وقَّع الرئيسُ اليمنيُّ علي عبد الله صالح على المُبادرةِ الخليجيَّةِ في الرياض؛ والمُبادرَة الخليجيَّة: هي مشروعُ اتفاقيَّةٍ سياسيَّةٍ أعلَنَتْها دولُ الخليجُ لإخراجِ اليمن من مَغبَّةِ الوُصولِ إلى انفجارِ الوضعِ، وحُصولِ حربٍ أهليَّةٍ داخِلَ البلدِ نتيجةَ تمسُّكِ الرئيسِ اليمنيِّ علي عبد الله صالح بالسُّلطة ورَفضِه التنحِّيَ عن الحكمِ بعد خُروجِ ملايِين اليمنِيِّين من الشَّبابِ وطلبةِ الجامعات ومُختلَف الشرائحِ الاجتماعيَّة إلى الشوارِعِ للمُطالَبة بتنحِّيه عن الحُكمِ، وأدَّى تمسُّكُ الرئيسِ صالح بالسُّلطة إلى تهديدِ السِّلم الاجتماعيِّ في اليمن وسُقوطِ مئاتِ القتلى بسببِ إفراطِ القوَّاتِ المسلَّحة وغيرِها في استخدامِ القوَّةِ ضدَّ المتظاهِرين في السَّاحات.
ظهر إسماعيل بن يوسف بن إبراهيم بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب بمكَّة، فهرب منه نائبُها جعفر بن الفضل بن عيسى بن موسى، فانتَهَبَ مَنزِلَه ومنازلَ أصحابه وقَتَلَ جماعةً من الجند وغيرهم من أهل مكة، وأخَذَ ما في الكعبة من الذَّهَب والفِضَّة والطِّيب وكسوة الكعبة، وأخَذَ من الناس نحوًا من مائتي ألف دينار، ثم خرج إلى المدينةِ النبويَّة فهرب منها نائبُها أيضًا علي بن الحسين بن علي بن إسماعيل، ثم رجع إسماعيل بن يوسف إلى مكَّةَ في رجب فحصر أهلَها حتى هلكوا جوعًا وعَطشًا، فبِيعَ الخُبزُ ثلاثُ أواقٍ بدِرهم، واللَّحمُ الرِّطل بأربعة، وشربة الماء بثلاثة دراهم، ولقي منه أهلُ مكَّة كلَّ بلاء، فترحَّلَ عنهم إلى جُدَّة بعد مُقامِه عليهم سبعة وخمسين يومًا، فانتهب أموال التجَّار هنالك وأخذ المراكِبَ وقطع الميرة عن أهلِ مكَّة، ثم عاد إلى مكَّة لا جزاه الله خيرًا عن المسلمين. فلما كان يومُ عرفة لم يمكِّن النَّاسَ من الوقوف نهارًا ولا ليلًا، وقتَلَ من الحجيج ألفًا ومائة، وسلَبَهم أموالَهم، ولم يقف بعرفةَ عامَئذٍ سواه ومن معه من الحرامية، ثم توفِّي في السنة التالية.
هو أبو رافعٍ سَلَّامُ بنُ أبي الحُقَيْقِ شاعرٌ وفارسٌ يَهوديٌّ، أحدُ الذين حَزَّبوا الأحزابَ ضِدَ المسلمين في غزوةِ الأحزابِ، وأَعانَهُم بالمُؤَنِ والأَموالِ الكَثيرةِ، ولمَّا قتَل الله كعبَ بنَ الأشرفِ على يدِ رجالٍ مِنَ الأَوسِ بعدَ وقعةَ بدرٍ كان أبو رافعٍ سَلَّامُ بنُ أبي الحُقيقِ ممَّن أَلَّبَ الأحزابَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولم يُقتلْ مع بني قُريظةَ كما قُتِلَ صاحبُه حُيَيُّ بنُ أَخطبِ، رَغِبتِ الخَزرجُ في قتلِه طلبًا لِمُساواةِ الأَوسِ في الأَجرِ. وكان الله سُبحانه قد جعَل هذين الحَيَّيْنِ يَتَصاولانِ بين