غزا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم غزوةَ بدرٍ الأولَى حتى بَلَغ واديَ سَفَوانَ؛ حيث خَرَج رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على رأسِ ثلاثةَ عَشَرَ شهرًا من مُهاجَرِه يَطلُب كُرزَ بنَ جابِرٍ الفِهريَّ، وحَمَل لِواءَه عليُّ بنُ أبي طالِبٍ رَضي اللهُ عنه، وكان أبيضَ، واستَخلَفَ على المدينةِ زيدَ بنَ حارِثةَ، وكان كُرزٌ قد أغار على سَرحِ المدينةِ -الإبِلِ والمَواشي التي تَسرَحُ للرَّعيِ بالغَداةِ- فاستاقَه، وكان يَرعَى بالحِمَى، فطَلَبه رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى بَلَغ واديًا يُقالُ له: "سَفَوانُ" من ناحيةِ بَدرٍ، وفاتَه كُرزٌ ولم يَلحَقْه، فرَجَع إلى المَدينةِ.
أنفذ قائدُ الزنجِ عليَّ بن أبان المهلبي، وضمَّ إليه الجيشَ الذي كان مع يحيى بن محمد البحراني، وسليمان بن موسى الشعراني، وسيَّرَه إلى الأهواز, وكان المتولي لها بعد منصور بن جعفر رجلًا يقالُ له أصعجور، فبلغه خبَرُ الزنج، فخرج إليهم، والتقى العسكرانِ بدشت ميسان، فانهزم أصعجور، وقُتِل معه كثيرٌ، وجُرِح خلقٌ كثيرٌ من أصحابه، وغرق أصعجور، وأُسِرَ خَلقٌ كثيرٌ، فيهم الحسن بن هرثمة، والحسن بن جعفر، وحُمِلَت الرؤوسُ والأعلام والأسرى إلى الخبيث، فأمرَ بحَبسِ الأسرى، ودخل الزنجُ الأهواز، فأقاموا يُفسِدون فيها ويَعيثون إلى أن قَدِمَ موسى بن بغا.
احتَرَق مسجِدُ سامِرَّا المشهورُ بمِئذنتِه المُلتَوية، كما احتَرَق مَشهَدُ الحُسَينِ بنِ علي بكَربَلاءَ وأروقتُه، وكان سبَبُ ذلك أنَّ القومةَ أشعلوا شمعتينِ كَبيرتينِ، فمالتا في اللَّيلِ على التأزيرِ- الخشَبِ المُحيطِ بالشَّمعَتَينِ- ونَفِذَت النَّارُ منه إلى غيرِه حتى كان ما كان، ثمَّ بعد ذلك احتَرَقَت دارُ القطن ببغدادَ وأماكِنُ كثيرةٌ بباب البصرة، وفيها ورَدَ الخبَرُ بتشعيثِ الُّركنِ اليَمانيِّ من المسجِدِ الحرامِ، وسُقوطِ جِدارٍ بينَ يَدَي قَبرِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بالمدينةِ، وأنَّه سَقَطَت القُبَّةُ الكبيرةُ على صَخرةِ بَيتِ المَقدِس، وهذا مِن أغرَبِ الاتِّفاقاتِ وأعجَبِها. العِبَر في خبَرِ مَن غَبَر (2/ 214)
سيَّرَ الظَّاهِرُ حاكِمُ مِصرَ العُبَيديُّ إلى الشَّامِ الدزبريَّ وزيرَه، فملَّكه، وقَصَد حسَّانَ بنَ المفرج الطائي، فألحَّ في طلَبِه، فهَرَب منه، ودخل بلدَ الرُّومِ ولَبِسَ خِلعةَ مَلِكِهم، وخرج مِن عِندِه وعلى رأسِه عَلَمٌ فيه صليبٌ، ومعه عسكَرٌ كثيرٌ، فسار إلى أفامية فكَبَسَها، وغَنِمَ ما فيها، وسبى أهلَها، وأسَرَهم، وسيَّرَ الدزبري إلى البلادِ يستنفِرُ النَّاسَ للغزو وخرج فخافه نصرُ بن صالح وقَرَّرَ لِمَلِك الرومِ على نفسِه خَمسَمِئَة ألف درهم، صرف ستين درهمًا بدينار، على أن يحميَه، وذلك في جُمادى الأولى؛ فاتَّفَقَ مَرَضُ الدزبري بدمشق، وأُرجِفَ به، ثم عوفيَ.
