الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1111 ). زمن البحث بالثانية ( 0.015 )

العام الهجري : 354 العام الميلادي : 965
تفاصيل الحدث:

هو شاعِرُ الزَّمانِ المَشهورُ، أبو الطَّيِّب أحمَدُ بنُ حُسَين بن حسن الجعفي الكوفي, الأديبُ الشهيرُ بالمتنبي. ولد سنة 303 بالكوفة في مَحلَّةٍ تسمى كندة فنُسِبَ إليها، وليس هو من كِندَةَ القبيلة، بل هو جعفيٌّ. قَدِمَ الشامَ في صباه, ثم أقام بالبادية يقتَبِسُ اللغة والأخبار, واشتغل بفنونِ الأدب ومَهَر فيها، وكان من المُكثِرينَ مِن نقلِ اللغة والمطَّلِعينَ على غَريبِها وحواشيها، ولا يُسألُ عن شَيءٍ إلَّا واستشهد فيه بكلامِ العَرَبِ مِن النَّظمِ والنَّثرِ، وكان من أذكياءِ عَصرِه. بلغ الذِّروةَ في النَّظمِ، وأربى على المتقَدِّمين, وسار ديوانُه في الآفاق، واعتنى العُلَماءُ به فشرحوه في أكثَرَ مِن أربعينَ شرحًا ما بين مُطَوَّلات ومُختصَراتٍ، ولم يُفعَلْ هذا بديوانٍ غَيرِه. كما أنَّ له حِكمًا وأمثالًا ومعانيَ مُبتكَرةً, وإنَّما قيل له المتنبِّي؛ لأنَّه ادَّعى النبُوَّةَ في باديةِ السَّماوة، وافتَتَن به بعضُ ضِعافِ العُقولِ، وكَذَب عليهم أنَّه يُوحى إليه قرآنٌ يُؤَلِّفُه مِن نَفسِه وشَيطانِه، وكان لؤلؤ أميرُ حمص من قِبَل الإخشيد قبض عليه ثمَّ أطلقه بعدما استَتابه، وقيل: إنَّه قال: أنا أوَّلُ مَن تنبَّأ بالشِّعرِ. تنقَّلَ في البلاد يمدحُ الأمراءَ مقابِلَ المال، لازم سيفَ الدولةِ كثيرًا ومدح كافور متولِّيَ أعمالِ مِصرَ ثمَّ هجاه ومدح مُعِزَّ الدَّولة البويهي, وقد نال بالشِّعرِ مالًا جليلا, يقال: وصل إليه من ابنِ العميدِ ثلاثون ألف دينار، وناله مِن عَضُدِ الدولة مثلها. كان المتنبي يركَبُ الخيلَ بزِيِّ العَرَب، وله شارةٌ وغِلمانٌ وهَيئةٌ. مدح كافورَ وفي رجليه خُفَّان وفي وسَطِه سيفٌ ومِنطَقةٌ ويركَبُ بحاجبين من مماليكِه وهما بالسُّيوفِ والمناطق، ولَمَّا لم يُرضِه كافور هجَاه وفارَقَه ليلةَ عيدِ النَّحرِ سنة 350، ووجَّهَ كافور خَلْفَه رواحِلَ إلى جِهاتٍ شَتَّى فلم يُلحَقْ، وكان كافور وعده بولايةِ بعضِ أعمالِه، فلمَّا رأى تعاليَه في شِعرِه وسُمُوَّه بنَفسِه، خافه، وعوتِبَ فيه فقال كافور: يا قومِ، مَن ادَّعى النبوَّةَ بعدَ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلم، أمَا يدَّعي المملكةَ مع كافور؟! فحَسْبُكم! والمتنبي هو القائِلُ: لولا المشقَّةُ ساد الناسُ كُلُّهم... الجودُ يُفقِرُ والإقدامُ قتَّالُ, وله عِدَّةُ أبياتٍ فائقة يُضرَبُ بها المثَلُ. وكان مُعجَبًا بنَفسِه, كثيرَ الفَخرِ والتَكبُّرِ, فمُقِتَ لذلك. يقال: إنَّ أبا المتنبِّي كان سَقَّاءً بالكوفةِ، وإلى هذا أشار بعضُ الشُّعَراءِ في هجو المتنبِّي، حيث قال: أيُّ فَضلٍ لشاعرٍ يطلُبُ الفضلَ مِن النَّاسِ بُكرةً وعَشِيَّا * عاش حينًا يبيعُ في الكوفةِ الماءَ، وحينًا يبيعُ ماءَ المُحَيَّا. وخبَرُ قَتْلِه أنَّ فاتِكَ الأسدي في جماعةٍ مِن الأعرابِ اعتَرَضوا المتنبِّي ومَن معه وكانوا متَّجِهينَ إلى بغدادَ قافلينَ مِن شيراز، عند النُّعمانيَّة مِن دير العاقول قُربَ النهروان. فقُتِلَ المتنبي ومعه ابنُه مُحَسَّد وغلامُه مُفلِح, وقيل: لَمَّا فَرَّ أبو الطيِّب حين رأى الغَلَبة، قال له غلامُه: لا يتحَدَّثُ النَّاسُ عنك بالفِرارِ أبدًا وأنت القائِلُ: فالخَيلُ واللَّيلُ والبَيداءُ تَعرِفُني... والحَربُ والضَّربُ والقِرطاسُ والقَلَمُ. فكَرَّ راجعًا حتى قُتِلَ، وكان هذا البيتُ سبَبَ قَتلِه.

العام الهجري : 562 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1167
تفاصيل الحدث:

أقبَلَت الفرنج في جحافِلَ كثيرة إلى الديار المصرية، وساعدهم المصريون فتصَرَّفوا في بعض البلاد، فبلغ ذلك أسدَ الدين شيركوه، فاستأذن الملك نور الدين محمود في العود إليها، وكان كثيرَ الحنق على الوزير شاوِر السعدي، فتجهَّزَ وسار في ربيع الآخر في جيشٍ قويٍّ، وسَيَّرَ معه نور الدين جماعة من الأمراء، فلما اجتمع معه عسكرُه سار إلى مصر على البَرِّ، وترك بلاد الفرنج على يمينه، فوصل الديار المصرية، فقصد أطفيح، وعبَرَ النيل عندها إلى الجانب الغربي، ونزل بالجيزة مقابِلَ مصر، وتصرَّفَ في البلاد الغربية، وحكم عليها، وأقام نيفًا وخمسين يومًا، وكان شاوِر لما بلغه مجيء أسد الدين إليهم قد أرسل إلى الفرنج يستنجِدُهم، فأتوه على الصَّعبِ والذَّلول؛ طمعًا في ملكها، وخوفًا أن يملكها أسد الدين، فلما وصلوا إلى مصر عبروا إلى الجانب الغربي، وكان أسد الدين وعساكره قد ساروا إلى الصعيد، فبلغ مكانًا يُعرَف بالبابين، وسارت العساكر المصرية والفرنج وراءه، فأدركوه بها في الخامس والعشرين من جمادى الآخرة، وكان أرسل إلى المصريين والفرنج جواسيس، فعادوا إليه وأخبروه بكثرةِ عددهم وعُدَّتهم، وجِدِّهم في طلبه، فعزم على قتالهم، إلا أنه خاف من أصحابه أن تَضعُفَ نفوسُهم، فكلهم أشاروا عليه بعبور النيل إلى الجانب الشرقي والعود إلى الشام، فأشار أحدُهم بالقتال وشجَّعَهم عليه، فقال أسد الدين: هذا الرأي، وبه أعمَلُ، واجتمعت الكلمة على القتال، فأقام بمكانه حتى أدركه المصريون والفرنج وهو على تعبئة، فلما تقاتلت الطائفتان حمل الفرنج على القلب، فقاتلهم من به قتالًا يسيرًا، وانهزموا بين أيديهم غير متفرِّقين وتبعهم الفرنج، فحمل حينئذ أسدُ الدين فيمن معه على من تخلَّفَ عن الذين حمَلوا من المسلمين والفرنج الفارس والراجل، فهزمهم، ووضع السيفَ فيهم، فأثخن وأكثَرَ القتل والأسرَ، فلما عاد الفرنج من المنهزمين، رأوا عسكرَهم مهزومًا، والأرض منهم قَفرًا، فانهزموا أيضًا، فلما انهزم الفرنج والمصريونَ مِن أسد الدين بالبابين سار إلى ثغر الإسكندرية وجبى ما في القُرى على طريقه من الأموال، ووصلَ إلى الإسكندرية، فتسلَّمها بمساعدة من أهلِها سلَّموها إليه، فاستناب بها صلاح الدين بن أخيه، وعاد إلى الصعيد فملكه وجبى أمواله، وأقام به حتى صام رمضان، وأما المصريون والفرنج فإنهم عادوا واجتمعوا على القاهرة، وأصلحوا حالَ عساكرهم، وجمعوا وساروا إلى الإسكندرية، فحصروا صلاحَ الدين بها، واشتَدَّ الحصار، وقلَّ الطعام على من بها، فصبر أهلُها على ذلك، وسار أسد الدين من الصعيد إليهم، وكان شاوِر قد أفسد من معه من التركمان، فوصل رسل الفرنج والمصريين يطلبون الصلح، وبذلوا له خمسين ألف دينار سوى ما أخذه من البلاد، فأجابوا إلى ذلك وشَرَطَ على الفرنج ألَّا يقيموا بالبلاد ولا يتملَّكوا منها قرية واحدة، فأجابوا إلى ذلك، واصطلحوا وعاد إلى الشام، وتسلَّم المصريون الإسكندرية في نصف شوال، ووصل شيركوه إلى دمشق ثامن عشر ذي القعدة، وأما الفرنج فإنهم استقَرَّ بينهم وبين المصريين أن يكون لهم بالقاهرة شحنة، وتكون أبوابها بيد فرسانهم؛ ليمتنع نور الدين من إنفاذ عسكر إليهم، ويكون لهم من دخلِ مصرَ كل سنة مائة ألف دينار. وعاد الفرنج إلى بلادِهم بالساحل الشامي، وتركوا بمصر جماعةً من مشاهير فرسانهم.

