أمر أبو عامِر محمَّدُ بنُ أبي عامر حاجِبُ هِشامٍ المؤَيَّد ببناء قصره المعروفِ بالزاهرة، وذلك عندما استفحل أمرُه، واتَّقَد جَمْرُه، وظهر استبدادُه، وكثُرَ حُسَّادُه، وخاف على نفسِه في الدخولِ إلى قصر السلطان، فتوثَّقَ لنَفسِه، وكُشِفَ له ما سُتِرَ عنه في أمسِه، من الاعتزاز عليه، ورفع الاستنادِ إليه، وسما إلى ما سَمَت إليه الملوكُ مِن اختراع قَصرٍ يَنزِلُ فيه، ويُحله بأهلِه وذويه، ويضُمُّ إليه رياستَه، ويتَمِّمُ به تدبيرَه وسياستَه، ويجمَعُ فيه فتيانَه وغِلمانَه. فارتاد موضِعَ مدينتِه المعروفة بالزاهرة، الموصوفة بالقصورِ الباهرة، وأقامها بطرفِ البلَدِ على نهر قرطبة الأعظم، ونسقَ فيها كلَّ اقتدارٍ معجزٍ ونَظَم. وشرع في بنائِها في هذه السنة المؤرَّخة، وحشَدَ إليها الصُّنَّاع والفَعَلة، وجلب إليها الآلاتِ الجليلة، وسَرْبَلَها بهاءً يَرُدُّ العيونَ كليلةً، وتوسع في اختطافها، وتولَّع بانتشارها في البسيطة وانبساطها، وبالغَ في رفع أسوارها، وثابر على تسويةِ أنجادها وأغوارها. فاتسعت هذه المدينةُ في المدَّة القريبة، وصار من الأنباء الغريبة, وبنى معظمَها في عامين.
هو شَيخُ الشِّيعةِ، وصاحِبُ التَّصانيفِ، أبو جَعفرٍ محمدُ بن الحسنِ بن عليٍّ الطُّوسيُّ، فَقيهُ الإِمامِيَّة وعالِمُهُم، انتَقلَ مِن خُراسان إلى بغداد وأقامَ فيها أربعين سَنةً، تَفَقَّهَ فيها أوَّلًا للشافعيِّ, ثم أَخذَ الكلامَ وأُصولَ الشِّيعةِ عن الشيخِ المُفيدِ رَأسِ الإماميَّةِ ولَزِمَهُ حتى تَحوَّل رافِضِيًّا، وعَمِلَ التَّفسيرَ، وأَملَى أحاديثَ ونَوادِرَ في مُجلَّدينِ، عامَّتُها عن شَيخِه المُفيدِ، ثم رَحلَ إلى النَّجفِ واستَقرَّ بها حتى تُوفِّي فيها، أُحرِقَت كُتبُه عِدَّةَ مَرَّاتٍ، له مِن التَّصانيفِ ((البيان الجامع لعلوم القرآن))، و((الاستبصار فيما اختُلِفَ فيه من الأخبار))، و((الاقتصاد في الاعتقاد))، وله أمالي وغيرُ ذلك، قال الذهبيُّ: "أَعرضَ عنه الحُفَّاظُ لِبِدعَتِه، وقد أُحرِقَت كُتبُه عِدَّةَ نُوَبٍ في رَحْبَةِ جامعِ القَصْرِ، واستَتَر لمَّا ظَهَرَ عنه مِن التَّنَقُّصِ بالسَّلَفِ، وكان يَسكُن بالكرخِ، مَحَلَّةِ الرَّافِضَةِ، ثم تَحوَّل إلى الكوفةِ، وأقامَ بالمَشهَدِ يُفَقِّهُهم, وكان يُعَدُّ مِن الأذكياءِ لا الأزكياءِ" تُوفِّي بمَشهدِ عليِّ بن أبي طالبٍ ودُفِنَ فيهِ، عن 75 عامًا.
