الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1276 ). زمن البحث بالثانية ( 0.011 )

العام الهجري : 827 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1424
تفاصيل الحدث:

في رابع عشر شهر صفر قدم الخبر بخروج تنبك البجاسي عن الطاعة ومحاربته أمراء دمشق، وسبب ذلك أنه لما ولي سودن بن عبد الرحمن نيابة الشام عوضا عن تنبك، تقدمت الملطفات السلطانية إلى أمراء دمشق، بالقبض على تنبك البجاسي، فأتوا دار السعادة في ليلة الجمعة رابِعَه، واستدعوه ليقرأ عليه كتاب السلطان، فارتاب من ذلك، وخرج من باب السِّرِّ، وقد لبس السلاحَ في جمع من مماليكه، فثار إليه الأمراءُ واقتتلوا معه حتى مضى صدر نهار الجمعة، فانهزموا منه، وتحصن طائفة منهم بالقلعة، ومضى آخرون إلى سودن بن عبد الرحمن، وقد نزل على صفد، ثم خرج تنبك البجاسي من دمشق بعد محاربته الأمراء حتى نزل على الجسر في يوم الجمعة الحادي عشر، وقد قطع سودن بن عبد الرحمن الجسرَ، فباتوا يتحارسون، وأصبحوا يوم السبت الثاني عشر يترامَون نهارهم كلَّه حتى حجز الليلُ بينهم، فباتوا ليلةَ الأحد على تعبيتهم، وأصبح تنبك يوم الأحد الثالث عشر راحلًا إلى جهة الصبيبة، في انتظار ابن بشارة أن يأتيه تقويةً له، فكتب سودن بذلك إلى السلطان، وركب بمن معه على جرائد الخيل، وترك الأثقال في مواضعها مع نائب القدس، وساق حتى دخل دمشق في يوم الأربعاء السادس عشر، فتمكن من القلعة، فللحال أدركهم تنبك وقد بلغه مسيرهم، فلقوه عند باب الجابية وقاتلوه، فثبت لهم مع كثرتهم، وقاتلهم أشد قتال، والرمي ينزل عليه من القلعة، فتقنطر عن فرسه لضربةٍ أصابت كَتِفَه حتى خلعته، فتكاثروا عليه وجروه إلى القلعة ومعه نحو عشرين من أصحابه، وكُتِبَ بذلك للسلطان، فقَدِمَ الكتاب الأول من جسر يعقوب في يوم الأحد عشرين، فاضطرب الناس، ووقع الشروع في السفر، وأُحضِرَت خيول كثيرة من مرابطها بالربيع، فقدم الخبر الثاني بأخذ تنبك البجاسي بدمشق، فدُقَّت البشائر، وكُتِبَ بقتله وحَمْل رأسه إلي مصر، وتتبُّع من كان معه، وبطلت حركةُ السَّفَرِ.

العام الهجري : 890 العام الميلادي : 1485
تفاصيل الحدث:

هو السلطان الغالب بالله أبو الحسن علي بن سعد بن محمد بن الأحمر الأرجواني، الأندلسي، الغرناطي، الأنصاري، المصري ملك الأندلس وصاحب غرناطة. ومولده قبيل سنة840. خرج على والده سعد واستولى على ملك غرناطة سنة 868 ونفا والده إلى المرية ومات من سنته، ومنذ البداية، دخل أبو الحسن في حروب مع أخويه، أبو الحجاج يوسف وأبو عبد الله محمد الزغل، اللذين نازعاه الملك، كل على حدة. ولما توفي أبو الحجاج بقي أبو عبد الله الزغل منازعًا لأخيه حتى إنه خرج إلى ملك قشتالة يستنصره على أخيه، ثم ثار عليه ولده محمد أبو عبد الله الصغير، ومع هذا الصراعات قام أبو الحسن أول أمره بتحصين الحصون وتنظيم شؤون البلاد، وتولى وزارته وزير أبيه أبو القاسم بن رضوان. كان ملكًا جليلًا عارفًا مدبِّرًا. لكنه في آخر أيامه اشتغل باللذات والانهماك في الشهوات واللهو بالنساء المطربات وركن إلى الراحة والغفلات, ومن ذلك افتتانه بجارية رومية نصرانية اسمها ثريا قيل إنها أسلمت وإنها ابنة القائد القشتالي سانشو خمينس دي سوليس، وولدت منه ولدين: سعدًا ونصرًا, وقد فضل أبو الحسن ثريا وولديها ونفى ابنة عمه عائشة الحرة وولديها في برج قمارش بقصر الحمراء, فثار به ولده محمد أبو عبد الله الصغير ابن عائشة الحرة، وجرت بينهما خطوب، وكان الوزير أبو القاسم بن رضوان يوافق الأمير أبا الحسن على إظهار الصلاح والعفاف للناس, وانصرف الأمير أبو الحسن عن تقوية عساكره فأهمل كل من فيه نجدة وشجاعة من الفرسان ولم يزل الأمير مستمرًّا على حاله والجيش في نقص والملك في ضعف إلى أن فقد أبو الحسن بصره، وتنازل بالحكم لابنه أبي عبد الله الصغير، فلما أسره الفرنج استدعى الأمير أبو الحسن أخاه أبا عبد الله الملقب بالزغل، وسلمه حكم غرناطة.

العام الهجري : 1399 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1979
تفاصيل الحدث:

هو أبو الأعْلى المَوْدوديُّ بنُ أحمَدَ حسن مودودي أميرُ الجماعة الإسلامية، وُلِدَ في 3 رجب سنة 1321هـ بمدينة أورَنْج آباد الدكن في حَيْدر آباد، وتلقَّى تعليمَهُ على يد والدِهِ، فتعلَّم المودوديُّ القُرآنَ والعربيةَ والحديثَ والفِقْه حتى حَفِظَ المُوطَّأَ، ثم دخل الثانويَّةَ وهو ابن 11 سنةً لنُبوغِهِ، ثم بعد ذلك بدأ العملَ في الصَّحافةِ التي وجَدَ فيها مجالًا للدَّعْوة والتَّعْليم، وكان يُصدِرُ مجلةَ ترجمان القُرآن، وأسَّس الجماعةَ الإسلاميةَ في لاهورَ بهَدَف الدَّعْوة إلى الإسلام، وتمَّ انتخابُهُ أميرًا لها في 3 شعبان 1360 هـ / 26 أغسطس 1941م، وبعد عامَينِ نقلتِ الجماعةُ الإسلاميةُ مركزَها الرئيسيَّ من لاهورَ إلى دار السَّلام، ومع إعلانِ قيام دَوْلة باكستان 1366 هـ / 1947م عاد المودوديُّ مع زُملائِهِ إلى لاهور مرَّةً أخرى؛ حيث مقرُّ الجماعةِ الإسلاميةِ بها، وبعد قيام باكستان بنحو خمسةِ أشهُرٍ ألقى المودوديُّ أولَ خِطابٍ له في كُلية الحُقوق، وطالب بتشكيلِ النِّظام الباكستاني طِبقًا للقانون الإسلامي، وظلَّ المودوديُّ يُلِحُّ على مُطالبة الحكومة بهذا المطلب، فألقى خطابًا آخَرَ في اجتماعٍ عامٍّ بكراتشي في ربيع الآخر 1367 هـ / مارس 1948م تحت عُنوان "المُطالبةُ الإسلاميةُ بالنِّظامِ الإسلاميِّ"، فاعتقلته الحكومة مع عددٍ من قادةِ الجماعةِ الإسلاميةِ في غُرَّة ذي الحِجَّة 1367 هـ / 4 أكتوبر 1948م إلى أن أُطلِقَ سراحُهُ في 11 شعبان 1369 هـ / 28 من مايو 1950م، ثم اعتُقِلَ في 1372هـ، وبعد أربعةِ أيَّامٍ من اعتقاله حُكِمَ عليه بالقتل، ثم تم تَخْفيف حُكم القتل والحُكم عليه بالسَّجْن مدى الحياة، ثم صدر حُكم بالعَفْو عنه في 1374 هـ / 1955م. كانت حياةُ المودوديِّ العِلْميةُ مليئةً بالتَّأليف والعَمَل والنَّشاط؛ فقد ألَّفَ أكثَرَ من مائةٍ وعِشرينَ كتابًا وكُتيِّبًا، غير المُحاضَرات والمَقالات منها: كتاب ((الحِجابُ))، و ((مبادئُ الإسلامِ))، و ((نحن والحَضارةُ الغربيَّةُ))، و ((المُصطَلَحاتُ الأربعةُ في القُرآنِ))، و ((تفسيرُ سُورةِ النُّور))، وغيرُها كثيرٌ، تُوفِّيَ المودوديُّ في الأول من ذي القعدة / 22 أيلول في نيويورك بأمريكا، ونُقِلَ جُثمانُهُ إلى باكستانَ، ودُفِنَ في المَنْصورةِ بلاهورَ.

