع له الخيرات زُمَرًا" وأما الرواية فإنه سمع وقرأ على غير واحد وطلبها بنفسه فأكثر وكتب الطباق، وضبط الناس ورافق المتميزين، صار غالب فضلاء الديار المصرية من تلامذة العز عبد السلام، كل ذلك مع الخير والديانة والأمانة والزهد والعفة، وحب الخمول والتقشف في مسكنه وملبسه ومأكله، والانعزال عن بني الدنيا والشهامة عليهم وعدم مداهنتهم، والتواضع مع الفقراء والفتوة والإطعام وكرم النفس والرياضة الزائدة، والصبر على الاشتغال واحتمال جفاء الطلبة والتصدي لهم طول النهار، والتقنع بزراعات يزرعها في الأرياف ومقاساة أمر المزارعين، والإكثار من تأمل معاني كتاب الله عز وجل وتدبره، مع كونه لم يستظهر جميعه ويعتذر عن ذلك بكونه لا يحب قراءته بدون تأمل وتدبر، والمحاسن الجمة بحيث سمعت عن بعض علماء العصر أنه قال: لم نعلم من قَدِمَ مصر في هذه الأزمان مثل العز عبد السلام البغدادي, ولقد تجملت هي وأهلها به, وكان ربما جاءه الصغير لتصحيح لوحه ونحوه من الفقراء المبتدئين لقراءة درسه وعنده من يقرأ من الرؤساء، فيأمرهم بقطع قراءتهم حتى ينتهي تصحيح ذاك الصغير أو قراءة ذاك الفقير لدرسه، ويقول: أرجو بذلك القربة وترغيبهم وأن أندرج في الربانيين ولا يعكس، ولم يحصل له إنصاف من رؤساء الزمان في أمر الدنيا ولا أُعطي وظيفة مناسبة لمقامه، وكان فصيح اللسان مفوهًا طلْقَ العبارة قوي الحافظة سريع النظم جدًّا. مات في ليلة الاثنين الخامس العشر رمضان سنة تسع وخمسين، وصلى عليه من الغد بمصلى باب النصر، ودُفن بتربة الأمير بورى خارج باب الوزير تحت التنكزية، ولم يخلَّف بعده في مجموعِه مثله.
هو أبو المُظَفَّرِ مَنصورُ بنُ محمدِ بنِ عبدِ الجَبَّارِ بنِ أَحمدَ بنِ محمدٍ، السَّمعانيُّ، التَّميميُّ المَروَزِيُّ، الفَقِيهُ الحَنفيُّ ثم الشافعيُّ. الحافِظُ، مِن أَهلِ مَرْو، وُلِدَ في ذي الحجَّةِ 426هـ, وتَفَقَّهَ أَوَّلًا على أَبيهِ في مَذهَبِ أبي حَنيفَةَ، حتى بَرَعَ فيه وبَرَزَ على أَقرانِه, ثم انتَقَل إلى مَذهَبِ الشافعيِّ فأَخَذَ عن أبي إسحاقَ الشِّيرازيِّ وابنِ الصَّبَّاغِ. ذَكرَهُ أبو الحَسنِ عبدُ الغافِر فقال: "هو وَحيدُ عَصرِه في وَقتِه فَضلًا، وطَريقَةً، وزُهْدًا، ووَرَعًا، من بَيتِ العِلمِ والزُّهدِ. تَفَقَّه بأَبيهِ، وصار من فُحولِ أَهلِ النَّظَرِ، وأَخَذَ يُطالِع كُتُبَ الحَديثِ، وحَجَّ، فلمَّا رَجَعَ إلى وَطَنِه تَرَكَ طَريقَتَهُ التي ناظَرَ عليها أَكثرَ من ثلاثين سَنةً، وتَحَوَّلَ شافِعِيًّا. أَظهَرَ ذلك في سَنةِ ثَمانٍ وسِتِّين وأربعمائة. واضطَرَبَ أَهلُ مَرو لذلك، وتَشَوَّشَ العَوامُّ، إلى أن وَرَدَت الكُتُبُ مِن جِهَةِ بلكابك من بَلخ في شَأنِه والتَّشديدِ عليه، فخَرجَ مِن مَرو، ورافَقَهُ ذو المَجدَينِ أبو القاسمِ الموسويُّ، وطائِفةٌ من الأَصحابِ، وخَرجَ في