كان حَسَّانُ بنُ الجَرَّاح قد خرج على الحاكِمِ، وأمَدَّه الرُّومُ، ثمَّ إنَّ الظاهِرَ لَمَّا عقَدَ المُعاهَدةَ مع الرُّومِ كان منها عدَمُ إمدادِ حَسَّان، فلمَّا كانت هذه السَّنَةُ أرسل الظَّاهِرُ الفاطميُّ جَيشًا بقيادةِ أنوشتكين التركي لَمَّا بلَغَه أنَّ حَسَّان وسِنان بن عليان أميرَ بني كلابٍ وصالِحَ بنَ مرداس أميرَ حَلَب اتَّفَقوا على إخراجِ الفاطميِّينَ مِن الشَّامِ واقتسامِها بينهم، فكانت الحَربُ بين جيشِ الفاطميِّينَ وبينهم في موقِعٍ يُدعى الأُقحُوانة عند طبَريَّة، وكان من نتائِجِ الحَربِ مَقتَلُ صالحِ بنِ مِرداس وهُروب حسَّان ولجوئِه إلى الرُّوم.
هو المهديُّ لدينِ الله علي بن محمد بن علي بن منصور من سلالة الناصر بن الهادي إلى الحَقِّ من أئمة الزيدية في اليمن، ولِدَ في هجرة من قرى إلهان, وبويع بالإمامة بعد وفاة المؤيَّدِ بالله يحيى بن حمزة، افتَتَح صنعاء واستولى على صَعدة وذمار، وقاتل الباطنيَّةَ وخَرَّبَ قُراهم وأمَّن الطُّرُقات وأزال سَبعَ عَشرة إمارةً مستقِلَّةً، وكان فقيهًا مجتهدًا، وله تصانيفُ ومختصرات ورسائل. أُصيبَ بالفالج أو بعِلَّة في دماغه, وتوفِّيَ بذمار ونُقِلَ إلى صعدة، فتولى ابنه محمد الناصر شؤونَ الإمامة.
هو الشَّيخُ الإمام العالم المقرئُ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن محمد بن بردس بن نصر بن بردس بن رسلان البعلبكي الحنبلي. ولِدَ ببعلبك سنة720، ودرس على والده، وأبي الفتح اليونيني، وسَمِعَ جمعًا من مُسنِدِي عصره، وحَدَّث عنهم، واشتهر باختصارِه لجملة من الكتب ونَظْمها. له بُغية الأريب في اختصار التهذيب، أكمل مسودته في المحرم سنة 779 وهو اختصار ليس فيه إضافات تُذكَر، ولم يحذف من رجال التهذيب أحدًا، لكنه حذف بعض أنساب المشهورين، وذكر الجرح والتعديل مختصرًا، كما حذف الأسانيدَ.
نزل الطاغية النشو بن دون فرنادو بن أندريك بن جوان بن فدريك بن أندريك ملك الفرنج الكيتلان، وصاحب برشلونة، على جزيرة صقلية في شهر رمضان، وسار ومعه صاحب صقلية في نحو مائتي قطعة بحرية حتى أرسى على جربة في سابع عشر ذي الحجة وملكها، وكان ملك المغرب أبو فارس عبد العزيز غائبًا عن تونس في جهات تلمسان، فلما بلغه تَرَك معظم عسكره وسار على الصحراء حتى دنا من جربة، وكانت بينه وبين الفرنج وقعةٌ كاد يُؤخَذُ فيها، وقُتِلَ من الفريقين جماعاتٌ كثيرة.
أقبَلَت مراكِبُ الإنجليز الذين استنجد بهم سعيدُ بن سلطان صاحِبُ مسقط في عمان بعد أن نقَضَ عهده مع الدرعية، وقصَدَت مراكبهم أهلَ بلد رأس الخيمة في عمان ورئيسُها يومئذ سلطانُ بن صقر بن راشد بن مطر أميرُ القواسم، وحاربوهم فلم يحصُلوا على طائل, فرفعوا على البلد بلورًا وجعلوه في عين الشمس وقابلوا به البلدَ، فاشتعلت النار فيها وكان أكثر بيوتهم عسبان النخل فدخلوا البلدَ واستباحوها ونهبوا ما فيها وأشعلوا فيها النيرانَ ودَمَّروها، وهرب سلطان بن صقر وغالب أهل البلد حتى فرغ العدوُّ منها.
