الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1276 ). زمن البحث بالثانية ( 0.011 )

العام الهجري : 437 العام الميلادي : 1045
تفاصيل الحدث:

أمر السُّلطانُ طغرلبك السلجوقيُّ أخاه إبراهيم ينال بالخروجِ إلى بلد الجَبَل وملكها، فسار إليها من كرمان، وقصد همذان، وبها كرشاسف بن علاء الدَّولة، ففارقها خوفًا، ودخلها ينال فمَلَكها، والتحَقَ كرشاسف بالأكراد الجوزقان، وكان أبو الشوك حينئذ بالدينورِ، فسار عنها إلى قرميسين خَوفًا وإشفاقًا مِنْ ينال، فقَوِيَ طَمَعُ ينال حينئذ في البلادِ، وسار الدينور فمَلَكَها ورتَّبَ أمورَها، وسار منها يطلُبُ قرميسين، فلما سَمِعَ أبو الشوك به سار إلى حلوان وترك بقرميسين مَن في عسكَرِه من الديلم، والأكراد الشاذنجان؛ ليمنعوها ويحفظوها، فقاتلوا ينال، فدفعوه عنها، فانصرف عنهم وعاد بحلله، فقاتلوه، فضَعُفوا عنه وعَجَزوا عن منعه، فملك ينال البلَدَ في رجب عَنوةً، وقتل من العساكر جماعةً كثيرة، وأخذ أموالَ مَن سَلِمَ مِن القتل، وسلاحِهَم، وطَرَدَهم، ولحقوا بأبي الشوك، ونهَبَ البلدَ وقتل وسبى كثيرًا مِن أهله، ولَمَّا سَمِعَ أبو الشوك ذلك سيَّرَ أهله وأمواله وسلاحَه من حلوان إلى قلعة السيروان، وأقام جريدة -الجريدة خَيْلٌ لا رَجَّالةَ فيها- في عسكَرِه، ثمَّ إنَّ ينال سار إلى الصيمرة في شعبان، فملكها ونهَبَها، وأوقع بالأكرادِ المجاورين لها من الجوزقان، فانهزموا، وكان كرشاسف بن علاء الدَّولة نازلًا عندهم، فسار هو وهم إلى بلدِ شِهابِ الدَّولة أبي الفوارس منصور بن الحسين، ثم إنَّ إبراهيم ينال سار إلى حلوان، وقد فارقها أبو الشوك، ولحِقَ بقلعة السيروان، فوصل إليها إبراهيمُ آخِرَ شعبان، وقد جلا أهلُها عنها، وتفَرَّقوا في البلاد، فنَهَبها وأحرَقَها، وأحرق دار أبي الشوك، وانصرف بعد أن اجتاحها ودرَسَها، وتوجَّه طائفةٌ مِن الغز إلى خانقين في أثَرِ جماعةٍ مِن أهل حلوان كانوا ساروا بأهليهم وأولادهم وأموالهم، فأدركوهم وظَفِروا بهم وغَنِموا ما معهم، وانتشر الغزُّ في تلك النواحي، فبلغوا مايدشت وما يليها، فنهبوها وأغاروا عليها.

العام الهجري : 539 العام الميلادي : 1144
تفاصيل الحدث:

هو أبو سَعيدٍ جقر بنُ يعقوبَ الهَمَذانيُّ الملَقَّبُ نصير الدين، كان نائِبَ عمادِ الدين زنكي صاحِبِ الجزيرةِ الفُراتيَّة والمَوصِل والشَّام، استنابه عنه بالمَوصِل، وكان جَبَّارًا عَسُوفًا سَفَّاكًا للدَّماءِ مُستَحِلًّا للأموالِ، كان المَلِكُ فروخشاه بن السُّلطانِ مَحمود السلجوقي المعروف بالخفاجي يطمَعُ في السَّلطَنةِ بعد السُّلطانِ مَسعود, وكان فروخشاه بالموصِل هذه السَّنةَ ونَصيرُ الدين جقر يَنزِلُ إليه كُلَّ يَومٍ يَخدمُه ويَقِفُ عنده ساعةً ثمَّ يعودُ, وكان جقر يعارِضُه ويُعانِدُه في مقاصِدِه، فحَسَّنَ المُفسِدونَ للمَلِك فروخشاه قَتْلَه وقالوا له إنَّك إنْ قَتَلْتَه مَلَكْتَ المَوصِلَ وغَيرَها ويَعجِزُ أتابك أن يقيمَ بين يديك ولا يَجتَمِع معه فارسانِ عليك، فوقع هذا في نفسِه وظَنَّه صَحيحًا، فلمَّا دخل نصير الدين إليه على عادَتِه وثَبَ عليه جماعةٌ مِن غِلمانِه فقَتَلوه وألقَوا رأسَه إلى أصحابِه؛ ظَنًّا منهم أنَّ أصحابَه إذا رأَوْا رأسَه تفَرَّقوا ويَملِكُ الملك فروخشاه البلادَ, وكان الأمرُ بخِلافِ ما ظَنُّوا؛ فإنَّ أصحابَه وأصحابَ أتابك زنكي الذين معه لَمَّا رأوا رأسَه قاتَلُوا مَن بالدَّارِ مع المَلِك، واجتمَعَ معهم الخَلقُ الكثيرُ، وكانت دولةُ أتابك مملوءةً بالرِّجالِ الأجلادِ ذَوي الرَّأي والتَّجربةِ، فلم يتغيَّرْ عليه بهذا الفَتقِ شَيءٌ, وكان في جُملةِ مَن حضر القاضي تاج الدين يحيى بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري أخو كمالِ الدِّين، فدخَلَ إلى المَلِك فروخشاه وخَدَعَه حتى أصعَدَه إلى القَلعةِ وهو يُحسِّنُ له الصُّعودَ إليها وحينئذٍ يستَقِرُّ له مِلكُ البَلدِ، فلمَّا صَعِدَ القلعةَ سَجَنوه بها وقُتِلَ الغِلمانُ الذين قَتَلوا النصير وأرسَلوا إلى أتابك يُعَرِّفونَه الحالَ، فسَكَنَ جأشُه واطمأنَّ قَلْبَه وأرسل زينُ الدين على بن بكتكين واليًا على قلعةِ المَوصِل، وكان كثيرَ الثقةِ به والاعتمادِ عليه، فسَلَكَ بالنَّاسِ غَيرَ الطَّريقِ التي سلَكَها النصير، وسَهَّلَ الأمرَ، فاطمأنَّ النَّاسَ وأَمِنوا وازدادت البلادُ معه عمارةً.

العام الهجري : 584 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1188
تفاصيل الحدث:

لَمَّا أقام صلاح الدين تحت حِصنِ الأكراد، أتاه قاضي جبلة، وهو منصورُ بن نبيل، يستدعيه إليها ليسَلِّمَها إليه، حمَلَتْه الغيرةُ للدينِ على قَصدِ السُّلطان، وتكَفَّل له بفتح جبلة واللاذقية والبلاد الشماليَّة، فسار صلاح الدين معه رابِعَ جمادى الأولى، فنزل بأنطرطوس سادسه، فرأى الفرنجَ قد أخلَوا المدينة، واحتموا في برجَينِ حَصينينِ، كلُّ واحد منهما قلعةٌ حصينةٌ ومَعقِلٌ منيع، فخرَّب المسلمونَ دُورَهم ومساكِنَهم وسورَ البلد، ونَهَبوا ما وجدوه من ذخائِرِهم، وكان الداوية بأحَدِ البرجين، فحصَرَهما صلاح الدين، فنزل إليه مَن في أحد البرجين بأمانٍ وسَلَّموه، فأمَّنَهم، وخرب البرجَ وألقى حجارتَه في البحر، وبَقِيَ الذي فيه الداوية لم يُسَلِّموه، فخَرَّب صلاح الدين ولاية أنطرطوس، ورحل عنها وأتى مرقية، وقد أخلاها أهلُها، ورحلوا عنها، وساروا إلى المرقب، وهو من حصونِهم التي لا تُرام، وهو للإسبتارية، فاجتاز المسلمونَ وعَبَروا المضيقَ ووصلوا إلى جبَلة ثامِنَ عشر جمادى الأولى. وتسَلَّمها وقت وصولِه، وكان قاضيها قد سبقَه إليها ودخلها. فلما وصل صلاح الدينِ رفَعَ أعلامَه على سورها وسلَّمَها إليه، وتحصَّنَ الفرنجُ الذين كانوا بها بحِصنِها، واحتَمَوا بقلعتها، فما زال قاضي جبَلة يُخَوِّفُهم ويُرَغِّبُهم، حتى استنزلهم بشَرطِ الأمان، وأن يأخُذَ رهائنَهم يكونون عنده إلى أن يُطلِقَ الفرنجُ رهائن المسلمين من أهلِ جبلة. وكان بيمند صاحِبُها قد أخذ رهائِنَ القاضي ومُسلمي جبلة، وتركهم عنده بأنطاكيَّةَ، فأخذ القاضي رهائِنَ الفرنج فأنزلهم عنده حتى أطلق بيمند رهائِنَ المسلمين فأطلق المسلمونَ رهائِنَ الفرنج، وجاء رؤساءُ أهل الجبل إلى صلاح الدين بطاعةِ أهله، وصار الطريقُ في هذا الوقت عليه من بلادِ الإسلام إلى العسكَرِ، وقرر صلاحُ الدين أحوالَ جَبَلة، وجعل فيها لحِفظِها الأميرَ سابق الدين عثمان بن الداية، صاحِبَ شيزر، وسار عنها.

العام الهجري : 585 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1189
تفاصيل الحدث:

خرج السلطانُ صلاح الدين الأيوبي من دمشق في ثالث ربيع الأول, ونازل لشقيف أرنون, وكان منزعجًا لقرب انقضاء الهدنة مع بيمند صاحِبِ أنطاكيةَ، ولاجتماع الفرنجِ بصور، واتِّصال الأمداد بهم، فكانت للمُسلمين مع الفرنجِ في بلادهم الساحليَّة عِدَّةُ وقائع، قُتِلَ فيها من الفريقين عِدَّةٌ، وكثُرَ القتل في المسلمين، واشتدت نكايةُ الفرنج فيهم، فرحل السلطانُ إلى عكا، وقد سبقه الفرنجُ ونزلوا عليها. ونزل السلطان بمرج عكا وصار محاصِرًا للفرنج، والفرنجُ محاصرين للبلد. وتلاحقت به العساكِرُ الإسلامية، والأمداد تصل إلى الفرنجِ مِن البحر. فلم يقدِر السلطانُ على الوصول إلى البلد، ولا استطاع أهلُ عكا أن يصلوا إلى السُّلطان. وشرع السلطانُ في قتال الفرنج من أول شعبان، إلى أن تمكَّنَ من عكا، ودخلها في ثانيه، فما زالت الحربُ قائمةً إلى رابع رمضان. فتحَوَّل إلى الخروبة، وأغلق مَن في عكا من المسلمين أبوابَها، وحفر الفرنج خندقًا على مُعسكَرِهم حول عكا من البحرِ إلى البحر، وأداروا حولهم سورًا مستورًا بالستائر، ورتَّبوا عليه الرجال، فامتنع وصولُ المسلمين إلى عكا. وقدم العادل بعسكرِ مِصرَ في نصف شوال، ثم قَدِمَ أسطول من مصر إلى عكا في خمسين قطعة، وعليه الحاجِبُ لؤلؤ في منتصف ذي القعدة، فبدَّدَ شمل مراكب الفرنج، وظفِرَ المسلمون بطستين- سفينتين كبيرتين- للفرنج. فاستظهر المسلمون الذين بعكا، وقَوِيَ جأشهم بالأسطول، وكانوا نحو العشرة آلاف. وبعث السلطان إلى الأطراف يحثُّ الناس على الجهاد، وأرسل إلى أخيه سيف الإسلام طغتكين باليمن، يطلب منه الإعانةَ بالمال، وإلى مظفَّر الدين قر أرسلان صاحب العجم، وكتب إلى الخليفة. ووصلت الأمدادُ إلى الفرنج، وورد الخبَرُ من حلب بخروج ملك الألمان من القسطنطينيَّة في عِدَّة عظيمة تتجاوز الألف ألف، يريدون البلاد الإسلاميَّة، فاشتد الأمرُ على السلطان ومَن معه من المسلمين.

العام الهجري : 595 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1198
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ الملك العزيز أبو الفتح عماد الدين عثمان  بن صلاح الدين يوسف بن أيوب، صاحب ديار مصر، وُلِدَ سنة 567، جمادى الأولى. وحدَّث عن أبي طاهر السِّلَفي، وابنِ عوف. قال الذهبي: "وتمَلَّك بعد أبيه، وكان لا بأسَ بسيرتِه، قَدمَ دمشق وحاصَرَ أخاه الأفضل. نَقَلْتُ من خط الضياء الحافظ، قال: خرجَ إلى الصيد، فجاءته كُتُبٌ مِن دمشق في أذيَّة أصحابِنا الحنابلةِ في فِتنةِ الحافظ عبد الغني المقدسي, فقال: إذا رَجَعْنا من هذه السَّفرةِ، كُلُّ مَن كان يقولُ بمقالتهم أخرجناه مِن بلَدِنا. قال: فرماه فَرَسٌ، ووقع عليه، فخسَف صَدرَه، كذا حدثني يوسف بن الطفيل، وهو الذي غسَّلَه"وقيل: كان سبب موته أنَّه خرج إلى الصيد، فوصل إلى الفيومِ متصَيِّدًا، فرأى ذئبًا فركَضَ فرَسَه في طَلَبِه، فعثر الفرسُ فسَقَطَ عنه في الأرض ولَحِقَته حُمَّى، فعاد إلى القاهرة مريضًا، فبَقِيَ كذلك إلى أن توفي،  عاش ثمانيًا وعشرين سنة، ومات في العشرين من المحرم، ودُفِنَ بقبة الشافعي, وأُقيمَ بعده ولدٌ له صبيٌّ, فلم يَتِمَّ له ذلك, وقيل: لَمَّا مات العزيز كان الغالِبُ على أمره مملوكَ والده فخر الدين جهاركس، وهو الحاكِمُ في بلده، فأحضَرَ إنسانًا كان عندهم من أصحابِ الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وأراه العزيزَ ميِّتًا، وسَيَّرَه إلى العادل وهو يحاصِرُ ماردين، ويستدعيه ليمَلِّكَه البلاد، وكان الأفضَلُ مُحَبَّبًا إلى الناس يريدونه، فراسله الأمراءُ مِن مِصرَ يَدعونَه إليهم ليُمَلِّكوه، فسار عن صرخد لليلتين بقيتا من صفر، متنكرًا في تسعة عشر نَفسًا؛ لأن البلادَ كانت للعادل، ويَضبِطُ نُوَّابُه الطرق؛ لئلَّا يجوز إلى مصرَ ليجيءَ العادِلُ ويَملِكَها، ثم دخل إلى القاهرة سابع ربيع الأول، وأصلَحَ الأمور، وقَرَّرَ القواعِدَ والمرجِعَ في جميع الأمور إلى سيف الدين يازكج.