خِدمَتِه جَماعةٌ من الفُقهاءِ وصار إلى طُوس، وقَصَدَ نيسابور، فاستَقبَلَهُ الأَصحابُ استِقبالًا عَظيمًا, وكان في نَوبَةِ نِظامِ المُلْكِ وعَميدِ الحَضرَةِ أبي سعدٍ محمدِ بنِ مَنصورٍ، فأَكرَموا مَورِدَه، وأَنزَلوه في عِزٍّ وحِشمَةٍ، وعُقِدَ له مَجلِسُ التَّذكيرِ في مَدرسةِ الشافعيَّةِ", وكان بَحرًا في الوَعظِ، حافِظًا لكَثيرٍ من الرِّواياتِ والحِكاياتِ والنُّكَتِ والأَشعارِ، فظَهرَ له القَبولُ عند الخاصِّ والعامِّ. واستَحكَمَ أَمرُه في مَذهبِ الشافعيِّ. ثم عاد إلى مَرو، ودَرَّسَ بها في مَدرسةِ أَصحابِ الشافعيِّ، وقَدَّمَهُ نِظامُ المُلْكِ على أَقرانِه، وعَلَا أَمرُه، وظَهرَ له الأَصحابُ. وخَرجَ إلى أصبهان، ورَجعَ إلى مَرو. وكان قَبولُه كلَّ يَومٍ في عُلُوٍّ, وتَعَصَّبَ للسُّنَّةِ والجَماعَةِ وأَهلِ الحَديثِ. وكان شَوْكًا في أَعيُنِ المُخالِفين، وحُجَّةً لأَهلِ السُّنَّةِ. قال أبو المعالي الجُويني: "لو كان مِن الفِقْهِ ثَوْبًا طاوِيًا لكان أبو المُظَفَّر بن السمعاني طَرَّازَهُ".قال الإمامُ أبو عليِّ بن أبي القاسمِ الصَّفَّارِ: "إذا ناظَرتَ أبا المُظَفَّر السمعانيَّ، فكأنِّي أُناظِرُ رَجُلًا من أئِمَّةِ التَّابِعين، ممَّا أَرَى عليه من آثارِ الصَّالِحين سَمْتًا، وحُسْنًا، ودِينًا".كانت له يَدٌ طُولَى في فُنونٍ كَثيرةٍ، وصَنَّفَ التَّفسيرَ وكِتابَ ((الانتصار)) في الحَديثِ، و((البرهان)) و((القواطع)) في أصول الفقه، و((الاصطلام)) وغيرَ ذلك، ووَعَظَ في مَدينةِ نيسابور. كان يقول: "ما حَفِظتُ شَيئًا فنَسيتُه، وسُئِلَ عن أَخبارِ الصِّفاتِ فقال: عليكم بِدِينِ العَجائِزِ وصِبيانِ الكَتاتيبِ. وسُئِلَ عن الاستِواءِ فأَنشدَ قائِلًا:
جِئتُماني لِتَعلَما سِرَّ سُعْدَى
تَجِداني بِسِرِّ سُعْدَى شَحيحا
إن سُعْدَى لَمُنْيَةُ المُتَمَنِّي
جَمَعَت عِفَّةً ووَجْهًا صَبيحا"
دُفِنَ في مَقبَرةِ مَرو.
السيد سابق صاحبُ كتابِ "فقه السُّنة"، تخرَّج في كليَّة الشريعة، من مواليد محافظة المنوفية مركز الباجور قرية إسطنها، بدأ يكتُب في فقه الطهارة، معتمِدًا على كتب فقه الحديث، التي تُعنى بالأحكام، مثل: (سُبل السلام) للصنْعانيِّ، شرح (بلوغ المرام) لابن حَجَر، و(نيل الأوطار) للشوْكاني، وشرح (مُنْتَقى الأخيار من أحاديث سيد الأخيار) لابن تَيْميةَ الجدِّ، وغير ذلك من المصادر المختلِفة، مثل (المُغْني) لابن قُدامة، و(زاد المعاد) لابن القَيِّم، وغيرهما، قُدِّم للمحاكَمةِ في قضية مَقتَل النُّقْراشي باشا، حيث زَعَموا في ذلك الوقت أنَّه هو الذي أفتى الشابَّ القاتلَ عبد المجيد حسن بجواز قَتلِه، وكانت الصحُف تُلَقِّبُه في ذلك الوقت بـ (مفتي الدماء)، ولكنَّ المحكمةَ برَّأَتْه، وأخْلَت سبيلَه، ثم اعتُقِلَ في سنةِ 1949م واقْتيدَ إلى مُعتَقَل الطور.