استولى الملك الأذفونش ملك الجلالقة بطليطلة على وهران، وفعل بأهلها الأفاعيل، ثم سما لتملُّك الجزائر وشَرِه لالتهامها وضايَقَ المسلمين في ثغورهم، وضعف بنو زيان عن مقاومته, فما كان من الشيخ الفقيه الصالح أبي العباس أحمد ابن القاضي الزواوي ممن له الشهرة والوجاهة الكبيرة في بسائط المغرب الأوسط وجباله إلا السعي للاستنجاد بالدولة العثمانية التي قد زخر عبابُهم وملكت أكثَرَ المسكونة خلال هذه الفترة، وظهر من قوَّاد عساكرهم البحرية قائدان عظيمان وهما خير الدين بربروسا وأخوه عروج باشا، وكانا قد تابعا الغزو على بلاد الكفر برًّا وبحرًا وأوقعا بأهل دول أوربا وقائع شهيرة، وصار لهم ذكر في أقطار البلاد، وتمكن ناموسهم من قلوب العباد، فكاتبهما الفقيه أبو العباس وعرَّفهما بما المسلمون فيه من مضايقة العدو الكافر، وقال: إن بلادنا بقيت لك أو لأخيك أو للذئب؛ فأقبَلَا نحوه مسرعَينِ حتى تمكن عروج من تحرير مدينة ثغر الجزائر سنة 922 (1516م) بعد ما كاد العدو يملكه فخلَّصه منهم.
بعث مَلِكُ الرُّوم بأسرى من المسلمينَ، ويسألُ المُفاداة بمن عنده وكان الذي قَدِمَ من قِبَل صاحب الروم رسولًا إلى المتوكِّلِ شَيخًا يُدعى أطرو بيليس، معه سبعةٌ وسبعون رجلًا من أسرى المسلمين أهداهم ميخائيل بن توفيل ملك الروم إلى المتوكِّلِ، فأنزل على شنيف الخادم، ثم وجَّه المتوكِّلُ نصر بن الأزهر مع رسولِ صاحِبِ الروم، فشخص في هذه السنة ولم يقَع الفداءُ إلَّا في سنة ستٍّ وأربعين.
لما تمكَّن البرتغاليون من إغلاق البحر الأحمر في وجه السفن التجارية العربية زحفوا على الساحل إلى الخليج العربي ودمَّروا مسقط وغيرها من الموانئ الهامة، حتى وصلوا إلى هرمز وبسطوا سيطرتهم عليها، وأقاموا الثكنات العسكرية، وفرضوا سيادتهم على الخليج العربي كاملًا حتى إن أي سفينة لا تستطيع الإبحار إلا بتصريح منهم، وبذلك استطاعوا حصر النشاط التجاري في الخليج العربي وقَبْلَه في الساحل الهندي، فأصبحت تجارة العالم كله بأيديهم.
أَعْلن السوريون الإضرابَ الشامل في قرى ومدن الجولانِ؛ وذلك احتجاجًا منهم على فرض القانون الإسرائيليِّ على الجولانِ السورية المحتلَّةِ.
ويرجِعُ هذا القانون إلى تاريخ 14/12/1981م، حيث أقرَّت الكنيست الإسرائيلية تطبيقَ القانون الإسرائيلي على الجولانِ المحتلِّ، واعتبار سكانه مواطنينَ إسرائيليِّينَ، وسُمِّيَ القانون آنذاك بـ"قانون الجولان"، وقد قوبلَ هذا القانونُ بالرفض من قِبَل الأمم المتحدة، واعتبرَتْه قانونًا غيرَ شرعي.
وُلِدَ نمر باقر النمر في عامِ 1379هـ في مدينةِ العواميَّةِ في محافظةِ القطيفِ بشرقِ السُّعوديةِ، ودرَسَ في مَسقَطِ رأسِه العواميةِ، ثم هاجَرَ بعد ذلك إلى إيرانَ عامَ 1980م؛ إذ التحقَ بالحَوْزةِ العِلميَّة، وبقيَ هناك ما يقارِبُ عشرَ سنَواتٍ قَبْلَ أن يتَّجِهَ إلى سوريَّةَ. وهو عالِمُ دِينٍ شِيعيٍّ سُعوديٍّ أثارت خِطاباتُه التحريضية جدَلًا واسعًا، واعتُقِل عدَّةَ مَرَّاتٍ، ثم حَكَمَت عليه المحكمةُ الجزائيَّةُ في السُّعوديَّةِ بالقتلِ تعزيرًا، ونُفِّذَ الحُكمُ عليه.
