الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1185 ). زمن البحث بالثانية ( 0.01 )

العام الهجري : 1298 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1881
تفاصيل الحدث:

بعد أن احتَلَّت فرنسا الجزائِرَ سنة 1246هـ عَزَمت على احتلالِ تونس وقامت مقابِلَ ذلك بالتنازُلِ لإنكلترا عن مصرَ، فبدأت بالتدخُّل أولًا في أمورِ الدولة بحجَّة الديون، ثمَّ قامت باستغلالِ خلافٍ افتعلَتْه على الحدودِ مع الجزائِرِ، واتَّهَمت تونس بإيواء المجاهدين الجزائريين في أراضيها، وأنَّها لا بدَّ لها من التدخُّل لقمع هؤلاء المجاهدين وجيوبهم، فقامت بحملةٍ عسكرية، ودخلت الأراضيَ التونسية، ثمَّ لم تلبَثْ أن وصَلَت إلى قصرِ باردو الذي كان فيه حاكِمُ تونس الباي محمد الصادق، وفَرَضت عليه معاهدة الحماية، فاجتمع الباي بكبار رجالِ دولته، وعرض عليهم الأمرَ، وكان الحاضِرون يميلون إلى رَفضِ الحماية وإعلان المقاوَمةِ والجهادِ وتعبئة الأمَّة لذلك، لكِنَّ ذلك لم يجِدْ آذانًا مُصغية أمام تهديد الفرنسيين بخلعِ الباي محمد الصادق عن العَرشِ وتنصيب أخيه "الطيب باي" مكانَه إذا رفضَ التوقيعَ على المعاهدة، وكان ممثِّلو الاحتلال الفرنسي ينتَظِرون في غرفةٍ مجاورة للحجرةِ التي اجتمع فيها السلطانُ برجاله، وبعد ساعتين من الاجتماع خرج باي تونس حاملًا نسخَتَي المعاهدة وقد وقَّع عليهما! وبذلك انتهى الاستقلالُ الفعلي لتونس بعد توقيع المعاهدة التي عُرِفَت بمعاهدة "باردو" وتضَمَّنت هذه المعاهدة تقييدَ سلطة الباي، ووضْعَه تحت حماية فرنسا، وسلَبَت تونسَ كُلَّ مقومات الدولة المستقِلَّة. وغدا المقيم العام الفرنسي في تونس الحاكِمَ الحقيقيَّ للبلاد! ثم لم تلبث أن زادت القواتُ الفرنسيَّةُ، وأصبحت تفرِضُ نفسَها كالاحتلالِ العسكريِّ تمامًا، فأصبحت تونس تحت النفوذِ الفرنسي واحتلالِه، ثم بدأت بفَرْنَسةِ تُونسَ، بتنفيذِ عِدَّة إجراءاتٍ ثقافية واقتصادية واجتماعية، ثم عَدَّلت معاهدةَ الحماية السابقة قسرًا سنة 1300هـ فصارت بذلك تونس تحت يد المقيم العام الفرنسي والحماية العسكرية الفرنسية!!

العام الهجري : 1352 العام الميلادي : 1933
تفاصيل الحدث:

هو الملِكُ محمد نادر شاه بن محمد يوسف خان بن محمد يحيى خان؛ شاه أفغانستان. وكان جده الأكبر سلطان محمد خان شقيق الأمير دوست محمد خان؛ المؤسس الأوَّل لأسرة البركزاية في أفغانستان، وهو الذي باع بيشاور إلى السيخ. ولِدَ محمد نادر في ديرادون شمال الهند سنة 1883م. دخل نادر أفغانستان في سن 18 عندما سُمِحَ لجده يحيى خان بالعودة من المنفى، وفي عهد أمان الله خان دخل نادر شاه العسكريةَ سنة 1919م، وشارك في حرب الإنجليز، وبعد الحرب عيَّنه أمان الله سفيرًا في فرنسا, وفي عام 1929م اندلعت فوضى ضِدَّ الملك أمان الله، فقام ابن السقَّا أحد قطَّاع الطرق الطامعين باستغلال الأحداث، فاستولى على كابل، وفَرَّ الملك إلى قندهار وتنازل لأخيه الأكبر عناية الله، ولم يستطع عنايةُ الله مواجهةَ ابنِ السقا الذي تملَّكَ باسم حبيب الله غازي، وأخذ يعيث فسادًا في أفغانستان قرابة التسعة أشهر، حتى تمكَّن محمد نادر شاه -القائد الأفغاني الذي انتصر على الإنجليز سابقًا- من إلقاء القبض على ابنِ السقَّا وأعدَمَه، وتسلَّم أعباءَ الحكمِ، وساعده على ذلك سيرتُه الحميدة أمام الناس، وجهادُه المعروف ضد الصليبيين من روس وإنجليز، فقضى على الفوضى والفساد والرِّشوة، وقَدَّم خِدماتٍ واسعةً للبلاد، فأصلح البلادَ وحَسَّنها، ولكِنَّ أحد أبناء الذين شَمِلَهم الإعفاء من المناصب قام باغتيال الشاه محمد نادر انتقامًا لأبيه وحِقدًا على من قضى على أخذ الأموال بصورة غير شرعية بعد أن كانوا يتكسَّبون بذلك، فتسلَّم الحكمَ بعده ابنه محمد ظاهر شاه الذي لم يكن يزيد عمره على التاسعة عشرة.