عُيِّنَ بعد ذلك مديرًا لإدارة الثقافة في وزارة الأوقاف، في عهد وزير الأوقاف أحمد حسن الباقوري، ثم انتقل في السنين الأخيرة من عمره إلى (جامعة أم القرى) بمكَّة المكرَّمة، وتُوفيَ -رحمه الله- عن عُمرٍ يُناهز 85 سنةً، ودُفنَ بمدافن عائلته بقرية إسطنها، حيث مسقطُ رأسِه.
هو أبو إبراهيمَ إسماعيلُ بنُ أحمدَ الساماني أميرُ خراسان وما وراء النَّهرِ، شَهِدَ عَهدُه ظهورَ السَّامانيين كقوَّةٍ في المنطقة. وهو ابنُ أحمدَ بنِ أسد، ويرجع نسَبُه إلى سامان خدا الذي أسَّس سلالةَ السَّامانيين والذي ترك المجوسيَّة واعتنقَ الإسلامَ، ويُعتبَرُ إسماعيل أبًا روحيًّا للقوميَّة الطاجيكية، كان عاقلًا عادلًا، حسَنَ السِّيرةِ في رعيَّتِه، حليمًا كريمًا، يلقب بعد موته بالماضي، وهو الذي كان يُحسِنُ إلى إمامِ أهلِ الحديث في عصرِه محمَّد بن نصر المروزي ويعَظِّمُه ويُكرِمُه ويَحتَرِمُه ويقوم له في مجلسِ مُلكِه، فلما مات تولَّى بعده ولدُه أحمدُ بنُ إسماعيل بن أحمد الساماني, وأرسلَ إليه المكتفي باللهِ عهْدَه بالولاية وعقَدَ لواءَه بيَدِه.
وُلِدَ حسن محمد زيد عام ١٣٧٣هـ الموافق 1954م في مدينة صنعاء القديمة.
حصل على الماجستير في علومِ التربيةِ كما حصل على دراساتٍ عليا في بريطانيا بليفربول.
عُيِّن "وزير دولة" في حكومةِ خالد بحاح بتاريخ 14 محرم ١٤٣٦هـ الموافق 7 نوفمبر 2014م، وهو من مؤسِّسِي حزب الحق [الشِّيعي]، وكان أمينَه العامَّ، ومن مؤسِّسي تكتُّل أحزاب اللِّقاء المشترك، وتولى رئاسته طَوالَ فترة الحربِ السَّادسةِ على الحوثيِّينَ في صَعدة، وأحد الموقِّعين على المبادَرةِ الخليجيَّة التي أطاحت مع الثَّورةِ الشَّعبيَّة اليمنيَّة بحُكمِ علي عبد الله صالح.
قُتِلَ يوم الثلاثاء عن عمر 66 عامًا، بعد تعرُّضِه لإطلاق نار من قِبَل مُسَلَّحينَ في العاصمةِ اليَمنيَّةِ صَنعاء.
