لما تتالت الهزائم على العثمانيين وحدثت الفوضى بسبب ذلك، اتفق العلماء والوزير على عزل السلطان محمد الرابع بن إبراهيم الأول، فتم ذلك في هذا العام بعد أن أمضى في الحكم أربعين سنة وخمسة أشهر، أعاد خلال مدة حكمه هيبة الدولة وقوتها، كما أعاد عمليات الفتح في أوربا، وتولى قيادة جيوش الدولة, ويعتبر هو آخر القادة الفاتحين في التاريخ الإسلامي، وتمت تولية أخيه سليمان الثاني في الثاني من محرم الذي كان يزيد عمره على أربع وأربعين عامًا.
لما استعمل الإمامُ فيصل عبدَ اللهِ بنَ سعد المداوي أميرًا على القطيف استلحق علي بن عبد الله بن غانم الرافضي رئيس القطيف السابق، فناوبه بأشياءَ ذُكِرَت له فضَرَبَه بالخَشَبِ حتى مات، فغضب الإمامُ فيصل وأرسل إليه غلامَه بلال بن سالم الحرق، فأشخصه إلى الإمام وجلس مكانَه في القطيف، فلما أتى المداوي إلى الإمام ذكَرَ له عُذْرَه في ضربه لابن غانم، فقبل منه ورَدَّه إلى القطيف أميرًا.
لَمَّا ضَعُفَت دولةُ المغول في طاجيكستان سيطر الروسُ عليها وكانت أكثَرُ المحاولات الروسية للسيطرةِ عليها في سنة1869م، تمكَّن البلاشفة الشيوعيون من الاستيلاء على طاجيكستان في سنة 1917م وأصبحت جمهورية اتحادية في سنة 1922م. وفي أوائل 1990م شهدت جمهورية طاجيكستان انتفاضةً ضِدَّ السلطة السوفيتية؛ مما أدى إلى العديد من المظاهرات والعصيان المدني، وقد استخدمت السلطاتُ القواتِ المسلحةَ ضِدَّ العصيان. وقبل أن ينتهي عام 1991م تفكَّك الاتحاد السوفيتي، وأعلنت طاجيكستان استقلالَها.
لمَّا تولَّى محمَّد سياد بري رئاسةَ الصُّومال عام 1390هـ بعد انقلابٍ عَسْكري، أعلَن أنَّ الصُّومال دَولةَ اشتراكيةٌ، وفي هذا العامِ قام بري بتَنْفيذ حملةِ قتل، فتوجَّه نحوَ العُلَماء والتنظيماتِ الإسلاميَّة، وقد أذاع الرئيسُ محمَّد سياد بري بَدْء تَطبيق الاشتراكيةِ في الصُّومال، والتي أسَّسها كارل ماركِس، وطبَّقها لينين، وفي رَمضان / تشرين الأول، وفي يومِ الذِّكرى الثالثة للثَّورة؛ أعلَن بري إلغاءَ اللُّغة العربيَّةِ، واستخدامَ الحُروف اللاتينيةِ.
لمَّا ترأَّسَ مُحمَّد خُونا ولد هيداله موريتانيا حاوَلَ تصحيحَ أوضاع البِلادِ الاقتصاديَّةِ التي كانت مُتردِّيةً، وكان مركزيًّا في حُكمِهِ، فعمَّ التذمُّرُ بين الناس؛ مدنيِّينَ وعَسكريِّينَ، فقام العقيدُ مُعاوية ولد سيدي طايع رئيسُ الوُزراءِ الأسبَقِ بانقلابٍ عسكريٍّ في 19 ربيع الأول 1405هـ / 12 ديسمبر 1984م فأزاح رئيسَ الجُمهوريَّةِ اللواءَ مُحمَّد خونا ولد هيداله عن مناصِبِهِ كلِّها، وتسلَّمَ مكانه رئيسًا للجُمهورية، ورئيسًا للَّجْنة العسكريَّةِ، ورئيسًا للحُكومة.