العام الهجري : 1356 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1937
تفاصيل الحدث:

في عام 1937م بدأت الظروفُ العالمية تُنذِرُ بنشوب الحرب العالمية الثانية فاتَّخَذت الدولُ الغربية بعضَ الاحتياطات ضِدَّ ألمانيا وإيطاليا واليابان والاتحاد السوفييتي، وكان من جملةِ التدابير المتَّخَذة عقد (ميثاق سعد آباد) في الثامن من يوليو عام 1937م في إيران، وساهم عقدُ هذا الميثاق في التقارب العراقي الإيراني، حيث عُقِدَت المعاهدة عام 1937بين العراق، تركيا، أفغانستان، وإيران تحت إشراف بريطانيا، ثم توالى عقدُ معاهدات أخرى، فعُقِدت معاهدة صداقة ومعاهدة حلِّ الاختلافات بالطرق السلمية. وأبرز ما جاء في المعاهدة: تعديلُ الحدود في شَطِّ العرب بمنحِ إيران سبعة كيلومترات وثلاثة أرباع الكيلو متر أمام عبادان. وحقَّقت المعاهدةُ لإيران حقَّ استخدام شطِّ العرب والانتفاع منه دون إذنٍ عراقيٍّ، كما كان قبل توقيعِ المعاهدة. ومنح الدولتين حق تقرير الضرائب المالية والفنية المتعلقة بشطِّ العرب، وتقضي المادة الثالثة من المعاهدة بتأليف لجنةٍ مشتركة من البلدين لنَصبِ دعائم الحدود التي كانت قد عيَّنَتْها اللجنة المشتركة عام 1914م. باشرت اللجنةُ الجديدة أعمالَها عام 1938م لكِنَّها توقَّفَت عام 1940م، ويبدو أنَّ اندلاع الحرب العالمية الثانية كان أحد أسباب توقُّف عمل اللجنة، وظلَّت مشكلة الحدود قائمة. وكان من آثار المعاهدة وأدُ كلِّ حركة تحرُّر كردية في مهدِها، فتقول إحدى موادِّه: إنَّ كلًّا من الأطراف الموقِّعة تتعهَّدُ باتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون قيامِ أيِّ نشاط لعصابات مسلحة، أو جمعيات، أو منظمات تهدف إلى إطاحة المؤسسات الحالية، التي تتحمَّلُ مسؤولية المحافظة على النظام والأمن في أي جزء من حدود الأطراف الأخرى، علمًا أنَّه انتهى أثَرُ ذلك الميثاق بنشوب الحرب العالمية الثانية.

العام الهجري : 1370 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1950
تفاصيل الحدث:

أدَّت مطالبة الجماعة الإسلامية بقيادة أبي الأعلى المودودي تطبيقَ الشريعة الإسلامية إلى اعتقالِ المودودي وعددٍ من رموز الجماعة، ثم عَمِلت الحكومة الباكستانية على وضع أهدافٍ تحدِّد الوجهةَ الإسلامية لباكستان وذلك في 13 جمادى الأولى 1368 هـ / 12 مارس 1949م. وبعد عام في 11 شعبان 1369 هـ / 28 مايو 1950م اضطرت الحكومةُ إلى إطلاق سراح المودودي وزملائه، وبدأت الجماعةُ الإسلامية دراسةَ قرار الأهداف الموضوعة في حيِّز التنفيذ، وفي الوقت نفسِه كانت الحكومة -التي أقلقتها مطالب الشعب- تسعى إلى وضع مقترحاتها الدستورية، وأعطت لنفسها سلطات واسعة للسيطرة على الرعية، فقام المودودي بإلقاء خطاب في اجتماع عام بلاهور في المحرم 1370 هـ / أكتوبر 1950م، قام فيه بتوجيه النقد إلى تلك المقترحات الدستورية التي تمهِّد الطريق للديكتاتورية؛ فثار الرأي العام وهو ما اضطرَّ الحكومة إلى التراجع عن مقترحاتها، وتحدَّت علماءَ الجماعة الإسلامية في أن يجتمعوا على ترتيب مُسَوَّدة دستور إسلامي، وقَبِلَ العلماءُ التحدي؛ فاجتمع 31 عالِمًا يمثِّلون الفِرَق الإسلامية المختلفة في باكستان في ربيع الآخر 1370 هـ / يناير 1951م بمدينة كراتشي، واشترك المودودي معهم في صياغة النقاط الدستورية التي اتَّفقوا عليها، ولكِنَّ الحكومةَ قابلت المقترحات الدستورية التي تقدَّمت بها الجماعة الإسلامية بالصَّمتِ، وإزاءَ ذلك قامت الحركة الإسلامية بعقد عدَّةِ اجتماعات شعبية، فقامت الحكومة بإعلان الأحكام العسكرية في لاهور في جمادى الآخر 1372 هـ / مارس 1953م. وفي رجب 1372 هـ / مارس 1953م تمَّ اعتقال المودودي للمرة الثانية مع اثنين من زملائه دون توضيح أسباب هذا الاعتقال، وبعد 4 أيام من اعتقاله حُكِمَ عليه بالقتل إلَّا أن الحكومة تراجعت إلى سَجنِه مدى الحياة.

العام الهجري : 1400 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1980
تفاصيل الحدث:

هو الدكتور يَحيى أمين المشد؛ عالِمُ ذَرَّةٍ مصريٌّ وأستاذٌ جامعيٌّ، وُلِد يحيى المشد في مصرَ في مدينةِ بَنْها سنة 1932، وتعلَّم في مدارسِ طنْطا، وتخرَّج من قِسم الكهرباء في كُلِّية الهندسة جامعة الإسكندريةِ سَنة 1952، اختِيرَ لِبَعثة الدكتوراه إلى لَندنَ سنة 1956، لكنَّ العُدوانَ الثُّلاثي على مصرَ حوَّلها إلى مُوسكو، ثم عاد بعدها سَنة 1963 متخصِّصًا في هَندسة المفاعِلات النَّووية. وعندَ عَودتِه انضمَّ إلى هَيئة الطاقة النَّووية المصريةِ؛ حيث كان يقومُ بعمَلِ الأبحاثِ، وانتقَلَ إلى النرويجِ بيْن سَنتيْ 1963 و1964، ثم عاد بعْدَها وعمِلَ أستاذًا مساعدًا بكُلِّية الهندسة بجامعة الإسكندرية، وما لَبِثَ أن تمَّت ترقيتُه إلى دَرجةِ "أستاذ"؛ حيث قام بالإشرافِ على الكثيرِ من الرَّسائل الجامعيةِ، ونشَرَ أكثرَ مِن (50) بحثًا. وبعد حَرْب يونيو 1967 تمَّ تَجْميد البرنامج النَّوويِّ المصري؛ مما أدَّى إلى إيقافِ الأبحاث في المجالِ النَّووي، وأصبح الوضعُ أصعَبَ بالنسبةِ له بعد حرْبِ 1973؛ حيث تمَّ تحويلُ الطاقات المصريةِ إلى اتِّجاهات أُخرى. وكان لِتَوقيع صدَّام حسين في 18 نوفمبر 1975 اتِّفاقية التَّعاون النووي مع فَرنسا أثَرُه في جَذْب العُلماء المصريين إلى العراقِ؛ حيث انتقَلَ للعمَلِ هناك، ودرَّسَ في الجامعة التِّكنولوجية في قِسم الهندسةِ الكهربائية. وقام برَفْضِ بعضِ شُحنات اليورانيوم الفَرنسية؛ حيث اعتَبَرها مُخالِفةً للمواصفات، وأصرَّت بعدها فَرنسا على حُضوره شخصيًّا إليها لتَنسيقِ استلام شُحنة اليورانيوم. وفي يومِ السبت 30 رجب / 14 يونيه، وفي حُجرة رقم (941) بفندق المريديان بباريسَ؛ عُثِر على الدكتور يحيى المشد جُثةً هامدةً مهشَّمةَ الرأسِ، ودِماؤه تغطِّي سَجادةَ الحُجْرة. وقد أُغلِقَ التحقيقُ الذي قامت به الشُّرطة الفرنسيَّة على أنَّ الفاعل مَجهولٌ!

العام الهجري : 1438 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 2017
تفاصيل الحدث:

ولِدَ الشيخُ الدكتورُ محمد أديب الصالح في مدينةِ قطنا -جنوبَ غَربِ دِمَشقَ- في العامِ 1926 م، وعاش يتيمًا، ولكنَّ والدتَه عوَّضَتْه عن عنايةِ الوالدِ بانقطاعِها لرِعايتِه، والاهتمامِ بشَأنِه، وقد بدأ تعليمَه في إحدى مدارسِ قطنا الابتدائيةِ، ومنها انتقل إلى دِمَشقَ، حيثُ أحرَزَ شهادةَ الكفاءةِ العامَّةِ ثم شَهادةَ الكليةِ الشرعيةِ، التي كانتْ تُعَدُّ مَعهدًا عِلميًّا رفيعَ المستوى، ثم حصَلَ على الثانويةِ الشرعيةِ مع الثانويةِ العامَّةِ عامَ 1946م، وبذلك تهيَّأ للدراسةِ الجامعيةِ، ثم أُوفد إلى الأزهَرِ عامَ 1947م، والتحَقَ بكليَّةِ أصولِ الدِّينِ، ثم تفرَّغَ للتدريسِ، فعَمِلَ في ثانويَّاتِ حلَبَ ودِمَشقَ ودُورِ المعلِّمين ما بين العامَينِ 1949 و1956. وأُسنِدَت إليه مُهمَّةُ مُعيدٍ في كليَّةِ الشريعةِ بجامعةِ دِمَشقَ، وأُوفِدَ إلى جامعةِ القاهرةِ لتحضيرِ الإجازةِ العليا -الدكتوراه- في كليةِ الحقوقِ، وكان موضوعُ أُطروحَتِه (تفسيرَ النصوصِ في الفقهِ الإسلاميِّ- دراسة مقارِنة) التي أحرَزَ بها مرتبةَ الشَّرَفِ الأولى مع التبادلِ بين الجامعاتِ. من شُيوخِه: الشيخُ محمد أبو زهرة، والشيخُ علي الخفيف، والشيخُ فرج السنهوريُّ. ثم عادَ إلى دمشقَ ليستأنِفَ عمَلَه في جامِعَتِها والتدريسَ فيها، ثم أُعيرَ إلى الجامعةِ الأردنيَّةِ لتدريسِ التفسيرِ والحديثِ والثقافةِ الإسلاميةِ على مدى سنتَينِ، ثم استُقدِمَ بعدَها أستاذًا زائرًا إلى جامعةِ الملكِ سُعودٍ -الرياض آنَذاك-، وكذلك دُعِيَ زائرًا إلى جامعةِ الإمامِ محمدِ بنِ سعودٍ الإسلاميةِ، وإلى كليةِ التربيةِ للمعلمين والمعلمات في قطَرَ، حتى استقرَّ أخيرًا في جامعةِ الإمامِ محمد بنِ سعودٍ الإسلاميةِ. تولى فيها رئاسةَ قِسمِ السُّنَّة وعلومِها، إلى جانبِ مُشاركاتِه في مناقشةِ رسائلِ الماجستير والدكتوراه فيها، وفي كلٍّ من الجامعةِ الإسلاميةِ في المدينةِ المُنوَّرةِ، وجامعةِ أمِّ القرى بمكةَ المكرمةِ، إلى أنْ تُوفِّيَ -رحمه الله- بمدينةِ الرياضِ.