العام الهجري : 1409 العام الميلادي : 1988
تفاصيل الحدث:

كانت بنغلاديش جُزءًا من الهند في ظِلِّ الإسلامِ الذي وصَلَ إلى تلك المِنطَقةِ في القرن العاشر الميلادي. وفي النصف الثاني من القرن الثامنَ عشَرَ، احتلَّ المستعمِرُ البريطانيُّ القارة الهنديَّةَ، ومن ضِمنها بنغلاديشُ وباكستانُ وجامو وكشمير تحت نير الإمبراطوريَّة الاستعماريَّة البريطانيَّة في جنوب آسيا. ناضلتِ (الرابطة الإسلاميَّة) التي ضمَّتِ المسلمينَ في القارة الهنديَّةِ تحت راية الكِفاح ضدَّ الاستعمار البريطانيِّ، وتوَّجَ الإسلاميُّون نِضالَهم بقيام باكستان عام 1947م، وأصبحت بلاد البنغال تُدعى باكستان الشرقية وجزء من دولة باكستان، وقامتِ الحكومة الباكستانيَّة بمُحاولاتٍ لإلغاء لُغة الهندوس الأقليَّة الموجودة بين الأغلبية الإسلاميَّة إلا أن قُوَّة الديمقراطية قد حالت دون ذلك. وتشكَّل حِزب سياسيٌّ بنغاليٌّ هو «رابطة عوامي» أي: «حزب العامَّة» بزعامة مُجيب الرحمن دعا فيه إلى استقلال بنغلاديش. وفي انتخابات 1970م فاز هذا الحزبُ بأكثريَّة المقاعِدِ في برلمان الباكستان. إلا أن الحكومة الباكستانية قامت بحلِّ البرلمانِ مما أثار نِقمةً شعبيَّةً، فقام الجيش الباكستاني بقَمعِها واعتقَلَ مجيب الرحمن. وفي عام 1971م اندلعتِ الحربُ الكارثيَّة بين الهند -التي كانت تُساند انفصالَ بنغلاديش- وباكستان. نتيجةً لهذه الحرب انتصر الجيشُ الهنديُّ ودخل مدينة دكا، وفي العام نفسه أُعلن عن استقلال بنغلاديش، وأصبح مجيب الرحمن أوَّلَ رئيس جمهوريةٍ. وقُتل مجيب الرحمن وأفرادُ عائلته عام 1975م نتيجةَ انقلابٍ عسكريٍّ، فتسلَّم الرئاسةَ أحمدُ مُشتاق، ثم بعد ذلك توالت سلسلةُ الانقلاباتِ العسكريَّةِ، فخلف مُشتاق العميدُ خالد مشرف، ثم محمد صايم، ثم ضياء الرحمن والدُ رئيسة الوزراء خالدة ضياء. وأعلَنَ الجنرال ضياء الرحمن منذ بداية حُكمه، أنه سوف يُحول نظام البلاد من الدكتاتوريَّةِ إلى الديمقراطيَّةِ. فأجرى انتخاباتٍ رئاسيَّةٍ عام 1978م وفاز بها. واُغتيل ضياء الرحمن في 30 أيار 1981م، وتلا ذلك انتخاباتٌ رئاسيَّةٌ فاز بها عبد الستار، مُرشَّح الحزب الوطني البنغالي. وفي أواخر عام 1983م أعلن قائدُ الجيش حسين محمد إرشاد نفسه رئيسًا للدولة، وفي 15 تشرين الأول عام 1986م أُعيد انتخابُ الرئيس إرشاد.

العام الهجري : 767 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1365
تفاصيل الحدث:

