تُوفِّي الشيخُ عبدُ السلام ياسين رحمه الله الزَّعيمُ الرُّوحيُّ لجماعة العدلِ والإحسان، بعد إصابتِه بوعكةٍ صحِّيَّة حادَّةٍ. وقد وُلد الشيخ عامَ (1928)، وعَمِل في سِلكِ التَّعليم لمدَّةِ (20) عامًا تدرَّج خلالَها في مجموعةٍ من المناصب التربويَّةِ والإدارية العالية. وفي سنةِ (1974) بَعث ياسين بنصيحةٍ إلى الملكِ الراحل الحسن الثاني، وهي عبارةٌ عن رسالةٍ حَوَت أكثرَ من (100) صفحةٍ سمَّاها: «الإسلامُ أو الطُّوفان»، واعتُقِل بسببِها لمدَّةِ ثلاثِ سنواتٍ وستَّةِ أشهُرٍ دُونَ محاكَمة. ودُفن الشيخُ يومَ الجمعةِ بالعاصمة الرباط، وصُلِّي عليه صلاةَ الجنازةِ بمسجِدِ السُّنة بنفس المدينةِ. وأعلن عبدُ الإله بن كيران رئيسُ الحُكومةِ المغربية عن حضورِه رسميًّا جنازةَ تشيِيعِ الشيخِ.
استطاع عاصِمُ بن جميل أن يهزِمَ حبيبَ بن عبد الرحمن الفهري، فدخل القيروان وولَّى عليها عبد الملك بن أبي الجعد، وسار هو خلفَ حبيب حتى قتلَه فأصبح للصفرية نفوذُهم الكبير في المغرب، ثم لما انهزموا أمام الإباضيَّة اتجهوا نحو المغرب الأقصى والأوسط، واستطاع أبو قرةَ تأسيسَ دولةٍ في ناحية تلمسان، كما استطاع أبو القاسِمِ سِمكو بن واسول إرساءَ قواعِدِ دولةِ بني مدرارٍ في سجلماسة.
لما رجع سعود من الحج أطلق آلَ خليفة أهل البحرين والزبارة، وأذِنَ لهم بالرجوع إلى بلدهم، ووعدوه بالسمع والطاعة وعدم المخالفة، ووافق وقتُ وصولهم البحرين وقوعَ مقاتلة عظيمة في البحر بين عشايرهم وأبنائهم وبين أتباع الدولة السعوديةِ الذين في ناحيتِهم، وهم رحمة بن جابر بن عذبي أمير خوير حسان المعروف، وأبا حسين أمير الحويلة البلد المعروفة في قطر، وإبراهيم بن عفيصان أمير شوكة المرابِطة من أهل نجد وغيرهم، وذلك أنَّ هؤلاء سار بعضُهم على بعض في السفُنِ، فوقعت الملاقاة في البحر قربَ البحرين، فوقع قتالٌ شديد وكثُر القتلى بين الفريقين، ثم اشتعلت النار في السفُنِ، ومات بينهم خلق كثيرٌ قتلًا وحرقًا وغَرَقًا، فاحترقت السفن بمن فيها، واحترق لابن جابر وأبا حسين ومن معهم من المسلمين سبعةُ مراكب، واحترق لآل خليفة نحو ذلك, وقُتِل من أهل البحرين وأتباعهم ومن أتباع آل سعود نحو 1600 قتيل.
هو المَلِك قزل أرسلان، واسمُه عثمان بن الأتابك إيلدكز، صاحب أران، وأذربيجان، وهمذان، وأصفهان، والري، وما بينها، وقد مَلَك البلاد بعد وفاة أخيه البهلوان، وأطاعه صاحبُ فارس وخوزستان، واستولى على السلطان طغرل بن أرسلان بن طغرل، فاعتقله في بعض القلاع، ودانت له البلادُ، وفي آخِرِ أمره سار إلى أصفهان، والفِتَن بها متَّصِلة من وفاة البهلوان إلى هذا الوقت، فتعَصَّب على الشافعية، وأخذ جماعةً مِن أعيانهم فصَلَبَهم، وعاد إلى همذان، وخطب لنَفسِه بالسلطنة، ثم إنه دخل ليلةَ قُتِلَ إلى منزله لينام، وتفَرَّق أصحابه، فدخَلَ إليه مَن قَتَلَه على فراشه، ولم يُعرَفْ قاتله، فأخَذَ أصحابُه صاحِبَ بابِه ظنًّا وتخمينًا. كانت دولته سبع سنين، وكان فيه كرم وعدل وحلم في الجملة.
