هو الشيخُ الإمام أبو العباس أحمد بن عبد المنعم بن يوسف بن صيام الدمنهوري، شيخ جامع الأزهر، وأحد عُلماء مصر المُكثرين من التصنيف، ولِدَ بدمنهور سنة 1101هـ - 1589م. تعلَّم في الأزهر حتى تولى مشيخَتَه. فقد اشتغل بالعلمِ، وجدَّ في تحصيلِه، واجتهد في تكميلِه، وأجازَه علماء المذاهب الأربعة، وسمحوا له بتدريسِ الفِقهِ على المذاهب الأربعة, حتى سُمِّي بالمَذهبي. كانت له حافظةٌ وذاكرةٌ عجيبة, قيل عنه إنه: "أعلمُ أهل عصره بالديار المصريةِ في جميع الفنون النَّقلية والعقلية, وإنه بحرٌ لا ساحِلَ له" كان مُهابًا لدى الأمراء؛ لكونه قوَّالًا للحق، أمَّارًا بالمعروف، سمحًا بما عنده من الدنيا، وقَصَده الملوك والولاة من كلِّ حَدبٍ مِن طَرفِ الدولة, وله مصنَّفات كثيرة، منها: النفع العزيز في صلاح السلطان والوزير، ونهاية التعريف بأقسام الحديث الضعيف، والفيض العميم في معنى القرآن العظيم، ومنهج السلوك في نصيحة الملوك، ومشاركات في الطب والكيمياء. توفي في القاهرة.
هو الإمامُ الحافظ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف الشافعي شيخ القراء، ومُقرِئ الممالك الإسلامية، الشهير بابن الجزري نسبة إلى جزيرة عُمر. ولد بدمشق ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة 751، وتفقَّه بها، ولهج بطلب الحديث والقراءات، وبرَّز فيهما، وعَمر للقراءِ مدرسةً سمَّاها: دار القرآن، وأقرأ الناس، وقدم القاهرة مرارًا، وكان حسن الشَّكلِ، ثريًّا فصيحًا بليغًا، وكان باشر عند قطلبك استادار ايتمش، فاتفق أنه نقم عليه شيئًا فتهدده، ففرَّ منه، فنزل البحر إلى بلاد الرُّوم في سنة ثمان وتسعين، فاتصل ببايزيد بن مراد الأول العثماني فعظَّمه وأخذ أهل البلاد عنه عِلمَ القراءات، وأكثروا عنه، ثم كان فيمن حضر الوقعة مع بايزيد وتيمورلنك، فلما أُسِرَ بايزيد اتصل ابن الجزري بتيمورلنك، فعظَّمه وفوَّض له قضاء شيراز فباشره مدة طويلة، وكان كثير الإحسان لأهل الحجاز، وأخذ عنه أهل تلك البلاد القراءات والحديث، ثم اتفق أنه حجَّ سنة اثنتين وعشرين فنُهِب، ففاته الحجُّ، وأقام بينبع، ثم بالمدينة المنورة، ثم بمكَّة إلى أن حجَّ ورجع إلى العراق، ثم عاد سنة ست وعشرين وحجَّ، ودخل القاهرة سنة سبع، فعظَّمه الملك الأشرف برسباي وأكرمه، وأقام بها قليلًا، ثم دخل اليمن تاجرًا فأسمع الحديث عند صاحبها ووصله، ورجع ببضاعة كثيرة، فدخل القاهرة، وأقام بها مدة إلى أن سافر على طريق الشام، ثم على طريق البصرة، إلى أن رحل إلى شيراز وفيها توفي عن 82 عامًا. قال ابن حجر: "وقد انتهت إليه رئاسة علم القراءات في الممالك، وكان قديمًا صنَّف الحصن الحصين في الأدعية، ولهج به أهل اليمن، واستكثروا منه، وسمعوه عليَّ قبل أن يدخل هو إليهم، ثم دخل إليهم فأسمعهم، وحدَّث بالقاهرة بمُسنَد أحمد ومسند الشافعي وغير ذلك" له مصنفات، أشهرها: النشر في القراءات العشر، والتمهيد في علم التجويد، وله منجد المقرئين، وله ملخص تاريخ الإسلام، وله الدرة المضيئة في القراءات، وله أسنى المطالب في مناقب علي بن أبي طالب، وغيرها من المصنَّفات.