ورد الخبَرُ في يوم السبت رابع عشر محرم بمنازلة الفرنج الإسكندرية، وأنهم قدموا يوم الأربعاء حادي عشر، فسُرِّح الطائِرُ بذلك إلى الأمير يلبغا، فتوهَّمَ أن تكون هذه مكيدةً يُكادُ بها، فبادَرَ ودخل إلى داره خارِجَ القاهرة، وتَبِعَه السلطان، فصَعِدَ القلعة في يوم الأحد خامس عشر، فلما تحقَّق الأمير يلبغا الخبَرَ، عدى النيلَ مِن ساعته إلى البر الغربي، وتلاحق به أصحابُه، ونودِيَ بالقاهرة: من تأخَّرَ مِن الأجناد غدًا حَلَّ دَمُه ومالُه، فخرج الناس أفواجًا، وسار السلطانُ بعساكره إلى الطرانة، وقَدَّمَ عسكرًا عليه الأمير قطلوبغا المنصوري والأمير كوكنداي، والأمير خليل بن قوصون ليُدرِكوا أهلَ الثَّغرِ، فقَدَّر الله تعالى في ذلك أنَّ أهلَ الثغر كان قد بلَغَهم منذ أشهر اهتمام الفرنج بغزوهم، فكتب بذلك الأميرُ صلاح الدين خليل بن عرام- متولي الثغر- إلى السلطان والأمير يلبغا، فلم يكُنْ مِن الدولة اهتمامٌ بأمْرِهم، فلمَّا توجه ابنُ عرام إلى الحج، واستناب عنه في الثغر الأمير جنغرا- أحد أمراء العشرات- وجاء أوان قدوم مراكب البنادقة من الفرنج، لاح للناظور عِدَّة قلاع في البحر، ثم قَدِمَ في عسكره يوم الأربعاء الحادي والعشرين إلى الميناء، ثمانية أغربة، وتلاها من الأغربة والقراقر ما بلَغَت عدَّتُها ما بين سبعين إلى ثمانين قطعة، فأغلق المسلمون أبواب المدينة، ورَكِبوا الأسوار بآلةِ الحرب، وخرجت طائفةٌ إلى ظاهر البلد، وباتُوا يتحارسون، وخرجوا بُكرةً يوم الخميس يريدونَ لِقاءَ العَدُو، فلم يتحَرَّك الفرنجُ لهم طولَ يَومِهم، وليلة الجمعة، فقَدِمَ بكرة يوم الجمعة طوايفُ من عربان البحيرة وغيرهم، ومضوا جهةَ المنار، وقد نزل من الفرنجِ جَماعةٌ في الليل بخيولهم، وكَمَنوا في الترب التي بظاهر المدينة، فلما تكاثر جمعُ المسلمين من العربان، وأهل الثغر، عند المنار، برز لهم غرابٌ إلى بحر السلسلة، حتى قارب السورَ، فقاتله المسلمون قتالًا شديدًا، قُتِلَ فيه عدة من الفرنج، واستُشهِدَ جماعةٌ من المسلمين، وخرج إليهم أهلُ المدينة وصاروا فرقَتَين، فرقة مضت مع العربان، نحو المنار، وفرقة وقفت تقاتل الفرنج بالغراب، وخرجت الباعةُ والصبيان وصاروا في لهوٍ، وليس لهم اكتراثٌ بالعدو، فضرب الفرنج عند ذلك نفيرَهم، فخرج الكمينُ وحملوا على المسلمينَ حملة منكرة، ورمى الفرنجُ من المراكب بالسِّهام، فانهزم المسلمون، وركب الفرنجُ أقفِيَتَهم بالسيف، ونزل بقيَّتُهم إلى البَرِّ فملكوه، بغير مانعٍ، وقَدَّموا مراكبهم إلى الأسوار، فاستُشهِدَ خَلقٌ كثير من المسلمين، وهلك منهم في الازدحامِ عند عبور باب المدينة جماعةٌ، وخلت الأسوارُ من الحماة، فنصب الفرنجُ سلالم ووضعوا السور، وأخذوا نحو الصناعة، فحرقوا ما بها، وألقَوا النار فيها، ومضوا إلى باب السدرة، وعَلَّقوا الصليب عليه، فانحشر الناسُ إلى باب رشيد، وأحرقوه، ومَرُّوا منه على وجوهم، وتركوا المدينةَ مفتوحة بما فيها للفرنج، وأخذ الأميرُ جنغرا ما كان في بيت المال، وقاد معه خمسين تاجرًا من تجارِ الفرنج كانوا مسجونينَ عنده، ومضى هو وعامَّةُ الناس، إلى جهةِ دمنهور، فدخل وقتَ الضحى من يوم الجمعة مَلِكُ قبرص- واسمه ربير بطرس بن ريوك- وشق المدينةَ وهو راكب، فاستلم الفرنجُ النَّاسَ بالسيف، ونهبوا ما وجدوه من صامتٍ وناطق، وأسَرُوا وسَبَوا خلائق كثيرة، وأحرقوا عِدَّة أماكن، وهلك في الزحام بباب رشيد ما لا يقع عليه حَصرٌ، فأعلن الفرنجُ بدينهم، وانضَمَّ إليهم من كان بالثغر من النصارى، ودلُّوهم على دُور الأغنياء، فأخذوا ما فيها، واستمَرُّوا كذلك يقتلون، ويأسرون، ويَسْبُون وينهبون ويحرقون، من ضَحوة نهار الجمعة إلى بكرة نهار الأحد، فرفعوا السيفَ، وخرجوا بالأسرى والغنائم إلى مراكبهم، وأقاموا بها إلى يوم الخميس الثامن والعشرين، ثم أقلعوا، ومعهم خمسة آلاف أسير، فكانت إقامتُهم ثمانية أيام، وكانوا عِدَّة طوائف، فكان فيهم من البنادقة أربعةٌ وعشرون غرابًا، ومن الجنوية غرابان، ومن أهل رودس عشرة أغربة، والفرنسيين في خمسة أغربة، وبقية الأغربة من أهل قبرص، وكان مسيرهم عند قدوم الأمير يلبغا بمن معه، فلمَّا قَدِمَ عليه الأمير قطلوبغا المنصوري، لم يجد معه سوى عشرين فارسًا، وعليه إقامة مائة فارس، فغَضِبَ عليه، ووجد الأمر قد فات، فكتب بذلك إلى السلطان، فعاد إلى القلعةِ، وبعث بابنِ عرام، نائب الإسكندرية على عادته، بأمر الأمير يلبغا، بموارة من استُشهِدَ من المسلمين، ورَمِّ ما احتَرَق، وغضب على جنغرا وهَدَّده، وعاد فأخذ في التأهُّبِ لغزو الفرنج، وتُتُبِّعَت النصارى، فقُبِضَ على جميع من بديار مصر، وبلادِ الشام وغيرهما من الفرنج، وأُحضِرَ البِطريقُ والنصارى، وأُلزِموا بحَملِ أموالهم، لفِكاكِ أسرى المسلمين من أيدي الفرنج، وكُتِبَ بذلك إلى البلاد الشامية، وتُتُبِّعَت ديارات النصارى التي بأعمال مصر كلِّها، وأُلزِمَ سُكَّانُها بإظهار أموالهم وأوانيهم، وعُوقبوا على ذلك، فكانت هذه الواقعةُ من أشنَعِ ما مرَّ بالإسكندرية من الحوادث، ومنها اختلت أحوالها، واتَّضَع أهلها، وقَلَّت أموالهم، وزالت نِعَمُهم، وكان الناس في القاهرة منذ أعوام كثيرة تجري على ألسنتهم جميعًا: في يوم الجمعةِ تُؤخَذُ الإسكندرية، فكان كذلك.

العام الهجري : 795 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1393
تفاصيل الحدث:

في التاسع عشر من شوال قَدِمَ رسول الملك الظاهر مَجْد الدين عيسى صاحب ماردين بأن تَيْمورلنك أخذ تبريز، وبعث إليه يستدعيه إلى عنده بها، فاعتذر بمشاورة سلطان مصر، فلم يقبل منه، وقال: ليس لصاحب مصر عليك حكم، ولأسلافك دهر بهذا الإقليم، وأرسل إليه خِلعةً وصكة ينقُشُ بها الذهبَ والدنانير، ثم قدم رسول صاحب بسطام بأن تيمور قتل شاه منصور متملك أصفهان، وبعث برأسه إلى بغداد، وبعث بالخلعة والصكة إلى السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد، فلبس الخِلعة وضرب الصكة، ثم إن تيمور مَلَكَ بغداد في يوم السبت الحادي والعشرين منه؛ وذلك أنَّ ابن أويس كان قد أسرف في قتل أمراء دولته، وبالغ في ظلم رعيته، وانهمك في الفجور؛ فكاتب أهلُ بغداد تيمور بعد استيلائه على تبريز يحثُّونه على المسير إليهم، فتوجه إليها بعساكره حتى بلغ الدربند، وهو عن بغداد مسيرة يومين، فبعث إليه ابن أويس بالشيخ نور الدين الخراساني، فأكرمه تيمور وقال: أنا أترك بغداد لأجلك, ورحل يريد السلطانية، فبعث الشيخ نور الدين كتُبَه بالبشارة إلى بغداد، وقَدِمَ في إثرها، وكان تيمور قد سار يريد بغداد من طريق آخر، فلم يشعر ابن أويس -وقد اطمأن- إلا تيمور قد نزل غربي بغداد، قبل أن يَصِلَ إليها الشيخ نور الدين، فدهش عند ذلك ابن أويس وأمر بقطع الجسر، ورحل بأمواله وأولاده وقت السَّحَر من ليلة السبت، وترك البلاد، فدخلها تيمور، وأرسل ابنه في إثر ابن أويس، فأدركه بالحلة، ونهب ماله، وسبى حريمه، وقتل وأسر كثيرًا ممن معه، ونجا ابن أويس في طائفةٍ وهم عراة، فقصد حلب وتلاحق به من تبقى من أصحابه، وأمَّا تيمور فإنه لما مَلَك بغداد صادر أهلها ثلاثَ مرات؛ في كل مرة منهم ألف تومان، وخمسمائة تومان، وكل تومان مبلغ ثلاثين ألف دينار عراقي، والدينار العراقي بقدر درهم مصر الفضة، حتى أفقرهم كلهم، وكان جملة ما أخذ منهم نحو مائة ألف ألف وخمسة وثلاثين ألف ألف درهم، بعد أن تنوَّع في عقوبتهم، وسقاهم المِلحَ والماء، وشواهم على النار، ولم يُبقِ لهم ما يستر عوراتهم، وصاروا يخرجون فيلتقطون الخِرَق من الطرقات حتى تُستَرَ عوراتهم وتُغطى رؤوسهم، ثم إنه بعث ابنه إلى الحلَّة، فوضع في أهلها السيف يومًا وليلة، وأضرم فيها النار حتى احترقت، وفني معظم أهلها ويقال: إنه قتل في العقوبة من أهل بغداد ثلاثة آلاف نفس، وبعث تيمور من بغداد العساكر إلى البصرة، فلَقِيَهم صاحبها الأمير صالح بن جولان، وحاربهم وأسر ابن تيمور، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، فبعث إليه عسكرًا آخر في دجلة، فظفر بهم ابن جولان أيضًا، وفي التاسع عشر ذي الحجة أمر السلطان في القاهرة ومصر بتجهيز الناس للسفر لقتال تيمورلنك.