عُقِد مؤتمرُ القمة الثاني لحركة عدم الانحياز في القاهرة بين 5- 10 أكتوبر نوقِشَت فيه قضية فلسطين ضمن البند الخاص "بتحرير البلاد المستَعمَرة واستئصال الاستعمار بشكليه القديم والجديد، وكذلك الإمبريالية". وتقرَّر في النهاية إدانةُ السياسة الاستعمارية المتَّبَعة في الشرق الأوسط، و"تأييد استعادة حقوق الشعب الفلسطيني كاملةً في بلده، وحقُّه الثابت في تقرير المصير"، كما أعلن القادةُ المشاركون في هذه القمة تأييدَهم الكامِلَ للشَّعَب العربي الفلسطيني في نضالِه من أجل التحرُّر من الاستعمارِ والعُنصرية.
هو جمالُ الدين أبو محمَّدٍ عبدُ اللهِ بنُ يوسُفَ بنِ أحمد بن هشام الأنصاري الحنبلي النحويُّ. وُلِدَ وتوفِّيَ بمصر, كان بارعًا في عدة علوم، لا سيما العربية؛ فإنه كان فارِسَها ومالِكَ زِمامِها، وعُدَّ مِن كبار أئمَّةِ النحو، وله فيه الأبحاث العجيبة، والنكات الغريبة، والأنظار الدقيقة، حتى قيل عنه: أنحى مِن سيبويه, وهو صاحِبُ الشَّرحِ على ألفية ابن مالك في النحو، المسمى أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، وشرح أيضًا البردة، وشرح بانت سعاد، وكتاب المغني، وله شذور الذهب في معرفة كلام العرب، وله قَطْر الندى وبَلُّ الصَّدى، والإعراب وقواعد الإعراب، وغير ذلك، وكان أولًا حنفيًّا ثم استقَرَّ حنبليًّا وتنَزَّل في دروس الحنابلة. توفِّيَ في ليلة الخامس من ذي القعدة، ومات عن بضعٍ وخمسين سنة، ودفن بعد صلاة الجمعة بمقابر الصوفيَّة خارج باب النصر من القاهرة.
أثار انتصار قوات الإخوان (إخوان من أطاع الله) في تربة وتفوقهم العسكري مخاوف الإنجليز من توسع الملك عبدالعزيز تجاه الحجاز على حساب حليفهم الشريف حسين لذلك حاولت بريطانيا تخفيف حدة الصراع والتوتر بين الحجاز ونجد والحيلولة دون تقدم آل سعود إلى الحجاز بأن طلبت منه أن يسحب قواته من الحجاز، ثم دعا اللورد كيرزون وزير الخارجية البريطانية لعقد مؤتمر في مبنى وزارة الخارجية في لندن دعا إليه مسؤولون بريطانيون مختصون بالشرق الأوسط فأشار في المؤتمر جون فيلبي سكرتير برسي كوكس المعتمد البريطاني في الخليج إلى أن الملك عبدالعزيز لن يتقدم نحو الأراضي الحجازية لأنه أكثر حكمة من أن يلحق الإساءة بعلاقته مع بريطانيا من خلال توسعه في الحجاز إلا أن كيرزون أوضح أن الموقف لا يسمح بالتكهنات والاحتمالات حول تقدم الملك عبدالعزيز نحو الحجاز واقترح إرسال مبعوث للرياض لإبلاغ الملك عبدالعزيز انزعاج بريطانيا من سوء علاقته بالهاشميين وكُلف فيلبي بتبليغ رسالة الإنجليز للملك عبدالعزيز وأمرت الخارجية البريطانية الجنرال اللنبي المندوب السامي في القاهرة أن يرسل ست طائرات حربية إلى جدة لمساعدة الحسين إذا ما حاول الملك عبدالعزيز التقدم نحو الحجاز، وعند ما أظهر الشريف حسين انزعاجه من حسن تعامل بريطانيا مع الملك عبدالعزيز أرسل اللنبي إليه يطمئنه بأن الحكومة البريطانية لن تتخذ موقفا يضر بمصالحه ويؤُخذ بعين الاعتبار شروط المعاهدة بين حكومة بريطانيا والملك عبدالعزيز التي تتعهد بموجبها حمايته والاعتراف باستقلاله ورجاء الامتناع عن إثارة أية مشكلة قد تؤدي إلى توتر العلاقات مع الملك عبدالعزيز.