العام الهجري : 567 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1171
تفاصيل الحدث:

هو صاحِبُ مصرَ العاضد لدين الله خاتم الدولة العُبيدية: أبو محمد عبد الله بن الأمير يوسف بن الحافظ لدين الله عبد المجيد بن محمد بن المستنصر، العبيدي الحاكمي المصري الإسماعيلي المُدَّعي هو وأجدادُه أنهم فاطميون. ولد سنة 546. وليَ الحُكمَ بعد وفاة ابن عمه الفائز، وكان أبوه يوسف أحد الأخوين اللذين قتلهما عباس بعد الظافر، واستقر الأمر للعاضد اسمًا، والصالحُ بن رزيك الرافضي كان المتحكِّمَ في الحكم. كان العاضِدُ مليح النظم، قويَّ الرفض، يناظر على الإمامة والقَدَر, وكان سبَّابًا خبيثًا متخلِّفًا شديدَ التشيُّع، متغاليًا في سبِّ الصحابة- رضوانُ الله عليهم أجمعين- وإذا رأى سنيًّا استحل دمه، وسار وزيره الصالح بن رزيك في أيامه سيرةً مذمومة؛ فإنه احتكر الغَلَّات، فارتفع سعرها، وقتل أمراء الدولة خَشيةً منهم، وأضعف أحوالَ الدولة المصرية، فقتَلَ مُقاتِلَتَها، وأفنى ذوي الآراء والحزم منها، وكان كثيرَ التطلع إلى ما في أيدي الناس من الأموال، وصادرَ أقوامًا ليس بينه وبينهم تعلُّق، وفي أيام العاضد ورد أبو عبد الله الحسين بن نزار بن المستنصر من المغرب ومعه عساكر وحشود، فلما قارب بلاد مصر غدرَ به أصحابه وقبضوه وحملوه إلى العاضِدِ، فقتله صبرًا، ووزَرَ للعاضد بعد رزيك بن الصالح, الملك أبو شجاع شاوِر السعدي وهو سُنِّي، ثم استوزر له أسد الدين شيركوه عم صلاح الدين الأيوبي، فلم تطُل أيامه، ومات بالخانوق بعد شهرين وأيام, وقام بعده صلاح الدين الأيوبي الذي شرعَ يَطلُبُ مِن العاضد أشياءَ مِن الخيل والرَّقيقِ والمال ليزيد بذلك مِن ضَعفِه, ثم قبض عليه صلاحُ الدين فحبَسَه في قصره مُضَيِّقًا عليه، لا يعلم كثيرًا مما يجري في دولته، وكان صلاح الدين قد استفتى الفقهاء في قَتلِ العاضد، فأفتوه بجواز ذلك؛ لِما كان عليه العاضِدُ وأشياعه من انحلال العقيدة وفساد الاعتقاد، وكثرة الوقوع في الصحابة والاستهتار بذلك. فقطعَ الخطبة للعاضد، وخطب للخليفة العباسي المستضيء بالله في أول جمعة من المحرم، وتسلَّمَ صلاح الدين القصرَ بما حوى من النفائس والأموال، وقبض أيضًا على أولاد العاضد وآله، فسجنَهم في بيت من القصر، وقمع غلمانهم وأنصارهم، وعفى آثارَهم. هلك العاضد يوم عاشوراء غَمًّا لَمَّا سمع بقطع خطبته وإقامة الدعوة للمستضيء. وقيل: سُقِيَ سمًّا. قال ابن خلكان: "من عجيب الاتفاق أنَّ العاضد في اللغة القاطِع، يقال: عضدتُ الشيءَ فأنا عاضدٌ له، إذا قطعته، فكأنه عاضدٌ لدولتِهم، وكذا كان؛ لأنَّه قطَعَها". قال الذهبي: "تلاشى أمرُ العاضد مع صلاح الدين إلى أن خلعه، وخطبَ لبني العباس، واستأصل شأفةَ بني عُبَيد، ومحقَ دولةَ الرفض, وكانوا أربعة عشر متخَلِّفًا لا خليفة، والعاضِدُ في اللغة أيضًا القاطع، فكان هذا عاضدًا لدولة أهلِ بيته". وبهلاك العاضد انتهت دولة الفاطميين، وكانت جميع مدة ملكهم من حين ظهر المهدي بسجلماسة في ذي الحجة من سنة 299 إلى أن هلك العاضد 272 سنة وشهر تقريبًا.

العام الهجري : 597 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1201
تفاصيل الحدث:

بعد مِلكِ الملك العادل ديارَ مِصرَ، وقَطعِه خطبة الملك المنصور ولد الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين الأيوبي، فلمَّا فعل ذلك لم يَرْضَه الأمراء المصريون، وخَبُثَت نيَّاتُهم في طاعته، فراسلوا أخوَيِ العزيزِ: الظاهر بحلب، والأفضل بصرخد، يدعونَها إلى قصد دمشقَ وحَصرِها ليخرُجَ المَلِكُ العادل إليهم، فإذا خرج إليهم من مِصرَ أسلموه، وصاروا معهما، فيَملِكانِ البلاد، وكَثُرَ ذلك حتى فشا الخبَرُ واتصل بالملك العادل، فأرسل العادِلُ إلى ولده الذي بدِمشقَ يأمُرُه بحصر الأفضَلِ بصرخد، وكتَبَ إلى إياس جركس وميمون القصري، صاحب بلبيس، وغيرهما من الناصريَّة، يأمُرُهم الاجتماعَ مع ولده على حَصرِ الأفضل، وسَمِعَ الأفضل الخبر، فسار إلى أخيه الظاهرِ بحَلَب مستهَلَّ جمادى الأولى، ووصل إلى حلب عاشر الشهرِ، وكان الظاهِرُ قد جمع عَسكَرَه وقصَدَ منبج فمَلَكَها للسادس والعشرين من رجب، وسار إلى قلعةِ نجم وحصرها، فتسَلَّمَها آخر رجب، أما ابنُ العادل المقيم بدمشق فإنَّه سار إلى بصرى، وأرسل إلى جركس ومن معه، وهم على بانياس يحصُرونَها، يدعوهم إليه، فلم يجيبوه إلى ذلك بل غالطوه، فلما طال مُقامُه على بصرى عاد إلى دمشقَ، واجتمع عند المَلِك الظافر خضر بن صلاح الدين، وأنزلوه من صرخد، وأرسلوا إلى الملك الظاهِرِ والأفضل يحثونَهما على الوصولِ إليهم، وساروا منها إلى حمص، ثم سارا منها إلى دمشق على طريق بعلبك، فنزلوا عليها عند مسجِدِ القدم، فلما نزلوا على دمشق أتاهم المماليكُ الناصريَّة مع الملك الظافر خضر بن صلاح الدين، وكانت القاعدةُ استقَرَّت بين الظاهر وأخيه الأفضَلِ أنَّهم إذا ملكوا دمشق تكون بيَدِ الأفضل، ويسيرونَ إلى مصرَ، فإذا مَلَكوها تسَلَّمَ الظاهِرُ دمشق، فيبقى الشامُ جميعه له، وتبقى مصر للأفضَلِ، وكان الملك العادل قد سار من مِصرَ إلى الشام، فنزل على مدينةِ نابلس وسيَّرَ جمعًا من العسكر إلى دمشق ليحفَظَها، فوصلوا قبل وصولِ الظاهرِ والأفضل، وحضر فخرُ الدين جركس وغيره من الناصريَّة عند الظاهر، وزحفوا إلى دمشقَ وقاتلوها رابع عشر ذي القعدة، واشتَدَّ القتال عليها، فعادوا وقد قَوِيَ الطمع في أخْذِها، ثمَّ زحفوا إليها مرَّةً ثانية وثالثة، فلم يبقَ إلَّا مِلكُها، فحسد الظاهِرُ أخاه الأفضَلَ، فأرسلَ إليه يقول له: تكون دمشق له وبيده، ويُسَيِّرُ العساكر معه إلى مصر، فقال له الأفضلُ: قد علمْتَ أنَّ والدتي وأهلي، وهم أهلُك أيضًا، على الأرضِ، ليس لهم مَوضِعٌ يأوون إليه، فأحسِبُ أنَّ هذا البلد لك تُعيرُناه ليسكُنَه أهلي هذه المدَّة إلى أن يَملِكَ مصر، فلم يجبْه الظاهر إلى ذلك، ولَجَّ، فلما رأى الأفضَلُ ذلك الحال قال للناصريَّة وكل من جاء إليهم من الجند: إن كنتم جئتُم إليَّ فقد أذِنْتُ لكم في العَودِ إلى العادل، وإن كنتم جئتُم إلى أخي الظاهرِ فأنتم وهو أخبَرُ، وكان الناس كلهم يريدون الأفضَل، فقالوا: ما نريدُ سواك، والعادِلُ أحبُّ إلينا من أخيك؛ فأذِنَ لهم في العود، فهَرَب فخر الدين جركس وزين الدين قراجة الذي أعطاه الأفضل صرخد، فمنهم من دخل دِمشقَ، ومنهم من عاد إلى إقطاعِه، فلما انفسخ الأمرُ عليهم عادوا إلى تجديدِ الصُّلحِ مع العادل، فتردَّدَت الرسلُ بينهم واستقَرَّ الصلح على أن يكون للظاهِرِ منبج، وأفامية وكفر طاب، وقرى معينة من المعرة، ويكون للأفضل سميساط، وسروج، ورأس عين، وحملين، ورحلوا عن دمشقَ أوَّلَ المحرَّم سنة ثمان وتسعين.