هو محمَّد بنُ الأمين بنِ عبد الله بن أحمدَ الحَسَني الإدريسيِّ العَمْراني، كُنْيتُه (بُوخُبْزة)، وُلِد بتِطْوانَ في المغربِ عام1351هـ / 1932م، وكانت تحْت الاحتلالِ الأسبانيِّ.
أتمَّ حِفظَ القرآنِ، ثم أتمَّ حِفظَ بعضِ المتون العِلمية، كالآجُروميةِ، والمرشِد المُعِين على الضَّروري من عُلوم الدِّين، ومُختصَر خَليلٍ في الفِقه المالكي، ثم الْتحَقَ بالمعهد الدِّيني بالجامع الكبيرِ، ومكَث فيه نحْوَ عامينِ تلقَّى خلالَها دُروسًا نِظاميةً مختلِفةً، وأخَذ عن والدِه رحمه الله النَّحْوَ بالآجُرومية وجُزءٍ من الألْفية، وتلقَّى العِلم على عددٍ من عُلماءِ ومَشايخِ المغربِ، مِن أشهَرِهم محمَّد تقي الدِّين الهلالي الحُسَيني، وحضَر دُروسًا في الحديث والسِّيرة على الفقيهِ الحاج أحمد بن محمَّد الرُّهوني.
وكان رحِمه الله مِن عُلماء أهلِ السُّنة في المغرب، ومِن العلماء المشهودِ لهم بالموسوعيَّةِ العِلمية والإحاطة بمُحتويات الكُتب مَخطوطِها ومَطبوعِها.
عَمِل كاتبًا مع القاضي أحمد بن تاوَيْت في وزارة العدْل، وأصدَر عددًا مِن المجلَّات والصُّحف، منها: مجلَّة الحديقة، ومجلة أفكارِ الشَّباب، وصَحيفة البُرهان، وكتَب في مجلة "لِسان الدِّين" التي كان يُصدِرها تقيُّ الدين الهلاليُّ، والذي خلَفه على رئاسة تَحريرِها بعْد سَفرِه عبد الله كنّون، ومجلة "النصر"، و"النِّبراس"، وصحيفة "النور"، وغيرها.
اهتمَّ بالمحدِّث أحمد بن الصِّدِّيق الغُماري، وأُعجِب بسَعةِ اطِّلاعه ورُسوخ قدَمِه في عُلوم الحديث، فكاتَبه وجالَسه وأجازه إجازةً عامةً. كما أجازه مُشافهةً كثيرٌ مِن العلماء، مِن أشهَرِهم الشَّيخ عبد الحيِّ الكَتانيُّ، والشَّيخ عبد الحفيظِ الفاسيُّ الفهْري، والشيخ الطاهرُ بن عاشورٍ.
الْتَقى بالشيخ الألبانيِّ أكثرَ مِن ثَلاثِ مراتٍ: مرةً في المدينةِ المنوَّرة، ومرَّتَين في المغربِ، وتأثَّر بدَعوتِه السَّلفية، وكان سَببًا في اتباعِه المنهجَ السَّلَفيَّ.
له مؤلَّفاتٌ كثيرة؛ منها: (الشَّذرات الذهبية في السِّيرة النَّبوية)، و(فتْح العَلِي القديرِ في التفسير)، و(نظَرات في تاريخ المذاهب الإسلامي)، و(مَلامح من تاريخ عِلم الحديث بالمغرِب)، و(الأدلَّة المحرَّرة على تحْريم الصلاة في المقبرة).
وحقَّق عددًا من الكُتب؛ منها: تَحقيق جزءٍ من كتاب التمهيدِ لابن عبد البَرِّ، تحقيق أجزاءٍ مِن الذَّخيرة للقِرافي، تَحقيق سِراج المهتَدِين لابن العرَبيِّ.