شرع السلطانُ الأشرفُ صلاحُ الدين خليلُ بن قلاوون في الاهتمامِ بفَتحِ عَكَّا، وبعثَ الأميرَ عِزَّ الدين أيبك الأفرم أمير جاندار إلى الشامِ لتجهيزِ أعوادِ المجانيق، فقَدِمَ دِمشقَ وجُهِّزَت أعوادُ المجانيق، وبرزت في أول ربيع الأول وتكامَلَت في الثاني عشر، وسار بها الأميرُ عَلَم الدين سنجر الدواداري أحدُ أمراء الشام، ثم فُرِّقَت على الأمراء مقَدَّمي الألوف، فتوجَّهَ كل أمير ومضافيه بما أمر بنقله منها، وخرج من القاهرةِ الأمير سيف الدين طغريل الأيغاني إلى استنفار الناسِ مِن الحصون بممالكِ الشام، فوصل المظفَّر صاحب حماة إلى دمشق في الثالث عشر بعسكره وبمجانيقِ وزردخاناه- خزانة الأسلحة- ووصل الأميرُ سيف الدين بلبان الطباخي نائبُ الفتوحات بعساكِرِ الحصون وطرابلس، وبالمجانيق والزردخاناه في الرابع عشر، وتوجَّه الأميرُ حسام الدين لاجين نائبُ الشام بالجيشِ مِن دمشق في العشرينَ مِن ربيع الأول، وسار جميعُ النواب بالعساكر إلى عكا، وكان السلطانُ الأشرف خليل توجَّه بالعساكِرِ يوم الثلاثاء ثالث ربيع الأول يريد أخْذَ عَكَّا، وسيَّرَ حريمه إلى دمشق فوصلوا إليها في سابع ربيع الآخر، وسار السلطان فنزل عكَّا في يوم الخميس ثالث ربيع الآخر، ووصلت المجانيقُ يوم ثاني وصولِه وعدَّتُها اثنان وتسعون منجنيقًا، فتكاملَ نَصبُها في أربعة أيام، وأُقيمَت الستائرُ ووقع الحصارُ، وقد أتت جمائِعُ الفرنجِ إلى عكا أرسالًا من البحر، صار بها عالمٌ كبير، فاستمَرَّ الحصارُ إلى سادس عشر جمادى الأولى، وكثُرَت النقوب بأسوارِ عَكَّا، فلما كان يومُ الجمعة السابع عشر عزم السُّلطانُ على الزحف، فرَتَّب كوساته- قطعتان من نحاس تشبهانِ الترسَ الصغيرَ يُدَقُّ بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص- على ثلاثمائة جمل، وأمر أن تُضرَبَ كُلُّها دفعة واحدة، وركب السلطانُ وضُرِبَت، فهال ذلك أهلَ عكا، وزحف بعساكِرِه ومن اجتمع معه قَبلَ شروق الشمس، فلم ترتفع الشمسُ حتى علت السناجِقُ- الرايات- الإسلاميَّة على أسوار عكا، وهرب الفرنجُ في البحر وهلك منهم خلقٌ كثير في الازدحام، والمسلمون يقتُلونَ ويأسِرونَ وينهَبونَ فقَتَلوا ما لا يحصى عَدُّه كثرةً، وأخذوا من النساءِ والصبيان ما يتجاوَزُ الوصفَ، وكان عند فتحها أن أقبل من الفرنجِ نحوُ عشرة آلاف في هيئةٍ مُستأمنين، ففَرَّقهم السلطان على الأمراء فقتلوهم عن آخِرِهم، وكانت مدَّةُ حصار عكا أربعة وأربعين يومًا، واستُشهِدَ من المسلمين الأميرُ علاء الدين كشتغدي الشمسي ودُفِنَ بجلجولية، وعزُّ الدين أيبك العزي نقيب العساكر، وسيفُ الدين أقمش الغتمي، وبدرُ الدين بيليك المسعودي، وشرفُ الدين قيران السكزي، وأربعةٌ من مقَدَّمي الحلقةِ، وجماعةٌ من العسكر، وفي يومِ السبت الثامن عشر وقع الهدمُ في مدينة عكا، فهُدِّمَت الأسوار والكنائسُ وغيرها وحُرِقَت، وحُمِلَ كثير من الأسرى بها إلى الحصونِ الإسلاميَّة.