هو الإمامُ العلَّامةُ، الحافِظُ الكبيرُ المجَوِّد، مُحَدِّثُ الشام، ثِقةُ الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين المعروف بابن عساكر، الدمشقي الشافعي صاحب (تاريخ دمشق). من أعيانِ الفُقَهاء الشافعيَّة، ومُحَدِّث الشام في وقته. غَلَب عليه الحديثُ فاشتَهَر به وبالَغَ في طلبه إلى أن جمعَ منه ما لم يتَّفِق لغَيرِه، حتى صار أحدَ أكابر حُفَّاظ الحديث ومن عُنِيَ به سَماعًا وجمعًا وتصنيفًا، واطِّلاعًا وحفظًا لأسانيده ومتونِه، وإتقانًا لأساليبه وفنونه، صاحِبُ الكتاب المشهور (تاريخ دمشق) الذي حاز فيه قَصَب السَّبْق، ومن نظَرَ فيه وتأمَّله، رأى ما وصَفَه فيه وأصَّلَه، وحَكَم بأنَّه فريدُ دَهرِه في التواريخ، هذا مع ما له في علوم الحديث من الكُتُب المفيدة، وما هو مشتَمِلٌ عليه من العبادة والطرائق الحميدة, وله مصنفاتٌ كثيرة منها الكبار والصغار، والأجزاءُ والأسفار، وقد أكثَرَ في طلب الحديث من التَّرحال والأسفار، وجاز المدن والأقاليم والأمصار، وجمع من الكتبِ ما لم يجمَعْه أحدٌ مِن الحُفَّاظ نسخًا واستنساخًا، ومقابلة وتصحيحَ الألفاظ. قال الذهبي: "نقلتُ ترجمته من خَطِّ ولده المحدِّث أبي محمد القاسم بن علي، فقال: وُلِدَ أبي في المحرم سنة 499، وعَدَدُ شيوخِه الذي في معجمه ألف وثلاثمائة شيخ بالسماع، وستة وأربعون شيخًا أنشدوه، وعن مائتين وتسعين شيخًا بالإجازة، الكل في معجمه، وبضع وثمانون امرأة لهن مُعجَم صغير سَمِعْناه. وحدَّث ببغداد، والحجاز، وأصبهان، ونيسابور, وصنف الكثير, وكان فَهِمًا، حافِظًا، متقِنًا ذكيًّا، بصيرًا بهذا الشأن، لا يُلحَقُ شَأنُه، ولا يُشَقُّ غُباره، ولا كان له نظيرٌ في زمانه. وكان له إجازاتٌ عالية، ورُوي عنه أشياءُ من تصانيفه بالإجازة في حياته، واشتهر اسمُه في الأرض، وتفقَّه في حداثته على جمال الإسلام أبي الحسن السلمي وغيره، وانتفع بصحبة جده لأمه القاضي أبي المفضل عيسى بن علي القرشي في النحو، ولازم الدرسَ والتفقُّه بالنظامية ببغداد، وصنف وجمع فأحسن, فمن ذلك تاريخ دمشق في ثمانمائة جزء. قلت (الذهبي): "الجزء عشرون ورقة، فيكون ستة عشر ألف ورقة", وجمع (الموافقات) في اثنين وسبعين جزءًا، و(عوالي مالك)، والذيل عليه خمسين جزءًا، و(غرائب مالك) عشرة أجزاء، و(المعجم) في اثني عشر جزءًا, و(مناقب الشبان) خمسة عشر جزءًا، و(فضائل أصحاب الحديث) أحد عشر جزءًا، (فضل الجمعة) مجلد، و(تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الأشعري) مجلد، و (المسلسلات) مجلد، و (السباعيات) سبعة أجزاء، (من وافقت كنيته كنيةَ زوجته) أربعة أجزاء، و (في إنشاء دار السنة) ثلاثة أجزاء، (في يوم المزيد) ثلاثة أجزاء، (الزهادة في الشهادة) مجلد، (طرق قبض العلم)، (حديث الأطيط)، (حديث الهبوط وصحته)، (عوالي الأوزاعي وحاله) جزءان, (الخماسيات) جزء، (السداسيات) جزء، (أسماء الأماكن التي سمع فيها)، (الخضاب)، (إعزاز الهجرة عند إعواز النصرة)، (المقالة الفاضحة)، (فضل كتابة القرآن)، (من لا يكون مؤتمنًا لا يكون مؤذِّنًا)، (فضل الكرم على أهل الحرم)، (في حفر الخندق)، (قول عثمان: ما