يدي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الخيراتِ، فاسْتأذَنوا رسولَ الله في قتلِه فأَذِن لهم، فعنِ البَراءِ بنِ عازبٍ قال: بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافعٍ اليَهوديِّ رِجالًا مِنَ الأنصارِ، فأَمَّرَ عليهم عبدَ الله بنَ عَتيكٍ، وكان أبو رافعٍ يُؤذي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويُعينُ عليه، وكان في حِصنٍ له بأرضِ الحجازِ، فلمَّا دَنَوْا منه وقد غَربتِ الشَّمسُ، وراح النَّاسُ بِسَرْحِهِم، فقال عبدُ الله لأصحابِه: اجْلِسوا مَكانَكُم، فإنِّي مُنطلِقٌ، ومُتَلَطِّفٌ للبَوَّابِ، لَعلِّي أن أَدخُلَ، فأقبل حتَّى دَنا مِنَ البابِ، ثمَّ تَقَنَّعَ بِثَوبهِ كأنَّه يَقْضي حاجةً، وقد دخل النَّاسُ، فهتَف به البَوَّابُ: يا عبدَ الله، إن كُنتَ تُريدُ أن تَدخُلَ فادخُلْ، فإنِّي أُريدُ أن أُغلقَ البابَ، فدخلتُ فكَمَنْتُ، فلمَّا دخَل النَّاسُ أَغلقَ البابَ، ثمَّ عَلَّقَ الأَغاليقَ على وَتَدٍ، قال: فقمتُ إلى الأقاليدِ فأَخذتُها، ففتحتُ البابَ، وكان أبو رافعٍ يُسْمَرُ عنده، وكان في عَلالِيَّ له، فلمَّا ذهَب عنه أهلُ سَمَرِهِ صَعدتُ إليه، فجعلتُ كلمَّا فتحتُ بابًا أَغلقتُ عليَّ مِن داخلٍ، قلتُ: إن القومَ نَذِروا بي لم يَخْلُصوا إليَّ حتَّى أَقتُلَه، فانتهيتُ إليه، فإذا هو في بيتٍ مُظلمٍ وسطَ عِيالهِ، لا أَدري أين هو مِنَ البيتِ، فقلتُ: يا أبا رافعٍ، قال: مَن هذا؟ فأَهويتُ نحوَ الصَّوتِ فأَضرِبُه ضَربةً بالسَّيفِ وأنا دَهِشٌ، فما أَغنيتُ شيئًا، وصاح، فخرجتُ مِنَ البيتِ، فأَمكثُ غيرَ بَعيدٍ، ثمَّ دَخلتُ إليه، فقلتُ: ما هذا الصَّوتُ يا أبا رافعٍ؟ فقال: لِأُمِّكَ الوَيْلُ، إنَّ رجلًا في البيتِ ضَربَني قبلُ بالسَّيفِ. قال: فأَضرِبُه ضَربةً أَثْخَنَتْهُ ولم أَقتُلْه، ثمَّ وَضعتُ ظِبَةَ السَّيفِ في بَطنِه حتَّى أخَذ في ظَهرهِ، فعَرفتُ أنِّي قَتلتُه، فَجعلتُ أَفتحُ الأبوابَ بابًا بابًا، حتَّى انْتهَيتُ إلى دَرجةٍ له، فوَضعتُ رِجلي، وأنا أَرى أنِّي قد انْتهَيتُ إلى الأرضِ، فوقعتُ في ليلةٍ مُقْمِرَةٍ، فانكَسرتْ ساقي، فعَصَبْتُها بِعِمامةٍ، ثمَّ انطَلقتُ حتَّى جَلستُ على البابِ، فقلتُ: لا أخرجُ اللَّيلةَ حتَّى أَعلمَ: أَقتلتُه؟ فلمَّا صاح الدِّيكُ قام النَّاعي على السُّورِ فقال: أَنْعى أبا رافعٍ تاجرَ أهلِ الحِجازِ. فانطَلقتُ إلى أصحابي، فقلتُ: النَّجاءَ، فقد قتَل الله أبا رافعٍ، فانتهَيتُ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فحَدَّثتُه، فقال: «ابْسُطْ رِجْلَكَ». فبَسطتُ رِجلي فمسَحها فكأنَّها لم أَشْتَكِها قَطُّ.