هو السلطان أحمد الأول بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول. ولد في 12 جمادى الثانية سنة 998 (18 ابريل سنة 1590م) تولى السلطنة بعد أبيه ولم يتجاوز سنه الرابعة عشرة إلَّا بقليل, وقام بحجز أخيه مصطفى بين الخدم والجواري. كانت أركانُ الدولة في بداية حكمه غيرَ ثابتة، فنارُ الحرب مستعرة مع النمسا غربًا, ومع الصفويين شرقًا؛ حيث كانت الحرب معهم شديدة الوطأة؛ لتولي الشاه عباس الصفوي قيادتها، مما جعلها أعظمَ من كافة الحروب السابقة, فاضطربت أحوالُ الولايات الشرقية عمومًا، وسعت كلُّ أمة من الأمم المختلفة النازلة بها للحصول على الاستقلال، وكان من أهَمِّ الحركات حركةُ الأكراد بقيادة رجل كردي يلقَّب بجان بولاد، والأمير فخر الدين المعني الثاني الدرزي، وغيرهما، لكنْ قيَّض الله للدولة في هذه الشدة الوزير مراد باشا الملقب بقويوجي الذي عُيِّن صدرًا أعظم، وكان قد تجاوز الثمانين؛ ليكون عونًا وعضدًا للسلطان الفتى، فتقلد مع كِبَرِ سِنِّه ووَهَنِ قواه قيادةَ الجيوش وحارب الثائرين بهمَّة ونشاط زائِدَينِ، فانتصر على فخر الدين الدرزي, وجان بولاد الكردي، واستمال قلندر أوغلي أحد زعماء الثورة في الأناضول، وقبض على آخر يدعى أحمد بك وقتله بعد أن فرَّق جنده بالقرب من قونية، وفي سنة 1608 م انتصر على من بقِيَ من العصاة بقرب وان، وفي السنة التالية قَتَل آخر زعماء الثورة المدعو يوسف باشا الذي كان استقَلَّ بصاروخان ومنتشا وآيدين, وبذلك عادت السكينة وساد الأمن بهمَّة هذا الشجاع الذي لُقِّب بسيف الدولة عن استحقاق, وازدادت في أيام السلطان أحمد العلاقاتُ السياسية مع دول الإفرنج، فجددت مع فرنسا العقود والعهود القديمة مع بعض زيادات طفيفة، وفي سنة 1609 جُدِّدت مع مملكة بولونيا- بولندا- الاتفاقات التي أُبرِمَت معها في زمن السلطان محمد الثالث، وأهمُّ ما بها تعهُّد بولونيا بمنع قوزاق الروسية من الإغارة على إقليم البغدان، وتعهُّد الدولة العلية بمنع تتار القرم من التعدي على حدودها، وفي سنة 1612م تحصلت ولايات الفلمنك على امتيازات تجارية تضارع ما مُنحِتَه كلٌّ من فرنسا وإنكلترا, والفلمنك هم الذين أدخلوا في البلاد الإسلامية استعمالَ التبغ (الدخان) فعارض المفتي في استعمالِه وأصدر فتوى بمنعِه، فهاج الجند واشترك معهم بعضُ مُستخدَمي السراي السلطانية، حتى اضطروه إلى إباحته! وفي الثالث والعشرين من ذي القعدة من هذه السنة توفي السلطان أحمد ودُفِن عند جامع سلطان أحمد، وكانت مدة حكمه أربعة عشر عامًا, ولصِغَرِ سِنِّ ابنه عثمان الذي لم يتجاوَزْ ثلاث عشرة سنةً من عمره خالف السلطانُ أحمد العادة المتَّبَعة من ابتداء الغازي عثمان الأول بتنصيب أكبر الأولاد أو أحدهم مكان والده، فأوصى بالمُلكِ من بعده لأخيه مصطفى الأول.