العام الهجري : 200 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 816
تفاصيل الحدث:

لَمَّا هزَمَ هَرثمةُ بنُ أعين أبا السرايا ومن كان معه من وُلاة الخلافة، وهو محمد بن محمد، وشَى بعضُ الناس إلى المأمون أنَّ هرثمة راسلَ أبا السرايا وهو الذي أمره بالظُّهور، فاستدعاه المأمونُ إلى مروٍ فأمر به فضُرِبَ بين يديه ووُطِئَ بطنُه، ثمَّ رفع إلى الحبس ثم قُتِلَ بعد ذلك بأيام، وانطوى خبَرُه بالكلية. ولَمَّا وصل بغدادَ خبَرُ قتلِه عَبَثَت العامَّة والحربيَّة بالحسن بن سهل نائب العراق، وقالوا: لا نرضى به ولا بعمَّاله ببلادنا، وأقاموا إسحاقَ بن موسى المهدي نائبًا، واجتمع أهلُ الجانبين على ذلك، والتفَّتْ على الحسَنِ بن سهل جماعةٌ من الأمراء والأجناد، وأرسل من وافق العامَّةَ على ذلك من الأمراء يحرِّضُهم على القتال، وجرت الحروبُ بينهم ثلاثةَ أيام في شعبان من هذه السنة، ثم اتفق الحالُ على أن يعطيهم شيئًا من أرزاقهم يُنفِقونها في شهرِ رمضان، فما زال يَمطُلُهم إلى ذي القعدة حتى يُدرِك الزرع، فخرج في ذي القَعدة زيدُ بن موسى الذي يقال له زيدُ النَّار، معه أخو أبي السرايا، وقد كان خروجُه هذه المرة بناحية الأنبار، فبعث إليه عليُّ بنُ هشام نائبُ بغداد عن الحسَنِ بن سهل- والحسَنُ بالمدائن إذ ذاك- فأُخِذَ وأُتِيَ به إلى عليِّ بنِ هشام، وأطفأ اللهُ ثائِرتَه.

العام الهجري : 323 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 935
تفاصيل الحدث:

عَظُمَ أمرُ الحَنابلةِ ببغداد، وقَوِيَت شوكَتُهم، وصاروا يكبِسونَ دُورَ القوَّادِ والعامَّة، وإن وَجَدوا نبيذًا أراقوه، وإن وجدوا مغنِّيةً ضربوها وكسروا آلةَ الغناء، واعترضوا في البيعِ والشِّراءِ، وفي مشيِ الرِّجالِ مع الصِّبيان, كان البربهاري شيخُ الحنابلةِ في عَصرِه مُقيمًا في بغداد, وله فضلٌ كبيرٌ في الدعوةِ إلى الرجوع إلى منهجِ السَّلَفِ في العقيدة وإنكارِ البِدَع والخُرافات، وله مواقِفُ شديدةٌ على أهل البِدَع والفِرَق وخاصَّةً الشِّيعة، وكان المخالِفونَ له يغيظونَ قَلبَ السُّلطانِ عليه. فرَكِبَ بدرٌ الخرشَنيُّ، وهو صاحِبُ الشُّرطة، ونادى في جانبَيْ بغداد، في أصحابِ أبي محمَّد البربهاريِّ الحنابلة، ألَّا يجتَمِعَ منهم اثنانِ ولا يتناظَروا في مذهَبِهم، ولا يصلِّي منهم إمامٌ إلَّا إذا جهر ببسمِ الله الرحمن الرحيم في صلاةِ الصُّبحِ والعشاءَينِ، فلم يُفِدْ فيهم، فخرج توقيعُ الراضي بما يُقرأُ على الحنابلة يُنكِرُ عليهم فِعلَهم، ويوبِّخُهم وأنَّ أميرَ المؤمنين يقسِمُ بالله قسمًا جَهدًا إليه يلزَمُه الوفاءُ به؛ لئِنْ لم تنتهوا عن مذمومِ مَذهَبِكم ومُعْوَجِّ طريقتِكم، ليُوسِعَنَّكم ضربًا وتشريدًا، وقتلًا وتبديدًا، وليستعمِلَنَّ السَّيفَ في رقابكم، والنَّارَ في منازِلِكم ومحالِّكم. وحُبِسَ منهم جماعةٌ ونُفِيَ بعضُهم إلى البصرة، واستتر الشيخُ البربهاريُّ إلى أن مات وهو مستَتِرٌ.

العام الهجري : 504 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1110
تفاصيل الحدث:

احتلَّ الفرنج مدينة صيدا من ساحل الشام. وسبب ذلك أنه وصل في البحر إلى الشام ستون مركبًا للفرنج مشحونة بالرجال والذخائر مع بعض ملوكهم؛ ليحُجَّ بيت المقدس، وليغزو –بزعمه- المسلمين؛ فاجتمع بهم بغدوين ملك القدس، وتقررت القاعدة بينهم أن يقصِدوا بلاد الإسلام، فرحلوا من القدس ونزلوا مدينة صيدا ثالث ربيع الآخر من هذه السنة، وضايقوها برًّا وبحرًا، وكان الأسطول المصري مقيمًا على صور، فلم يقدِرْ على إنجاد صيدا، فعمل الفرنج برجًا من الخشب وأحكموه وجعلوا عليه ما يمنع النارَ عنه والحجارة، وزحفوا به، فلما عاين أهل صيدا ذلك ضَعُفت نفوسهم، وأشفقوا أن يُصيبَهم مثل ما أصاب أهل بيروت، فأرسلوا قاضيَها ومعه جماعة من شيوخها إلى الفرنج، وطلبوا من ملكهم الأمان فأمَّنَهم على أنفسهم وأموالهم والعسكر الذي عندهم، ومن أراد المقام بها عندهم أمَّنوه، ومن أراد المسيرَ عنهم لم يمنعوه، وحلف لهم على ذلك، فخرج الوالي وجماعة كثيرة من أعيان أهل البلد في العشرين من جمادى الأولى إلى دمشق، وأقام بالبلد خلق كثير تحت الأمان، وكانت مدة الحصار سبعة وأربعين يومًا، ورحل بغدوين عنها إلى القدس، ثم عاد إلى صيدا بعد مدة يسيرة، فقرر على المسلمين الذين أقاموا بها عشرين ألف دينار، فأفقرهم واستغرق أموالَهم.