العام الهجري : 660 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1261
تفاصيل الحدث:

هو أميرُ المؤمنينَ الخليفةُ المستنصِرُ بالله أبو القاسِمِ أحمد بن الظاهر بأمر الله محمد بن الناصر لدين الله أحمد بن المستضيء بالله الهاشمي العباسي، البغدادي، الأسود. ولي الخلافةَ بعد قتل ابن أخيه المستعصِم بالله بن المستنصر بالله منصور بثلاثِ سنينَ، في وقتٍ خلا فيه من خليفة للمسلمين. وكان شديدَ السُّمرة، جَسيمًا، عاليَ الهمة، شجاعًا، قال الإمام أبو شامة: في رجب قُرئ بالعادلية كتابُ السلطان الظاهِر بيبرس إلى قاضي القضاة نجمِ الدين بن سني الدولة بأنَّه قَدِمَ عليهم بمصر أبو القاسم أحمد بن الظاهر بن الناصر، وهو أخو المستنصر بالله، وأنه جمَعَ له الناسَ مِن الأمراء والعلماء والتجَّار، وأثبت نَسَبَه عند قاضي القضاة في ذلك المجلس، فلما ثبت بايعَه الناس، وبدأ بالبيعة القاضي تاج الدين، ثمَّ السلطان الملك الظاهر، ثم الكبار على مراتبهم، ونُقِشَ اسمُه على السكة، وخَطَب له ولُقِّبَ بلَقَب أخيه، وفَرِحَ النَّاسُ, ثم رتَّبَ له السلطان أتابكًا، وأستاذ دار، وشرابيًّا، وخزندارًا- ممسك خزانة المال-، وحاجِبًا، وكاتبًا، وعَيَّنَ له خزانةً وجُملةَ مماليك، ومائة فرس، وثلاثين بغلًا، وعشرة قطارات جمال، إلى أمثال ذلك, ثم عزم الخليفةُ على التوجه إلى العراق, فحَسَّن له السلطان ذلك وأعانه, وسار من مصر هو والسلطانُ في تاسع عشر رمضان فدخلوا دمشق في سابع ذي القعدة، ثم جهَّزَ السلطان الخليفةَ وأولاد صاحِبِ الموصل، وغَرِمَ عليه وعليهم من الذهب فوق الألف ألف دينار، فسار الخليفةُ ومعه ملوك الشرق: صاحِبُ الموصل، وصاحِبُ سنجار والجزيرة من دمشق في الحادي والعشرين من ذي القعدة، ثم نزل الخليفةُ بمن معه مشهدَ عليٍّ رضي الله عنه، ولما وصلوا إلى عانة وجدوا بها الحاكِمَ بأمر الله أحمد، ومعه نحوٌ من سبعمائة نفس فاستمالهم الخليفةُ المستنصر، وأنزل الحاكِمَ معه في دهليزه، وتسلَّم الخليفةُ عانة، فلما بلغ المغولَ وصولُ الخليفة المستنصر بالله العراق. خرج قرابغا مُقَدَّم التتار من بغداد- وكان قد استخلفه هولاكو عليها عند عودِه إلى بلاد الشرق- يريد لقاء الخليفة المستنصِر بالله ومحاربته، فنهب الأنبارَ وقَتَل جميعَ من فيها، وتلاحقت به بقيَّةُ التتار من بغداد، ولَقِيَهم الخليفة وقد رتَّب عسكره، فجعل التركمانَ والعرب جناحَي العسكر، واختص جماعةً جَعَلَهم في القلب، وحمَلَ بنفسه على التتار فكسَرَ مُقَدِّمَتَهم، وخذله العربُ والتركمان فلم يقاتِلوا، وخرج كمينٌ للتتار ففَرَّ العرب والتركمان، وأحاط التتار بمن بقي معه فلم يُفلِتْ منهم سوى الأميرِ أبي العباس أحمد الذي قَدِمَ إلى مصر بعد ذلك وتلَقَّب بالحاكم بالله، والأميرُ ناصر الدين بن مهنا، والأميرُ ناصر الدين بن صيرم، والأميرُ سابق الدين بوزبا الصيرفي، والأمير أسد الدين محمود، في نحو خمسينَ من الأجناد، ولم يُعرَف للخليفةِ خبَرٌ، فيقال قُتِلَ بالمعركة في ثالث المحرم، ويقال بل نجا مجروحًا في طائفةٍ مِن العرب فمات عندهم، وكانت هذه الواقعةُ في العشر الأول من المحرم، فكانت خلافتُه دون السَّنة، وبلغت نفقةُ الملك الظاهر على الخليفةِ والملوك المواصلة ألف ألف دينار وستين ألف دينار عينًا.

العام الهجري : 723 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1323
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامة الحافِظُ قاضي القضاة نجمُ الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن سالم بن أبي المواهب، الربعي الثعلبي الدمشقي الشافعي، الشهيرُ بابن صصرى قاضي القُضاة بالشام، وُلِدَ في ذي القعدة سنة 655، ووالدتُه هي شاه ست بنت أبي الغنائم المسلم بن محمد بن المسلم بن علان القيسية الدمشقية، ذكرها الذهبي في معجم الشيوخ الكبير. كان في ابتداء أمرِه كتب في الإنشاء، وكان له نظمٌ ونثرٌ ومُشاركة في فنونٍ كثيرة، فصيحَ العبارة، قادرًا على الحفظ، يحفظُ أربعة دروس في اليوم، سمِعَ ابن صصرى الحديثَ واشتغل وحَصَّل وكتَبَ عن القاضي شمس الدين بن خَلِّكان وفياتِ الأعيان، وسَمِعَها عليه، وتفقَّه بالشيخ تاج الدين الفزاري، وعلى أخيه شرف الدين في النَّحو، وكان له يدٌ في الإنشاء وحُسن العبارة. درَّس بالعادلية الصغيرة سنةَ ثنتين وثمانين، وبالأمينية سنة تسعين، وبالغزالية سنة أربع وتسعين، وتولى قضاء العساكر في دولة العادل كتبغا، ثم تولَّى قضاء الشام سنة ثنتين وسبعمائة، بعد ابنِ جماعة حين طُلِبَ لقضاء مصر بعد ابن دقيق العيد، ثم أضيف إليه مشيخةُ الشيوخ مع تدريس العادلية والغزالية والأتابكية، في يوم الثلاثاء سابِعَ شعبان عَزَل نجم الدين بن صصرى نفسه عن الحُكمِ بسبب كلامٍ سمعه من الشيخ كمال الدين بن الزملكاني. كان نجم الدين ابن صصرى من خصومِ شيخ الإسلام ابن تيمية, ففي الثاني عشر رجب سنة 698 قرأ المِزِّي فصلًا من كتاب أفعال العباد للبُخاري في الجامع، فسَمِعَه بعض الشافعية فغضِبَ، وقالوا: نحن المقصودون بهذا ورفعوه إلى القاضي الشافعي فأمر بحبسه، فبلغ ابن تيمية فتوجَّهَ إلى الحبس فأخرجه بيده، فبلغ القاضي ابن صصرى فطلع إلى القلعة فوافاه ابن تيميَّةَ فتشاجرا بحضرة النائِبِ، واشتطَّ ابن تيمية على القاضي لِكَونِ نائبه جلال الدين آذى أصحابَه في غَيبة النائب، فأمر النائب من ينادي أنَّ من تكلَّمَ في العقائد فُعِلَ كذا به، وقصد بذلك تسكينَ الفتنة. وفي خامس رمضان بطلب القاضي والشيخ وأن يرسلوا بصورةِ ما جرى للقاضي نجم الدين ابن صصرى، ثم وصل مملوك النائب وأخبر أن الجاشنكير والقاضي المالكي قد قاما في الإنكارِ على الشيخ ابن تيمية، وأنَّ الأمرَ اشتَدَّ بمصر على الحنابلة، حتى صفع بعضهم، ثم توجه القاضي ابن صصرى وشيخ الإسلام إلى القاهرة ومعهما جماعةٌ فوصلا في العشر الأخير من رمضان، وعُقِدَ مجلس في ثالث عشر منه بعد صلاة الجمعة، فادعى على ابن تيميَّةَ عند المالكي، فقال: هذا عدوِّي ولم يجِبْ عن الدعوى، فكرر عليه فأصَرَّ، فحكم المالكيُّ بحبسِه، فأقيم من المجلسِ وحُبِسَ في برجٍ، ثم بلغ المالكي أن الناس يترددون إليه، فقال: يجب التضييقُ عليه إنْ لم يُقتَل وإلَّا فقد ثبت كفرُه، فنقلوه ليلة عيد الفطر إلى الجبِّ، وعاد القاضي ابن صصرى الشافعي إلى ولايتِه، ونودي بدمشق من اعتقد عقيدةَ ابن تيمية حَلَّ دَمُه ومالُه خصوصًا الحنابلة، فنودي بذلك وقرئ المرسوم. توفي ابن صصرى فجأةً ببستانه بالسَّهمِ ليلة الخميس سادس عشر ربيع الأول عن ثمان وستين سنة وصُلِّيَ عليه بالجامع المظفري، وحضر جنازتَه نائب السلطنة والقضاة والأمراء والأعيان، وكانت جنازتُه حافلةً ودُفِنَ بتربتهم عند الركنية.

