في التاسع عشر من شوال قَدِمَ رسول الملك الظاهر مَجْد الدين عيسى صاحب ماردين بأن تَيْمورلنك أخذ تبريز، وبعث إليه يستدعيه إلى عنده بها، فاعتذر بمشاورة سلطان مصر، فلم يقبل منه، وقال: ليس لصاحب مصر عليك حكم، ولأسلافك دهر بهذا الإقليم، وأرسل إليه خِلعةً وصكة ينقُشُ بها الذهبَ والدنانير، ثم قدم رسول صاحب بسطام بأن تيمور قتل شاه منصور متملك أصفهان، وبعث برأسه إلى بغداد، وبعث بالخلعة والصكة إلى السلطان أحمد بن أويس متملك بغداد، فلبس الخِلعة وضرب الصكة، ثم إن تيمور مَلَكَ بغداد في يوم السبت الحادي والعشرين منه؛ وذلك أنَّ ابن أويس كان قد أسرف في قتل أمراء دولته، وبالغ في ظلم رعيته، وانهمك في الفجور؛ فكاتب أهلُ بغداد تيمور بعد استيلائه على تبريز يحثُّونه على المسير إليهم، فتوجه إليها بعساكره حتى بلغ الدربند، وهو عن بغداد مسيرة يومين، فبعث إليه ابن أويس بالشيخ نور الدين الخراساني، فأكرمه تيمور وقال: أنا أترك بغداد لأجلك, ورحل يريد السلطانية، فبعث الشيخ نور الدين كتُبَه بالبشارة إلى بغداد، وقَدِمَ في إثرها، وكان تيمور قد سار يريد بغداد من طريق آخر، فلم يشعر ابن أويس -وقد اطمأن- إلا تيمور قد نزل غربي بغداد، قبل أن يَصِلَ إليها الشيخ نور الدين، فدهش عند ذلك ابن أويس وأمر بقطع الجسر، ورحل بأمواله وأولاده وقت السَّحَر من ليلة السبت، وترك البلاد، فدخلها تيمور، وأرسل ابنه في إثر ابن أويس، فأدركه بالحلة، ونهب ماله، وسبى حريمه، وقتل وأسر كثيرًا ممن معه، ونجا ابن أويس في طائفةٍ وهم عراة، فقصد حلب وتلاحق به من تبقى من أصحابه، وأمَّا تيمور فإنه لما مَلَك بغداد صادر أهلها ثلاثَ مرات؛ في كل مرة منهم ألف تومان، وخمسمائة تومان، وكل تومان مبلغ ثلاثين ألف دينار عراقي، والدينار العراقي بقدر درهم مصر الفضة، حتى أفقرهم كلهم، وكان جملة ما أخذ منهم نحو مائة ألف ألف وخمسة وثلاثين ألف ألف درهم، بعد أن تنوَّع في عقوبتهم، وسقاهم المِلحَ والماء، وشواهم على النار، ولم يُبقِ لهم ما يستر عوراتهم، وصاروا يخرجون فيلتقطون الخِرَق من الطرقات حتى تُستَرَ عوراتهم وتُغطى رؤوسهم، ثم إنه بعث ابنه إلى الحلَّة، فوضع في أهلها السيف يومًا وليلة، وأضرم فيها النار حتى احترقت، وفني معظم أهلها ويقال: إنه قتل في العقوبة من أهل بغداد ثلاثة آلاف نفس، وبعث تيمور من بغداد العساكر إلى البصرة، فلَقِيَهم صاحبها الأمير صالح بن جولان، وحاربهم وأسر ابن تيمور، وقتل منهم خلقًا كثيرًا، فبعث إليه عسكرًا آخر في دجلة، فظفر بهم ابن جولان أيضًا، وفي التاسع عشر ذي الحجة أمر السلطان في القاهرة ومصر بتجهيز الناس للسفر لقتال تيمورلنك.
جائحةُ فَيروس كُورونا، أو جائحةُ (كوفيد-19)؛ هي جائحةٌ عالَميةٌ سبَّبها فَيروس (كورونا 2) المرتبِطُ بالمُتلازمة التَّنفُّسيةِ الحادَّة الشَّديدةِ (سارس-كوف-2). تفشَّى المرضُ للمرةِ الأُولى في مَدينة وُوهان الصِّينيةِ في أوائل شَهْر دِيسمبر عامَ 2019م/ رَبيعٍ الآخَرِ 1441هـ، وانتشَرَ في نهايةِ المطافِ إلى بَقيَّة الصِّينِ، وفي 30 يناير 2020م / 5 جُمادى الأولى 1441 أعلَنَت منظَّمةُ الصِّحةِ العالميَّة رسميًّا أنَّ تفشِّيَ الفيروس يُشكِّل حالةَ طوارئٍ صِحِّية عامَّة تَبعَثُ على القلَقِ الدَّولي، وأكَّدت تحوُّلَ الفيروسِ إلى جائحةٍ في 11 مارس/ 16 رجَب.