وُلِدَ الكاتبُ المصريُّ والصَّحفيُّ الشَّهير: محمد حسنين هيكل في 23 سبتمبر 1923، وتلقَّى تعليمَه بمراحِلِه المتَّصِلةِ في مصرَ، وكان اتِّجاهُه مبكِّرًا إلى دراسةِ ومُمارسةِ الصحافةِ، وفي عامِ 1943م التَحَق بجريدة «الإيجبشيان جازيت» مُحرِّرًا، ثمَّ عُيِّنَ عام 1945م مُحَرِّرًا بمجلةِ آخرِ ساعةٍ، وانتقلَ معها عندما انتقلت مِلْكيَّتُها إلى جريدةِ أخبار اليوم، أصبَحَ “حسنين هيكل” بعد ذلك مُراسِلًا متجوِّلًا بأخبارِ اليومِ، وتنقَّل وراءَ الأحداثِ مِن الشَّرقِ الأوسَطِ إلى البلقانِ وإفريقيا والشرقِ الأقصى حتى كوريا، ثم استقرَّ في مصرَ عامَ 1951م؛ إذ تولَّى مَنصِبَ رئيسِ تحرير «آخر ساعة» ومديرِ تحريرِ «أخبارِ اليومِ»، واتَّصلَ عن قُربٍ بمَجْرياتِ السياسةِ المِصريَّة. وإلى جانب العمَلِ الصَّحَفيِّ شارَكَ محمد حسنين هيكل في الحياةِ السياسيَّةِ، ومن ذلك تولِّيه وَزارةَ الإعلامِ، كما تولَّى وَزارةَ الخارجيَّةِ لمُدَّة أسبوعَينِ في عهدِ عبدِ الناصر. وشهِدَ هيكل الحياةَ السياسيَّةَ في مصرَ بفتَراتِها المُتفاوتةِ، وكان وثيقَ الصِّلةِ بالرئيسِ “جمال عبد الناصر”. واختلَفَ مع “السادات” حولَ التعامُلِ مع النتائجِ السياسيَّة لحربِ أكتوبر، حتى وصَلَ الأمرُ إلى حدِّ اعتقالِه ضِمنَ اعتقالاتِ سبتمبر1981م. وهيكل يُعَدُّ كاتبًا عِلمانيًّا، ومؤرِّخًا للتاريخِ العربيِّ الحديثِ، وخاصةً تاريخَ الصِّراعِ العربيِّ الإسرائيليِّ؛ إذ سَجَّلَ سِلسلة مِن البرامِجِ التاريخيَّةِ على قناةِ الجَزيرةِ، ولديه أيضًا تحقيقاتٌ ومقالاتٌ للعديدِ من صُحُفِ العالَم في مقَدِّمتِها “الصنداي تايمز” والتايمز” في بريطانيا. ولهيكل كُتُبٌ ومؤلَّفاتٌ عديدةٌ. وقد تُوفِّيَ في القاهرةِ عن عُمرٍ ناهَزَ 93 عامًا.