هو يَزيدُ بن مُعاوِيَة بن أبي سُفيان الأُمَويُّ القُرشيُّ الدِّمشقيُّ، وُلِدَ في 23 رمضان 26 هـ في خِلافَة عُثمان بن عفَّان رضي الله عنه في قَريةِ الماطِرُون، وأُمُّهُ مَيْسونُ بنتُ بَحْدَل الكَلْبِيَّةُ، طَلَّقَها مُعاوِيَةُ فيما بعدُ. عاش فَترةً مِن حياتِه في البادِيَةِ بين أخوالِه، تَوَلَّى الخِلافَة بعدَ وَفاةِ والدِه في سنة 60 للهِجرَةِ، ولم يُبْقِ مِن مُعارِضي تَوْلِيَتِهِ الخِلافَة غيرَ الحُسينِ بن عَلِيٍّ، وعبدِ الله بن الزُّبيرِ. حدَث في عَهدِه ثلاثةُ حوادِث في سنة 61هـ، وقَعةُ كَرْبَلاء التي قُتِلَ فيها الحُسينُ بن عَلِيٍّ رضي الله عنه بعدَ تَحريضِ شِيعَةِ العِراق له بالخُروجِ إليهم ثمَّ تَخَلّيهم عنه. والثَّاني سنة 63 هـ مُعارضَةُ عبدِ الله بن الزُّبير في الحِجاز، وما تَرَتَّب عليها مِن اسْتِباحَةِ الحَرَمِ واحْتِراقِ الكَعبَةِ. والثَّالث مُعارضَةُ أهلِ المدينةِ سنة 63 هـ على يَزيدَ وخَلْعُ بَيْعَتِه ممَّا أَدَّى إلى حِصارِ المدينةِ ثمَّ اسْتِباحَتِها في وَقعةِ الحَرَّةِ. تُوفِّي يَزيدُ بن مُعاوِيَة أثناءَ حِصارِ الجيشِ لمكَّة، وكان هو في الشَّامِ وقد كان عَهِدَ لابنِه مُعاوِيَة بن يَزيدَ بالخِلافَة مِن بَعدِه, وبعدَ وَفاةِ يَزيدَ بن مُعاوِيَة تَبايَنَت الآراءُ حول شَخْصِيَّتِه. والنَّاسُ فيه طَرَفان ووَسَطٌ، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ: "إنَّه كان مَلِكًا مِن مُلوكِ المسلمين، له حسنات وسَيِّئات، ولم يُولد إلَّا في خِلافَة عُثمانَ، ولم يكُن كافرًا؛ ولكن جَرى بِسبَبِه ما جَرى مِن مَصرَعِ الحُسينِ، وفعَل ما فعَل بأهلِ الحَرَّةِ، ولم يكُن صاحبًا ولا مِن أوْلِياءِ الله الصَّالحين، وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العَقلِ والعِلْمِ والسُّنَّةِ والجَماعةِ. ثمَّ افْتَرقوا ثلاث فِرَق: فِرْقَة لَعَنَتْهُ، وفِرْقَة أَحَبَّتْهُ، وفِرْقَة لا تَسُبُّهُ ولا تُحِبُّهُ، وهذا هو المنصوصُ عن الإمامِ أحمد، وعليه المُقْتَصِدون مِن أصحابِه وغيرِهم مِن جَميعِ المسلمين.
هي رُقَيَّةُ بنتُ سَيِّدِ البَشرِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهي زوجُ عُثمانَ بنِ عفَّانَ رضِي الله عنهما، وكانت رُقَيَّةُ أوَّلًا عند عُتْبَةَ بنِ أبي لَهبٍ، فلمَّا بُعِثَ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَمَرَ أبو لَهبٍ ابنَهُ بِطلاقِها، فتَزوَّجها عُثمانُ وهاجر بها إلى الحَبشةِ. ولمَّا نَدَبَ رسولُ الله النَّاسَ للخُروجِ لاعتراضِ قافلةِ أبي سُفيانَ أَمَرَ عُثمانَ أن يَبقى عند رُقَيَّةَ يُمَرِّضُها ويَعتَني بها، وكان هذا هو سببُ تَخَلُّفِهِ، وقد أَسهمَ له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كما أَسهمَ لمن حضَر بدرًا، ثم ما لَبِثَتْ رُقَيَّةُ في مَرضِها حتَّى تُوفِّيتْ رضي الله عنها.