هو السلطان العثماني محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن يزيد الثاني بن محمد الفاتح. ولد السلطان محمد عام 1051هـ، وتولى السلطنة وهو ابن سبع سنوات، فتولت جدته كوسيم مهبيكر نيابة السلطنة وأصبحت مقاليد الأمور في يديها، وساءت أحوال الدولة وتدخل الانكشارية (وهم قوات مشاة وفرسان بالجيش العثماني) في شؤونها فازدادت سوءًا، وبعد مقتل السلطانة كوسيم تولت والدة السلطان محمد خديجة تورخان نيابة السلطنة، وعلى الرغم من صغر سنها إلا أنها اتصفت برجاحة العقل فبحثت عن رجل منقذ للدولة، فوجدت بغيتها في محمد باشا كوبريلي الذي قَبِل منصب الصدر الأعظم بشرط أن تُطلق يده في تصريف الدولة. فأعلن محمد كوبريلي سنة 1066 أن السلطان محمد قد بلغ سن الرشد وتمكن من تولي زمام أمور الدولة, وبهذا الإعلان انتهى دور السلطانة الوالدة خديجة فتفرغت هي لأعمال الخير والبر, وتفرغ الصدر الأعظم كوبريلي لتدبير شؤون الدولة ومعالجة إشكالاتها الداخلية ومواجهة الأخطار الخارجية المحدِقة بها. في عهد السلطان محمد الرابع كوَّنت أوروبا حِلفًا ضم: النمسا، وبولونيا، والبندقية، ورهبان مالطة، والبابا، وروسيا، وسَمَّوه (الحلف المقدس) وذلك للوقوف في وجه المد العثماني الإسلامي الذي أصبح قريبًا من كل بيت في أوربا الشرقية بسبب جهاد العثمانيين الأبطال. بدأ الهجوم الصليبي على ديار الدولة العثمانية، وقيض الله لهذه الفترةِ آل كوبريلي الذين ساهموا في رد هجمات الأعداء وتقوية الدولة؛ فالصدر الأعظم محمد كوبريلي المتوفي عام (1072هـ/661م) أعاد للدولة هيبتها، وسار على نهجه ابنه (أحمد كوبريلي) الذي رفض الصلح مع النمسا والبندقية, وبوفاة الصدر الأعظم "أحمد كوبريلي" ضعُف النظام العثماني، وهاجمت النمسا بلاد المجر، واغتصبت قلعة نوهزل ومدينة بست ومدينة بودا، وأغار ملك بولونيا على ولاية البغدان، وأغارت سفن البندقية على سواحل المورة واليونان، واحتلت أثينا وكورنثة عام 1097هـ وغيرها من المدن, وكان من نتائج الهزائم المتتابعة التي لحقت بالدولة العثمانية في أواخر عهده أن ثار الجيشُ في وجه السلطان محمد الرابع، فاتفق العلماءُ ورجال الدولة على عزله، فعُزل في محرم عام 1099هـ بعد أن دامت سلطنته نحو أربعين سنة وخمسة أشهر، تولى خلالها السلطان محمد الرابع بنفسه قيادة جيوش الدولة، وبعد عزله تولى مكانه أخوه سليمان الثاني، وكانت الدولة أثناء خلع السلطان محمد الرابع قد فقدت كثيرًا من أراضيها, وبقيَ السلطان محمد الرابع في العزلة إلى أن توفي في 8 ربيع الآخر من هذه السنة بالغًا من العمر 53 سنة، ودُفن في تربة والدته ترخان سلطان.