هو حَمزةُ بنُ عليِّ بنِ أحمد الفارسي الزوزني، مِن كبارِ الباطنيَّة، ويُعتبَرُ مُؤَسِّسَ المذهَبِ الدرزي وواضِعَ أُسُسِه وعقائِدِه، اتَّصَل بمصرَ برجالِ الدعوة السِّرِّية من شيعة الحاكِمِ بأمر الله الفاطمي العُبَيدي، نادى بالتقَمُّص والحلول مع محمد بن إسماعيلَ الدرزي، أظهر الدعوةَ بألوهيَّةِ الحاكم وأنَّ الإلهَ قد حلَّ فيه، جعله الحاكِمُ داعيَ الدُّعاة، ولَمَّا قُتِلَ الحاكِمُ غادر حمزةُ مصر إلى الشام ونشر فيها مذهَبَه، فعُرِفَ أتباعُه بالدروز ويتَسَمَّونَ بالموحِّدين أيضًا، ويُعتبَرُ حَمزةُ هذا هو قائِمَ الزمانِ وآخِرَ من حل فيه العقلُ الإلهيُّ وهو الواضِعُ لأركان الدينِ عندهم.
لما فتح الفرنج معظم بلاد الشام عَظُمَ خوفُ المسلمين منهم وبلغت القلوبُ الحناجِرَ، وأيقنوا باستيلاء الفرنج على سائر الشام لعدم الحامي له والمانع عنه، فشرع أمراء بلاد الشام في الهدنة معهم، فامتنع الفرنج من الإجابة إلا على قطيعة يأخذونها إلى مدة يسيرة، فصالحهم الملك رضوان، صاحب حلب، على اثنين وثلاثين ألف دينار وغيرها من الخيول والثياب، وصالحهم صاحب صور على سبعة آلاف دينار، وصالحهم ابن منقذ، صاحب شيزر، على أربعة آلاف دينار، وصالحهم علي الكردي، صاحب حماة، على ألفي دينار، وكانت مدة الهدنة إلى وقت إدراك الغَلَّة وحصادها.
وصل رسولٌ إلى شهاب الدين الغوري من عند مُقَدَّم الإسماعيليَّة بخراسان برسالةٍ أنكَرَها، فأمر علاء الدين محمد بن أبي علي متولي بلاد الغور بالمسيرِ في عساكر إليهم ومحاصرةِ بلادهم، فسار في عساكر كثيرةٍ إلى قهستان، وسَمِعَ به صاحب زوزن، فقصده وصار معه وفارق خدمةَ خوارزم شاه، ونزل علاء الدين على مدينة قاين، وهي للإسماعيليَّة، وحَصَرها، وضَيَّق على أهلها، ووصل خَبَرُ قتل شهاب الدين، فصالح أهلَها على ستين ألف دينار ركنية، ورحل عنهم، وقَصَد حصن كاخك فأخذه وقتل المقاتِلة، وسَبى الذريَّة، ورحل إلى هراة ومنها إلى فيروزكوه.