هو بلاس إنفانتي بيريث دي بارغاس رجلُ سياسة ومفكِّر وكاتب أندلسي، ويُعَدُّ أبا القومية الأندلسية الحديثة. ولِدَ سنة 1885م في بلدة قشريش بمقاطعة مالقة، ظهرت في أوائل القرن العشرين شخصيةُ بلاس إنفانتي الفَذَّة، الذي اعتنق الإسلام وعَمِلَ حَسَب طاقته في ذلك الحين على توعية المجتمع الأندلسي، وإزاحة الغشاء المظلِم الذي أنزله أعداؤه على تاريخِه وماضيه الإسلامي. تعرَّف بلاس إنفانتي إبَّان مُقامِه في غرناطة على التراثِ الإسلامي الأندلسي، فزار إنفانتي إشبيلية وقرطبة ومجريط، واجتمع بزعماء الحركة الأندلسية، وأصبح يعتقِدُ أنَّ الهُويَّةَ الأندلسية ليست هويةَ عِرقٍ أو دم، لكِنَّها هوية (وجود) و(معرفة). وفي سنة 1910م عُيِّن إنفانتي عَدلًا في بلدة قنطيانة، فسكن إشبيلية القريبةَ منها، وأصبح ينتقلُ بين البلدتين، تأثَّر إنفانتي في إشبيلية بمفكِّريها الأندلسيين، وساهم في أنشطتهم الثقافية، وفي 28-11-1913م قُبِل إنفانتي في مجلس المحامين، وفي سنة 1914م ظهرت الطبعةُ الأولى من كتابه النظرية الأندلسية. وفي سنة 1916م أسَّس إنفانتي أول مركز أندلسي في إشبيلية، تبعه مراكز أخرى في مدن الأندلس وقُراها، وأصدر مجلة الأندلس كلسان حال للمراكز الأندلسية، والحركة القومية الأندلسية، ومع الأيام تحوَّل مركز إشبيلية الأندلسي إلى مركز أنشطة أندلسية تثقيفية وتخطيطية، ومنه خرج المنشور الداعي إلى اجتماع المقاطعات الأندلسية في رندة، الذي استعمل عبارةَ الأمة الأندلسية لأول مرة، وهكذا أصبح إنفانتي بأفكاره وحركته رئيسَ تيار جديد للحركة القومية الأندلسية. وطرح فكرة "إنشاء فدرالية تجمع بين بلاد المغرب والأندلس تجمعُهما أخوة سياسية بعيدًا عن الفكر الاستعماري" وفي 13-1-1918م انعقد اجتماعُ مجلس المقاطعات الأندلسية في رندة، فعدد معالم القومية الأندلسية في حركتها المستقبلية، وطلبوا الاعترافَ بالأندلس كبلد وقومية ومنطقة ذات حكم ذاتي ديمقراطي، على أساسِ دستور أنتقيرة. ثم تقَدَّم بلاس إنفانتي، وخوزي أندرس باسكس، باسم المؤتمر لهيئة الأمم طالبينَ منها الاعتراف بالقومية الأندلسية، وفي 21/5/1919م تقدَّم إنفانتي لانتخابات إشبيلية باسم (الديمقراطية الأندلسية) المكونة من الجمهوريين الاتحاديين، والقوميين الأندلسيين، والاشتراكيين المستقلين، وندَّد في خُطَبِه الانتخابية بوضع الأندلس البئيس، فغَضِبَت عليه السلطة الحاكمة واليمين واتهموه وأتباعه بالتآمُرِ على أمن الدولة ووحدتها، وفي 13/1/1923م تحولت أسبانيا إلى الحكم الدكتاتوري الذي قضى على الحريات، وأغلقَ المراكز الأندلسية، واتهم القوميين الأندلسيين بمقاومة الدولة، وأسكت القوى المعادِية للكنيسة. فانتقل إنفانتي تحت ضغط عائلته إلى أيسلا كريستينا (مقاطعة ولبة) كموثِّق عدل، وانسحب من العمل السياسي. تعرَّف إنفانتي على بعض أبناء الأندلس المسلمين، فقَرَّر إشهارَ إسلامه على أيديهم، ثم حاول بعد إسلامِه ربطَ الحركة الأندلسية بالحركات الإسلامية والعربية. وفي سنة 1930م انهارت الدكتاتورية، وأصبح إنفانتي يمجِّدُ التاريخ الإسلامي كأساسِ الهوية الأندلسية، ويطالِبُ الأندلسيين باستعادة الهوية والتاريخ والأرض، وبإزاحة هيمنة الكنيسة على الدولة، ويهاجِمُها على جرائمها في القضاء على الأندلسيين، فكان كل ذلك دافعًا لأعدائهم إلى رميهم بالاتهامات المتواصلة، فحُوربت الحركة من طرف اليمين واليسار على حدٍّ سواء. وفي يوم الأحد 2/8/1936م بعد 14 يومًا من انفجار الحرب الأهلية الأسبانية، هجمت فرقةٌ من الكتائب على إنفانتي في بيته دار الفرح بقورية، وساقته إلى إشبيلية، حيث سجنته وأعدمته رميًا بالرصاص يوم الاثنين 10/8/1936م، فمات وهو يصرخُ مرتين: عاشت الأندلس حرة!