العام الهجري : 928 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1522
تفاصيل الحدث:

بعد أن توفِّي السفاح البرتغالي بوكيرك شرع سكان الخليج العربي لتحريك ثورة تحت قيادة هرمز على الحكم البرتغالي، بحيث امتدت الثورة إلى جميع القواعد والحصون البرتغالية في منطقة الخليج العربي، فقام في تشرين الثاني من عام 1521م رئيس التجَّار بمهاجمة السفينتين الموجودتين في ميناء هرمز، وأشعل النار فيهما وهاجم السكانَ البرتغاليين وحاصروهم في القلعة، ونجحت الثورة نجاحًا جيدًا، ثم قام البرتغاليون بنقل التعزيزاتِ العسكرية إلى جزيرة هرمز مركز الثورة، وقضوا على الثورة بعد أعمالٍ وحشيَّة ونكَّلوا بالأهالي، ثم عاد العربُ إلى الثورة ثانيةً بعد خمسة أعوام وشاركهم حكَّامُ مسقط وقلهات. فأرسل البرتغال حملة عسكرية مؤلَّفة من خمس سفن برتغالية شنَّت هجومًا على ظفار، واستمرت كذلك حتى قضت على الثورة، ثم عادت البحرين للثورة في عام 1529م وفشل البرتغاليون في قمعِها، فقلَّت هيبتهم فثارت القطيفُ عام 1550م, واستمَرَّ الأمر على مثل هذه الثورات بين حينٍ وآخر حتى استطاعوا في النهاية القضاءَ على الوجود البرتغالي في الخليج العربي، وخاصة أنَّ العمانيين واصلوا استعداداتِهم لطرد لبرتغاليين من بلادهم وبخاصةٍ بعد خروج هرمز من يد البرتغال، وتنامت قوةُ العرب العمانيين من أسرة اليعاربة التي استطاعت حسم الصراع لصالحهم سنة 1069.

العام الهجري : 1402 العام الميلادي : 1981
تفاصيل الحدث:

خرَقَت إسرائيلُ وقفَ إطلاقِ النار مع لُبنانَ الذي أبرَمَتْه في يوليو/ تموز بضغْطٍ أمريكيٍّ، وقامت القواتُ الإسرائيليةُ بغَزْوِ لُبنان في عمليةٍ أُطلِقَ عليها اسمُ (سلام الجَليلِ)، قالت إسرائيلُ: إنها تَهدِفُ لِقَطْعِ الطريقِ أمام صواريخ المقاومةِ الفلسطينية بجَنوب لُبنان. وفي 10/6/1982م وصَل الإسرائيليونُ إلى ضواحي بَيروت، واحتلُّوا ضواحي قصْرِ بعبدا يوم 12/6، وفي يوليو / تموز 1982م أحكمَتْ إسرائيلُ حِصارها لِبَيروتَ الغربية، الذي نتَج عنه كوارثُ إنسانيةٌ؛ حيث تعرَّضت لقصْفٍ إسرائيليٍّ أرضيٍّ، وجويٍّ، وبحريٍّ مُستمِرٍّ، كما تعرَّضت لقصْفٍ بالقنابل العُنقودية والقنابل الفُسفورية وقنابل النابَلم. ولم تَنْتَهِ مأساةُ بَيروت إلا يوم 19 أغسطس / آب 1982م بعد أنْ نجَح المبعوثُ الأمريكي فيليب حبيب في تَمرير خُطته القاضيةِ بإجلاء الفِلَسطينيين خارجَ لُبنان تحت غِطاء دَوليٍّ (فرنسي - إيطالي - أميركي). وفي نفْس اليومِ الذي قُتِلَ فيه الرئيسُ اللُّبنانيُّ بشير الجميل -أي: 14 سبتمبر 1982م- دخلَت القواتُ الإسرائيلية مِن جديدٍ بيروتَ الغربية مُطوِّقة مُخيم (صبرا وشاتيلا ) فيما بيْن 16-18 سبتمبر. وفي سنةِ 1985م انسحَب الجيشُ الإسرائيلي من بيروتَ مُحتلًّا الشريطَ الحُدودي بجَنوب لُبنان الذي استمر لمدة 22 سنةً.

العام الهجري : 1402 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1982
تفاصيل الحدث:

في عام 1982م وبعَد ظُهْر 4 حزيران، علا أزيزُ الطائرات الإسرائيليةِ، وارتفَعَ دُخَان الحرائقِ والدمارِ إثْرَ غاراتٍ عنيفةٍ مُتواصلةٍ على بيروتَ، بدأَت بتدميرِ "المدينة الرياضية"، وامتدَّت لِتَشملَ مناطقَ الفاكهاني، والجامعة العربية، ومُحيطَهما، غارات مُتتاليةٌ لم يَسبِقْ أن شهِدَ مِثلَها اللُّبنانيون، وساد الذُّعر العاصمةَ، ونزَح أهالي تلك المناطق، والمناطق القريبةِ والمحيطة بها باتِّجاه مناطقَ ظنُّوا أنها أكثرُ أمنًا؛ لشِدَّة عُنْف الغارات، لم يَخطِرْ لهم أنَّ هذا الكابوس سيَستمرُّ طويلًا. وكانت ذَريعةُ إعلان بَدْء الغزْو الإسرائيلي للُبنان مُحاولةَ اغتيالٍ تعرَّض لها السفيرُ الإسرائيلي في لندن "شلومو أرجوف"، التي أعلَنَت جَماعة أبو نضال المنشقَّة عن ياسر عرفات، مَسؤوليَّتها عن تَنفيذها. وكان مُراقِبو الأمم المتحِدة وقُوات الطوارئِ الدولية يَرْصدون التحرُّكاتِ "الإسرائيلية"، ويتوقَّعون عمليةَ الغزْو في أيَّةِ لحظةٍ منذ شباط العام 1981، وبعدَ يومينِ مِن محاوَلة اغتيال السفيرِ "الإسرائيلي" في لندن، والتي قِيل: إن الموسادَ الإسرائيلي هو الذي دبَّرها؛ لِتكونَ ذريعةً لإعلان الغزْو، نفذَّت "إسرائيل" عُدْوانها تحت عُنوان: "عملية إصبع الجليلِ" أو "السلام للجليل"، فاحتلَّت ثُلث الأراضي اللُّبنانية، ولم يَنفَعْ في رَدْعِها قرارُ مجلس الأمن الدولي (508) الداعي إلى وَقفِ إطلاق النارِ.

