قام ملك الموحدين الواثقُ بالله المعروف بأبي دبوس بالسير لقتال بني مرين فالتقى معهم في معركة جرت في وادي غفو بين مراكش وفاس، انهزم فيها الموحدون وقُتل فيها أبو العلاء إدريس بن عبد الله بن محمد بن يوسف الواثق واستولى المرينيون على معسكرهم، وكان الواثق آخر ملوك الموحدين في المغرب، وبالتالي تنتهي دولتهم في المغرب.
هو الشَّيخُ نجم الدين أبو العبَّاس أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم، الأنصاري المصري، المعروف بابن الرفعة. فقيه شافعيٌّ. تفقه على الظهير والشريف العباسي، وسَمِعَ الحديث من محيي الدين الدميري، وعُيِّنَ مدرسًا بالمدرسة المعزية. كان محتَسِبَ القاهرة وناب في الحكم, ومن كتبه: "المطلب في شرح الوسيط"، "الكفاية في شرح التنبيه" وغير ذلك.
أغار عبد الله بن فيصل على العجمان وآل شامر وبني حسين وآل عذبة من المرة، وانتصر عليهم في وقعةِ الصبيحة بالدوادمي، وملأ يدَه من أموالهم، وقتل منهم خلقًا كثيًرا، وقد كانوا يَعيثون في أطرافِ الأحساء فسادًا، وكان الشيخُ أحمد بن مشرف أرسل قصيدةً لعبد الله بن فيصل يحرِّضُه عليهم ويبَيِّن له خطَرَهم على البلادِ.
بلَغ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنَّ يَسيرَ بنَ رِزامٍ اليَهوديَّ يَجمعُ غَطَفانَ لِيَغزو بهم المدينةَ، فبعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بنَ رَواحةَ في ثلاثين راكبًا إلى يَسيرِ بنِ رِزامٍ حتَّى أَتَوْهُ بِخَيبرَ، فقالوا: أَرسلَنا إليك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لِيَستعمِلَك على خَيبرَ, فلم يزالوا به حتَّى تَبِعَهُم في ثلاثين رجلًا مع كُلِّ رجلٍ منهم رَديفٌ مِنَ المسلمين، فلمَّا بلغوا قَرْقَرَةَ نِيارٍ نَدِمَ يَسيرُ بنُ رِزامٍ فأَهوى بيدِه إلى سَيفِ عبدِ الله بنِ رَواحةَ، ففَطِنَ له عبدُ الله بنُ رَواحةَ فزَجَر بَعيرَهُ ثمَّ اقْتَحَم يَسوقُ بالقَومِ، حتَّى اسْتمكَن مِن يَسيرٍ فضرَب رِجلَهُ فقطَعها، واقْتحَم يَسيرٌ وفي يدِه مِخْراشٌ مِن شَوْحَطٍ فضرَب به وَجْهَ عبدِ الله بنِ رَواحةَ فشَجَّهُ شَجَّةً مَأمومةً, وانْكفَأ كُلُّ رَجُلٍ مِنَ المسلمين على رَديفِه فقَتلهُ، غَيرَ رَجُلٍ واحدٍ مِنَ اليَهودِ أعَجزَهُم شَدًّا ولم يُصِبْ مِنَ المسلمين أحدًا، فبَصَقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في شَجَّةِ عبدِ الله بنِ رَواحةَ فلم تُقَيَّحْ ولم تُؤْذِهِ حتَّى مات.
