الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1185 ). زمن البحث بالثانية ( 0.013 )

العام الهجري : 1426 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 2005
تفاصيل الحدث:

بدأ سلفا كير حياتَه العسكريةَ جُنديًّا في الجيش السوداني قبلَ أنْ يَلتحِقَ بقوات جارانج، وفي عام 1986م أصبحَ نائبًا لقائد الأركان، ومكلَّفًا بالعمليات في الجيش الشعبي لتحرير السودان، وفي عام 1997م أصبحَ نائبًا لجارانج في قيادة الحركة، وفي الوقت نفسِه قائدًا عسكريًّا لقواتها المسلَّحة في بحر الغزال.
ثارت الإشاعاتُ منذُ عامِ 1998م حولَ خلافه مع جون جارانج، وبأنَّه كان يُخطِّط لانقلابٍ داخلَ الحركة الشعبية واعتقال قائده جارانج، ويُعَدُّ سلفا كير من المتشدِّدين داخلَ الحركة، وكان مؤيِّدًا قويًّا لخيار الانفصال عن الحكومة المركزية، باعتباره حلًّا أمثلَ للجنوب.
وكاد أنْ يؤدِّيَ خلافٌ بين الرجُلَينِ في نوفمبر/ تشرين الثاني عامَ 2004م إلى انشقاقٍ في الحركة؛ لأنَّه أبْدى عدمَ رِضاه عن أسلوب جارانج الانفرادي، وتردَّدَت شائعاتٌ بأنَّ جارانج كان يَسْعى لإقالة كير من منصبِه كقائدٍ لقواتِ الحركة الشعبية، لكنَّه لم يكُنْ قادرًا على ذلك بسبب التأييدِ القويِّ الذي كان يتمتَّعُ به كير بين زعماء الجنوب.
وبعد رحيل جارانج في حادثِ تحطُّمِ مِروحيَّةٍ أدَّى كير اليَمينَ القانونيةَ نائبًا للرئيس السوداني عمر البشير في 11 أغسطس/ آب 2005، كما سارَعَ بإعلان التزامه باتفاق السلام الذي تمَّ التوصلُ إليه في يناير/ كانون الثاني 2005م، وينصُّ على تشكيلِ حكومةٍ ائتلافيةٍ، واقتسام الثروة، والسلطة، وإجراء استفتاءٍ في الجنوب على الانفصال عن الشمال بعد ستِّ سنواتٍ.

العام الهجري : 1432 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 2010
تفاصيل الحدث:

بدَأَت أحداثُ الثورةِ المصريَّة بتظاهُراتٍ سِلمية شارك فيها آلافُ المُحتَجِّين في القاهرة وغيرها، واختار الدَّاعُون إلى هذه التظاهُرات يومَ (25) يناير؛ لمُصادَفَته عيدَ الشرطة؛ وذلك تضامُنًا مع خالد سعيد، الشابِّ المصريِّ من الإسكندريَّة، الذي قيل: إنَّه اعتُقِل وعُذِّب حتى الموتِ في أحدِ أقسام الشُّرطة في (6 يونيو 2010). وأدَّى استمرارُ التظاهُرات إلى سقوطِ عَشَرات القتلى، ومئاتِ الجرحى، واعتقالِ المئات في عدَّةِ مدن مصريَّةٍ، ثم طَلَب الرئيسُ المصريُّ محمد حسني مبارك من الحكومة في (28) يناير التقدُّمَ باستقالَتِها؛ وعيَّن في اليومِ التالي الوزيرَ عمر سليمان نائبًا له، ولكن التظاهُراتِ استمَرَّت في الأيامِ التالية في مُختلَف المدن المصرية، وبخاصةٍ في ميدان التحرير وسط القاهرة الذي قامت فيه عدةُ تظاهُرات مليونية تُطالِب برحيل الرئيس مبارك، وإسقاطِ النظام. وفي يومَي (2 و3 فبراير) قام مجهولون بالهُجومِ على المُتظاهِرين في مَيدان التحرير مستخدِمين وسائلَ عديدةً، منها الخيولُ والجمالُ، والعِصِيُّ والأدواتُ الحادَّة والزجاجاتُ الحارقةُ، وإطلاقُ الرَّصاص. وقدَّم الرَّئيسُ مبارك عِدَّةَ مُبادَراتٍ لم تكن كافيةً في نظرِ المُحتَجِّين، من أبرزها: القِيامُ بتعديلاتٍ دستورية، وتفويضُ صلاحِيَاته إلى نائبه عمر سليمان، غير أنَّ استمرارَ التَّظاهُراتِ وتوسُّعَها أدَّى في النهاية إلى تنحِّي مبارك عن السلطة في اليوم الثامِنَ عشر للثورة في (11) فبراير، وذلك بعد ثلاثين عامًا قضاها في الحُكم.

العام الهجري : 541 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1146
تفاصيل الحدث:

هو المَلِكُ المنصورُ، أبو الجودِ الأتابك عِمادُ الدين زنكي بنُ الحاجِبِ قسيم الدولة آقسنقر بن عبد الله التركي، صاحِبُ المَوصِل. وُلِدَ سنة 477. قتل والِدُه, قسيمُ الدَّولةِ مملوكُ السُّلطانِ ألب أرسلان, وله يومئذٍ عَشرُ سنينَ، ولم يُخَلِّفْ والِدُه ولدًا غَيرَه، فالتَفَّ عليه غِلمانُ أبيه، ورَبَّاه كربوقا، وأحسَنَ إليه, فكان زنكي بطلًا شُجاعًا مِقدامًا كأبيه، عظيمَ الهَيبةِ مَليحَ الصُّورةِ، أسمرَ جميلًا، قد وَخَطَه الشَّيبُ، وكان عاليَ الهِمَّةِ، لا يَقِرُّ ولا ينامُ، فيه غَيرةٌ حتى على نِساءِ جُندِه، عَمَرَ البِلادَ, وكان يُضرَبُ بشجاعتِه المَثَلُ، وهو من أشجَعِ خَلقِ الله. قبل أن يَملِكَ شارك مع الأميرِ مودود صاحبِ المَوصِلِ حِصارَ مدينةِ طَبريَّة، وهي للفِرنجِ، فوصلت طعنتُه إلى بابِ البَلَدِ، وأثَّرَ فيه. وحمل أيضًا على قلعةِ عقر الحميدية، وهي على جَبَلٍ عالٍ، فوصَلَت طعنتُه إلى سورِها, وأمَّا بعدَ مُلكِه، فكان الأعداءُ مُحدِقينَ ببِلادِه، وكلُّهم يَقصِدُها، ويريدُ أخْذَها، وهو لا يَقنَعُ بحِفظِها، حتى إنَّه لا ينقضي عليه عامٌ إلَّا وهو يفتَحُ مِن بلادِهم, ومِن شجاعَتِه التي لم يُسمَعْ بمِثلِها أنَّه كان في نَفَرٍ أثناءَ حصارِ طَبَريَّة وقد خرج الفِرنجُ مِن البَلَدِ، فحمل عليهم هو ومَن معه وهو يَظُنُّ أنَّهم يَتبَعونَه فتخَلَّفوا عنه وتقَدَّمَ وَحْدَه وقد انهزَمَ مَن بظاهِرِ البلدِ مِن الفرنجِ فدخلوا البلَدَ ووَصَلَ رُمحُه إلى البابِ فأثَّرَ فيه، وقاتلهم عليه وبَقِي ينتظر وصولَ من كان معه فحيث لم يَرَ أحدًا حمى نفسَه وعاد سالِمًا، فعَجِبَ النَّاسُ مِن إقدامِه أوَّلًا، ومِن سلامتِه آخِرًا, وكان زنكي من الأمراءِ المُقَدَّمينَ، فوَّضَ إليه السُّلطان محمودُ بن ملكشاه شحنكية بغداد، سنة 511 في العامِ الذي وُلِدَ له فيه ابنُه المَلِك العادِلُ نورُ الدين محمود، ثمَّ عَيَّنه السُّلطانُ محمود على المَوصِل، بتوصيةٍ مِن القاضي بهاءِ الدينِ أبو الحَسَن علي بن الشهرزوي وصلاح الدين محمد الياغبساني بعد أن أشارا به على وزير السُّلطان بقَولِهما: "قد عَلِمْتَ أنت والسُّلطانُ أنَّ بلادَ الجزيرة والشَّام قد استولى الإفرنجُ على أكثَرِها وتمَكَّنوا منها وقَوِيَت شَوكتُهم، وكان البرسقي يَكُفُّ بعضَ عادِيَتِهم، فمُنذ قُتِلَ ازداد طَمَعُهم، وهذا وَلَدُه طِفلٌ صَغيرٌ ولا بُدَّ للبلادِ مِن شَهمٍ شُجاعٍ يَذُبُّ عنها ويحمي حَوزَتَها، وقد أنهينا الحالَ إليكم لئلَّا يجريَ خَلَلٌ أو وهَنٌ على الإسلامِ والمُسلِمينَ فنَحصُلَ نحن بالإثمِ مِن الله تعالى، واللوم من السُّلطانِ، فأنهى الوزيرُ ذلك إلى السُّلطان فأعجَبَه، وقال: مَن تَرَيانِ يَصلُحُ لهذه البلادِ، فذكرا جماعةً فيهم عمادُ الدين زنكي، وعَظَّمَا محَلَّه أكثَرَ مِن غَيرِه" فأجاب السُّلطانُ إلى توليَتِه؛ لِمَا عَلِمَ مِن شَهامَتِه وكفايتِه، فوَلَّاه البلادَ جَميعَها، وكتب بذلك منشورًا, ولَمَّا قَدِمَ زنكي المَوصِل سَلَّمَ إليه السُّلطانُ محمود وَلَديه ألب أرسلان وفروخشاه المعروف بالخفاجي ليُرَبِّيهما؛ فلهذا قيل لزنكي "أتابك"؛ لأنَّ الأتابك هو الذي يُرَبِّي أولاد الملوك. سار زنكي مِن بغدادَ إلى البوازيج ليَملِكَها ويتقَوَّى بها. كان زنكي يُحسِنُ اختيارَ رِجالِه وقادتِه، فيَختارُ أصلَحَهم وأشجَعَهم, وأكرَمَهم لِمَهامِّ ولايتِه وقيادةِ جُيوشِه، وكان في المُقابِلِ يُكرِمُهم ويَحتفي بهم. عَمِلَ زنكي على تَرتيبِ أوضاعِ المَوصِلِ فقَرَّرَ قواعِدَها فولَّى نصير الدين جقر دزدارية قلعةَ المَوصِل, وجَعَلَ الصَّلاحَ مُحمَّدَ الياغبساني أميرَ حاجِبِ الدولة وجعَلَ بهاء الدين قاضيَ قُضاةِ بلادِه جَميعِها وما يفتَحُه مِن البلادِ، ووفَى لهم بما وعَدَهم وكان بهاءُ الدين أعظَمَ النَّاسِ عنده مَنزِلةً وأكرَمَهم عليه وأكثَرَهم انبساطًا معه وقُربًا منه، ورَتَّبَ الأمورَ على أحسَنِ نِظامٍ وأحكَمِ قاعدةٍ, ثمَّ تفَرَّغَ عِمادُ الدين زنكي لتحريرِ بلاد المُسلِمينَ مِن الفرنج، فبدأ بتَوحيدِ الجَبهةِ الإسلاميَّةِ وهي أراضي المُسلِمينَ المحيطةُ بالفِرنجِ الصَّليبيِّينَ في الشَّامِ, ففَتَحَ مدائِنَ عِدَّةً، وكان خُصومُه من المُسلِمينَ محيطينَ به مِن كُلِّ الجِهاتِ، وهو ينتَصِفُ منهم، ويستولي على بلادِهم, وقد أحاطت ولاياتُهم بولايتِه مِن كُلِّ جِهاتِها، فهو يقصِدُ هذا مَرَّةً وهذا مَرَّةً، ويأخُذُ مِن هذا ويَصنَعُ هذا، إلى أن مَلَك مِن كُلِّ مَن يليه طَرفًا مِن بلادِه، وحاصَرَ دِمشقَ وصالَحَهم على أن خَطَبوا له بها، ثمَّ بعد ذلك اتَّجَه للفِرنجِ واستَنقَذَ منهم كفرطاب والمعرَّة ودوَّخَهم، وشَغَلَهم بأنفُسِهم، ودانت له البلادُ، وخَتَم جِهادَه معهم باستنقاذِ إمارةِ الرَّها منهم. قال أبو شامة: "كان الفِرنجُ قد اتَّسَعَت بلادُهم وكَثُرَت أجنادُهم، وعَظُمَت هيبتُهم، وزادت صَولَتُهم، وامتَدَّت إلى بلادِ المُسلِمينَ أيديهم، وضَعُفَ أهلُها عن كَفِّ عاديهم، وتتابعت غزواتُهم، وساموا المُسلِمينَ سوءَ العذابِ، واستطار في البلاد شَرَرُ شَرِّهم، وامتَدَّت مَملَكتُهم من ناحيةِ ماردين وشبختان إلى عريشِ مِصرَ، لم يتخَلَّلْه مِن ولاية المُسلِمينَ غير حَلَب وحَماة وحمص ودمشق، فلما نظَرَ اللهُ سُبحانَه إلى بلادِ المُسلِمينَ ولَّاها عِمادَ الدِّينِ زنكي فغزا الفرنجَ في عُقرِ دِيارِهم، وأخذَ للمُوحِّدينَ منهم بثَأرِهم، واستنقذ منهم حصونًا ومعاقِلَ" توجَّه أتابك زنكي إلى قلعةِ جعبر ومالِكُها يومذاك سيفُ الدولةِ أبو الحَسَنِ عليُّ بنُ مالك، فحاصَرَها وأشرَفَ على أخْذِها، فأصبح زنكي يومَ الأربعاء خامِسَ شَهرِ ربيع الآخر سنة 541 مَقتولًا، قَتَلَه خادِمُه وهو راقِدٌ على فراشِه ليلًا، ودُفِنَ بصفين. ذَكَرَ بَعضُ خواصِّه قال: "دخَلْتُ إليه في الحالِ وهو حيٌّ، فحين رآني ظَنَّ أني أريدُ قَتْلَه، فأشار إليَّ بإصبُعِه السبَّابة يَستَعطِفُني، فوقَفْتُ مِن هَيبَتِه، وقلتُ له: يا مولانا، مَن فَعَل بك هذا فلم يَقدِرْ على الكلامِ، وفاضَت نفسُه لوقتِه"، فكان- رحمه الله- شديدَ الهَيبةِ على عَسكَرِه ورَعِيَّتِه، عظيمَ السِّياسةِ، لا يَقدِرُ القَويُّ على ظُلمِ الضعيفِ، وكانت البلادُ قبل أن يَملِكَها خرابًا من الظُّلمِ ومُجاوَرةِ الفِرنجِ، فعَمَرَها وامتلأت أهلًا وسُكَّانًا. قال عز الدين بنُ الأثير في تاريخه: "حكى لي والدي قال: رأيتُ المَوصِلَ وأكثَرُها خرابٌ، وكان الإنسانُ لا يَقدِرُ على المشيِ إلى الجامِعِ العتيقِ إلَّا ومعه مَن يحميه؛ لِبُعدِه عن العمارةِ، وهو الآن في وسَطِ العِمارةِ، وكان شديدَ الغيرةِ لا سِيَّما على نساءِ الأجنادِ، وكان يقول: لو لم تُحفَظْ نِساءُ الأجنادِ بالهَيبةِ وإلَّا فَسَدْنَ لِكَثرةِ غَيبةِ أزواجِهنَّ في الأسفارِ". فلمَّا قُتِلَ تَمَلَّك ابنُه نورُ الدين محمود بالشَّامِ، وابنُه غازي بالمَوصِل.

العام الهجري : 86 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 705
تفاصيل الحدث:

هو عبدُ الملك بن مَرْوان بن الحَكَم بن أبي العاصِ بن أُمَيَّة، أبو الوَليد الأُمَويُّ أَميرُ المؤمنين، وُلِدَ سنة سِتٍّ وعشرين بالمدينة, شَهِدَ الدَّارَ –يعني يومَ مَقْتَل عُثمان-مع أبيه، وله عَشْرُ سِنين، وهو أوَّلُ مَن سَارَ بالنَّاس في بِلاد الرُّوم سنة ثنتين وأربعين، وكان أَميرًا على أهلِ المدينة وله سِتَّ عَشرةَ سنة، وَلَّاهُ إيَّاها مُعاوِيَةُ، وكان يُجالِس الفُقَهاء والعُلَماء والعُبَّاد والصُّلَحاء, بُويِعَ بالخِلافَة في سنة خَمس وسِتِّين في حَياةِ أبيهِ، في خِلافَة ابن الزُّبير، وبَقِيَ على الشَّامِ ومِصْرَ مُدَّة سَبْعِ سِنين، وابن الزُّبير على باقي البِلاد ثمَّ اسْتَقَلَّ بالخِلافَة على سائِر البِلاد والأقاليم بعدَ مَقْتَل ابنِ الزُّبير، وقد كان عبدُ الملك قبلَ الخِلافَة مِن العُبَّاد الزُّهَّاد الفُقَهاء المُلازِمين للمَسجِد، التَّالِين للقُرآن، وكان رِبْعَةً مِن الرِّجال أَقْرَب إلى القِصَر. قال عنه نافعٌ: رَأيتُ المدينةَ وما فيها شَابٌّ أَشَدُّ تَشْميرًا، ولا أَفْقَهُ ولا أَقْرَأُ لِكِتابِ الله مِن عبدِ الملكِ بن مَرْوان. قال عبدُ الملك: كُنتُ أُجالِس بَرِيرَةَ قبلَ أن أَلِيَ هذا الأَمْرَ، فكانت تَقولُ: يا عبدَ الملك، إنَّ فِيكَ خِصالًا، وإنَّك لَجَدِيرٌ أن تَلِيَ أَمْرَ هذه الأُمَّةِ، فاحْذَر الدِّماء ; فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنَّ الرَّجُلَ لَيُدْفَع عن بابِ الجَنَّة أن يَنْظُرَ إليها على مِحْجَمَةٍ مِن دَمٍ يُريقُه مِن مُسلِم بِغيرِ حَقٍّ. كان فُقَهاء المَدينة أَربعَة: سَعيدُ بن المُسَيِّب، وعُرْوَةُ، وقَبيصَةُ بن ذُؤَيْب، وعبدُ الملك بن مَرْوان قبلَ أن يَدخُل في الإمارة. لم يَزَلْ عبدُ الملك مُقيمًا بالمدينة حتَّى كانت وَقْعَة الحَرَّةِ، واسْتَولى ابنُ الزُّبير على بِلادِ الحِجازِ، وأَجْلَى بَنِي أُمَيَّة منها، فقَدِمَ مع أَبيهِ الشَّامَ، ثمَّ لمَّا صارَت الإمارةُ مع أَبيهِ وبايَعه أهلُ الشَّام أَقامَ في الإمارةِ تَسعةَ أَشهُر، ثمَّ عَهِدَ إليه بالإمارةِ مِن بَعدِه. بُويِعَ عبدُ الملك بالخِلافَة في مُسْتَهَلِّ رَمضانَ سنة خَمسٍ وسِتِّين، واجْتَمع النَّاسُ عليه بعدَ مَقتلِ ابنِ الزُّبير سنة ثلاث وسَبعين. كان عبدُ الملك له إقْدامٌ على سَفْكِ الدِّماء، وكان عُمَّالُه على مَذهَبِه; منهم الحَجَّاجُ، والمُهَلَّبُ، وغيرُهم، وكان حازِمًا فَهِمًا فَطِنًا، سَائِسًا لِأُمُور الدُّنيا، لا يَكِلُ أَمْرَ دُنياهُ إلى غَيرِه، وكان عبدُ الملك يقول: أَخافُ المَوتَ في شَهْرِ رَمضان، فيه وُلِدْتُ وفيه فُطِمْتُ وفيه جَمَعْتُ القُرآنَ، وفيه بايَعَ لِيَ النَّاسُ، فمات في النِّصف مِن شَوَّال حين أَمِنَ الموتَ في نَفسِه. وكان عُمُرُهُ سِتِّين سنة، وقِيلَ: ثلاثًا وسِتِّين سنة. وكانت خلافَتُه مِن لَدُن قَتْلِ ابنِ الزُّبير ثلاث عَشرةَ سنةً وأربعة أَشهُر إلَّا سبع ليالٍ، وقِيلَ: وثلاثة أَشهُر وخمسة عَشرَ يومًا. ودُفن خارِجَ بابِ الجابِيَة. صلَّى عليه ابنُه الوَليدُ ووَلِيَ عَهْدَهُ مِن بَعدِه.

العام الهجري : 98 العام الميلادي : 716
تفاصيل الحدث:

كان سُليمان بن عبدِ الملك كُلَّما فَتَح قُتيبةُ بن مُسلِم فَتْحًا في عَهدِ الوَليد يقول لِيَزيد بن المُهَلَّب: ألا تَرَى إلى ما يَفتَح الله على قُتيبَة؟ فيقول يَزيدُ: ما فَعَلَت جُرجان التي قَطَعَت الطَّريقَ، وأَفْسَدت قُومِس ونَيْسابور. ويقول أَيضًا: هذه الفُتوح لَيسَت بِشَيءٍ، الشَّأنُ هي جُرجان. فلمَّا وَلَّاهُ سُليمانُ خُراسانَ لم يكن لِيَزيد هِمَّة غَير جُرجان، فسار إليها في مائةِ ألف مِن أَهلِ الشَّام والعِراق وخُراسان سِوَى المَوالِي والمُتَطَوِّعَة، ولم تكُن جُرجان يَومئذٍ مَدينَة إنَّما هي جِبالُ ومَخارِم وأَبواب يقوم الرَّجُلُ على بابٍ منها فلا يُقْدِم عليه أَحَدٌ. فابْتَدَأَ بقُهِسْتان فحاصَرَها، وكان ذلك، فإذا هُزِمُوا دَخَلوا الحِصْنَ. فخَرَجوا ذات يَومٍ وخَرَج إليهم النَّاسُ فاقْتَتَلوا قِتالًا شديدًا، فحَمَل محمَّدُ بن سَبْرَة على تُرْكِيٍّ قد صَدَّ النَّاسَ عنه فاخْتَلَفا ضَرْبَتينِ، فثَبُتَ سَيفُ الترُّكي في بَيْضَة ابنِ أبي سَبْرَة، وضَرَبَه ابنُ أبي سَبْرَة فقَتَلَه، ورَجَع وسَيفُه يَقطُر دَمًا وسَيفُ الترُّكي في بَيْضَتِه، فنَظَر النَّاسُ إلى أَحسَن مَنظَرٍ رَأَوْهُ. وخَرَج يَزيدُ بعدَ ذلك يَومًا يَنظُر مَكانًا يَدخُل منه عليهم، وكان في أربعمائة مِن وُجوهِ النَّاسِ وفُرسانِهم، فلم يَشعروا حتَّى هَجَم عليهم التُّركُ في نحو أربعةِ آلاف فقاتَلوهُم ساعَة، وقاتَلَ يَزيدُ قِتالًا شديدًا، فسَلِمُوا وانْصَرَفوا، وكانوا قد عَطِشُوا، فانْتَهوا إلى الماءِ فشَرِبوا، ورَجَع عنهم العَدُوُّ. ثمَّ إنَّ يَزيدَ أَلَحَّ عليهم في القِتال وقَطَع عنهم المَوادَّ حتَّى ضَعُفوا وعَجَزوا. فأَرسَل صُول دِهْقان قُهِسْتان إلى يَزيدَ يَطلُب منه أن يُصالِحَه ويُؤَمِّنَه على نَفسِه وأَهلِه ومالِه لِيَدفَع إليه المَدينَة بما فيها، فصالَحَه ووَفَّى له، ودَخَل المَدينَة فأَخَذ ما كان فيها مِن الأَموالِ والكُنوزِ والسَّبْيِ ما لا يُحصَى، وقَتَل أَربعةَ عَشر ألف تُرْكِي صَبْرًا، وكَتَب إلى سُليمان بن عبدِ الملك بذلك، ثمَّ خَرَج حتَّى أَتَى جُرجان، وكان أَهلُ جُرجان قد صالَحَهم سَعيدُ بن العاص، وكانوا يَجْبُون أَحيانًا مائة ألف، وأَحيانًا مائتي ألف، وأَحيانًا ثلاثمائة ألف، ورُبَّما أَعطوا ذلك ورُبَّما مَنَعوه، ثمَّ امْتَنَعوا وكَفَروا فلم يُعْطوا خَراجًا، ولم يَأْتِ جُرجانَ بعدَ سَعيدٍ أَحَدٌ ومَنَعوا ذلك الطَّريق، فلم يكُن يَسلُك طَريقَ خُراسان أَحَدٌ إلَّا على فارِس وكَرْمان. وبَقِيَ أَمرُ جُرجان كذلك حتَّى وَلِيَ يَزيدُ خُراسان وأَتاهُم فاسْتَقبَلوه بالصُّلْح وزادوه وهابوه، فأَجابَهم إلى ذلك وصالَحَهم. وقد أَصابَ يَزيدُ بجُرجان تاجًا فيه جَوْهَر، فقال: أَتَرَوْنَ أَحدًا يَزهَد في هذا؟ قالوا: لا. فدَعا محمَّد بن واسِع الأزدي فقال: خُذْ هذا التَّاجَ. قال: لا حاجَة لي فيه. قال: عَزَمْتُ عليك. فأَخَذه، فأَمَر يَزيدُ رَجُلًا يَنظُر ما يَصنَع به، فلَقِيَ سائِلًا فدَفَعَه إليه، فأَخَذ الرَّجُلَ السَّائِلَ وأَتَى به يَزيدَ وأَخبَره، فأَخَذ يَزيدُ التَّاجَ وعَوَّضَ السَّائِلَ مالًا كَثيرًا.