العام الهجري : 61 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 680
تفاصيل الحدث:

لم يُبايِعْ الحُسينُ بن عَلِيٍّ رضي الله عنه لِيَزيدَ، وبَقِيَ في مكَّة هو وابنُ الزُّبيرِ؛ ولكنَّ أهلَ الكوفَة راسَلوا الحُسينَ لِيَقْدُمَ عليهم لِيُبايِعوهُ ويَنصُروهُ فتكونُ له الخِلافَة، وكان على الكوفَة عُبيدُ الله بن زيادٍ، فبعَث الحُسينُ ابنَ عَمِّهِ مُسلِم بن عَقِيلَ لِيَعلَمَ له صِدْقَ أهلِ الكوفَة، فقَبَضَ عليه ابنُ زيادٍ وقَتَلَهُ، وتَوالَت الكُتُبُ مِن أهلِ الكوفَةِ للحُسينِ لِيَحضُرَ إليهم حتَّى عزَم على ذلك، فناصَحَهُ الكثيرُ مِن الرِّجالِ والنِّساءِ منهم: ابنُ عُمَر، وأخوهُ محمَّدُ بن الحَنَفِيَّةِ، وابنُ عبَّاسٍ، وأبو سَعيدٍ الخُدريُّ وعبدُ الله بن الزُّبيرِ.... ألَّا يَفْعَلَ، وأنَّهم سَيَخْذُلونَه كما خَذلوا أباهُ وأخاهُ مِن قَبلُ؛ لكنَّ قَدَرَ الله سابقٌ فأَبَى إلَّا الذِّهابَ إليهم، فخرَج مِن مكَّة في ذي الحَجَّة، ولمَّا عَلِمَ ابنُ زيادٍ بمَخْرَجِه جَهَّزَ له مَن يُقابِلهُ، فلمَّا قَدِمَ الحُسينُ وقد كان وَصَلَهُ خبرُ مَوتِ مُسلِم وأخيهِ مِن الرَّضاعِ فقال للنَّاس مَن أَحَبَّ أن يَنْصرِفَ فليَنْصَرِفْ، ليس عليه مِنَّا ذِمامٌ. فتَفَرَّقوا يَمينًا وشِمالًا حتَّى بَقِيَ في أصحابِه الذين جاؤوا معه مِن مكَّة، وقابَلَهم الحُرُّ بن يَزيدَ مِن قِبَلِ ابنِ زيادٍ لِيُحْضِرَ الحُسينَ ومَن معه إلى ابنِ زيادٍ؛ ولكنَّ الحُسينَ أَبَى عليه ذلك، فلم يَقْتُلْه الحُرُّ وظَلَّ يُسايِرُهُ حتَّى لا يَدخُلَ الكوفَة، حتَّى كانوا قريبًا مِن نِينَوَى جاء كتابُ ابنِ زيادٍ إلى الحُرِّ أن يُنْزِلَ الحُسينَ بالعَراءِ بغَيرِ ماءٍ، ثمَّ جاء جيشُ عُمَر بن سعدِ بن أبي وقَّاص كذلك للحُسينِ، إمَّا أن يُبايِع، وإمَّا أن يَرى ابنُ زيادٍ فيه رَأيَهُ، وعرَض الحُسينُ عليهم إمَّا أن يَتركوهُ فيَرجِع مِن حيث أَتَى، أو يَذهَب إلى الشَّام فيَضَعُ يَدَهُ في يَدِ يَزيدَ بن مُعاوِيَة، وإمَّا أن يَسيرَ إلى أيِّ ثَغْرٍ مِن ثُغورِ المسلمين فيكون واحدًا منهم، له ما لهم وعليه ما عليهم. فلم يَقْبَلوا منه شيئًا مِن ذلك، وأَرسَل ابنُ زيادٍ طائفةً أُخرى معها كِتابٌ إلى عُمَر بن سعدٍ أن ائْتِ بهم أو قاتِلْهُم، ثمَّ لمَّا كان اليومُ العاشر مِن مُحرَّم الْتَقى الصَّفَّانِ، وذَكَّرَهُم الحُسينُ مَرَّةً أُخرى بكُتُبِهم له بالقُدومِ فأنكروا ذلك، ووَعَظَهُم فأَبَوْا فاقْتَتَلوا قِتالًا شديدًا، ومال الحُرُّ إلى الحُسينِ وقاتَل معه، وكان آخِرَ مَن بَقِيَ مِن أصحابِ الحُسينِ سُويدُ بن أبي المُطاعِ الخَثْعَميُّ، وكان أوَّلَ مَن قُتِلَ مِن آلِ بَنِي أبي طالِبٍ يَومئذٍ عَلِيٌّ الأكبرُ ابنُ الحُسينِ، ومكَث الحُسينُ طويلًا مِن النَّهارِ كُلمَّا انتهى إليه رجلٌ مِن النَّاسِ رجَع عنه وَكَرِهَ أن يَتَوَلَّى قَتْلَهُ وعِظَمَ إثْمِهِ عليه.
وكان أصحابُ الحُسينِ يُدافِعون عنه، ولمَّا قُتِلَ أصحابُه لم يَجْرُؤْ أَحَدٌ على قَتْلِه، وكان جيشُ عُمَر بن سعدٍ يَتَدافعون، ويخشى كُلُّ فَردٍ أن يَبُوءَ بِقَتْلِه، وتَمَنَّوْا أن يَسْتَسْلِمَ؛ لكنَّ شِمْرَ بن ذي الجَوْشَنِ صاح في الجُنْدِ: وَيْحَكُم، ماذا تَنتَظِرون بالرَّجُلِ! اقْتُلوهُ، ثَكَلَتْكُم أُمَّهاتُكم. وأَمَرَهُم بِقَتْلِه, فحَمَلوا عليه مِن كُلِّ جانِبٍ، وضَرَبهُ زُرْعَةُ بن شَريكٍ التَّميميُّ, ثمَّ طَعَنَهُ سِنانُ بن أَنَسٍ النَّخَعيُّ واحْتَزَّ رَأسَهُ. ويُقالُ: إنَّ الذي قَتَلَهُ عُروةُ بن بَطَّار التَّغْلِبيُّ وزيدُ بن رُقادٍ الجَنْبِيُّ. ويُقالُ: إنَّ المُتَوَلِّي الإجهازَ عليه شِمْرُ بن ذي الجَوْشَن الضَّبِّيُّ، وحمَل رَأسَهُ إلى ابنِ زيادٍ خَوْلِيُّ بن يَزيدَ الأَصْبَحيُّ. ودُفِنَ الحُسينُ رضي الله عنه وأصحابُه أهلُ الغاضِريَّة مِن بَنِي أَسَدٍ بعدَ قَتلِهم بيَومٍ. قال شيخُ الإسلامِ في قَتلِه رضي الله عنه: قُتِلَ الحُسينُ بن عَلِيٍّ رضِي الله عنهما يومَ عاشوراءَ، قَتَلَتْهُ الطَّائفةُ الظَّالمةُ الباغيةُ، وأَكرَم الله الحُسينَ بالشَّهادةِ، كما أَكرَم بها مَن أَكرَم مِن أهلِ بَيتِه، أَكرَم بها حَمزةَ وجَعفَرًا، وأباه عَلِيًّا، وغَيرَهُم، وكانت شَهادتُه ممَّا رفَع الله بها مَنزِلَتَه، وأَعْلَى دَرَجتَهُ، والمَنازِلُ العاليةُ لا تُنالُ إلَّا بالبَلاءِ، قَتلوهُ مَظلومًا شَهيدًا شَهادةً أَكرَمَهُ الله بها، وأَلْحَقَهُ بأهلِ بَيتِه الطَّيِّبين الطَّاهِرين، وأَهانَ بها مَن ظَلمَهُ واعْتَدى عليه، وأَوْجَبَ ذلك شَرًّا بين النَّاسِ، فصارَت طائِفَة جاهِلَة ظالِمَة: إمَّا مُلْحِدة مُنافِقَة، وإمَّا ضَالَّة غاوِيَة، تُظْهِر مُوالاتِه ومُوالاةِ أهلِ بَيتِه، تَتَّخِذُ يومَ عاشوراء يومَ مَأْتَم وحُزْن ونِياحَة، وتُظْهِر فيه شِعارَ الجاهليَّة مِن لَطْمِ الخُدودِ، وشَقِّ الجُيوبِ، والتَّعَزِّي بِعَزاءِ الجاهليَّة. ومِن كَرامَةِ الله للمؤمنين أنَّ مُصيبةَ الحُسينِ وغَيرِه إذا ذُكِرَت بعدَ طولِ العَهْدِ يُسْتَرْجَعُ فيها، كما أمَرَ الله ورسولُه؛ لِيُعْطَى مِن الأجرِ مِثلُ أَجْرِ المُصابِ يومَ أُصِيبَ بها. وإذا كان الله تعالى قد أَمَرَ بالصَّبْرِ والاحْتِسابِ عند حَدَثان العَهْدِ بالمُصيبَةِ فكيف مع طولِ الزَّمانِ, فكان ما زَيَّنَهُ الشَّيطانُ لأهلِ الضَّلالِ والغِيِّ مِن اتِّخاذِ يومِ عاشوراء مَأتمًا، وما يَصنعون فيه مِن النَّدْبِ والنِّياحَةِ، وإنشادِ قَصائدِ الحُزنِ، ورِوايةِ الأخبارِ التي فيها كَذِبٌ كثيرٌ -والصِّدقُ فيها ليس فيه إلَّا تَجديدُ الحُزنِ- والتَّعَصُّبِ، وإثارةِ الشَّحناءِ والحَرْبِ، وإلقاءِ الفِتَنِ بين أهلِ الإسلامِ؛ والتَّوسُّلِ بذلك إلى سَبِّ السَّابِقين الأوَّلين، وكَثْرَةِ الكَذِبِ والفِتَنِ في الدُّنيا، ولم يَعرِفْ طوائفُ الإسلامِ أكثرَ كَذِبًا وفِتَنًا ومُعاونةً للكُفَّارِ على أهلِ الإسلامِ مِن هذه الطَّائفَةِ الضَّالَّةِ الغاويَةِ، فإنَّهم شَرٌ مِن الخَوارِج المارِقين.