العام الهجري : 609 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1212
تفاصيل الحدث:

انهزم الموحِّدون في وقعةِ العقاب أمام جيوشِ الأسبان من قشتالة وليون ونافار المتحالفة بقيادة ألفونسو الثامن ملك قشتالة، وهذه المعركة وقَعَت قُربَ حِصنِ العقاب في الخامسَ عشَر مِن صفر. لَمَّا انتهت الهدنة مع الفرنج، عبَرَ السلطان الناصر بجيوشه إلى إشبيلية, ثم تحرَّك في سنة 608 لجهادهم، فنازل حصنًا لهم فأخذه، فسار ألفونسو في أقاصي الممالك يستنفر عبَّاد الصليب، فاجتمَعَت له جيوش ما سُمِعَ بمِثلِها، ونجدته فرنج الشام، وعساكر القسطنطينية، وملك أرغن البرشلوني، واستنفر السلطانُ الناصر الناس، والتقى الجمعانِ في وقعة تُعرَف بالعقاب، بالقربِ من حصنِ سالم، فتحَمَّل ألفونسو حملةً شديدة، فهزم المسلمين، واستشهد خلقٌ كثير. وكان أكبر أسباب الكسرة غضبَ الجند من تأخُّر عطائهم، وخصوصًا في هذه السفرة، فنَسَبوا ذلك إلى الوزراء، وخرجوا وهم كارهون، فلم يَسُلُّوا سيفًا ولا شرعوا رمحًا ولا أخذوا في شيءٍ مِن أهبة القتال؛ بل انهزموا لأوَّلِ حَملةِ الإفرنج عليهم قاصدين لذلك. وثبت السلطانُ ثباتًا عظيمًا، وكانت الملحمة في صفر سنة 609، ورجع العدوُّ بغنائم لا توصف، وأخذوا بياسة عنوةً، فلما وجدها شبه خالية، حرق دورها وخرَّب مسجدها الكبير؛ ثم نزل ألفونسو على أبذة وقد اجتمع فيها من المسلمين عدد كثير من المنهزمة وأهل بياسة وأهل البلد نفسه، فأقام عليها ثلاثة عشر يومًا، ثم دخلها عَنوةً فقتل وسبى وغنم، وأخذ هو وأصحابه من السبيِ مِن النساء والصبيان ما مَلَؤوا به بلاد الروم قاطبة، فكانت هذه أشدَّ على المسلمين من الهزيمة, وقد ترتَّبَ على هذه الهزيمة انحسارُ المسلمين في الأندلس بغرناطة وتفكُّك وحدة الشمال الإفريقي، وقيام ثلاث دول إسلامية مغربية، هي دولة بني حفص شرقًا، ودولة بني زيان من بني عبد الواد بالمغرب الأقصى، ودولة بني مرين غربًا، فاستقَلَّت هذه الدولُ عن دولة الموحِّدين.

العام الهجري : 631 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1233
تفاصيل الحدث:

هو العلامة المتكلم أبو الحسن علي بن أبي علي ابن محمد بن سالم الثعلبي سيف الدين الآمدي، الحنبلي ثم الشافعي. الحموي الدمشقي، صاحبُ المصَنَّفات في الأصلين وغيرهما، ومن مصنفاته: " أبكار الأفكار في الكلام " و" دقائق الحقائق في الحكمة " و" إحكام الأحكام في أصول الفقه " ولد بعد 550 بيسيرٍ بآمد، وقرأ بها القراءات على الشيخ محمد الصفار، وعمار الآمدي. وحفظ "الهداية" في مذهب أحمد. كان حنبليَّ المذهب فصار شافعيًّا أشعريًّا أصوليًّا منطقيًّا جدليًّا خلافيًّا، وكان حسن الأخلاق، وقد تكَلَّموا فيه بأشياءَ اللهُ أعلم بصحتها، وقد كانت ملوك بني أيوب كالمعظَّم والكامل يُكرمونَه وإن كانوا لا يحبُّونه كثيرًا، وقد فوَّضَ إليه المعَظَّم تدريس العزيزية، فلما ولي الأشرفُ دمشق عزله عنها ونادى بالمدارس أن لا يشتغل أحدٌ بغير التفسير والحديث والفقه، ومن اشتغل بعلومِ الأوائل نفيتُه، فأقام الشيخ سيف الدين بمنزله إلى أن توفِّي بدمشق، ودُفِنَ بتربته بسفح قاسيون، وكان قد اشتغل ببغداد على أبي الفتح نصر بن فتيان بن المنى الحنبلي، ثم انتقل إلى مذهبِ الشافعي فأخذ عن ابن فضلان وغيره، وحَفِظَ طريقة الخلاف للشريف، وزوائد طريقة أسعد الميهني، ثم انتقل إلى الشام واشتغل بعلوم المعقول. قال الذهبي: "تفنَّنَ في علم النظر، والفلسفة وأكثَرَ من ذلك. وكان من أذكياءِ العالم, ثم دخل الديارَ المصرية وتصَدَّرَ بها لإقراء العقليات بالجامع الظافري. وأعاد بمدرسةِ الشافعي. وتخرَّج به جماعة. وصنَّف تصانيفَ عديدة. ثم قاموا عليه، ونسبوه إلى فساد العقيدة والانحلال والتعطيل والفلسفة. وكتبوا محضرًا بذلك. قال القاضي ابن خلكان: وضعوا خطوطَهم بما يستباحُ به الدم، فخرج مستخفيًا إلى الشام فاستوطن حماة" ثم تحوَّل إلى دمشق فدرس بالعزيزية، ثم عُزِلَ عنها ولزم بيته إلى أن مات، وله ثمانون عامًا- رحمه الله تعالى وعفا عنه.

العام الهجري : 694 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1295
تفاصيل الحدث:

لما استقرَّت الأمور لعلاء الدين في الدولة الخلجية بالهند بدأ يتَّجِهُ لشؤون الدولة الحربيَّة، ويعنى بالنواحي الاجتماعيَّة، وكان سلطانًا قويًّا طموحًا، نجح في دفع الخطر المغوليِّ عن بلاده، وقاد جنده في فتوحات متَّصلة، حتى أظلَّت راية الإسلام شبهَ القارة الهندية كلَّها لأول مرة في التاريخ. ولكي يدفَعَ هجمات المغول أقام سلسلةً من الحصون على حدوده الغربية، وزوَّدها بالجند والسلاح، ولكنَّ ذلك لم يحُلْ دون هجمات المغول على الهند، فتوالت حملاتُهم على الرغم مما كان يتكبَّدونه من خسائر على أيدي علاء الدين وقادته، مثلما حدث في سنة 698هـ ( 1298م) حين سار سلطانُ المغول قتلق خواجه على رأس قوات كثيفة، فتصَدَّى لها علاءُ الدين وقائداه ظفرخان وألج خان، وأنزلوا بالمغول هزيمةً قاصمة، لكنَّها لم تمنَعْهم من موالاةِ الهجوم مراتٍ أخرى حتى تمكَّن القائدُ غازي ملك تغلق من القضاء على خطر المغول تمامًا. وفي الوقت الذي كان فيه علاء الدين مشغولًا بالقضاء على هجمات المغول كان يعِدُّ الجيوشَ لاستكمال فتح الهند، فأرسل في سنة 699هـ (1299م) قائديه ألنخان ونصرت خان لفتح حصن رنتنبهور أعظَمِ حصونِ إقليم الراجبوتانا، فنجحا في مهمتهما بعد حروب دامية، ودخل الإقليمُ في طاعة علاء الدين الخلجي، ثم فتح إمارة موار، وكانت أمنَعَ إمارات الراجبوتانا بقلعتها الحصينة القائمةِ على قِمَّةِ جَبَلٍ منحوتةٍ في الصخر، ثم استولى على ملوة وأوجين ودهري نجري، ولم يكد يأتي عام 706 هـ (1306م) حتى كان علاء الدين الخلجي قد فتح الهنستان كلَّها من البنغال إلى البنجاب. وواصل علاء الدين فتوحاتِه، فأرسل قائدَه الحبشيَّ كافور، فاخترق أقاليمَ ملوة والكجرات، ثم أردف ذلك بجيش آخر يقوده أدلوغ خان، واستولى الجيشان على ديوكر، وتوالت انتصارات علاء الدين حتى تمكن من فتح الجنوب الهندي كلِّه.