هو الأميرُ مجيرُ الدين طاشتكين بن عبد الله المقتفوي المستنجدي, أميرُ الحاج وزعيم بلاد خوزستان، كان شيخًا غاليًا في التشَيُّع، وكانت الحلة الشيعيَّة إقطاعَه، وكان شجاعًا قليلَ الكلام، يمضي عليه الأسبوعُ لا يتكلم فيه بكلمةٍ، وذُكِرَ أنَّه حج بالناس ستًّا وعشرين سنة، كان يكونُ في الحجاز كأنَّه مَلِكٌ، وقد رماه الوزيرُ ابن يونس بأنه يكاتب صلاحَ الدين فحبَسَه الخليفة، ثم تبيَّنَ له بطلان ما ذكر عنه فأطلقه وأعطاه خوزستان، ثم أعاده إلى إمرة الحَجِّ، توفي بتستر ثاني جمادى الآخرة وحُملَ تابوتُه إلى الكوفة فدُفِنَ بمشهد عليٍّ لوصيَّتِه بذلك.
كانت وقعةٌ عظيمةٌ بين التتار بسَبَبِ أنَّ مَلِكَهم أبا سعيد بن خربندا كان قد ضاق ذرعًا بنائبه الأمير جوبان وعجَزَ عن مَسكِه، فانتدب له جماعةً من الأمراء عن أمرِه، منهم أبو يحيى خال أبيه، ودقماق وقرشي وغيرُهم من أكابر الدولة، وأرادوا كبسَ جوبان فهرب وجاء إلى السلطانِ الناصر محمد بن قلاوون, فأنهى إليه ما كان منهم، وفي صُحبتِه الوزير علي شاه، ولم يزل بالسلطانِ حتى رضي عن جوبان وأمَدَّه بجيشٍ كثيف، ورَكِبَ السلطان معه أيضًا والتقوا مع أولئك فكسروهم وأسروهم، وتحَكَّم فيهم جوبان فقَتَل منهم إلى آخِرِ هذه السنة نحوًا من أربعين أميرًا.
استنجد محمَّدُ الرابع بن إسماعيل مَلِكُ غرناطة بأبي الحَسَنِ علي بن عثمان مَلِك بني مرين لاستردادِ ثَغرِ جبل طارق من الأسبان الذين استولوا عليه سنة 709 فاستجاب أبو الحسَنِ لهذه الدعوة وأرسل جَيشًا بقيادةِ ابنه أبي مالك، فحصَلَت معركةٌ بَحَريَّةٌ أمام جبل طارق هُزِمَ فيها القشتاليون واستسلمت حاميةُ الجبل فاسترَدَّها المسلمون من الأسبان، ثم بعد فترة تم اغتيال محمد الرابع بن إسماعيل بتحريضٍ من مُنافِسيه في المُلكِ، فتَمَّ استخلاف أخيه أبي الحَجَّاج يوسف الأول بن أبي الوليد إسماعيل، وهو فتى في السادسة عشرة من عُمُرِه.
قَدِمَ دمشقَ عليُّ بن الحسن بن أبي الفضل بن جعفر بن محمد بن كثير الحلبي الرافضيُّ، وأقام بها سنواتٍ، فاتفق أنَّه شَقَّ الصفوف والناسُ في صلاةِ جنازةٍ بالجامِعِ الأمويِّ وهو يلعَنُ ويسُبُّ من ظَلَم آلَ مُحمَّدٍ، فانتَهَره عمادُ الدين ابنُ كثيرٍ، وأغرى به العامَّةَ، وقال: إنَّ هذا يسُبُّ الصحابةَ، فحملوه إلى القاضي تقي الدين السبكي فاعترف بسَبِّ أبي بكر وعمر، فعَقَدوا له مجلسًا، فحكَم نائِبُ المالكي بضَربِ عُنُقِه بعد أن كُرِّرَت عليه التوبةُ ثلاثةَ أيامٍ، فأصَرَّ فضُرِبَت عُنُقُه بسوق الخيلِ وحَرَق العوامُّ جَسَده
بعد أن طرد العثمانيون ملكَ النمسا فرديناند من المجَر؛ لتدخله في أمورِها وحصارِهم لفيينا سنة936. عاد ملك النمسا بجيشه هذا العام ودخل بودابست، لكنه لم يستطع أن يستوليَ عليها؛ بسبب مقاومة الحامية العثمانية فيها، فلما سار الخليفةُ سليمان بجيشه نحو المجر ليُخرج منها ملك النمسا طلب الملك فرديناند من الخليفة الصلحَ فوافق عليه وعلى الرجوع بجيشه, وذلك لِما بلغه من قوة استعدادات شارلكان الدفاعية، وأنَّ سفنًا بحرية تابعة لشارلكان والبابا احتلَّت بعض المواقع في شبه جزيرة المورة اليونانية التابعة للدولة العثمانية؛ لذلك آثر الخليفة سليمان أن يوقِعَ المعاهدة مع النمسا.
