الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1175 ). زمن البحث بالثانية ( 0.012 )

العام الهجري : 1359 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1940
تفاصيل الحدث:

كان المسلِمون في الهند قد قدَّموا مشروعاتٍ مِن أجل التقسيم؛ فمنهم من يرى الانقسامَ عن الهندوس، ومنهم من يرى البقاءَ وعدم التقسيم؛ لمصلحة الدعوة والأقليات، وكان محمد إقبال قد دعا إلى تشكيلِ دولة باكستان والانفصال عن الهندوس في 1356هـ، ولكنه توفِّيَ في العام التالي، ثم عُقِد مؤتمر السند الإقليمي للرابطة الإسلامية في كراتشي برئاسة محمد علي جناح، وقرر في شعبان 1357هـ / 10 أكتوبر 1938م أنَّه من الضروري تقسيم الهند إلى اتحادين: اتحاد للدول الإسلامية، وآخر للدول غير الإسلامية، ثم دعا حزب الرابطة إلى عقد مؤتمر في مدينة لاهور، وقد عُقِدَ المؤتمر وأقرَّت اللجنة العاملة للرابطة لعموم الهند في اجتماعها في صفر 1358هـ / 26 مارس 1939م تشكيلَ لجنة لدراسةِ المشروعات المقَدَّمة بشأن التقسيم والدستور، ومسألة حكم الأغلبية، ثمَّ عُقِدت اجتماعاتٌ للَّجنة العاملة ولمجلس الرابطة لعموم الهند في دلهي وجرت دراساتٌ جادة لمسألة تخصيص موطِنٍ منفصل للمسلمين، ثم تمَّ في الاجتماع الذي عقدته اللجنة العاملة في 12 صفر 1359هـ / 21 مارس 1940م تعيينُ لجنة خاصة لصياغة مشروعِ القرار الشهير بقرار لاهور، الذي طُرِحَ بعد يومينِ مِن التعيين المذكور، وفيه أنَّ المسلمين لن يقبَلوا بأيِّ خطة معدَّلة إلا إذا تم وضعُها بموافقتهم وإقرارهم ابتداءً، وأنَّه ما من خطة دستورية يمكِنُ أن تُقبَل إلَّا إذا أُعِدَّت وَفقَ مبادئ جوهرية يراها المسلمون، وفيه مسألةُ الدول المستقلة التي تتمتَّعُ الوحداتُ المكَوِّنة منها لها بحُكمٍ ذاتي وسيادة، وأن يتضَمَّن الدستور ضماناتٍ كافيةً مفوَّضًا بها من أجل الأقليات، وحيث يكون المسلمون أقليَّةً في إقليم يجِبُ أن يحَدَّد في الدستور ضماناتٌ كافية وفعَّالة ومفوَّض بها لحماية حقوقهم ومصالحهم الدينية، وأن يتسلَّمَ كُلُّ إقليم جميعَ السلطات، كالدفاع، والخارجية، والمواصلات، والجمارك، وبقية الأمور الضرورية الأخرى.

العام الهجري : 1385 العام الميلادي : 1965
تفاصيل الحدث:

هو معالي الوزير عبد الله بن سليمان الحمدان وزير الملك عبد العزيز، وُلِدَ سنة 1305هـ 1887م بمدينة عنيزة في القصيم. قصد الهند بعد أن تجاوز الطفولةَ، ثم تنقَّل بينها وبين البحرين وبعض بلاد الخليج في طلب الرزق، ثم استقرَّ في الرياض؛ حيث كان له أخٌ اسمُه محمد يعمل في ديوان الملك عبدالعزيز قبل أن يتمَّ تنظيم الديوان، ولما مَرِضَ محمد ناب عنه عبد الله سنة 1338هـ 1919م، ولما رأى الملك عبد العزيز حُسنَ خَطِّه وذكاءَه ونشاطَه سَلَّمه صندوقَ دراهمه يُنفِقُ منه على بيتِه وأضيافِه. تقدَّم ابن سليمان في عمله حتى كفى الملكَ همَّ توفير المال. استمرَّ ابنُ سليمان وهو الشخصية الأولى في الدولة بعد الملك وكبار الأمراء مدةَ وزارته الطويلة، فلم يبلغْ إنسان من رجال عبد العزيز ما بلغه عنده من وثوقٍ ونفوذِ كلمة، وتمكُّنٍ؛ لذا لم يقتصِرْ عمله على المالية، بل أضيفت له مهامُّ خطيرة أخرى، كالدفاع قبل أن تنشأ وزارةُ الدفاع، ووكالةِ الخارجية أحيانًا، وشُؤون المعادن، ومنها البترول وما يتَّصِل بذلك من اتفاقيات ومداولات داخلية وخارجية؛ فهو الذي وقَّع اتفاقيةَ منح شركة "استاندر أويل أوف كاليفورنيا" -التي أصبحت فيما بعدُ أرامكو- حقَّ امتياز التنقيب عن النفط، وكانت من عادة ابن سليمان حين يجمعُه بالملك بلدٌ واحد أن يدخل عليه في غرفة النوم بعد صلاة الفجر كلَّ يوم، فيَعرِض عليه ما يهمُّه ويخرج بالموافقة على ما يريد، وكانت لا تخرجُ برقية من ديوان الملك إلَّا أرسلت بالبرق ثلاث نُسَخٍ منها: إلى ولي العهد، والنائب العام، وابن سليمان. استقال ابنُ سليمان بعد وفاة الملك عبد العزيز من العمل من الحكومة، وتحوَّل إلى رجل أعمال، فأنشأ فنادِقَ وشركات. خدم الملك 35 سنة، وسمِّي ابن سليمان وزيرًا للمالية سنة 1347هـ / 1929م، واستقال في مطلع محرم 1374هـ 1954م وتوفِّي بجدة.

العام الهجري : 1 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 622
تفاصيل الحدث:

عن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للمُسلمين: «إنِّي أُريتُ دارَ هِجرتِكُم ذاتَ نَخلٍ بين لابَتَيْنِ». وهُما الحَرَّتانِ، فهاجر مَن هاجر قِبَلَ المدينةِ، ورجع عامَّةُ مَن كان هاجر بأرضِ الحَبشةِ إلى المدينةِ، وتَجهَّز أبو بكرٍ قِبَلَ المدينةِ، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «على رِسْلِكَ، فإنِّي أرجو أن يُؤذنَ لي». فقال أبو بكرٍ: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: «نعم». فحبَس أبو بكرٍ نَفْسَهُ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لِيصحبَهُ، وعلَف راحِلتينِ كانتا عنده وَرَقَ السَّمُرِ -وهو الخَبَطُ- أربعةَ أَشهُرٍ. قال ابنُ شهابٍ: قال عُروةُ: قالت عائشةُ: فبينما نحن يومًا جُلوسٌ في بيتِ أبي بكرٍ في نَحْرِ الظَّهيرةِ، قال قائلٌ لأبي بكرٍ: هذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتقنِّعًا، في ساعةٍ لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكرٍ: فِداءٌ له أبي وأمِّي، والله ما جاء به في هذه السَّاعةِ إلَّا أَمْرٌ، قالت: فجاء رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم فاسْتأذَن، فأُذِنَ له فدخل، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأبي بكرٍ: «أَخْرِجْ مَن عندك». فقال أبو بكرٍ: إنَّما هُم أَهلُك، بأبي أنت يا رسولَ الله. قال: «فإنِّي قد أُذِنَ لي في الخُروجِ». فقال أبو بكرٍ: الصُّحبة بأبي أنت يا رسولَ الله؟ قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «نعم». قال أبو بكرٍ: فَخُذْ -بأبي أنت يا رسولَ الله- إحدى راحِلَتي هاتينِ، قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «بالثَّمنِ». قالت عائشةُ: فجَهَّزناهُما أَحَثَّ الجِهازِ، وصنعنا لهُما سُفْرَةً في جِرابٍ، فقطعتْ أسماءُ بنتُ أبي بكرٍ قِطعةً مِن نِطاقِها فربطتْ به على فَمِ الجِرابِ، فبذلك سُمِّيت: ذاتَ النِّطاقينِ. قالت: ثمَّ لَحِقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ بِغارٍ في جبلِ ثَوْرٍ، فَكَمَنَا فيه ثلاثَ ليالٍ، يَبيتُ عندهما عبدُ الله بنُ أبي بكرٍ، وهو غلامُ شابٌّ، ثَقِفٌ لَقِنٌ، فَيُدْلِجُ مِن عندهِما بِسَحَرٍ، فيُصبحُ مع قُريشٍ بمكَّةَ كَبائِتٍ، فلا يسمعُ أمرًا، يُكتادانِ به إلَّا وعاهُ، حتَّى يأتيَهُما بخبرِ ذلك حين يَختلِطُ الظَّلامُ، ويَرعى عليهِما عامرُ بنُ فُهيرةَ، مولى أبي بكرٍ مِنْحَةً مِن غَنَمٍ، فيُريحُها عليهِما حين تَذهبُ ساعةٌ مِنَ العِشاءِ، فيَبيتانِ في رِسْلٍ، وهو لبنُ مِنْحَتِهِما ورَضِيفِهِما، حتَّى يَنْعِقَ بها عامرُ بنُ فُهيرةَ بِغَلَسٍ، يفعلُ ذلك في كُلِّ ليلةٍ مِن تلك اللَّيالي الثَّلاثِ، واسْتأجر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ رجلًا مِن بني الدِّيلِ، وهو مِن بني عبدِ بنِ عَدِيٍّ، هادِيًا خِرِّيتًا -والخِرِّيتُ الماهرُ بالهِدايةِ- قد غَمَسَ حِلْفًا في آلِ العاصِ بنِ وائلٍ السَّهميِّ، وهو على دينِ كُفَّارِ قُريشٍ، فأَمِناهُ فدَفعا إليه راحِلَتَيْهِما، وواعَداهُ غارَ ثَوْرٍ بعدَ ثلاثِ ليالٍ، بِراحِلَتيهِما صُبْحَ ثلاثٍ، وانطلق معهما عامرُ بنُ فُهيرةَ والدَّليلُ، فأخذ بهم طريقَ السَّواحلِ. قال: سُراقةُ بنُ جُعْشُمٍ: جاءنا رُسُلُ كُفَّارِ قُريشٍ، يجعلون في رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ، دِيَةَ كُلِّ واحدٍ منهما، مَن قَتلهُ أو أَسَرهُ، فبينما أنا جالسٌ في مجلسٍ مِن مجالسِ قَومي بني مُدْلِجٍ، أقبل رجلٌ منهم حتَّى قام علينا ونحن جُلوسٌ، فقال يا سُراقةُ: إنِّي قد رأيتُ آنفًا أَسْوِدَةً بالسَّاحلِ، أُراها محمَّدًا وأصحابَه، قال سُراقةُ: فعرَفتُ أنَّهم هُم، فقلتُ له: إنَّهم لَيسوا بهِم، ولكنَّك رأيتَ فُلانًا وفُلانًا، انطلَقوا بِأَعْيُنِنا، ثمَّ لَبِثْتُ في المجلسِ ساعةً، ثمَّ قمتُ فدخلتُ فأمرتُ جاريتي أن تَخرُجَ بفَرسي، وهي مِن وراءِ أَكَمَةٍ، فتَحبِسَها عليَّ، وأخذتُ رُمحي، فخرجتُ به مِن ظَهرِ البيتِ، فَحَطَطْتُ بِزُجِّهِ الأرضَ، وخَفضتُ عالِيَهُ، حتَّى أتيتُ فَرسي فركِبتُها، فرفَعتُها تُقَرِّبُ بي، حتَّى دَنوتُ منهم، فعَثَرَتْ بي فَرسي، فخَررتُ عنها، فقمتُ فأَهويتُ يدي إلى كِنانتي، فاسْتخرجتُ منها الأَزلامَ فاسْتقسَمتُ بها: أَضرُّهُم أم لا، فخرج الذي أَكرهُ، فركِبتُ فَرسي، وعصيتُ الأَزلامَ، تُقَرِّبُ بي حتَّى إذا سمعتُ قِراءةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وهو لا يَلتفتُ، وأبو بكرٍ يُكثِرُ الالتِفاتَ، ساختْ يَدا فَرسي في الأرضِ، حتَّى بَلغتا الرُّكبَتينِ، فخررتُ عنها، ثمَّ زجرتُها فنهَضتْ، فلم تكدْ تُخرِجُ يدَيها، فلمَّا استوت قائمةً إذا لِأثَرِ يدَيها عُثانٌ ساطعٌ في السَّماءِ مِثلُ الدُّخانِ، فاسْتقسَمتُ بالأَزلامِ، فخرج الذي أَكرهُ، فنادَيتُهم بالأَمانِ فوقفوا، فركِبتُ فَرسي حتَّى جِئتُهم، ووقع في نفسي حين لَقِيتُ ما لَقِيتُ مِنَ الحَبسِ عنهم أن سَيظهرُ أَمْرُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقلتُ له: إنَّ قومَك قد جعلوا فيك الدِّيةَ، وأخبرتُهم أخبارَ ما يُريدُ النَّاسُ بهِم، وعرضتُ عليهم الزَّادَ والمتاعَ، فلم يَرْزآني ولم يَسألاني، إلَّا أن قال: «أَخْفِ عَنَّا». فسألتُه أن يَكتُبَ لي كتابَ أَمْنٍ، فأمر عامرَ بنَ فُهيرةَ فكتب في رُقعةٍ مِن أَديمٍ، ثمَّ مَضى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. وعن عُروةَ بنِ الزُّبيرِ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَقِيَ الزُّبيرَ في رَكْبٍ مِنَ المسلمين، كانوا تُجَّارًا قافِلين مِن الشَّأْمِ، فكَسا الزُّبيرُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكرٍ ثِيابَ بَياضٍ، وسمِع المسلمون بالمدينةِ مَخرجَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم مِن مكَّةَ، فكانوا يَغدون كُلَّ غَداةٍ إلى الحَرَّةِ، فيَنتظِرونَهُ حتَّى يَرُدَّهُم حَرُّ الظَّهيرةِ، فانقلبوا يومًا بعد ما أطالوا انتظارَهُم، فلمَّا أَوَوْا إلى بُيوتِهم، أَوفى رجلٌ مِن يَهودَ على أُطُمٍ مِن آطامِهِم، لِأَمْرٍ يَنظرُ إليه، فبصر برسولِ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابِه مُبَيَّضِين يَزولُ بهِم السَّرابُ، فلم يملِك اليَهوديُّ أن قال بأعلى صوتِه: يا مَعاشِرَ العربِ، هذا جَدُّكُم الذي تَنتظِرون، فثار المسلمون إلى السِّلاحِ، فتَلَقَّوْا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم بظَهْرِ الحَرَّةِ، فعَدل بهِم ذاتَ اليمينِ، حتَّى نزل بهِم في بني عَمرِو بنِ عَوفٍ، وذلك يومَ الاثنينِ مِن شهرِ ربيعٍ الأوَّلِ، فقام أبو بكرٍ للنَّاسِ، وجلس رسولُ الله صلى الله عليه وسلم صامتًا، فطَفِقَ مَن جاء مِنَ الأنصارِ -ممَّن لم يَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم- يُحَيِّي أبا بكرٍ، حتَّى أصابتِ الشَّمسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل أبو بكرٍ حتَّى ظَلَّلَ عليه بِردائِه، فعرَف النَّاسُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك.

العام الهجري : 865 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1461
تفاصيل الحدث:

كان الباعث لهذه الفتنة وخلع المؤيَّد أنه لما تسلطن لم يحرك ساكنًا ولم يتغير أحدٌ مما كان عليه، فشقَّ ذلك على الظاهريَّة، وقال كل منهم في نفسه: كأن الملك الأشرف إينال ما مات، فإن الغالبَ كلٌّ منهم كان أخذ ما بيده من الإقطاعات، وحبس ونفى في أوَّل سلطنة الأشرف إينال، كما هي عادة أوائل الدُّول، وبقى منهم جماعة كثيرة بلا رزق ولا إمرة ولم يجدوا عندهم قوةً ليخلعوا الملك المؤيد هذا ويسلطنوا غيره وحدهم، فكلَّموا الأشرفيَّة في هذا المعنى غير مرَّة، وترققوا لهم، فلم يقبلوا منهم ذلك؛ لنفرةٍ كانت بين الطائفتين قديمًا وحديثًا، وأيضا فلسان حال الأشرفية: نحن الآن في كفاية من الأرزاق والوظائف، فعلام نحرك ساكنًا، ونخاطر بأنفسنا؟ فعجز فيهم الظاهرية وقد ثقُل عليهم الملك المؤيَّد، وكثر خوفُهم منه، فإنه أوَّل ما تسلطن أبرق وأرعد، فانخزى كل أحد، قال ابن تغري بردي: "كان دخول المؤيد السلطنة بحرمة وافرة؛ لأن سنَّه كان نحو الثلاثين سنة يوم تسلطن، وكان قد ولِّيَ الأتابكية في أيَّام أبيه، وأخذ وأعطى، وسافر أميرَ حاجِّ المحمل، وحجَّ قبل ذلك أيضًا وسافر البلاد، ومارس الأمورَ في حياة والده وهذا كلُّه بخلاف من تقدَّمه من سلاطين أولاد الملوك؛ فإن الغالب منهم حدث السِّنِّ يريد له من يدبِّرُه، فإنه ما يعرف ما يرادُ منه، فيصير في حكم غيرِه من الأمراء فتتعلَّق الآمالُ بذلك الأمير، وتتردَّد الناسُ إليه، إلى أن يدبِّر في سلطنة نفسه، بخلاف المؤيَّد هذ؛ فإنَّه ولِيَ السلطنة وهو يقول في نفسه: إنه يدبِّرُ مع مملكة مصر ممالكَ العجم زيادةً على تدبير مصرَ! قلت: وكان كما زعم؛ فإنه كان عارفًا عاقلًا مباشرًا، حسن التدبير، عظيمَ التنفيذ شهمًا، وكان هو المتصرفَ في الأمور أيَّام أبيه في غالب الولايات والعَزلِ وأمور المملكة، فلما تسلطن ظنَّ كل أحد أنْ لا سبيل في دخول المكيدة على مثل هذا؛ لمعرفة الناس بحذقه وفطنته, وكان مع هذه الأوصاف مليح الشكل، وعنده تؤدة في كلامه، وعقل وسكوت خارج عن الحد، يؤديه ذلك إلى التكبُّر، وهذا كان أعظم الأسباب لنفور خواطر الناس عنه؛ فإنه كان في أيام سلطنته لا يتكلَّمُ مع أحد حتى ولا أكابر الأمراء إلا نادرًا، ولأمر من الأمور الضروريات، وفعل ذلك مع الكبير والصغير، وما كفى هذا حتى صار يبلُغُ الأمراءَ أنَّه في خلوته يسامِرُ الأطرافَ الأوباشَ الذين يُستحيا من تسميتهم، فعظم ذلك على الناس، فلما وقع ذلك وجد من عنده حقدٌ فرصةً، وأشاع عنه هذا المعنى وأمثاله، وبشَّع في العبارة وشنَّع، وقال هذا وغيره: إنَّه لا يلتفت إلى المماليك ويزدريهم، وهو مستعزٌّ بمماليك أبيه الأجلاب وأصهاره وحواشيه وخشداشية أبيه- زملاء مهنته-وبالمال الذي خلَّفه أبوه، ومنهم من قال أيضًا: إنما هو مستعزٌّ بحسن تدبيره، فإنه قد عبَّأ لكل سؤال جوابًا، ولكل حرب ضربًا، وكان مع هذا قد قمع مباشري الدولة وأبادهم، وضيَّق عليهم، ودقَّق في حسابهم كما هو في الخاطر وزيادة، فما أحسن هذا لو كان دام واستمر, فنفرت قلوب المباشرين منه، وأخذ أمره في إدبار؛ لعدم مثابرته على سير طريقه الأوَّل من سلطنته، فلو جَسَر لكَسَر، لكنه هاب فخاب" فلما كان آخرُ يوم الجمعة السابع عشر رمضان رسم السلطان الملك المؤيد أحمد لنقيب الجيش الأمير ناصر الدين محمد بن أبي الفرج أن يدور على الأمراء مقدَّمي الألوف، ويُعلمَهم أن السلطان رسم بطلوعهم من الغد في يوم السبت إلى الحوش السلطاني من قلعة الجبل بغير قماش الموكب، ولم يعلِمْهم لأيِّ معنى يكون طلوعهم واجتماعهم في هذا اليوم بالقلعة، وهو غيرُ العادة، وأخذ الأمراء من هذا الأمر أمرٌ مريج، وخلا كل واحد بمن يثق به، وعرفه الخبر، وهو لا يشكُّ أن السلطان يريد القبضَ عليه من الغد، ووجد لذلك من كان عنده كمينٌ من الملك المؤيد أو يريد إثارةَ فتنة فرصةً، وحرَّض بعضهم بعضًا، إلى أن ثارت المماليك الظاهرية في تلك الليلة، وداروا على رفقتهم وإخوانهم وعلى من له غرضٌ في القيام على الملك المؤيد، وداموا على ذلك ليلتَهم كلها، فلما كان صبح نهار السبت تفرَّقوا على أكابر الدولة والأمراء في بيت الأتابك خشقدم لعمل المصلحة، وقد اجتمعت طوائفُ المماليك والجميع في بيت الأمير الكبير، ولم يطلع إلى القلعة في هذا اليوم أحدٌ من الأمراء والأعيان إلا جماعة يسيرة جدًّا، فلما تكامل جمعهم في بيت الأمير الكبير وصاروا على كلمة واحدة؛ على خلع الملك المؤيَّد أحمد من السلطنة، وسلطنة غيره، وتكلموا فيمن يولونه السلطنة, فأجمع رأي الجميع على سلطنة أحد من أعيان الأمراء، ثم تكلموا فيمن يكون هذا السلطان، فقال جانبك: الرأي عندي سلطنةُ الأمير الكبير خشقدم المؤيدي؛ فإنه من غير الجنس يعني كونه روميَّ الجنس وأيضًا إنه رجل غريبٌ ليس له شوكة، ومتى أردتم خلعَه أمكنكم ذلك، وحصل لكم ما تقصدونه من غير تعب، فأعجب الجميعَ هذا الكلامُ، بخلاف المماليك الأشرفية، وإن كانوا هم أيضًا متفقين على خلع المؤيد؛ لتطَلُّعهم تسلطُنَ خشداشهم الأمير جانم نائب الشام، ولو أنَّ أمر المؤيد طرقهم بغتةً ما طاوعوا على الرُّكوبِ في مثل هذا اليوم قبل مجيء خشداشهم جانم، فبويع خشقدم ولقِّبَ بالملك الظاهر أبو سعيد سيف الدين خشقدم ونودي بالحال بسلطنته بشوارع القاهرة، ثم شرعوا بعد ذلك في قتالِ الملك المؤيد أحمد، كل ذلك والملك المؤيَّدُ في القلعة في أناس قليلة من مماليكه ومماليك أبيه الأجلاب، ثم التحم القتال بين الطائفتين مناوشةً لا مصاففةً، غير أن كلًّا من الطائفتين مُصِرٌّ على قتال الطائفة الأخرى، والملك المؤيَّد في قلة عظيمة من المقاتلة ممن يعرف مواقِعَ الحرب وليس معه إلا أجلاب، فلم ينقضِ النهار حتى آل أمرُ الملك المؤيد إلى زوال، وهو مع ذلك ينتظر من يجيء إليه لمساعدته، حتى من ليس له غرض عند أحد بعينه جاء إلى الأمير الكبير مخافة على رزقه ونفسه؛ لِما علم من قوة شوكة الأمير الكبير وما يؤول أمره إليه، هذا مع حضور الخليفة والقضاة الأربعة عند الأمير الكبير وجميع أعيان الدولة من المباشرين وأرباب الوظائف وغيرهم، والملك المؤيَّد في أناس قليلة جدًّا، وظهر ذلك للملك المؤيد عيانًا، فأراد أن يسَلِّمَ نفسه، ثم أمسك عن ذلك من وقته، فلما رأى الملك المؤيد أنَّ ذلك لا يفيده إلا شدةً وقسوةً أمر عساكره ومقاتلته بالكفِّ عن القتال، وقام من وقته وطلع القلعة بخواصِّه، وأمر أصحابه بالانصراف إلى حيث شاؤوا، ثم دخل هو إلى والدته خوند زينب بنت البدري حسن بن خاص بك، وترك باب السلسلة لمن يأخذه بالتسليم، وتمزَّقت عساكره في الحال كأنها لم تكن، وزال ملكه في أقل ما يكون، وخُمِدت الفتنة كأنَّها لم تكن، ثم أرسل الأتابك خشقدم في الحال جماعةً من أصحابه قبضوا على الملك المؤيد أحمد هذا من الدور السلطانية، فأُمسِكَ من غير ممانعة، وسلَّم نفسه، وأُخرِجَ من الدور إلى البحرة من الحوش السلطاني، وحُبِسَ هناك بعد أن اقتِيدَ واحتُفظ به، وكانت مدة حكمه أربعة أشهر وستة أيام، ثم رسم السلطان الملك الظاهر خشقدم بتوجُّهِه وتوجه أخيه محمد إلى سجن الإسكندرية.