خَرجَت خارِجَة مِن الحَرورِيَّة بالعِراق، يَتَزَعَّمُهم شَوْذَب واسْمُه بِسْطام مِن بَنِي يَشْكُر في ثمانين فارِسًا أَكثرُهم مِن رَبيعَة، فبَعَث أَميرُ المؤمنين عُمَرُ بن عبدِ العزيز إلى عبدِ الحَميدِ نائِب الكوفَة يَأمُرهُ بأن يَدعوهم إلى الحَقِّ، ويَتَلَطَّف بِهم، ولا يُقاتِلهم حتَّى يُفسِدوا في الأَرضِ، فلمَّا فَعَلوا ذلك بَعَث إليهم جَيْشًا فكَسَرهُم الحَرورِيَّةُ، فبَعَث عُمَرُ إليه يَلومُه على جَيْشِه، وقد أَرسَل عُمَرُ إلى بِسْطام يَقولُ له: ما أَخْرَجَك عَلَيَّ؟ فإن كُنتَ خَرجتَ غَضَبًا لله فأنا أَحَقُّ بذلك مِنك، ولستَ أَوْلى بذلك مِنِّي، وهَلُمَّ أُناظِرُك; فإن رَأيتَ حَقًّا اتَّبَعْتَه، وإن أَبْدَيْتَ حَقًّا نَظَرْنا فيه. فبَعَث طائِفَةً مِن أَصحابِه إليه، فاخْتارَ منهم عُمَرُ رَجُلين فسَأَلهُما: ماذا تَنْقِمون؟ فقالا: جَعْلَكَ يَزيد بن عبدِ الملك مِن بَعدِك. فقال: إنِّي لم أَجْعَله أَبَدًا، وإنَّما جَعلَه غَيْري. قالا: فكيف تَرْضَى به أَمينًا للأُمَّةِ مِن بَعدِك؟ فقال: أَنْظِرْني ثَلاثَة. فيُقال: إنَّ بَنِي أُمَيَّة دَسَّتْ إليه سُمًّا فقَتَلوه; خَشْيَةَ أن يَخرُج الأَمرُ مِن أَيديهِم. فلمَّا مات عُمَرُ أراد عَبدُ الحَميد بن عبدِ الرحمن أن يَحْظَى عند يَزيد بن عبدِ الملك، فكَتَب إلى محمَّدِ بن جَريرٍ يَأمُرُه بمُحارَبَة شَوْذَب وأَصحابِه، فبَرَزَ له شَوْذَب فاقْتَتَلوا، وأُصِيبَ مِن الخَوارِج نَفَرٌ، وأَكثَروا في أَهلِ الكوفَة القَتْل، فوَلُّوا مُنْهَزِمين والخَوارِجُ في أَكتافِهم حتَّى بَلَغوا أَخْصاص الكوفَة، فأَقَرَّ يَزيدُ عبدَ الحَميد على الكوفَة، ووَجَّهَ مِن قِبَلِهِ تَميمَ بن الحُباب في أَلْفَيْنِ فقَتَلوه وهَزَموا أَصحابَه، فوَجَّهَ إليهم نَجْدَةَ بن الحَكَم الأَزْدِي في جَمْعٍ، فقَتَلوه وهَزَموا أَصحابَه، فبَعَث آخَر في أَلْفَيْنِ فقَتَلوه، فأَنْفَذَ يَزيدُ أَخاهُ مَسلمةَ بن عبدِ الملك، فنَزَل الكوفَة، ودَعا سَعيدَ بن عَمرٍو الحَرَشِي، فعَقَدَ له على عَشرَة آلافٍ ووَجَّهَهُ، فقال لأَصحابِه: مَن كان يُريدُ الله عَزَّ وجَلَّ فقد جاءَتْهُ الشَّهادَة، ومَن كان إنَّما خَرَج للدُّنيا فقد ذَهبَت الدُّنيا منه. فكَسَروا أَغْمادَ سُيوفِهِم وحَمَلوا على الخَوارِج حتَّى طَحَنوهُم وقَتَلوا شَوْذَبًا.