لما توفِّي أبو حمير سبأ بن أحمد بن المظفر بن علي الصليحي سنة 495، وهو آخر الملوك الصليحيين الباطنية، أرسل المأمون البطائحي الرافضي وزير الفاطميين بمصر علي بن إبراهيم بن نجيب الدولة، فوصل إلى جبال اليمن سنة 513، وقام بأمر الدعوة والمملكة التي كانت بيد سبأ، وبقيَ ابن نجيب الدولة حتى أرسل الآمر الفاطمي وقبض عليه بعد سنة 520، فانتقل الملك والدعوة باليمن إلى آل الزريع بن العباس بن المكرم. وآل الزريع هم أهلُ عدن، وهم شيعةٌ إسماعيلية من همذان بن جشم، وهؤلاء بنو المكرم يعرفون بآل الذيب، وكانت عدن لزريع بن العباس بن المكرم، ولعمه مسعود بن المكرم، فقتلا على زبيد مع الملك المفضل، فولي بعدهما ولداهما، وهما أبو السعود بن زريع، وأبو الغارات ابن مسعود، وبقيا حتى ماتا، وولي بعدهما محمد بن أبي الغارات، ثم ولي بعده ابنه علي بن محمد بن أبي الغارات مقام علي بالدملوة، فمات بالسُّل، وملك بعده أخوه المعظم محمد بن سبأ، ثم ملك بعده ابنه عمران بن محمد بن سبأ، وكانت وفاة محمد بن سبأ سنه 548، ووفاة عمران بن محمد بن سبأ في شعبان سنة 560، وخلف عمران ولدين طفلين هما محمد وأبو السعود ابنا عمران. سنة 557 ظهر ابن مهدي واستولى على زبيد وأعمالها، ثم قويت شوكة ولده مهدي، وأغار على الجند وبواديها، وقَتَل من قتل في تلك النواحي، ثم أخذ جبال اليمن وقَتَل فيها قتلًا ذريعًا، وفي سنة 562 استولى على مخلاف الجند، وزالت على يد المهدي دولةُ آل زريع من المخلاف، ثم زال بقيةُ ملك آل زريع في اليمن على يد الأيوبيين.
غزا جعفر بن دينار الصائفةَ، فافتتح حصنا ومطأمير، واستأذنه عمر بن عبيد الله الأقطع في المسيرِ إلى بلاد الروم، فأذن له، فسار في خلقٍ كثير من أهل ملطيَّة، فلقيه الملِكُ في جمع عظيم من الروم بمرج الأسقف، فحاربَه محاربةً شديدةً قُتِلَ فيها من الفريقينِ خَلقٌ كثير، ثم أحاطت به الروم، وهم خمسون ألفًا، وقتل عمر وممَّن معه ألفان من المسلمين، فلما قُتِلَ عمر بن عبيد الله خرج الرومُ إلى الثغور الجزرية، وكلبوا عليها وعلى أموالِ المسلمين وحَرَمِهم، فبلغ ذلك علي بن يحيى وهو قافِلٌ من أرمينية إلى ميافارقين في جماعةٍ من أهلها ومن أهل السلسلة، فنفَرَ إليهم، فقُتِلَ في نحوٍ من أربعمائة رجلٍ
هو الصدر الأعظم زاده فاضل أحمد باشا ابن الصدر الأعظم محمد علي باشا كوبريلي رئيس الوزراء، وأحد رجالات الدولة العثمانية الكبار في القرن الحادي عشر الهجري، وأصغر من تولى رئاسة الوزراء في تاريخ الدولة العثمانية. توفي عن إحدى وأربعين سنة قضى منها خمس عشرة سنة في منصب الصدارة العظمى بكل أمانة وصدق سائرًا في ذلك على خطة والده محمد علي باشا, وتقلد منصب الصدارة بعده زوج أخته قرة مصطفى باشا، ولم يكن كفؤًا للسير في الطريق الذي رسمه كوبريلي الكبير وولده، بل اتبع مصلحته الذاتية وباع المناصب العالية والمعاهدات والامتيازات المجحفة بالدولة حالًا ومستقبلًا بدراهم معدودة.
