لم يرضَخِ الشعبُ التونسي لاحتلالِ فرنسا لبلادِه تحت عنوانٍ برَّاقٍ، وهو إعلانُ الحماية، والذي استهدفت فرنسا من اختيارِه عدمَ إثارة الدول الأوروبية، والتمويه على أبناء تونس بأنَّها لم تحتَلَّ بلدهم، وتُنزِلها منزلةَ المستعمرات، وحتى تُحمِّلَ الجانبَ الوطني نفقاتِ الاحتلال. واشتعلت الثورةُ في معظم أنحاءِ تونس، وعجزت فرنسا عن وقفِ العملياتِ الحربيَّة في تونس، واتَّضح أن القبائلَ التي تسكن شرقيَّ تونس وجنوبها أظهرت رفضَها وعداءَها للطريقة التي خضع بها الباي لطلبات الفرنسيين، وعَلَت الأصواتُ داعيةً إلى الجهاد والبذل والعطاء، وفي الوقت نفسِه اتصلت رسلُ السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بالمجاهِدين تُعلِنُ رَفضَ السلطان للمعاهدة ووقوفَه إلى جانب الشعب، وتمكَّن المجاهدون من قَطعِ المواصلات، وفَرَّت معظم جنود الباي إليهم، وأعلن المسلِمون الجهادَ ضِدَّ الفرنسيين. وبعد أن كانت فرنسا تفكِّرُ في أنه يكفي أن يقومَ جيش صغير على استتباب الأمن في تونس، لكنَّها وجدت أنها تعاني مشكلةً كبيرة في السيطرة على البلاد، وتطلَّب ذلك تعاوُنَ الأسطول الفرنسي مع الجيش، وحَشْد قوات جديدة بلغت خمسًا وأربعين ألف جندي. وكان قد تزعَّم حركةَ المقاومة في مدينة قابس "علي بن خليفة" إلى جانب كثيرين قادوا الثورةَ في صفاقس والقيروان، وقد حاول علي بن خليفة أن يوحِّدَ القيادةَ في شخصه، واجتمع لهذا الغَرَضِ مع مجاهدي صفاقس والقيروان، لكِنَّ جهوده لم تُكَلَّل بالنجاح بعد أن أصَرَّ زعيمُ كل منطقة أن يتولى الأمر بنفسه، فاستطاعت فرنسا أن توقِعَ بهم واحدًا بعد الآخر. وكان من جرَّاء ذلك أن سقطت قابس في أيدي المحتلِّين الفرنسيين بعد مقاومة شديدة، في 28 شعبان من هذه السنة!
علي عبد الله صالح عفاش من مواليدِ 29 ربيع الآخِر 1366هـ/ 21 مارس 1947، كان الرئيسَ السادسَ للجمهوريةِ العربيةِ اليمنيَّةِ، وتُعَدُّ مُدَّةُ حُكمِه أطولَ مُدَّةِ حُكمٍ لرئيسٍ في اليمنِ منذُ العامِ 1978م حتى تنازلَ عن الحُكمِ في 27 فبراير 2012م، وكان يحمِلُ رتبةَ المشيرِ العسكريَّةَ. وصَلَ علي عبد الله صالح إلى رأسِ السُّلطةِ في البلادِ عَقِبَ مقتلِ الرئيسِ أحمد الغشمي بفترةٍ قصيرةٍ، بعد أنْ تنحَّى عبد الكريم العرشي، وتسَلَّمَ صالح رئاسةَ البلادِ. قامت احتجاجاتٌ ضِدَّ حُكمِه عامَ 2011 وسَلَّم صالحٌ السلطةَ بعد سنةٍ كاملةٍ من الاحتجاجاتِ بموجِبِ "المبادرةِ الخليجيَّةِ" الموقَّعةِ بين حزبِ المؤتمرِ الشعبيِّ العامِّ وأحزابِ اللقاءِ المشترَكِ، والتي أَقرَّت ضمنَ بنودِها تسليمَ صالحٍ للسلطةِ بعد إجراءِ انتخاباتٍ عامَّةٍ، كما أقرَّت له حصانةً من الملاحقةِ القانونيَّةِ، وأُقِرَّ قانونُ الحصانةِ في مجلسِ النوابِ اليمنيِّ، وعُدَّ قانونًا سياديًّا لا يجوزُ الطعنُ فيه، تولَّى نائبُه عبدُ ربه منصور هادي رئاسةَ المرحلةِ الانتقاليةِ. وفي 16 ربيع الأول 1439هـ الموافق 4 ديسمبر 2017 قام الحَوثيُّونَ بنشرِ مَقطعِ فيديو لمجموعةٍ من المقاتلين مع جُثَّةِ صالح وبها طَلقةٌ نافذةٌ في الرأسِ، وتضاربَتِ الأنباءُ عن مكانِ وطريقةِ مَقتَلِه، فنَجْلُه أحمدُ وسُكَّانٌ مَحليُّونَ قالوا: إنَّ مجموعةً من المقاتلين الحَوثيِّين هاجموا منزلَ والِدِه وقتَلوه في مَنزلِه، وفجَّرَ المقاتِلون المنزلَ، وقد قُتِلَ معه أمين عام حزبِ المؤتمرِ الشعبيِّ العامِّ.
علي مهدي محمد الرَّئيسُ الرابعُ للصُّومال ورئيس حزب الصومالي القومي المتَّحِد. انتخبه البرلمانُ الصوماليُّ في جلسته التي انعقدت في جِيبوتي في عام ١٤١١هـ الموافِق 1991م كرئيس للجمهوريةٍ، وذلك في الانتخاباِت التي أُجرِيَت بعد الإطاحةِ بالرَّئيسِ الأسبَقِ محمَّد سياد بري أواخِرَ عام ١٤١٠هـ الموافق 1990م.
وُلِدَ علي مهدي محمد عام ١٣٥٧هـ الموافق 1938م من أسرة صوفيَّة، فوالِدُه أحَدُ متَّبِعي الطريقةِ الإدريسيَّةِ، درس الابتدائيَّةَ والإعداديَّةَ في مقديشو، ودرس الثانويَّةَ العامَّةَ بمدرسة تابعة للإدارة الإيطاليَّةِ الوصيَّة على الحكومةِ الصوماليَّةِ آنذاك، ثم أكمل تعليمَه في كليَّةِ الاقتصادِ بجامعةِ القاهِرةِ، وعاد بعد ذلك إلى بلادِه، وأصبح عُضوًا في البرلمان. وبعد إطاحةِ الحزبِ الثَّوريِّ بقيادةِ سياد بري بالحكومةِ الديموقراطيَّةِ عام ١٣٨٩هـ الموافق 1969م عاد إلى مِصرَ، ثم رجع إلى الصومال وعَمِلَ مُوظَّفًا في وزارةِ الصِّحَّة، وتدرَّج في المناصِبِ إلى أن أصبح وكيلًا للوَزارةِ.
وبعدها تَرَك الوظيفةَ الحُكوميَّةَ وتفرَّغ للعمَلِ في التجارةِ حتى أصبح من كبارِ التِّجَّارِ في الصومال. في تلك الفترة انضَمَّ إلى تجمُّعٍ أسَّسَه مثَقَّفون وأكاديميون ووقَّعوا على عريضةٍ تُطالِبُ الرَّئيسَ بإصلاحاتٍ واسعةٍ في الصُّومالِ؛ فتمَّت مطاردتُهم ففَرَّ إلى إثيوبيا، وهناك انضَمَّ إلى حزبِ الصُّومالي القومي المتَّحِد، الذي استطاع أن يُطيحَ بالحكومةِ في نهايةِ عام ١٤١٠هـ الموافق 1990م، وفي عام 1411هـ الموافق 1991م عُقِد مؤتمر للمُصالحة في جيبوتي وتمَّ اختيارُه رئيسًا للصُّومالِ.