العام الهجري : 751 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1350
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامةُ أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الحنبلي المعروفُ بابن قَيِّم الجوزيَّة، فهو إمامُ الجوزيَّة، وابنُ قَيِّمِها، ولِدَ بدمشق في سابع صفر سنة 691, وسَمِعَ الحديث واشتغل بالعلم، وبَرَع في العلوم المتعَدِّدة، لا سيما علم التفسير والحديث والأصلين، ولَمَّا عاد الشيخ تقي الدين بن تيمية من الديار المصرية في سنة 712 لازَمَه إلى أن مات الشيخُ، فأخذ عنه علمًا جَمًّا لازمه قرابة 16 عامًا وتأثَّر به, وسُجِنَ في قلعة دمشق في أيام سجنِ ابن تيمية، وخرج بعد أن توفِّيَ شيخه عام 728 ولم يخَلِّفِ الشيخُ العلَّامة تقي الدين ابن تيميَّة مِثلَه، ومع ما سَلَف له من الاشتغال، صار فريدًا في بابِه في فنونٍ كثيرة، مع كثرةِ الطَّلَب ليلًا ونهارًا، وكثرة الابتهال، وكان حَسَن القراءة والخُلُق، كثيرَ التودد لا يحسُد أحدًا ولا يؤذيه، ولا يستعيبُه ولا يحقِدُ على أحد؛ قال ابن رجب: "كان ذا عبادةٍ وتهَجُّد وطولِ صلاةٍ إلى الغاية القصوى، وتألُّه ولَهَج بالذكر، وشَغف بالمحبة والإنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله والانكسار له، والاطِّراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهِدْ مِثلَه في ذلك، ولا رأيتُ أوسَعَ منه علمًا، ولا أعرَفَ بمعاني القرآن والسنَّة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصومَ، ولكن لم أرَ في معناه مِثلَه، وقد امتُحِنَ وأوذيَ مَرَّات، وحُبِسَ مع الشيخ تقي الدين في المرَّة الأخيرة بالقلعة، منفرِدًا عنه، ولم يُفرَجْ عنه إلَّا بعد موت الشيخ, وكان في مُدَّة حبسه مشتغلًا بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر، ففُتِحَ عليه من ذلك خير كثير، وحصل له جانِبٌ عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسَلَّط بسبب ذلك على الكلام في علومِ أهل المعارف، والدُّخولِ في غوامِضِهم، وتصانيفه ممتلئةٌ بذلك، وحَجَّ مرات كثيرة، وجاور بمكَّةَ، وكان أهلُ مكة يذكرون عنه من شِدَّة العبادة، وكثرة الطواف أمرًا يُتعَجَّب منه. ولازمت مجالِسَه قبل موته أزيدَ مِن سنة، وسَمِعتُ عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة، وأشياء من تصانيفه، وغيرها " وقال ابنُ كثير: " كنتُ مِن أصحَبِ النَّاسِ له وأحَبِّهم إليه، ولا أعرف في هذا العالَمِ في زماننا أكثَرَ عبادةً منه، وكانت له طريقةٌ في الصلاة يطيلها جِدًّا ويمُدُّ ركوعَها وسجودَها، ويلومه كثيرٌ من أصحابه في بعضِ الأحيانِ، فلا يرجِعُ ولا ينزِعُ عن ذلك- رحمه الله" وقال ابن حجر العسقلاني: " كان إذا صلَّى الصبح جلس مكانَه يذكُرُ الله حتى يتعالى النَّهارُ، ويقول: هذه غَدوتي لو لم أقعُدْها سَقَطَت قُوايَ، وكان يقولُ: بالصبر واليقين تُنال الإمامةُ في الدين، وكان يقول: لا بد للسَّالك من همَّة تُسيِّرُه وترَقِّيه، وعلمٍ يُبَصِّرُه ويهديه. وكان مُغرًى بجمع الكتب فحصَّل منها ما لا يُحصَرُ حتى كان أولادُه يبيعون منها بعد موتِه دهرًا طويلًا سوى ما اصطَفَوه منها لأنفُسِهم" وله من التصانيف الكبار والصغار شيءٌ كثير، وهي أكثَرُ مِن أن تُحصَرَ هنا، ولكن من أشهرها: زاد المعاد في هَدْي خير العباد، وإعلام الموقعين عن ربِّ العالمين، ومدارج السالكين، وبدائع الفوائد، وطريق السعادتين، وشرح منازل السائرين، والقضاء والقدر، وجلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، ومصايد الشيطان، ومفتاح دار السعادة، والروح، وحادي الأرواح، ورفع اليدين، والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، وتصانيف أخرى كثيرة؛ قال ابن حجر: "وكلُّ تصانيفه مرغوبٌ فيها بين الطوائف، وهو طويلُ النَّفَسِ فيها يتعانى الإيضاحَ جُهدَه، فيُسهِبُ جدًّا، ومعظمها من كلام شيخِه يتصَرَّفُ في ذلك، وله في ذلك مَلَكَة قويَّة، ولا يزال يدندِنُ حولَ مُفرداتِه ويَنصُرُها ويحتَجُّ لها" ومن نَظْمِه قصيدة تبلغ ستة آلاف بيت سمَّاها الكافية في الانتصار للفرقة الناجية. ومن تلاميذه ابنه برهان الدين إبراهيم، والإمام ابن رجب الحنبلي، والحافظ ابن كثير، والحافظ ابن عبد الهادي، والإمام الذهبي، والفيروزآبادي صاحب القاموس. توفِّيَ رحمه الله في دمشق ليلة الخميس ثالث عشر رجب وقتَ أذان العشاء وصُلِّيَ عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامِعِ الأموي، ودفن عند والدته بمقابر الباب الصغير، وقد كانت جنازته حافلةً، شهدها القضاة والأعيان والصالحون من الخاصة والعامة، وتزاحم الناسُ على حمل نعشه، وكَمُل له من العمر ستون سنةً.

العام الهجري : 9 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 630
تفاصيل الحدث:

تَبوكُ مَوضِعٌ بين وادي القُرى والشَّامِ، قال أبو موسى الأَشعريُّ رضي الله عنه: (أَرسلَني أَصحابي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَسأَلُه الحُمْلانَ لهم إذ هُم معه في جَيشِ العُسْرَةِ، وهي غَزوةُ تَبوكَ..). وحديث أبي موسى رضي الله عنه فيه دِلالةٌ على ما كان عليه الصَّحابةُ مِنَ العُسْرِ الشَّديدِ في المالِ والزَّادِ والرَّكائِبِ، كما رَوى مُسلمٌ أيضًا عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه ما وقع للمسلمين في طَريقِ هذه الغَزوةِ مِن نَقْصٍ في الزَّادِ حتَّى مَصُّوا النَّوَى وشَرِبوا عليه الماءَ، وفي رِوايةٍ أُخرى لمُسلمٍ: أنَّهم اسْتأذَنوا الرَّسولَ صلى الله عليه وسلم في نَحْرِ مَطاياهُم لِيأكُلوا. وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ} [التوبة: 117]. قال ابنُ كَثيرٍ: فعزَم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على قِتالِ الرُّومِ؛ لأنَّهم أَقربُ النَّاسِ إليه؛ وأَوْلى النَّاسِ بالدَّعوَةِ إلى الحقِّ لقُربِهِم إلى الإسلامِ وأَهلِه، وقد قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة: 123]. وقد بَيَّنَ صلى الله عليه وسلم وِجْهَةَ هذه الغَزوةِ، فعن مُعاذٍ رضي الله عنه: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: (سَتأْتون غدًا إن شاء الله عَيْنَ تَبوكَ، وإنَّكم لن تَأْتوها حتَّى يَضْحى النَّهارُ، فمَن جاءَها مِنكم فلا يَمَسَّ مِن مائِها شيئًا حتَّى آتي). والمشهورُ والرَّاجحُ أنَّ جَيشَ تَبوكَ كان ثلاثين ألفًا، ولكنَّ الرَّسولَ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يَلْقَ حَربًا مِنَ الأعداءِ، فرجَع إلى المدينةِ مُنتصِرًا بعدَ أن أقامَ بتَبوكَ عِشرين ليلةً.

العام الهجري : 43 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 663
تفاصيل الحدث:

بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِن الخَوارِج الذين خرَجوا على عَلِيِّ بن أبي طالِب يومَ النَّهْروان، وهؤلاء بقوا يَبُثُّون أَفكارَهُم في الكوفَة والبَصْرَة وغيرِها، وكان بَدْءُ تَحَرُّكِهِم للخُروجِ سنة 42هـ، عندما بَدأوا يَتَشاوَرون في ذلك، فقد كانت الخَوارِج يَلْقى بعضُهم بعضًا فيُذاكِرون مَصارِعَ إخوتِهم بالنَّهْرِ، فيَتَرَحَّمون عليهم، ويَحُضُّ بعضُهم بعضًا على الخُروجِ للانتِقام مِن حُكَّامِهِم الجائرين، الذين عَطَّلوا الحُدودَ، واسْتَأْثَروا بالفَيْءِ، فاجتمع رأيُهم على ثلاثةِ نَفَرٍ منهم لِتَوَلِّي قِيادَتِهم: المُسْتَوْرِدُ بن عُلَّفَةَ التَّيميُّ، ومُعاذُ بن جويني الطَّائيُّ، وحَيَّانُ بن ظِبْيانَ السُّلَميُّ الذي كان مَنزِلُه مكانًا لاجْتِماعاتِهم، ولكن كُلّ واحدٍ مِن هؤلاء الثَّلاثةِ دفَع تَوَلِّي الخِلافَة عن نَفسِه، وأخيرًا اتَّفقوا على أن يتَولَّاها المستوردُ هذا، وكانوا أربعُمائة شخصٍ، ونادوه: بأميرِ المؤمنين، وكان المستوردُ ناسِكًا، كثيرَ الصَّلاةِ، وله آدابٌ وحِكَمٌ مَأثورة، وقد قام المغيرةُ بن شُعبةَ بسَجْنِ بعضِهم بعدَ أن عَلِمَ نَواياهُم في الخُروجِ عليه أيضًا. فعَلِمَ المستوردُ بن عُلَّفةَ بأمرِ المُغيرةِ، وأنَّه بدَأ يَطلُبهم فَجَهَّزَ جيشًا, ثمَّ اتَّفقوا على أن يكونَ الخُروج في غُرَّةِ شَعبان, ولمَّا عَلِم بذلك المغيرةُ بن شُعبة أرسَل مُديرَ شُرْطَتِه قَبيصَةَ بن الدَّمُون إلى مكانِ اجتماعِهم وهو مَنزِل حيَّان، فأخَذوهم وجاءوا بهم إلى المغيرةِ فأَوْدَعهم السِّجنَ بعد اسْتِجْوابهم وإنكارِهِم أن يكونَ اجتماعُهم لشيءٍ غير مُدارسَةِ كتابِ الله، فأَفرَج عنهم. وراح المستوردُ يُراوِغ في حربِه للمغيرةِ فيخرُج مِن مكانٍ إلى آخرَ؛ حتَّى يُبَدِّدَ جيشَ المغيرةِ، ثمَّ يَلقاهُم وقد تَعِبُوا، فكان إلى أن كانت المعركةُ النِّهائيَّة حيث تبارَز المستوردُ مع مَعقِل فضرَب كُلُّ واحد منهما صاحِبَه فخَرَّا مَيِّتينِ، وهُزِمَت الخَوارِج وقُتِلوا شَرَّ قِتْلَةٍ فلم ينجُ منهم غيرُ خمسة أو سِتَّة.

العام الهجري : 64 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 683
تفاصيل الحدث:


هو يَزيدُ بن مُعاوِيَة بن أبي سُفيان الأُمَويُّ القُرشيُّ الدِّمشقيُّ، وُلِدَ في 23 رمضان 26 هـ في خِلافَة عُثمان بن عفَّان رضي الله عنه في قَريةِ الماطِرُون، وأُمُّهُ مَيْسونُ بنتُ بَحْدَل الكَلْبِيَّةُ، طَلَّقَها مُعاوِيَةُ فيما بعدُ. عاش فَترةً مِن حياتِه في البادِيَةِ بين أخوالِه، تَوَلَّى الخِلافَة بعدَ وَفاةِ والدِه في سنة 60 للهِجرَةِ، ولم يُبْقِ مِن مُعارِضي تَوْلِيَتِهِ الخِلافَة غيرَ الحُسينِ بن عَلِيٍّ، وعبدِ الله بن الزُّبيرِ. حدَث في عَهدِه ثلاثةُ حوادِث في سنة 61هـ، وقَعةُ كَرْبَلاء التي قُتِلَ فيها الحُسينُ بن عَلِيٍّ رضي الله عنه بعدَ تَحريضِ شِيعَةِ العِراق له بالخُروجِ إليهم ثمَّ تَخَلّيهم عنه. والثَّاني سنة 63 هـ مُعارضَةُ عبدِ الله بن الزُّبير في الحِجاز، وما تَرَتَّب عليها مِن اسْتِباحَةِ الحَرَمِ واحْتِراقِ الكَعبَةِ. والثَّالث مُعارضَةُ أهلِ المدينةِ سنة 63 هـ على يَزيدَ وخَلْعُ بَيْعَتِه ممَّا أَدَّى إلى حِصارِ المدينةِ ثمَّ اسْتِباحَتِها في وَقعةِ الحَرَّةِ. تُوفِّي يَزيدُ بن مُعاوِيَة أثناءَ حِصارِ الجيشِ لمكَّة، وكان هو في الشَّامِ وقد كان عَهِدَ لابنِه مُعاوِيَة بن يَزيدَ بالخِلافَة مِن بَعدِه, وبعدَ وَفاةِ يَزيدَ بن مُعاوِيَة تَبايَنَت الآراءُ حول شَخْصِيَّتِه. والنَّاسُ فيه طَرَفان ووَسَطٌ، قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميةَ: "إنَّه كان مَلِكًا مِن مُلوكِ المسلمين، له حسنات وسَيِّئات، ولم يُولد إلَّا في خِلافَة عُثمانَ، ولم يكُن كافرًا؛ ولكن جَرى بِسبَبِه ما جَرى مِن مَصرَعِ الحُسينِ، وفعَل ما فعَل بأهلِ الحَرَّةِ، ولم يكُن صاحبًا ولا مِن أوْلِياءِ الله الصَّالحين، وهذا قولُ عامَّةِ أهلِ العَقلِ والعِلْمِ والسُّنَّةِ والجَماعةِ. ثمَّ افْتَرقوا ثلاث فِرَق: فِرْقَة لَعَنَتْهُ، وفِرْقَة أَحَبَّتْهُ، وفِرْقَة لا تَسُبُّهُ ولا تُحِبُّهُ، وهذا هو المنصوصُ عن الإمامِ أحمد، وعليه المُقْتَصِدون مِن أصحابِه وغيرِهم مِن جَميعِ المسلمين.

العام الهجري : 379 العام الميلادي : 989
تفاصيل الحدث:

سار فخرُ الدَّولةِ بنُ ركن الدولةِ مِن الريِّ إلى همذان، عازمًا على قَصدِ العِراقِ والاستيلاء عليها، فلمَّا توفِّيَ شَرَفُ الدولة عَلِمَ أنَّ الفُرصةَ قد أمكَنَت، وكان الصاحِبُ بنُ عَبَّاد قد وضع على فَخرِ الدَّولةِ مَن يُعَظِّمُ عنده مُلكَ العِراقِ، ولم يباشِرْ على ذلك خوفًا من خطر العاقبةِ، إلى أن قال له فخرُ الدولة: ما عندك في هذا الأمرِ؟ فأحال على أنَّ سعادتَه تُسَهِّلُ كُلَّ صَعبٍ، وعَظَّمَ البِلادَ. فتجَهَّزَ فخرُ الدولة وسار إلى همذان، وأتاه بدرُ بنُ حسنويه، وقصَدَه دبيس بن عفيف الأسدي، فاستقَرَّ الأمرُ على أن يسيرَ الصَّاحِبُ بنُ عبَّاد وبدر إلى العراق على الجادَّة، ويسير فخر الدَّولة على خوزستان. فلما سار الصاحِبُ حَذَّرَ فَخرَ الدَّولةِ مِن ناحيته، لكِنَّ فَخرَ الدولة أساء السيرةَ مع جندها، وضَيَّقَ عليهم، ولم يبذُل المال، فخابت ظنونُ النَّاسِ فيه، وكذلك أيضًا عسكَرُه، وقالوا: هكذا يفعَلُ بنا إذا تمكَّنَ مِن إرادته، فتخاذلوا، وكان الصاحِبُ قد أمسَكَ نفَسه تأثرًا بما قيل عنه من اتِّهامِه، فالأمورُ بسُكوتِه غيرُ مُستقيمةٍ. فلمَّا سَمِعَ بهاءُ الدولة بوصولِهم إلى الأهواز سيَّرَ إليهم العساكر، والتَقَوا هم وعساكر فخرِ الدولة، فاتفَقَ أنَّ دجلة الأهواز زادت ذلك الوقتَ زيادةً عظيمةً، وانفتحت البثوق منها، فظَنَّها عسكَرُ فخر الدولة مكيدةً، فانهزموا، فقَلِقَ فَخرُ الدولة من ذلك، وكان قد استبَدَّ برأيه، فعاد حينئذٍ إلى رأي الصَّاحبِ، فأشار ببذل المال، واستصلاحِ الجُند، وقيل له: إنَّ الرأيَ في مثل هذه الأوقات إخراجُ المال وتركُ مضايقة الجُند، فإن أطلَقْتَ المالَ ضَمِنْتُ لك حُصولَ أضعافِه بعد سَنةٍ. فلم يفعَلْ ذلك، وتفَرَّقَ عنه كثيرٌ مِن عَسكَرِ الأهواز، واتسَعَ الخَرقُ عليه، وضاقت الأمورُ به، فعاد إلى الرَّيِّ، وقَبَض في طريقِه على جماعةٍ مِن القُوَّاد الرازيِّينَ، ومَلَك أصحابُ بهاءِ الدَّولةِ الأهوازَ.