هو أبو إسحاقَ محمَّد المعتَصِم بالله بن هارون الرَّشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ثامِنُ الخُلَفاءِ العباسيِّينَ، وُلِدَ سنة 179ه يوم الخميسِ لثماني عشرة مَضَت من ربيع الأول، بُويع بالخلافةِ يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلةً بَقِيَت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، وبعد ذلك بأيَّامٍ اجتمع جماعةٌ من الجند وشغَّبوا وتحدَّثوا في بيعةِ العبَّاسِ بنِ المأمونِ وأظهروا خلافَ المعتَصِم، ومَضَوا بأسْرِهم إلى مضارِبِ العبَّاسِ فخرج إليهم وقال لهم: أيَّ شيءٍ تُريدونَ منِّي؟ قالوا: نبايعُك بالخلافةِ، قال: أنا قد بايعتُ عمِّي ورَضيتُ به، وهو كبيرى وعندي بمنزلةِ المأمونِ، فانصرفوا خائبينَ، واستمَرَّت في عهدِه فِتنةُ القَولِ بخَلقِ القُرآن, وإنَّما حثَّ المعتَصِمَ على ذلك وحمَلَه على ما فعل به أحمَدُ بنُ أبى دؤادَ؛ لأنَّه كان معتزليًّا، وكان الإمامُ أحمدُ إمامَ السُّنَّة. وحين أحضَرَه المعتَصِم بين يديه سلَّم وتكلَّم بكلامٍ أعجب النَّاسَ، فالتَفَت المعتَصِمُ إلى ابنِ أبى دؤاد، وقال: ذكرتُم أنَّ الرجُلَ عامِّيٌّ، وأراه يذكُرُ بَيتًا قديمًا وشهد له كلُّ من حضر بأنَّه مِن سُراةِ بني شَيبانَ، ثمَّ قال: وذكَرْتُم لي أنَّه جاهِلٌ، وما أراه إلَّا مُعرِبًا فَصيحًا، فأكرَمَ الإمامَ أحمدَ. وكان الإمامُ أحمَدُ بنُ حنبل إلى أن مات يُثني على المعتَصِم ويذكُرُ فِعلَه به ويترحَّمُ عليه. غزا المعتَصِمُ مدينةَ عَمُّوريَّة، وهي من أعظَمِ مُدُنِ الرُّوم كالقُسطنطينيَّة لرَدِّ عدوانِ مَلِك الرومِ على المسلمينَ في زبطرة، فكانت غزوةً مشهورةً نصر اللهُ فيها الإسلامَ والمُسلِمينَ، وكان بدءُ عِلَّتِه أنَّه احتجم أوَّلَ يومٍ في المحَرَّم، واعتَلَّ عِندَها،وكانت خلافتُه ثماني سنينَ وثمانية أشهُر ويومين، وتوفِّيَ بمدينةِ سامِرَّاء.
لَمَّا توفِّيَ أبو القاسمِ بنُ مكرم صاحِبُ عُمان خلَّف أربعةَ بنينَ، وهم أبو الجيش، والمهذَّب، وأبو محمد، وآخرُ صغيرٌ، فوَلِيَ بعده ابنُه أبو الجيش، وأقَرَّ عليَّ بن هطال المنوجاني، صاحِبَ جيش أبيه، وكان المهذَّب، يَطعنُ على ابنِ هطال، وبلغه ذلك، فأضمَرَ له سوءًا، فجهَّزَ له مكيدةً وجعله يكتُبُ بخَطِّه ما أظهَرَه ابنُ هطال عند أبي الجيش، وقال له: إنَّ أخاك كان قد أفسد كثيرًا من أصحابِك عليك، وتحَدَّث معي، واستمالني فلم أوافِقْه؛ فلهذا كان يذمُّني، ويقع فيَّ، وهذا خَطُّه بما استقَرَّ- يعني من أنَّه سيمنَحُه الوَزارةَ وغَيرَها إن مَكَّنَه من الأمرِ- فلمَّا رأى خطَّ أخيه أمَرَه بالقبض عليه، ففعل ذلك واعتقَلَه، ثمَّ وضَعَ عليه من خنَقَه وألقى جُثَّتَه إلى مُنخَفضٍ مِن الأرض، وأظهَرَ أنَّه سقط فمات، ثم توفِّي أبو الجيشِ بعد ذلك بيسيرٍ، وأراد ابن هطال أن يأخُذَ أخاه أبا محمَّدٍ فيولِّيَه عمان ثمَّ يقتُلَه، فلم تُخرِجْه