العام الهجري : 1384 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1965
تفاصيل الحدث:

هو مالكوم إكس بن أورلي ليتل، أو الحاج مالك شباز؛ من الشخصيات الأمريكية المسلِمة البارزة في منتصف القرن الماضي، كانت حياتُه سلسلةً من التحولات؛ حيث انتقل من قاع الجريمة والانحدار إلى تطرُّف الأفكار العنصرية، ثم إلى الإسلام. وُلِد مالكوم في 6 ذي القعدة 1343هـ/ 19 مايو 1925م، وكان أبوه "أورلي ليتل" قسيسًا أسود من أتباع "ماركوس كافي" الذي أنشأ جمعيةً بنيويورك ونادى بصفاء الجنس الأسود وعودته إلى أرض أجداده في أفريقيا. وكانت العنصرية في الولايات المتحدة على أشُدِّها في ذلك الوقت. كان أبوه حريصًا على اصطحابه معه إلى الكنيسة في مدينة "لانسينغ"؛ حيث كانت تعيشُ أسرته على ما يجمعه الأب من الكنائس، وكان يحضُرُ مع أبيه اجتماعاتِه السياسيةَ في "جمعية التقدُّم الزنجية" التي تكثر خلالها الشِّعاراتُ المعادية للبِيضِ، وكان الأبُ يختم هذه الاجتماعات بقوله: إلى الأمامِ أيها الجنس الجبَّار، بوُسعِك أن تحقِّقَ المعجزاتِ. وكان هو وعائلته الزنوجَ الوحيدين بالمدينة؛ لذا كان البِيضُ يُطلِقون عليه الزِّنجيَّ أو الأسودَ، حتى ظنَّ مالكوم أن هذه الصفات جزءٌ من اسمِه، وفي عام 1931م وُجِد والده مقتولًا عند سكة القطار، فاتهمت عائلتُه مجموعةً من البِيض العُنصريين، وفي عام 1938م دخلت والدته المصحَّة العقلية بسبب معاناتها بعد فَقْدِ زوجها. قصد مالكوم بوسطن بعد انتهاء المرحلة الثانوية، وأخذته الحياةُ في مجرًى جديد؛ حيث أُصيب بنوع من الانبهار في المدينة الجميلة، وهناك انغمس في حياة اللهو والمجون. ألقت الشرطةُ القبضَ عليه وحُكِم عليه سنة 1946م بالسجن عشر سنوات، فدخل سجن "تشارلز تاون" العتيق، وكانت قضبانُ السجن ذات ألمٍ رهيب على نفس مالكوم؛ لذا كان عنيدًا يسُبُّ حرَّاسه، فيُحبَس حبسًا انفراديًّا، وتعلَّم من الحبس الانفرادي أن يكون ذا إرادة قويَّة يستطيع من خلالها التخلِّيَ عن كثير من عاداته، وفي عام 1947م تأثَّر بأحد السجناء ويُدعى "بيمبي" الذي كان يتكلَّم عن الدين والعدل، فزعزع بكلامِه ذلك الكفرَ والشَّكَّ من نفس مالكوم، وكان بيمبي يقول للسجناء: إنَّ مَن خارجَ السجن ليسوا بأفضَلَ منهم، وإنَّ الفارق بينهم وبين من في الخارج أنهم لم يقعوا في يد العدالةِ بَعدُ! ونصحه بيمبي أن يتعلَّم، فتردَّد مالكوم على مكتبة السجن وتعلم اللاتينية. وفي عام 1948م انتقل إلى سجن كونكورد، وكتب إليه أخوه "فيلبيرت" أنَّه اهتدى إلى الدِّينِ الطبيعي للرجل الأسود (الإسلام)، ونصَحَه ألا يدخِّن، وألا يأكُلَ لحم الخنزير، وامتثل مالكوم لِنُصح أخيه، ثم عَلِمَ أن إخوته جميعًا في دترويت وشيكاغو قد اهتَدَوا إلى الإسلام، وأنهم يتمنَّونَ أن يُسلِم مثلهم، ووجد في نفسه استعدادًا فِطريًّا للإسلام، ثم انتقل مالكوم إلى سجن "ينورفولك"، وهو سجنٌ مُخَفَّف في عقوباته، ويقع في الريف، ويحاضِرُ فيه بعض أساتذة الجامعة من هارفارد وبوسطن، وبه مكتبةٌ ضخمة تحوي عشرة آلاف مجلد قديم ونادر. أسلم مالكوم في السجن، وكان سبيلُه الأوَّلُ هو الاعترافَ بالذنب، ورأى أنَّه على قَدْرِ زَلَّته تكونُ توبته. وبدأ يراسِلُ كلَّ أصدقائه القدامى في الإجرام ليدعوَهم إلى الإسلام، وفي أثناء ذلك بدأ في تثقيفِ نَفسه، وبدا السجن له كأنَّه واحةٌ أو مرحلةُ اعتكافٍ علمي. خرج مالكوم من السجن سنة 1952م وذهب إلى أخيه في دترويت، وهناك تعلَّم الفاتحة وذهب إلى المسجد، وتأثَّر بأخلاق المسلمين. والتقى بالداعية إليجا محمد، وانضمَّ إلى حركة أمة الإسلام، وتبنى دعوةَ إليجا في استخدام العنف في حلِّ المشكلة العُنصرية بين السُّود والبيض في أمريكا، فبدأ يدعو الشبابَ الأسود إلى هذه الحركة، فتأثر به كثيرون؛ لأنَّه كان خطيبًا مفوَّهًا ذا حماس شديد، فذاع صيتُه حتى أصبح في فترة وجيزةٍ إمامًا ثابتًا في مسجد دترويت. وامتاز بأنه يخاطِبَ الناس باللُّغة التي يفهمونها: لغةِ العنف. وزار عددًا من المدن الكبرى، فاهتدى على يديه كثيرٌ من السود. التقى مالكوم بمارتن لوثر كينغ (نصراني وزعيم أمريكي من أصول إفريقية) يدعو إلى التفاهم مع البيض والتعايش السِّلمي ونبذ العنف، وإنهاء التمييز العنصري ضِدَّ السُّود, فاختلف معه مالكوم وهاجمه في أكثرَ من مناسبة، إلا أن مالكوم إكس أخيرًا تأثَّر بفكرة لوثر تجاه العنف وتحوَّل إلى فكرة التفاهم والتعايش مع البِيض؛ ولذلك اختلف مع إليجا، وعندما طُرد من حركة أمة الإسلام؛ بسبب مخالفته لتوجيهات إليجا في الموقف من اغتيال كندي، وقرَّر أداءَ فريضة الحج في عام 1964م، وزار العالمَ الإسلاميَّ ورأى في الطائرة التي أقلعت به من القاهرة للحَجِّ أنَّ بها ألوانًا مختلفةً من الحجيج، وأنَّ الإسلامَ ليس دينَ الرجلِ الأسودِ فقط، بل هو دينُ الإنسان. وتأثَّر مالكوم بمشهد الكعبة المشرَّفة وأصوات التلبية، وبساطة وإخاء المسلمين؛ يقول في ذلك: "في حياتي لم أشهَدْ أصدَقَ من هذا الإخاء بين أناسٍ من جميع الألوان والأجناس، إنَّ أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام؛ لأنَّه الدين الوحيد الذي يملك حلَّ مشكلة العنصرية فيها"، وقضى 12 يومًا جالسًا مع المسلمين في الحج، ورأى أنَّ الناس متساوون أمام الله بعيدًا عن سرطان العنصرية. وغيَّر مالكوم اسمَه إلى الحاج مالك شباز، وغادر مالكوم جدة في إبريل 1964م، وزار عددًا من الدول العربية والإفريقية، ورأى في أسبوعين ما لم يرَه في 39 عامًا، وخرج بمعادلة صحيحة هي: "إدانةُ كلِّ البِيض = إدانة كلِّ السُّود". وصاغ بعد عودته أفكارًا جديدة تدعو إلى الإسلام الصحيح؛ الإسلام اللاعُنصري، وأخذ يدعو إليه، ودعا إلى التعايش بين البِيض والسود، وأسَّس منظمةَ الاتحاد الإفريقي الأمريكي. وفي إحدى محاضراته يوم الأحد (18 شوال 1384هـ / 21 فبراير 1965م) صعد مالكوم ليلقيَ محاضرته، ونشبت مشاجرةٌ في الصف التاسع بين اثنين من الحضور، فالتفت الناسُ إليهم، وفي ذات الوقت أطلق ثلاثةُ أشخاصٍ من الصف الأول 16 رصاصةً على صدر مالكوم إكس، فتدفَّق منه الدمُ بغزارة، وفارق الحياةَ!.