لَمَّا قُتِلَ خفاجة بن سفيان استعمل الناسُ ابنه محمدًا، وأقره محمد بن أحمد بن الأغلب أبو الغرانيق- صاحِبُ القيروان- على ولايته, كان ذلك في عام خمس وخمسين ومائتين، وفي رجب من عام سبع وخمسين ومائتين قُتِلَ الأميرُ محمد، قتله خَدَمُه الخصيان نهارًا وكتموا قَتْلَه، فلم يعرَفْ إلَّا مِن الغد، وكان الخدَمُ الذين قتلوه قد هربوا فطُلِبوا فأُخِذوا وقُتِلَ بعضُهم، ولَمَّا قُتِلَ استعمل محمَّدُ بن أحمد بن الأغلب على صقلية أحمدَ بن يعقوب بن المضاء بن سلمة، فلم تطُلْ أيَّامُه.
هو الشيخُ، الإمامُ، القُدوَةُ، المُجتَهِد، شيخُ الإسلامِ، أبو إسحاقَ إبراهيمُ بن عليِّ بن يوسفَ الفيروزاباذي الشِّيرازيُّ، الشافعيُّ، الأشعريُّ, نَزيل بغدادَ، قِيلَ: لَقَبُه جَمالُ الدِّينِ، وُلِدَ سَنةَ 393هـ في قَريةِ فيروزباذ من قُرَى فارس، وقِيلَ: هي مَدينَة خوارزم، وهو شيخُ الشافعيةِ في عَصرِه, ومُدَرِّسُ النِّظاميَّةِ ببغداد، تَفَقَّه بفارس على أبي عبدِ الله البَيضاوي، ثم قدم بغداد سَنةَ خَمس عشرة وأربعمائة، فتَفَقَّه على القاضي أبي الطَّيِّبِ الطَّبريِّ، وبَرَعَ على يَدِه، وصار مُعيدَهُ، وكان يُضرَب المَثَلُ بفَصَاحَتِه وقُوَّةِ مُناظَرتِه. وسَمِعَ الحَديثَ من ابنِ شاذان والبرقاني، وكان عابِدًا وَرِعًا، مُتواضِعًا، ظَريفًا، كَريمًا، جَوَادًا، طَلْقَ الوَجْهِ، دائِمَ البِشْرِ، مَليحَ المُحاوَرَةِ، زاهِدًا، جاءَتهُ الدُّنيا صاغِرةً، فأَبَاهَا، واقتَصرَ على خُشونَةِ العَيْشِ أيامَ حَياتِه. كان كَبيرَ القَدْرِ مُعَظَّمًا مُحتَرمًا إمامًا في الفِقْهِ والأُصولِ والحَديثِ، وفُنونٍ كَثيرةٍ. رَحلَ الناسُ إليه من البلادِ، وقَصَدوهُ، وتَفَرَّدَ بالعِلمِ الوافرِ مع السِّيرَةِ الجَميلةِ، والطَّريقَةِ المَرْضِيَّةِ. قال السَّمعانيُّ: سَمعتُ جَماعةً يقولون: "لمَّا قَدِمَ أبو إسحاقَ نيسابور رَسولًا تَلَقَّوهُ، وحَملَ إمامُ الحَرمَينِ غاشِيَتَهُ، ومَشَى بين يَديِه وقال: أَفتَخِرُ بهذا". وكان عامَّةُ المُدَرِّسِينَ بالعِراقِ والجِبالِ تَلامِذتَهُ وأَتباعَهُ, وكان يُنشِد الأَشعارَ المَلِيحَةَ، ويُورِدُها، ويَحفَظ منها الكَثيرَ. قال محمدُ بن عبدِ المَلِكِ الهمذانيُّ: حَكَى أبي قال: "حَضرتُ مع قاضي القُضاةِ أبي الحَسنِ الماوردي عَزاءً، فتَكلَّم الشيخُ أبو إسحاقَ واجلا وأَجادَ، فلمَّا خَرَجنا، قال الماورديُّ: ما رَأيتُ كأبي إسحاقَ! لو رَآهُ الشافعيُّ لتَجَمَّلَ به" قال خَطيبُ المَوصِل أبو الفضلِ: "حَدَّثنِي أبي قال: تَوجَّهتُ من المَوصِل سَنةً إلى أبي إسحاقَ، فلمَّا حَضرتُ عنده رَحَّبَ بي، وقال: مِن أين أنت؟ فقلتُ: من المَوصِل. قال: مرحبًا أنت بَلدِيِّي. فشاهدتُ من حُسْنِ أَخلاقِه ولَطافَتِه وزُهدِه ما حَبَّبَ إليَّ لُزومَه، فصَحِبتُه إلى أن مات" له مُصنَّفاتٌ كَثيرةٌ نافعةٌ، كـ((المُهَذَّبِ)) في المَذهبِ، و((التنبيه))، و((النكت في الخِلاف))، و((اللمع في أصول الفقه))، و((التبصرة))، و((طبقات الشافعية)) وغيرِ ذلك، تُوفِّي لَيلةَ الأَحدِ الحادي والعشرين في دارِ أبي المُظَفَّرِ ابنِ رَئيسِ الرُّؤساءِ، وغَسَّلَهُ أبو الوَفاءِ بن عقيل الحنبليُّ وصَلَّى عليه ببابِ الفردوس من دارِ الخِلافةِ، وشَهِدَ الصلاةَ عليه المُقتدِي بأَمرِ الله، وتَقدَّم للصلاةِ عليه أبو الفَتحِ المُظفَّر ابنُ رَئيسِ الرُّؤساءِ، ثم صُلِّيَ عليه مَرَّةً ثانيةً بجامعِ القَصرِ، ودُفِنَ ببابِ إبرز في تُربَةٍ مُجاورةٍ للناحيةِ.
تُوفِّيَ الشيخُ عبدُ الفتاح بنُ عبدِ الغني بن محمد القاضي، المولودُ في دمنهور البحيرة بمصرَ في 14/10/1907م. وهو عالِمٌ مُبرَّزٌ في القِراءات وعُلومها، التحقَ بالمعهدِ الأزهريِّ بالإسكندرية بعدَ أن حفِظَ القرآنَ الكريم، وتدرَّجَ في التعليمِ حتى حصَل على شَهادة التخصُّص القديمِ (الدكتوراه حاليًّا) عامَ 34/1935م. تَتلمذَ على كِبار عُلماء عصْره بالإسكندرية والقاهرةِ؛ منهم الشيخُ محمد تاج الدينِ في التفسيرِ، والشَّيخُ شحاتة منيسي في البلاغةِ، والشَّيخُ حسن الشريف في الحديثِ الشريفِ، والشَّيخُ أمين محمود سرور في التوحيدِ، وحضَر المنطِقَ وأدب البحثِ على الشيخِ مَحمود شلتوت شيخِ الأزهر، وعبد الله دِراز، وعبد الحليم قادوم، والشَّيخ محمد الخضر حُسين. عُيِّنَ في عدة مَناصبَ: مدرِّسًا ثانويًّا عقِبَ التخرُّجِ، ورئيسًا لِقِسمِ القِراءات بكُلية اللُّغة العربية بالأزهرِ، ومفتِّشًا عامًّا بالمعاهد الأزهريةِ، وشيخًا للمَعهدِ الأزهريِّ بدُسوق، ثم المعهدِ الأزهريِّ بمَدينة دَمنهور، ووَكيلًا عامًّا للمعاهد الأزهريةِ، ثم مديرًا عامًّا لها، ثم رئيسًا لِقِسمِ القراءات بكُلِّية القرآنِ الكريم والدِّراسات الإسلامية بالجامعةِ الإسلامية بالمدينةِ النَّبويةِ، وقد عُيِّن رئيسًا للجنةِ تَصحيحِ المصاحِف بالأزهرِ، وخطيبًا بمسجدِ الشَّعراني بالقاهرة، وعُضوًا في لَجنةِ اختبار القُراء بالإذاعة المصريةِ. مرِضَ بالمدينةِ النبويةِ -على ساكنِها الصلاة والسلامُ- وسافَرَ إلى القاهرة للعلاجِ، وتُوفِّي رحمه الله بها وقتَ آذانِ الظُّهر يوم الاثنين 1/11/1982م، ودُفِنَ بالقاهرةِ.
