الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2999 ). زمن البحث بالثانية ( 0.01 )

العام الهجري : 613 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1216
تفاصيل الحدث:

هو المَلِكُ الظاهر غازي بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، وهو صاحِبُ مدينة حلب ومنبج وغيرهما من بلاد الشام، وكان مرضُه إسهالًا، وكان شديد السيرة، ضابطًا لأموره كلِّها، ولَمَّا اشتدت علتُه عهد بالملك بعده لولد له صغيرٍ اسمه محمد، ولقَّبَه الملك العزيز غياث الدين، عُمُره ثلاثُ سنين، وعدَلَ عن ولد كبير لأنَّ الصغيرَ كانت أمه ابنة عمه الملك العادل أبي بكر بن أيوب، صاحب مصر ودمشق وغيرهما من البلاد، فعَهِدَ بالملك له ليبقى عمُّه البلاد عليه، ولا ينازعه فيها، ولَمَّا عهد الظاهر إلى ولده بذلك جعل أتابكه ومربِّيَه خادمًا روميًّا، اسمه طغرل، ولقَّبَه شهاب الدين، وهو من خيارِ عبادِ الله، كثيرُ الصدقة والمعروف، ولما توفي الظاهر أحسن الأتابك شهاب الدين السيرةَ في الناس، وعدل فيهم، وأزال كثيرًا من السُّنَن الجارية، وأعاد أملاكًا كانت قد أُخذَت من أربابهِا، وقام بتربية الطفلِ أحسَنَ قيامٍ، وحَفِظَ بلاده، واستقامت الأمورُ بحُسنِ سيرته وعَدلِه.

العام الهجري : 630 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1233
تفاصيل الحدث:

جهَّز الملكُ الكامِلُ عسكرًا من الغزِّ والعربان إلى ينبع، من أرضِ الحجاز عليهم علاء الدين آق سنقر الزاهدي في شوَّال وعِدَّتُهم سبعمائة، وسبَبُ ذلك ورودُ الخبر بمسير الشريف راجح من اليمن بعسكر إلى مكةَ، وأنَّه قَدِمَها في صفر، وأخرج من بها من المصريين بغيرِ قتال، ثم إنَّ ابن رسول بعث إلى الشريف راجح بن قتادة بخزانة مالٍ، ليستخدم عسكرًا، فلم يتمكَّنْ من ذلك؛ لأنَّه بلغه أنَّ السلطان الملك الكامل بعث الأميرَ أسد الدين جغريل، أحدَ المماليك الكاملية، إلى مكة بسبعمائة فارس، وحضر جغريل إلى مكة، ففَرَّ منه الشريف راجح بن قتادة إلى اليمن، وملك جغريل مكَّةَ في شهر رمضان، وأقام العسكَرَ بها، وحجَّ بالنَّاسِ، وترك بمكةَ ابن محلي، ومعه خمسون فارسًا، ورجع إلى مصر، ثم بعثَ الملك المنصور عمرُ بن علي بن رسول ملك اليمن عسكرًا إلى مكة، مع الشهاب بن عبد الله، ومعه خزانةُ مال، فقاتله المصريون وأسَروه، وحملوه إلى القاهرة مُقَيَّدًا.

العام الهجري : 660 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1262
تفاصيل الحدث:

كان الصالحُ إسماعيل بن لؤلؤ صاحبُ الموصل من الذين ساروا مع المستنصِر الخليفة الجديد إلى بغداد، فلما حصلَ من الحرب ما حصَلَ هَرَب ورجع إلى بلادِه، فأرسل هولاكو طائفةً مِن جنده نحو عشرة آلاف وقائدهم صندغون وراءه فحاصروا الموصِلَ ونَصَبوا عليها خمسةً وعشرين منجنيقًا، وضاقت بها الأقواتُ، فأرسل الملك الصالحُ إسماعيل بن لؤلؤ إلى التركي يستنجِدُه فقَدِمَ عليه فهُزِمَت التتار ثم ثَبَتوا والتَقَوا معه، وإنما كان معه سبعُمائة مقاتل فهزموه وجرحوه وعاد إلى البيرةِ وفارقه أكثَرُ أصحابه فدخلوا الديارَ المصريَّة، وأما التتارُ فإنهم عادوا إلى الموصِل ولم يزالوا حتى استنزلوا صاحِبَها الملك الصالح إليهم ونادَوا في البلد بالأمان حتى اطمأن النَّاسُ ثم مالوا عليهم فقتلوهم تسعةَ أيام وقادوا الملِكَ الصالح إسماعيل وولده علاء الدين معهم إلى هولاكو ولكنَّهم قتلوه في الطريق، وخَرَّبوا أسوار البلد وتركوها بلاقِعَ، ثم كروا راجعين قبَّحهم الله، فكانت هذه نهايةَ دولة الأتابكة، وكان هذا الملك الصالح إسماعيل آخرَ ملوك الأتابكة.