هو الشيخُ محمد عبده بن حسن خير الله مِن آلِ التركماني، مفتي الدِّيارِ المصريَّةِ، وأحَدُ دُعاةِ ما يسمى بالنهضة والإصلاح في العالمِ العربي والإسلاميِّ، وأحدُ رموزِ دعاةِ التجديدِ في الفِقهِ الإسلاميِّ، ساهمَ بعد التقائه بأستاذِه جمال الدين الأفغاني في إنشاءِ حركة فكريةٍ تجديديةٍ في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، تهدفُ إلى القضاء على الجُمودِ الفِكريِّ والحضاريِّ، وإعادةِ إحياء الأمَّة الإسلاميَّة لِتُواكِبَ مُتطلباتِ العصرِ. ولِدَ محمد عبده سنة 1849م مِن أبٍ تركماني وأم مصريةٍ في قرية محلة نصر بمركز شبراخيت في محافظة البحيرة, ونشأ في محلةِ نصر (بالبحيرة) وأحَبَّ في صباه الفروسيَّةَ والرمايةَ والسباحة. وتعلَّمَ بالجامِعِ الأحمدي بطنطا، ثم بالأزهرِ. تصَوَّف وتفلسَفَ، وعَمِلَ في التعليم، وكتَبَ في الصُّحُفِ. في سنة 1866م التحق بالجامِعِ الأزهر، وفي سنة 1877م حصل على الشهادة العالمية، وفي سنة 1879م عَمِلَ مدرسًا للتاريخِ في مدرسة دار العلوم، وفي سنة 1882 م اشترك في ثورة أحمد عرابي ضِدَّ الإنجليز، وبعد فَشَلِ الثورة حُكِمَ عليه بالسجنِ ثمَّ بالنفي إلى بيروتِ لِمدة ثلاث سنوات، ثم سافر بدعوةٍ مِن أستاذه جمال الدين الأفغاني إلى باريس سنة 1884 م، وأسَّسا صحيفةَ العروة الوثقى، وفي سنة 1885 م غادر باريسَ إلى بيروت، وفي ذات العام أسَّسَ جمعية سرِّية بنفس الاسم: العروة الوثقى. قيل إنَّها ذات صلة بالمحافلِ الماسونية العالمية تحت زعمِ التقريبِ بين الأديان. وفي سنة 1886م اشتغل بالتدريسِ في المدرسة السُّلطانية في بيروت، وفي سنة 1889م-1306هـ عاد محمد عبده إلى مصر بعفوٍ مِن الخديوي توفيق، ووساطةِ تلميذه سعد زغلول، وبعد إلحاحِ الأميرة نازلي فاضل على اللورد كرومر كي يعفوَ عنه ويأمُرَ الخديوي توفيقًا أن يُصدِرَ العَفوَ عنه، أصدر الخديوي قرارَ العفوِ بعد أن اشترط اللورد كرومر على محمَّد عبده ألَّا يعمَلَ في السياسة، فقَبِلَ. وفي سنة 1889م عُيِّنَ قاضيًا بمحكمة بنها، ثم انتقل إلى محكمة الزقازيق، ثم محكمة عابدين، ثم ارتقى إلى منصبِ مُستشار في محكمةِ الاستئنافِ عام 1891م، وفي 3 يونيو عام 1899م (24 محرم عام 1317هـ) عيِّنَ في منصِبِ المفتي، وتبعًا لذلك أصبح عُضوًا في مجلس الأوقافِ الأعلى. وفي 25 يونيو عام 1890م عين عضوًا في مجلسِ شورى القوانين. وفي سنة 1900م (1318هـ) أسَّس جمعيةَ إحياء العلوم العربية لنشر المخطوطاتِ. وزار العديدَ من الدول الأوروبية والعربية. وقد تأثَّر به عددٌ من قادةِ النهضةِ الحديثةِ في الفكر والسياسة والعلم، منهم: محمد رشيد رضا، وسعد زغلول، وعبد الحميد بن باديس، وعبد الرحمن الكواكبي، وغيرهم, وفي الساعة الخامسة مساء يوم 7 جمادى الأولى توفِّي الشيخ بالإسكندرية بعد معاناةٍ مِن مرض السرطان عن سبع وخمسين سنة، ودُفِنَ بالقاهرة.