العام الهجري : 220 العام الميلادي : 835
تفاصيل الحدث:

وجَّه المعتصِمُ القائد العسكري التركي بغا الكبيرَ إلى الأفشين، ومعه مالٌ للجندِ والنفقات، فوصل أردبيل، فبلغ بابك الخبر، فتهيَّأ هو وأصحابُه ليقطعوا عليه قبل وُصولِه إلى الأفشين، فجاء جاسوسٌ إلى الأفشين، فأخبَرَه بذلك، فلما صَحَّ الخبَرُ عند الأفشين كتب بغا أن يُظهِرَ أنَّه يريد الرحيلَ، ويحمِل المالَ على الإبل، ويسير نحوه، حتى يبلغ حصنَ النَّهر، فيَحبِس الذي معه، حتى يجوزَ مَن صَحِبَه من القافلة، فإذا جازوا رجع بالمال إلى أردبيل. ففعل بغا ذلك، وسارت القافلةُ، وجاءت جواسيسُ بابك إليه، فأخبَروه أن المال قد سار فبلغ النَّهرَ، وركب الأفشين في اليومِ الذي واعدَ فيه بغا عند العصرِ، مِن برزند، فنزل خارِجَ خندق أبي سعيد، فلما أصبح ركِبَ سِرًّا ورحلت القافلة التي كانت توجَّهَت ذلك اليوم من النهر إلى ناحيةِ الهيثم، وتعبَّى بابك في أصحابِه، وسار على طريق النهر، وهو يظنُّ أن المالَ يُصادِفُه، فخرجت خيلُ بابك على القافلة، ومعها صاحِبُ النهر، فقاتَلَهم صاحبُ النهر، فقتلوه، وقتلوا من كان معه من الجند، وأخذوا جميعَ ما كان معهم، وعَلِموا أن المالَ قد فاتهم، وأخذوا عَلَمَه ولباسَ أصحابِه، فلبسوها وتنكَّروا ليأخذوا الهيثم الغنوي ومن معه أيضًا ولا يعلمونَ بخروج الأفشين، وجاؤوا كأنَّهم أصحابُ النهر، فلم يعرفوا الموضِعَ الذي يقف فيه علَمُ صاحب النهر، فوقفوا في غيرِه وجاء الهيثمُ فوقف في موضِعِه، وأنكر ما رأى، فوجَّهَ ابنَ عم له، فقال له: اذهَبْ إلى هذا البغيضِ فقُلْ له: لأيِّ شَيءٍ وقوفُك؟ فجاء إليهم فأنكَرَهم، فرجع إليه فأخبَرَه، فأنفذ جماعةً غيرَه، فأنكروهم أيضًا وأخبروه أنَّ بابك قد قتَلَ علويه، صاحبَ النهر، وأصحابَه، وأخذ أعلامَهم ولباسَهم، فرحل الهيثمُ راجعًا ونَجَت القافلةُ التي كانت معه، وبقيَ هو وأصحابُه في أعقابهم حاميةً لهم حتى وصلت القافلةُ إلى الحصن، وسيَّرَ رجلين من أصحابِه إلى الأفشين وإلى أبي سعيدٍ يُعَرِّفُهما الخبر، ودخل الهيثمُ الحصن، ونزل بابك عليه، وأرسل إلى الهيثمِ أن خَلِّ الحِصنَ وانصرِفْ، فأبى الهيثمُ ذلك، فحاربه بابك وهو يشرَبُ الخمرَ على عادته والحربُ مُشتَبِكةٌ، وسار الفارسان، فلقيا الأفشين على أقلَّ مِن فرسَخٍ، وأجرى الناسُ خَيلَهم طلقًا واحدًا حتى لَحِقوا بابك وهو جالِسٌ، فلم يُطِقْ أن يركَبَ، حتى وافته الخيلُ، فاشتبكت الحربُ، فلم يُفلِتْ من رَجَّالة بابك أحدٌ، وأفلت هو في نفرٍ يسيرٍ مِن خيَّالتِه، ودخل موقان وأقام بها فلمَّا كان في بعضِ الأيام مرَّت قافلة، فخرج عليها أصبهنذ بابك، فأخذها وقتَل مَن فيها، فقَحِطَ عسكرُ الأفشين لذلك، فكتب الأفشينُ إلى صاحب مراغة بحَملِ الميرة وتعجيلِها، فوجه إليه قافلةً عظيمة، ومعها جندٌ يسيرون بها فخرج عليهم سريةٌ لبابك، فأخذوها عن آخِرِها وأصاب العسكرَ ضِيقٌ شديد، فكتب الأفشين إلى صاحبِ شيروان يأمُرُه أن يحمِلَ إليه طعامًا، فحمل إليه طعامًا كثيرا وأغاث الناسَ، وقدِمَ بغا على الأفشين بما معه.

العام الهجري : 615 العام الميلادي : 1218
تفاصيل الحدث:

سار عز الدين كيكاوس بن كيخسرو ملك بلاد الروم إلى ولاية حلب؛ قصدًا للتغلُّب عليها، ومعه الأفضلُ بن صلاح الدين يوسف، حيث كان أشار عليه ذوو الرأيِ من أصحابه، وقالوا له: لا يتِمُّ لك هذا إلا بأن يكون معك أحدٌ من بيت أيوب لِيسهلَ على أهل البلاد وجُندِها الانقياد إليه؛ وهذا الأفضَلُ بن صلاح الدين هو في طاعتك، فأحضر الأفضل من سميساط إليه، واستقَرَّت القواعد بينهما أن يكون ما يفتحه من حلب وأعمالها للأفضل، وهو في طاعة كيكاوس، والخطبة له في ذلك أجمع، ثم يقصِدون ديارَ الجزيرة، فما يفتحونَه مِمَّا بيد الملك الأشرف مثل: حران والرَّها من البلاد الجزرية، تكون لكيكاوس، وجرت الأيمانُ على ذلك، وجمعوا العساكِرَ وساروا، فملكوا قلعة رغبان، فتسَلَّمَها الأفضل، فمال الناسُ حينئذ إليهما، ثم سارا إلى قلعةِ تل باشر، وفيها صاحِبُها ولَدُ بدر الدين دلدرم الياروقي، فحصروه، وضَيَّقوا عليه، وملكوها منه، فأخذها كيكاوس لنفسِه، ولم يسَلِّمها إلى الأفضل، فاستشعر الأفضَلُ من ذلك، وقال: هذا أوَّلُ الغدر، وخاف أنَّه إن ملك حلب يفعل به هكذا، فلا يحصُلُ إلَّا أن يكون قد قلع بيتَه لغيره، ففترت نيَّتُه، وأعرض عمَّا كان يفعله، وكذلك أيضًا أهل البلاد، وأما صاحِبُ حلب فلما حدث هذا الأمر خاف أن يحصُروه، وربَّما سَلَّم أهلُ البلد والجند المدينةَ إلى الأفضل لمَيلِهم إليه، فأرسل إلى المَلِك الأشرف بن الملك العادل، صاحبِ الديار الجزرية وخلاط وغيرها، يستدعيه إليه لتكونَ طاعتُهم له، ويخطُبون له، ويجعل السكةَ باسمه، ويأخُذ من أعمال حلب ما اختار، فجمع عسكَرَه وأحضر إليه العربَ من طيئ وغيرهم، ونزل بظاهِرِ حلب، ولما أخذ كيكاوس تل باشر كان الأفضَلُ يشير بمعاجلة حلب قبل اجتماعِ العساكر بها، وقبل أن يحتاطوا ويتجَهَّزوا، فعاد عن ذلك، وصار يقولُ: الرأي أننا نقصد منبج وغيرها؛ لئلا يبقى لهم وراء ظهورِنا شيء، قصدًا للتمادي فتوجَّهوا من تل باشر إلى جهة منبج، وتقدَّم الأشرف نحوهم، وسارت العربُ في مقدِّمته، وكان طائفة من عسكر كيكاوس، نحو ألف فارس، قد سبقت مقدمته له، فالتقوا هم والعربُ ومن معهم من العسكر الأشرفي، فاقتتلوا، فانهزم عسكر كيكاوس، وعادوا إليه منهزمينَ، وأكثر العرب الأسرَ منهم والنهبَ؛ لجودة خيلهم ودبر خيل الرومِ، فلما وصل إليه أصحابُه منهزمين لم يثبت، بل ولى على أعقابِه يطوي المراحِلَ إلى بلاده خائفًا يترقَّبُ، فلما وصل إلى أطرافها أقام، فسار حينئذ الأشرف، فملك رغبان، وحصر تل باشر، وبها جمعٌ مِن عسكر كيكاوس، فقاتلوه حتى غُلِبوا، فأُخِذَت القلعة منهم، وأطلَقهم الأشرف، وسَلَّم الأشرف تل باشر وغيرها من بلد حلب إلى شهابِ الدين أتابك، صاحب حلب، وكان عازمًا على اتباعِ كيكاوس، ودخول بلاده، فأتاه الخبَرُ بوفاة أبيه الملك العادل، فاقتضت المصلحةُ العودَ إلى حلب.