العام الهجري : 690 العام الميلادي : 1291
تفاصيل الحدث:

هو المَلِكُ العادِلُ بدرُ الدين سلامش بن الظاهرِ بيبرس بن عبد الله، كان قد بويع بالمُلك بعد أخيه الملِك السَّعيد، وجَعَلَ الملكُ المنصورُ قلاوونَ أتابِكَه وخطَبَ له، وضربَ السكةَ باسمه ثلاثة أشهر، ثم استقَلَّ قلاوون بالمُلكِ لصِغَرِ سِنِّ سلامش وقتَها، فلما عُزِلَ من الحكم بقي خاملًا. كان سلامش من أحسن الناسِ شَكلًا وأبهاهم منظرًا، فقد كان شابًّا مليحًا، تام الشكل، رشيق القدِّ، طويلَ الشعر، ذا حياءٍ وعقل، وقد افتتن به خلقٌ كثير، وكان رئيسًا مهيبًا وقورًا، أرسله السلطانُ قلاوون إلى أخيه الملك السعيد في الكركِ ثم أعادهم إلى القاهرةِ، ولما تملك الملكُ الأشرفُ جَهَّزه وأخاه الملك خضر وأهله إلى مدينة إسطنبول بلاد الأشكري، فمات هناك وهو قريب من عشرين سنة، وبقي أخوه نجم الدين خضر وأهلوهم بتلك الناحية، ويُذكَرُ أن الظاهر بيبرس كان قد اعتقل قلاوون لَمَّا استلم السلطنةَ وأرسله مع أمِّه إلى بلاد الأشكري، فجرى لولده سلامش وأمِّه ما فعَلَه هو بغيره!

العام الهجري : 472 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1080
تفاصيل الحدث:

هو نَصرُ بن أحمدَ بن مَروانَ بن دوستك الكُرديُّ، صاحِبُ دِيارِ بَكرٍ، كان مَلِكًا عادِلًا، خَفيفَ الوَطْأَةِ، حَسَنَ السِّيرَةِ، كَثيرَ الإحسانِ إلى الناسِ. وعَمُرَت ميافارقين في أيَّامِه أَحسنَ عِمارَةٍ، ولَقِيَ الناسُ منه الخيرَ والبَركةَ في وِلايَتِه. وكان يَتفقَّد أَحوالَ الناسِ ويَسألُ عن أَحوالِهم ومَن غابَ منهم، وما شُوهِدَت ميافارقين أَعمَرَ ممَّا كانت في أيامِ نِظامِ الدِّينِ، ولا أَغنَى من أَهلِها في أَيامِه، وعلا في سُورِ ميافارقين وسُورِ آمد مَواضِعَ عَديدةً، واسمُه على المَواضِعِ ظاهِرًا وباطِنًا، وبَنَى الجِسرَ على دِجلةَ شرقيَّ آمد تحت الصَّخرةِ وبابِ التَّلِّ، وغَرُم عليه من مالِه, ومَلَكَ بعدَه ابنُه مَنصورٌ، ودَبَّرَ دَولتَه ابنُ الأنباري.

العام الهجري : 474 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1082
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ، العَلَّامةُ، الحافظُ، ذو الفُنونِ، القاضي أبو الوَليدِ سُليمانُ بنُ خَلَفِ بنِ سعدِ بن أيُّوبَ التَّجيبيُّ الأندَلُسيُّ، القُرطُبيُّ، الباجيُّ، الفَقِيهُ المالكيُّ، صاحبُ التَّصانيفِ. وَلِدَ سَنةَ 403هـ أَصلُه من مَدينةِ بطليوس، فتَحوَّل جَدُّهُ إلى باجةَ -بُليدَة بقُربِ إشبيلية- فنُسِبَ إليها، وليست باجة المدينةَ التي بإفريقية، التي يُنسَب إليها الحافظُ أبو محمدٍ عبدُ الله بنُ محمدِ بن عليٍّ الباجيُّ، وابنُه الحافظُ الأَوحَدُ أبو عُمرَ أحمدُ بنُ عبدِ الله بن الباجيِّ، وهُما من عُلماءِ الأندَلُس أيضًا. كان أبو الوَليدِ أَحَدَ الحُفَّاظِ المُكثِرينَ في الفِقهِ والحَديثِ، سَمِعَ الحَديثَ ورَحلَ فيه إلى بِلادِ المَشرقِ فسَمِعَ هناك الكَثيرَ، واجتَمعَ بأَئمَّةِ ذلك الوَقتِ، كالقاضي أبي الطَّيِّبِ الطَّبريِّ، وأبي إسحاقَ الشِّيرازيِّ، وجاوَرَ بمكَّةَ ثلاثَ سِنينَ مع الشيخِ أبي ذَرٍّ الهَرويِّ، وأَقامَ ببغدادَ ثلاثَ سِنينَ، وبالمَوصِل سَنةً عند أبي جَعفرٍ السمنانيِّ قاضِيها، فأَخذَ عنه الفِقهَ والأُصولَ، وسَمِعَ الخَطيبَ البغداديَّ وسَمِعَ منه الخَطيبُ أيضًا، ثم عاد إلى بَلدِه بعدَ ثلاث عشرة سَنةً بِعِلمِ غَزيرٍ، حَصَّلَهُ مع الفَقرِ والتَّقَنُّعِ باليَسيرِ، وتَولَّى القَضاءَ هناك، ويُقالُ: إنَّه تَولَّى قَضاءَ حَلَب أيضًا. له مُصنَّفاتٌ عَديدةٌ منها: ((المُنتقَى في الفِقْه)), و((المعاني في شرح الموطأ))، و((إحكام الفُصول في أَحكام الأُصول))، و((الجَرْح والتَّعديل))، وغيرُ ذلك، قال القاضي عِياض: "آجَرَ أبو الوَليدِ نَفسَه ببغداد لِحِراسَةِ دَربٍ، وكان لمَّا رَجعَ إلى الأندَلُسِ يَضرِب وَرَقَ الذَّهَبِ للغَزْلِ، ويَعقِد الوَثائقَ، قال لي أَصحابُه: كان يَخرُج إلينا للإقراءِ وفي يَدهِ أَثَرُ المَطرَقَةِ، إلى أن فَشَا عِلمُه، وهَيَّتَت الدنيا به -أي شَهَرَتهُ وأَظهرَت اسمَه-، وعَظُمَ جاهُه، وأُجزِلَت صِلاتُه، حتى تُوفِّي عن مالٍ وافرٍ، وكان يَستَعمِلُه الأَعيانُ في تَرَسُّلِهم، ويَقبلُ جَوائِزَهم، وَلِيَ القَضاءَ بمَواضِعَ من الأندَلُس" قال الأَميرُ أبو نصرٍ: "أمَّا الباجي ذو الوِزارَتَينِ فَفَقِيهٌ مُتكَلِّمٌ، أَديبٌ شاعِرٌ، سَمِعَ بالعراقِ، ودَرَسَ الكلامَ، وصَنَّفَ, وكان جَليلًا رَفيعَ القَدرِ والخَطَرِ، قَبْرُه بالمرية", وقال القاضي أبو عليٍّ الصَّدَفيُّ: "ما رَأيتُ مِثلَ أبي الوليدِ الباجي، وما رَأيتُ أَحدًا على سَمْتِه وهَيئَتِه وتَوقيرِ مَجلِسِه". وقد جَرَت بينه وبين ابنِ حَزمٍ مُناوَأَةٌ شَديدةٌ كما جَرَت بينهما مُناظراتٌ كَثيرةٌ، قال القاضي عِياض: "كَثُرَت القالةُ في أبي الوليدِ لِمُداخَلَتِه للرُّؤساءِ" تُوفِّي بالمرية ليلةَ الخميسِ بين العِشاءَينِ التاسع والعشرين من رجب وعُمرُه إحدى وسبعون سَنةً.