العام الهجري : 698 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1299
تفاصيل الحدث:

قُتِلَ السلطانُ المَلِكُ المنصورُ حسام الدين لاجين ونائبُه سيف الدين منكوتمر، ليلةَ الجمعة حادي عشر ربيع الآخر، على يدِ الأمير سيف الدين كرجي الأشرفي ومَن وافقه من الأمراء، وذلك بحضورِ القاضي حسامِ الدين الحنفي وهو جالسٌ في خدمته يتحَدَّثان، وقيل كانا يلعبانِ بالشطرنج، فلم يشعُرا إلَّا وقد دخلوا عليهم فبادروا إلى السلطانِ بسُرعةٍ جَهرةً ليلةَ الجمعة فقَتَلوه وقُتِلَ نائبُه منكوتمر صبرًا صبيحة يوم الجمعةِ وألقِيَ على مزبلة، واتفق الأمراءُ على إعادة ابنِ أستاذهم المَلِك النَّاصر محمدِ بنِ قلاوون، فأرسلوا وراءَه، وكان بالكرك ونادَوا له بالقاهرة، وخُطِبَ له على المنابر قبل قدومِه، وجاءت الكتُبُ إلى نائِبِ الشامِ قبجق فوجدوه قد فَرَّ خَوفًا من غائلة لاجين، فسارت إليه البريديَّةُ فلم يدركوه إلا وقد لحِقَ بالمغول عند رأسِ العين، من أعمال ماردين، وتفارط الحالُ ولا قُوَّة إلَّا بالله، وكان سَبَبُ قتل لاجين ونائبه منكوتمر هو ما بدر منهما تجاهَ الأمراءِ؛ فإن لاجين كان قد حَلَف لهم يوم أن نَصَبوه سلطانًا بعد قتْلِه كتبغا أنَّه لن يولي منكوتمر شيئًا بل سيقَدِّمُهم فَهُم الأمراءُ, ولكِنَّ هذا ما لم يكُنْ، فقَدَّمَ مَملوكَه وجعَلَه نائبَه وأصبح يعتَقِلُ الأمراء ويقتُلُ بَعضَهم، حتى إنه في أسبوعٍ واحد قتل خمسةً مِن الأمراء، والذي لم يُقتَل أو يُعتَقَل أُبعِدَ في الولاياتِ السخيفةِ التي لا تليقُ بهم في الأماكِنِ البعيدة، وكُلُّ ذلك بتدبيرِ النائب منكوتمر؛ طمعًا منه أن يليَ السلطنة؛ لأنَّ لاجين لا ذريَّةَ له من الذكور، فأفعالُه تلك أوغَرَت عليه صدورَ الأمراء ممَّا حدا بهم إلى قتلِهما جميعًا، ثم كان دخولُ الملك الناصر إلى مصرَ يوم السبتِ رابِعَ جمادى الأولى، وكان يومًا مشهودًا، ودُقَّت البشائِرُ ودخل القضاةُ وأكابِرُ الدولة إلى القلعة، وبويع بحضرةِ عَلَم الدين أرجواش، وخُطِبَ له على المنابر بدِمشقَ وغيرها بحضرةِ أكابر العلماء والقُضاة والأُمراءِ.

العام الهجري : 872 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1467
تفاصيل الحدث:

في يوم الخميس التاسع عشر محرم ورد الخبَرُ بأن إقامة الحاج التي جهزت من القاهرة أُخِذَت عن آخرها، أخذها مبارك شيخ بني عقبة بمن كان معه من العرب، وأنه قتل جماعة ممن كان مع الإقامة المذكورة، منهم جارقطلو السيفي دولات باي أحد أمراء آخورية السلطان، فعظم ذلك على السلطان، وزاد توعُّكُه، وعلى الناس قاطبة، وضَرَّ أخذُ إقامة الحاج غايةَ الضرر، وأشرف غالبهم على الموت، فلما كان يوم الجمعة العشرين من المحرم وصل الحاج الرجبي، وعظيم من كان فيه زين الدين بن مزهر كاتب السر وأمير حاج الركب الأول سيباي، إلى بركة الحاج معًا، بعد أن قاست الحجاج أهوالًا وشدائد من عدم الميرة والعلوفة وقلَّة الظهر، ودخل نانق أمير الحاج من الغد، فلما كان يوم الاثنين الثالث والعشرين محرم عين السلطان الأميرَ أزبك رأس نوبة النوب الظاهري، والأمير جانبك حاجب الحجاب الأشرفي المعروف بقلقسيز، وصحبتهما أربعة من أمراء العشرات، وعدة مماليك من المماليك السلطانية؛ لقتال مبارك شيخ عرب بني عقبة ومن معه من الأعراب، وكتب السلطان أيضًا لنائب الكرك الأمير بلاط، ونائب غزة الأمير إينال الأشقر، بالمسير إلى جهة الأمير أزبك بعقبة أيلة، ومساعدته على قتال مبارك، وخرج الأميرُ أزبك بمن عيِّن معه من القاهرة في يوم الاثنين سابع صفر، وخرج نائب صفد، ونائب غزة أيضًا إلى جهة العقبة لقتال مبارك شيخ عرب بني عقبة، ووصل الخبَرُ بقدوم الأمير أزبك رأس نوبة النوب من تجريدة العقبة، بعد أن أمسك مباركًا شيخ بني عقبة، الذي قطع الطريقَ على إقامة الحجَّاج، ورسم بتسمير مبارك شيخ بني عقبة ورفقته، وكانوا أزيد من أربعين نفرًا، فسَمَّروا الجميع، وطِيفَ بهم الشوارع، ثم وسِّطوا- قتلوا- في آخر النهارِ عن آخِرِهم.

العام الهجري : 892 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1487
تفاصيل الحدث:

لما استخلص ملك قشتالة الملك فرديناند مدينة بلش سار بحملته نحو مدينة مالقة فنزل عليها وقاتلها قتالًا شديدًا وحاصرها حصارًا عظيمًا لم يُرَ مثلُه، وأحاط بها من كل جانب ومكان برًّا وبحرًا، فتحصن أهل مالقة ببلدهم وأظهروا ما كان عندهم ومعهم من السلاح والعدة والأنفاط، وكان فيهم جملة من نجدة الفرسان فقاتلوا الروم قتالًا شديدًا، وقتلوا منهم خلقًا كثيًرا، حتى إنه قُتل من الروم في يوم واحد اثنا عشر ألفًا وسبع مئة، ومع ذلك بقي العدو يفتح عليهم أبوابًا من الحرب والحيل، والمسلمون قائمون بحراسة بلدهم ويغلبون عدوهم ويقتلون من قَرُب إليهم منهم، وهم صابرون محتسبون مدة طويلة حتى ضيق عليهم العدو ودوَّر بالمدينة سورًا من تراب وسورًا من خشب وحفيرًا مانعًا، ومنع عليهم الداخل والخارج في البر، ومنع عليهم في البحر بالمراكب من الداخل والخارج، وشد عليهم في الحصار والقتال، وهم مع ذلك صابرون محتسبون يقاتلون أشد القتال ولا يظهرون جزعًا ولا هلعًا ولا يُطمعون العدوَّ في شيء مما يرومُه منهم، حتى نفد ما عندهم من الأطعمة والزاد وأكلوا ما كان عندهم من المواشي من خيل وبغال وحمير وكلاب وجلود وورق الشجر وغير ذلك من الأشياء التي يمكن أكلها، حتى فني ذلك كله، وأثَّر فيهم الجوع أثرًا عظيمًا ومات كثير من نجدة رجالهم الذين كانوا يوالون الحرب والقتال، فحينئذ أذعنوا وطلبوا الأمان فاحتال عليهم العدو حتى دخل البلد بمكرٍ ومكيدة وأسرهم كلَّهم وسبى نساءهم وأولادهم واحتوى على جميع أموالهم، وفرَّقهم على أهل دخلته وقواده، وكان مصابهم مصابًا عظيمًا تحزن له القلوب وتذهل له النفوس وتذوب، وتبكي مصابَهم العيون بالدماء, وكان استيلاء العدو على مدينة مالقة في أواخر شعبان من هذا العام, فحين خلصت للعدو مدينة مالقة وبلش وجميع الغربية ولم يبقَ في تلك النواحي للمسلمين موضع واحد، ارتحل الطاغية إلى بلده من قشتالة.