تغنيت)، (أسماء صحابة المسند)، (أحاديث رأس مال شعبة)، (أخبار سعيد بن عبد العزيز)، (مسلسل العيد)، (الأبنة)، (فضائل العشرة) جزءان، (من نزل المزة)، (في الربوة والنيرب)، (في كفر سوسية)، (رواية أهل صنعاء)، (أهل الحمريين)، (فذايا)، (بيت قوفا)، (البلاط)، (قبر سعد)، (جسرين)، (كفر بطنا)، (حرستا)، (دوما مع مسرابا)، (بيت سوا)، (جركان)، (جديا وطرميس)، (زملكا)، (جوبر)، (بيت لهيا)، (برزة)، (منين)، (يعقوبا)، (أحاديث بعلبك)، (فضل عسقلان)، (القدس)، (المدينة)، (مكة)، كتاب (الجهاد)، (مسند أبي حنيفة ومكحول)، (العزل)، (الأربعون الطوال)، (الأربعون البلدية) جزء، (الأربعون في الجهاد)، (الأربعون الأبدال)، (فضل عاشوراء) ثلاثة أجزاء، (طرق قبض العلم) جزء، كتاب (الزلازل)، (المصاب بالولد) جزءان، (شيوخ النبل)، (عوالي شعبة) اثنا عشر جزءًا، (عوالي سفيان) أربعة أجزاء، (معجم القرى والأمصار) جزء، وغير ذلك, وسرد له عدة تواليف. قال: وأملى أبي أربعمائة مجلس وثمانية. قال: وكان مواظبًا على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن، يختم كل جمعة، ويختم في رمضان كل يوم، ويعتكف في المنارة الشرقية، وكان كثير النوافل والأذكار، ويحاسب نفسه على لحظة تذهب في غير طاعة، كان يجري ذكره عند ابن شيخه، وهو الخطيب أبو الفضل بن أبي نصر الطوسي، فيقول: ما نعلم من يستحِقُّ هذا اللقب اليوم يعني: (الحافظ) ويكون حقيقًا به سواه. وقال القاسم: لما دخلت همذان أثنى عليه الحافظ أبو العلاء، وقال لي: أنا أعلم أنه لا يساجِلَ الحافظ ابن عساكر في شأنه أحد، فلو خالط الناسَ ومازجهم كما أصنع، إذًا لاجتمع عليه الموافِقُ والمخالف, وقال لي أبو العلاء يومًا: أي شيء فتح له، وكيف ترى الناس له؟ قلت (الذهبي): "هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنة إلا بالجمع والتصنيف والتسميع، حتى في نُزَهِه وخلواته" ثم قال أبو العلاء: ما كان يسمَّى ابن عساكر ببغداد إلَّا شعلةَ نار؛ من توقُّدِه وذكائه وحُسنِ إدراكه. قال أبو المواهب: لم أرَ مثله ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة، من لزوم الجماعة في الخمس في الصف الأول إلَّا من عذر، والاعتكاف في رمضان وعشر ذي الحجة، وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور، قد أسقط ذلك عن نفسه، وأعرض عن طلب المناصب من الإمامة والخطابة، وأباها بعد أن عُرِضَت عليه، وقِلَّة التفاته إلى الأمراء، وأخْذ نفسه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا تأخُذُه في الله لومة لائم. قال لي: لَمَّا عزمت على التحديث، واللهُ المطَّلِعُ أنَّه ما حملني على ذلك حُبُّ الرئاسة والتقدم، بل قلت: متى أروي كُلَّ ما قد سمعته، وأيُّ فائدة في كوني أخَلِّفُه بعدي صحائف؟ فاستخرتُ الله، واستأذنت أعيانَ شيوخي ورؤساء البلد، وطُفت عليهم، فكُلٌّ قال: ومن أحقُّ بهذا منك؟ فشرعت في ذلك سنة ثلاث وثلاثين" كانت وفاة ابن عساكر في الحادي عشر من رجب، وله من العمر ثنتان وسبعون سنة، وحضر السلطان صلاح الدين الأيوبي جنازتَه ودُفِنَ بمقابر باب الصغير، وكان الذي صلى عليه الشيخُ قطب الدين النيسابوري.