العام الهجري : 449 العام الميلادي : 1057
تفاصيل الحدث:

وقعَ غَلاءٌ وفَناءٌ عَظيمان ببغداد وغَيرِها مِن البلادِ، بحيث خَلَتْ أَكثرُ الدُّورِ وَسُدَّتْ على أَهلِها أَبوابُها بما فيها، وأَهلُها مَوتى فيها، ثم صار المارُ في الطَّريقِ لا يَلقى الواحدَ بعدَ الواحدِ، وأكلَ النَّاسُ الجِيَفَ والنَّتَنَ مِن قِلَّةِ الطَّعامِ، ووُجِدَ مع امرأةٍ فَخِذُ كَلْبٍ قد اخْضَرَّ, وشَوَى رَجلٌ صَبِيَّةً في الأَتُونِ وأَكَلَها، وسَقطَ طائرٌ مَيِّتٌ مِن حائطٍ فاحْتَوَشَتْهُ خمسُ أَنفُسٍ فاقتَسموهُ وأَكلوهُ. قال ابنُ الجوزي يَصِفُ خبرَ هذا الوباءِ: " في جُمادى الآخِرة: وَردَ كِتابٌ مِن تُجَّارِ ما وَراءَ النَّهرِ قد وقع في هذه الدِّيارِ وَباءٌ عَظيمٌ مُسرِفٌ زَائِدٌ عن الحَدِّ، حتى أنَّه خَرجَ من هذا الإقليمِ في يَومٍ واحدٍ ثمانية عشر ألف جِنازةٍ، وأحصى مَن مات إلى أن كُتِبَ هذا الكِتاب فكانوا ألف ألف وستمائة ألف وخمسين ألفًا، والنَّاسُ يَمُرُّون في هذه البلادِ فلا يَرونَ إلَّا أسواقًا فارغةً، وطُرقاتٍ خاليةً، وأبوابًا مُغلقةً، حتى إنَّ البَقرَ نَفَقَت. وجاء الخَبرُ من أذربيجان وتلك البلادِ بالوباءِ العظيمِ، وأنَّه لم يَسْلَم من تلك البلادِ إلا العَددُ اليَسيرُ جدًّا. وَقعَ وباءٌ بالأهواز وبواط وأَعمالِها وغَيرِها، حتى طَبَقَ البلادَ، وكان أكثرَ سَببِ ذلك الجوعُ، كان الفقراءُ يَشوون الكِلابَ، ويَنبُشون القُبورَ، ويَشوون المَوتى ويَأكلُونهم، وليس للناسِ شُغلٌ في اللَّيلِ والنَّهارِ إلا غَسلُ الأمواتِ وتَجهيزُهُم ودَفنُهُم، فكان يُحفَر الحُفَير فيُدفَن فيه العشرون والثلاثون، وكان الإنسانُ بينما هو جالس إذ انشَقَّ قَلبُه عن دَمِ المُهْجَةِ، فيَخرُج منه إلى الفَمِ قَطرةٌ فيموتُ الإنسانُ مِن وَقتِه، وتاب النَّاسُ، وتَصدَّقوا بأَكثرِ أَموالِهم فلم يَجِدوا أحدًا يَقبَل منهم، وكان الفَقيرُ تُعرَض عليه الدَّنانيرُ الكَثيرة والدَّراهِم والثِّياب فيقول: أنا أُريدُ كَسرةً، أُريدُ ما يَسُدُّ جُوعي. فلا يجد ذلك، وأَراقَ النَّاسُ الخُمورَ وكَسَروا آلات اللَّهوِ، ولَزِموا المساجِدَ للعِبادةِ وقِراءةِ القُرآن, وفي يومِ الأربعاءِ لِسَبعٍ بَقِينَ مِن جُمادى الآخرة احتَرقَت قَطِيعةُ عيسى، وسُوقُ الطَّعامِ، والكَنِيسُ، وأَصحابُ السَّقْطِ، وبابُ الشَّعيرِ، وسُوقُ العَطَّارين، وسُوقُ العَروسِ، والأَنماطِيِّين، والخَشَّابين، والجَزَّارين، والتَّمَّارين، والقَطيعَةُ، وسُوقُ مُخَوَّل، ونَهرُ الزُّجاجِ، وسُوَيْقَةُ غالبٍ، والصَّفَّارين، والصَّبَّاغين، وغَيرُ ذلك مِن المواضع، وهذه مُصيبةٌ أُخرى إلى ما بالنَّاسِ مِن الجُوعِ والغَلاءِ والفَناءِ، فضَعُفَ النَّاسُ حتى طَغَت النَّارُ فعَمِلَت أَعمَالَها، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون".