العام الهجري : 982 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1574
تفاصيل الحدث:

لما دخل الإسبان إلى تونس قاموا بإرجاع أحمد الحفصي، لكنهم اشترطوا عليه مقابِلَ ذلك أن يمنحَهم أراضيَ من تونس، فرفض ذلك فخلعوه وولَّوا أخاه محمدًا مكانه، وكان قد وافق على طلب الإسبان، فلجأ أحمد إلى صقلية ومات في باليرمو، أمَّا أخوه محمد فأدخل الإسبان إلى البلاد فشاركوه السلطةَ وكثُرَ الفساد وهرب أكثرُ الناس إلى الجبال، ولكنْ لم يلبث الأمرُ فيها أكثر من ثمانية أشهر، حتى أبحر الأسطولُ العثماني بقيادة سنان باشا وقلج علي في 23 محرم من هذه السنة, فخرج من المضائقِ ونشر أشرعتهَ في البحر الأبيض، فقاموا بضرب ساحلِ كالابريا، مسينا، واستطاع العثمانيون أن يستولوا على سفينة أوروبية، ومن هناك قطعوا عرض البحر في خمسةِ أيام، في هذا الوقت وصل الحاكمُ العثماني في تونس حيدر باشا، كما وصلت قوةٌ من الجزائريين بقيادة رمضان باشا، وقوةُ طرابلس بقيادة مصطفى باشا، كما وصل ثمةَ متطوعين من مصر، بدأ القتال في ربيع أول من هذه السنة, ونجح العثمانيون في الاستيلاء على حلق الواد، بعد أن حوصِرَ الإسبان حصارًا محكمًا، وقامت قوات أخرى بمحاصرة مدينة تونس، ففَرَّ الإسبان الموجودون فيها ومعهم الملك الحفصي محمد بن الحسن إلى البستيون التي بالغ الإسبان في تحصينها وجعلوه من أمنع الحصون في الشمال الإفريقي، توجه العثمانيون بعد تجمُّع قواتهم إلى حصار البستيون، وضيَّق العثمانيون الخناقَ على أهلها من كل ناحية, فلجأ الحفصيون إلى صقليةَ حيث ظلوا يوالون الدسائسَ والمؤامرات والتضرعات لملوك إسبانيا سعيًا لاسترداد مُلكهم، واتخذهم الإسبان آلاتٍ طيِّعةً تخدمُ بها مآربَهم السياسية حسَبَما تمليه الظروفُ عليهم، وقضى سقوط تونس بيد العثمانيين على الآمال الإسبانية في إفريقيا، وضَعُفت سيطرتها تدريجيًّا حتى اقتصرت على بعض الموانئ، مثل مليلة ووهران والمرسى الكبير، وتبدد حلمُ الإسبان نحو إقامة دولة إسبانية في شمال إفريقيا وضاع بين الرمال.

العام الهجري : 1004 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1596
تفاصيل الحدث:

لما توفِّيَ الغالب بالله، قام بالأمر بعده ابنه المتوكِّلُ، فقبض على أخيه الناصر فاعتقله، فلم يزل معتقلًا عنده سائِرَ أيامه، إلى أن قَدِمَ عبد الملك المعتصم بجيشِ الترك وانتزع المُلكَ من يد ابن أخيه المتوكِّل، فسرَّح الناصر من اعتقالِه وأحسن إليه، فلم يزل عنده في أرغَدِ عيش إلى أن توفِّيَ المعتصم يوم وادي المخازن، وأفضى الأمر إلى أحمد المنصور، ففرَّ الناصر إلى آصيلا، وكانت للنصارى يومئذٍ، ثم عبر البحرَ منها إلى الأندلس، فكان عند طاغية قشتالة مدةً طويلةً إلى أن سرَّحه الطاغية إلى المغرب؛ بقصد تفريق كلمة المسلمين وإحداثِ الشِّقاقِ بينهم، فخرج الناصر بمليلية ونزل بها لثلاث مضت من شعبان سنة 1003 وتسامعت به الغوغاء والطَّغامُ من أهل تلك البلاد، فأقبلوا إليه يَزِفُّون، فكثرت جموعُه وتوفَّرت جيوشُه، واهتزَّ المغرِبُ بأسره لذلك، ثم إنَّ الناصر خرج من مليلية قاصدًا تازا فدخلها واستولى عليها، ونزعت إليه القبائلُ المجاورة لها كالبرانس وغيرهم، فتألَّبوا عليه وتمالؤوا على إعزازِه ونصرِه، ولَمَّا دخل تازا طالَبَ أهلَها بالمُكس، وقال لهم: إن النصارى يغرمون حتى على البيضِ، ولما سمع المنصورُ بخبره أقلقه ذلك وتخوَّف منه غاية الخوف؛ لأنَّ الناصر اهتَزَّ المغرب لقيامه وتشوَّفت النفوس إليه؛ لميل القلوب عن المنصور؛ لشدَّة وطأته واعتسافه للرعية، فبعث إليه جيشًا وافرًا، فهزمهم الناصر واستفحل أمرُه وتمكَّن ناموسه من القلوبِ، فأمر المنصور وليَّ عهده المأمون بمنازلته، فخرج إليه من فاس في تعبئة حسنة وهيئة تامة، فلما التقى الجمعان كانت الدائرة على الناصر بالموضع المعروف بالحاجبِ، وفَرَّ على وجهه فاحتَلَّ بالجاية بلدةً من عمل بلاد الزبيب، فلحق به وليُّ العهد فلم يزل في مقاتلته إلى أن قَبَض عليه فقطع رأسَه، وبعث به إلى مراكش، وكان ذلك سنة 1005 وقيل سنة 1004 يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان، وهو الأصح.

العام الهجري : 1116 العام الميلادي : 1704
تفاصيل الحدث:

جهز إبراهيم الشريف باي تونس مراكب صغارًا للغزو في سبيل الله، فغَنِمت إحداها غنيمةً بها ثلاثون نصرانيًّا وعدة صناديق بها أموال جزيلة، فدخلوا طرابلس فأحضرها خليل باي الجزائر بين يديه واغتصب منها أحد عشر نصرانيًّا واحتاط على الأموال بأسرها، فلم يُبقِ منها ولم يذرْ، واغتصب عدة صناديق بها آلات حرب وطردهم، فلما علم بذلك إبراهيم الشريف ورأى تجرؤَ خليل جمع جموعه ونصب ديوانًا في شأن تعدي خليل، فكان اتفاق الديوان على المدافعة والذب عن المال، فتجهز إبراهيم الشريف للخروج على طرابلس لمقاتلة خليل باي، فقدم قهواجي عثمان من الجزائر يحرضه على النهوض لطرابلس، وأرسل عساكر الجزائر مركبين لإبراهيم الشريف يطلبون منه الميرة؛ لقحط بلادهم تلك السنة، فتعلل إبراهيم الشريف باشتغاله بالسفر وعدم حصول الذخيرة، وأرسل لهم مائتي قنطار بشماطا، فلما جاءهم ذلك جمعوا ديوانًا، وقال حاكمهم: ألا ترون إلى إبراهيم الشريف يعطي القمح للنصارى ويمنع المسلمين، فما يريد إلا توهين عساكر الجزائر ليتقوى عليها، فخرج إبراهيم الشريف إلى طرابلس في العشر الأواخر من جمادى الآخرة من هذه السنة، فالتقى الجمعان في الثاني عشر من شعبان, فلم تكن إلا ساعة وانهزم خليل باي وأُخِذ منه مِدفَعا نحاس وثماني رايات وبغلان محملان مالًا، ومات من قوم خليل أزيد من ألف نفس وأُسر منه مثلُها، وفر خليل هاربًا فتبعته خيول إبراهيم الشريف فتنكر ودخل المدينة خائفًا من قومه حيث أوردهم هذه الموارد وما فعل بأهاليهم، ومكث إبراهيم محاصرًا لهم فضايق البلد أشدَّ مضايقة فطلبوا العفوَ وبذلوا المال، فأبى وامتنع، فتجدَّدت الحرب بين الفريقين ولم يزل متماديًا حتى قام الطاعون في المحلة ومات منها خلق كثير وفرَّ عنه العرب.