العام الهجري : 555 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1160
تفاصيل الحدث:

هو الخَليفةُ، أَميرُ المُؤمِنين، المُقتَفِي لأَمرِ الله، أبو عبدِ الله، محمدُ بن المُستَظهِر بالله أبي العبَّاسِ أحمدَ بن المُقتَدِي بالله، بن الذَّخيرَةِ محمدِ بن القائمِ بأَمرِ الله عبدِ الله بن القادرِ بالله عبدِ الله أحمدَ بن الأَميرِ إسحاقَ بن المُقتَدِر، الهاشميُّ، العبَّاسيُّ، البغداديُّ، الحَبَشيُّ الأُمِّ. وُلِدَ في رَبيعٍ الأوَّلِ سَنةَ 489هـ. وبُويِعَ بالإمامَةِ في سادس عشر ذي القعدةِ، سَنةَ 530هـ. كان المُقتَفِي عاقِلًا لَبيبًا، عامِلًا مَهيبًا، صارِمًا، جَوادًا، أَسمَرَ، آدَمَ، مَجْدُورَ الوَجْهِ، مَليحَ الشَّيْبَةِ، مُحِبًّا للحَديثِ والعِلمِ، مُكرِمًا لأَهلِه، سَمِعَ المُقتَفِي من: أبي الحَسنِ بن العَلَّافِ، ومن مُؤَدِّبِه أبي البَركاتِ السيبي. قال السَّمعانيُّ: "وأَظُنُّهُ سَمِعَ (جُزءَ ابنِ عَرَفَة) من ابنِ بيان، كَتَبْتُ إليه قِصَّةً أَسأَلُهُ الإنعامَ بالإذِنِ في السَّماعِ منه، فأَنعَمَ، وفَتَّشَ على الجُزءِ، ونَفَذَهُ إليَّ على يَدِ إِمامِه ابنِ الجواليقي، فسَمِعتُه من ابنِ الجواليقي عنه"، وكان حَمِيدَ السِّيرَةِ، يَرجِعُ إلى تَدَيُّنٍ وحُسْنِ سِياسَةٍ، جَدَّدَ مَعالِمَ الخِلافَةِ، وباشَرَ المُهِمَّاتِ بِنَفسِه، وغَزَا في جُيوشِه. كانت أَيامُه نَضِرَةً بالعَدلِ، زَهِرَةً بالخَيرِ، وكان على قَدَمٍ مِن العِبادَةِ قبلَ الخِلافَةِ ومعها، ولم يُرَ مع لِينِه بعدَ المُعتَصِم في شَهامَتِه مع الزُّهْدِ والوَرَعِ، ولم تَزَل جُيوشُه مَنصورَةً. قال الذَّهبيُّ: "كان مِن حَسَناتِه وَزيرُه عَوْنُ الدِّينِ بن هُبيرَة، وقِيلَ: كان لا يَجرِي في دَولتِه شَيءٌ إلا بِتَوقِيعِه"، ووَزَرَ للمُقتَفِي عليُّ بنُ طرادٍ، ثم أبو نَصرِ بنُ جَهيرٍ، ثم عليُّ بن صَدقةَ، ثم ابنُ هُبيرَةَ، وحَجَبَ له أبو المعالي بنُ الصاحِبِ، ثم كامِلُ بنُ مُسافرٍ، ثم ابنُ المُعوَجِّ، ثم أبو الفَتحِ بن الصَّيْقَلِ، ثم أبو القاسمِ بن الصاحِبِ. وهو أَوَّلُ مَن استَبَدَّ بالعِراقِ مُنفَرِدًا عن سُلطانٍ يكونُ معه. مِن أَوَّلِ أَيامِ الدَّيلمِ إلى أَيامِه، وأَوَّلُ خَليفةً تَمَكَّنَ من الخِلافةِ وحَكَمَ على عَسكَرِهِ وأَصحابِه مِن حين تَحَكُّمِ المَماليكِ على الخُلفاءِ مِن عَهدِ المُستَنصِر إلى عَهدِه، إلا أن يكون المُعتَضِد، فأَقامَ المُقتَفِي حِشمةَ الخِلافَةِ، وقَطَعَ عنها أَطماعَ السَّلاطينِ السَّلجوقِيَّة وغَيرِهم، وكان من سَلاطينِ خِلافَتِه صاحِبُ خُراسان سنجر بن ملكشاه، والمَلِكُ نُورُ الدِّينِ صاحِبُ الشامِ، وأَبوهُ قَسيمُ الدَّولةِ. تُوفِّي المُقتَفِي ثانيَ رَبيعٍ الأَوَّل، بِعِلَّةِ التَّراقِي؛ وكانت خِلافَتُه أَربعًا وعِشرينَ سَنَةً وثلاثةَ أَشهُر وسِتَّةَ عشرَ يومًا، ووَافقَ أَباهُ المُستَظهِر بالله في عِلَّةِ التَّراقِي وماتَا جَميعًا في نَفسِ الشَّهرِ، ثم بُويِعَ المُستنجِدُ بالله ابنُه واسمُه يُوسفُ، وكان للمُقتَفِي حَظِيَّةٌ، وهي أُمُّ وَلَدِه أبي عليٍّ، فلمَّا اشتَدَّ مَرضُ المُقتَفِي وأَيِسَت منه أَرسَلَت إلى جَماعَةٍ من الأُمراءِ وبَذَلَت لهم الإِقطاعاتِ الكَثيرةَ والأَموالَ الجَزيلةَ لِيُساعِدوها على أن يكون وَلَدُها الأَميرُ أبو عليٍّ خَليفةً. قالوا: كيف الحِيلَةُ مع وَلِيِّ العَهدِ؟ فقالت: إذا دَخَلَ على والِدِه قَبَضتُ عليه. وكان يَدخُل على أَبيهِ كلَّ يَومٍ. فقالوا: لا بُدَّ لنا مِن أَحَدٍ مِن أَربابِ الدَّولةِ؛ فوَقَعَ اختِيارُهم على أبي المعالي ابن الكيا الهراسي، فدَعوهُ إلى ذلك، فأَجابَهم على أن يكونَ وَزيرًا، فبَذَلوا له ما طَلَبَ، فلمَّا استَقَرَّت القاعِدةُ بينهم وعَلِمَت أُمُّ أبي عليٍّ أَحضَرَت عِدَّةً من الجَواري وأَعطَتهُنَّ السَّكاكِينَ، وأَمَرَتهُنَّ بقَتلِ وَلِيِّ العَهدِ المُستَنجِد بالله. وكان له خَصِيٌّ صَغيرٌ يُرسِلُه كلَّ وَقتٍ يَتَعَرَّف أَخبارَ والِدِه، فرأى الجَوارِي بأَيدِيهِنَّ السَّكاكِينُ، ورَأى بِيَدِ أبي عليٍّ وأُمِّهِ سَيْفَينِ، فعادَ إلى المُستَنجِد فأَخبَرَهُ، وأَرسَلَت هي إلى المُستَنجِد تَقولُ له إن والِدَهُ قد حَضَرَهُ المَوتُ لِيَحضُر ويُشاهِدَه، فاستَدعَى أُستاذَ الدارِ عَضُدَ الدِّينِ وأَخَذَهُ معه وجَماعَةً من الفَرَّاشِين، ودَخَلَ الدارَ وقد لَبِسَ الدِّرْعَ وأَخَذَ بِيَدِه السَّيفَ، فلمَّا دَخلَ ثارَت به الجَوارِي، فضَرَب واحِدةً منهن فجَرَحَها، وكذلك أُخرَى، فصاحَ ودَخلَ أُستاذُ الدارِ ومعه الفَرَّاشون، فهَرَبَ الجَوارِي وأَخَذَ أَخاهُ أبا عليٍّ وأُمَّهُ فسَجَنهُما، وأَخذَ الجَوارِي فقَتَلَ منهن، وغَرَّقَ منهن، ودَفَعَ الله عنه، فلمَّا تُوفِّي المُقتَفِي جَلسَ المُستَنجِد للبَيْعَةِ، فبَايَعَهُ أَهلُه وأَقارِبُه، وأَوَّلُهم عَمُّهُ أبو طالِبٍ، ثم أَخوهُ أبو جَعفرِ بن المُقتَفِي، وكان أَكبرَ من المستنجد، ثم بايعه الوزير بن هبيرة، وقاضي القضاة، وأرباب الدولة والعلماء، وخطب له يوم الجمعة، ونُثرت الدراهمُ والدنانيرُ.