العام الهجري : 8 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 629
تفاصيل الحدث:

بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً في ثلاثةِ آلافِ مُقاتلٍ على الجيشِ زيدُ بنُ حارثةَ، فإن أُصيبَ فجَعفرُ بنُ أبي طالبٍ، فإنْ أُصيبَ فعبدُ اللهِ بنُ رَواحةَ، وشَيَّعهُم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ووَدَّعهُم، ثمَّ انْصرَف ونهَضوا، فلمَّا بلغوا مَعانَ مِن أرضِ الشَّامِ، أَتاهُم الخبرُ: أنَّ هِرقلَ مَلِكَ الرُّومِ قد نزل أرضَ بني مآبٍ، -أرضَ البَلقاءِ- في مائةِ ألفٍ مِنَ الرُّومِ، ومائةِ ألفٍ أُخرى مِن نَصارى أهلِ الشَّامِ، فأقام المسلمون في مَعانَ لَيلتينِ، يتَشاوَرون في أمرِ اللِّقاءِ بِعَدُوِّهِم البالغِ مِائتي ألفٍ فقالوا: نَكتُب إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم نُخبِرُهُ بعَددِ عَدُوِّنا، فيَأمُرنا بأَمرِهِ أو يُمِدُّنا. فقال عبدُ الله بنُ رَواحةَ: يا قومُ، إنَّ الذي تَكرَهون لَلَّتِي خَرجتُم تَطلُبون -يعني الشَّهادةَ- وما نُقاتِلُ النَّاسَ بِعدَدٍ ولا قُوَّةٍ، وما نُقاتِلُهُم إلَّا بهذا الذي أَكرَمَنا الله به، فانْطَلِقوا فهي إحدى الحُسْنَيينِ: إمَّا ظُهورٌ، وإمَّا شَهادةٌ. فَوافقَهُ الجيشُ على هذا الرَّأيِ ونهَضوا، حتَّى إذا كانوا بتُخومِ البَلقاءِ لَقوا بعضَ الجُموعِ التي مع هِرقلَ بالقُربِ مِن قريةٍ يُقالُ لها: مُؤْتَةُ. فاقتَتَلوا، فقُتِلَ زيدُ بنُ حارثةَ، فأخَذ الرَّايةَ جعفرُ بنُ أبي طالبٍ، فقاتَل حتَّى قُطِعَتْ يَمينُه، فأخَذ الرَّايةَ بِيُسْراهُ فقُطِعَتْ، فاحْتضَنَها فقُتِلَ كذلك، فأخَذ عبدُ الله بنُ رَواحةَ الرَّايةَ، وتَرَدَّدَ عنِ النُّزولِ بعضَ التَّرَدُّدِ، ثمَّ صَمَّمَ، فقاتَل حتَّى قُتِلَ، فأخَذ الرَّايةَ ثابتُ بنُ أَقرمَ، وقال: يا مَعشرَ المسلمين، اصْطَلِحوا على رجلٍ منكم. فقالوا: أنت. قال: لا. فاصطَلَح النَّاسُ على خالدِ بنِ الوليدِ، فلمَّا أخَذ الرَّايةَ دافَع القَومَ وحاشى بهِم، ثمَّ انْحازَ وانْحِيزَ عنه، حتَّى انْصرَف بالنَّاسِ، فتَمَكَّنَ مِنَ الانْسِحابِ بمَن معه مِنَ المسلمين، قال خالدُ بنُ الوليدِ: لقد انقْطَعَتْ في يَدي يومَ مُؤْتَةَ تِسعةُ أَسيافٍ فما بَقِيَ في يَدي إلَّا صَفيحةٌ يَمانِيَّةٌ». وهذا يقتضي أنَّهم أثْخَنوا فيهم قَتْلًا، ولو لم يكن كذلك لَما قَدَروا على التَّخَلُّصِ منهم، ولهذا السَّببِ ولِغيرِهِ ذهَب بعضُ المُحقِّقين إلى أنَّ المسلمين قد انتصروا في هذه المعركةِ ولم يُهزَموا. عن أنسٍ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، نَعَى زيدًا، وجعفرًا، وابنَ رَواحةَ للنَّاسِ، قبلَ أن يَأتِيَهُم خَبرُهُم، فقال: «أخَذ الرَّايةَ زيدٌ فأُصيبَ، ثمَّ أخَذ جعفرٌ فأُصيبَ، ثمَّ أخَذ ابنُ رَواحةَ فأُصيبَ، وعَيناهُ تَذْرِفانِ حتَّى أخَذ سيفٌ مِن سُيوفِ الله حتَّى فتَح الله عليهم».