ثم انتشَر الفيروسُ إلى كلِّ بُلدانِ العالَم، وأصاب عشَراتِ الملايينَ، وتُوفِّي منهم مِئاتُ الآلاف!
يَنتقِل الفيروسُ بالدَّرجة الأُولى عند المخالَطة بين الأفراد، وغالبًا عبْرَ الرَّذاذِ والقُطيرات التنفُّسية الناتجة عن السُّعال أو العُطاس أو التحدُّث. وقد يُصاب الأفرادُ نتيجةً لِلمْسِ العينينِ أو الفَمِ أو الأنْف بعْدَ لمْسِ سطْحٍ ملوَّث بالفيروس.
ومِن أعراضِه الشائعة: الحُمَّى، والسُّعال، والإعياءُ، وضِيقُ النفَسِ، وفقْدانُ حاسَّتي الشَّمِّ والتذوُّقِ.
وقد سبَّب الوباءُ أضرارًا اجتماعيةً واقتصاديةً عالميةً بالغةً، تَسبَّبت في أضخَمِ رُكودٍ اقتصاديٍّ عالمي، بالإضافةِ إلى تَعطيل الصَّلوات في المساجدِ، وانتقالِ الدِّراسة والأعمال لتُمارَسَ عن بُعْدٍ، وتَأجيلِ الأحداث الرِّياضية والسِّياسية والثقافيةِ أو إلْغائِها، ونقْصٍ كبير في الإمداداتِ والمُعِدات.
فكانت بحقٍّ جائحةً وكارثةً عالَميةً!
سيَّرَ المعِزُّ الفاطميُّ القائِدَ أبا الحسَنِ جوهَرَ الصقليَّ، غلامَ والِدِه المنصور، وهو روميٌّ، في جيشٍ كثيفٍ إلى الديار المصرية، فاستولى عليها، وكان سببُ ذلك أنَّه لَمَّا مات كافور الإخشيدي، صاحِبُ مصر، اختلفت القلوبُ فيها، ووقع بها غلاءٌ شديد، فلما بلغ الخبَرُ بهذه الأحوال إلى المُعِزِّ، وهو بإفريقية، سيَّرَ جوهرًا إليها بجيشٍ عظيمٍ أنفق عليه ما جناه من البربَرِ مِن الضرائبِ، فكانت خمسمائة ألف دينار، ثم عمَدَ المعِزُّ إلى خزائنِ آبائِه فبذل منها خمسمائة حمل من المال، وساروا في أول سنة 358 في أُهبةٍ عظيمة، فلمَّا اتَّصَل خبَرُ مسيره إلى العساكِرِ الإخشيدية بمصرَ، هربوا عنها جميعُهم قبل وصوله، ثمَّ إنَّه قَدِمَها سابِعَ عشر شعبان، وأقيمت الدعوة للمعزِّ بمصرَ في الجامع العتيق في شوال، وفي جُمادى الأولى من سنة تسعٍ وخمسين سار جوهَرُ إلى جامعِ ابن طولون، وأمر المؤذِّنَ فأذَّنَ بحَيَّ على خيرِ العمَلِ، وهو أوَّل ما أُذِّنَ بمِصرَ، ثم أذَّنَ بعده في الجامعِ العتيق، وجهَرَ في الصلاةِ ببِسمِ الله الرحمن الرحيم، ولَمَّا استقَرَّ جوهر بمصرَ، شرع في بناءِ القاهرةِ, وضُرِبَت السِّكَّةُ على الدينار بمصرَ، وهي لا إله إلا الله محمَّدٌ رسول الله، عليٌّ خيرُ الوصِيَّينِ، والوجه الآخرُ اسمُ المعِزِّ والتاريخ.
بعد حادثةِ المحمَلِ في حَجِّ العام الماضي بمَنْعِ دخولِه مكَّةَ، أمر المَلِكُ فؤاد بقطع إرسالِ كِسوةِ الكعبة وريعِ أوقافِ الحرمين في الديار المصرية، وقَطْع العلاقة مع مملكةِ ابن سعود، وعلى الرَّغمِ أنَّ المَلِكَ عبد العزيز أرسل ابنَه سعودًا لمعالجة المشكلة وتصفية الجوِّ مع القصر الملكي إلَّا أنَّ الجفوةَ استمَرَّت بين مصر والسعودية، فدعا الملك عبد العزيز عام 1354 في حديثٍ له مع صحفيٍّ مصريٍّ إلى تحكيمِ الشَّرعِ في قضيةِ المحمَل، فقال: ولا خلافَ بيني وبين مصرَ، وأمرُ المحمَلِ متروكٌ إلى الدينِ وإلى حُكَّامِ الشَّرع.. وفي مِصرَ عُلَماءُ علينا أن نستفتيَهم، وأنا معهم فيما يأتونَ به من الكتابِ والسُّنَّة، وأبلِغْ مِصرَ عني أن حكومتي على استعدادٍ لكلِّ تساهل تطلبُه الحكومة المصرية يتَّفِقُ مع الشَّرعِ" وظل البلدان متقاطعين رسميًّا إلى آخر أيام فؤاد، ودخل عليه رئيسُ ديوانه علي ماهر وهو يُحتَضَر، فقال: ألا تجعَلُ في صحيفتك عمَلَ الدخولِ في مفاوضة مع بلاد الحرمين الشريفين؟ فأشار: لا بأس، وبعد وفاة فؤاد سنة 1355هـ عُقِدَت معاهدةُ صداقة بين البلدين، وانقَشَعت غمامةُ الجفاء، وتبادل المَلِكُ عبد العزيز مع الملك فاروق بن فؤاد الزيارةَ بينهما.
كانت هناك في جِبال أُوراس كاهِنَة مُطاعَة مِن قِبَل البَرْبَر فانْطَلق إليها حسَّانُ بن النُّعمان لِقِتالِها، وحَصَل قِتالٌ شديدٌ هُزِمَ فيه المسلمون، ووَصَل الخبرُ لعبدِ الملك فأَمَر بالانتظار حتَّى يأتيهم الأمرُ؛ ولكنَّ الرُّوم لمَّا عَلِموا بالأمرِ ساروا بأُسْطُولِهم إلى قَرْطاجَنَّة بإمْرَةِ البَطْريق يُوحَنَّا فتَمكَّن مِن دُخولِها وقسا على المسلمين ممَّا اضْطَرَّهم للهُروب للقُرى المُجاورة.
أصبح أحمد القرة مانلي الداي والباشا معًا في ليبيا لصالح العثمانيين، وأسس الأسرة القرة مانلي التي حكمت طرابلس وفزان أكثر من مائة سنة، فقضى أحمد القرة مانلي مدعومًا من الانكشارية والسكان المحليين على مقاومة كبار الضباط والموظفين الأتراك؛ إذ دعاهم إلى الاجتماع وذبح ثلاثمائة شخص منهم، وفشلت الحملة العسكرية التي وُجِّهت ضده من قِبَل الدولة العثمانية.
سار ثويني بن عبد الله شيخ المنتفق من نجدٍ إلى البصرة فدخَلَها وحبس متسَلِّمَها من قِبَل الدولة العثمانية, فلما استقَرَّ فيها طلب من رؤساء البصرة وأعيانِهم أن يكتبوا للسلطان العثماني أن يجعَلَه أميرًا عليهم ويرسلوا كتابًا بطلبهم مع مفتي البصرة، فلما عرض المفتي على السلطانِ ما جاء به أطلع السلطانُ وزراءَه على الطلب فقالوا له: هذا أعرابيٌّ متغَلِّبٌ، فغَضِبَ السلطانُ وكاد يفتِكُ بالمفتي.
شُكِّل الجيشُ العراقيُّ الحُرُّ بهدف مُقاتلةِ حكومة المالكي لمَواقِفها المؤيِّدةِ لنظام بشار الأسد، كمُحاولَةٍ للتصدِّي للمُناصَرةِ الطَّائفيةِ من قِبَلِ الحُكومَة العراقيَّة للنِّظام السوريِّ، وتأمينِ الحُدود المشترَكة العراقيَّة السورية ومَنعِ وصولِ أيِّ دعمٍ عسكريٍّ لنظام الأسد عَبْرَ العراق، وقد انضمَّ بعضُ الضُّبَّاط الكبارِ المتقاعدين في الجيش العراقيِّ السابقِ إلى الجيشِ العراقيِّ الحرِّ.
أصدَر َالملِكُ سَلْمانُ بنُ عبدِ العزيزِ أمرًا مَلَكيًّا بتحديدِ يومِ 22 فبراير من كُلِّ عامٍ يومًا لذكرى تأسيسِ الدَّولةِ السُّعوديَّةِ، باسمِ "يوم التَّأسيس"، ويصبِحُ إجازةً رسميَّةً في البلادِ.
والمقصودُ بالتأسيسِ بدايةُ تأسيسِ الإمامِ محمَّدِ بنِ سُعودٍ قَبلَ ثلاثةِ قُرونٍ -مُنتصَفَ عام 1139هـ، الموافِق شَهْرَ فبراير من عامِ 1727م- للدَّولةِ السُّعوديَّةِ الأُولى.