هو السُّلطانُ عَضُد الدولة, أبو شُجاع, فناخسرو بن السلطان رُكنِ الدولة حسن بن بويه الدَّيلمي الشيعي, صاحِبُ العراق وفارس. تملَّك فارس بعد عَمِّه عماد الدولة, ثم كثُرَت بلادُه, واتسعت ممالِكُه, ودانت له البلادُ والعباد. وهو أوَّلُ مَن خُوطِبَ بالمَلِك شاه شاه في الإسلامِ، وأوَّلُ مَن خُطِب له على المنابر ببغداد بعد أميرِ المؤمنين وكان بطلًا شُجاعًا مَهيبًا, جبَّارًا عَسوفًا, شديد الوطأةِ, وكان فاضلًا نحْويًّا أديبًا عالِمًا، له مُشاركةٌ في فنون، وله صَنَّفَ أبو علي الفارسي "الإيضاح والتكملة", وقد مدَحَه فحول الشعراء، وسافر إلى بابه المتنبِّي في شيراز، قبل أن يَملِكَ العراق، وامتدحه بقصائدَ مشهورة، وهو الذي أظهر قبرَ عليٍّ بالكوفةِ وادَّعى أنَّه قبرُه، وأقام البيمارستان العضديَّ ببغداد، وأنفق عليه أموالًا عظيمةً، وهو بيمارستان عظيمٌ ليس في الدنيا مثلُ تَرتيبِه, قصَدَ عَضُدُ الدَّولةِ العِراقَ، والتقى ابنَ عَمِّه عِزَّ الدولة بختيارَ بنَ مُعِزِّ الدولة وقتَلَه, وتمَلَّكَها, دخل بغداد وقد استولى عليها الخراب وعلى سوادِها بانفجارِ بثُوقِها وقَطعِ المفسدينَ طرقاتها، فبعث العسكرَ إلى بني شيبان، وكانوا يقطعونَ الطَّريقَ، فأوقعوا بهم وأسَروا مِن بني شيبان ثمانمائة، وسَدَّ البثوق، وغرَسَ المزاهِرَ وعَمر الطرقَ والقناطِرَ والجسور, وكان متيقِّظًا شَهمًا، صائب الفِراسة, وله عيون كثيرةٌ تأتيه بأخبارِ البلاد القاصية، حتى صارت أخبارُ الأقاليم عنده, وكان شديدَ العناية بذلك، كثيرَ البَحثِ عن المشكلات، وافِرَ العقل. كان من أفرادِ الملوك لولا ظُلمُه، وسَفكُه للدماء، حتى إنَّ جارية شغل قلبَه بمَيلِه إليها، فأمرَ بتغريقِها، وكان يحِبُّ العلمَ والعُلَماء ويَصِلُهم. قال ابن الجوزي: "كان يرتفع له في العامِ اثنان وثلاثون ألفَ ألف دينار، وكان له كرمان، وفارس، وعمان، وخوزستان، والعراق، والموصل، وديار بكر، وحران، ومنبج. وكان يناقِشُ في القيراط، وأقام مكوسًا ومظالم, فنسأل اللهَ العافية ". لَمَّا اشتدت عِلَّةُ عَضُد الدولة، وهو ما كان يعتادُه مِن الصَّرَع، ضَعُفَت قُوَّتُه عن دفِعه، فخنقه فمات منه ثامن شوال ببغداد، وحُمِلَ إلى مشهد أمير المؤمنين عليٍّ، فدُفِنَ به، وقيل: إنَّه لَمَّا احتُضِرَ لم ينطلِقْ لسانُه إلا بتلاوةِ {مَا أَغْنْى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}, وكانت ولايتُه بالعراق خمس سنين ونصفًا، ولَمَّا توفي كتَمَ رفاقُه خبَرَ مَوتِه حتى جاؤوا بولَدِه صمصام الدولة فجلس ابنُه صمصام الدولة أبو كاليجار للعزاء، فأتاه الطائع لله مُعزِّيًا.
تَمَلَّك نُورُ الدِّين محمودُ بن زِنكي مَدينةَ دِمشق، وأَخذَها مِن صاحِبِها مُجيرِ الدِّين أبق بن محمد بن بوري بن طغتكين، وكان سَببُ جِدِّهِ في مِلْكِها أن الفِرنجَ لمَّا مَلَكوا في العام الماضي مَدينةَ عَسقلان لم يكُن لنورِ الدين طَريقٌ لإزعاجِهِم عنها لاعتِراضِ دِمشق بينه وبين عَسقلان، كما أن الفِرنجَ لمَّا مَلَكوا عَسقلان طَمِعوا في دِمشق، حتى أنهم استَعرَضوا كلَّ مَن بدِمشق مَملوكًا أو جارِيةً من النَّصارَى، فمَن أرادَ المُقامَ بها تَركوهُ، ومَن أرادَ العَوْدَ إلى وَطنِه أَخذوهُ قَهرًا شاء صاحِبُه أم أَبَى، وكان لهم على أَهلِها كلَّ سَنةٍ قَطيعةٌ يَأخُذونها منهم، فكان رُسُلُهم يدخلون البلدَ ويَأخُذونها منهم، فلمَّا رأى نورُ الدين ذلك