العام الهجري : 754 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1353
تفاصيل الحدث:

خرج عن الطاعةِ قراجا بن دلغادر أمير ألبستان وكان ممن ساعد الأمير بيبغا روس نائب حلب على الخروج أولًا ثمَّ سَلَّمه بنفسِه، وكان نائب حلب الجديد أرغوان الكاملي قد حلف له أنَّه لا يقاتِلُه إن سَلَّم له بيبغا، فلما طلب من أرغون المسيرَ إلى قراجا للقضاء عليه لعصيانِه امتنع واعتذر بأنَّه حلف له ألَّا يُقاتِلَه، ثم ألزم الأمير أرغون الكاملي نائِبَ حلب حتى سار لحرب ابن دلغادر وأتاه نوابُ القلاع حتى صار في عشرة آلاف فارس، سوى الرَّجَّالة والتركمان، ونزل الأميرُ أرغون الكاملي على الأبلستين، فنهبها وهدمها، وتوجَّه إلى قراجا بن دلغادر، وقد امتنع بجبلٍ عالٍ، فقاتلوه عشرين يومًا، فقُتِلَ فيها وجُرِحَ عدد كثير من الفريقين، فلما طال الأمرُ نزل إليهم قراجا بن دلغادر، وقاتَلَهم صدرًا من النهار قتالًا شديدًا، فاستمَرَّ القتل في تركمانه، وانهزم إلى جهة الروم، فأُخِذَت أمواله ومواشيه، وصَعِدَ العسكر إلى جبل، فوجدوا فيه من الأغنام والأبقار ما لا يكاد ينحَصِرُ، فاحتووا عليها، بحيث ضاقت أيديهم عنها، وبِيعَ الرأسُ من البقر بعشرينَ إلى ثلاثين درهمًا، والرأسُ من الضأن بثلاثةِ دراهم، والإكديش- حصان غير أصيل، أبوه من جنسٍ وأمُّه من جنس- من أربعين إلى خمسين درهمًا، وسُبِيَت نساؤه ونِساءُ تركمانه وأولاده، وبِيعوا بحَلَب وغيرها بالهوان، فكانت خيارُ بناته تباع بخمسمائة درهم، وظَفِروا بدفائنَ فيها مال كبير، وكان ابن دلغادر لَمَّا انهزم تبعه العسكر، وأسروا ولَدَيه ونحو الأربعين من أصحابِه، ونجا بخاصَّة نفسه إلى ابن أرتنا، وقد سبق الكتابُ إليه بإعمال الحيلة في قبضِه، فأكرَمَه ابن أرتنا وأواه، ثم قبض عليه وحمله إلى حلب، فدخلها وسُجِنَ بقلعتها في ثاني عشر شعبان، فكتب السلطانُ إلى الأمير أرغون الكاملي نائب حلب بحَملِه إلى مصر، وأنعم عليه بخمسمائة ألف درهم، منها ثلاثمائة ألف من مالِ دمشق، وباقيه من مال حلب، وأعفيَ الأمير أرغون من تسيير القَوَد الذي جرت عادةُ نواب حلب بحَملِه إلى السلطان من الخَيلِ والجِمال البخاتي والهجن والعراب، ومن البغال والقماش والجواري والمماليك، وقيمتُه خمسمائة ألف درهم، فعَظُم بذلك شأن الأمير أرغون الكاملي نائبُ حلب، فإنَّه مع صِغَرِ سِنِّه كان له أربعة مماليك أمراء، وله ولد عمره ثلاث سنين أميرُ مائة مقَدَّم ألف، فلما مات هذا الولد أضيفت تقدمتُه إلى إقطاع النيابة، وكان لأربعة من أخوته القادمين من البلاد وأقاربه أربع إمرات، وفي يوم الخميس خامس عشر رمضان وصل مقدم التركمان الأمير قراجا بن دلغادر، وهو مقيَّدٌ في زنجير، فأقيم بين يدى السلطان، وعُدِّدَت ذنوبه، ثم أُخرِجَ إلى الحبس، فلم يَزَل به إلى أن قَدِمَ البريد من حلب بأن جبار بن مهنا استدعى أولادَ ابن دلغادر في طائفةٍ كبيرة من التركمان، ليُنجِدوه على سيف، وكان سيف قد التجأ إلى بني كلاب، فالتقى الجمعانِ على تعبئة، فانكسر التركمانُ وقُتِلَ منهم نحو سبعمائة رجل، وأُخِذَ منهم ستمائة إكديش، فكتب السلطان من سرياقوس-وكان بها- إلى النائب قبلاي بقتل ابن دلغادر، فأخرجه من السجنِ إلى تحت القلعة ووسَّطه-قتله- في يوم الاثنين رابع عشر ذي القعدة، بعد ما أقام مسجونًا ثمانية وأربعين يومًا.

العام الهجري : 785 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1383
تفاصيل الحدث:

في أوَّلِ شَهرِ رَجَب من هذه السنة طلع الأميرُ صلاح الدين محمد بن محمد بن تنكز نائب الشام إلى السلطانِ ونقل له عن الخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد أنَّه اتفق مع الأمير قرط بن عمر التركماني المعزول عن الكشوفيَّة ومع إبراهيم بن قطلوقتمر العلائي أمير جاندار ومع جماعةٍ من الأكراد والتركمان، وهم نحو من ثمانمائة فارس، أنَّهم يَثِبون على السلطان إذا نزل من القَلعةِ إلى الميدان في يوم السَّبتِ لِلَّعِبِ بالكرة يقتلونَه ويمكنون الخليفةَ مِن الأمرِ والاستبدادِ بالمُلكِ، فحَلَّف السلطانُ ابن تنكز على صِحَّة ما نقل، فحلف له، وطلب أن يحاقِقَهم على ذلك، فبعث السلطانُ إلى الخليفة وإلى قرط وإلى إبراهيم بن قطلقتمر، فأحضرهم وطلب سودون النائب وحَدَّثه بما سمع، فأخذ سودون ينكِرُ ذلك ويستبعد وقوعَه منهم، فأمر السلطان بالثلاثة فحضروا بين يديه وذكر لهم ما نُقِلَ عنهم فأنكروا إلا قرط، فإنه خاف من تهديد السلطان، فقال: الخليفةُ طَلَبني وقال: هؤلاء ظَلَمةٌ وقد استولوا على هذا المُلكِ بغير رضائي، وإني لم أقلِّدْ بَرقوقًا السلطنةَ إلَّا غصبًا، وقد أخذ أموال الناسِ بالباطل، وطلب مني أن أقومَ معه وأنصُرَ الحَقَّ، فأجبْتُه إلى ذلك ووعدتُه بالمساعدة، وأن أجمع له ثمانمائة واحد من الأكراد والتركمان وأقوم بأمره، فقال السلطان للخليفة: ما قولُك في هذا؟ فقال: ليس لِما قاله صحة، فسأل إبراهيم بن قطلقتمر عن ذلك، فقال: ما كنت حاضرًا هذا الاتِّفاق، لكِنَّ الخليفة طلبني إلى بيته بجزيرة الفيل وأعلمني بهذا الكلامِ وقال لي: إن هذا مصلحةٌ، ورغَّبني في موافقته والقيام لله تعالى ونُصرة الحق، فأنكر الخليفةُ ما قاله إبراهيم أيضًا، وصار إبراهيمُ يذكُرُ له أمارات والخليفةُ يَحلِفُ أن هذا الكلام ليس له صِحَّة، فاشتَدَّ حَنَق الملك الظاهر وسَلَّ السيف ليضرَبَ عنق الخليفة، فقام سودون النائب وحال بينه وبين الخليفةِ، وما زال به حتى سكَنَ بعضُ غضبه، فأمر الملك الظاهِرُ بقرط وإبراهيم يسفرا، واستدعى القضاة ليُفتُوه بقتل الخليفة، فلم يُفتُوه بقتله، وقاموا عنه، فأخذ برقوق الخليفةَ وسَجَنَه بموضع في قلعة الجبل وهو مقَيَّد، وسَمَرَ قرط وإبراهيم وشُهِرَا في القاهرة ومصر، ثم أُوقِفا تحت القلعة بعد العصر، فنزل الأمير أيدكار الحاجب وسار بهما ليوسَّطا خارج باب المحروق من القاهرة، فابتدأ بقرط فوُسِّط، وقبل أن يُوسَّط إبراهيم جاءت عدَّةٌ من المماليك بأن الأمراء شَفَعوا في إبراهيم، ففُكَّت مساميره وسُجِنَ بخزانة شمائل، وطَلَب السلطانُ زكريا وعمر ابني إبراهيم عم المتوكل، فوقع اختيارُه على عمر بن الخليفة المستعصم بالله أبي إسحاق إبراهيم بن المستمسك بالله أبي عبد الله محمد بن الإمام الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن أبي علي إسحاق ابن علي القبي، فولَّاه الخلافة، وخلع عليه، فتلقَّبَ بالواثق بالله، ثم في يوم الثلاثاء تاسع ذي القعدة أفرج السلطانُ عن الخليفة المتوكل على الله، ونُقِلَ من سجنه بالبرج إلى دار بالقلعةِ وأحضَرَ إليه عيالَه.