غزا سعودُ بن عبد العزيز حرمة واستنفر معه أهلَ البلدان مشاةً وركبانًا، ونزل على بلدة حرمة وحصرها حصارًا شديدًا، وقطع نخلَ قاضيها عبد الله بن المويس- ابن عم الشيخ المجدِّد، لكنه من ألدِّ أعداء الدعوة (ت1175)- ومَلَك الأمير سعود أكثَرَ نخلها وأقام عليها أيامًا يباكرهم القتالَ، فلما اشتد عليهم الحصارُ ألقى الله الرعب في قلوبهم، فأرسلوا إلى سعود وطلبوا الصلحَ فأبى إلا أن تكون بلدتُهم فيئًا، أو يزيل ما في البلدِ مِن المحذورِ ومِن الرجالِ وغيرِهم، فصالحهم على ذلك, ولَمَّا كتب لوالده الإمام عبد العزيز كتب إليه أنَّ أهلَ هذه القرية تكرَّر منهم نقضُ العهد، وهي محذورةٌ كلُّها، فاهدِمْها ودمِّرْها، فأمر سعود بهدمِها، فهدم سورَها وبعض بيوتِها، وأمَر على أناس من أهلِها ممن أثار الشرَّ على المسلمين أن يرحَلوا عنها، فارتحل كثيرٌ منهم المجمعة، والبعض الآخر إلى الزلفي.
هو السلطانُ علاءُ الدين خوارزم شاه تكش بن الملك أرسلان شاه بن أطسز، وقيل: هو من ولد طاهر بن الحسين, كان ملكًا مشهورًا، عنده آدابٌ وفضائلُ، ومعرفةٌ بمذهبِ أبي حنيفة، وبنى مدرسةً بخوارزم للحنفيَّةِ، وكان شُجاعًا جوادًا، ملَكَ الدنيا من السِّندِ والهندِ وما وراء النهرِ إلى خراسانَ إلى بغدادَ؛ فإنَّه كان نوَّابُه في حلوان. وكان في ديوانه مائةُ ألف مقاتل، وهو الذي كسر مملوكُه عسكرَ الخليفةِ وأزال دولةَ بني سلجوق، وكان حاذقًا بعلمِ الموسيقى، لم يكن أحدٌ ألعبَ منه بالعودِ. قيل: إنَّ الباطنيَّةَ جهزوا عليه من يقتُلُه، وكان يحترسُ كثيرًا، فجلس ليلةً يلعبُ بالعود، فاتفق أنه غنى بيتًا بالعجمي معناه: قد أبصرتك، وفهمه الباطني، فخاف وارتعد فهرب، فأخذوه وحمل إليه، فقرره فاعترف فقتله. وكان يباشر الحروب بنفسِه، وذهبت عينه في القتال. وكان قد عزم على قصد بغداد، وحشد فوصل إلى دهستان فتوفي بها في رمضان، وحمل إلى خوارزم، ودفن عند أهلِه، وقام بعده ولده خوارزم شاه محمد، ولُقِّب علاء الدين بلقبه, وقيل: حصل له خوانيق فأشير عليه بترك الحركة، فامتنع وسار، فاشتدَّ مرضُه ومات.
بعد رحيل الخوارزميَّة عن دمشق بعدما حاصروها حين أرسلَ الملك الصالحُ نجمُ الدين أيوب مِن مصرَ جيشًا لقتالهم وبعد تحالُفِ بيبرس معهم، وكذلك صاحب حمص، وكذلك الصالح إسماعيلُ كُلُّهم ضد صاحِبِ مصر، حيث أرسل الملِكُ الصالح أيوب القاضي نجمَ الدين محمد بن سالم النابلسي، المعروف بابن قاضي نابلس- وكان متقدمًا عنده- إلى مملوكِه الأمير ركن الدين بييرس، فما زال يخدعُه ويُمَنِّيه، حتى فارق الخوارزميَّة، وقَدِمَ معه إلى ديار مصرَ، فاعتُقِلَ بقلعة الجبل، وكان آخِرَ العهد به، فالتَقَوا مع الملك المنصورِ إبراهيم صاحِبِ حمص وعساكر حلب، وقد انضَمَّ إليهم عربٌ كثيرٌ وتركمان؛ نُصرةً للملك الصالحِ نجم الدين، وذلك بظاهِرِ حمص أوَّلَ يومٍ مِن المحرم، وقيل ثانِيَه، فكانت بينهم وقعةٌ عظيمةٌ انهزم فيها الخوارزميَّة هزيمةً قبيحة، تبَدَّد منها شملُهم، ولم يقُمْ لهم بعدها قائمةٌ، وقُتِلَ مُقَدَّمُهم بركة خان وأُسِرَ كثيرٌ منهم واتَّصلَ مَن فرَّ منهم بالتَّتار، ووردت البشرى بهذه الهزيمةِ إلى السلطانِ الملك الصالحِ نجم الدين أيوب في المحَرَّم، فزُيِّنَت القاهرة ومِصرُ والقلعتان،
