غزا يمينُ الدَّولةِ مَحمودُ بنُ سبكتكين الهندَ، ولَمَّا وصَله خبَرُ دُخولِ إيلك التركي إلى بلادِه واستيلائِه عليها، رجَعَ مِن فورِه إلى بلادِه واستخلصَها مِن يَدِه، فلمَّا فرَغَ سار نحو الهندِ للغزاة، وسبَبُ ذلك أنَّ بعضَ أولادِ مُلوكِ الهند، يُعرَفُ بنواسه شاه، كان قد أسلَمَ على يَدِه، واستخلَفَه على بَعضِ ما افتتَحَه من بلادِهم، فلمَّا بلَغَه أنَّه ارتَدَّ عن الإسلامِ، ومالأَ أهلَ الكُفرِ والطُّغيانِ، سار إليه مُجِدًّا، فحين قارَبَه فَرَّ الهِنديُّ مِن بين يديه، واستعاد يمينُ الدَّولة تلك الوِلايةَ، وأعادها إلى حُكمِ الإسلام، واستخلَفَ عليها بعضَ أصحابِه، وعاد إلى غزنةَ.
هو حَمزةُ بنُ عليِّ بنِ أحمد الفارسي الزوزني، مِن كبارِ الباطنيَّة، ويُعتبَرُ مُؤَسِّسَ المذهَبِ الدرزي وواضِعَ أُسُسِه وعقائِدِه، اتَّصَل بمصرَ برجالِ الدعوة السِّرِّية من شيعة الحاكِمِ بأمر الله الفاطمي العُبَيدي، نادى بالتقَمُّص والحلول مع محمد بن إسماعيلَ الدرزي، أظهر الدعوةَ بألوهيَّةِ الحاكم وأنَّ الإلهَ قد حلَّ فيه، جعله الحاكِمُ داعيَ الدُّعاة، ولَمَّا قُتِلَ الحاكِمُ غادر حمزةُ مصر إلى الشام ونشر فيها مذهَبَه، فعُرِفَ أتباعُه بالدروز ويتَسَمَّونَ بالموحِّدين أيضًا، ويُعتبَرُ حَمزةُ هذا هو قائِمَ الزمانِ وآخِرَ من حل فيه العقلُ الإلهيُّ وهو الواضِعُ لأركان الدينِ عندهم.
لما فتح الفرنج معظم بلاد الشام عَظُمَ خوفُ المسلمين منهم وبلغت القلوبُ الحناجِرَ، وأيقنوا باستيلاء الفرنج على سائر الشام لعدم الحامي له والمانع عنه، فشرع أمراء بلاد الشام في الهدنة معهم، فامتنع الفرنج من الإجابة إلا على قطيعة يأخذونها إلى مدة يسيرة، فصالحهم الملك رضوان، صاحب حلب، على اثنين وثلاثين ألف دينار وغيرها من الخيول والثياب، وصالحهم صاحب صور على سبعة آلاف دينار، وصالحهم ابن منقذ، صاحب شيزر، على أربعة آلاف دينار، وصالحهم علي الكردي، صاحب حماة، على ألفي دينار، وكانت مدة الهدنة إلى وقت إدراك الغَلَّة وحصادها.
لَمَّا ضَمَّ الأتابك زنكي قلعةَ الحديثةِ التي على الفُراتِ، ونَقَل مَن كان بها مِن آل مهارِشَ إلى الموصِلِ، رتَّبَ فيها نوَّابَه، وأرسل زنكي جيشًا إلى قلعة أشب، وكانت أعظَمَ حُصونِ الأكرادِ الهكارية وأمنَعَها، وبها أموالُهم وأهلُهم، فحَصَروها وضَيَّقوا على مَن بها فمَلَكوها، فأمَرَ بإخرابِها وبناءِ القَلعةِ المعروفةِ بالعماديَّة عِوَضًا عنها، وكانت قلعةَ أشب حصنًا عظيمًا من حُصونِ الأكرادِ، فخَرَّبوه لكِبَرِه؛ لأنَّه كبيرٌ جِدًّا، وكانوا يَعجِزونَ عن حِفظِه، فخَرِبَت الآن أشب وعَمَرت العماديَّة، وإنَّما سُمِّيَت العماديَّة نِسبةً إلى لَقَبِ زنكي؛ وكان نصيرُ الدين جقر نائِبُه بالموصِلِ قد فتح أكثَرَ القلاعِ الجبليَّة.
فتَحَ نور الدين محمود قلعة بانياس، وهي بالقُرب من دمشق، وكانت بيد الفرنج من سنة 543، وكان نور الدين لما فتح حارم أذن لعسكر الموصل وديار بكر بالعود إلى بلادهم، وأظهر أنه يريدُ طبرية، فجعل من بقي من الفرنج همَّتَهم حفظَها وتقويتَها، فسار محمود إلى بانياس لعِلْمِه بقلة من فيها من الحُماة الممانعين عنها، ونازلها، وضَيَّقَ عليها وقاتَلَها، وجَدَّ في حصارها، فسمع الفرنج، فجَمَعوا، فلم تتكاملْ عِدَّتُهم، حتى فتحها؛ على أن الفرنج كانوا قد ضَعُفوا بقتل رجالهم بحارم وأسْرِهم، فمَلَك القلعةَ وملأها ذخائرَ وعِدَّةً ورجالًا، وشاطر الفرنج في أعمال طبرية، وقرَّروا له على الأعمال التي لم يشاطِرْهم عليها مالًا في كل سنةٍ.