العام الهجري : 791 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1389
تفاصيل الحدث:

خرج المَلِكُ الظاهر برقوق مِن سجن الكرك، واستولى على مدينتِها ووافقه نائِبُها الأمير حسام الدين حسن الكجكني، وقام بخِدمتِه، وقد حضر إلى الملك الظاهر برقوق ابنُ خاطر أمير بني عقبة من عرب الكَركِ، ودخل في طاعته، وقَدِمَ هذا الخبر من ابن بأكيش نائب غزة، فلمَّا سمعه منطاش- الذي تغلب على الناصري وأصبح هو نائِبَ السلطنة- أرسل من يقتُلُ الظاهر برقوق في سجنه، واضطربت الديارُ المصرية، وكَثُرَت القالة بين الناس، واختلفت الأقاويلُ، وتشَغَّب الزعر، وكان مِن خَبَرِ الملك الظاهر برقوق أنَّ منطاش لَمَّا وثب على الأمر وقهر الأتابك يلبغا الناصري وحبسه وحَبَس عِدَّةً من أكابر الأمراء، عاجَلَ في أمر الملك الظاهر برقوق بأن بعث إليه شخصًا يُعرَفُ بالشهاب البريدي، ومعه كتُبٌ للأمير حسام الدين الكجكني نائب الكرك وغيره بقَتلِ الملك الظاهر برقوق من غير مراجَعةٍ، ووعده بأشياءَ غيرِ نيابة الكرك، وكان الشهابُ البريدي أصلُه من الكرك، فجَهَّزه منطاش لذلك سرًّا، فلما وصل الشهاب إلى الكرك أخرج الشهابُ إلى نائبها كتابَ منطاش الذي بقَتلِ برقوق، فأخذه الكجكني منه ليكونَ له حُجَّةً عند قَتْلِه السلطان برقوق، ووعَدَه بقضاء الشُّغلِ وأنزل الشهابَ بمكان قلعة الكرك قريبًا من الموضِعِ الذي فيه الملك الظاهر برقوق، بعد أن استأنَسَ به، ثم قام الكجكني من فَورِه ودخل إلى الملك الظاهر برقوق ومعه كتاب منطاش الذي بقَتلِه، فأوقفه على الكتابِ، فلمَّا سمعه الملك الظاهر كاد أن يَهلِكَ من الجزع، فحَلَف له الكجكني بكلِّ يمين أنَّه لا يُسَلِّمُه لأحد ولو مات، وأنَّه يطلِقُه ويقومُ معه، وما زال به حتى هدأ ما به، وطابت نفسُه، واطمأنَّ خاطِرُه، وقد اشتهر في مدينة الكرك مجيءُ الشهاب بقتل الملك الظاهر برقوق، وكان في خدمةِ الملك الظاهر غلامٌ مِن أهل الكرك يقال له عبد الرحمن، فنزل إلى جماعةٍ في المدينة وأعلَمَهم أن الشهابَ قد حضر لقَتلِ أستاذه الملك الظاهر، فلمَّا سمعوا ذلك اجتمعوا في الحال، وقَصَدوا القلعة وهجموها حتى دخَلوا إلى الشهاب وهو بسَكَنِه من قلعة الكرك، ووثَبوا عليه وقَتَلوه، ثم جَرُّوه برجله إلى الباب الذي فيه المَلِك الظاهر برقوق، وكان نائِبُ الكرك الكجكني عند الملك الظاهر، وقد ابتدؤوا في الإفطار بعد أذان المغرب، وهي ليلة الأربعاء عاشر شهر رمضان من سنة 791 فلم يشعر الملك الظاهر والكجكني إلَّا وجماعة قد هجموا عليهم، وهم يدعون للملك الظاهر بالنَّصرِ، وأخذوا الملك الظاهِرَ بيَدِه حتى أخرجوه من البرجِ الذي هو فيه، وقالوا له: دُسْ بقدمك عند رأس عدُوِّك، وأروه الشهابَ مقتولًا، ثم نزلوا به إلى المدينةِ فدُهِشَ النائب مما رأى، ولم يجِدْ بدًّا من القيامِ في خدمة الملك الظاهر وتجهيزِه، وانضَمَّ على الملك الظاهِرِ أقوام الكرك وأجنادُها، وتسامع به أهلُ البلاد، فأتَوه من كُلِّ فَجٍّ بالتقادم والخيول، كل واحدٍ بحَسَبِ حالِه، وأخذ أمرُ الملك الظاهر برقوق من يومِ ذلك في استظهارٍ، وأما أمر منطاش فإنه لما سَمِعَ هذا الخبر وتحقَّقَه، علم أنه وقع في أمرٍ عظيم، فأخذ في تدبيرِ أحوالِه، فأول ما ابتدأ به أن قَبَض على جماعةٍ كبيرة من المماليك الظاهرية، وسجنهم وقَتَل بَعْضَهم.

العام الهجري : 1253 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1837
تفاصيل الحدث:

بعد سَيرِ القوات المصرية نحوَ الرياض وجدت التشجيعَ مِن سكَّانها الذين قَدِمَ منهم وفد؛ ليعلن ولاءَهم للجيش المصري، وفر منها المعارِضون من آلِ الشيخ إلى جهات الحلوة والحريق وحوطة بني تميم في جنوبي نجد. فأراد خالد بن سعود أن يُخضِعَ المناطِقَ الجنوبية من نجدٍ بالقوة، بعد أن رفضت طاعتَه، فكتب خالد إلى أمراء سدير والمحمل والوشم وبلدان العارض بالنفير معه لقتالِ مناطق الجنوب، فخرجوا جميعًا إلَّا أمير سدير أحمد بن محمد السديري، تخلَّف بسبب القَحطِ، واستنفر خالد أهلَ الرياض، فلما وصل الخرج استنفر أهلَها، فركب معهم فهد بن عفيصان، فاجتمع لخالد وإسماعيل 7000 مقاتِلٍ مِن الترك والعُربان وأهل البلدان المتابعين لهم، فقصدوا بلدة الحلوة. كان أهلُ الحلوة قد أخرجوا نساءهم وأبناءهم وأدخلوهم الحوطةَ، وكان الشيخ عبد الرحمن بن حسن، والشيخ علي بن حسين، وعبد الملك بن حسين، وحسين بن حمد بن حسين -أبناء الشيخ محمد بن عبد الوهاب- بعد أن أقبل عساكِرُ خالد وإسماعيل على الرياض؛ هربوا منه وسكنوا بلد الحوطة، وبعضهم نزل على تركي الهزاني في الحريق، فلما صارت هذه الحادثة جعل الله بسببهم ثباتًا لهم ويقينًا يشجعونهم ويأتمرون بأمرِهم ولا يقطعون أمرًا دون مشورتِهم، فلما دخل عسكر الترك حرة قرب بلدة الحلوة، صعد أهل الحلوة الجبَلَ لقتالِهم، فوقع القتال من أوَّلِ النهار إلى بعد الظهرِ، وهم في قتال وإقبال وإدبار، فأتى المدَدُ من أهل الحوطة والحريق وغيرهم، وحصلت مقتلة عظيمة على عسكر الترك وأتباعهم، فنزلت بهم هزيمةٌ ساحقة. يقول ابن بشر: وأول من انهزم الأعرابُ الذين مع العسكرِ، ثم وقعت الهزيمةُ العظيمة التي ما وقع لها نظيرٌ في القرون السالفة ولا في الخلوفِ الخالفة، على عساكِرِ التركِ وأعوانِهم، وهلكت تلك الجنودُ ما بين قتلٍ وظمأٍ، وذُكر لي أن الرجلَ من القرابة الذين ليس لهم خيلٌ لا ينهزِمُ أكثر من رميةِ بندقٍ، ولم ينجُ واحد منهم، وتفَرَّقت الخيالة في الشِّعابِ فهلكوا فيها ليس لهم دليل، ولا يهتدون إلى السبيل، ونجا خالدٌ بنفسِه ومن معه من أهل نجد، لما رأوا الهزيمة انهزموا وحدَهم، وتركوا عسكَرَهم وجندهم، وتزبن إسماعيل والمعاون وشرذمة معهم من الخيالة هزيمةَ خالد، فاجتمعوا به وساروا معه، وهربت الأعرابُ على رحايل العسكر، وتركوا جميعَ محلَّتِهم وأمتعتِهم، فغَنِمَ أهل الحوطة وأهل الحريق وأتباعُهم جميعَ ما معهم من الأموال والسلاح والخيام، وفيها من الذهب والفضة ما ليس له نظيرٌ، وذلك يوم الأربعاء منتصف ربيع الآخر، وكان معهم فهد بن عفيصان بغزوِ أهل الدلم، فهرب عنهم في الليل، فلما وصل بلده أخبرهم بالأمرِ، وأمرهم يخرُجون ويأخذون ما وجدوا منهم، فتلقَّاهم غزوان أهل نجد وهزموهم إلى بلدِهم ونزلوا عندها، وحصل بينهم وبين أهلِها مناوشة رميٍ بالبنادق، ووافاهم أحمد السديري بغزو أهل سدير فيها، ثم إن خالدًا وإسماعيل وأتباعَهم رحلوا من الدلم وقصدوا الرياضَ ودخلوها. قيل: إن الذي نجا من الخيَّالة مع إسماعيل قريبٌ من  مائتين دخلوا معه الرياض، وكان قد أبقى في الرياضِ لَمَّا خرج إلى الحوطة أكثر من مائتين من المغاربة والترك في القصر".