توفِّي في مستشفى بالعاصمة الكينيَّةِ نيروبي، عن عُمرٍ ناهز الـ 83 عامًا.
هو مالكوم إكس بن أورلي ليتل، أو الحاج مالك شباز؛ من الشخصيات الأمريكية المسلِمة البارزة في منتصف القرن الماضي، كانت حياتُه سلسلةً من التحولات؛ حيث انتقل من قاع الجريمة والانحدار إلى تطرُّف الأفكار العنصرية، ثم إلى الإسلام. وُلِد مالكوم في 6 ذي القعدة 1343هـ/ 19 مايو 1925م، وكان أبوه "أورلي ليتل" قسيسًا أسود من أتباع "ماركوس كافي" الذي أنشأ جمعيةً بنيويورك ونادى بصفاء الجنس الأسود وعودته إلى أرض أجداده في أفريقيا. وكانت العنصرية في الولايات المتحدة على أشُدِّها في ذلك الوقت. كان أبوه حريصًا على اصطحابه معه إلى الكنيسة في مدينة "لانسينغ"؛ حيث كانت تعيشُ أسرته على ما يجمعه الأب من الكنائس، وكان يحضُرُ مع أبيه اجتماعاتِه السياسيةَ في "جمعية التقدُّم الزنجية" التي تكثر خلالها الشِّعاراتُ المعادية للبِيضِ، وكان الأبُ يختم هذه الاجتماعات بقوله: إلى الأمامِ أيها الجنس الجبَّار، بوُسعِك أن تحقِّقَ المعجزاتِ. وكان هو وعائلته الزنوجَ الوحيدين بالمدينة؛ لذا كان البِيضُ يُطلِقون عليه الزِّنجيَّ أو الأسودَ، حتى ظنَّ مالكوم أن هذه الصفات جزءٌ من اسمِه، وفي عام 1931م وُجِد والده مقتولًا عند سكة القطار، فاتهمت عائلتُه مجموعةً من البِيض العُنصريين، وفي عام 1938م دخلت والدته المصحَّة العقلية بسبب معاناتها بعد فَقْدِ زوجها. قصد مالكوم بوسطن بعد انتهاء المرحلة الثانوية، وأخذته الحياةُ في مجرًى جديد؛ حيث أُصيب بنوع من الانبهار في المدينة الجميلة، وهناك انغمس في حياة اللهو والمجون. ألقت الشرطةُ القبضَ عليه وحُكِم عليه سنة 1946م بالسجن عشر سنوات، فدخل سجن "تشارلز تاون" العتيق، وكانت قضبانُ السجن ذات ألمٍ رهيب على نفس مالكوم؛ لذا كان عنيدًا يسُبُّ حرَّاسه، فيُحبَس حبسًا انفراديًّا، وتعلَّم من الحبس الانفرادي أن يكون ذا إرادة قويَّة يستطيع من خلالها التخلِّيَ عن كثير من عاداته، وفي عام 1947م تأثَّر بأحد السجناء ويُدعى "بيمبي" الذي كان يتكلَّم عن الدين والعدل، فزعزع بكلامِه ذلك الكفرَ والشَّكَّ من نفس مالكوم، وكان بيمبي يقول للسجناء: إنَّ مَن خارجَ السجن ليسوا بأفضَلَ منهم، وإنَّ الفارق بينهم وبين من في الخارج أنهم لم يقعوا في يد العدالةِ بَعدُ! ونصحه بيمبي أن يتعلَّم، فتردَّد مالكوم على مكتبة السجن وتعلم اللاتينية. وفي عام 1948م انتقل إلى سجن كونكورد، وكتب إليه أخوه "فيلبيرت" أنَّه اهتدى إلى الدِّينِ الطبيعي للرجل الأسود (الإسلام)، ونصَحَه ألا يدخِّن، وألا يأكُلَ لحم الخنزير، وامتثل