العام الهجري : 1307 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1890
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ الأميرُ السيد الشريف المحقِّقُ محيي السنة وقامِعُ البدعة: أبو الطيب محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف الله القنوجي البخاري، نزيل بهوبال، ويرجع نَسَبُه إلى زين العابدين بن علي بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب. ولِدَ في بلدة "بريلي" موطِنِ جَدِّه من جهةِ الأمِّ، عام 1248هـ ولما بلغ السادسةَ مِن عمره توفِّيَ والدُه، فرحل مع أمِّه إلى قِنَّوج موطِنِ آبائهِ بالهندِ، فنشأ فيها في حجرِ أمِّه يتيمًا فقيرًا على العَفافِ والطهارة، وتلقَّى الدروس في علومٍ شتى على صفوةٍ مِن علماءِ قِنَّوج ونواحيها وغيرهم. درسَ صِدِّيق على شيوخٍ كثيرين من مشايخِ الهند واليمن، واستفاد منهم في علومِ القرآن والحديثِ وغيرهما، ولقد أجازه شيوخٌ كثيرون ذكَرَهم في ثَبتِه "سلسة العَسْجَد في مشايخ السند". وله تلاميذ كثيرون درَسوا عليه واستجازوه، وبعد عودتِه مِن الحجازِ إلى الهند انتقل العلامةُ صِدِّيق حسن خان من (قنوج) إلى مدينة (بهوبال) في ولاية (مادهيا براديش) في وسط الهند، وقد ذاع صيتُه في تلك الأيام، كإمام في العلومِ الإسلامية، ومؤلِّفٍ بارع في العلوم العقليَّةِ والنَّقلية، وكاتبٍ قديرٍ في اللغات العربية والفارسية والأوردية، ومجتهدٍ متواصلٍ في الدرس والتأليف والتدوين، ولم يلبَثْ أن تزوَّجَ بأميرة بهوبال (شاهجان بيجوم) التي كانت تحكُمُها حينذاك، تزوَّجَت به لَمَّا عَلِمَت من شَرَفِ نَسَبِه وغزارة عِلمِه واستقامة سيرتِه، سنة 1287هـ، وجعلَتْه مُعتَمِدَ المهامِّ، ومنحته أقطاعًا من الأرضِ الخراجيَّة تغلُّ له خمسين ألف ربيَّة في كلِّ سنة، وخلعت عليه ولقَّبَتْه الدولةُ البريطانيةُ الحاكِمةُ بالهند نواب أمير الملك سيد محمد صديق حسن خان بهادر، ومنحته حَقَّ التعظيم في أرض الهند بطولِها وعرضِها بإطلاقِ المدافِعِ سَبعَ عشرة طلقةً، وخلَعَت عليه بالخِلَعِ الفاخرةِ، ومنَحَه السلطانُ عبد الحميد خان الوسامِ المجيدي من الدرجةِ الثانية. عَمِلَ صديق خان وزيرًا لزوجته الأميرة (شاهجان بيجوم) ونائبًا عنها. كان زواجُ العلَّامة صديق حسن خان بالأميرة شاهجان وتلقُّبه بأمير بهوبال نقطةَ تحوُّلٍ لا في حياتِه العلميَّةِ فقط، بل في النشاطِ العلميِّ والعهد التأليفي في الهند كلِّها، فكان له موهبةٌ فائقةٌ في الكتابة وفي التأليف، حتى قيل إنَّه كان يكتُبُ عَشَرات الصفحاتِ في يوم واحد، ويكمِلُ كتابًا ضخمًا في أيام قليلة، ومنها كتب نادرةٌ على منهج جديد، وعندما ساعدته الظروفُ المَنصبيَّةُ والاقتصادية على بذل المالِ الكثيرِ في طَبعِها وتوزيعِها، تكَلَّلت مساعيه العلمية بنجاحٍ منقطعِ النظير. من مؤلَّفاتِه: فتح البيان في مقاصد القرآن، ونيل المرام من تفسير آيات الأحكام، والدين الخالص (جمع فيه آيات التوحيد الواردة في القرآن، ولم يغادر آيةً منها إلا أتى عليها بالبيان الوافي)، وعون الباري بحَلِّ أدلة البخاري (شرح كتاب التجريد)، والسراج الوهاج في كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجَّاج، والحِرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون (في الحديث)، والرحمة المهداة إلى من يريد زيادةَ العلمِ على أحاديثِ المِشكاة، والجنة في الأسوة الحسنة بالسنَّة،(في اتباع السنة)، الحِطَّة في ذكر الصحاح الستة، والروضة الندية شرح الدرر البهية للقاضي محمد اليمني الشوكاني، وفتح العلام شرح بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني، وحصول المأمول من علم الأصول (تلخيص إرشاد الفحول للشوكاني) (في أصول الفقه)، وقطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر، وغيرها كثير، قال عبد الحي الطالبي: "له مصنَّفاتٌ كثيرةٌ ومؤلَّفاتٌ شهيرة في التفسير والحديث، والفقه والأصول، والتاريخ والأدب، قلَّما يتَّفِقُ مثلُها لأحدٍ من العلماء، وكان سريعَ الكتابةِ حُلوَ الخَطِّ، يكتب كراستين في مجلسٍ واحدٍ بخَطٍّ خفيٍّ في ورقٍ عالٍ، ولكنه لا تخلو تأليفاتُه عن أشياءَ، إما تلخيص أو تجريد، أو نقل من لسانٍ إلى لسان آخر، وكان كثيرَ النقل عن القاضي الشوكاني، وابن القيم، وشيخه ابن تيمية الحراني، وأمثالهم، شديدَ التمَسُّك بمختاراتهم، وقد اعتراه مرَضُ الاستسقاء، واشتدَّ به المرضُ وأعياه العلاجُ واعتراه الذهولُ والإغماء، وكانت أناملُه تتحَرَّك كأنَّه مشغول بالكتابة، فلما كان نصفُ الليل فاضت على لسانِه كلمةُ أحِبُّ لقاءَ اللهِ، قالها مرة أو مرتين، وطلب الماءَ واحتُضِرَ، وفاضت نفسه، وكان ذلك في ليلة التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1307هـ، وله من العُمرِ تِسعٌ وخمسون سنة وثلاثة أشهر وستة أيام، وشُيِّعَت جنازته في جمعٍ حاشدٍ، وصلِّيَ عليه ثلاث مرات، و كان قد أوصى بأن يُدفَنَ على طريقةِ السُّنَّة، فنُفِّذَت وصيَّتُه.

العام الهجري : 1 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 622
تفاصيل الحدث:

كان مِن آثارِ هِجرتِه صلى الله عليه وسلم وأصحابِه إلى المدينةِ تلك المُؤاخاةُ التي حَدثت بين المُهاجرين والأنصارِ رضي الله عنهم، حتَّى كان يَرِثُ بعضُهم بعضًا في أوَّلِ الأمرِ. فعنِ ابنِ عبَّاسٍ رضِي الله عنهما: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} قال: «وَرَثَةً»: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} قال: " كان المُهاجِرون لمَّا  قَدِموا المدينةَ يَرِثُ المُهاجِرُ الأنصاريَّ دون ذَوِي رَحِمِهِ؛ لِلأُخُوَّةِ التي آخى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بينهم، فلمَّا نزلت: {{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسَختْ". ثمَّ قال: {وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} «إلَّا النَّصرَ، والرِّفادَةَ، والنَّصيحةَ، وقد ذهب الميراثُ، ويوصي له».
وعن أنسٍ قال: لمَّا قَدِمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم المدينةَ أتاهُ المُهاجرون فقالوا: يا رسولَ الله، ما رَأينا قومًا أَبْذَلَ مِن كثيرٍ، ولا أحسنَ مُواساةً مِن قليلٍ مِن قومٍ نزلنا بين أَظهُرهِم، لقد كَفَوْنا المُؤنَةَ وأشرَكونا في المَهْنَإِ حتَّى لقد خُفْنا أن يَذهبوا بالأجرِ كُلِّهِ. فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لا ما دَعَوتُم الله لهم، وأَثْنَيْتُم عليهِم».
وقال عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ رضي الله عنه: لمَّا قَدِمْنا المدينةَ آخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين سعدِ بنِ الرَّبيعِ، فقال سعدُ بنُ الرَّبيعِ: إنِّي أَكثرُ الأنصارِ مالًا، فَأَقْسِمُ لك نِصفَ مالي، وانْظُرْ أيَّ  زَوجتيَّ هَوِيتَ نَزلتُ لك عنها، فإذا حَلَّتْ تَزوَّجتَها. قال: فقال له عبدُ الرَّحمنِ: لا حاجةَ لي في ذلك، هل مِن سوقٍ فيه تِجارةٌ؟ قال: سوقُ قَيْنُقاعٍ. قال: فغَدا إليه عبدُ الرَّحمنِ، فأتى بأَقِطٍ وسَمْنٍ، قال: ثمَّ تابع الغُدُوَّ، فما لَبِثَ أن جاء عبدُ الرَّحمنِ عليه أثرُ صُفْرَةٍ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «تَزوَّجتَ؟». قال: نعم. قال: «ومَن؟»، قال: امرأةً مِنَ الأنصارِ. قال: «كَم سُقْتَ؟»، قال: زِنَةَ نَواةٍ مِن ذَهبٍ -أو نَواةً مِن ذَهبٍ- فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَوْلِمْ ولو بِشاةٍ».