نَهَبَ العَربُ البَصرةَ نَهْبًا قَبيحًا، وسَببُ ذلك أنَّه وَرَدَ إلى بغداد، في بَعضِ السِّنين، رَجلٌ أَشقرُ مِن سَوادِ النِّيلِ يَدَّعِي الأَدبَ، والنَّظَرَ في النُّجومِ، ويَستَجرِي الناسَ، فلَقَّبَهُ أَهلُ بغداد تليا –أي التابع-، وكان نازلًا في بَعضِ الخاناتِ، فسَرَقَ ثِيابًا من الدِّيباجِ وغَيرِه، وأَخفَاها في خلفا، وسار بهم، فرَآها الذين يَحفَظون الطَّريقَ، فمَنَعوهُ من السَّفَر اتِّهامًا له، وحَمَلوهُ إلى المُقَدَّم عليهم، فأَطلَقَه لِحُرمَةِ العِلْمِ، فسار إلى أَميرٍ من أُمراءِ العَربِ مِن بَنِي عامرٍ، وبِلادُه مُتاخِمَة الأَحساء، وقال له: أنت تَملِك الأرضَ، وقد فَعلَ أَجدادُك بالحاج كذا وكذا، وأَفعالُهم مَشهورَةٌ، مَذكورَةٌ في التَّواريخِ، وحَسَّنَ له نَهْبَ البَصرَةِ وأَخْذَها، فجَمعَ مِن العَربِ ما يَزيدُ على عشرةِ آلافِ مُقاتلٍ، وقَصدَ البَصرَةَ، وبها العَميدُ عصمة، وليس معه من الجُنْدِ إلا اليَسيرُ، لِكَوْنِ الدنيا آمِنَةً مِن ذاعِرٍ، ولأنَّ الناسَ في جِنَّةٍ مِن هَيبَةِ السُّلطانِ، فخَرجَ إليهم في أَصحابِه، وحارَبَهم، ولم يُمَكِّنهُم من دُخولِ البَلدِ، فأَتاهُ مَن أَخبَرهُ أنَّ أَهلَ البَلَدِ يُريدونَ أن يُسلِّموهُ إلى العَرَبِ، فخاف، ففارَقَهم، وقَصدَ الجَزيرةَ التي هي مكانُ القَلعةِ بنَهرِ معقل، فلمَّا عاد أَهلُ البَلدِ بذلك فارَقوا دِيارَهم وانصَرَفوا، ودَخلَ العَربُ حينئذٍ البَصرَةَ، وقد قَوِيَت نُفوسُهم، ونَهَبوا ما فيها نَهْبًا شَنيعًا، فكانوا يَنهَبون نَهارًا، وأَصحابُ العَميدِ عصمة يَنهَبون لَيلًا، وأَحرَقوا مَواضِعَ عِدَّةً، وفي جُملَةِ ما أَحرَقوا دارانِ للكُتُبِ إحداهما وُقِفَت قبلَ أيامِ عَضُدِ الدولةِ بن بويه، وهي أَوَّلُ دارٍ وُقِفَت في الإسلامِ. والأُخرى وَقَفَها الوَزيرُ أبو مَنصورِ بن شاه مردان، وكان بها نَفائِسُ الكُتُبِ وأَعيانُها، وأَحرَقوا أيضًا النَّحَّاسِينَ وغَيرَها من الأماكنِ، وخُرِّبَت وُقوفُ البَصرَةِ التي لم يكُن لها نَظيرٌ، وكان فِعْلُ العَربِ بالبَصرَةِ أَوَّلَ خَرْقٍ جَرَى في أيامِ السُّلطانِ ملكشاه. فلمَّا فَعَلوا ذلك، وبَلغَ الخَبرُ إلى بغداد، انحَدرَ سَعدُ الدولةِ كوهرائين، وسَيفُ الدولةِ صَدقةُ بن مزيد إلى البَصرَةِ لإصلاحِ أُمورِها، فوَجَدوا العَربَ قد فارَقوها، ثم إن تليا أُخِذَ بالبَحرَينِ، وأُرسِلَ إلى السُّلطانِ، فشَهَرَهُ ببغداد سَنةَ أربع وثمانين وأربعمائة على جَمَلٍ، وعلى رَأسِه طرطور، وهو يُصفَع بالدِّرَّةِ، والناسُ يَشتُمونَه، ويَسُبُّهم، ثم أُمِرَ به فصُلِبَ.