حدَّدت منظمةُ الأُمم المتحدة للتربيةِ والعلوم والثَّقافة المشهورةُ باليونسكو اليوم الـ(18) من ديسمبر في كلِّ عامٍ يومًا عالميًّا للُّغة العربية، وذلك ضِمنَ الأيَّام الدولية التي تحتفِلُ بها المنظَّمة. وجاء قرارُ المَجلسِ التنفيذيِّ للمنظَّمة بناءً على طلبِ المملكة العربية السعودية والمغرب. وسبق أنْ بدَأَت المجموعةُ العربية لدى اليونسكو في ترتيب الاحتفالِيَّة الأولى لهذه المناسَبة وقامت بتدشينِ شعارٍ لليَومِ العالميِّ. واللغةُ العربية هي لغة (22) دولةً من الدُّول الأعضاء في اليونسكو، وهي لغةٌ رسميَّة في المنظَّمة، ويتحدَّث بها ما يزيد عن 422 مليون عربيٍّ، ويحتاج إلى استِخدامِها أكثرُ من مليارٍ ونصفٍ من المسلمين. وكانت الجمعيَّةُ العامَّة للأُمَم المتحدة في دورَتِها الثامنةِ والعشرين عامَ (1973م) قد اعتمَدَت اللغةَ العربيةَ ضِمنَ اللُّغاتِ الرسميَّةِ ولُغاتِ العملِ في الجمعيَّة العامَّة ولِجانِها الرئيسيَّةِ، إلى جانبِ الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصِّينية والرُّوسية.
هو أبو عبدِ الرَّحمن عبدُ الله بن عُمَر بن الخَطَّاب العَدَويُّ القُرشيُّ المَكِّيُّ ثمَّ المَدنيُّ، صَحابيٌّ جَليلٌ، وابنُ ثاني خُلفاءِ المُسلمين عُمَر بن الخَطَّاب، وعالِمٌ مِن عُلماءِ الصَّحابةِ، لُقِّبَ بِشَيخِ الصَّحابةِ رضي الله عنه، أَسْلَمَ قَديمًا مع أَبيهِ ولم يَبلُغ الحُلُمَ، وهاجَرا وعُمُرُهُ عشرُ سِنين، وقد اسْتُصْغِر يومَ أُحُدٍ، فلمَّا كان يومُ الخَندقِ أَجازَهُ وهو ابنُ خمسَ عشرةَ سَنة فشَهِدَها وما بعدها، وهو شَقيقُ حَفصةَ بنتِ عُمَر أُمِّ المؤمنين، أُمُّهُما زينبُ بنتُ مَظْعون أُختُ عُثمان بن مَظْعون، وكان عبدُ الله بن عُمَر رِبْعَةً مِن الرِّجال، آدَمَ له جُمَّةٌ تَضرِب إلى مَنْكِبَيْهِ، جَسِيمًا, وهو أَحدُ المُكْثِرين في الرِّوايَةِ عن الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم، عُرِضَتْ عليه الخِلافَةُ بعدَ مَوتِ يَزيدَ بن مُعاوِيَة فأبى ذلك حتَّى لا يُقْتَلَ بِسَبَبِه أَحدٌ تَوَجَّهَ للمَدينةِ بعدَ الحَرَّةِ وبَقِيَ فيها إلى مَقْدَمِ الحَجَّاج. كان عبدُ الله بن عُمَر حَريصًا كُلَّ الحِرْصِ على أن يَفْعَلَ ما كان الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم يَفعلُه، فيُصَلِّي في ذاتِ المكانِ، ويَدعو قائمًا كالرَّسولِ الكريمِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وكان صاحِبَ عِبادَةٍ منذ صِغَرِهِ، وكان ينامُ في المَسجِد. قال عنه صلَّى الله عليه وسلَّم: (نِعْمَ الرَّجلُ عبدُ الله، لو كان يُصَلِّي مِن اللَّيلِ). فصار لا ينامُ مِن اللَّيلِ إلَّا قليلًا إلى أن مات، وكان إذا صلَّى مِن اللَّيلِ، قال لِمَولاهُ نافع: أَسْحَرْنا؟ -يعني: هل دَخَلْنا في وَقتِ السَّحَرِ- فيقول: لا. ثمَّ يُصلِّي، فيقولُ: أَسْحَرْنا؟ حتَّى يقولُ: نعم. فيُوتِرُ، هكذا يُصلِّي سائِرَ اللَّيلِ، وكان يُغْفِي إغْفاءةَ الطَّائرِ، ينامُ نَوْمَةً يَسيرةً. تُوفِّي بمكَّة وهو ابنُ أربعٍ وثمانين سَنَة، وكان ابنُ عُمَر يُسابِق الحَجَّاجَ في الحَجِّ إلى الأماكنِ التي يَعلَم أنَّ رسولَ الله يَسْلُكُها، فَعَزَّ ذلك على الحَجَّاجِ، وكان ابنُ عُمَر قد أَوْصى أن يُدْفَنَ في اللَّيلِ، فلم يُقدَرْ على ذلك مِن أجلِ الحَجَّاج, ودُفِنَ بذي طُوى في مَقْبَرةِ المُهاجِرين، وصلَّى عليه الحَجَّاجُ نَفسُه، فرضِي الله عن ابنِ عُمَر وأَرضاهُ وجَزاهُ عن الإسلامِ والمسلمين خيرًا.
دخلَ رُكنُ الدين أبو طالبٍ طغرلبك محمد بن ميكائيل بن سلجوق مدينةَ نيسابور -شمال غرب أفغانستان- مالِكًا لها، وكان سببُ ذلك أنَّ الغزَّ السلجقيَّة لَمَّا ظهروا بخراسان أفسدوا، ونهبوا، وخرَّبوا البلاد، وسَبَوا، وسَمِعَ الملك مسعودُ بنُ محمود بن سبكتكين بخَبَرِهم، فسَيَّرَ إليهم حاجِبَه سباشي في ثلاثين ألف مقاتلٍ، فسار إليهم من غزنة، فلما بلغ خراسانَ أقام مدَّة سنة على المدافعة والمُطاولة، كان سباشي يَتْبعُ أثَرَهم إذا بعدوا، ويَرجِعُ عنهم إذا أقبلوا استعمالًا للمحاجزة، وإشفاقًا من المحاربة، حتى إذا كان في هذه السَّنة، وهو بقريةٍ بظاهر سرخس، والغز بظاهر مروٍ مع طغرلبك، وقد بلغَهم خبَرُه، فقاتلوه يومَ وصَلوا، فلما جنَّهم الليلُ أخذ سباشي ما خَفَّ مِن مالٍ وهَرَب في خواصِّه، وترك خِيَمَه ونيرانَه على حالها، قيل فعَلَ ذلك مواطأةً للغز (التركمان) على الهزيمةِ، فلمَّا أسفر الصبح عرف الباقونَ مِن عَسكَرِه خَبَرَه، فانهزموا، واستولى الغزُّ على ما وجدوه في مُعَسكرِهم مِن سوادهم، وقتلوا من الهنودِ الذين تخلَّفوا مقتلةً عظيمة، وأسرى داود أخو طغرلبك، وهو والِدُ السلطان ألب أرسلان، إلى نيسابور، وسَمِعَ أبو سهل الحمدوني ومن معه بها، ففارقوها، ووصل داود ومَن معه إليها، فدخلوها بغير قتال، ولم يُغَيِّروا شيئًا من أمورِها، ووصل بعدَهم طغرلبك ثمَّ وصَلَت إليهم رسُلُ الخليفةِ في ذلك الوقت، وكان قد أرسَلَ إليهم وإلى الذين بالريِّ وهمذان وبلد الجبل ينهاهم عن النَّهبِ والقتل والإخراب، فكَفُّوا عن ذلك، ثم استولَوا على سائِرِ بلاد خراسان سوى بلخٍ، وأقام طغرلبك بدارِ الإمارة، وجلس على سريرِ المَلِك مسعود، وصار يقعُدُ للمظالم يومينِ في الأسبوع على قاعدةِ ولاة خراسان, وكانوا يخطُبونَ للمَلِك مسعودٍ على سبيلِ المغالطة، وكانوا ثلاثة إخوة: طغرلبك، وداود، وبيغو، وكان ينال- واسمه إبراهيم- أخا طغرلبك وداودَ لأمِّهما.
أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ صالحِ بنِ سليمانَ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ عُثمانَ (الذي كان مَعروفًا بعُثيمينٍ تَصغيرًا) التميميُّ، نزَحَ أجدادُه من الوشمِ إلى عُنيزةَ، التي وُلد فيها الشيخ محمد سنةَ 1347هـ في السابع والعشرين من شهر رمضانَ، في بيت علمٍ واستقامةٍ، وكان الشيخ قد رُزق ذكاءً وهمَّةً عاليةً، مع إعراضٍ عن الدنيا، يأمُرُ بالمعروف، ويَنْهى عن المنكرِ، صَبورًا حازمًا حريصًا على وقته، معَ زُهدٍ وورَعٍ، تتلمذَ على يد عددٍ من العلماء من أبرزهم: الشيخُ عبدُ الرحمن بنُ سِعديٍّ، والشيخُ عبدُ العزيز بنُ بازٍ، والشيخُ محمدٌ الأمينُ الشنقيطيُّ، وعلى جَدِّه الشيخِ عبدِ الرحمنِ بنِ سليمانَ آلَ دامغٍ، وغيرِهم، وكان قد تصدَّرَ للتدريس في جُمادى الآخرةِ 1376هـ، وبَقيَ إلى وفاتِه يُقدِّمُ للأمة الإسلامية عِلمًا وفِقهًا بأسلوبٍ سهلٍ يَفهَمُه العامةُ والخاصةُ، وهذا من ميزات الشيخِ رحمه اللهُ، وجمَعَ في تعليمِه بين مدرسَتَيِ الفقهاءِ والمحدِّثينَ، فغدا فقيهَ عصرِه، ولا أدلَّ على ذلك من أشرطتِه السمعيَّة التي شرحَ فيها العديدَ من المتونِ في مختلِفِ الفنون، من الحديث، والنحو، والفقه، والأصول، وأشهرُها الشرحُ الممتعُ بالإضافة للفتاوى، وكذلك مؤلَّفاتُه التي بلغت قُرابةَ المئةِ وخمسةَ عَشَرَ مؤلَّفًا بين كتابٍ وكُتيِّبٍ، منها: ((أصول التفسير))، و((الأصول من علم الأصول))، و((حكم تارك الصلاة))، و((رسالة في صفة الصلاة))، و((شرح لمعة الاعتقاد))، و((الشرح الممتع))، و((القواعد المثلى))، و((القول المفيد على كتاب التوحيد))، وغيرها كثيرٌ، أثْرى بها المكتبةَ الإسلاميةَ، فجزاه اللهُ خيرًا، أمَّا وفاتُه فكانت في عصر يوم الأربعاء، في الخامسَ عَشَرَ من شوالٍ 1421هـ / العاشر من كانون الثاني 2001م، إثْرَ مرضٍ ألمَّ به في أمعائه، وكان في المستشفى التخصصي بجُدَّةَ، وصُلِّيَ عليه في اليوم التالي بعد صلاة العصر في المسجد الحرام، ودُفِنَ بمقبرة العدل، بجوار شيخه الإمام ابن بازٍ، الذي تُوفيَ قبلَه بسنةٍ وثمانية أشهرٍ وثمانيةَ عَشَرَ يومًا. رحمهما اللهُ رحمةً واسعةً، وجزاهما عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