خافَ أن يَملِكَها الفِرنجُ فلا يَبقَى له حينئذٍ بالشامِ مُقامٌ، فأَعْمَلَ الحِيلةَ في أَخْذِها حيث عَلِمَ أنها لا تَملِك قُوَّةً، لأن صاحِبَها متى رأى غَلَبَتَهُ عليه راسَلَ الفِرنجَ واستَعانَ بهم فأَعانوهُ لِئَلَّا يَملِكَها؛ فراسَلَ نورُ الدينِ محمودٌ مُجيرَ الدينِ صاحِبَ دِمشق واستَمالَهُ، وواصَلَهُ بالهَدايا، وأَظهرَ له المَودَّةَ حتى وَثِقَ به، فلمَّا لم يَبقَ عنده من الأُمراءِ أَحَدٌ قَدَّمَ أَميرًا يُقال له: عَطَا بن حَفَّاظ السُّلَمِيُّ الخادِمُ، وكان شَهْمًا شُجاعًا، وفَوَّضَ إليه أَمْرَ دَولتِه، فكان نورُ الدينِ لا يَتمكَّن معه مِن أَخْذِ دِمشق، فقَبَضَ مُجيرُ الدينِ على عَطَا الخادمِ فقَتَلهُ، فسار نورُ الدينِ حينئذٍ إلى دِمشقَ، وكان قد كاتَبَ مَن بها من الأَحداثِ واستَمالَهُم، فوَعَدوهُ بالتَّسليمِ إليه، فلمَّا حَصَرَ نورُ الدينِ البلدَ أَرسلَ مُجيرُ الدينِ إلى الفِرنجِ يَبذُل لهم الأَموالَ وتَسليمَ قَلعةِ بعلبك إليهم ليِنجِدوه وليُرَحِّلُوا نورَ الدينِ عنه، فشَرَعوا في جَمْعِ فارِسِهِم وراجِلِهم ليُرَحِّلُوا نورَ الدينِ عن البلدِ، فإلى أن اجتَمَعَ لهم ما يُريدون تَسلَّم نورُ الدينِ البلدَ، فعادوا بخُفَّيْ حُنَينٍ، وأما كَيفِيَّةُ تَسليمِ دِمشق فإنه لمَّا حَصرَها ثارَ الأَحداثُ الذين راسَلَهم، فسَلَّموا إليه البلدَ من البابِ الشرقيِّ ومَلَكَهُ، وحَصَرَ مُجيرَ الدينِ في القَلعةِ، وراسَلَهُ في تَسليمِها وبَذَلَ له أَقطاعًا من جُملَتِه مَدينةُ حِمْصَ، فسَلَّمَها إليه وسار إلى حِمصَ، ثم إنه راسَلَ أَهلَ دِمشق ليُسلِّموا إليه، فعَلِمَ نورُ الدينِ ذلك فَخافَهُ، فأَخَذَ منه حِمصَ، وأَعطاهُ عِوَضًا عنها بالس، فلم يَرْضَهَا، وسار منها إلى العِراقِ، وأَقامَ ببغداد وابتَنَى بها دارًا بالقُربِ من النِّظامِيَّة، وتُوفِّي بها.
هو سيفُ الدينِ غازي بن الملك قطب الدين مودود بن أتابك زنكي بن آق سنقر التركي. صاحِبُ الموصِل ووالد سنجر شاه صاحِب جزيرة ابن عمر. لَمَّا مات أبوه قطب الدين، وهو على تلِّ باشر، وفي سنة ست وستين مَلَك الرقة، ونصيبين وسنجار، ثم أتى الموصِلَ، فأرسل إلى صاحبها وعَرَّفَه صحة قصده، فصالحه. ونزل الموصِلَ ودخلَها، وأقرَّ صاحبها فيها، وزوَّجَه بابنته، وعاد إلى الشام، فلما تملَّك صلاح الدين وسار إلى حلب وحاصرها، سيَّرَ إليه غازي جيشًا عليه أخوه عز الدين مسعود فكسَرَه صلاح الدين, فتجهَّز غازي وسار بنفسه، فانهزم جيشُ غازي فعاد إلى حلب، ثم رحل إلى الموصل. إلى أن مات بالسل. قال ابن الأثير: "كان مليحَ الشباب، تامَّ القامة، أبيضَ اللون، وكان عاقلًا وقورًا، قليلَ الالتفات, ولا يحِبُّ الظلم، على شُحٍّ فيه وجُبن". قال الذهبي عن سيف الدين غازي: "أدار الخمرَ والزنا ببلاده بعد موت عمِّه نور الدين، فمَقَتَه أهل الخير, وقد تاب قبل موته بيسير". توفي سيف الدين غازي بعد أن أُصيب بمرض السل آخِرَ أيامه، وطال به، ثم أدركَه في