كانت البدايةُ في أنَّ بعض قواد الأتراك من المشغِّبين قد جاؤوا إلى المستعين وسألوه العفوَ والصَّفحَ عنهم ففعل، فطلبوا منه أن يرجِعَ معهم إلى سامرَّا التي خرج منها إلى بغداد؛ بسبب تنكُّرِ بعض هؤلاء القادة الأتراك له، فلم يقبَلْ وبقي في بغداد، وكان محمد بن عبدالله بن طاهر قد أهان أحدَ القادة الأتراك، فزاد غضَبُهم، فلما رجعوا إلى سامرَّا أظهروا الشغب وفتحوا السُّجونَ وأخرجوا من فيها، ومنهم المعتزُّ بن المتوكل وأخوه المؤيَّد الذين كان المستعينُ قد خلعهما من ولاية العهد، فبايعوا المعتز وأخذوا الأموالَ من بيت المال، وقَوِيَ أمرُه، وبايعه أهلُ سامرَّا، والمستعينُ في بغداد حصَّن بغداد خوفًا من المعتز، ثم إن المعتز عقد لأخيه أبي أحمد بن المتوكِّل، وهو الموفَّق، لسبعٍ بَقِين من المحرَّم، على حرب المستعين، ومحمَّد بن عبد الله بن طاهر وجرى القتال بينهم وطالت الحربُ بينهما حتى اضطُرَّ محمد بن عبدالله بن طاهر إلى أن يُقنِعَ المستعين بخلعِ نَفسِه ويشترط شروطًا، فرضي بذلك فاستسلَمَ وكتب شروطَه وبايع للمعتزِّ وبايعت بغداد، وانتقل المستعينُ إلى واسط بعد أن خلعَ نَفسَه، ثم أرسل المعتزُّ إليه من قتَلَه في شوال من نفس العام، فكانت مدَّة خلافته أربع سنين وثلاثةَ أشهر وأيام.
لمَّا تَمَكَّنَ عبدُ الملك مِن الشَّام أراد أن يَضُمَّ لها العِراقَ، وقد قِيلَ: إن أَهلَها كاتَبوا عبدَ الملك لِيَسيرَ إليهم، وكانت العِراقُ مع ابنِ الزُّبير وواليها مُصعَبُ أَخوهُ، فسار إليه بِنَفسِه فلمَّا عَلِمَ مُصعبٌ بذلك سار إليه ومعه إبراهيمُ بن الأَشْتَرِ، وكان على المَوصِل والجزيرةِ، فلمَّا حضَر عنده جَعلَه على مُقدِّمَتِه وسار حتَّى نزل باجُمَيرَى، وهي قريبٌ مِن أَوانا، وهي مِن مَسْكِن، فعَسْكَرَ هناك، وسار عبدُ الملك وعلى مُقدِّمتِه أخوه محمَّدُ بن مَرْوان، وخالدُ بن عبدِ الله بن خالدِ بن أُسَيْدٍ، فلمَّا تَدانَى العَسْكرانِ أَرسَل عبدُ الملك إلى مُصعَبٍ رجلًا مِن كَلْبٍ وقال له: أَقْرِئْ ابنَ أُختِك السَّلامَ -وكانت أُمُّ مُصعَبٍ كَلبيَّةً- وقُلْ له يَدَعُ دُعاءَهُ إلى أَخيهِ، وأَدَعُ دُعائي إلى نَفْسي، ويَجْعَل الأمرَ شُورى. فقال له مُصعَبٌ: قُلْ له السَّيفَ بيننا. فقَدَّمَ عبدُ الملك أخاهُ محمَّدًا، وقَدَّمَ مُصعَبٌ إبراهيمَ بن الأشْتَرِ، فالْتَقيا فتَناوَش الفَريقانِ فقُتِلَ صاحِبُ لِواءِ محمَّدٍ، وجعَل مُصعَبٌ يَمُدُّ إبراهيمَ، فأزال محمَّدًا عن مَوقِفِه، فوَجَّهَ عبدُ الملك عبدَ الله بن يَزيدَ إلى أخيهِ محمَّدٍ، فاشْتَدَّ القِتالُ، فقُتِلَ مُسلِم بن عَمرٍو الباهليُّ والدُ قُتيبَة، وهو مِن أصحابِ مُصعَبٍ، وتَقَدَّمَ أهلُ الشَّام فقاتَلهم مُصعَبٌ ثمَّ عرَض عبدُ الملك الأمانَ على مُصعَبٍ فأَبَى وبَقِيَ يُقاتِلُهم، ثمَّ إنَّ كثيرًا خَذلوا مُصعبًا، وقِيلَ: لم يَبْقَ معه سِوى أربعةٍ، وكَثُرَت الجِراحاتُ بمُصْعَب فضَرَبهُ رجلٌ -يُقالُ له: عبيدُ الله بن زيادِ بن ظِبْيان التَّميميُّ- فقَتلَهُ وحمَل رَأسَهُ إلى عبدِ الملك.