إليه والدتُه، وقالت له: أنت تتولَّى الأمور، وهذا صغيرٌ لا يَصلُحُ لها. ففعل ذلك، وأساء السِّيرةَ، وصادر التجَّار، وأخذ الأموالَ، وبلغ ما كان منه مع بني مكرم إلى المَلِك أبي كاليجار البويهي، والعادِل أبي منصور ابنِ مافنة، فأعظما الأمر واستكبَراه، وشَدَّ العادِلُ في الأمر، وكاتَبَ نائبًا كان لأبي القاسِمِ بنِ مكرم بجبالِ عُمان يُقالُ له المرتضى، وأمَرَه بقصد ابن هطال، وجَهَّز العساكِرَ مِن البصرة لتسيرَ إلى مساعدةِ المرتضى، فجمَعَ المرتضى الخَلقَ، وتسارعوا إليه وخرجوا عن طاعةِ ابن هطال، وضَعُف أمرُه، واستولى المرتضى على أكثَرِ البلاد، ثمَّ وضعوا خادمًا كان لابنِ مكرم، وقد التحَقَ بابنِ هطال؛ لقَتْلِه، وساعَدَه على ذلك فَرَّاش كان له، فلمَّا سمع العادل بقَتلِ ابن هطال سيَّرَ إلى عُمان من أخرج أبا محمد بن مكرم، ورتبَه في الإمارةِ، وكان قد استقَرَّ أنَّ الأمر لأبي محمد في هذه السَّنة.
كان المسلِمون في الهند قد قدَّموا مشروعاتٍ مِن أجل التقسيم؛ فمنهم من يرى الانقسامَ عن الهندوس، ومنهم من يرى البقاءَ وعدم التقسيم؛ لمصلحة الدعوة والأقليات، وكان محمد إقبال قد دعا إلى تشكيلِ دولة باكستان والانفصال عن الهندوس في 1356هـ، ولكنه توفِّيَ في العام التالي، ثم عُقِد مؤتمر السند الإقليمي للرابطة الإسلامية في كراتشي برئاسة محمد علي جناح، وقرر في شعبان 1357هـ / 10 أكتوبر 1938م أنَّه من الضروري تقسيم الهند إلى اتحادين: اتحاد للدول الإسلامية، وآخر للدول غير الإسلامية، ثم دعا حزب الرابطة إلى عقد مؤتمر في مدينة لاهور، وقد عُقِدَ المؤتمر وأقرَّت اللجنة العاملة للرابطة لعموم الهند في اجتماعها في صفر 1358هـ / 26 مارس 1939م تشكيلَ لجنة لدراسةِ المشروعات المقَدَّمة بشأن التقسيم والدستور، ومسألة حكم الأغلبية، ثمَّ عُقِدت اجتماعاتٌ للَّجنة العاملة ولمجلس الرابطة لعموم الهند في دلهي وجرت دراساتٌ جادة لمسألة تخصيص موطِنٍ منفصل للمسلمين، ثم تمَّ في الاجتماع الذي عقدته اللجنة العاملة في 12 صفر 1359هـ / 21 مارس 1940م تعيينُ لجنة خاصة لصياغة مشروعِ القرار الشهير بقرار لاهور، الذي طُرِحَ بعد يومينِ مِن التعيين المذكور، وفيه أنَّ المسلمين لن يقبَلوا بأيِّ خطة معدَّلة إلا إذا تم وضعُها بموافقتهم وإقرارهم ابتداءً، وأنَّه ما من خطة دستورية يمكِنُ أن تُقبَل إلَّا إذا أُعِدَّت وَفقَ مبادئ جوهرية يراها المسلمون، وفيه مسألةُ الدول المستقلة التي تتمتَّعُ الوحداتُ المكَوِّنة منها لها بحُكمٍ ذاتي وسيادة، وأن يتضَمَّن الدستور ضماناتٍ كافيةً مفوَّضًا بها من أجل الأقليات، وحيث يكون المسلمون أقليَّةً في إقليم يجِبُ أن يحَدَّد في الدستور ضماناتٌ كافية وفعَّالة ومفوَّض بها لحماية حقوقهم ومصالحهم الدينية، وأن يتسلَّمَ كُلُّ إقليم جميعَ السلطات، كالدفاع، والخارجية، والمواصلات، والجمارك، وبقية الأمور الضرورية الأخرى.