العام الهجري : 815 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1412
تفاصيل الحدث:

هو الملِكُ الناصر فرج ابن السلطان برقوق، سلطان مملوكي، تولى عرش مصر بعد وفاة والده برقوق وعمره 13 سنة. حدث في عهده قحطٌ عام في البلاد وانتشرت أوباء مات فيها ثلث سكان البلاد, كما سادت الفتن والاضطرابات في عهده؛ فقد ثار عليه أمراء المماليك الظاهرية مماليك أبيه؛ لأنه قرَّب المماليك الجركسية وأبعدهم، وقتل عددًا كبيرًا من أمراء المماليك الظاهرية فقاتلوه حتى خلعوه من السلطنة، ثم تم القبض عليه وحَبسُه في القلعة إلى أن قُتِل بعد اختلاف كبير وقع في أمره بين الأمراء؛ فكان رأي الأمير شيخ إبقاءه محبوسًا بثغر الإسكندرية، وإرساله إليها مع الأمير طوغان الحسني الدوادار، وكان رأي نوروز قتله، وقام نوروز وبكتمر جلق في قتله قيامًا بذلَا فيه جهدهما، وكان الأمير يشبك بن أزدمر أيضًا ممن امتنع من قتله، وشنَّع ذلك على نوروز، وأشار عليه ببقائه، واحتج بالأيمان التي حُلِفت له، واختلف القومُ في ذلك، فقوي أمر نوروز وبكتمر بالخليفة المستعين بالله، فإنه كان أيضًا اجتهد هو وفتح الله كاتب السر في قتله، وحملا القضاة والفقهاء على الكتابة بإراقة دمِه بعد أن توقَّفوا عن ذلك، حتى تجرد قاضي القضاة ناصر الدين محمد بن العديم الحنفي لذلك، وكافح من خالفَه من الفقهاء بعدم قَتلِه بقوة الخليفة ونوروز وبكتمر وفتح الله، ثم أشهد على نفسِه أنه حكم بقَتلِه شرعًا، فاستُخرِجت فتوى بحلِّ دمه لأمورٍ قام بها, ثم في ليلة السبت سادس عشر صفر دخل عليه ثلاثة نفر، هم: الأمير ناصر الدين محمد بن مبارك شاه الطازي أخو الخليفة المستعين بالله لأمه، وآخر من ثقات الأمير شيخ، وآخر من أصحاب نوروز، ومعهم رجلان من المشاعلية، فعندما رآهم الملك الناصر فرج قام إليهم فزعًا، وعرف فيما جاؤوا، ودافع عن نفسه، وضرب أحد الرجلين بالمدورة صرعه، ثم قام الرجل هو ورفيقه ومشوا عليه وبأيديهم السكاكين، ولا زالوا يضربونه بالسكاكين وهو يعاركهم بيديه، وليس عنده ما يدفع عن نفسه به، حتى صرعاه، بعد ما أثخنا جراحه في خمسة مواضع من بدنه، وتقدم إليه بعض صبيان المشاعلية فخنقه وقام عنه، فتحرك الملك الناصر، فعاد إليه وخنقه ثانيًا حتى قَوِيَ عنده أنه مات، فتحرَّك فعاد إليه ثالثًا وخنقه، وفرى أوداجه بخنجر كان معه، وسلبه ما عليه من الثياب، ثم سَحَب برجليه حتى ألقيَ على مزبلة مرتفعة من الأرض تحت السماء، وهو عاري البدن، يستر عورته وبعض فخذيه سراويله، وعيناه مفتوحتان، والناس تمر به ما بين أمير وفقير ومملوك وحر، قد صرف الله قلوبَهم عن دفنه ومواراتِه، وبقيت الغلمان والعبيد والأوباش تعبث بلحيته وبدنِه، واستمَرَّ على المزبلة طول نهار السبت، فلما كان الليل من ليلة الأحد حمله بعض أهل دمشق وغسَّله وكفَّنه، ودفنه بمقبرة باب الفراديس احتسابًا لله تعالى، بموضع يعرف بمرج الدحداح، ولم تكن جنازته مشهودة، ولا عُرِف من تولى غَسلَه ومواراتَه، فكانت مدة ولاية السلطان الناصر فرج الثانية حوالي السبع سنين والأولى مثلها تقريبًا.

العام الهجري : 1104 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1693
تفاصيل الحدث:

هو السلطان العثماني محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن يزيد الثاني بن محمد الفاتح. ولد السلطان محمد عام 1051هـ، وتولى السلطنة وهو ابن سبع سنوات، فتولت جدته كوسيم مهبيكر نيابة السلطنة وأصبحت مقاليد الأمور في يديها، وساءت أحوال الدولة وتدخل الانكشارية (وهم قوات مشاة وفرسان بالجيش العثماني) في شؤونها فازدادت سوءًا، وبعد مقتل السلطانة كوسيم تولت والدة السلطان محمد خديجة تورخان نيابة السلطنة، وعلى الرغم من صغر سنها إلا أنها اتصفت برجاحة العقل فبحثت عن رجل منقذ للدولة، فوجدت بغيتها في محمد باشا كوبريلي الذي قَبِل منصب الصدر الأعظم بشرط أن تُطلق يده في تصريف الدولة. فأعلن محمد كوبريلي سنة 1066 أن السلطان محمد قد بلغ سن الرشد وتمكن من تولي زمام أمور الدولة, وبهذا الإعلان انتهى دور السلطانة الوالدة خديجة فتفرغت هي لأعمال الخير والبر, وتفرغ الصدر الأعظم كوبريلي لتدبير شؤون الدولة ومعالجة إشكالاتها الداخلية ومواجهة الأخطار الخارجية المحدِقة بها. في عهد السلطان محمد الرابع كوَّنت أوروبا حِلفًا ضم: النمسا، وبولونيا، والبندقية، ورهبان مالطة، والبابا، وروسيا، وسَمَّوه (الحلف المقدس) وذلك للوقوف في وجه المد العثماني الإسلامي الذي أصبح قريبًا من كل بيت في أوربا الشرقية بسبب جهاد العثمانيين الأبطال. بدأ الهجوم الصليبي على ديار الدولة العثمانية، وقيض الله لهذه الفترةِ آل كوبريلي الذين ساهموا في رد هجمات الأعداء وتقوية الدولة؛ فالصدر الأعظم محمد كوبريلي المتوفي عام (1072هـ/661م) أعاد للدولة هيبتها، وسار على نهجه ابنه (أحمد كوبريلي) الذي رفض الصلح مع النمسا والبندقية, وبوفاة الصدر الأعظم "أحمد كوبريلي" ضعُف النظام العثماني، وهاجمت النمسا بلاد المجر، واغتصبت قلعة نوهزل ومدينة بست ومدينة بودا، وأغار ملك بولونيا على ولاية البغدان، وأغارت سفن البندقية على سواحل المورة واليونان، واحتلت أثينا وكورنثة عام 1097هـ وغيرها من المدن, وكان من نتائج الهزائم المتتابعة التي لحقت بالدولة العثمانية في أواخر عهده أن ثار الجيشُ في وجه السلطان محمد الرابع، فاتفق العلماءُ ورجال الدولة على عزله، فعُزل في محرم عام 1099هـ بعد أن دامت سلطنته نحو أربعين سنة وخمسة أشهر، تولى خلالها السلطان محمد الرابع بنفسه قيادة جيوش الدولة، وبعد عزله تولى مكانه أخوه سليمان الثاني، وكانت الدولة أثناء خلع السلطان محمد الرابع قد فقدت كثيرًا من أراضيها, وبقيَ السلطان محمد الرابع في العزلة إلى أن توفي في 8 ربيع الآخر من هذه السنة بالغًا من العمر 53 سنة، ودُفن في تربة والدته ترخان سلطان.