العام الهجري : 478 العام الميلادي : 1085
تفاصيل الحدث:

بعدَ أن قامَ ألفونسو السادسُ –أدفونش- بالاستِيلاءِ على طُليطلة بدأَ بتَهديدِ إشبيلية، فأَرسلَ كِتابًا لصاحِبِها المُعتَمِد بن عبَّاد قال فيه: "مِن الإمبراطورِ ذي الملتين المَلِكِ أدفونش بن شانجة، إلى المُعتَمِد بالله، سَدَّدَ الله آراءَه، وبَصَّرَهُ مَقاصِدَ الرَّشادِ. قد أَبصرتَ تَزَلزُلَ أَقطارِ طُليطلة، وحِصارَها في سالفِ هذه السِّنين، فأَسلَمتُم إخوانَكم، وعَطَّلتُم بالدَّعَةِ زَمانَكم، والحَذِرُ مَن أَيقظَ بالَه قبلَ الوُقوعِ في الحِبالَة. ولولا عَهدٌ سَلَفَ بيننا نَحفظُ ذِمامَه نَهَضَ العَزمُ، ولكنَّ الإنذارَ يَقطَع الأعذارَ، ولا يَعجَل إلَّا مَن يَخاف الفَوْتَ فيما يَرومُه، وقد حَمَّلنَا الرِّسالةَ إليك البرهانس، وعندَه مِن التَّسديدِ الذي يَلقَى به أَمثالَك، والعَقلِ الذي يُدَبِّر به بِلادَك ورِجالَك، ما أَوجَبَ استِنابَتَه فيما يَدِقُّ ويَجِلُّ". فلمَّا قَدِمَ الرَّسولُ أَحضرَ المُعتَمِدُ الأكابرَ، وقُرئ الكِتابُ، بَكَى أبو عبدِ الله بنُ عبدِ البَرِّ وقال: قد أَبصرَنا ببَصائِرِنا أن مآلَ هذه الأَموالِ إلى هذا، وأن مُسالَمَةَ اللَّعينِ قُوَّةٌ بلاده لبلاده، فلو تَضافَرنا لم نُصبِح في التلافِ تحتَ ذُلِّ الخِلافِ، وما بَقِيَ إلا الرُّجوعُ إلى الله والجِهادُ. وأمَّا ابن زيدون وابن لبون فقالا: الرَّأيُ مُهادَنتُه ومُسالمَتُه. فجَنَحَ المُعتَمِدُ إلى الحَربِ، وإلى استِمدادِ مَلِكِ البَربرِ ابنِ تاشفين، فقال جَماعةٌ: نَخافُ عليك من استِمدادِه. فقال: رَعْيُ الجِمالِ خَيرٌ مِن رَعْيِ الخَنازيرِ". فرَدَّ على الأدفونش يَتهدَّدهُ و يَتَوعَّدهُ, ثم اتَّفقَ المُعتَمِدُ بن عبَّاد صاحِبُ أشبيلية والمُتوكِّلُ بن الأَفطَس صاحِبُ بطليموس وعبدُالله بن بلقين أَميرُ غِرناطة، على إرسالِ وَفْدٍ من القُضاةِ والأَعيانِ إلى يُوسفَ بن تاشفين يَدعونَهُ إلى الحُضورِ إلى الأندلسِ لِقِتالِ النَّصارَى ويَستَنصِرونَه على ألفونسو السادس، فلمَّا استَجابَ ابنُ تاشفين لِطَلَبِهم إرسال أَرسلَ رِسالةً إلى ألفونسو يَدعوهُ فيها إلى الإسلامِ أو الجِزيَةِ أو الحَربِ، فاختارَ الحَربَ.

العام الهجري : 534 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1139
تفاصيل الحدث:

وزَرَ رضوانُ بنُ ولخشي مكانَ بهرام النصراني، وتلقَّبَ بالأفضلِ، ولكِنَّه أساء السيرةَ، وصار بينه وبين الحافِظِ حاكِمِ مِصرَ العُبَيديِّ مُشاحناتٌ حتى حاول الوزيرُ خَلْعَه، فقام الحافِظُ بتدبير الأمرِ والعَمَلِ على إخراجِ الوزيرِ مِن مِصرَ بإثارةِ النَّاسِ عليه، فطلب رضوانُ الشَّامَ، فدخل عسقلانَ ومَلَكَها وجعلَها مَعقِلَه، ثم خرج رضوانُ مِن عسقلان ولحِقَ بصلخد، فنزل على أمينِ الدولة كمشتكين صاحِبِها فأكرَمَه وأبَرَّه، وأقام عنده ثلاثة أشهر. ثم أنفَذَ إلى دمشق، واستفسَدَ مِن الأتراك بها مَن قَدَرَ عليه, ثمَّ عاد الأفضَلُ رضوان مِن صلخد في جمعٍ فيه نحوُ الألف فارس، وكان النَّاسُ في مدة غيبته يَهتُفونَ بعَودِه، فبَرَزَت له العساكِرُ ودافعوه عند بابِ الفتوح، فلم يُطِقْ مُقابلَتَهم؛ فمضى إلى مصرَ، ونزل على سَطحِ الجُرف المعروف بالرصد، وذلك يومَ الثلاثاء مُستهَلَّ صَفَر. فاهتَمَّ الحافِظُ بأمرِه، وبعث إليه بعسكَرٍ مِن الحافظيَّة والآمريَّة وصبيان الخاص، عِدَّتُهم خَمسةَ عَشَرَ ألف فارس، مُقَدَّمُ القَلبِ تاجُ الملوك قايماز، ومُقَدَّمُ الآمرية فرَجٌ غلامُ الحافِظِ، فلَقِيَهم رضوان في قريبٍ من ثلثمئة فارس، فانكسروا، وقُتِلَ كثيرٌ منهم، وغُنِمَ مُعظَمُهم؛ ورَكِبَ أقفِيَتهم إلى قريبِ القاهرة. وعاد شاور إلى موضِعِه فلم يثبت، وأراد العودَ إلى صلخد فلم يَقدِرْ؛ لقلَّةِ الزاد وتَعَذُّرِ الطريق، فتوَجَّهَ بمَن معه من العُربانِ إلى الصعيد. فأنفذ إليه الحافِظُ الأميرَ المفَضَّل أبا الفَتحِ نَجمَ الدين سليم بن مصال في عسكرٍ ومعه أمانٌ، فسار خَلْفَه، وما زال به حتى أخَذَه وأحضَرَه إلى القَصرِ آخِرَ نهار الاثنين رابع ربيع الآخر، فعفا عنه الحافِظُ، ولم يؤاخِذْ أحدًا من الأتراكِ الذين حضَروا معه من الشام. واعتَقَلَه عنده بالقَصرِ قريبًا من الدار التي فيها بهرام.