قُتِلَ شَمسُ الدين محمَّد بن عبد الملك المعروف بابنِ المُقَدَّم يومَ عَرَفة بعَرَفاتٍ، وهو أكبَرُ الأمراء الصلاحية، وسبَبُ قتله أنَّه لما فتَحَ المُسلِمونَ بيت المقدس طَلَب إذنًا من صلاحِ الدين ليحُجَّ ويُحرِمَ مِن القدس، ويجمَعَ في سنةٍ بين الجِهادِ والحَجِّ وزيارة الخليل- عليه السلام- وما بالشام من مشاهِدِ الأنبياء، وبين زيارةِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم أجمعين، فأَذِنَ له, وكان قد اجتمَعَ تلك السنة من الحُجَّاج بالشام الخَلقُ العظيم من بلاد العراق، والموصل، وديار بكر، والجزيرة، وخلاط، وبلاد الروم، ومصر وغيرها؛ لِيَجمعوا بين زيارة بيت المقدس ومكَّة، فجُعِلَ ابنُ المقدم أميرًا عليهم، فساروا حتى وصلوا إلى عرفات سالمين، ووقفوا في تلك المشاعِرِ، فلما كان عَشيَّةُ عرفةَ تجهَّزَ هو وأصحابُه ليسيروا مِن عَرَفات، فأمَرَ بضَربِ كوساته- قطعتان من نحاس تشبهان الترس الصغير، يُدَقُّ بأحدها على الآخَرِ بإيقاعٍ مخصوصٍ- التي هي أمارة الرحيل، فضربها أصحابُه، فأرسل إليه أميرُ الحاجِّ العراقي، وهو مجبر الدين طاش تكين، ينهاه عن الإفاضةِ مِن عرفات قبله، ويأمُرُه بكَفِّ أصحابه عن ضَربِ كوساته، فأرسل إليه: إني ليس لي معك تعَلُّقٌ؛ أنت أمير الحاجِّ العراقي، وأنا أميرُ الحاجِّ الشاميِّ! وكلٌّ منا يفعَلُ ما يراه ويختاره، وسار ولم يقف، ولم يسمعْ قَولَه، فلما رأى طاش تكين إصرارَه على مخالفَتِه رَكِبَ في أصحابه وأجناده، وتَبِعَه من غوغاء الحاجِّ العراقي وبطاطيهم، وطاعتهم، والعالم الكثير، والجم الغفير، وقصدوا حاجَّ الشام مهولين عليهم، فلمَّا قَرُبوا منهم خرج الأمرُ مِن الضبط، وعَجَزوا عن تلافيه، فهَجَم طماعة العراقِ على حاجِّ الشامِّ وفتَكوا فيهم، وقَتَلوا جماعةً ونُهِبَت أموالُهم وسُبِيَت جماعةٌ مِن نسائهم، إلا أنَّهن رُدِدنَ عليهم، وجُرِحَ ابنُ المقدم عِدَّةَ جراحات، وكان يكُفُّ أصحابَه عن القتال، ولو أذِنَ لهم لانتصف منهم وزاد، لكِنَّه راقب اللهَ تعالى، وحُرمةَ المكان واليوم، فلما أُثخِنَ بالجراحاتِ أخذه طاش تكين إلى خيمته، وأنزله عنده ليُمَرِّضَه ويستدرِكَ الفارِطَ في حَقِّه، وساروا تلك الليلةَ مِن عرفات، فلما كان الغدُ مات بمِنًى، ودُفِنَ بمَقبرةِ المُعلَّى.