هو العبَّاسُ بن عبدِ المُطَّلِب بن هاشمِ بن عبدِ مَنافٍ، أبو الفَضلِ، عَمُّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ومِن أكابرِ قُريشٍ في الجاهِليَّةِ والإسلامِ، وجَدُّ الخُلفاءِ العبَّاسيِّين رضِي الله عنه. كان مُحسِنًا لِقومِه، سَديدَ الرَّأيِ، واسعَ العَقلِ، مُولَعًا بإعْتاقِ العَبيدِ، كارِهًا للرِّقِّ، اشْتَرى 70 عبدًا وأَعتَقَهم، وكانت له سِقايةُ الحاجِّ، وعِمارةُ المسجدِ الحرامِ -وهي أن لا يَدَعَ أحدًا يَسُبّ أحدًا في المسجدِ ولا يَقولُ فيه هَجْرًا- أَسلَم قبلَ الهِجرَةِ وكتَم إسلامَه، وأقام بمكَّةَ يَكتُب إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أخبارَ المشركين، ثمَّ هاجَر إلى المدينةِ، وشَهِدَ وَقعةَ "حُنين" فكان ممَّن ثبَت حين انْهزَم النَّاسُ، وشَهِدَ فَتحَ مكَّةَ، وعَمِيَ في آخرِ عُمُرِهِ، وكان إذا مَرَّ بعُمَرَ في أيَّام خِلافَتِه تَرَجَّلَ عُمَرُ إجلالًا له، وكذلك عُثمانُ، وكانت وَفاتُه في المدينةِ عن عشرةِ أولادٍ ذُكورٍ سِوَى الإناثِ، وله في كُتُبِ الحديثِ 35 حديثًا تَقريبًا، وإليه تُنْسَبُ الدَّولةُ العبَّاسيَّة التي حَكَمت ما يَزيد عن خمسةِ قُرونٍ.
هو تقيُّ الدين أبو الحسن علي بن زين الدين عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم الأنصاري السبكي الشافعي، توفِّيَ بشاطئ النيل في ليلة الاثنين رابع جمادى الآخرة؛ ومولِدُه في شهر صفر سنة 683 بسبك الثلاث، وهي قرية بالمنوفية من أعمال الديار المصريَّة بالوجه البحري، كان إمامًا عالِمًا بالفقه والأصلينِ، والحديث والتفسير، والنحو والأدب، ولِيَ الإفتاء والقضاء بالقاهرة ثم انتقل إلى دمشق، فلما اعتَلَّ عاد إلى القاهرة، وهو والد تاج الدين السبكي, وله من المصنَّفات مختصر طبقات الفقهاء، ومجموع فتاوى، والابتهاج شرح المنهاج، ورفع الشقاق في مسألة الطلاق، وقد تناظر فيها كثيرًا مع ابن القيم، وكان بينهم بسبب ذلك مناظرات، وله كشف الغمة في ميراث أهل الذمة، وله كشف الدسائس في هدم الكنائس، وغيرها.