العام الهجري : 21 العام الميلادي : 641
تفاصيل الحدث:

تَجمَّعَ الفُرْسُ في نَهاوَنْد بقِيادةِ ذي الحاجِبِ بعدَ أن ذهبَت أكثرُ مُدُنِهِم، وبَقَوْا فترةً على ذلك لعدمِ سَماحِ عُمَرَ رضِي الله عنه بالانسِياحِ في فارِسَ، ولكن لمَّا كَثُرَ نَقضُ العُهودِ بسببِ تَقَوِّيهِم بمَن بَقِيَ في نَهاوَنْد، شاوَر عُمَرُ المسلمين في أَمْرِ الفُرْسِ المجتمعين في نَهاوَنْد، وكان يُهِمُّ أن يَسيرَ بنفسه لمُلاقاتِهِم، فأشار عليه علِيٌّ: أنِ ابْعَثْ إلى أهلِ الكوفةِ فَلْيَسِرْ ثُلثاهُم، وكذلك تَبعثُ إلى أهلِ البَصرةِ. فقال عُمَرُ أشيروا عَلَيَّ مَن اسْتعمِلُ عليهم؟ فقالوا: أنت أفضلُنا رأيًا وأعلمُنا بأَهلِك. فقال: لأَسْتَعْمِلَنَّ عليهم رجلًا يكونُ لأوَّلِ أَسِنَّةٍ يَلقاها. بعَث عُمَرُ بن الخطَّاب رضِي الله عنه السَّائبَ بن الأقْرَعِ، مَولى ثَقيفٍ -وكان رجلًا كاتبًا حاسبًا- فقال: الْحَقْ بهذا الجيشِ فكُنْ فيهم، فإن فتَح الله عليهم فاقْسِمْ على المسلمين فَيْئَهُم، وخُذْ خُمُسَ الله وخُمُسَ رَسولِه، وإن هذا الجيش أُصِيبَ، فلا أَراكَ، واذْهَبْ في سَوادِ الأرضِ، فبَطْنُ الأرضِ خيرٌ مِن ظَهرِها يَومئذٍ. وبعَث عُمَرُ إلى أهلِ الكوفةِ أن يَمُدُّوا جيشَ المسلمين فسار النُّعمانُ بقُرابةِ ثلاثين ألفًا، ومعه حُذيفةُ بن اليَمانِ، والزُّبيرُ بن العَوَّامِ، والمُغيرةُ بن شُعبةَ، والأشعثُ بن قيسٍ، وعَمرُو بن مَعْدِي كَرِبْ، وابنُ عُمَرَ، حتَّى أَتَوْا نَهاوَنْد فالْتَقوا بالفُرْسِ يومَ الأربعاءِ، فَحَثَّ النُّعمانُ النَّاسَ على القِتالِ، فأشار المُغيرةُ بن شُعبةَ أن يَتَعَجَّلَ الفُرْسَ بالقِتالِ، فقال النُّعمانُ: إنِّي شَهِدْتُ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إذا لم يُقاتِل أوَّلَ النَّهارِ أَخَّرَ القِتالَ حتَّى تَزولَ الشَّمسُ، وتَهُبَّ الرِّياحُ، وتَحْضُرَ الصَّلاةُ، ويَطِيبَ القِتالُ، ويَنزِلَ النَّصْرُ، فما مَنَعَنِي إلَّا ذلك. ثمَّ دَعا: اللَّهمَّ إنِّي أسألُك أن تُقِرَّ عَيْنِي اليومَ بفَتحٍ يكونُ فيه عِزُّ الإسلامِ، وذُلٌّ يُذَلُّ به الكُفَّارُ، ثمَّ اقْبِضْني إليك بعدَ ذلك على الشَّهادةِ، أَمِّنُوا يَرحمُكُم الله. فأَمَّنُوا وهُم يَبكون، ثمَّ قال النُّعمانُ: إنِّي هازُّ اللِّواءَ ثلاثَ مَرَّاتٍ، فالهَزَّةُ الأُولى فَلْيَقْضِ الرَّجلُ حاجتَهُ ولْيَتوضَّأْ، والهَزَّةُ الثَّانيةُ فَلْيَرْمِ الرَّجلُ ثِيابَهُ وسِلاحَهُ، والهَزَّةُ الثَّالثةُ فاحْمِلُوا ولا يَلْوِي أحدٌ على أحدٍ، فإن قُتِلَ النُّعمانُ فلا يَلْوِي عليه أحدٌ، وإنِّي داعِ الله بدَعوَةٍ فعَزمتُ على امرئٍ إلَّا أَمَّنَ عليها، فقال: اللَّهمَّ ارْزُقْ النُّعمانَ شَهادةً بِنَصْرِ المسلمين وفَتْحٍ عليهم. فأَمَّنَ القومُ، فهَزَّ اللِّواءَ ثلاثَ مَرَّاتٍ وحَمَلَ وحَمَلَ النَّاسُ معه, وكان الأعاجمُ قد شَدُّوا أَنفُسَهُم بالسَّلاسِل لِئلَّا يَفِرُّوا، وحَمَلَ عليهم المسلمون فقاتلوهم، فرُمِيَ النُّعمانُ بِنُشَّابَةٍ فقُتِلَ رَحِمَهُ الله، فَلَفَّهُ أخوهُ سُويدُ بن مُقَرِّن في ثَوبِه، وكَتَمَ قَتْلَهُ حتَّى فتح الله عليهم، ثمَّ دفَع الرَّايةَ إلى حُذيفةَ بن اليَمانِ، وقتَل الله ذا الحاجِبِ قائِدَ الفُرْسِ، وافْتُتِحَت نَهاوَنْد، فلم يكُن للأعاجمِ بعدَ ذلك جَماعةٌ. كُتِبَ إلى عُمَرَ بالفَتحِ مع رجلٍ مِن المسلمين، فلمَّا أتاهُ قال له: أَبْشِر يا أميرَ المؤمنين بفتحِ أَعزَّ الله به الإسلامَ وأَهلَهُ، وأَذَلَّ به الكُفْرَ وأَهلَهُ. قال: فحَمِدَ الله عزَّ وجلَّ، ثمَّ قال: النُّعمانُ بَعَثَكَ؟ قال: احْتَسِبْ النُّعمانَ يا أميرَ المؤمنين. قال: فبَكَى عُمَرُ واسْتَرْجَعَ، قال: ومَن وَيْحك! قال: فُلان وفُلان. حتَّى عَدَّ له ناسًا كثيرًا، ثمَّ قال: وآخرين يا أميرَ المؤمنين لا تَعرِفُهم. فقال عُمَرُ وهو يَبكي: لا يَضُرُّهم ألَّا يَعرِفَهم عُمَرُ، ولكنَّ الله يَعرِفُهم.

العام الهجري : 1269 العام الميلادي : 1852
تفاصيل الحدث:

حاولت روسيا إعادةَ اتفاقية خونكار أسكله سي، ولكِنَّ الدولة العثمانية رفضت ذلك، كما رفضت حقَّ حماية روسيا للنصارى المقيمين في الدولةِ العثمانية، وأُعيدَ رشيد باشا للصدارة العظمى بعدما عُزِلَ سابقًا؛ إرضاءً لروسيا، فهددت روسيا باحتلالِ الأفلاق والبغدان، فأبلغ الخليفةُ ذلك التهديدَ لسفراء الدول، فأعطت إنكلترا الأوامِرَ لقطعاتِها البحرية المنتَظِرة في مالطة بالتحَرُّك إلى مياه اليونان، والاشتراك مع القوَّاتِ الفرنسية فيها، ثم التوجُّه لمضيق الدردنيل، وأما القواتُ الروسية فقد تقَدَّمت واحتلَّت إقليمَي الأفلاق والبغدان، فسَعَت النمسا للصلحِ، وعُقدَ مؤتمرٌ للصُّلحِ في نهاية العام 1269هـ، ولكن انتهى دون نتائِجَ، وأرسلت الدولةُ العثمانيةُ بضرورةِ إخلاء ولايتي الأفلاق والبغدان في مدة خمسة عشر يومًا، وأمرت القائدَ عمر باشا بالتحَرُّك لدخول الولايتين عند انتهاءِ المهلة، وقد دخل فعلًا وأجبر الروس على الانسحابِ، كما انتصر العثمانيون في الوقتِ نفسِه في جهة القفقاس، واحتلُّوا بعضَ القلاعِ، ثم توقَّف القِتالُ بسَبَبِ الشتاءِ، واستنجد قيصر روسيا بملك النمسا فيما إذا تدخَّلت الدول الغربية فاعتذر، أما في البحرِ فقد دمَّرَت الأساطيل الروسية في البحرِ الأسود القطعاتِ العثمانيةَ في ميناء سينوب، ثم وصلت القطعاتُ الفرنسية والإنكليزية ولم تُجْدِ محاولاتُ الصلح، وكان موقف فرنسا وإنكلترا ضِدَّ روسيا حفاظًا على مصالحهم. وقد جرى اتفاقٌ في استانبول في الثاني عشر من جمادى الآخرة عام 1270هـ بين العثمانيين وفرنسا وإنكلترا على محاربة روسيا، وأن ترسِلَ فرنسا خمسين ألف جندي وترسِلَ إنكلترا خمسة وعشرين ألفًا على أن يرحلوا بعد خمسةِ أسابيع من الصلحِ مع روسيا، وأعلنت فرنسا الحربَ على روسيا بالاتفاق مع إنكلترا، ثم اتفقت الدولتان في لندن في العام نفسِه في الثاني عشر من رجب ألا تنفَرِدَ إحداهما بالاتصال مع روسيا أو الاتفاقِ معها، وأن تمنع روسيا من ضَمِّ أي جزء من الدولة العثمانية إليها، وجمعت جيوشَها في غاليبولي واستانبول، ثم بدأت المعاركُ البحرية قبل أن تَصِلَ الجيوشُ البرية وهَدَمَت القِطَعُ البحرية الإنكليزية والفرنسية قلاعَ مدينة أوديسا، واجتازت الجيوشُ الروسية نهر الدانوب وحاصرت مدينةَ سلستريا مدة خمسين يومًا ولم تستطع اقتحامَها، وجاء المدَدُ للعثمانيين فترك الروس الحصارَ وانسحبوا، وأراد العثمانيون ملاحقَتَهم واحتلال الأفلاق والبغدان حيث أخلاهما الروس إلَّا أن النمساويين قد احتلُّوا هذين الإقليمين ووقفوا في وجهِ العثمانيين، ثم نقلت الدُّولُ المتحالفة المعركةَ إلى أرض روسيا وحاصرت ميناءَ سيباستبول وهَزَمت الجيوش الروسية، ثم اقتَنَعت النمسا بالانضمام إلى الدُّوَل المتحالفة، ثم انضمت أيضًا مملكة البيمونت الإيطالية إلى التحالُف، والتي احتلَّت ميناء كيرتش وبحر آزوف؛ لمنع وصول الإمدادات الروسية إلى ميناء سيباستبول التي استطاع الحلفاءُ دُخولَه في ذي الحجة من عام 1271هـ، وحاصرت مدخل البحر الأبيض الشمالي، واحتلت بعضَ الموانئ على المحيط الهادي، ثم توغلت في أوكرانيا، أما الروسُ فاستطاعوا أن يدخُلوا مدينة قارص، ثم حلَّ الشتاءُ فتوقفت الحروب، ثم انضمت السويدُ إلى التحالف إلى أن وافقت روسيا على طلباتِهم التي زادت عما طُلِبَ منها سابقًا، وعُقِدَت في باريس معاهدةٌ تنصُّ على: تُخلَى المناطِقُ التي احتُلَّت أثناء الحرب من كلا الطرفين، ويُطلَق سراح الأسرى، ويَصدُرُ عفوٌ عامٌّ عن جميع الذين تعاونوا مع خصومِ دُوَلهم، تُطلَق حرية الملاحة في البحر الأسود للدول جميعًا، ولا تُنشَأُ فيه قواعِدُ بحرية حربية، تطلَقُ حرية الملاحة في نهر الدانوب، تبقى الصِّربُ مرتبطة بالدولة العثمانية ولها استقلالٌ ذاتيٌّ يُضمَنُ مِن قِبَل الدول، ثم اتُّفِق على تكوين دولةٍ شبهِ مستقلة تضم الأفلاق والبغدان تسمَّى الإمارات المتحدة، وتكون تحت حماية جميع الدول، فتخرج بالتالي من التبعية العثمانية، وكانت هذه المعاهدةُ في عام 1275هـ.

العام الهجري : 1296 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1879
تفاصيل الحدث:

تولى خير الدين التونسي منصِبَ رئاسة الوزراء في الدولةِ العثمانيةِ. ولد خير الدين في القفقاس لعائلةِ تليش الأباظية الشركسية، حوالي عام 1820م. تعهَّده والي تونس الداي أحمد، وهيأ له فُرَصَ الاستزادة من العلوم، فأكَبَّ على دراسة الفنون العسكرية والسياسية، والتاريخ والعلوم الشرعية، وأتقن اللغاتِ العربيةَ والتركية والفرنسية. أصبح رئيسًا لمكتب العلوم الحربية بباردو عام 1840م، ثم أصبح رئيسًا لفرقة الفرسان في الجيش التونسي. وعيِّن مديرًا لِمَصرف الدراهم التونسي. وفي عام 1849م رقِّيَ إلى رتبة ومنصب أمير لواء الخيالة في تونس، وفي عام 1855م أنعَمَ عليه الباي المشير محمد باشا برتبة الفريق؛ لإنقاذه تونس من قرضٍ مالي ثقيل كاد الباي السابق أن يندفِعَ إليه. ثم عيَّنه وزيرًا للبحرية عام 1857‏م حيث أجرى عدَّةَ إصلاحات إدارية. وساهم في صياغةِ وإصدار قانون (عهد الأمان) التونسي عام 1857م. وشارك في وضع الدستور التونسي عام 1860‏م. وعند إنشاءِ مجلس الشورى التونسي المنتَخَب كان خير الدين باشا الرئيس الفعليَّ للمجلس من عام 1861‏م. اصطدم مع سياسة الباي الجديد محمد الصادق فقَدَّم استقالتَه من الوزارة ومِن رئاسة مجلس الشورى عام 1862م وفَرَض على نفسه العزلةَ السياسية لمدة تسع سنوات بين عامي 1862م و1869م. وكان من نتائج عزلته تلك تأليفُه الكتاب الشهير الذي أسماه ((أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك)) والذي تمَّ طبعُه في تونس عام 1867 ‏م. بعد ذلك شارك مندوبًا عن تونس في اللجنة المالية المختلطة المشكَّلة لتحصيل ديون الدُّول الأوروبية من تونس، فاستطاع الحدَّ من نفوذ اللجنة وتدخُّلِها في شؤون الدولة. ‏وفي أكتوبر 1873م عيِّنَ وزيرًا أكبر لتونس (أي رئيسًا للوزراء) فسَنَحَت له فرصةُ تحقيق برامجه الإصلاحية التي طرحَها في كتابه (أقوم المسالك) واستطاع نقل تونس من حالة الكرب والضيق والفوضى إلى حالةٍ مِن الأمنِ والرخاء والنظام. وتصدى بحزمٍ للمطامع الأجنبية في بلادِه، وخاصة المطامح الفرنسية والإيطالية المتنافسة. ولكِنَّه فوجئ بمعاتبة الباي له وغضبه من سياسته في التحمُّسِ لإعانة الدولة العثمانية في حَربِها ضِدَّ روسيا، فقَدَّم استقالته من رئاسة الوزارة في يوليو1877م. ‏وبعد استقالته ضَيَّق عليه الباي الخناقَ ومنعه من الاتصال بالناس، فكان معتقلًا في منزله. وقد سافر للعلاجِ ثم عاد إلى تونس وظَلَّ شِبهَ مُعتَقَل حتى استدعاه السلطانُ العثماني عبد الحميد الثاني فسافر إلى الأستانة في رمضان 1877م حيث استقبله السلطانُ وعَيَّنه وزير دولة بعد رفضِه منصب وزير العدل. ولكِنَّه فوجئ في صباح يوم 4 ‏ديسمبر 1878م بتعيينه رئيسًا لوزراء الدولة العثمانية. وكانت الدولةُ العثمانية وقتَها في ضيقٍ وحَرَجٍ كبير؛ فالجيش الروسي يقِفُ على عتبات العاصمة استانبول، والأسطول البريطاني في مضيق البوسفور، والاقتصادُ متدهور، وهناك المشكلةُ الأرمينية، ومشاكِلُ في قبرص والبوسنة! فسارع خير الدين باشا إلى عقد اتِّفاقٍ مع الروسِ يضمَنُ مصالح المسلمين في بلغاريا وروملي الشرقية،كما انسحب الأسطولُ البريطاني مِن مَضيقِ البوسفور، وسَوَّى الخلافات مع النمسا، وحُلَّت مشكلة الأرمن، واستبدل بالخديويِّ إسماعيل ابنَه توفيقًا في مصر. وقد اختلف كثيرًا مع السلطان عبد الحميد الثاني ورجالِ حاشيته إبَّانَ توليه رئاسة الوزراء، فكان أن عُزِلَ مِن منصبه في شعبان 1296 ‏هـ ( 1879 ‏م) وعاش بعدها بعيدًا عن السياسة حتى توفِّي بعد عشر سنوات في الأستانة عام 1889‏م ودفِنَ في جامع أيوب، إلا أن الحكومة التونسية بادرت في عام 1968‏م إلى نقل رُفاته ودفنه في تونس تقديرًا لخِدماتِه، وقد أطلق عليه الشَّعبُ التونسي لقب ((أبو النهضة التونسية)).