أثناءَ حِصار صلاحِ الدين الأيوبي لحَلَب بلَغَه مسيرُ الفرنجِ إلى حمص وتجهُّزُهم لِقَصدِها، فرحل عن حَلَب إلى حماة، فوصله ثامِنَ رَجَب، بعد نزول الفرنجِ على حمص بيومٍ، ثم رحل إلى الرستن، فلمَّا سَمِعَ الفرنجُ بقُربِه رَحَلوا عن حمص، ووصل صلاحُ الدين إليها، فحصر القلعةَ إلى أن ملكها في الحادي والعشرين من شعبان، فصار أكثَرُ الشام بيده، ولَمَّا ملك حمص سار منها إلى بعلبك، وبها خادِمٌ اسمه يمن، وهو والٍ عليها من أيام نورِ الدين محمود، فحصرها صلاحُ الدين، فأرسل يمن يطلبُ الأمان له ولمن عنده، فأمَّنَهم صلاحُ الدين، وسُلِّمَ القلعة رابع شهر رمضان.
بعد أن رأى الصليبيون أعمال المغول التتار في البلاد التي يسيرون إليها ويحتلُّونها وشناعَتَهم ووحشيَّتَهم وما فعلوه في روسيا وبولندا من غزوهم أوروبا. قام البابا غريغور التاسع بالدعوة إلى حرب صليبية، ولكن هذه المرة ضد المغول، وليس ضد المسلمين، علمًا بأنَّه قد قيل إن الصليبيين هم من حرَّضوا المغول على التحرك إلى بلاد المسلمين خوارزم وأذربيجان وغيرها؛ وذلك حتى يجعلوا المسلمين بين فكَّي كماشة: من الشرق المغول، ومن الغرب الصليبيين، ولكن لما رأوا استفحالَ أمر المغول واختلاطهم بالمسلمين، أصبحوا يخافون أن يُسلِموا، وبالتالي يصبح مصيرهم مصير التتر الذين أسلموا وأصبحوا قوَّةً للإسلام بعد أن كانوا قوةً عليها.
في أثناءِ الاختلاف بين الملوك التركمان استغل الفرنجُ الوضع فعَمَروا في القُدسِ قلعةً، وجعلوا برجَ داود أحدَ أبراجها، وكان قد تُرِكَ لَمَّا خرب الملك المعظم أسوارَ القُدس، فلما بلغ الناصرَ داود بن الملك المعظَّم صاحب الكرك والأردن عمارةُ هذه القلعة، سار إلى القدسِ ورمى عليها بالمجانيقِ حتى أخَذَها، بعد واحد وعشرين يومًا في يوم تاسع جمادى الأولى عَنوةً بمن معه من عسكر مصر، وتأخَّر أخْذُ برج داود إلى خامس عشر فأُخِذَ من الفرنج صلحًا على أنفُسِهم دون أموالهم، وعَمَر الناصِرُ برج داود واستولى على القُدسِ، وأخرج منه الفرنجَ، فساروا إلى بلادِهم.
لما كان يوم العشرين من جمادى الآخر سار السلطانُ الظاهر من العوجاء إلى يافا، وحاصرها حتى ملكها من يومه، وأخذ قلعتها وأخرج من كان فيها من الفرنجِ، وهَدَمَها كُلَّها وجمع أخشابَها ورخامها وحمَلَه في البحر إلى القاهرة، وأمَرَ السلطان ببناء الجوامِعِ بتلك البلاد، وأزال منها المنكَراتِ، ورتَّبَ الخفراءَ على السواحلِ وألزَمَهم بدَركِها، ورسم أن المال المتحصَّل من هذه البلاد لا يُخلَطُ بغيره، وجعله لمأكله ومشربه، وأنزل التركمان بالبلاد الساحلية لحمايتها، وقرر عليهم خيلًا وعدة، فتجَدَّد له عسكرٌ بغير كلفة، وفيه رسَمَ بتجديد عمارةِ الخليل عليه السَّلامُ، ورسم أن يكون عمل الخوان الذي يمَدُّ ناصيةً عن مسجد الخليل.
بعد أن منَّ الله على المسلمينَ بفتح عكا، فُتِحَت صور وحيفا وعثليث وبعض صيدا بغيرِ قِتالٍ، وفَرَّ أهلُها خوفًا على أنفُسِهم، فتسَلَّمَها الأميرُ علم الدين سنجر الشجاعي، فقَدِمَت البشائرُ بتسليم مدينة صور في التاسع عشر، وبتسليم صيدا في العشرينَ منه، وأنَّ طائفةً مِن الفرنج عصَوا في برجٍ منها، فأمر السلطانُ بهدم صور وصيدا وعثليث وحيفا، فتوجَّه الأمير شمس الدين نبا الجمقدار بن الجمقدار لهدم صور، واتفق أمرٌ عجيب، وهو أن الفرنج لَمَّا قدموا إلى صور كان بها عزُّ الدين نبا واليًا عليها من قِبَل المصريين، فباع صور للفرنجِ بمالٍ، وصار إلى دمشقَ!