خرج حمزةُ بن أترك السجستاني الخارجيُّ في خراسان، فجاء إلى بوشنج، فخرج إليه عَمرَوَيه بن يزيد الأزدي، وكان على هراة، في ستةِ آلاف، فقاتَلَه فهزمه حمزة، وقتَلَ مِن أصحابه جماعةً، ومات عَمرَويه في الزحام، فوجَّه عليُّ بن عيسى- وهو أميرُ خراسان- ابنَه الحُسَينَ في عشرة آلاف، فلم يحارِبْ حمزة، فعَزَله وسَيَّرَ عِوَضَه ابنَه عيسى بن علي، فقاتل حمزة، فهَزَمه حمزةُ، فرَدَّه أبوه إليه أيضًا فقاتله بباخرز، وكان حمزةُ بنيسابور، فانهزم حمزةُ، وبَقِيَ أصحابه، وبقي في أربعينَ رَجُلًا فقَصَد قهستان. وأرسل عيسى أصحابَه إلى أوق وجوين، فقَتَلوا مَن بها من الخوارج، وقصَدَ القرى التي كان أهلُها يُعِينون حمزة، فأحرَقَها وقتَلَ مَن فيها حتى وصل إلى زرنج، فقتَلَ ثلاثين ألفًا ورجَعَ عيسى بن علي، وخلف بزرنج عبد الله بن العباس النسفي، فجبى الأموالَ وسار بها، فلَقِيَه حمزةُ بنُ أترك بأسفزار، فقاتله، فصبَرَ له عبد الله ومن معه من الصغد، فانهزم حمزةُ، وقُتِل كثيرٌ من أصحابه، وجُرِحَ في وجهه، واختفى هو ومن سَلِمَ من أصحابه في الكروم، ثم خرج وسار في القُرى يَقتُل ولا يُبقي على أحدٍ. وكان علي بن عيسى قد استعمَلَ طاهر بن الحسين على بوشنج، فسار إليه حمزةُ، وانتهى إلى مكتبٍ فيه ثلاثون غلامًا فقَتَلهم وقتَلَ مُعَلِّمَهم، وبلغ طاهرًا الخبَرُ، فأتى قريةً فيها قُعَّدُ الخوارجِ- وهم الذين لا يُقاتِلونَ، ولا ديوانَ لهم- فقَتَلهم طاهِرٌ وأخذ أموالَهم، وكان يشُدُّ الرجُلَ منهم في شجرتين، ثم يجمَعُهما ثمَّ يرسِلُهما، فتأخذ كلُّ شَجرةٍ نِصفَه، فكتب القُعَّدُ إلى حمزةَ بالكَفِّ، فكَفَّ وواعَدَهم، وأمِنَ النَّاسُ مدَّةً، وكانت بينه وبين أصحابِ عليِّ بنِ عيسى حروبٌ كثيرةٌ، حتى غُلِبَ وفَرَّ إلى كابل.