العام الهجري : 492 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1099
تفاصيل الحدث:

كان بيتُ المقدِسِ تحت حُكمِ الفاطميين، ولهم فيه رجلٌ نائِبٌ يُعرَفُ بافتخار الدولة، وبقِيَ فيه إلى الآن، فقصده الفرنجُ بعد أن حصروا عكَّا، فلم يقدِروا عليها، فلما وصلوا إليه حصروه نيفًا وأربعين يومًا، ونصبوا عليه برجين أحدهما من ناحية صهيون، وأحرقه المسلمون، وقتلوا كلَّ من به، فلمَّا فرغوا من إحراقه أتاهم المستغيثُ بأن المدينة قد مُلِكت من الجانب الآخر، وملكوها من جهة الشمال منه ضحوةَ نهار يوم الجمعة لسبعٍ بقين من شعبان، وركب الناسَ السيفُ، ولبث الفرنجُ في البلدة أسبوعًا يقتلون فيه المسلمين، واحتمى جماعةٌ من المسلمين بمحرابِ داود، فاعتصموا به، وقاتلوا فيه ثلاثةَ أيام، فبذل لهم الفرنجُ الأمانَ، فسَلَّموه إليهم، ووفى لهم الفرنج، وخرجوا ليلًا إلى عسقلان فأقاموا بها، وقَتَل الفرنجُ بالمسجد الأقصى ما يزيدُ على سبعين ألفًا، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم، وعبَّادهم وزُهَّادهم! وغنموا منه ما لا يقع عليه الإحصاء، وجمعوا اليهودَ في الكنيسة وأحرقوها عليهم، وهدَموا المشاهِدَ, وورد المستنفِرون من الشام في رمضان إلى بغداد، ولكِنْ قَدَّر اللهُ أن اختلف السلاطين فتمكَّن الفرنج من البلاد. قال ابن الأثير في دخول الإفرنج بيت المقدس: "سارت الإفرنجُ ومقَدَّمُهم كندفري في ألف ألف، بينهم خمسمائة ألف مقاتل، عملوا برجين من خشب مُطِلَّينِ على السور، فأحرق المسلمون البرجَ الذي كان بباب صهيون، وقتلوا من فيه. وأما الآخر فزحفوا به حتى ألصقوه بالسورِ وحكموا به على البلد، وكشفوا من كان بإزائهم، ورموا بالمجانيقِ والسهام رميةَ رجل واحد، فانهزم المسلمون من السور. وكان عدد خيلِهم ستةَ آلاف ومائة فارس، والرَّجَّالة ثمانية وأربعون ألفًا. ولم تزل دارَ الإسلام منذ فتحها عمر رضى الله عنه". وكان الأفضلُ ابن أمير الجيوش القائد الفاطمي لَمَّا بلغه نزولهم على القدس تجهَّز وسار من مصر في عشرين ألفًا، فوصل إلى عسقلان ثاني يوم الفتح، ولم يعلم. وراسل الإفرنجَ. فأعادوا الرسولَ بالجوابِ إليه، ولم يعلم المصريون بشيءٍ، فبادروا السلاحَ والخيل، وأعجلتهم الإفرنجُ فهزموهم، وقتلوا منهم من قُتل، وغنموا خيامَهم بما فيها. ودخل الأفضلُ عسقلان وتمزَّق أصحابه. فحاصرته الإفرنجُ بعسقلان، فبذل لهم ذهبًا كثيرًا. وورد المستنفرون من الشام في رمضان إلى بغداد صحبة القاضي أبي سعد الهروي، فأوردوا في الديوان كلامًا أبكى العيون، وأوجع القلوب، وقاموا بالجامع يوم الجمعة فاستغاثوا، وبكَوا وأبكَوا، وذكر ما دهم المسلمين بذلك البلدِ الشريف المعظَّم مِن قَتلِ الرجال، وسبيِ الحريم والأولاد، ونَهْب الأموال؛ فلشدة ما أصابهم أفطَروا، فأمر الخليفة أن يسير القاضي أبو محمد الدامغاني، وأبو بكر الشاشي، وأبو القاسم الزنجاني، وأبو الوفا بن عقيل، وأبو سعد الحلواني، وأبو الحسين بن سماك، فساروا إلى حلوان، فبلغهم قتلُ مجد الملك البلاساني، فعادوا من غير بلوغ أرب، ولا قضاء حاجة. واختلف السلاطين، فتمكن الفرنجُ من البلاد، فقال أبو المظفر الآبيوردي في هذا المعنى أبياتًا، منها:
مزجنا دماء بالدموع السواجم
فلم يبقَ منا عرضة للمراحم
وشرُّ سلاح المرء دمع يُفيضُه
إذا الحربُ شَبَّت نارها بالصوارم
فإيهًا، بني الإسلامِ، إنَّ وراءكم
وقائعَ يلحقن الذرى بالمناسم
أتهويمة في ظل أمن وغبطة
وعيش كنوار الخميلة ناعم
وكيف تنام العينُ ملءَ جفونها
على هفوات أيقظت كلَّ نائم
وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم
ظهور المذاكي أو بطون القشاعم
تسومهم الرومُ الهوانَ وأنتم
تجرُّون ذيل الخفض فِعلَ المُسالِم
وكم من دماء قد أبيحت ومن دمي
توارى حياء حسنها بالمعاصم
بحيث السيوف البيض محمرة الظبى
وسمر العوالي داميات اللهاذم
وبين اختلاس الطعن والضرب
وقفة تظل لها الولدان شيبَ القوادم
وتلك حروب من يغِبْ عن غمارها
ليسلَمَ يقرَعْ بعدها سِنَّ نادم
سللن بأيدي المشركين قواضبًا
ستغمد منهم في الطلى والجماجم
يكاد لهن المستجن بطيبة ينادي
بأعلى الصوت يا آل هاشم".

العام الهجري : 491 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1098
تفاصيل الحدث:

كان أخذُ المعرَّة بعد أخذ أنطاكية. ولَمَّا وقع ذلك اجتمع ملوكُ الإسلام بالشام، وهم رضوان صاحِبُ حلب، وأخوه دقماق، وطغتكين صاحب دمشق، وصاحب الموصل، وسكمان بن أرتق صاحب ماردين، وأرسلان شاه صاحب سنجار, ولم ينهَضْ أمير الجيوش الأفضل بن بدر بإخراج عساكِرِ مِصرَ مع قدرته على المال والرجال, فاجتمع الجميعُ ونازلوا أنطاكية وضيَّقوا على الفرنجَ حتَّى أكلوا ورق الشجر. وكان صنجيل مقدَّم الفرنج عنده دهاءٌ ومكر، فرتَّب مع راهب حيلة وقال: اذهب فادفن هذه الحربةَ في مكان كذا، ثم قُلْ للفرنج بعد ذلك: رأيتُ المسيحَ في منامي وهو يقولُ: في المكان الفلاني حربةٌ مدفونة فاطلبوها، فإن وجدتموها فالظَّفَرُ لكم، وهي حربتي، فصوموا ثلاثةَ أيَّامٍ وصلُّوا وتصدَّقوا، ثم قام وهم معه إلى المكان ففتَّشوه فظهرت الحَربةُ؛ فصاحوا وصاموا وتصدَّقوا وخرجوا إلى المسلمين من الباب متفرِّقين من خمسة، وستة، ونحو ذلك، فقال المسلمون لكربوقا: ينبغي أن تقِفَ على الباب، فتقتُلَ كُلَّ من يخرج، فإنَّ أمْرَهم الآن وهم متفرقون سَهلٌ. فقال: لا تفعلوا، أمهلوهم حتى يتكامَلَ خروجُهم فنقتُلَهم! ولم يمكِنْ من معاجلتِهم، فقَتَل قومٌ من المسلمين جماعةً من الخارجين، فجاء إليهم هو بنفسه ومنعهم ونهاهم، فلما تكامل خروجُ الفرنج ولم يبق بأنطاكية أحدٌ منهم، ضربوا مصافًّا عظيمًا، فولى المسلمون منهزِمين؛ لِما عاملهم به كربوقا أولًا من الاستهانة بهم والإعراض عنهم، وثانيًا: مِن مَنعِهم عن قتل الفرنج، وتمت الهزيمةُ عليهم، ولم يضرِبْ أحدٌ منهم بسيف، ولا طعَنَ برُمحٍ، ولا رمى بسهمٍ! وآخِرُ من انهزم سقمان بن أرتق، وجناح الدولة؛ لأنهما كانا في الكمين، وانهزم كربوقا معهم. فلما رأى الفرنجُ ذلك ظنُّوه مكيدة؛ إذ لم يجرِ قِتالٌ يُنهزَمُ مِن مِثلِه! وخافوا أن يتبعوهم، وثبت جماعةٌ من المجاهدين، وقاتلوا حِسبةً، وطلبًا للشهادة، فقَتَل الفرنجُ منهم ألوفًا، وغَنِموا ما في العسكرِ مِن الأقوات والأموال والأثاث والدواب والأسلحة، فصلحت حالهم، وعادت إليهم قوَّتُهم، فلما فعل الفرنجُ بالمسلمين ما فعلوا ساروا إلى معرَّة النعمان، فنازلوها وحصروها، وقاتلهم أهلها قتالًا شديدًا، ورأى الفرنجُ منهم شدةً ونكاية، ولقُوا منهم الجِدَّ في حربهم، والاجتهادَ في قتالهم، فعملوا عند ذلك برجًا من خشب يوازي سورَ المدينة، ووقع القتالُ عليه، فلم يضُرَّ المسلمين ذلك، فلما كان الليل خاف قومٌ من المسلمين، وانتابهم الفشَلُ والهلع، وظنُّوا أنهم إذا تحصنوا ببعضِ الدور الكبار امتنعوا بها، فنزلوا من السورِ وأخلَوا الموضِعَ الذي كانوا يحفظونه، فرآهم طائفةٌ أخرى، ففعلوا كفِعلِهم، فخلا مكانُهم أيضًا من السور، ولم تزَلْ تتبَعُ طائفةٌ منهم التي تليها في النزولِ حتى خلا السور! فصعد الفرنجُ إليه على السلاليم، فلما علوه تحيَّر المسلمون، ودخلوا دورَهم، فوضع الفرنجُ فيهم السيفَ ثلاثة أيام، فقتلوا ما يزيد على مائة ألف، وسَبَوا السبيَ الكثير، وملكوه، وأقاموا أربعين يومًا! وساروا إلى عرقة فحصروها أربعةَ أشهر، ونقبوا سورَها عدةَ نُقوبٍ، فلم يقدروا عليها، وراسلهم منقذ صاحب شيزر، فصالحهم عليها، وساروا إلى حمص وحصروها فصالحهم صاحبها جناح الدولة، وخرجوا على طريق النواقير إلى عكا فلم يقدروا عليها. ثم كتب دقماق ورضوان والأمراء إلى الخليفة المستظهر العباسي يستنصِرونَه، فأخرج الخليفةُ أبا نصر ابن الموصلايا إلى السلطان بركيارق بن السلطان ملكشاه السلجوقي يستنجده. كلُّ ذلك وعساكر مصر لم تُهيَّأ للخروج!!