العام الهجري : 886 العام الميلادي : 1481
تفاصيل الحدث:

هو السلطان المجاهد الغازي أبو الفتوحات: محمد بن السلطان مراد الثاني ابن السلطان محمد ابن السلطان بايزيد ابن السلطان مراد الأول بن أورخان بن عثمان، تنازل له أبوه بالملك سنة 848 لكنه لم يستقر فيه إلا بعد وفاة أبيه سنة 855. اقتفى أثر أبيه في المثابرة على دفع الفرنج حتى فاق ملوك زمانه، مع وصفه بمزاحمة العلماء، ورغبته في لقائهم، وتعظيم من يَرِدُ عليه منهم، وله مآثر كثيرة من مدارس وزوايا وجوامع، كان مُلكُ محمد الفاتح عظيمًا خاصة بعد فتحه للقسطنطينية عاصمة البيزنطيين وجعْلِها كرسي مملكته، غادر السلطان الفاتح إستنبول إلى آسيا الصغرى؛ حيث كان قد أُعد في إسكدار جيش آخر كبير، وكان السلطان محمد الفاتح قبل خروجه من إستنبول قد أصابته وعكة صحية إلا أنه لم يهتمَّ بذلك لشدة حبه للجهاد وشوقه الدائم للغزو، وخرج بقيادة جيشه بنفسه، إلا أن المرض تضاعف عليه هذه المرة وثقلت وطأتُه بعد وصوله إلى اسكدار فطلب أطباءَه غيرَ أنَّ القضاء حمَّ به فلم ينفع فيه تطبيبٌ ولا دواء، ومات السلطان الفاتح وسط جيشِه العرمرم يوم الخميس الرابع من ربيع الأول 886 (3 مايو 1481م) وهو في الثانية والخمسين من عمره بعد أن حكم نيفًا وثلاثين عامًا، لم يكن أحدٌ يعلم شيئًا عن الجهة التي كان سيذهب إليها السلطان الفاتح بجيشه، وذهبت ظنونُ الناس في ذلك مذاهبَ شتى، فهل كان يقصد رودس ليفتح هذه الجزيرة التي امتنعت على قائده مسيح باشا؟ أم كان يتأهب للحاق بجيشه الظافر في جنوبي إيطاليا ويزحف بنفسِه بعد ذلك إلى روما وشمالي إيطاليا ففرنسا وإسبانيا؟ توفي أوائل هذه السنة أثناء توجهه إلى برصا، ودفن بالبرِّية هناك، ثم حول إلى إستنبول في ضريح بالقرب من أكبر الجوامع بها, وبعد وفاة السلطان محمد الفاتح تولى ابنُه بايزيد الثاني أكبر أولاده الذي كان حاكمًا لمقاطعة أماسيا.

العام الهجري : 982 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1574
تفاصيل الحدث:

لما دخل الإسبان إلى تونس قاموا بإرجاع أحمد الحفصي، لكنهم اشترطوا عليه مقابِلَ ذلك أن يمنحَهم أراضيَ من تونس، فرفض ذلك فخلعوه وولَّوا أخاه محمدًا مكانه، وكان قد وافق على طلب الإسبان، فلجأ أحمد إلى صقلية ومات في باليرمو، أمَّا أخوه محمد فأدخل الإسبان إلى البلاد فشاركوه السلطةَ وكثُرَ الفساد وهرب أكثرُ الناس إلى الجبال، ولكنْ لم يلبث الأمرُ فيها أكثر من ثمانية أشهر، حتى أبحر الأسطولُ العثماني بقيادة سنان باشا وقلج علي في 23 محرم من هذه السنة, فخرج من المضائقِ ونشر أشرعتهَ في البحر الأبيض، فقاموا بضرب ساحلِ كالابريا، مسينا، واستطاع العثمانيون أن يستولوا على سفينة أوروبية، ومن هناك قطعوا عرض البحر في خمسةِ أيام، في هذا الوقت وصل الحاكمُ العثماني في تونس حيدر باشا، كما وصلت قوةٌ من الجزائريين بقيادة رمضان باشا، وقوةُ طرابلس بقيادة مصطفى باشا، كما وصل ثمةَ متطوعين من مصر، بدأ القتال في ربيع أول من هذه السنة, ونجح العثمانيون في الاستيلاء على حلق الواد، بعد أن حوصِرَ الإسبان حصارًا محكمًا، وقامت قوات أخرى بمحاصرة مدينة تونس، ففَرَّ الإسبان الموجودون فيها ومعهم الملك الحفصي محمد بن الحسن إلى البستيون التي بالغ الإسبان في تحصينها وجعلوه من أمنع الحصون في الشمال الإفريقي، توجه العثمانيون بعد تجمُّع قواتهم إلى حصار البستيون، وضيَّق العثمانيون الخناقَ على أهلها من كل ناحية, فلجأ الحفصيون إلى صقليةَ حيث ظلوا يوالون الدسائسَ والمؤامرات والتضرعات لملوك إسبانيا سعيًا لاسترداد مُلكهم، واتخذهم الإسبان آلاتٍ طيِّعةً تخدمُ بها مآربَهم السياسية حسَبَما تمليه الظروفُ عليهم، وقضى سقوط تونس بيد العثمانيين على الآمال الإسبانية في إفريقيا، وضَعُفت سيطرتها تدريجيًّا حتى اقتصرت على بعض الموانئ، مثل مليلة ووهران والمرسى الكبير، وتبدد حلمُ الإسبان نحو إقامة دولة إسبانية في شمال إفريقيا وضاع بين الرمال.