بدأ الاستعمارُ الروسيُّ في فيرغيزيا عام 1866م، وقد أدَّى الاحتلالُ الروسي لقيرغيزيا إلى تناقُصِ عَدَدِ القيرغيز؛ بسبب الثوراتِ، والهروب من البلاد، والموت جوعًا، وحرب الإبادة التي مارسها الروسُ ضِدَّ القيرغيز؛ ففي سنة 1916م قامت ثورة قُتِلَ فيها 150 ألف قيرغيزي، ومات جوعًا من القيرغيز أثناء هربهم إلى الصين -إبَّان طغيان الحكم الشيوعي والسيطرة الروسية من قَبلُ- عشرات الآلاف، وأثناء الحكم الشيوعي منذ عام 1936م حتى عام 1991م سيطر الشيوعيون على كلِّ نواحي الحياة في البلاد، وأطلقوا على عاصمة البلاد اسم فرونزى نسبةً إلى القائد الروسي ميخائيل فرونزي الذي قاد الجيشَ الروسي في قتال القيرغيز واستعمار بلادهم، وكان الروسُ يشَجِّعون العداء بين القيرغيز وسكان الصين، وبدؤوا يغَيِّرون التاريخ والآداب والثقافة القيرغيزية، واتهموا الشعراء والأدباء وكتَّاب القصة بأنهم يفضِّلون الثقافة القيرغيزية على الروسية. وقد قامت السياسة الروسية السوفيتية السابقة على مبدأ تحريم استخدام الحروف العربية في كتابة اللغة التركية، وأصدر الروسُ أمرًا مركزيًّا يفرِضُ على مسلمي تركستان -ومن بينهم القيرغيز- اتخاذ الحروف الروسية (الكيريلية) بديلًا، وكان هذا عام 1940م. ليس هذا فقط بل قام نظام التعليمِ السوفيتي باقتلاع مسلمي قيرغيزيا من الإسلام، وبالفعل مُنِعَ التعليمُ الديني بكافَّة صوره وأشكاله، بل حُرِّم الإسلامُ وجُرِّمَ من آمَن به، وقد نسِيَ مسلمو قيرغيزيا العبادةَ وجَهِلوا دينَهم الذي حرَّم السوفييت عليهم أن يتعلَّموه وأن يُعلِّموه، ومع أن الطفلَ القيرغيزي -منذ قيام الثورة الشيوعية- كان يتلقى في المدارس والجامعات والنوادي والاجتماعات الإيمانَ بالماركسية، وماركس، ولينين، وستالين وغيرهم من رموز الإلحاد، لكِنَّ نظام التعليم الروسي لم يستطِعْ أن يقلَعَ من النفوس ومن القلوب ومن المشاعر الإيمانَ بأنْ لا إلهَ إلَّا الله وأنَّ محمدًا رسولُ الله -صلى اللهُ عليه وسلم- فكانت الأمُّ والأب يلقِّنان الأولادَ أنَّ إسلامَهم أعظمُ وأكبَرُ من كل دعاوى الماركسية ونظام البلاد، وقام الروس أيضًا بتشجيع الهجرة للروس إلى قرغيستان، حتى أصبحوا يقاربون عدد السكان الأصليين إنْ لم يزيدوا. عندها أعلنت روسيا قيامَ جمهورية قرغيستان التابعة للاتحاد السوفيتي.
هو بِشرُ بنُ غِياثِ بنِ أبي كريمةَ العَدَويُّ، مولاهم، البغداديُّ، المِرِّيسيُّ. شيخُ المعتزلة، وأحدُ من أضَلَّ المأمونَ، كان والِدُ بِشرٍ يهوديًّا، وصنَّف بِشرٌ كِتابًا في التَّوحيدِ، وكِتابَ (الإرجاء)، وكِتابَ (الرَّدُّ على الخوارجِ)، وكِتاب (الاستطاعة)، و(الرَّدُّ على الرَّافضةِ في الإمامةِ)، وكِتاب (كُفرُ المُشَبِّهة)، وكِتاب (المعرفة)، وكِتابُ (الوعيد) .