آخره السرسام- ورم في حجاب الدماغ تحدث عنه حمى دائمة- فمات في صفر. وعاش نحوًا من ثلاثين سنة وكانت ولايته عشر سنين وثلاثة أشهر، وكان لَمَّا اشتد مرضه أراد أن يعهَدَ بالملك لابنه معز الدين سنجر شاه، وكان عمره حينئذ اثنتي عشرة سنة، فخاف على الدولة من ذلك؛ لأن صلاح الدين يوسف بن أيوب كان قد تمكَّن بالشام، وقَوِيَ أمره، وامتنع أخوه عز الدين مسعود بن مودود من الإذعان لذلك، والإجابة إليه، فأشار الأمراءُ الأكابر ومجاهد الدين قايماز بأن يجعَلَ المُلْك بعده في عِزِّ الدين أخيه؛ لِما هو عليه من الكِبَر في السن، والشجاعة والعقل وقوة النفس، وأن يعطي ابنيه بعضَ البلاد، ويكون مرجِعُهما إلى عز الدين عمِّهما والمتولي لأمرهما مجاهد الدين قايماز، ففعل ذلك، وجعل المُلْك في أخيه، وأعطى جزيرةَ ابن عمر وقلاعها لولده سنجر شاه، وقلعة عقر الحميدية لولده الصغير ناصر الدين كسك، فلما توفي سيف الدين مَلَك بعده الموصل والبلاد أخوه عز الدين، وكان المدبر للدولة مجاهد الدين قايماز، وهو الحاكِم في الجميع، واستقَرَّت الأمور.
لمَّا انتهى خالدُ بن الوَليد رضِي الله عنه مِن اليَمامَة جاء الأَمْر بالتَّوَجُّهِ للعِراق لِدَعْم المُثَنَّى بن حارِثةَ، فسار خالدٌ إلى الحِيرَةِ والْتَقى بجيشِ المُثَنَّى وجيشِ عِياضِ بن غَنْمٍ بهُرْمُزَ في الأُبُلَّةِ، وقد حَدَثت عِدَّةُ مَعارك في تلك المناطق التي تُعرَف بالمنطقة الشَّرقيَّة التي كانت تحت سَيطرة الفُرْس، وفُتِحَت عِدَّةُ مناطق كالحِيرَةِ والأَنْبارِ ودُومَةِ الجَنْدَلِ والفِراضِ وغيرِها مِن المناطق العِراقيَّة، كما انتصر خالدٌ في عدد مِن المعارك على الفُرْس وحُلفائِهِم مِن مُتَنَصِّرَةِ العَرَبِ.
كان الرَّسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم قد أَجْلى اليَهودَ مِن المدينة تِباعًا؛ وذلك لِنَقْضِهم العُهود، واسْتِثارتِهم الفِتَن والحُروب، وقد كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: (لا يَجتَمِع دِينانِ في أرضِ العَربِ). وكانت اليَهودُ قد اسْتقرَّت في خَيبرَ وما حولها بعدَ جَلائِهم مِن المدينةِ، وبقوا على ذلك حتَّى قام عُمَر بإجلائِهم مِن خَيبرَ إلى الشَّامِ عملًا بحَديثِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وأمَّا نصارى نجران فقد أجلاهم عمر إلى الشَّام لما كثُر عددُهم وعَظُمَ خطرُهم على معقْل الإسلام.
حجَّ المهديُّ بعد توليه الخلافةَ بعامٍ, ولَمَّا رأى ضِيقَ مساحة مسجدِ الحرم, ومعاناة الحُجَّاج من الزِّحام؛ أمَرَ بتوسعته، فاشترى الأراضيَ والدُّورَ المحيطة بالمسجد وأزالها، وقد شَمِلَت التوسعة الجهتين الشماليَّة والجنوبية, وأمر بنقل أساطينِ الرُّخامِ من الشام ومصر إلى ميناء جُدَّة، ثم نُقِلَت على عربات إلى مكَّة, أما الأروقة فقد عَمِلَها على أساطينِ الرُّخام، وسُقِفَت بخشب الساج, وقد انتهت أعمال التوسعةِ الأولى سنة 164 وبلغت حوالي:7950م2، فصارت مساحة المسجد: 23390م2.