العام الهجري : 332 العام الميلادي : 943
تفاصيل الحدث:

خرجت طائفةٌ من الروسيَّة في البحر إلى نواحي أذربيجان، وركبوا في البحرِ في نهر للكر، وهو نهرٌ كبير، فانتهوا إلى بَردعةَ، فخرج إليهم نائبُ المرزبان بردعة في جمع الديلم والمطوعة يزيدون على خمسةِ آلافِ رجلٍ، فلَقُوا الروس، فلم يكُنْ إلَّا ساعة حتى انهزم المسلمونَ منهم، وقُتِلَ الديلم عن آخرهم، وتَبِعَهم الروس إلى البلد، فهرب من كان له مركوبٌ وترك البلد، فنزله الروسُ ونادوا فيه بالأمان فأحسنوا السيرةَ، وأقبلت العساكرُ الإسلامية مِن كُلِّ ناحية، والروس تقاتِلُهم، فلا يثبُتُ المسلمون لهم، وغَنِموا أموالَ أهلها واستعبدوا السَّبيَ، واختاروا من النِّساءِ مَن استحسنوها. لَمَّا فعل الروسُ بأهل بردعة ما فعلوا استعظَمَه المسلمون، فتنادَوا بالنفيرِ، وجمع المرزبانُ بنُ محمد النَّاسَ واستنفَرَهم, فبلغ عِدَّةُ من معه ثلاثين ألفًا، وسار بهم، وكان يغاديهم القتالَ ويُراوِحُهم، فلا يعود إلَّا مفلولًا، فبَقُوا كذلك أيامًا كثيرة، وقد أصاب الروسَ الوباءُ، ولما طال الأمرُ على المرزبان أعمل الحِيَل، فرأى أن يكمنَ كمينًا، ثم يلقاهم في عسكَرِه، ويتطارَدَ لهم، فإذا خرج الكمينُ عاد عليهم، فتقَدَّمَ إلى أصحابه بذلك، ورتَّبَ الكمينَ ثمَّ لَقِيَهم، واقتتلوا، فتطارد لهم المرزبانُ وأصحابُه، وتَبِعَهم الروسيَّةُ حتى جازوا موضِعَ الكمينِ، فاستمَرَّ الناسُ على هزيمتهم لا يلوي أحدٌ على أحد، فخرجوا من ورائِهم، والتجأ الباقونَ إلى حصنِ البلد، ويُسَمّضى شهرستان، وكانوا قد نقلوا إليه ميرةً كثيرةً، وجعلوا معهم السبيَ والأموالَ، فحاصرهم المرزبان وصابَرَهم، ثمَّ إن أصحاب المرزبان أقاموا يقاتِلونَ الروسية، وزاد الوباءُ على الروسيَّة، فكانوا إذا دفَنوا الرجلَ دفنوا معه سلاحَه، فاستخرج المسلمونَ مِن ذلك شيئًا كثيرًا بعد انصرافِ الروس، ثم إنَّهم خرجوا من الحِصنِ ليلًا، وقد حملوا على ظهورِهم ما أرادوا من الأموالِ وغيرِها، ومَضَوا إلى الكرِّ، وركبوا في سُفُنِهم ومضوا، وعجز أصحابُ المرزبان عن اتِّباعِهم وأخذِ ما معهم، فتركوهم، وطَهَّرَ اللهُ البلادَ منهم.

العام الهجري : 356 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 967
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ مُعِزُّ الدولة أبو الحسين, أحمدُ بنُ بُوَيه بن فنا خسرو بن تمام بن كوهي الديلمي الفارسي الشيعي, كان أبوه سمَّاكًا, وهو ربَّما احتطب. تملَّك العراق نيفًا وعشرين سنة بلا كُلفةٍ، ودانت له الأُمَم, ولَمَّا تغَلَّب على بغداد سنة 334 لقَّبَه الخليفةُ المستكفي بمعزِّ الدولة، وتولى منصِبَ أميرِ الأمراء، وبدا بتسَلُّطه على الخليفة فأصرَّ أن يُذكَرَ اسمُه مع اسمِ الخليفةِ في خُطبة الجمعة، وأن يُسَكَّ اسمُه على العملة مع الخليفة. ورتَّبَ للخليفة نفقاتِه خمسة آلاف درهمٍ في كل يوم. وكذلك كان الخليفةُ المطيع لله مقهورًا معه، أظهر أبو الحُسَين الرَّفضَ ودعَمَ التشَيُّع. وهو أوَّلُ من أجرى السُّعاةَ بين يديه ليبعثَ بأخبارِه إلى أخيه ركن الدَّولةِ سريعًا إلى شيراز، وحظِيَ عنده أهلُ هذه الصناعةِ, وكان عنده في بغداد ساعيان ماهران، وهما فضل وبرغوش، يتعصَّبُ لأحدهما عوامُّ أهلِ السُّنَّة، وللآخر عوامُّ أهلِ الشيعة، وجَرَت لهما مَناصِفُ ومواقف، ولَمَّا كان الثالث عشر من ربيع الأول توفي أبو الحسن بعِلَّة الذَّرَب، فصار لا يَثبُت في مَعِدتِه شَيءٌ بالكُليَّة، فلمَّا أحسَّ بالموت قيل: إنه أظهر التَّوبةَ وأناب إلى الله عزَّ وجَلَّ، وترضَّى عن الصحابةِ, وأراق الخمورَ, ونَدِمَ على ما ظلم, وردَّ كثيرًا من المظالم، وتصَدَّق بكثيرٍ مِن ماله، وأعتق طائفةً كثيرةً مِن مماليكه، وعَهِدَ بالأمر إلى ولده بختيار عز الدولة، وقد اجتمع ببعضِ العُلَماءِ، فكَلَّمَه في السُّنَّة وأخبره أنَّ عليًّا زوَّجَ ابنَتَه أمَّ كُلثوم مِن عُمَرَ بنِ الخطاب، فقال: واللهِ ما سَمِعتُ بهذا قطُّ، فقيل إنَّه رجع إلى السُّنَّة ومتابعتِها- والله أعلم, ولَمَّا مات مُعِزُّ الدولة دُفِنَ بباب التبن في مقابر قريش، فبَعَث ابنُه عِزُّ الدولة ووليُّ عَهدِه إلى رؤوس الأُمَراءِ في هذه الأيام بمالٍ جزيلٍ لئلَّا يجتمعوا على مخالفتِه قبل استحكامِ مُبايعتِه، وهذا مِن دهائِه، وكانت مُدَّة ولاية معز الدولة إحدى وعشرين سنة وإحدى عشر شهرًا ويومين.

العام الهجري : 399 العام الميلادي : 1008
تفاصيل الحدث:

تحكَّمَ عبدُ المَلِك ابنُ أبي عامرٍ المُلَقَّبُ بالمُظَفَّر بأمرِ الأندلُسِ بعد أخيه المنصورِ، ثمَّ توفِّيَ المُظَفَّر وتولى أخوه عبدُ الرَّحمنِ المُلَقَّب بشنشول، الذي قام بإخراجِ هِشام المؤيَّد أميرِ الأندلس مِن مُعتَقَلِه, وأعاده إلى قَصرِه الزَّهراءِ، فتقَرَّبَ له حتى ولاه المؤيَّدُ ولايةَ العَهدِ بَعدَه، ولَقَّبه بالنَّاصِرِ المأمون، ثم سار عبدُ الرحمن للغزو. وخلالَ ذلك خُلِعَ هِشامٌ المُؤَيَّد، وبُويعَ لمحمَّدِ بنِ هِشامِ بن عبد الجبار وأمَرَ بإثباتِ كُلِّ مَن جاءه في الدِّيوان، فلم يبقَ زاهِدٌ ولا جاهِلٌ ولا حَجَّامٌ، حتى جاءه، فاجتمع له نحوٌ مِن خمسين ألف، وذَلَّت له الوُزَراءُ والصَّقالبة، وجاؤوا وبايعوه، وأمَرَ بنَهبِ دور بني عامرٍ، وانتهى جميعُ ما في الزهراء من الأموالِ والسِّلاح، حتى قُلِعَت الأبوابُ، فيُقالُ: إنَّ الذي وصلَ إلى خزانةِ ابن عبدِ الجبَّار خمسةُ آلافِ ألفِ دينارٍ، وخَمسُمِئَة ألفِ دينارٍ، ومن الفِضَّة ألفُ درهمٍ، ثم وَجَد بعد ذلك خوابي فيها ألفُ ألفٍ، ومِئَةُ ألفِ دينارٍ، وخُطِبَ لمحمَّدِ بنِ هشامٍ بالخِلافةِ بقُرطبة، وتسَمَّى بالمهديِّ، وقُطِعَت دعوةُ المُؤَيَّدِ، وصلَّى المهديُّ الجُمعةَ بالنَّاسِ، وقُرِئَ كتابٌ بلَعنِ عبدِ الرَّحمنِ بنِ أبي عامرٍ المُلَقَّب بشنشول، ثمَّ سار إلى حَربِه إثرَ ذلك، وكان أمرُ ابنِ عبدِ الجبَّار يَقوى، وأمْرُ شنشول يَضعُفُ، وأصحابُه يَنخَذِلونَ عنه, وقد استعان بعَسكرٍ مِن الفِرنجِ، وقام معه ابنُ عومس القومص، فسار شنشول إلى قُرطبةَ، فقال له القومص: ارجعْ بنا قبل أن يدهَمَنا العدوُّ، فأبى، ومال إلى ديرِ شريس، جَوعانَ سَهرانَ، فنزل له الرَّاهِبُ بخُبزٍ ودجاجةٍ، فأكَلَ وشَرِبَ وسَكِرَ، وجاء لحَربِه حاجِبُ المهديِّ في خمسِمِئَة فارس، فجَدُّوا في السَّيرِ وقَبَضوا عليه، فقال: أنا في طاعةِ المَهديِّ، وظهَرَ منه جزَعٌ وذُلٌّ، وقَبَّل قَدَم الحاجِبِ، ثم ضُرِبَ عُنُقُ شنشول، ونودي عليه «هذا شنشول المأبونُ المخذول». فكانت هذه نهايةُ الدَّولة العامريَّة بالأندلُسِ.

العام الهجري : 403 العام الميلادي : 1012
تفاصيل الحدث:

اجتمع البربَرُ فقَدَّموا على أنفُسِهم سُلَيمانَ بنَ الحَكَمِ بنِ سُلَيمانَ بنِ عبد الرحمن الناصرِ، فنهض بالبربَرِ إلى الثَّغرِ واستجاش بالنَّصارى وأتى بهم إلى بابِ قُرطبةَ فبرَزَ إليه جماعةُ أهلِ قُرطبةَ، فلم تكُنْ إلَّا ساعةٌ حتى قُتِلَ مِن أهلِ قُرطبةَ نَيِّفٌ وعشرونَ ألفَ رجُلٍ في جبَلٍ هنالك يُعرَفُ بجبلِ قنطش، وهي الوقعةُ المشهورة، ذهب فيها من الخِيارِ والفُقَهاءِ وأئمَّةِ المساجِدِ والمؤذِّنينَ خَلقٌ كثيرٌ، واستتَرَ مُحمَّدُ بنُ هشام المهديُّ أيامًا ثمَّ لحِقَ بطُلَيطِلة، وكانت الثغورُ كُلُّها من طرطوشة إلى الأشبونة باقيةً على طاعتِه ودَعوتِه، واستجاش بالإفرنجِ وأتى بهم إلى قُرطبةَ، فبَرَز إليه سُلَيمانُ بنُ الحَكَمِ مع البربر إلى موضعٍ بقُربِ قُرطُبةَ على نحوِ بضعةَ عشر ميلًا يُدعَى دارَ البَقَر، فانهزم سُلَيمانُ والبربَرُ، واستولى المهديُّ على قُرطُبةَ ثمَّ خرج بعد أيَّامٍ إلى قتالِ جمهورِ البربر، وكانوا قد عاثُوا بالجزيرةِ، فالتَقَوا بموضعٍ يُعرَفُ بوادي أره، فكانت الهزيمة على مُحمَّدِ بنِ هشامٍ المهديِّ، وانصرف إلى قُرطُبةَ، فوثب عليه العَبيدُ مع واضحٍ الصَّقلبيِّ فقتلوه ورَدُّوا هِشامًا المؤيَّدَ، فكانت مدَّةُ ولاية المهديِّ منذ قام إلى أن قُتِلَ سبعة عشر شهرًا مِن جُملتِها السِّتَّة الأشهر التي كان فيها سُلَيمانُ بقُرطُبة، وكان هو بالثَّغرِ، وانقَرَض عَقِبُه فلا عَقِبَ له، فقام سُلَيمانُ بنُ الحكم يوم الجمعة لسِتٍّ خَلَونَ مِن شَوَّال سنة 399هـ وتلقَّبَ بالمُستعين بالله، ثمَّ دخل قُرطُبةَ في ربيع الآخر سنة 400ه، فتلقَّبَ حينئذ بالظَّافِرِ بحَولِ الله، مضافًا إلى المستعين بالله، ثمَّ خرج عنها في شوال مِن السنة بعينها، فلم يزل يجول بعساكِرِ البربَرِ معه في بلاد الأندلُسِ يُفسِدُ وينهَبُ ويُقفِرُ المدائِنَ والقُرى بالسَّيف والغارةِ، لا يُبقي البربرُ معه على صغيرٍ ولا كبيرٍ، ولا امرأةٍ، إلى أن دخل قُرطبةَ في صدر شوال سنة 403، وأُحضِرَ هِشامٌ المُؤَيَّدُ فخَلَعَه من الخلافةِ، وأمره بمبايعتِه، فبويع لسليمانَ هذا، ثمَّ قَبَض على القائِدِ واضحٍ قائِدِ هِشامٍ المُؤَيَّدِ وقَتَلَه.

العام الهجري : 497 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1104
تفاصيل الحدث:

في هذه السنة وقع الصلح بين الأخوين السلطانين بركيارق ومحمد ابني ملكشاه. وكان سببه أن الحروب تطاولت بينهما، وعمَّ الفساد، فصارت الأموال منهوبة، والدماء مسفوكة، والبلاد مخربة، والقرى محرقة، والسلطنة مطموعًا فيها، محكومًا عليها، فلما رأى السلطانُ بركيارق المالَ عنده معدومًا، والطمع من العسكر زائدًا، أرسل القاضي أبا المظفر الجرجاني الحنفي، وأبا الفرج الهمذاني، المعروف بصاحب قراتكين، إلى أخيه محمد في تقرير قواعد الصلح، فسار إليه وهو بالقرب من مراغة، فذكرا له ما أُرسِلا فيه، ورغَّباه في الصلح وفضيلته، وما شمل البلادَ من الخراب، وطَمَع عدوِّ الإسلام في أطراف الأرض، فأجاب إلى ذلك، وأرسل فيه رسلًا، واستقر الأمر، وحلف كلُّ واحد منهما لصاحبه، وتقررت القاعدة: أن السلطان بركيارق لا يعترض أخاه محمدًا في الطبل -كان من شعائر السلطنة أن تضرب الطبلخانات للسلطان خمس مرات في اليوم- وألَّا يُذكَر معه على سائر البلاد التي صارت له، وألَّا يكاتب أحدهما الآخرَ، بل تكون المكاتبة من الوزيرين، ولا يعارض أحدٌ من العسكر في قصد أيِّهما شاء، فأجاب بركيارق إلى هذا، وزال الخلاف والشغب، وأرسل السلطان محمد إلى أصحابه بأصبهان يأمرهم بالانصراف عن البلد، وتسليمه إلى أصحاب أخيه، وسار السلطان بركيارق إلى أصبهان، فلما سلمها إليه أصحاب أخيه دعاهم إلى أن يكونوا معه وفي خدمته، فامتنعوا ورأوا لزوم خدمة صاحبهم، فسمَّاهم أهل العسكرين جميعًا: أهل الوفاء، وتوجهوا من أصبهان، ومعهم حريم السلطان محمد إليه، وأكرمهم بركيارق، وحمل لأهل أخيه المالَ الكثير، ومن الدواب ثلاثمائة جمل، ومائة وعشرين بغلًا تحمِلُ الثِّقلَ، وسَيَّرَ معهم العساكر يخدمونهم. ولما وصلت رسل السلطان بركيارق إلى الخليفة المستظهر بالله بالصلح، وما استقرت القواعد عليه، حضر إيلغازي بالديوان، وسأل في إقامة الخطبة لبركيارق، فأجيب إلى ذلك، وفي ذي القعدة سُيِّرَت الخِلَع من الخليفة للسلطان بركيارق، وللأمير إياز، ولوزير بركيارق، والعهد بالسلطنة، وحلفوا جميعهم للخليفة وعادوا.