اهتم السلطانُ الظاهر بيبرس بأمر صفد، وأحضر العساكِرَ المجردة، ورحَّل الأمير بكتاش الفخري أميرَ سلاح بالدهليز السلطاني ونزل على صفد، وتبعه الأميرُ البندقدار والأميرُ عز الدين أوغان في جماعة، وحاصروها، هذا والسلطانُ مقيم على عكا حتى وافته العساكرُ، وعمل عدةَ مجانيقَ، ثم رحل والعساكِرُ لابسة، وساق إلى قربِ باب عكا، ووقفَ على تل الفضول، ثم سار إلى عين جالوت، ونزل على صفد يوم الاثنين ثامن شهر رمضان وحاصرها، فقدم عليه رسول متملك صور ورسل الفداوية، ورسول صاحب بيروت ورسول صاحب يافا، ورسل صاحب صهيون، وصار السلطان يباشر الحصارَ بنَفسِه، وقَدِمَت المجانيق من دمشق إلى جسر يعقوب وهو منزلة من صفد ثم نصبت المجانيقُ فرمي بها في السادس عشر، وصار السلطان يلازم الوقوف عندها وهي ترمي، وأتت العساكِرُ من مصر والشام، فنزلوا على منازلهم وفي ثاني يوم عيد الفطر: وقع الزحفُ على صفد، ودفع الزراقون النفطَ، ووعد السلطان الحجَّارين أنه من أخذ أول حجر كان له مائة دينار، وكذلك الثاني والثالث إلى العشرة، وأمر حاشيته بألا يشتغلوا بخدمته، فكان بين الفريقين قتال عظيم استُشهِدَ فيه جماعة، وكان الواحد من المسلمين إذا قُتِلَ جَرَّه رفيقه ووقف موضِعَه، وتكاثرت النقوبُ ودخل النقَّابون إليها، ودخل السلطانُ معهم، وبذل السلطانُ في هذا اليوم من المال والخِلَع كثيرًا، ونصب خيمةً فيها حكماء وجرائحية وأشربة ومآكل، فصار من يُجرَحُ من العُربان والفقهاء والفقراء وغيرهم يُحضَرُ إليها، وفي ثامنه: كانت بين الفريقين أيضًا مَقاتِلُ، وفي ليلة الرابع عشر: اشتد الزحف من الليل إلى وقت القائلة، فتفرق الناس من شدة التعب، فغضب السلطانُ من ذلك وأمر خواصَّه بالسَّوقِ إلى الصاواوين وإقامة الأمراء والأجداد بالدبابيس، وقال المسلمون على هذه الصورة، وأنتم تستريحون!! فأقيموا، وقبَضَ السلطان على نيف وأربعين أميرًا، وقيَّدَهم وسجَنَهم بالزردخاناه-خزانة السلاح-، ثم شفع فيهم فأطلَقَهم وأمرهم بملازمةِ مواضِعِهم، وضُرِبَت الطبلخاناه- الطبول والأبواق- واشتد الأمر إلى أن طلب الفرنجُ الأمان، فأمَّنَهم السلطان على ألا يخرجوا بسلاحٍ ولا لَأْمةِ حَربٍ ولا شيءٍ مِن الفضيات، ولا يُتلِفوا شيئًا من ذخائر القلعة بنارٍ ولا هدم، وأن يُفتَّشوا عند خروجهم، فإن وُجِدَ مع أحد منهم شيء من ذلك انتقَضَ العهد، ولم تزل الرسُلُ تتردد بينهم إلى يوم الجمعة الثامن عشر، ثم طلعت السناجق –رماح- الإسلاميَّة، وكان لطلوعها ساعةٌ مشهودة، هذا والسلطان راكِبٌ على باب صفد حتى نزل الفرنجُ كُلُّهم، ووقفوا بين يديه فرسم بتفتيشِهم، فوجد معهم ما يناقض الأمانَ من السلاح والفضيات، ووجد معهم عِدَّةً من أسرى مسلمين أخرجوهم على أنهم نصارى، فأخذ ما وجد معهم وأُنزِلوا عن خيولهم، وجُعِلوا في خيمةٍ ومعهم من يحفظهم، وتسَلَّمَ المسلمون صفد، وولى السلطانُ قلعَتَها الأميرَ مجد الدين الطوري، وجعل الأميرَ عز الدين العلائي نائب صفد، فلما أصبح حضر إليه النَّاسُ، فشكر اجتهادَهم واعتذر إليهم مما كان منه