العام الهجري : 740 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1340
تفاصيل الحدث:

اجتمَعَ جماعةٌ من رؤوس النصارى في كنيستِهم وجَمَعوا من بينهم مالًا جزيلًا فدَفَعوه إلى راهبينِ قَدِما عليهما من بلاد الروم، يُحسِنانِ صَنعةَ النِّفطِ، اسم أحدِهما ملاني، والآخر عازر، فعملا كحطًا من نفط، وتلطَّفا حتى عملاه لا يظهَرُ تأثيرُه إلا بعد أربع ساعات وأكثر من ذلك، فوُضِعا في شقوق دكاكين التجَّار بسوق الرجال في عدَّة دكاكين من آخِرِ النهار، بحيث لا يشعُرُ أحَدٌ بهما، وهما في زي المُسلِمينَ، فلما كان في أثناء الليل لم يشعُرِ النَّاسُ إلا والنَّارُ قد عَمِلَت في تلك الدكاكين حتى تعلَّقَت في درابزينات المأذنة الشرقيَّة المتَّجِهة للسوق المذكور، وأحرَقَت الدرابزينات، وجاء نائب السلطنة تنكز والأمراء أمراء الألوف، وصَعِدوا المنارة وهي تشتَعِلُ نارا، واحترسوا عن الجامِعِ فلم ينَلْه شيءٌ من الحريق ولله الحمد والمنة، وأمَّا المئذنة فإنها تفَجَّرت أحجارُها واحترقت السقَّالات التي تدُلُّ السلالم وأعيدَ بناؤها بحجارةٍ جُدُدٍ، وهي المنارة الشرقية التي جاء في الحديثِ أنَّه يَنزِلُ عليها عيسى بن مريم، والمقصودُ أنَّ النصارى بعد ليالٍ عَمَدوا إلى ناحية الجامع من المغرب إلى القيسارية بكمالِها، وبما فيها من الأقواس والعُدَد، وتطاير شَرَرُ النار إلى ما حول القيسارية- السوق الكبير- من الدُّورِ والمساكن والمدارِس، واحترق جانِبٌ من المدرسة الأمينية إلى جانب المدرسة المذكورة وما كان مقصودُهم إلَّا وصول النار إلى مَعبَد المسلمين، فحال اللهُ بينهم وبين ما يرومون، وجاء نائبُ السلطنة والأمراء وحالوا بين الحريقِ والمسجِدِ، جزاهم اللهُ خَيرًا، ولَمَّا تحقق نائِبُ السَّلطنةِ أنَّ هذا مِن فِعلِهم أمَرَ بمَسكِ رؤوس النصارى فأَمسَكَ منهم نحوًا من ستين رجلًا، فأُخِذوا بالمُصادَرات والضَّربِ والعقوبات وأنواع المَثُلاتِ، ثمَّ بعد ذلك صُلِبَ منهم أزيدُ مِن عَشرةٍ على الجمال، وطاف بهم في أرجاءِ البلاد وجَعلوا يتماوتون واحِدًا بعد واحد، ثمَّ أُحرِقوا بالنارِ حتى صاروا رمادًا لَعَنَهم اللهُ.

العام الهجري : 830 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1427
تفاصيل الحدث:

كان صاحب غرناطة ومالقة والمرية ورندة ووادي آش وجبل الفتح من الأندلس، وهو أبو عبد الله محمد التاسع الملقَّب بالأيسر ابن السلطان أبي الحجاج يوسف الأنصاري الخزرجي الأرجوني الشهير بابن الأحمر- قد خرج من غرناطة دار ملكه يريد النزهةَ في فحص غرناطة في نحو مائتي فارس في مستهَلِّ ربيع الآخر، وكان ابن عمه أبو عبدالله محمد الثامن بن نصر بن محمد بن يوسف محبوسًا في الحمراء، وهي قلعة غرناطة، فخرج الجواري السُّودُ إلى الحرَّاس الموكلين به، وقالوا لهم: تخلَّوا عن الدار حتى تأتيَ أم مولاي تزوره وتتفقَّد أحواله، فظنوا أن الأمر كذلك، فخلَّوا عن الدار، فخرج في الحال شابان من أولاد صنايع أبي المحبوس، وأطلقوه من قيده وأظهروه من الحبس، وأغلقوا أبواب الحمراء، وذلك كلُّه ليلًا، وضربوا الطبول والأبواق على عادتهم، فبادر الناس إليهم ليلًا، وسألوا عن الخبر، فقيل لهم من الحمراء: قد ملَّكْنا السلطان أبا عبد الله محمد بن نصر، فأقبل أهل المدينة وأهل الأرباض فبايعوه محبةً فيه وفي أبيه، وكرهًا في الأيسر، فما طلع النهار حتى استوسق له الأمر، وبلغ الخبر إلى الأيسر فلم يثبُتْ، وتوجه نحو رندة وقد فرَّ عنه مَن كان معه من جنده، حتى لم يبقَ معه منهم إلا نحو الأربعين، وخرجت الخيل من غرناطة في طلبه، فمنعه أهل رندة، وأبوا أن يسلموه، وكتبوا إلى المنتصب بغرناطة في ذلك فآل الأمر إلى أن ركب سفينة وسار في البحر، وليس معه سوى أربعة نفر، وقدم تونس متراميًا على متملِّكها أبي فارس عبد العزيز الحفصي، وبلغ ألفونسو متملك قشتالة ما تقدَّم ذكره، فجمع جنوده من الفرنج، وسار يريد غرناطة في جمع موفور، فبرز إليه القائم بغرناطة وحاربه، فنصره الله على الفرنج، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، وغَنِمَ ما يجلُّ وصفُه!

العام الهجري : 1376 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1957
تفاصيل الحدث:

هو الشيخُ العلامة أبو عبد الله عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله بن ناصر بن حمد آل سعدي، من بني تميم. وُلِدَ في عُنيزة في القصيم في 12 محرم سنة 1307هـ. نشأ الشيخُ يتيمًا؛ فقد توفِّيَت أمُّه وله من العمر أربع سنوات، ثم توفِّيَ والِدُه وهو في السابعة، لكنه نشأ نشأةً صالحة، وقد أثار إعجابَ مَن حوله فاشتهر منذ حداثته بفطنته، وذكائه، ورغبته الشديدةِ في طلب العلم وتحصيله، فحَفِظَ القرآن عن ظهر قلبٍ وعمُرُه أحد عشر عامًا، ثم اشتغل بالعلم على يد علماءِ بلَدِه حتى نال الحظَّ الأوفر من كل فَنٍّ من فنون العلم، ولَمَّا بلغ من العمر ثلاثًا وعشرين سنة جلس للتدريسِ، فكان يَتعلَّمُ ويُعلِّمُ، ، وكان من أحسَنِ الناس تعليمًا وأبلَغِهم تفهيمًا، حصل له من التلاميذ المحصلين عددٌ كثير. كان ذا معرفةٍ فائقة في الفقه وأصوله، وكان أوَّلَ أمره متمسِّكًا بالمذهب الحنبليّ تبعًا لمشايخه، ويحفظ بعضَ متون المذهب. وكان أعظَمُ اشتغاله وانتفاعه بكتُبِ شَيخِ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وحصل له خيرٌ كثير بسببهما في علم الأصول والتوحيد، والتفسير، وغيرها من العلوم النافعة. وبسبب استنارتِه بكُتُبِ الشيخين المذكورين صار لا يتقيَّدُ بالمذهب الحنبلي، بل يرجِّحُ ما تَرَجَّحَ عنده بالدليل الشرعي، أما مُصنَّفاتـه، فكان ذا عنايةٍ بالغة بالتأليف، فشارك في كثير من فنون العلم، فألَّف في التوحيد، والتفسير، والفقه، والحديث، والأصول، والآداب، وغيرها. وأغلَبُ مؤلَّفاته مطبوعة إلا اليسير منها؛ أشهرها: ((تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان))، طبعت مؤلفاته في مجموع بعنوان ((مجموع مؤلفات الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي)) في 27 مجلدًا.
توفي رحمه الله في عُنَيزة بالقصيم بعد عمر دام تسعًا وستين سنة قضاها في التعلُّم والتعليم والتأليف.

العام الهجري : 1377 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1958
تفاصيل الحدث:

كان الخلافُ بين عبد الكريم قاسم ذو الميول الشيوعية وعبد السلام عارف أبرَزَ مشاهد الصراع على السلطة بين قادة (الضباط الأحرار)؛ فقد بدأ الخلافُ بينهما من اليوم الأول؛ إذ يعدُّ كل واحدٍ منهما نفسَه أنه هو الذي أنشأ الحركةَ وقادها، فعبد الكريم قاسم رأسُ المنظَّمة ومنه تَصدُرُ الأوامر، وهو الذي يرى نفسَه أنَّه هو المُخطِّط لهذه الثورة، ولا يتِمُّ عمَلٌ دونه، ويرى عبد السلام عارف أنه هو الذي قاد الحركة وخاطر، وتسلَّم الإذاعةَ، وهو أوَّلُ من أذاع نبأ الحركة إلى الرعيَّة، وأعطى التعليماتِ اللازمة للسيطرة على الموقف، وكان عبد السلام يدعو إلى الوَحدةِ العربية الشاملة والانضمام إلى الجمهورية العربية المتَّحِدة، كما أنه كان معجبًا بعبد الناصر؛ ولم يكن قاسم يرى ما يراه عبد السلام، ولَمَّا زار عبد السلام دمشق بعد الثورة بخمسةِ أيام عرض على عبد الناصر الوَحدةَ فلما سأله عن رأي عبد الكريم قاسم قال له: مصيرُه مصيرُ محمد نجيب! ولَمَّا عَلِمَ قاسم بهذا الحوار أسَرَّها في نفسه، ثم قام عبد السلام بجولةٍ في أنحاء العراق وكان يُلقي خُطبًا وينقل للجموع تحيات الرئيس جمال عبد الناصر كأنه رئيس البلاد دون أن يذكُرَ عبد الكريم قاسم زعيم العراق، فأخذ قاسِمٌ في إبعاد عبد السلام عن مركز القيادة في البلاد تدريجيًّا، فألغى منصب عبد السلام كنائب قائد القوات المسلحة بحُجَّةِ أنَّ عددًا من الضباط أصحاب رتب أعلى منه، ثم عزله عن منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية بالوكالة للمصلحة العامة، وفي نفس اليوم أصدر قرارًا بتعيينه سفيرًا للعراق في ألمانيا الغربية، لكِنَّ عبد السلام رفض هذا المنصب وأصرَّ على البقاء في بغداد، وفي 25 جمادى الأولى 1378هـ ألقت الشرطةُ القبض على عبد السلام عارف بتهمة محاولة قتل عبد الكريم قاسم، وأودِعَ السجنَ ثم حُكِمَ عليه بالقتل، لكن قاسم لم يصادق على الحُكمِ وبَقِيَ في السجن إلى أن أفرجَ عنه قاسم في ربيع ثاني 1381هـ وقد أحيل بعضُ أعوان عبد السلام عارف إلى التقاعُدِ والبعض نُقِلوا إلى مراكز غير حسَّاسة، أما الشيوعيون منهم فقد التفُّوا حول قاسم.

العام الهجري : 618 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1221
تفاصيل الحدث:

اشتَدَّ القتال بين الفرنج والمسلمين برًّا وبحرًا، وقد اجتمع من الفرنج والمسلمين ما لا يعلم عددهم إلا الله، هذا والرسُل تتردد من عند الفرنج في طلب الصلحِ بشروط: منها أخذ القدس وعسقلان وطبرية، وجبلة واللاذقية، وسائر ما فتحه السلطان صلاحُ الدين من بلاد الساحل، فأجابهم الملوك إلى ذلك، ما خلا الكرك والشوبك، فأبى الفرنجُ، وقالوا: لا نسَلِّم دمياط حتى تسلِّموا ذلك كله فرضي الكامل، فامتنع الفرنج، وقالوا: لا بد أن تعطونا خمسمائة ألف دينار، لنعمر بها ما خربتم من أسوار القدس، مع أخْذِ ما ذكر من البلاد، وأخذ الكرك والشوبك أيضًا، فاضطر المسلمون إلى قتالهم ومصابرتِهم، وعبَرَ جماعة من المسلمين في بحر المحلة إلى الأرض التي عليها معسكر الفرنج، وفتحوا مكانًا عظيمًا في النيل، وكان وقتَ قوة زيادة النيل، والفرنج لا معرفةَ لهم بحال أرض مصر، ولا بأمر النيل، فلم يشعر الفرنج إلا والماء قد غرق أكثر الأرض التي هم عليها، وصار حائلًا بينهم وبين دمياط، وأصبحوا وليس لهم جهة يسلكونها، سوى جهةٍ واحدة ضيقة، فأمر السلطانُ في الحال بنصب الجسور وعبَرَت العساكر الإسلامية عليها، وملكت الطريق التي تسلكها الفرنجُ إلى دمياط، فانحصروا من سائر الجهات، وقَدَّر الله سبحانه بوصول فرقةٍ عظيمة في البحر للفرنج، وحولها عدةُ حراقات تحميها، وسائرها مشحونة بالميرة والسلاح، وسائر ما يحتاج إليه، فأوقع بها شواني الإسلام، وكانت بينهما حربٌ، أنزل الله فيها نصره على المسلمين، فظَفِروا بها وبما معها من الحراقات، ففتَّ ذلك في عضد الفرنج، وألقِيَ في قلوبهم الرعب والذلة، بعدما كانوا في غاية الاستظهار والعنت على المسلمين، وعلموا أنهم مأخوذون لا محالة، فأجمعوا أمرهم على مناهضة المسلمين؛ ظنًّا منهم أنهم يصلون إلى دمياط، فخَرَّبوا خيامهم ومجانيقَهم، وعزموا على أن يحطموا حطمةً واحدة، فلم يجدوا إلى ذلك سبيلًا، لكثرةِ الوحل والمياه التي قد ركبت الأرضَ مِن حولهم، فعجزوا عن الإقامة لقلَّةِ الأزواد عندهم، ولاذوا إلى طلَبِ الصلحِ، وبعثوا يسألون الملك الكامل وأخويه الأشرف والمعظم الأمانَ لأنفُسِهم، وأنهم يسلِّمونَ دمياط بغير عوض، فاقتضى رأيُ الملك الكامل إجابتهم، هذا وقد ضجرت عساكر المسلمين، وملت من طول الحرب، فإنها مقيمة في محاربة الفرنج ثلاث سنين وأشهرًا، وما زال الكامل قائمًا في تأمين الفرنج إلى أن وافقه بقيَّة الملوك على أن يبعث الفرنجُ برهائن من ملوكِهم لا من أمرائهم إلى أن يسَلِّموا دمياط فطلب الفرنجُ أن يكون ابن الملك الكامل عندهم رهينةً، إلى أن تعود إليهم رهائنُهم، فتقَرَّر الأمر على ذلك، وحلف كل من ملوك المسلمين والفرنج، في سابع شهر رجب، وبعث الفرنج بعشرين ملكًا من ملوكهم رهنًا، منهم يوحنا صاحب عكا، ونائب البابا، وبعث الملك الكامل إليهم بابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب، وله من العمر يومئذ خمس عشرة سنة، ومعه جماعة من خواصه، وعندما قدم ملوك الفرنج جلس لهم الملك الكامل مجلسًا عظيمًا، ووقف الملوكُ من إخوته وأهل بيته بين يديه، في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب، فهال الفرنج ما شاهدوا من تلك العظمة وبهاء ذلك الناموس، وقدمت قسوس الفرنج ورهبانهم إلى دمياط، ليسَلِّموها إلى المسلمين، فتسَلَّمها المسلمون في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب، فلما تسلمها المسلمون قدم في ذلك اليوم من الفرنج نجدة عظيمة، يقال أنها ألف مركب، فعُدَّ تأخُّرُهم إلى ما بعد تسليمِها من الفرنج صنعًا جميلًا من الله سبحانه، وشاهد المسلمون عندما تسلموا دمياط من تحصين الفرنج لها ما لا يمكِن أخذُها بقوة البتة، وبعث السلطان بمن كان عنده في الرهن من الفرنج، وقَدِمَ الملك الصالح ومن كان معه، وتقررت الهدنة بين الفرنج وبين المسلمين مدة ثماني سنين، على أن كلًّا من الفريقين يطلق ما عنده من الأسرى، وحلف السلطان وإخوته وحلف ملوك الفرنج على ذلك، وتفرَّق من كان قد حضر للقتال، فكانت مدة استيلاء الفرنج على دمياط سنة واحدة وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يومًا، ثم دخل الملك الكامل إلى دمياط بعساكره وأهله، وكان لدخوله مسرة عظيمة وابتهاج زائد، ثم سار الفرنج إلى بلادهم وعاد السلطان إلى قلعة الجبل في يوم الجمعة ثاني عشر شهر رمضان، ودخل الوزير الصاحب صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر في البحر، وأطلق من كان بمصر من الأسرى، وكان فيهم من أُسِرَ من الأيام الصلاحية، وأطلق الفرنج من كان في بلادهم من أسرى المسلمين.