مالكوم لِنُصح أخيه، ثم عَلِمَ أن إخوته جميعًا في دترويت وشيكاغو قد اهتَدَوا إلى الإسلام، وأنهم يتمنَّونَ أن يُسلِم مثلهم، ووجد في نفسه استعدادًا فِطريًّا للإسلام، ثم انتقل مالكوم إلى سجن "ينورفولك"، وهو سجنٌ مُخَفَّف في عقوباته، ويقع في الريف، ويحاضِرُ فيه بعض أساتذة الجامعة من هارفارد وبوسطن، وبه مكتبةٌ ضخمة تحوي عشرة آلاف مجلد قديم ونادر. أسلم مالكوم في السجن، وكان سبيلُه الأوَّلُ هو الاعترافَ بالذنب، ورأى أنَّه على قَدْرِ زَلَّته تكونُ توبته. وبدأ يراسِلُ كلَّ أصدقائه القدامى في الإجرام ليدعوَهم إلى الإسلام، وفي أثناء ذلك بدأ في تثقيفِ نَفسه، وبدا السجن له كأنَّه واحةٌ أو مرحلةُ اعتكافٍ علمي. خرج مالكوم من السجن سنة 1952م وذهب إلى أخيه في دترويت، وهناك تعلَّم الفاتحة وذهب إلى المسجد، وتأثَّر بأخلاق المسلمين. والتقى بالداعية إليجا محمد، وانضمَّ إلى حركة أمة الإسلام، وتبنى دعوةَ إليجا في استخدام العنف في حلِّ المشكلة العُنصرية بين السُّود والبيض في أمريكا، فبدأ يدعو الشبابَ الأسود إلى هذه الحركة، فتأثر به كثيرون؛ لأنَّه كان خطيبًا مفوَّهًا ذا حماس شديد، فذاع صيتُه حتى أصبح في فترة وجيزةٍ إمامًا ثابتًا في مسجد دترويت. وامتاز بأنه يخاطِبَ الناس باللُّغة التي يفهمونها: لغةِ العنف. وزار عددًا من المدن الكبرى، فاهتدى على يديه كثيرٌ من السود. التقى مالكوم بمارتن لوثر كينغ (نصراني وزعيم أمريكي من أصول إفريقية) يدعو إلى التفاهم مع البيض والتعايش السِّلمي ونبذ العنف، وإنهاء التمييز العنصري ضِدَّ السُّود, فاختلف معه مالكوم وهاجمه في أكثرَ من مناسبة، إلا أن مالكوم إكس أخيرًا تأثَّر بفكرة لوثر تجاه العنف وتحوَّل إلى فكرة التفاهم والتعايش مع البِيض؛ ولذلك اختلف مع إليجا، وعندما طُرد من حركة أمة الإسلام؛ بسبب مخالفته لتوجيهات إليجا في الموقف من اغتيال كندي، وقرَّر أداءَ فريضة الحج في عام 1964م، وزار العالمَ الإسلاميَّ ورأى في الطائرة التي أقلعت به من القاهرة للحَجِّ أنَّ بها ألوانًا مختلفةً من الحجيج، وأنَّ الإسلامَ ليس دينَ الرجلِ الأسودِ فقط، بل هو دينُ الإنسان. وتأثَّر مالكوم بمشهد الكعبة المشرَّفة وأصوات التلبية، وبساطة وإخاء المسلمين؛ يقول في ذلك: "في حياتي لم أشهَدْ أصدَقَ من هذا الإخاء بين أناسٍ من جميع الألوان والأجناس، إنَّ أمريكا في حاجة إلى فهم الإسلام؛ لأنَّه الدين الوحيد الذي يملك حلَّ مشكلة العنصرية فيها"، وقضى 12 يومًا جالسًا مع المسلمين في الحج، ورأى أنَّ الناس متساوون أمام الله بعيدًا عن سرطان العنصرية. وغيَّر مالكوم