العام الهجري : 549 العام الميلادي : 1154
تفاصيل الحدث:

سُئِلَ شَيخُ الإسلامِ ابنِ تَيميَّةَ عن المَشهَدِ المَنسوبِ إلى الحُسينِ رضي الله عنه بمَدينةِ القاهرةِ:هل هو صَحيحٌ أم لا؟ وهل حُمِلَ رَأسُ الحُسينِ إلى دِمشقَ، ثم إلى مصر، أم حُمِلَ إلى المَدينَةِ من جِهَةِ العِراقِ؟ وهل لِمَا يَذكُرهُ بعضُ الناسِ مِن جِهَةِ المَشهَدِ الذي كان بعَسقلان صِحَّةٌ أم لا؟ ومَن ذَكَرَ أَمرَ رَأسِ الحُسينِ، ونَقْلِه إلى المَدينةِ النَّبويَّةِ دون الشامِ ومصر؟ ومَن جَزَمَ مِن العُلماءِ المُتقدِّمينَ والمُتأخِّرينَ بأن مَشهدَ عَسقلانَ ومَشهدَ القاهرةِ مَكذوبٌ، وليس بصَحيحٍ؟ وليَبسُطوا القَولَ في ذلك لأَجلِ مَسِيسِ الضَّرورَةِ والحاجةِ إليه، مُثابِينَ مَأجُورِينَ. فأجاب: "الحمدُ لله، بل المَشهدُ المَنسوبُ إلى الحُسينِ بنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما الذي بالقاهرةِ كَذِبٌ مُختَلقٌ، بلا نِزاعٍ بين العُلماءِ المَعروفِينَ عند أَهلِ العِلمِ، الذين يَرجِع إليهم المسلمون في مِثلِ ذلك لِعِلْمِهِم وصِدْقِهم. ولا يُعرَف عن عالِمٍ مُسَمَّى مُعروفٌ بعِلْمٍ وصِدْقٍ أنه قال: إن هذا المَشهدَ صَحيحٌ. وإنما يَذكرُه بعضُ الناسِ قَوْلًا عمَّن لا يُعرَف، على عادةِ مَن يَحكِي مَقالاتِ الرَّافِضَةِ وأَمثالِهم مِن أَهلِ الكَذِب. فإنهم يَنقُلونَ أَحاديثَ وحِكاياتٍ، ويَذكُرون مَذاهِبَ ومَقالاتٍ. وإذا طالَبتَهُم بمَن قال ذلك ونَقَلَهُ، لم يكُن لهم عِصمَةٌ يَرجِعُون إليها. ولم يُسَمُّوا أَحَدًا مَعروفًا بالصِّدقِ في نَقلِه، ولا بالعِلمِ في قَولِه، بل غايةُ ما يَعتَمِدون عليه أن يقولوا: أَجمَعَت الطائِفَةُ الحَقَّةُ. وهُم عند أَنفُسِهم الطائِفةُ الحَقَّة، الذين هم عند أَنفُسِهم المؤمنين، وسائرُ الأُمَّةِ سِواهُم كُفَّارٌ. وهكذا كلُّ ما يَنقُلونَه من هذا البابِ. يَنقُلون سِيَرًا أو حِكاياتٍ وأَحاديثَ، إذا ما طالَبتَهُم بإسنادِها لم يُحيلُوكَ على رَجُلٍ مَعروفٍ بالصِّدقِ، بل حَسْبُ أَحَدِهم أن يكون سَمِعَ ذلك مِن آخرَ مِثلِه، أو قَرأَهُ في كِتابٍ ليس فيه إسنادٌ مَعروفٌ، وإن سَمُّوا أَحَدًا، كان من المَشهُورِين بالكَذِبِ والبُهتان. لا يُتَصَوَّر قَطُّ أن يَنقُلوا شيئًا مما لا يُعرَف عند عُلماءِ السُّنَّةِ إلا وهو عن مَجهولٍ لا يُعرَف، أو عن مَعروفٍ بالكَذِب. ومن هذا البابِ نَقْلُ الناقلِ: أن هذا القَبرَ الذي بالقاهرةِ مَشهدُ الحُسينِ رضي الله عنه؛ بل وكذلك مَشاهدُ غيرُ هذا مُضافَةٌ إلى قَبرِ الحُسينِ رضي الله عنه، فإنه مَعلومٌ باتِّفاقِ الناسِ: أن هذا المَشهدَ بُنِيَ عامَ بِضعٍ وأربعين وخمسمائة، وأنه نُقِلَ مِن مَشهدٍ بعَسقلانَ، وأن ذلك المَشهدَ بعَسقلانَ كان قد أُحدِثَ بعدَ التِّسعين والأربعمائة. فأَصلُ هذا المَشهدِ القاهريِّ: هو ذلك المَشهدُ العَسقلانيُّ. وذلك العَسقلانيُّ مُحْدَثٌ بعدَ مَقتلِ الحُسينِ بأَكثرَ من أربعمائة وثلاثين سَنَةً، وهذا القاهريُّ مُحْدَثٌ بعدَ مَقتَلِه بقَريبٍ من خمسمائة سَنَةٍ. وهذا مما لم يُتنازَع فيه اثنان ممَّن تَكلَّم في هذا البابِ من أَهلِ العِلمِ، على اختِلافِ أَصنافِهم، كأَهلِ الحَديثِ، ومُصَنِّفِي أَخبارِ القاهرةِ، ومُصَنِّفِي التَّواريخِ. وما نَقَلَهُ أَهلُ العِلمِ طَبقَةٌ عن طَبقَةٍ. فمِثلُ هذا مُستَفيضٌ عندهم. وهذا بينهم مَشهورٌ مُتَواتِرٌ، سَواءٌ قِيلَ: إن إضافَتَهُ إلى الحُسينِ صِدقٌ أو كَذِبٌ، لم يَتَنازَعوا أنه نُقِلَ من عَسقلانَ في أواخرِ الدولةِ العُبيديَّةِ. وإذا كان أَصلُ هذا المَشهدِ القاهريِّ مَنقولٌ عن ذلك المَشهدِ العَسقلانيِّ باتِّفاقِ الناسِ وبالنَّقْلِ المُتَواتِر؛ فمن المَعلومِ أن قَولَ القائلِ: إن ذلك الذي بعَسقلانَ هو مَبْنِيٌّ على رَأسِ الحُسينِ رضي الله عنه قَوْلٌ بلا حُجَّةٍ أَصلًا. فإن هذا لم يَنقُلهُ أَحَدٌ من أَهلِ العِلمِ الذين مِن شَأنِهم نَقلُ هذا. لا من أَهلِ الحَديثِ، ولا من عُلماءِ الأَخبارِ والتَّواريخِ، ولا من العُلماءِ المُصَنِّفين في النَّسَبِ؛ نَسَبِ قُريشٍ، أو نَسَبِ بَنِي هاشِمٍ ونَحوِه. وذلك المَشهدُ العَسقلانيُّ، أُحدِثَ في آخِرِ المائةِ الخامسةِ، لم يكُن قَديمًا، ولا كان هناك مَكانٌ قَبلَه أو نَحوَه مُضافٌ إلى الحُسينِ، ولا حَجَرٌ مَنقوشٌ ولا نَحوُه ممَّا يُقالُ: إنه عَلامةٌ على ذلك. فتَبَيَّنَ بذلك أن إِضافةَ مِثلِ هذا إلى الحُسينِ قَوْلٌ بلا عِلمٍ أصلًا. وليس مِن قائِلٍ ذلك ما يَصلُح أن يكون مُعتَمَدًا، لا نَقْلٌ صَحيحٌ ولا ضَعيفٌ، بل لا فَرقَ بين ذلك وبين أن يَجيءَ الرَّجلُ إلى بَعضِ القُبورِ التي بأَحَدِ أَمصارِ المسلمين، فيَدَّعِي أن في واحدٍ منها رَأسَ الحُسينِ، أو يَدَّعِي أن هذا قَبرُ نَبِيٍّ من الأَنبياءِ، أو نحوَ ذلك ممَّا يَدَّعِيهِ كَثيرٌ من أَهلِ الكَذِبِ والضَّلالِ. وإذا كان ذلك المَشهدُ العَسقلانيُّ قد قال طائفةٌ: إنه قَبرُ بَعضِ النَّصارَى، أو بَعضِ الحَواريِّينَ –وليس مَعَنَا ما يَدُلُّ على أنه قَبرُ مُسلِمٍ، فَضلًا عن أن يكون قَبرًا لرَأسِ الحُسينِ- كان قَولُ مَن قال: إنه قَبرُ مُسلِمٍ –الحُسينِ أو غَيرِه- قَوْلًا زُورًا وكَذِبًا مَردودًا على قائلِه. فهذا كافٍ في المَنْعِ مِن أن يُقال: هذا مَشهدُ الحُسينِ. ثم نقول: بل نحن نَعلَم ونَجزِم بأنه ليس فيه رَأسُ الحُسينِ، ولا كان ذلك المَشهدُ العَسقلانيُّ مَشهَدًا للحُسينِ، من وُجُوهٍ مُتعدِّدَةٍ: منها: أنه لو كان رَأسُ الحُسينِ هناك لم يَتأَخَّر كَشْفُه وإِظهارُه إلى ما بعدَ مَقتَلِ الحُسينِ بأكثرَ من أربعمائة سَنَةٍ. ودَولةُ بَنِي أُمَيَّة انقَرَضَت قبلَ ظُهورِ ذلك بأَكثرَ من ثلاثمائة وبِضعٍ وخمسين سَنَةً. وقد جاءت خِلافَةُ بني العبَّاسِ وظَهَرَ في أَثنائِها من المَشاهِدِ بالعِراقِ وغَيرِ العِراقِ ما كان كَثيرٌ منها كَذِبًا. وكانوا عند مَقتَلِ الحُسينِ بكَربَلاء قد بَنوا هناك مَشهدًا. وكان يَنتابُه أُمراءُ عُظماءُ، حتى أَنكرَ ذلك عليهم الأئمَّةُ. وحتى إن المُتوَكِّل لمَّا تَقدَّموا له بأَشياءَ يُقال: إنه بالَغَ في إِنكارِ ذلك وزادَ على الواجبِ. دَعْ خِلافةَ بَنِي العبَّاسِ في أَوائلِها، وفي حالِ استِقامَتِها، فإنهم حينئذٍ لم يكونوا يُعَظِّمونَ المَشاهِدَ، سَواءٌ منها ما كان صِدقًا أو كَذِبًا، كما حَدَثَ فيما بعدُ؛ لأن الإسلامَ كان حينئذٍ ما يَزالُ في قُوَّتِه وعُنفُوانِه. ولم يكُن على عَهدِ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ وتابِعيهم من ذلك شيءٌ في بِلادِ الإسلامِ، لا في الحِجازِ، ولا اليَمنِ، ولا الشامِ، ولا العِراقِ، ولا مصر، ولا خُراسان، ولا المَغربِ، ولم يكُن قد أُحدِثَ مَشهدٌ، لا على قَبرِ نَبِيٍّ، ولا صاحِبٍ، ولا أَحَدٍ من أَهلِ البيتِ، ولا صالِحٍ أَصلًا، بل عامَّةُ هذه المَشاهِدِ مُحْدَثَةٌ بعدَ ذلك. وكان ظُهورُها وانتِشارُها حينَ ضَعُفَت خِلافةُ بني العبَّاسِ، وتَفَرَّقَت الأُمَّةُ، وكَثُرَ فيهم الزَّنادِقَةُ المُلَبِّسُونَ على المسلمين، وفَشَت فيهم كَلِمةُ أَهلِ البِدَعِ، وذلك في دَولةِ المُقتَدِر في أَواخرِ المائَةِ الثالثةِ، فإنه إذ ذاك ظَهَرَت القَرامِطَةُ العُبيدِيَّةُ القَدَّاحِيَّة بأَرضِ المَغربِ. ثم جاؤوا بعدَ ذلك إلى أَرضِ مصر. فإذا كان مع كلِّ هذا لم يَظهَر حتى مَشهدٌ للحُسينِ بعَسقلانَ، مع العِلمِ بأنه لو كان رَأسُه بعَسقلانَ لكان المُتقَدِّمون من هؤلاءِ أَعلمَ بذلك من المُتأخِّرين، فإذا كان مع تَوَفُّرِ الهِمَمِ والدَّواعِي والتَّمَكُّنِ والقُدرَةِ لم يَظهَر ذلك، عُلِمَ أنه باطِلٌ مَكذوبٌ، مِثلُ ما يَدَّعِي أنه شَريفٌ عَلَوِيٌّ. وقد عُلِمَ أنه لم يَدَّعِ هذا أَحَدٌ من أَجدادِه، مع حِرصِهِم على ذلك لو كان صَحيحًا، فإنه بهذا يُعلَم كَذِبُ هذا المُدَّعِي، الوجهُ الثاني: أن الذين جَمَعوا أَخبارَ الحُسينِ ومَقتَلِهِ مِثلُ أبي بكرِ بن أبي الدنيا، وأبي القاسمِ البَغَويِّ وغَيرِهما لم يَذكُر أَحَدٌ منهم أن الرَّأسَ حُمِلَ إلى عَسقلانَ ولا إلى القاهرةِ. وقد ذَكَرَ نحوَ ذلك أبو الخَطَّابِ بنُ دُحيةَ في كِتابِه المُلَقَّب بـ ((العلم المشهور في فضائل الأيام والشهور)) ذَكَرَ أن الذين صَنَّفُوا في مَقتَلِ الحُسينِ أَجمَعوا أن الرَّأسَ لم يَغتَرِب، وذَكَرَ هذا بعدَ أن ذَكَرَ أن المَشهَدَ الذي بالقاهرةِ كَذِبٌ مُختَلَق، وأنه لا أَصلَ له، وبَسَطَ القَولَ في ذلك، كما ذَكَرَ في يومِ عاشُوراءَ ما يَتَعلَّق بذلك. الوجهُ الثالث: أن الذي ذَكَرَهُ مَن يُعتَمَد عليه مِن العُلماءِ والمُؤرِّخين: أن الرَّأسَ حُمِلَ إلى المَدينةِ، ودُفِنَ عند أَخيهِ الحَسَنِ. ومن الَمعلوم: أن الزُّبيرَ بنَ بَكَّارٍ، صاحِبَ كتابِ ((الأنساب)) ومحمدَ بنَ سَعدٍ كاتِبَ الواقِديِّ صاحِبَ ((الطبقات))، ونَحوَهُما مِن المَعروفين بالعِلمِ والثِّقَةِ والاطِّلاعِ، أَعلمُ بهذا البابِ، وأَصدَقُ فيما يَنقُلونَه من الجاهِلين والكَذَّابين، ومِن بَعضِ أَهلِ التَّواريخِ الذين لا يُوثَق بِعِلْمِهِم ولا صِدْقِهِم، بل قد يكون الرَّجلُ صادِقًا، ولكن لا خِبرةَ له بالأَسانيدِ حتى يُمَيِّزَ بين المَقبولِ والمَردودِ، أو يكون سَيِّءَ الحِفْظِ أو مُتَّهَمًا بالكَذِبِ أو بالتَّزَيُّدِ في الرِّوايَةِ، كحالِ كَثيرٍ من الإخبارِيِّين والمُؤَرِّخين، لا سيما إذا كان مِثلَ أبي مِخنَفٍ لُوطِ بنِ يحيى وأَمثالِه. ومَعلومٌ أن الواقِديَّ نَفسَهُ خَيرٌ عند الناسِ من مِثلِ هِشامِ بنِ الكلبيِّ، وأَبيهِ محمدِ بنِ السائبِ وأَمثالِهِما، وقد عُلِمَ كَلامُ الناسِ في الواقديِّ، فإن ما يَذكُرهُ هو وأَمثالُه إنما يُعتَضَدُ به، ويُستَأنسُ به، وأما الاعتِمادُ عليه بمُجرَّدِهِ في العِلمِ فهذا لا يَصلُح. فإذا كان المُعتَمد عليهم يَذكُرون أن