العام الهجري : 13 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 634
تفاصيل الحدث:

بعدَ أن هُزِمَ الفُرْسُ في النَّمارِق وما بعدَها اجتمعوا إلى رُسْتُم فأرسل جيشًا كثيفًا ومعهم رايةُ كِسرى ورايةُ أفريدون  فالتقوا مع المسلمين وبينهم جِسْرٌ فعَبَر أبو عُبيدِ بن مَسعودٍ الثَّقفيُّ الجِسْرَ إليهم وجَرَت المعركةُ، وكانت فِيَلَةُ الفُرْسِ تُؤذي المسلمين وتُؤذي خُيولَهم، فقُتِل عددٌ مِن قادَةِ المسلمين منهم أبو عُبيدٍ القائدُ، واسْتَحَرَّ القَتلُ في المسلمين فمَضَوْا نحوَ الجِسْر فقَطَعهُ أحدُ المسلمين وقال: قاتِلوا عن دِينِكُم. فاقْتَحَم النَّاسُ الفُراتَ فغَرِقَ ناسٌ كثيرٌ، ثمَّ عقَد المُثَنَّى الجِسْرَ وعَبَر المسلمون واسْتُشْهِد يَومئذٍ مِن المسلمين ألفٌ وثمانمائةٍ، وقِيلَ أربعةُ آلافٍ بين قَتيلٍ وغَريقٍ، وانحاز بالنَّاس المُثَنَّى بن حارِثةَ الشَّيبانيُّ.

العام الهجري : 83 العام الميلادي : 702
تفاصيل الحدث:

اسْتُهِلَّ هذا العام والنَّاسُ مُتَواقِفون لِقتال الحَجَّاج وأصحابه بِدَيْرِ قُرَّة، وابنُ الأشعث وأَصحابُه بِدَيْرِ الجَماجِم، والمُبارَزة في كُلِّ يَومٍ بينهم واقِعَة، وفي غالبِ الأيَّامِ تكون النُّصْرَة لأهلِ العِراق على أهلِ الشَّام، إذا حصَل له ظَفَرٌ في يوم مِن الأيَّام يَتقدَّم بجَيشِه إلى نَحْرِ عَدُوِّهِ، وكان له خِبرَةٌ بالحربِ، وما زال ذلك دَأْبُه ودَأْبُهم حتَّى أَمَر بالحَمْلَةِ على كَتيبةِ القُرَّاء; لأنَّ النَّاس كانوا تَبَعًا لهم، وهُم الذين يُحَرِّضُونهم على القِتال، والنَّاس يَقْتَدُون بهم، فصَبَر القُرَّاء لِحَمْلَةِ جَيشِه، ثمَّ جمَع الحَجَّاجُ الرُّماةَ مِن جَيشِه وحَمَل بهم على كَتيبةِ القُرَّاء، وما انْفَكَّ حتَّى قَتَل منهم خَلْقًا كثيرًا، ثمَّ حَمَل على جَيشِ ابن الأشعث فانْهَزَم أصحابُ ابن الأشعث وذَهَبوا في كُلِّ وَجْهٍ، وهَرَب ابنُ الأشعث ومَن معه إلى بلادِ رتبيل مَلِك التُّرْك فأَكْرَمَهُم, كان الحَجَّاجُ يومَ ظَهَرَ على ابن الأشعث بِدَيْرِ الجَماجِم نادَى مُنادِيه في النَّاس: مَن رَجَع فهو آمِن، ومَن لَحِقَ بِقُتَيْبَة بن مُسلِم بالرَّيِّ فهو آمِن. فلَحِقَ به خَلْقٌ كثيرٌ ممَّن كان مع ابنِ الأشعثِ، فأَمَّنَهم الحَجَّاجُ، ومَن لم يَلْحَق به شَرَعَ الحَجَّاجُ في تَتَبُّعِهِم، فقَتَل منهم خَلْقًا كثيرًا.