عَزَل مُعاوِيَةُ بن أبي سُفيان مُعاوِيَةَ بن خَديجٍ عن أفريقيا، واسْتَعمل عليها عُقبةَ بن نافعٍ الفِهْريَّ، وكان مُقِيمًا بِبَرْقَةَ وزَوِيلَةَ مُذْ فتَحها أيَّام عَمرِو بن العاصِ، وله في تلك البِلادِ جِهادٌ وفُتوحٌ. فلمَّا اسْتَعمله مُعاوِيَةُ سَيَّرَ إليه عشرةَ آلاف فارسٍ، فدخَل أفريقيا وانْضافَ إليه مَن أَسلَم مِن البَرْبَر، فكَثُرَ جَمْعُهُ، ووضَع السَّيفَ في أهلِ البِلادِ لأنَّهم كانوا إذا دخَل إليهم أميرٌ أطاعوا وأَظهَر بعضُهم الإسلامَ، فإذا عاد الأميرُ عنهم نَكَثوا وارْتَدَّ مَن أَسلَم، ثمَّ رأى أن يَتَّخِذَ مدينةً يكون بها عَسكرُ المسلمين وأَهلُهُم وأَموالُهم لِيأمَنوا مِن ثَورةٍ تكونُ مِن أهلِ البِلادِ، فقصَد مَوضِعَ القَيْروان، وبَنَى المسجدَ الجامعَ، وبَنَى النَّاسُ مَساجِدَهم ومَساكِنَهم, فأَمِنُوا واطْمَأنُّوا على المَقامِ فثَبَتَ الإسلامُ في تلك البلادِ المفتوحةِ. ثمَّ إنَّ مُعاوِيَة بن أبي سُفيان اسْتَعمل على مِصْر وأفريقيا مَسلَمةَ بن مَخْلَد الأنصاريَّ، فاسْتَعمل مَسلَمةُ على أفريقيا مَوْلًى له يُقالُ له: أبو المُهاجِر، فقَدِم أفريقيا وعزَل عُقبةَ واسْتَخَفَّ به، وسار عُقبةُ إلى الشَّامِ وعاتَبَ مُعاوِيَةَ على ما فَعلَهُ به أبو المُهاجِر، فاعْتَذَر إليه ووَعَدَهُ بإعادتِه إلى عَمَلِه، فتُوفِّي مُعاوِيَةُ ووَلِيَ بعدَه ابنُه يَزيدُ، فاسْتَعمل عُقبةَ بن نافعٍ على البِلادِ سنة اثنتين وسِتِّين، فسار إليها.
هو شيخُ الحنابلةِ أبو بكر عبدُ العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد البغدادي الفقيهُ، تلميذُ أبي بكرٍ الخَلَّال. ولِدَ سنة 285. وسمِعَ في صِباه من مُحمَّد بن عثمان بن أبي شيبةَ، وموسى بن هارون، والفضلِ بنِ الحُباب وجماعة, وقيل: إنَّه سَمِعَ مِن عبد الله بن أحمد بن حنبل، ولم يصِحَّ ذلك؛ قال الذهبي: " كان كبيرَ الشَّأنِ، من بحورِ العِلمِ، له الباعُ الطويل في الفِقهِ, ومَن نظَرَ في كتابه " الشافي " عَرَف محَلَّه من العِلمِ لولا ما بشَّعَه بُغضُ بعضِ الأئمَّة، مع أنَّه ثِقةٌ فيما ينقُلُه "، قال القاضي أبو يعلى: " كان لأبي بكر عبد العزيز مُصنَّفاتٌ حَسَنةٌ؛ منها: كتاب " المقنع " وهو نحو مائةِ جزءٍ، وكتاب " الشافي " نحو ثمانين جزءًا، وكتاب " زاد المسافر " وكتابُ " الخلاف مع الشافعي " وكتاب " مختصر السُّنَّة " ورُوِيَ عنه أنَّه قال في مرضه: أنا عندكم إلى يومِ الجُمُعة، فمات يومَ الجمعة وله ثمانٍ وسبعون سنة, في سِنِّ شَيخِه الخَلَّال, وسنِّ شَيخِ شَيخِه أبي بكرٍ المروذيِّ، وسِنِّ شيخِ المروذي الإمامُ أحمد، ويُذكَرُ عنه عِبادةٌ وتألُّهٌ، وزُهدٌ وقنوعٌ, وذكَرَ أبو يعلى: "أنَّه كان معظَّمًا في النُّفوسِ، متقَدِّمًا عند الدولة، بارعًا في مذهَبِ الإمامِ أحمد ". قال الذهبي: " ما جاء بعد أصحابِ أحمَدَ مِثلُ الخَلَّال، ولا جاء بعد الخَلَّالِ مثلُ عبد العزيز, إلَّا أن يكونَ أبا القاسم الخِرَقيَّ "