هو أبو الأعْلى المَوْدوديُّ بنُ أحمَدَ حسن مودودي أميرُ الجماعة الإسلامية، وُلِدَ في 3 رجب سنة 1321هـ بمدينة أورَنْج آباد الدكن في حَيْدر آباد، وتلقَّى تعليمَهُ على يد والدِهِ، فتعلَّم المودوديُّ القُرآنَ والعربيةَ والحديثَ والفِقْه حتى حَفِظَ المُوطَّأَ، ثم دخل الثانويَّةَ وهو ابن 11 سنةً لنُبوغِهِ، ثم بعد ذلك بدأ العملَ في الصَّحافةِ التي وجَدَ فيها مجالًا للدَّعْوة والتَّعْليم، وكان يُصدِرُ مجلةَ ترجمان القُرآن، وأسَّس الجماعةَ الإسلاميةَ في لاهورَ بهَدَف الدَّعْوة إلى الإسلام، وتمَّ انتخابُهُ أميرًا لها في 3 شعبان 1360 هـ / 26 أغسطس 1941م، وبعد عامَينِ نقلتِ الجماعةُ الإسلاميةُ مركزَها الرئيسيَّ من لاهورَ إلى دار السَّلام، ومع إعلانِ قيام دَوْلة باكستان 1366 هـ / 1947م عاد المودوديُّ مع زُملائِهِ إلى لاهور مرَّةً أخرى؛ حيث مقرُّ الجماعةِ الإسلاميةِ بها، وبعد قيام باكستان بنحو خمسةِ أشهُرٍ ألقى المودوديُّ أولَ خِطابٍ له في كُلية الحُقوق، وطالب بتشكيلِ النِّظام الباكستاني طِبقًا للقانون الإسلامي، وظلَّ المودوديُّ يُلِحُّ على مُطالبة الحكومة بهذا المطلب، فألقى خطابًا آخَرَ في اجتماعٍ عامٍّ بكراتشي في ربيع الآخر 1367 هـ / مارس 1948م تحت عُنوان "المُطالبةُ الإسلاميةُ بالنِّظامِ الإسلاميِّ"، فاعتقلته الحكومة مع عددٍ من قادةِ الجماعةِ الإسلاميةِ في غُرَّة ذي الحِجَّة 1367 هـ / 4 أكتوبر 1948م إلى أن أُطلِقَ سراحُهُ في 11 شعبان 1369 هـ / 28 من مايو 1950م، ثم اعتُقِلَ في 1372هـ، وبعد أربعةِ أيَّامٍ من اعتقاله حُكِمَ عليه بالقتل، ثم تم تَخْفيف حُكم القتل والحُكم عليه بالسَّجْن مدى الحياة، ثم صدر حُكم بالعَفْو عنه في 1374 هـ / 1955م. كانت حياةُ المودوديِّ العِلْميةُ مليئةً بالتَّأليف والعَمَل والنَّشاط؛ فقد ألَّفَ أكثَرَ من مائةٍ وعِشرينَ كتابًا وكُتيِّبًا، غير المُحاضَرات والمَقالات منها: كتاب ((الحِجابُ))، و ((مبادئُ الإسلامِ))، و ((نحن والحَضارةُ الغربيَّةُ))، و ((المُصطَلَحاتُ الأربعةُ في القُرآنِ))، و ((تفسيرُ سُورةِ النُّور))، وغيرُها كثيرٌ، تُوفِّيَ المودوديُّ في الأول من ذي القعدة / 22 أيلول في نيويورك بأمريكا، ونُقِلَ جُثمانُهُ إلى باكستانَ، ودُفِنَ في المَنْصورةِ بلاهورَ.