العام الهجري : 904 العام الميلادي : 1498
تفاصيل الحدث:

كان تسليم غرناطة للملك فرديناند ملك أراغون والملكة إيزابيلا ملكة قشتالة بناء على معاهدة، لكن فرديناند وزوجته لم يَفيَا بهذه العهود، بل أصدرت إيزابيلا قانونًا يقضي بإجبار المسلمين على التنصر وتحريم إقامة شعائرهم الدينية، وتأمر كذلك بإحراق الكتب الإسلامية في غرناطة, وبعد أن نقض فرديناند شروط تسليم غرناطة شرطًا شرطًا بدا بدعوة المسلمين إلى التنصر وأكرههم عليه فدخلوا في دينه كرهًا وصارت الأندلس كلها نصرانية، ولم يبق من يقول فيها لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم جهارًا إلا من يقولها في نفسه وفي قلبه أو خفيةً من الناس!! وجعلت النواقيس بدل الأذان في مساجدِها والصور والصلبان بعد ذكر الله تعالى وتلاوة القرآن، فكم فيها من عينٍ باكية! وكم فيها من قلب حزين! وكم فيها من الضعفاء والمعدومين لم يقدروا على الهجرة واللحوق بإخوانهم المسلمين! قلوبهم تشتعل نارًا ودموعهم تسيل سيلًا غزيرًا مدرارًا، وينظرون أولادهم وبناتهم يعبدون الصلبان ويسجدون للأوثان ويأكلون الخنزير والميتات ويشربون الخمر التي هي أم الخبائث والمنكرات فلا يقدرون على منعهم ولا على نهيهم ولا على زجرهم! ومن فعل ذلك عوقب أشد العقاب، فيا لها من فاجعة ما أمرَّها ومصيبةٍ ما أعظمَها وأضرَّها وطامَّةٍ ما أكبَرَها! عسى الله أن يجعل لهم من أمرهم فرجًا ومخرجًا، إنه على كل شيء قدير.  وقد كان بعض أهل الأندلس قد امتنعوا من التنصر وأرادوا أن يدافعوا عن أنفسهم كأهل قرى ونجر والبشرة وأندراش وبلفيق، فجمع الملك فرديناند عليهم جموعه وأحاط بهم من كل مكان حتى أخذهم عنوة بعد قتال شديد فأخذ أموالهم وقتل رجالهم وسبى نساءهم وصبيانهم ونصَّرهم واستعبدهم إلا أن أناسًا في غربي الأندلس امتنعوا من التنصر وانحازوا إلى جبل منيع وعر فاجتمعوا فيه بعيالهم وأموالهم، وتحصنوا فيه فجمع عليهم الملك فرديناند جموعه وطمع في الوصول إليهم كما فعل بغيرهم، فلما دنا منهم وأراد قتالهم خيب الله سعيه ورده على عَقِبه ونصرهم عليه بعد أكثر من ثلاثة وعشرين معركة، فقتلوا من جنده خلقًا كثيرًا من رجال وفرسان! فلما رأى أنه لا يقدر عليهم طلب منهم أن يعطيهم الأمان ويجوزهم لعدوة الغرب مؤمَّنين فأنعموا له بذلك إلا أنه لم يسَرِّح لهم شيئًا من متاعهم غير الثياب التي كانت عليهم وجوَّزهم لعدوة الغرب كما شرطوا عليه، ولم يطمع أحد بعد ذلك أن يقوم بدعوة الإسلام، وعمَّ الكفرُ جميع القرى والبلدان وانطفأ من الأندلس نور الإسلام والإيمان، فعلى هذا فليبك الباكون، ولينتحب المنتحبون، كما انتحب شاعر الأندلس أبو البقاء الرندي (ت684) في قصيدته المشهورة التي رثا فيه الأندلس بعد سقوط قرطبة سنة 633 ومدن كبرى كإشبيلية وبلنسية وغيرها بيد الفرنج، والتي مطلعها: (لكل شيء إذا ما تم نقصانُ * فلا يغرَّ بطيبِ العيشِ إنسانُ)، فإنا لله وإنا إليه راجعون! كان ذلك في الكتاب مسطورًا، وكان أمر الله قدَرًا مقدورًا، لا مردَّ لأمره ولا معقِّبَ لحكمِه، وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!!