هو الخليفة العثماني مصطفى الثالث بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول، ولِدَ عام 1129. ولِيَ الحُكمَ بعد ابنِ عَمِّه عثمان الثالث، وكان عمُرُه حينذاك 42 عامًا. كان ميالًا للإصلاح محبًّا لتقديم بلاده، خصوصًا وزيره الأول الصدر الأعظم راغب باشا الذي أخذ في إصلاحِ بعضِ الشؤون بمساعدة السلطان وتعضيدِه له، فعَهِد بإدارة الأوقاف العمومية إلى أحد أغوات السراري قيزار أغاسي، وأسَّس مستشفيات للحجر على الواردات الخارجية؛ إذ كانت الأوبئة منتشرة في الخارج؛ لعدم تعديها إلى الممالك المحروسة، وأنشأ مكتبة عمومية على مصاريفه الخاصةِ، وفكَّر في طريقة غريبة لتسهيل المواصلاتِ داخِلَ المملكة منعًا لحصول الغلاء والمجاعات في إحدى الولايات، وذلك أن يصِلَ بين نهر دجلة وبوغاز الأستانة بخليج عظيم تستعمل الأنهار الطبيعية مجرى له على قدر الإمكان، فيسهُل نقلُ الغلالِ مِن أطراف المملكةِ إلى الأستانة فيمتَنِع عنها الغلاء كليةً، وهو مشروعٌ جليلٌ يَقدُره العارفون حقَّ قَدرِه. توفي مريضًا من حزنِه في حروب روسيا، في ربيع الأول بعد أن دام في الملك ست عشرة سنة وثمانية أشهر، وتولى بعده أخوه عبد الحميد الأول الذي كان محجوزًا في قصرِه مدَّةَ حكم أخيه مصطفى الثالث.
هو الأمير عبد الوهاب بن عامر المتحمي المشهور بـ (أبو نقطة) من بلدة طبب بعسير السراة، وعبد الوهاب من قبيلة ربيعة رفيدة، قَدِم عبد الوهاب مع أخيه محمد بن عامر على إمام الدرعية عبد العزيز بن محمد بن سعود في سنة 1215هـ فعاهداه على دينِ الله ومناصرة الدعوة السلفيَّة والجهاد في سبيل نشرِها، فقبل منهما وأرسل معهما سرية لإخضاع القبائل بقيادة ربيع بن زيد المخارم أمير ناحية الدواسر، فسارا من الدرعية برفقة هذه السرية فلمَّا وصلا قرى عسير الشرقية المجاورة لبلاد شهران، جاء إليهم جميعُ وفود قبائل عسير تعلن ولاءَها وانقيادها للإمام عبد العزيز بن محمد والدخول تحت إمارة محمد بن عامر المتحمي وحكم دولة الدرعية، فصار محمدُ بن عامر أميرًا لجميع قبائل عسير السراة وعسير تهامة المعروفين برجال ألمع، فأخذ محمد ينشرُ دعوة التوحيد ويغزو أعداءها إلى أن وافاه الأجل المحتوم بعملة الجدري سنة 1217 هـ فخلَفَه على إمارة عسير وقبائلها أخوه عبد الوهاب (أبو نقطة) فأخذ عبد الوهاب يغزو ويقود الجيوش لنشر دعوة التوحيد السَّلفية ومحاربة أعدائها من أنصار البِدَع، حتى قُتِل في وادي بيش, وخلفه في الإمارة ابن عمه طامي بن شعيب.