نظَر في الفقهِ أوَّلَ أمرِه فأخذ عن القاضي أبي يوسُفَ، وروى عن حمَّادِ بنِ سَلَمةَ، وسُفيانَ بنِ عُيَينةَ. ثُمَّ نظر في عِلمِ الكلامِ، فغلب عليه، ودعا إلى القولِ بخلقِ القرآنِ، حتى كان عينَ الجَهْميَّةِ في عصرِه وعالِمَهم، فمقَتَه أهلُ العلمِ، وكفَّره عِدَّةٌ منهم، ولم يُدرِكْ جَهْمَ بنَ صَفوانَ، بل تلقَّف مقالاتِه من أتباعِه . ومات بِشرٌ سنةَ 218هـ.وقد وقَف العُلَماءُ منه موقفًا شديدًا، ونُقِل عن كثيرٍ تكفيرُه، ومنهم: سفيانُ بنُ عُيَينةَ، وعبدُ اللهِ بنُ المبارَكِ، وعبَّادُ بنُ العوَّامِ، وعليُّ بنُ عاصمٍ، ويحيى بنُ سعيدٍ، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ مَهديٍّ، ووكيعٌ، وأبو النَّضرِ هاشِمُ بنُ القاسِمِ، وشبابةُ بنُ سوارٍ، والأسودُ بنُ عامرٍ، ويزيدُ بنُ هارونَ، وبِشرُ بنُ الوليدِ، ويوسُفُ بنُ الطَّبَّاعِ، وسُليمانُ بنُ حسَّانَ الشَّاميُّ، ومُحمَّدٌ ويَعلَى ابنا عُبَيدٍ الطَّنافسيَّانِ، وعبدُ الرَّزَّاقِ بنُ همَّامٍ، وأبو قتادةَ الحرَّانيُّ، وعبدُ الملِكِ بنُ عبدِ العزيزِ الماجِشونُ، ومُحمَّدُ بنُ يوسُفَ الفِريابيُّ، وأبو نُعَيمٍ الفضلُ بنُ دُكَينٍ، وعبدُ اللهِ بنُ مَسلَمةَ القَعْنبيُّ، وبِشرُ بنُ الحارثِ، ومُحمَّدُ بنُ مُصعَبٍ الزَّاهِدُ، وأبو البَختريِّ وَهبُ بنُ وَهبٍ السَّوائيُّ المدنيُّ قاضي بغدادَ، ويحيى بنُ يحيى النَّيسابوريُّ، وعبدُ اللهِ بنُ الزُّبَيرِ الحُمَيديُّ، وعليُّ بنُ المدينيِّ، وعبدُ السَّلامِ بنُ صالحٍ الهَرَويُّ، والحَسَنُ بنُ عليٍّ الحلوانيُّ .وسبَبُ هذا الموقِفِ الشديدِ تجاهَه أنَّ الأصولَ والمناهِجَ التي سلكها المِرِّيسيُّ أصولٌ ومناهِجُ كُفريَّةٌ تقومُ على التلبيسِ والخِداعِ اللَّفظيِّ، وذلك أنَّه قد توسَّع في بابِ التأويلاتِ وصَرفِ النُّصوصِ، وخاض فيها أكثَرَ ممَّن سبقه من الجَهْميَّةِ، فآراؤه ومقالاتُه تمثِّلُ المرحلةَ الثَّالثةَ من مراحلِ الجَهْميَّةِ وأطوارِها بَعدَ الجَعْدِ والجَهْمِ؛ لأنَّ المِرِّيسيَّ نهَج نهجًا أكثَرَ تلبيسًا وتمويهًا وخُبثًا من أسلافِه، حيث كان منهَجُ الجَعْدِ والجَهْمِ يصادِمُ النُّصوصَ بعُنفٍ، أمَّا المِرِّيسيُّ فقد سلك مسلَكَ التأويلِ، وعَرَض مَذهَبَ الجَهْميَّةِ بأسلوبٍ ماكرٍ، ولديه شيءٌ من العِلمِ والفقهِ، يُلبِّسُ به على النَّاسِ. ومن وُجوهِ خُطورةِ فِكرِه أنَّ توسُّعَه في بابِ التأويلاتِ صار نهجًا لكثيرٍ من المُتكلِّمين بَعدَه، كابنِ فُورَك، والبغداديِّ، والشَّهْرَستانيِّ، والجُوَينيِّ، والرَّازيِّ، والماتُريديِّ، وأتباعِهم من متأخِّري الأشاعِرةِ والماتُريديَّةِ.
كان السُّلطانُ مُحمَّدُ بن قلاوون قَبلَ وَفاتِه أوصى بأن يُعادَ أحمدُ بنُ سُليمان للخلافةِ على ما كان أبوه عَهِدَ إليه، وأشهد على ذلك أربعين عَدلًا وقاضيَ قوصٍ وغيرَه من الفقهاء والقُضاة، ففي أوَّلِ هذه السنة أحضر السلطانُ المنصورُ بن محمد بن قلاوون الخليفةَ الواثِقَ إبراهيمَ وخَلَعَه بناءً على وصيَّةِ المستكفي لابنِه أحمد، وبايع القُضاةُ والسلطانُ أحمدَ بنَ سليمان المستكفي ولقَبَّه الحاكِمَ بأمر الله.