رأسَ الحُسينِ دُفِنَ بالمَدينةِ، وقد ذَكَرَ غَيرُهم أنه إما أن يكون قد عادَ إلى البَدَنِ، فدُفِنَ معه بكَربَلاء، وإما أنه دُفِنَ بحَلَب، أو بدِمشق أو نحوَ ذلك من الأَقوالِ التي لا أَصلَ لها، ولم يَذكُر أَحَدٌ ممَّن يُعتَمَد عليه أنه بعَسقلانَ – عُلِمَ أن ذلك باطِلٌ، إذ يُمتَنَع أن يكون أَهلُ العِلمِ والصِّدقِ على الباطلِ، وأَهلُ الجَهلِ والكَذِبِ على الحَقِّ في الأُمورِ النَّقلِيَّةِ، التي إنما تُؤخَذ عن أَهلِ العِلمِ والصِّدقِ، لا عن أَهلِ الجَهلِ والكَذِبِ. الوجهُ الرابع: أن الذي ثَبَتَ في صَحيحِ البُخاريِّ: أن الرَّأسَ حُمِلَ إلى قُدَّامِ عُبيدِ الله بن زِيادٍ، وجَعَلَ يَنكُت بالقَضيبِ على ثَناياهُ بحَضرَةِ أَنسِ بنِ مالكٍ، وفي المُسنَدِ: أن ذلك كان بحَضرَةِ يَزيدَ بنِ مُعاوِيةَ. وهذا باطِلٌ. فإن أبا بَرزَةَ، وأَنسَ بنَ مالكٍ كانا بالعِراقِ، لم يكُونَا بالشامِ، ويَزيدُ بن مُعاوِيةَ كان بالشامِ، لم يكُن بالعِراقِ حِينَ مَقتلِ الحُسينِ، فمَن نَقَلَ أنه نَكَتَ بالقَضيبِ ثَناياهُ بحَضرَةِ أَنسٍ وأبي بَرزَةَ قُدَّامَ يَزيدَ فهو كاذِبٌ قَطْعًا، كَذِبًا مَعلومًا بالنَّقلِ المُتواتِرِ. ومَعلومٌ بالنَّقلِ المُتَواتِرِ: أن عُبيدَ الله بنَ زيادٍ كان هو أَميرُ العِراقِ حين مَقتلِ الحُسينِ، وقد ثَبَتَ بالنَّقلِ الصَّحيحِ: أنه هو الذي أَرسلَ عُمرَ بنَ سعدِ بن أبي وَقَّاصٍ مُقَدَّمًا على الطائفَةِ التي قاتَلَت الحُسينَ، وكان عُمَرُ قد امتَنَع من ذلك، فأَرغَبَهُ ابنُ زيادٍ وأَرهَبَهُ حتى فَعَلَ ما فَعَلَ. والمَقصودُ هنا أن نَقْلَ رَأسِ الحُسينِ إلى الشامِ لا أَصلَ له زَمَنَ يَزيدَ. فكيف بِنَقْلِه بعدَ زَمَنِ يَزيدَ؟ وإنما الثابتُ هو نَقْلُه من كَربَلاء إلى أَميرِ العِراقِ عُبيدِ الله بن زيادٍ بالكُوفةِ. والذي ذَكَرَ العُلماءُ: أنه دُفِنَ بالمَدينَةِ. الوجهُ الخامس: أنه لو قُدِّرَ أنه حُمِلَ إلى يَزيدَ، فأيُّ غَرَضٍ كان لهم في دَفنِه بعَسقلانَ، وكانت إذ ذاكَ ثَغْرَةً يُقيمُ به المُرابِطون؟ فإن كان قَصْدُهُم تَعْفِيَةَ خَبَرِهِ فمِثلُ عَسقلانَ تُظهِرُهُ لكَثرَةِ مَن يَنتابُها للرِّباطِ. وإن كان قَصْدُهُم بَركَةَ البُقعَةِ فكيف يَقصِدُ هذا مَن يُقال: إنه عَدُوٌّ له، مُسْتَحِلٌّ لِدَمِهِ، ساعٍ في قَتْلِه؟! ثم مِن المَعلومِ: أن دَفْنَهُ قَريبًا عندَ أُمِّهِ وأَخيهِ بالبَقيعِ أَفضلُ له. الوجهُ السادس: أن دَفْنَهُ بالبَقيعِ هو الذي تَشهَدُ له عادَةُ القَومِ. فإنهم كانوا في الفِتَنِ، إذا قَتَلوا الرَّجُلَ -لم يكُن منهم- سَلَّمُوا رَأسَهُ وبَدَنَهُ إلى أَهلِه، الوجهُ السابع: أنه لم يُعرَف قَطُّ أن أَحَدًا، لا مِن أَهلِ السُّنَّةِ، ولا من الشِّيعَةِ، كان يَنتابُ ناحِيةَ عَسقلانَ لأَجلِ رَأسِ الحُسينِ، ولا يَزورونَهُ ولا يَأتونَهُ. كما أن الناسَ لم يكونوا يَنتابون الأَماكِنَ التي تُضافُ إلى الرَّأسِ في هذا الوَقتِ، كمَوضِعٍ بحَلَب. فإذا كانت تلك البِقاعُ لم يكُن الناسُ يَنتابونَها ولا يَقصِدونَها، وإنما كانوا يَنتابون كَربَلاء؛ لأن البَدَنَ هناك، كان هذا دَليلًا على أن الناسَ فيما مضى لم يكونوا يَعرِفون أن الرَّأسَ في شَيءٍ من هذه البِقاعِ، ولكن الذي عَرَفوهُ واعتَقَدوهُ هو وُجودُ البَدَنِ بكَربَلاء، حتى كانوا يَنتابونَهُ في زَمنِ أَحمدَ وغَيرِه، حتى إن في مَسائِلِه، مَسائلَ فيما يُفعَل عند قَبرِه، ذَكَرَها أبو بكرٍ الخَلَّالُ في جامِعِه الكَبيرِ في زِيارَةِ المَشاهِدِ. ولم يَذكُر أَحَدٌ من العُلماءِ أنهم كانوا يَرون مَوضِعَ الرَّأسِ في شيءٍ من هذه البِقاعِ غيرَ المَدينةِ. فعُلِمَ أن ذلك لو كان حَقًّا لكان المُتقَدِّمون به أَعلمَ. ولو اعتَقَدوا ذلك لعَمِلُوا ما جَرَت عادَتُهم بعَمَلِه، ولأَظهَروا ذلك وتَكَلَّموا به، كما تَكَلَّموا في نَظائِرِهِ. فلمَّا لم يَظهَر عن المُتقَدِّمين –بقَوْلٍ ولا فِعْلٍ- ما يَدُلُّ على أن الرَّأسَ في هذه البِقاعِ عُلِمَ أن ذلك باطِلٌ، والله أعلم. الوجهُ الثامن: أن يُقال: ما زال أَهلُ العِلمِ في كلِّ وَقتٍ وزَمانٍ يَذكرون في هذا المَشهَدِ القاهريِّ المَنسوبِ إلى الحُسينِ: أنه كَذِبٌ مُبِينٌ، كما يَذكرون ذلك في أَمثالِه من المَشاهِدِ المَكذوبَةِ؛ فقد ذَكَرَ أبو الخَطَّابِ بن دُحيةَ في كِتابِه ((العِلم المشهور)) في هذا المَشهَدِ فَصْلًا مع ما ذَكَرَهُ في مَقتلِ الحُسينِ مِن أَخبارٍ ثابتَةٍ وغيرِ ثابتَةٍ، ومع هذا فقد ذَكَرَ أن المَشهَدَ كَذِبٌ بالإجماعِ، وبَيَّنَ أنه نُقِلَ من عَسقلانَ في آخرِ الدُّوَلِ العُبيديَّةِ، وأنه وُضِعَ لأَغراضٍ فاسِدَةٍ، وأنه بعدَ ذلك بقَليلٍ أَزالَ الله تلك الدَّولةَ وعاقَبَها بنَقيضِ قَصْدِها. وما زال ذلك مَشهورًا بين أَهلِ العِلمِ حتى أَهلِ عَصْرِنا، مِن ساكِنِي الدِّيارِ المِصريَّةِ، القاهرَةِ وما حَولَها والله أعلم. ".