العام الهجري : 539 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1144
تفاصيل الحدث:

في سادس جمادى الآخرة، فتح أتابك عمادُ الدين زنكي بن آقسنقر مدينةَ الرَّها من الفرنج، وفتَحَ غَيرَها مِن حُصونِهم بالجزيرةِ أيضًا، وكان ضَرَرُهم قد عَمَّ بلادَ الجزيرة وشَرَّهم قد استطار فيها، ووصَلَت غاراتُهم إلى أدانيها وأقاصيها، وبلَغَت آمِدَ ونصيبين ورأسَ عَين والرقَّة، وكانت مملكَتُهم بهذه الديارِ مِن قَريبِ ماردين إلى الفُرات مثل الرَّها، وسروج، والبيرة، وسن ابن عطير، وحملين، والموزر، والقرادي، وغير ذلك. وكانت هذه الأعمالُ مع غيرِها ممَّا هو غَرْبَ الفرات لجوسلين، وكان صاحِبَ رأي الفرنجِ والمُقَدَّم على عساكِرِهم؛ لِما هو عليه من الشَّجاعةِ والمكرِ، وكان زنكي يَعلَمُ أنَّه متى قَصَد حَصْرَ الرَّها، اجتمع فيها مِن الفرنجِ مَن يَمنَعُها، فيتعَذَّر عليه مِلكُها لِما هي عليه من الحَصانةِ، فاشتغل بقِتالِ الملوك الأرتقيَّة بديارِ بَكرٍ ليُوهِمَ الفرنجَ أنَّه غيرُ مُتفَرِّغٍ لقَصدِ بلادِهم، فلمَّا رأَوْا أنَّه غيرُ قادر على تَرْكِ الملوك الأرتقيَّة وغيرِهم من ملوكِ ديارِ بَكرٍ، حيث إنَّه محارب لهم، اطمأنُّوا، وفارق جوسلين الرَّها وعبَرَ الفراتَ إلى بلاد الغربية، فجاءت عيونُ أتابك إليه فأخبَرَته فنادى العسكَرَ بالرحيلِ وألَّا يتخَلَّفَ عن الرَّها أحَدٌ مِن غَدِ يَومِه، وجمَعَ الأمراءَ عنده، وقال: قَدِّموا الطعامَ، وقال: لا يأكُلْ معي على مائدتي هذه إلَّا مَن يَطعنُ غدًا معي على بابِ الرَّها، فلم يتقَدَّمْ إليه غيرُ أميرٍ واحدٍ وصَبيٍّ لا يُعرَف؛ لِما يَعلَمونَ مِن إقدامِه وشجاعته، وأنَّ أحدًا لا يَقدِرُعلى مُجاراتِه في الحَربِ، فقال الأميرُ لذلك الصبي: ما أنت في هذا المقامِ؟ فقال أتابك: دَعْه فواللهِ إنِّي أرى وجهًا لا يتخَلَّفُ عني، وسار والعساكِرُ معه، ووصل إلى الرَّها، وكان هو أوَّلَ مَن حمل على الفرنجِ ومعه ذلك الصبيُّ، وحمَلَ فارِسٌ مِن خَيَّالة الفرنج على أتابك عرضًا، فاعتَرَضه ذلك الأميرُ فطَعَنَه فقَتَلَه، وسَلِمَ الشهيدُ، ونازل البَلَدَ، وقاتله ثمانيةً وعشرين يومًا، فزحَفَ إليه عِدَّةَ دَفعاتٍ، وقَدَّم النقَّابينَ فنَقَبوا سورَ البَلَدِ، وطَرَحوا فيه الحَطَب والنَّارَ فتهَدَّمَ، ودخلها فحاربهم، ولجَّ في قتالِه خَوفًا من اجتماعِ الفرنج والمسيرِ إليه واستنقاذِ البلد منه، فأخذ البَلَدَ عَنوةً وقهرًا، وحَصَرَ قلعةَ الرَّها فمَلَكها أيضًا, فنصَرَ اللهُ المُسلمينَ وغَنِموا غنائِمَ عَظيمةً، وخَلَّصوا أُسارى مُسلِمينَ يَزيدونَ على خمسِمئة. ونهب النَّاسُ الأموالَ وسَبَوا الذُّريَّةَ وقَتَلوا الرجالَ، فلمَّا رأى أتابك زنكي البلدَ أعجَبَه، ورأى أنَّ تَخريبَ مِثلِه لا يجوزُ في السِّياسة، فأمَرَ فنُودِيَ في العساكِرِ برَدِّ مَن أخذوه من الرِّجالِ والنِّساءِ والأطفالِ إلى بُيوتِهم، وإعادةِ ما غَنِموه من أثاثِهم وأمتِعَتِهم، فرَدُّوا الجميعَ عن آخِرِهم لم يُفقَدْ منهم أحَدٌ إلَّا الشَّاذُّ النَّادِرُ الذي أُخِذَ وفارَقَ مَن أخَذَه العَسكَرُ، فعاد البلدُ إلى حالِه الأوَّلِ، وجعَلَ فيه عسكرًا يَحفَظُه، وكان جمالُ الدين أبو المعالي فضلُ الله بن ماهان رئيسُ حرَّان هو الذي يحُثُّ أتابك في جميعِ الأوقاتِ على أخْذِ الرَّها، ويُسَهِّلُ عليه أمْرَها, ثمَّ رَحَل إلى سروجٍ ففَتَحَها، وهَرَب الفرنجُ منها، وتسَلَّمَ سائِرَ الأماكِنِ التي كانت بيَدِ الفِرنجِ شَرقيَّ الفُراتِ ما عدا البيرةَ؛ فإنَّها حصينةٌ مَنيعةٌ، وعلى شاطئِ الفُراتِ، فسار إليها وحاصَرَها، وكانوا قد أكثَروا مِيرتَها ورِجالَها، فبَقِيَ على حِصارِها إلى أن رحَلَ عنها عندما جاءَه الخبَرُ مِن المَوصِل أنَّ نَصيرَ الدِّينِ جقر نائبه بالموصِلِ قُتِلَ، فخاف عليها، وتَرَك البيرةَ بعد أن قارَبَ أخْذَها, وسار جِهةَ المَوصِلِ، ولَمَّا بلَغَ زنكي خبَرُ قَتْلِ مَن قَتَلَ جقر، سكَنَ جأشُه واطمأنَّ قَلبُه.