هو عُمَرُ بنُ حَفصون بن عمر بن جعفر بن دميان بن فرغلوش بن أذفونش القس, وينتمي عمر بن حفصون لأسرة من المولَّدين قوطيَّة الأصل, فجَدُّه الأعلى وقت الفتح هو القِسُّ ألفونسو، وأوَّلُ من أسلَمَ مِن أسرته هو جدُّه الرابع جعفر, وابنُ حفصون هو رأس الخوارجِ بجزيرة الأندلس, وأحدُ أشهَرِ معارضي سُلطة الدولة الأمويَّة في الأندلس، وكاد أن يغلِبَ على الأندلس، وأتعبَ السَّلاطينَ، وطال أمرُه، وعظُم البلاءُ به، وكان جَلْدًا شُجاعًا فاتكًا، وكان يتحصَّن بقلعةٍ منيعةٍ في جبل ببشتر، فتح باب الشِّقاقِ والخلاف في الأندلس، نُعِت باللَّعينِ والخبيثِ ورأسِ النفاق، أوَّل ما ثار على الأمير محمد بن عبد الرحمن عام 270 واستفحل أمرُه، ثمَّ أظهر النصرانيَّة سنة 286 فاتَّصلَت عليه المغازي. أظهَرَ الطاعات مراتٍ وقُوبِلَ بالعفوِ، ولكنه لم يلبَثْ أن يتمَرَّدْ مَرَّةً أخرى، وكان عُبيد اللهِ الفاطمي العُبَيدي اعترف به وبزعامته وأمَدَّه بالذخائرِ والأسلحة ودعا له في المساجدِ؛ كلُّ ذلك أملًا منه أن ينضمَّ للفاطميِّينَ، عاصَرَ ابنُ حفصون في ثورته أربعةً مِن الأمراء الأمويين، بدأ في عهدِ الأمير محمد بن عبد الرحمن وحتى عهد عبد الرحمن الناصر لدين الله، وسيطر خلالَها على مناطِقَ كبيرةٍ في جنوبِ الأندلس، ولاقت حركتُه ترحيبًا من أعداد كثيرةٍ مِن سُكَّانِ تلك المناطِقِ من المولَّدين والمُستعربين، وقاومتها سُلُطاتُ الدولة بحزمٍ إلى أن أنهى عبدُ الرحمن الناصِرُ لدين الله حركةَ ابن حفصون وخلفائِه تمامًا عام 316، بعد عشرِ سَنواتٍ على وفاة عُمَرَ بنِ حفصون نفسِه, ولما توفِّيَ خَلَفَه ابنُه سُلَيمانُ.
هو أبو بَكْرِ بن عبدِ الرَّحمن بن الحارِث بن هِشام أَحَد الفُقَهاء السَّبعَة بالمَدينَة، كان ثِقَةً، فَقِيهًا، عالِمًا سَخِيًّا، كَثيرَ الحَديثِ، حَدَّث عن عَدَدٍ مِن الصَّحابَة كأَبيهِ، وعائِشَةَ، وأبي هُريرَةَ، وعَمَّارِ بن ياسِر، وغَيرِهم، جَمَعَ العِلْمَ والعَمَل والشَّرَف، وكان ممَّن خَلَفَ أَباهُ في الجَلالَة، كان يُقالُ له: رَاهِب قُريشٍ. لِكَثْرَةِ صَلاتِه، وكان مَكْفوفًا كَثيرَ الصَّوْم، تُوفِّي في المَدينَة.
في هذه السَّنَة ثارَ بعضُ اليَمانِيَّة على مَرْوان بن محمَّد في حِمص وتَدمُر وكذلك في فِلَسطين، فقام بإرسالِ مَن يَقمَعُهم مُستَعينًا بالقَيْسِيَّة، كما خَرَج في الكوفَة عبدُ الله بن مُعاوِيَة الطَّالِبي على بَنِي أُميَّة وبايَعَه بعضُ أَصحابِه ثمَّ هَرَب معهم إلى حلوان وغَلَب على الرَّيِّ وأَصبَهان وهَمدان، وفي الأندَلُس ثارَ بعضُ القَيْسِيَّة بقِيادَة ثَوابَة بن سَلامَة الذي تَولَّى بعدُ إِمارةَ الأندَلُس.
أغار الفرنج من الرها على مرج الرقة وقلعة جعبر، وكانوا لما خرجوا من الرها افترقوا فرقتين، وتواعدوا يومًا واحدًا تكون الغارة على البلدين فيه، ففعلوا ما استقرَّ بينهم، وأغاروا، واستاقوا المواشيَ، وأسَروا من وقع بأيديهم من المسلمين، فكانت قلعة جعبر والرقة لسالم بن مالك بن بدران بن المقلد بن المسيب، سلَّمها إليه السلطان ملكشاه سنة تسع وسبعين وأربعمائة.