رحل السُّلطانَ من الشقيف إلى قرب بانياس، وبعث الأثقالَ إلى دمشق وجهز الأميرَ عز الدين أوغان بجماعة لجهة، وجهز الأمير بدر الدين الأيدمري في جماعةٍ إلى جهة أخرى، فحَفِظَت العساكر الطرقات، ثم سار السلطانُ إلى طرابلس وخيَّمَ عليها في النصف من رجب، وناوش أهلَها القتال وأخذ برجًا كان هناك، وضرب أعناقَ مَن كان من الفرنج، وأغارت العساكِرُ على من في تلك الجبال، وغَنِموا شيئًا كثيرًا وأخذوا عدة مغاير بالسيف، وأحضروا المغانمَ والأسرى إلى السلطان فضَرَبَ أعناق الأسرى، وقطع الأشجارَ وهدم الكنائس، وقسَمَ الغنائم في العسكر، ودخل السلطانُ عن طرابلس في الرابع عشر، فتلقَّاه صاحب صافيتا وأنطرسوس بالخدمة، وأحضر ثلاثمائة أسير كانوا عنده، فشكَرَه السلطان ولم يتعرَّض لبلاده، ونزل السلطان على حمص، وأمر بإبطالِ الخمر والمنكَرات، ثم دخل إلى حماة ولا يعرف أحدٌ أي جهة يقصد، فرتَّب العسكر ثلاثَ فرق: فرقة بصحبة الأمير بدر الدين الخازندار- ممسك خزانة المال- وفرقة مع الأمير عز الدين إيغان، وفرقة مع السلطان، فتوجه الخازندار إلى السويدية، وتوجه إيغان إلى درب بساك، فقتلوا وأسروا، ونزل السلطان أفامية، ووافاه الجميع على أنطاكية.
طابا هي آخِرُ النقاط العُمرانيَّة المصريَّة على خليج العَقَبة، وهي ذاتُ أهميَّة إستراتيجيَّة وسياحيَّة كبيرة. وتبعُدُ عن مدينة شرمِ الشيخِ حوالَيْ 240 كم باتجاه الشمالِ، وتُجاوِرُها مدينة إيلات الإسرائيليَّة، وتمثِّل المِنطقة الواقعة بين طابا شمالًا وشرم الشيخ جنوبًا أهمَّ مناطق الجَذْب والتنمية السياحية بجنوب شبهِ جزيرة سيناءَ، ولطابا أهميَّةٌ أُخْرى في التاريخ المصري أشهَرُها حادثةُ طابا عام 1906م، عندما حدَثَ خلافٌ بين مصرَ والدولة العُثمانيَّة على تَعْيين الحدود بين مصرَ وفِلَسطينَ التي كانت تابعةً للدولة العثمانية، وانتهى الأمرُ باتِّفاق لرسْمِ الحدود من طابا إلى رفحَ، وتَمَّ تَعْيين علامات الحدودِ، وعند تطبيق مُعاهَدة السلام المصريَّة - الإسرائيليَّة حدَثَ خلافٌ على تَعْيين مكان بعض علامات الحدود التي تلاشَتْ، وحاوَلَ الإسرائيليونَ تَحريكَ بعضِ هذه العلامات داخلَ الأرض المصريَّة للاستيلاء على طابا؛ لذلك اتَّفَق الطرَفانِ مصرُ وإسرائيلُ على مبدأِ التحكيم، وفي 29 سبتمبر 1988م أصدرَتْ هيئةُ التحكيم الدولية التي انعقَدَت في جنيفَ حُكمَها لصالح الموقِعِ المصريِّ لتَعْيينِ موقِعِ علامةِ الحدودِ، وفي 19 مارس 1989م، استعادَت مصرُ مِنطقةَ طابا، وعادت إلى سيادتها.