اسمَه إلى الحاج مالك شباز، وغادر مالكوم جدة في إبريل 1964م، وزار عددًا من الدول العربية والإفريقية، ورأى في أسبوعين ما لم يرَه في 39 عامًا، وخرج بمعادلة صحيحة هي: "إدانةُ كلِّ البِيض = إدانة كلِّ السُّود". وصاغ بعد عودته أفكارًا جديدة تدعو إلى الإسلام الصحيح؛ الإسلام اللاعُنصري، وأخذ يدعو إليه، ودعا إلى التعايش بين البِيض والسود، وأسَّس منظمةَ الاتحاد الإفريقي الأمريكي. وفي إحدى محاضراته يوم الأحد (18 شوال 1384هـ / 21 فبراير 1965م) صعد مالكوم ليلقيَ محاضرته، ونشبت مشاجرةٌ في الصف التاسع بين اثنين من الحضور، فالتفت الناسُ إليهم، وفي ذات الوقت أطلق ثلاثةُ أشخاصٍ من الصف الأول 16 رصاصةً على صدر مالكوم إكس، فتدفَّق منه الدمُ بغزارة، وفارق الحياةَ!.
عن عُبادةَ بنِ الصَّامتِ رضي الله عنه أحدُ النُّقَباءِ ليلةَ العَقبةِ: أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وعلى آله وصَحبِه وسلَّم قال وحولَه عِصابةٌ مِن أصحابهِ: (بايِعوني على أنْ لا تُشرِكوا بالله شيئًا، ولا تَسرِقوا، ولا تَزنوا، ولا تَقتُلوا أولادَكُم، ولا تَأتوا ببُهْتانٍ تَفتَرونهُ بين أيديكُم وأرجُلِكُم، ولا تَعْصوا في مَعروفٍ، فمَن وَفَّى منكم فأجرُهُ على الله، ومَن أصاب مِن ذلك شيئًا فعُوقِبَ في الدُّنيا فهو كفَّارةٌ له، ومَن أصاب مِن ذلك شيئًا ثمَّ سَترهُ الله فهو إلى الله، إن شاء عَفا عنه، وإن شاء عاقَبهُ). قال: فبايَعناهُ على ذلك.
غَزَا عَنْبَسَةُ بن سُحَيْمٍ الكَلْبِي أَميرُ الأَندَلُس بَلدَ الفِرِنْج في جَمعٍ كَثيرٍ، ونازَل مَدينَة قَرْقَسُونة وحَصَر أَهلَها، فصالَحوه على نِصْف أَعمالِها، وعلى جَميعِ ما في المَدينَة من أَسرَى المسلمين وأَسلابِهم، وأن يُعطوا الجِزْيَة، ويَلتَزِموا بأَحكام الذِّمَّة مِن مُحارَبة مَن حارَبَه المسلمون، ومَسالَمة مَن سالَموه، فعاد عنهم عَنْبَسَة، ثمَّ تَوَغَّلَ داخِلَ فَرنسا وغَزَا إقليمَ الرون وبرفانس وليون وبورغونيا حتَّى وَصَل أَعالِي الرون. وتُوفِّي في شَعبان سَنة سَبعٍ ومائة عندَ انْصِرافه مِن غَزوِ الإفْرِنْج.
ظهر إبراهيمُ بن موسى بن جعفر بن محمد، وكان بمكَّةَ، فلما بلغَه خبَرُ أبي السرايا وما كان منه سار إلى اليمن، وبها إسحاقُ بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عاملًا للمأمون، فلمَّا بلغه قُربُ إبراهيمَ من صنعاء، سار منها نحوَ مكة فأتى المشاش، فعسكَرَ بها واجتمع بها إليه جماعةٌ من أهل مكة هَرَبوا من العلويِّينَ، واستولى إبراهيمُ على اليمن، وكان يسمَّى الجزَّار؛ لكثرة من قتَل باليمن، وسبى، وأخذ الأموال.