إلى بعضِهم، وإنه ما قصَدَ إلَّا حَثَّهم على هذا الفتح العظيم، وقال: من هذا الوقتِ نتحالَلُ، وأمَرَهم فركبوا، وأُحضِرَت خيالة الفرنج وجمعٌ من صفد، فضُرِبَت أعناقهم على تل قرب صفد حتى لم يبق منهم سوى نفرينِ، أحدهما الرسول، فإنه اختار أن يقيمَ عند السلطان ويُسلِم، فأسلم وأقطَعَه السلطانُ إقطاعًا وقَرَّبَه، والآخَرُ تُرِكَ حتى يخبِرَ الفرنج ممَّا شاهده، وصَعِدَ السلطانُ إلى قلعة صفد، وفَرَّق على الأمراء العُدَد الفرنجية والجواري والمماليك، ونَقَل إليها زردخاناه من عنده، وحمل السلطانُ على كتفه من السلاح إلى داخل القلعة، فتشَبَّه به الناس ونقلوا الزردخاناه في ساعةٍ واحدة، واستدعى السلطانُ الرجال من دمشق للإقامةِ بصفد، وقرر نفقةَ رجال القلعة في الشهرِ مبلغ ثمانين ألف درهم نقرةً واستخدم على سائر بلاد صفد، وعَمِلَ بها جامعًا في القلعة وجامعًا بالربض ووقفَ على المجنون نصف وربع الحباب، وللربع الآخر على الشيخ إلياس، ووقف قريةً منها على قبر خالد بن الوليد بحمص، وفي السابع عشر: رحل السلطان من صفد إلى دمشق.
هو أبو المطَرِّف عبدالرحمنِ بنُ الحكَم بن هشام بن عبدالرحمن الداخل، رابِعُ أمراء الأندلس، ويلقَّبُ بالأوسط، أو عبدالرحمن الثاني، ولد عام 176هـ, كان مكثرًا للغَزو، فتصدى للثوراتِ الداخليَّة وعدوان النَّصارى في شمال الأندلُسِ، وغارات النورماند البحريَّة, وكان يحِبُّ العِمرانَ، فبنى المساجِدَ والقصور، وفي عَهدِه كَثُرت وفودُ المشارقة العلماء. توفِّي في قرطبة بعد حُكمٍ دام 32 سنةً، مخلِّفًا من الأولاد 150 من الذكور، و50 من الإناثِ، ثمَّ تولى مِن بعده ابنُه محمد، المعروف بمحمد الأول، الذي دامت إمارتُه 34 عامًا.
بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةَ أبي حَدْرَدٍ الأسلميِّ إلى الغابةِ، وسببُ ذلك أنَّ رجلًا مِن جُشَمِ بنِ مُعاويةَ أَقبلَ في عددٍ كبيرٍ إلى الغابةِ، يُريدُ أن يَجمعَ قَيسًا على مُحارَبةِ المسلمين، فبعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أبا حَدْرَدٍ مع رَجلينِ ليأتوا منه بِخَبرٍ وعِلْمٍ، فوصلوا إلى القومِ مع غُروبِ الشَّمسِ، فكَمَنَ أبو حَدْرَدٍ في ناحيةٍ، وصاحِباهُ في ناحيةٍ أُخرى، وأَبطأَ على القومِ رِاعيهِم حتَّى ذهَبتْ فَحْمَةُ العِشاءِ، فقام رَئيسُ القومِ وَحدَهُ، فلمَّا مَرَّ بأبي حَدْرَدٍ رَماهُ بِسَهمٍ في فُؤادِه فسقَط ولم يَتكلَّمْ، فاحْتَزَّ أبو حَدْرَدٍ رَأسَهُ، وشَدَّ في ناحيةِ العَسكرِ وكَبَّرَ، وكَبَّرَ صاحِباهُ وشَدَّا، فما كان مِنَ القومِ إلَّا الفِرارُ، واسْتاقَ المسلمون الثلاثةُ الكَثيرَ مِنَ الإبلِ والغَنَمِ.