وَلَّى مُعاوِيَةُ بن أبي سُفيان عُبيدَ الله بن زيادٍ على خُراسان فبلَغ بِيكَنْد وأَرْغَم خاتون أَميرَةَ بُخارى على الصُّلْحِ؛ ولكنَّها اسْتَنجدَت بالتُّرْكِ فأرسلوا جيشًا أَلْحَقَ به المسلمون الهَزيمةَ، فأُرْغِمت على طَلَبِ الصُّلْحِ، وكان مُعاوِيَةُ قد وَلَّى سعيدَ بن عُثمان بن عفَّان إمارةَ خُراسان بَدَل عُبيدِ الله فدخَل الجيشُ بُخارى بقِيادَتِه.
هو الإمامُ الحافِظُ البارِعُ أبو بشر محمَّد بن أحمد بن حمَّاد بن سعيد بن مسلمٍ الأنصاريُّ الدولابي الرازي، مولى الأنصارِ، ويعرف بالورَّاق، ولد سنة 224 من قرى الرَّيِّ. أحد الأئمَّة، ومن حُفَّاظ الحديثِ، وله تصانيفُ حَسَنةٌ في التاريخِ وغيرِ ذلك، وروى عن جماعةٍ كثيرة، وتوفِّيَ وهو قاصِدٌ الحَجَّ بين مكَّة والمدينة بالعرج.
بعد خروج ابن أبي عمارة على دولة الحفصيين بتونس خلع أميرَها إبراهيم بن زكريا الحفصي وبويع أبو حفص عمر الأول بن يحيى بن عبد الواحد الحفصي، أما أبو زكريا يحيى بن أبي إسحاق فقد استقَلَّ بمدينة بجاية وقسطينة وبونة، وأقام دولة لهم بالمغرب الأوسط واتخذَ مِن بجاية عاصمةً له.
نقض دهام بن دواس عهدَه مع الأمير محمد بن سعود أمير الدرعية، فعدا على أهل أبي الكباش، ثم رجع فلمَّا تبيَّنَ منه أهلُ الدِّينِ في الرياض المكرَ والغدرَ تركوا أموالَهم وبلدهم وهاجروا إلى منفوحة، ثم هاجروا إلى الدرعية، لما تبين لهم أن رئيس المنفوحة محمد بن فارس قد انضمَّ مع دهام بن دواس في نقضِ العَهدِ.
كان سَبَب ذلك أنَّ عُمَر بن عبدِ العزيز كَتَبَ إلى الوَليد يُخْبِرُه عن أَهلِ العِراق أنَّهم في ضَيْمِ وضِيقٍ مع الحَجَّاجِ مِن ظُلْمِه وغَشْمِه، فسَمِع بذلك الحَجَّاجُ فكَتَبَ إلى الوَليد: إنَّ عُمَر ضَعيف عن إِمْرَةِ المَدينَة، وإنَّ جماعَة مِن أَهلِ الشِّقاق مِن أهلِ العِراق قد لَجَأوا إلى المَدينَة ومَكَّة، وهذا وَهْنٌ وضَعْفٌ في الوِلايَة، فاجْعَل على الحَرَمَيْنِ مَن يَضْبُط أَمْرَهُما. فكَتَبَ الوَليدُ إلى الحَجَّاج: أن أَشِرْ عَلَيَّ بِرَجُلينِ. فكَتَب إليه يُشِيرُ عليه بعُثمان بن حَيَّان، وخالِد بن عبدِ الله، فوَلَّى خالِدًا مَكَّة، وعُثمانَ المَدينَة، وعَزَل عُمَر بن عبدِ العزيز، فخَرَج عُمَرُ بن عبدِ العزيز مِن المَدينَة في شَوَّال فنَزَلَ السُّويْداء، وقَدِمَ عُثمانُ بن حَيَّان المَدينَة لِلَيْلَتَيْنِ بَقِيَتا مِن شَوَّال مِن هذه السَّنَة.