وقعت معركةٌ بين محمد الأول سلطان العثمانيين وبين أمير قرمان محمد بن قرمان؛ وذلك أنه لما رأى اضطراب الأمور بين الإخوة العثمانيين، قَوِيَ عزمه على المسير إلى السلطان محمد جلبي ومحاربته فسار إلى بورصا وحاصرها، ثم حصل بين الطرفين قتال انتهى بانتصار السلطان محمد الأول على أمير قرمان وأخذه أسيرًا، ولكنه عفا عنه بعد أن حلف له بالطاعة وأنه لا يخرج عليه مرة أخرى، لكنه حنث وعاود الخروج لقتاله مرة أخرى، فانتصر عليه السلطان محمد مجددًا وأخذه كذلك أسيرًا، ولكنه عفا عنه مرة ثانية بعد أن حلف كذلك على الطاعة!
لما كان يوم الاثنين السادس عشر صفر وثب جماعة كبيرة من مماليك السلطان الأجلاب-هكذا يُعرَفون- من مشترواته الذين بالأطباق من القلعة، وطلعوا إلى أسطحة أطباقهم، ومنعوا الأمراء وغيرهم من الأعيان من طلوع الخدمة، وأفحشوا في ذلك إلى أن خرجوا عن الحد، ونزلوا إلى الرحبة عند باب النحاس، وكسروا باب الزردخاناه السلطانية، وضربوا جماعةً من أهل الزردخاناه -خزانة السلاح- وأخذوا منها سلاحًا كثيرًا، ووقع منهم أمور قبيحة في حقِّ أستاذهم الملك الظاهر جقمق، ولهجوا بخلعِه من الملك، وهمَّ السلطان بقتالهم، ثم فتَرَ عزمُه عن ذلك؛ شفقة عليهم لا خوفًا منهم، ثم سكنت الفتنة بعد أمورٍ وقعت بينهم وبين السلطانِ.
بعد أن طرد العثمانيون ملكَ النمسا فرديناند من المجَر؛ لتدخله في أمورِها وحصارِهم لفيينا سنة936. عاد ملك النمسا بجيشه هذا العام ودخل بودابست، لكنه لم يستطع أن يستوليَ عليها؛ بسبب مقاومة الحامية العثمانية فيها، فلما سار الخليفةُ سليمان بجيشه نحو المجر ليُخرج منها ملك النمسا طلب الملك فرديناند من الخليفة الصلحَ فوافق عليه وعلى الرجوع بجيشه, وذلك لِما بلغه من قوة استعدادات شارلكان الدفاعية، وأنَّ سفنًا بحرية تابعة لشارلكان والبابا احتلَّت بعض المواقع في شبه جزيرة المورة اليونانية التابعة للدولة العثمانية؛ لذلك آثر الخليفة سليمان أن يوقِعَ المعاهدة مع النمسا.
قام قائدُ الشرطة في بغداد بكير آغا بقتلِ الوالي وتسلَّم الأمرَ مكانه، فأرسلت له الدولةُ العثمانية قوةً بقيادة حافظ باشا، فحاصره في بغداد، فقام بالاتصال بالشاه عباس الصفوي، وعرض عليه تسليمَ المدينة فسار إليه, وفي الوقت نفسِه اتصل آغا بالقائد العثماني المحاصِر له وعرض عليه تسليمَ المدينة على أن يتسلَّم هو ولايتَها، فوافق القائد ودخلت جنودُه المدينة قبل وصول الشاه، ولَمَّا وصل الشاه وألقى الحصارَ عليها مدة ثلاثة أشهر اتصل بابن بكير آغا وأغراه بتسليم الولاية، فوافق وخان الدولة، ودخل الشاه بغداد وقتل بكير آغا وابنَه.
لما دخل الإمامُ فيصل الرياضَ بعد عودتِه من القصيم، رأى من بعض أهلِها ريبةً، وجاهر بعضُهم بالعداوةِ، فعمل فيصل على جمعِ أمواله وأهله وخيله والنجايب، وخرج بهم من الرياض إلى الخَرج، فأقام بها عشرة أيام حتى استلحق باقي أهله وشيء من متاعه وعَدَد من رجاله وعبيده، ثم قصد الأحساءَ، فلما وصلها استقبلها أميرُها مِن قِبَلِه عمر بن عفيصان ورؤساؤها وبايعوه على النصرةِ والقيام معه، ونزل قصر الكوت بعياله وأثقالِه، وأقام في الأحساء آخِرَ عاشوراء وصفر وربيع من سنة 1253هـ ووفد عليه رؤساء العربان من مطير والعجمان والسهول وسبيع وغيرهم.