العام الهجري : 4 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 626
تفاصيل الحدث:

تُسمَّى هذه الغزوةُ ببدرٍ الآخِرةِ، وبَدرٍ الصُّغرى، وبدرٍ الثانيةِ، وبدرٍ المَوعِدِ؛ للمواعَدةِ عليها مع أبي سُفيانَ بنِ حربٍ يومَ أُحدٍ؛ وذلك أن أبا سفيان لمَّا انصَرَف منِ أُحدٍ نادى: "إنَّ مَوعِدَكم بَدرٌ، العامَ المُقبِلَ".
فلمَّا كانتِ السَّنةُ الرابِعةُ من الهِجرةِ، خَرَج الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بألفٍ وخَمسِمئةٍ من أصحابِه إلى بدرٍ ومعه عَشَرةُ أفراسٍ، وحَمَل لِواءَه عليُّ بن أبي طالِبٍ رَضي اللهُ عنه، وذلك في انتِظارِ قُدومِ قُرَيشٍ حَسَبَ المَوعِدِ المُحدَّدِ منذ وَقعةِ أُحُدٍ مع أبي سُفيانَ زعيمِ قُريشٍ.
وانتَظَرَ المسلمون ثمانيةَ أيَّامٍ دونَ أن تَقدَمَ قُرَيشٌ، وكان أبو سُفيانَ قد خَرَج بألفينِ ومعهم خمسون فرسًا، فلمَّا وَصَلوا مرَّ الظَّهرانِ على أربعينَ كَيلًا مِن مكةَ عادوا بحُجَّةِ أنَّ العامَ عامُ جَدبٍ، وكان لإخلافِهِمُ المَوعِدَ أثرٌ في تقويةِ مكانةِ المسلمين وإعادةِ هَيبَتِهم.
وقد واصَلَ المسلمون إرسالَ سَراياهم إلى الأنحاءِ المُختَلِفةِ من نَجدٍ والحِجازِ لتَأديبِ الأعرابِ، فقاد أبو عُبيدةَ بنُ الجرَّاحِ سَريَّةً إلى طيِّئٍ وأسَدٍ بنَجدٍ، فتَفَرَّقوا في الجبالِ دونَ أن يقعَ قتالٌ.
وقاد الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جَيشًا من ألفِ مُقاتِلٍ في شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ من سنةِ خَمسٍ باتِّجاهِ دُومةِ الجَندَلِ، وقد بَلَغه وُجودُ تَجمُّعٍ للمُشرِكين بها، ولكِنَّ الجَمعَ تفرَّق عندما عَلِموا بقُدومِ المسلمين الذين أقاموا أيَّامًا في المِنطَقةِ بَثُّوا خِلالَها السَّرايا، فلم يَلقَوا مُقاومةً ورَجَعوا إلى المدينةِ بعد أن وادَعَ في العَودةِ عُيينةَ بنَ حِصنٍ الفَزاريَّ.

العام الهجري : 64 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 683
تفاصيل الحدث:

لمَّا رفَض ابنُ الزُّبيرِ البَيْعَة لِيَزيدَ بن مُعاوِيَة وكان بمكَّة المُكرَّمَة سَيَّرَ إليه يَزيدُ بن مُعاوِيَة جيشًا بقِيادَةِ مُسلمٍ؛ ولكنَّ مُسلِمًا تُوفِّي في الطَّريقِ إلى مكَّة فاسْتَلَم بعدَه الحُصينُ بن نُميرٍ فحاصَر مكَّة المُكرَّمَة، وكان ابنُ الزُّبيرِ اتَّخَذَ المسجدَ حِصْنًا له ووضَع فيه الخِيامَ لِتَحميهِ وجُنْدَهَ مِن ضَرباتِ المَنْجنيق، واسْتَمرَّ الحِصارُ إلى أن احْتَرقَت الكَعبةُ قبلَ أن يأتِيَ نَعْيُ يَزيدَ بن مُعاوِيَة بتِسْعَةٍ وعِشرين يومًا، واخْتُلِف في مَن كان سبَبًا في احْتِراقِ الكَعبةِ. كان أصحابُ ابنُ الزُّبيرِ يُوقِدون حولَ الكَعبَةِ، فأَقْبَلَت شَرَرَةٌ هَبَّتْ بها الرِّيحُ فاحْتَرَقَت كِسْوَةُ الكَعْبَةِ، واحْتَرقَ خَشَبُ البيتِ. قال أحدُ أصحابِ ابنِ الزُّبيرِ يُقالُ له عَوْنٌ: ما كان احْتِراقُ الكَعبَةِ إلَّا مِنَّا, وذلك أنَّ رجلًا مِنَّا كان هو وأصحابه يوقدون في خِصاصٍ لهم حولَ البيتِ, فأَخَذَ نارًا في رُمْحِه فيه نِفْطٌ, وكان يومَ ريحٍ, فطارت منها شَرارةٌ, فاحْتَرَقت الكَعبةُ حتَّى صارت إلى الخشبِ, وقِيلَ: إن رجلًا مِن أهلِ الشَّام لمَّا جنَّ اللَّيلُ وضَع شَمْعَةً في طَرْف رُمْحِه, ثمَّ ضرَب فَرَسه ثمَّ طعَن الفُسْطاطَ فالْتَهب نارًا, والكَعبةُ يَومئذٍ مُؤَزَّرَة بالطَّنافِس, وعلى أَعْلاها الحَبِرَةُ, فطارت الرِّيحُ باللَّهَبِ على الكعبةِ فاحْتَرَقت. فلم يكُن حَرْقُ الكَعبةِ مَقصودًا مِن أَحَدِ الطَّرَفينِ؛ بل إنَّ احْتِراقَها جاء نَتيجةً لِحَريقِ الخِيامِ المُحيطةِ بها مع اشْتِدادِ الرِّيحِ, فهذا رجلٌ مِن أهلِ الشَّام لمَّا احْتَرَقت الكَعبةُ نادى على ضِفَّةِ زَمْزَم بقوله: هلَكَ الفَريقانِ والذي نَفْسِ محمَّدٍ بِيَدِهِ.

العام الهجري : 90 العام الميلادي : 708
تفاصيل الحدث:

سارَ قُتيبةُ بن مُسلِم إلى بُخارَى مَرَّةً أُخرى, فأَرسَل مَلِكُها يَسْتَنْصِر مَن حَولَه، ولكنَّ قُتيبةَ اسْتَطاع فَتْحَها هذه المَرَّة، ولمَّا فَتَحَها اسْتَأْذَنه نَيْزَك طَرْخان في الرُّجوع إلى بِلادِه -وكان نَيْزَك قد أَسلَم وسُمِّيَ بعبدِ الله- فأَذِنَ له، فرَجَع إلى طُخارِستان، فعَصى وكاتَبَ مَن حَولَه، وجَمَع الجُموعَ، فزَحَف إليه قُتيبةُ، وانْتَصَر عليهم بعدَ قِتالٍ شَديدٍ وحَرْبٍ يَشيبُ لها الوَليد، وذلك أنَّ مُلوكَهم كانوا قد اتَّعَدوا مع نَيْزَك في العام الماضي أن يَجْتَمِعوا ويُقاتِلُوا قُتيبةَ، وأن لا يُوَلُّوا عن القِتال حتَّى يُخْرِجوا العَربَ مِن بِلادِهم، فاجْتَمَعوا اجْتِماعًا هائِلًا لم يَجْتَمِعوا مِثلَه في مَوْقِف، فكَسَرَهُم قُتيبةُ وقَتَلَ منهم أُمَمًا كَثيرَة، وَرَدَّ الأُمورَ إلى ما كانت عليه، ثمَّ لا يَزال يَتَتَبَّع نَيْزَك خان مَلِكَ التُّركِ الأَعظَم مِن إقْليم، إلى إقْليم، ومِن كَوْرَة إلى كَوْرَة، ومِن رِسْتاق إلى رِسْتاق، ولم يَزَل ذلك دَأْبُه حتَّى حَصَرَه في قَلعَةٍ هنالك شَهرَين مُتَتابِعَين، حتَّى نَفَذَ ما عند نَيْزَك خان مِن الأَطْعِمَة، وأَشرَف هو ومَن معه على الهَلاكِ، فبَعَث إليه قُتيبَة مَن جاء به مُسْتَأْمِنًا مَذْمومًا مَخْذولًا، فسَجَنَه عنده ومَن معه, فاسْتَشار قُتيبةُ الأُمَراء في قَتْلِه، فاخْتَلَفوا عليه، فقائِلٌ يقول: اقْتُلْهُ. وقائِلٌ يقول: لا تَقْتُلْهُ. فقال له بَعضُ الأُمَراء: إنَّك أَعْطَيْتَ اللهَ عَهْدًا أنَّك إن ظَفَرت به لتَقْتُلَنَّه، وقد أَمْكَنَك اللهُ منه، فقال قُتيبةُ: والله إن لم يَبْقَ مِن عُمُري إلَّا ما يَسَعُ ثلاثَ كَلِمَات لأَقْتُلَنَّه، ثمَّ قال: اقْتُلوه. فقُتِل، جَزاءَ غَدْرِه ونَقْضِه الصُّلْحَ.