هو الحسَنُ بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، صاحبُ طبرستان ومؤسِّس الدولةِ العَلَوية فيها، كان في الريِّ، فلما حَدَثت الفتنةُ بين بني طاهر أصحابِ خراسان وبين أهل طبرستان سنة 250هـ كتبوا إليه يستدعونَه، فبايعوه والتفَّ عليه الديلم وأمراءُ النواحي، فمَلَك طبرستان وجرجان والريَّ، فدامت دولتُه عشرين سنة، وخَلَفه بعده أخوه محمد، والحسنُ كان أحد العُلَماء الزيدية، له كتاب (الجامع في الفقه) و كتاب (الحجَّة في الإمامة).
كان يَحيى بنُ الحُسَين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيلَ بنِ إبراهيم بن الحسن بن الحسَن بن علي بن أبي طالب، يقيمُ بالمدينة المنوَّرة، فجاءه وفٌد مِن اليمَنِ يدعوه للمُقامِ في بلادهم وأن يقومَ لهم بأمرِهم، فسافر إليهم في هذا العامِ، غيرَ أنَّه لم يجد ما كان يتوقَّعُه، فعاد للمدينةِ، فجاءه وفدٌ آخَرُ فاعتذر إليه ممَّا كان ووعدوه بالنَّصرِ فرجع إليهم، وأقام في صعدة، ثمَّ بدأت الدولةُ تتأسَّسُ وتَقوى، وكانت بينهم وبين بني يعفر حروبٌ على مدى السَّنَواتِ.
سار مُؤنِسٌ المظفَّرُ إلى بلاد الرومِ لغزاةِ الصائفة، فلمَّا صار بالموصل قلَّدَ سبكَ المفلحيَّ بازبدى وقردى، وقلَّدَ عُثمانَ العنزي مدينة بلد، وباعيناثا، وسنجار، وقلَّد وصيفًا البكتمري باقيَ بلاد ربيعة، وسار مؤنِسٌ إلى ملطية وغزا فيها، وكتب إلى أبي القاسمِ عليِّ بنِ أحمد ابن بِسطام أن يغزوَ من طَرَسُوس في أهلها، ففعل، وفتح مؤنِسٌ حصونًا كثيرةً مِن الروم، وأثر آثارًا جميلةً، وعتب عليه أهل الثغور وقالوا: لو شاء لفعل أكثَرَ من هذا، وعاد إلى بغداد، فأكرمه الخليفةُ وخلع عليه.
هو الإمامُ العلَّامةُ الفقيهُ الأصوليُّ اللُّغويُّ, عالمُ خُراسان, أبو بكر مُحمَّدُ بنُ عليِّ بنِ إسماعيل الشافعيُّ، صاحِبُ التصانيفِ، المعروفُ بالقَفَّال الكبيرِ، الشَّاشيُّ نِسبةً إلى مدينة شاشَ وراءَ النَّهرِ، ولد بها سنة 271, وكان من أكابر عُلَماءِ عَصرِه بالفِقهِ والحديث واللغة، رحل إلى العراقِ والشام وخراسان، قال الحاكم عنه: "عالمُ أهلِ ما وراءَ النَّهرِ في الأصولِ ". وعنه انتشر المذهبُ الشَّافعيُّ هناك، له مصنَّفاتٌ؛ منها: أصول الفقه، ومحاسن الشريعة، وشرح رسالة الشافعي، وغيرها، كانت وفاتُه بشاش عن 74 عامًا.