تمكَّن الإمام فيصل بن تركي من الهروبِ مِن سِجنِه في مصر متدلِّيًا بحبل، ونزل معه ابنه عبد الله، وأخوه جلوي بن تركي، وابن أخته عبد الله بن إبراهيم، وكان ذلك ليلًا، ثم غادروا مصر حتى وصلوا جبل شمر، فاستقبلهم عبدُ الله بن علي بن رشيد -والي جبل شمر مِن قِبَل فيصل- فأكرمهم ووعدهم بالمساعدةِ بالمال والرِّجالِ، والقتال معهم.
اقتتل السُّلطانُ سنجر ومَلِك الغور علاءُ الدين الحسين بن الحسين أوَّلُ مُلوكِهم، فكَسَرَه سنجر وأسَرَه، ثم عَفا عنه وأطلَقَه إلى بلاده، ثمَّ إن علاء الدين قَصَدَ غزنةَ, ومَلِكُها حينئذ بهرام شاه بن إبراهيمَ بنِ مَسعودِ بنِ محمود بن سبكتكين فلم يَثبُتْ بها بين يدي علاءِ الدينِ الغوريِّ، بل فارَقَها إلى كرمان، وهي مدينةٌ بينَ غزنةَ والهندِ، وسُكَّانُها قَومٌ يُقالُ لهم أبغان، فلمَّا فارق بهرام شاه غزنةَ مَلَكَها علاء الدين، وأحسَنَ السيرةَ في أهلِها، واستعمَلَ عليهم أخاه سيف الدين سوري، وأجلسه على تخت المَملكةِ، وخَطَب لنَفسِه ولأخيه سيفِ الدِّينِ بَعْدَه، ثمَّ عاد علاءُ الدين إلى بلد الغور، وأمَرَ أخاه أن يخلَعَ على أعيانِ البَلَدِ خِلَعًا نفيسةً، ويَصِلَهم بصِلاتٍ سَنِيَّةٍ، ففَعَلَ ذلك وأحسنَ إليهم، فلمَّا جاء الشتاء ووقَعَ الثَّلجُ، وعَلِمَ أهل غزنة أنَّ الطَّريقَ قد انقطَعَ إليهم، كاتَبوا بهرام شاه الذي كان صاحِبَها، واستدعوه إليهم، فسار نحوَهم في عسكَرِه، فلما قارب البلَدَ ثار أهلُه على سيف الدين فأخذوه بغيرِ قتالٍ، وكان العلويُّونَ هم الذين تولَّوا أسْرَه، وانهزم الذين كانوا معه، فمنهم مَن نجا، ومنهم من أُخِذَ، ثمَّ إنَّهم سَوَّدوا وَجهَ سَيفِ الدين، وأركبوه بقرةً وطافوا به البلَدَ، ثمَّ صَلَبوه، وقالوا فيه أشعارًا يَهجُونَه بها وغنى بها حتى النِّساءُ، فلمَّا بلغ الخبَرُ إلى أخيه علاء الدين الحسين قال شعرًا معناه: إنْ لم أقلَعْ غزنةَ في مَرَّةٍ واحدة، فلَسْتُ الحسين بن الحسين؛ ثم توفِّيَ بهرام شاه ومَلَك بعده ابنُه خسروشاه، وتجهَّزَ علاء الدين الحُسَين وسار إلى غزنة سنة 550، فلمَّا بلغ الخبَرُ إلى خسروشاه سار عنها إلى لهاوور، ومَلَكَها علاء الدين، ونَهَبها ثلاثة أيام، وأقام بغزنةَ حتى أصلَحَها، ثم عاد إلى فيروزكوه، وتلَقَّبَ بالسُّلطانِ المُعَظَّم وحَمَلَ الجتر على عادةِ السلاطين السلجوقية، فكان خسروشاه آخِرَ مُلوك سبكتكين وبه انقَضَت دولتُهم التي دامت مائتين وثلاث عشرة سنةً تَقريبًا.