استطاع الهولنديون أصحابُ شركة الهند الشرقية الهولندية أن يدخُلوا الخليج العربي عن طريقِ تحالُفِهم مع الإنكليز، ثم إن الهولنديين أرادوا التوغُّلَ بتجارتهم وأطماعِهم أكثَرَ من ذلك، فاستطاعوا الظهورَ في البصرة بعد أن عرفوا أنَّ التجارةَ فيها رابحةٌ، فمدُّوا نشاطَهم إلى العراق، وأرسلوا سفُنَهم إلى البصرة، واستطاعوا أن يأخذوا السوقَ من الإنكليز وخاصة بوجود الامتيازات الممنوحة لهم من قِبَل علي باشا من أسرة آفراسياب، ووصل أمرُ الهولنديين في البصرةِ إلى أن أصبحوا يمنَعون الإنكليز والبرتغاليين من الوصولِ إلى البصرة بالقوة، حتى انسحبت مضطرةً شركةُ الهند الشرقية الإنكليزية تاركةً الساحةَ أمام الهولنديين الذين أصبحوا هم المسيطرين على البصرةِ تجاريًّا وعسكريًّا.
حاولت روسيا أن تعقد مع تركيا عهدًا مقتضاه استقلالُ القرم وأن تستولي روسيا على قلعة كرتس وبناء قلعة في مدخل بحر أزوف، وأن تكون الملاحةُ حرَّةً لروسيا في جميع موانئ الدولة التركية في البحر الأسود، وأن يكون لتلك الدولةِ حَقُّ حماية المسيحيين الأرثوذكس في تركيا، فرفضت تركيا هذا الشرطَ الأخير، فعاد الجفاء بين الدولتين على ما كان عليه، فتقدَّم الصدر الأعظم محسن زاده باشا وانتصر على الروسِ بجوار بزارجق ووارنة، وصَدَّهم أيضًا علي باشا الداغستاني أمام روسجق، ودحرهم عثمان باشا دحورًا عظيمًا، وقتل منهم تسعة آلاف وأسرَ الجنرال وينين، وقُتل الجنرال واسمان من جرحٍ أصابه.
اقتحمتْ مجموعةٌ من مُقاتلي الإنقاذِ (الجَناح العَسْكري للجَبْهة الوطنيَّة لإنقاذِ ليبيا) مُعَسكَرَ باب العزيزيةِ في طرابلس، وقد اشتبكتْ هذه المجموعةُ مع قُوَّات ليبيَّةٍ وأجنبيةٍ تحرُسُ المُعَسكَرَ لفترةٍ تراوحتْ بين خَمسِ وسَبعِ ساعاتٍ استُخدمت فيها كافَّةُ الأسلحة، وقد قُتل جميعُ الذين اشتركوا في العملية من المُقاتِلينَ وعددُهم ثمانية، ولم يتمكَّنْ بعض الموجودين في المُعَسكَرِ من الفَرار عبر أحد المخابئ السِّريَّةِ، إلا بعدما تدخَّلت قُوَّات مُدرَّعة، وحَرَس أجنبيٌّ، وعلى الأخصِّ الألمانُ الشرقيُّون، وسقط في هذه المعركة من الجانب الآخر عددٌ يتراوح بين 100 و120 شخصًا ما بين قَتيلٍ وجَريحٍ، وقد انضمَّ عددٌ من الجُنود الليبيِّينَ إلى جانِبِ المُقاتِلينَ.