كان أبو بكرٍ قد أَمَر خالدَ بن الوَليد بعدَ أن انتهى مِن الفِراض بالانتقالِ إلى الشَّامِ؛ لِمُساندةِ جُيوشِ الفَتحِ هناك، فسار خالدٌ مِن الفِراض حتَّى وصل اليَرْموكَ وجاء كِتابُ عُمَر بعدَ اليَرْموك: أن ابْدَؤوا بِدِمشقَ فإنَّها حِصْنُ الشَّام. ولمَّا وصلت جُيوشُ المسلمين دِمشقَ شَدَّدوا الحِصارَ عليها سبعين يومًا، طَوَّقوها مِن جِهاتِها كُلِّها، ومَنعوا المَدَدَ إليها، فانْكَسرت حَمِيَّتُهم وفُتِحَت المدينةُ بعدَ أن تمَّ احْتِلال الغُوطةِ منعًا للإمدادات، ووُلِّيَ عليها يَزيدُ بن أبي سُفيانَ، ثمَّ سار المسلمون إلى فِحْلٍ، ثمَّ إلى حِمْصَ، ثمَّ إلى قِنَّسْرِينَ واللَّاذِقِيَّةِ وحَلَب.
بعد أن انهزم عبد الله بن علي (عمُّ المنصور) على يدِ أبي مسلم، وبقي في البصرة، قام بالدعوة لنفسِه، وبويع، ولكن لم يتمَّ له شيءٌ، فاستجار بأخيه سليمان الذي كان أميرًا للبصرة، ثم إنه بقي كذلك حتى أظهر الطاعةَ للمنصور، ثم عزل المنصور عمَّه سليمان عن إمرة البصرة، فاختفى عبد الله بن عليٍّ وأصحابُه خوفًا على أنفسهم، فبعث المنصورُ إلى نائبه على البصرة، وهو سفيان بن معاوية، يستحِثُّه في إحضار عبد الله بن علي إليه، فبعَثَه في أصحابه فقُتل بعضُهم، وسُجِن عبد الله بن علي عمُّه، وبعَث بقيَّة أصحابه إلى أبي داود نائب خراسان فقتَلَهم هناك.
بَعَث النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عُبيدةَ بنَ الحارِثِ بن عبد المطلب في سريَّةٍ إلي بطنِ رابِغٍ -هيَ ميقاتُ أهلِ الشامِ ومِصرَ وتركيا ومَن سَلَك طَريقَهم- في شعبان على رأسِ ثمانيةِ أشهُرٍ من الهجرةِ، وعَقَد له لواءً أبيضَ، وحَمَله مِسْطَحُ بن أُثاثةَ بن المطلبِ بن عبد مَنافٍ، وكانوا في ستِّين من المُهاجِرين ليس فيهم أنصاريٌّ، فلَقيَ أبا سُفيانَ بنَ حربٍ، وهو في مائتينِ على بطنِ رابِغٍ، على عشرةِ أميالٍ من الجُحفةِ، وكان بينهم الرَّميُ، ولم يَسُلُّوا السُّيوفَ، ولم يَصطَفُّوا للقتالِ، وإنَّما كانت مُناوشةً، وكان سعدُ بن أبي وقَّاصٍ فيهم، وهو أوَّلُ مَن رَمَى بسهمٍ في سبيل الله، ثم انصَرَف الفريقانِ إلى حاميَتِهم.
لمَّا جمَع الله لمُعاويةَ بن أبي سُفيانَ الشَّامَ كلَّها فصار أميرَ الشَّامِ كان يَغزو الرُّومَ كلَّ عامٍ في الصَّيْفِ -وتُسَمَّى الصَّائِفَةَ- فيَفتَح الله على يَديهِ البِلادَ ويَغنَم الكثيرَ حتَّى وصَل عَمُّورِيَة -وهي اليوم في أنقرة- وكان معه مِن الصَّحابةِ عُبادةُ بن الصَّامِتِ، وأبو أيُّوبَ الأنصاريُّ، وأبو ذَرٍّ الغِفاريُّ، وشَدَّادُ بن أَوْسٍ، وغيرُهم وقد فتَح الله لهم مِن البِلادِ الكثيرَ, ثمَّ غَزا مُعاويةُ الرُّومَ حتَّى بلَغ المَضِيقَ مَضِيقَ القُسطنطينيَّة ومعه زوجتُه عاتِكةُ، ويُقالُ: فاطمةُ بنتُ قَرَظَةَ بن عبدِ عَمرِو بن نَوفلِ بن عبدِ مَنافٍ.