سار أبو القاسمِ بنُ الحسَنِ بنِ علي بن أبي الحسين أميرُ صقليَّةَ، في عساكرِ المسلمينَ، ومعه جماعةٌ مِن الصَّالحين والعلماء، فنازل مدينةَ مسيني في رمضانَ، فهرب العدوُّ عنها، وعدا المُسلمونَ إلى كسنتة فحصروها أيَّامًا، فسأل أهلُها الأمانَ، فأجابهم إليه، وأخذ منهم مالًا، ورحل عنها إلى قلعةِ جلوا، ففعل كذلك بها وبِغَيرِها، وأمَرَ أخاه القاسِمَ أن يُذهِبَ الأسطولَ إلى ناحية بربولة ويَبُثَّ السَّرايا في جميعِ قلورية، ففعل ذلك فغَنِمَ غنائِمَ كثيرةً، وقتل وسبى، وعاد هو وأخوه إلى المدينةِ.
رَكِبَ الحاكِمُ ومعه وزيرُه الحُسَينُ بنُ طاهر الوزَّان، على رَسمِه، فلمَّا انتهى إلى حارةِ كتامة خارِجَ بابِ القاهرة، أمَرَ بقَتلِه فضُرِبَت رقَبَتُه ودُفِنَ مكانَه. فكانت مُدَّةُ نظره في الوزارة سنتين وشهرين وعشرين يومًا، ثمَّ استوزَرَ مكانَه عبدَ الرَّحمنِ بنَ أبي السيد الذي لم يلبَثْ إلَّا قليلًا حتى قتَلَه الحاكِمُ فاستوزر مكانَه أبا العبَّاسِ الفَضلَ بنَ جَعفرِ بنِ الفراتِ، ثمَّ قَتَلَه الحاكِمُ أيضًا، واستوزر مكانَه أبا الحَسَنِ عليَّ بن جعفرِ بنِ فلاح الكتامي.
كان حَسَّانُ بنُ الجَرَّاح قد خرج على الحاكِمِ، وأمَدَّه الرُّومُ، ثمَّ إنَّ الظاهِرَ لَمَّا عقَدَ المُعاهَدةَ مع الرُّومِ كان منها عدَمُ إمدادِ حَسَّان، فلمَّا كانت هذه السَّنَةُ أرسل الظَّاهِرُ الفاطميُّ جَيشًا بقيادةِ أنوشتكين التركي لَمَّا بلَغَه أنَّ حَسَّان وسِنان بن عليان أميرَ بني كلابٍ وصالِحَ بنَ مرداس أميرَ حَلَب اتَّفَقوا على إخراجِ الفاطميِّينَ مِن الشَّامِ واقتسامِها بينهم، فكانت الحَربُ بين جيشِ الفاطميِّينَ وبينهم في موقِعٍ يُدعى الأُقحُوانة عند طبَريَّة، وكان من نتائِجِ الحَربِ مَقتَلُ صالحِ بنِ مِرداس وهُروب حسَّان ولجوئِه إلى الرُّوم.
قال ابنُ كَثيرٍ: "في يومِ الخَميسِ حادي عشر المُحرَّمِ حَضرَ إلى الدِّيوانِ أبو الوَفا عليُّ بنُ محمدِ بنِ عَقيلٍ العَقيليُّ الحَنبليُّ، وقد كَتبَ على نَفسِه كِتابًا يَتضمَّن تَوبتَه من الاعتِزالِ، وأنَّه رَجعَ عن اعتِقادِ كَوْنِ الحَلَّاجِ من أَهلِ الحَقِّ والخَيرِ، وأنه قد رَجعَ عن الجُزءِ الذي عَمِلَه في ذلك، وأنَّ الحَلَّاجَ قد قُتِلَ بإجماعِ عُلماءِ أَهلِ عَصرِه على زَندَقتِه، وأنَّهم كانوا مُصِيبينَ في قَتلِه وما رَمَوْهُ بهِ، وهو مُخطِئٌ، وأَشهَدَ عليه جَماعةً من الكُتَّابِ، ورَجعَ من الدِّيوانِ إلى دارِ الشَّريفِ أبي جَعفرٍ فسَلَّمَ عليه وصالَحه واعتَذرَ إليه، فعَظَّمَه"