العام الهجري : 502 العام الميلادي : 1108
تفاصيل الحدث:

كان حِصنُ عرقة، وهو من أعمال طرابلس، بيد غلام للقاضي فخر الملك أبي علي بن علي بن عمار، صاحب طرابلس، وهو من الحصون المنيعة، فعجز غلام ابن عمار عن حمايته، فضاق به القوت وانقطعت عنه الميرة؛ لِطولِ مُكث الفرنج في نواحيه، فأرسل إلى أتابك طغتكين، صاحب دمشق، وقال له: أرسل من يتسلمُ هذا الحصن مني؛ قد عجزت عن حفظه، ولأن يأخذَه المسلمون خيرٌ لي دنيا وآخرة من أن يأخُذَه الفرنج. فبعث إليه طغتكين صاحبًا له اسمه إسرائيل في ثلاثمائة رجل، فتسلم الحصن، فلما نزل غلام ابن عمار منه رماه إسرائيل في الأخلاط بسهمٍ فقَتَله، وكان قصده بذلك ألَّا يَطَّلِعَ أتابك طغتكين على ما خلفه بالقلعة من المال، وأراد طغتكين قَصْدَ الحِصنِ للاطلاع عليه، وتقويته بالعساكر والأقوات وآلات الحرب، فنزل الغيث والثلج مدة شهرين ليلًا ونهارًا فمنعه، فلما زال ذلك سار في أربعة آلاف فارس ففتح حصونًا للفرنج، منها حصن الأكمة. فلما سمع السرداني الفرنجي ابن أخت صنجيل بمجيء طغتكين، وهو على حصار طرابلس، توجَّه في ثلاثمائة فارس، فلما أشرف أوائل أصحابه على عسكر طغتكين انهزموا، وخلوا ثقلهم ورحلهم ودوابَّهم للفرنج، فغنموا وقَوُوا به، وزاد في تجمُّلِهم، ووصل المسلمون إلى حمص على أقبح حال من التقطُّع، ولم يُقتَل منهم أحد لأنه لم تجرِ حربٌ، وقصد السرداني إلى عرقة، فلما نازلها طلب من كان بها الأمان، فأمنهم على نفوسهم، وتسلم الحصن، فلما خرج من فيه قبض على إسرائيل، وقال: لا أطلقه إلا بإطلاق فلان، وهو أسير كان بدمشق من الفرنج منذ سبع سنين، ففودي به وأُطلقا معًا، ولما وصل طغتكين إلى دمشق بعد الهزيمة أرسل إليه ملك القدس يقول له: لا تظن أنني أنقض الهدنة لِلَّذي تمَّ عليك من الهزيمة، فالملوك ينالهم أكثرُ مما نالك، ثم تعود أمورُهم إلى الانتظام والاستقامة، وكان طغتكين خائفًا أن يقصِدَه بعد هذه الكسرة فينالَ من بلده كلَّ ما أراد.

العام الهجري : 511 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1118
تفاصيل الحدث:

هو غياثُ الدين أبو شجاع السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق، سلطان بلاد العراق وخراسان وغير ذلك من البلاد الشاسعة, والأقاليم الواسعة. كان من خيار الملوك وأحسنهم سيرة، عادلًا رحيمًا، سهل الأخلاق، محمود العشرة، لما توفي والده ملكشاه اقتسم مملكته أولادُه الثلاثة وهم: بركيارق، وسنجر، ومحمد، ولم يكن لمحمد وسنجر، وهما من أم واحدة، وجود في اهتمام بركيارق؛ لأنه كان السلطان المشار إليه، وهما كالأتباع له، ثم اختلف محمد وبركيارق، فدخل محمد وأخوه سنجر إلى بغداد، فخلع عليهما الخليفة المستظهر بالله, وخطب لمحمد، وتركوا الخطبة لبركيارق، وكان ذلك في ذي الحجة سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وقيل سنة 495, وقُطِعت خطبته عدة مرات، ولَقِيَ من المشاق والأخطار ما لا حدَّ له، فلما توفي أخوه بركيارق صفت له السلطنة، وعَظُمت هيبته، وكثرت جيوشه وأمواله، وكان اجتمع الناس عليه اثنتي عشرة سنة وستة أشهر. قال ابن خلكان: "كان السلطان محمد رجل الملوك السلجوقية وفحلهم، وله الآثار الجميلة والسيرة الحسنة، والمعدلة الشاملة، والبر للفقراء والأيتام، والحرب للطائفة الملحِدة والنظر في أمور الرعية". مرض السلطان محمد زمانًا طويلًا، ولما أيس من نفسه أحضر ولده محمدًا فقَبَّله وبكى كلٌّ واحد منهما، وأمره أن يخرج ويجلس على تخت السلطنة وينظر في أمور الناس، فقال لوالده: إنه يوم غير مبارك، فقال: صدقتَ، ولكنْ على أبيك، وأمَّا عليك فمُبارَك بالسلطنة. فخرج وجلس على التخت بالتاج والسوارين، وتوفي يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي الحجة في هذه السنة بمدينة أصبهان، وعمره سبع وثلاثون سنة وأربعة أشهر وستة أيام، وهو مدفون بأصبهان في مدرسة عظيمة، وهي موقوفة على الطائفة الحنفية، وليس بأصبهان مدرسة مثلها, ولم يخلف أحد من الملوك السلجوقية ما خلفه من الذخائر وأصناف الأموال والدواب.

العام الهجري : 543 العام الميلادي : 1148
تفاصيل الحدث:

فارق السُّلطانُ مَسعودًا جماعةٌ مِن أكابِرِ الأمراءِ، وهم من أذربيجان: إيلدكر المسعودي، صاحِبُ كنجة وأرانية، وقيصر، ومن الجبل: البقش كون خر، وتتر الحاجب، وهو من مماليك مسعود أيضًا، وطرنطاي المحمودي، شحنة واسط، والدكز، وقرقوب وابن طغايرك، وكان سَبَبُ ذلك مَيلَ السُّلطانِ إلى خاص بك واطِّراحَه لهم، فخافوا أن يَفعَلَ بهم مِثلَ فِعلِه بعبدِ الرَّحمنِ وعَبَّاس وبوزابة، ففارقوه وساروا نحو العراق، ووصل إليهم عليُّ بن دبيس صاحِبُ الحلة، فنزل بالجانب الغربيِّ، فجند الخليفةُ أجنادًا يحتمي بهم، ووقع القتالُ بين الأمراء وبين عامَّةِ بغداد ومَن بها مِن العَسكَرِ، واقتتلوا عِدَّةَ دَفعاتٍ، ففي بَعضِ الأيَّامِ انهزَمَ الأمراءُ الأعاجِمُ مِن عامَّةِ بغدادَ مَكرًا وخَديعةً، وتَبِعَهم العامة، فلما أبعدوا عادوا عليهم وصار بَعضُ العسكَرِ مِن ورائهم، ووضعوا السَّيفَ فقُتِلَ مِن العامَّةِ خَلقٌ كثير، ولم يُبقُوا على صغيرٍ ولا كبيرٍ، وفَتَكوا فيهم، فأصيبَ أهلُ بغداد بما لم يصابوا بمِثلِه، وكَثُرَ القتلى والجرحى، وأُسِرَ منهم خلقٌ كثيرٌ، فقُتِلَ البعضُ وشُهر البَعضُ، ودفَنَ النَّاسُ مَن عرفوا، ومَن لم يُعرَفْ تُرِكَ طريحًا بالصَّحراءِ، وتفَرَّقَ العَسكَرُ في المحالِّ الغربية، فأخذوا مِن أهلِها الأموالَ الكثيرة، ونهَبوا بلدَ دجيل وغيره، وأخذوا النِّساءَ والولدان، ثمَّ إن الأمراءَ اجتَمَعوا ونزلوا مقابِلَ التاج وقَبَّلوا الأرضَ واعتَذروا، وتَردَّدَت الرُّسُلُ بينهم وبين الخليفةِ إلى آخِرِ النَّهارِ، وعادوا إلى خيامِهم، ورَحَلوا إلى النهروان، فنَهَبوا البلادَ، وأفسَدوا فيها، وعاد مسعود بلال شحنة بغداد من تكريت إلى بغداد، ثمَّ إنَّ هؤلاء الأمراءَ تفَرَّقوا وفارَقوا العراقَ، وتوفِّيَ الأميرُ قيصر بأذربيجان، هذا كُلُّه والسُّلطانُ مَسعود مُقيمٌ ببَلَدِ الجبل، والرسُلُ بينه وبين عَمِّه السُّلطان سنجر مُتَّصِلة، فسار السُّلطانُ سنجر إلى الريِّ، فلَمَّا عَلِمَ السُّلطان مسعود بوصولِه سار إليه وترَضَّاه، واستنزله عمَّا في نَفسِه فسَكَنَ. وكان اجتماعُهما سنة 544.