العام الهجري : 625 العام الميلادي : 1227
تفاصيل الحدث:

هو جنكيزخان السلطان الأعظم عند التتار والدُ ملوكهم، واسمه تموجين وقيل (تمرجين أو تمرجي) ولد في غرة محرم سنة 550 في منغوليا على الضفة اليمنى لنهر الأونون في مقاطعة دولون بولداق وهذه المقاطعة توجد اليوم في الأراضي الروسية. وكان أبوه بسوكاي رئيسًا لقبيلة قيات المغولية فسمَّاه باسم قائد صرعه؛ لأنَّه كان معجبًا به لفرط شجاعته, وقيل: "إنَّ أمَّه كانت تزعمُ أنها حملته من شعاع الشمس؛ فلهذا لا يُعرَفُ له أب، ولهذا قد يكون مجهولَ النسب". لما مات بسوكاي سنة 563 حل محلَّه تمرجين وكان عمره ثلاثة عشر عامًا إلَّا أن رجال قبيلته استصغروا سنَّه ورفضوا طاعته, حينما بلغ السابعةَ عشرة من عمره استطاع بقوَّة شخصيته وحِدَّة ذكائه أن يعيدَ رجال قبيلته إلى طاعته وأن يُخضِعَ المناوئين له حتى تمَّت له السيطرة, وأصبح تمرجين بعد انتصاره أقوى شخصية مغولية، فنودي به خاقانًا، وعُرف باسم "جنكيز خان" أي: إمبراطور العالم. وهو صاحب "التورا" و"اليسق أو الياسق"، وضعه ليتحاكم إليه التتار ومن معهم من أمراء الترك, والتورا باللغة التركية هو المذهب، واليسق هو الترتيب، وأصل كلمة اليسق: سي يسا، وهو لفظ مركب من أعجمي وتركي، ومعناه: التراتيب الثلاث؛ لأن " سي " بالعجمي في العدد ثلاثة، و" يسا " بالتركي: الترتيب؛ وعلى هذا مشت التتار منذ أن وضعه لهم جنكيز خان، وانتشر الياسق في سائر الممالك حتى ممالك مصر والشام، وصاروا يقولون: " سي يسا " فثقلت عليهم فقالوا: " سياسة " على تحاريف العرب في اللغات الأعجمية لهم السياسا التي يتحاكمون إليها، ويحكمون بها، وأكثرها مخالف لشرائع الله تعالى وكتبه، وهو شيء اقترحه من عند نفسه، وتَبِعوه في ذلك, وقد عظُمَ أمر جنكيزخان وبعُدَ صِيتُه وخضعت له قبائلُ الترك ببلاد طمغاج كلها، حتى صار يركَبُ في نحو ثمانمائة ألف مقاتل، وأكثَرُ القبائل قبيلته التي هو منها يقال لهم قيان، ثم أقرب القبائلِ إليه بعدهم قبيلتان كبيرتا العدد، وهما أزان وقنقوران، وكان يصطاد من السنة ثلاثة أشهر، والباقي للحرب والحكم، فلما هلك جعلوه في تابوت من حديد وربطوه بسلاسل وعلقوه بين جبلين, وأما كتابُه الياسا فإنه يكتب في مجلدين بخط غليظ، ويُحمَل على بعير عندهم، وقد ذكَرَ بعضُهم أنه كان يصعد جبلًا ثم ينزل. ثم يصعدُ ثم ينزل مرارًا حتى يعيى ويقع مغشيًّا عليه، ويأمر من عنده أن يكتبَ ما يلقى على لسانه حينئذٍ، فإن كان هذا هكذا فالظاهر أن الشيطانَ كان ينطق على لسانِه بما فيها، واستمر أولاد جنكيزخان في ممالكه التي قسمها عليهم في حياته، ولم يختلف منهم واحد على واحد، ومشوا على ما أوصاهم به، وعلى طريقته " التورا " و" اليسق " ولما احتُضر أوصى أولاده بالاتفاق وعدم الافتراق، وضرب لهم في ذلك الأمثال، وأحضر بين يديه نشابًا وأخذ سهمًا أعطاه لواحد منهم فكسره، ثم أحضر حزمة ودفعها إليهم مجموعة فلم يطيقوا كسرَها، فقال: هذا مثَلُكم إذا اجتمعتم واتَّفقتم، وذلك مثلُكم إذا انفردتُم واختلفتُم، قال: وكان له عِدَّةُ أولاد ذكور وإناث، منهم أربعة هم عظماء أولاده، أكبرهم يوسي وهريول وباتو وبركة وتركجار، وكان كل منهم له وظيفة عنده. قال ابن كثير: " وقد رأيت مجلدًا ببغداد جمعه الوزير علاء الدين الجويني في ترجمة جنكيز خان، ذكر فيه سيرته، وما كان يشتَمِلُ عليه من العقل السياسي والكرم والشجاعة والتدبير الجيد للملك والرعايا، والحروب, وذكر فيه نتفًا من الياسا من ذلك: أنه من زنا قتل، محصنًا كان أو غير محصن، وكذلك من لاط قُتل، ومن تعمد الكذب قُتل، ومَن سحر قُتل، ومن تجسَّس قُتل، ومن دخل بين اثنين يختصمان فأعان أحدَهما قُتل، ومن بال في الماء الواقف قُتل، ومن انغمس فيه قُتل، ومن أطعم أسيرًا أو سقاه أو كساه بغير إذن أهلِه قُتل.... "

العام الهجري : 647 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1249
تفاصيل الحدث:

قَدِمَ السلطان الملك الصالحُ نجم الدين أيوب من دمشق، وهو مريضٌ، لَمَّا بلغَه من حركةِ الفرنج، فنزل بأشموم طناح في المحرم، وجمع في دمياط من الأقواتِ والأسلحة شيئًا كثيرًا، وبعث إلى الأميرِ حسام الدين بن أبي علي نائبِه بالقاهرة، أن يجهِّزَ الشواني من صناعةِ مصر، فشرع في تجهيزِها، وسَيَّرَها شيئًا بعد شيء، وأمر الملك الصالح نجم الدين أيوب الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ أن ينزل على جيزةِ دمياط بالعساكرِ ليصيرَ في مقابلة الفرنج إذا قَدِموا فتحوَّل الأمير فخر الدين بالعساكر، فنزل بالجيزةِ تجاهَ دمياط، وصار النيلُ بينه وبينها، ثم في الساعة الثانية من يوم الجمعة لتسعٍ بَقِينَ مِن صفر وصلت مراكِبُ الفرنج البحرية، وفيها جموعُهم العظيمة بصحبة لويس التاسع ملك فرنسا، وقد انضَمَّ إليهم فرنجُ الساحل كله، فأرسَوا في البحر بإزاء المسلمين، وسَيَّرَ ملك الفرنج إلى الملك الصالحِ كتابًا يتهَدَّدُ فيه ويتوعَّدُه بقتله واحتلالِ مصر، فلمَّا وصل الكتاب إلى السلطان الملك الصالحِ وقرئ عليه، كتب الجوابَ فيه أنهم أصحابُ الحربِ والسيوفِ، وأنَّه كم من فئةٍ قليلةٍ غلبت فئةً كثيرةً بإذن الله، وفي يوم السبت نزل الفرنجُ في البر الذي عسكَرَ فيه المسلمون، وضُرِبَت للويس التاسع خيمةٌ حمراء، فناوشهم المسلمون الحربَ، فلما أمسى الليل رحل الأميرُ فخر الدين يوسف بن شيخ الشيوخ بمن معه من عساكِرِ المسلمين، وقطع بهم الجسرَ إلى الجانب الشرقي، الذي فيه مدينةُ دمياط، وخلا البَرُّ الغربي للفرنج، وسار فخر الدين بالعسكر يريد أشموم طناح، فلما رأى أهلُ دمياط رحيل العسكر، خرجوا كأنما يسحبونَ على وجوهِهم طول الليلِ، ولم يبقَ بالمدينة أحدٌ البتة، وصارت دمياط فارغةً مِن الناس جملةً، وفروا إلى أشموم طناح مع العسكَرِ، وهم حفاةٌ عراةٌ جياعٌ فقراء حيارى بمن معهم من الأطفال والنساء، وساروا إلى القاهرة، فنهبهم الناسُ في الطريق، ولم يبقَ لهم ما يعيشون به فعُدَّت هذه الفعلة من الأمير فخر الدين من أقبَحِ ما يُشَنَّع به، وأصبح الفرنجُ يوم الأحد لسبعٍ بقين من صفر، سائرينَ إلى مدينة دمياط، فعندما رأوا أبوابها مفتحةً ولا أحد يحميها، خشُوا أن تكون مكيدة، فتمَهَّلوا حتى ظهر أنَّ النَّاسَ قد فروا وتركوها، فدخلوا المدينةَ بغير كلفة ولا مؤنة حصارٍ، واستولوا على ما فيها من الآلات الحربية، والأسلحة العظيمة والعُدَد الكثيرة، والأقوات والأزواد والذخائر، والأموال والأمتعة وغير ذلك، صَفْوًا، وبلغ ذلك أهلَ القاهرة ومصر، فانزعج الناس انزعاجًا عظيمًا، ويَئِسوا من بقاء كلمة الإسلامِ بديار مصر، لتمَلُّك الفرنجِ مدينة دمياط، وهزيمة العساكر، وقوَّة الفرنج بما صار إليهم من الأموالِ والأزواد والأسلحة، والحصن الجليل الذي لا يقدر على أخذه بقوة، مع شِدَّة مرض السلطان الصالح أيوب، وعَدَمِ حركته، وعندما وصلت العساكرُ إلى أشموم طناح، ومعهم أهل دمياط، اشتَدَّ حنق الملك الصالح أيوب على الكنانيين، وأمر بشنقهم فقالوا: وما ذنبُنا إذا كانت عساكِرُ السلطان جميعهم وأمراؤه هربوا وأحرَقوا الزردخاناه فلأي شيء نحن فشُنِقوا, فكانت نقمةُ السلطان عليهم أنهم خرجوا من المدينة بغيرِ إذنٍ حتى تسلَّمَها الفرنج، فكانت عِدَّةُ مَن شُنِقَ زيادة على خمسين أميرًا من الكنانيين، وتغيَّرَ السلطان على الأمير فخر الدين بن شيخ الشيوخ، وقامت الشناعةُ من كل أحدٍ على الأمير فخر الدين، فخاف كثيرٌ من الأمراء وغيرهم سطوةَ السلطان، وهَمُّوا بقتله، فأشار عليهم فخر الدين بالصبر، حتى يتبين أمر السلطان ومَرَضه.