هو المَلِكُ العادِلُ، ناصِر أمير المؤمنين، تقيُّ الملوك، ليثُ الإسلام، أبو القاسِم نور الدين محمود بن الأتابك قسيم الدولة أبي سعيد زنكي بن الأمير الكبير آقسنقر التركي، السلطاني، الملكشاهي. ولِيَ جدُّه آقسنقر نيابةَ حَلَب للسلطان ملكشاه بن ألب آرسلان السلجوقي. وُلِدَ نور الدين يوم الأحد سابع عشر شوال سنة 511؛ وكان أسمَرَ اللَّونِ طويلَ القامةِ حَسَنَ الصورة، ليس بوجهِه شَعرٌ سوى ذقنه. كان ملكًا عادلًا، زاهدًا عابدًا وَرِعًا، متمسكًا بالشريعةِ، مائلًا إلى أهل الخير، مجاهدًا في سبيل الله. لما حاصر أبوه قلعةَ جعبر كان نور الدين في خدمته، فلما قُتِلَ أبوه سار نور الدين بعساكرِ الشام إلى مدينة حلب فمَلَكَها. وملك أخوه سيفُ الدين غازي مدينةَ الموصل. قال الذهبي فيه: " كان نور الدين حامِلَ رايتي العدل والجهاد، قلَّ أن ترى العيونُ مِثلَه، حاصر دمشق، ثمَّ تمَلَّكَها، وبَقِيَ بها عشرين سنة. افتتح أولًا حُصونًا كثيرة، منها فامية، والراوندان، وقلعة إلبيرة، وعزاز، وتل باشر، ومرعش، وعين تاب، وهزم البرنس صاحِبَ أنطاكية، وقتله في ثلاثة آلافٍ من الفرنج، وأظهر السُّنَّةَ بحلب، وقمع الرافِضةَ. وبنى المدارسَ بحلب وحمص ودمشق وبعلبك، والجوامع والمساجد، وسُلِّمَت إليه دمشق للغلاء والخوف، فحَصَّنها، ووسَّعَ أسواقها، وأنشأ المارستان ودارَ الحديث، والمدارس، ومساجد عدة، وأبطل المكوسَ مِن دار بطيخ، وسوق الغنم، والكيالة، وضمان النهر والخمر، ثم أخذ من العدوِّ بانياس والمنيطرة، وكسر الفرنجَ مَرَّات، ودَوَّخهم وأذَلَّهم. وكان بطلًا شجاعًا وافِرَ الهيبة، حسَنَ الرَّمي، مليح الشكل، ذا تعبُّد وخوف ووَرَع، وكان يتعرَّضُ للشهادة، سمعه كاتبه أبو اليسر يسأل الله أن يحشُره من بطون السباع وحواصل الطير. وبنى دار العدل، وأنصف الرعيَّةَ، ووقف على الضعفاء والأيتام والمجاورين، وأمر بتكميلِ سور المدينة النبويَّة، واستخراج العين بأُحُدٍ دفَنَها السَّيلُ، وفتح درب الحجاز، وعَمَرَ الخوانق والربُطَ والجسور والخانات بدمشق وغيرها، وكذا فعَلَ إذ ملك حران وسنجار والرَّها والرقة ومنبج وشيزر وحمص وحماة وصرخد وبعلبك وتدمر, ووقف كتبًا كثيرة, وكسر الفرنجَ والأرمن على حارم وكانوا ثلاثين ألفًا، فقل من نجا، وعلى بانياس." جهَّز نور الدين جيشًا لجبا مع نائبه أسد الدين شيركوه، فافتتح مصر، وقهَرَ دولتها الرافضيَّة، وهربت منه الفرنجُ، وقتل شاورَ الذي غدر به وبشيركوه، وصَفَت الديار المصرية لشيركوه نائبِ نور الدين، ثم لصلاح الدين، فأباد العُبَيديين، واستأصلهم، وأقام الدَّعوة العباسية. وكان نور الدين مليحَ الخط، كثيرَ المطالعة، يصلي في جماعةٍ، ويصوم ويتلو ويُسَبِّح، ويتحَرَّى في القوت، ويتجنب الكِبرَ، ويتشبَّه بالعلماء والأخيار. قال أبو الفرج بن الجوزي: "وليَ نور الدين الشامَ سنين، وجاهد الثغور وانتزع من أيدي الكفار نيفًا وخمسين مدينةً وحِصنًا، منها: الرها، وبنى مارستان في الشام أنفق عليه مالًا، وبنى بالموصل جامعًا غرم عليه ستين ألف دينار، وكانت سيرته أصلح من كثير من الولاة، والطرق في أيامه آمنة، والمحامد له كثيرة، وكان يتديَّنُ بطاعة الخلافة، وتَرَك المكوسَ قبل موته، وبعث جنودًا افتتحوا مصر، وكان يميل إلى التواضع ومحبة العلماء وأهل الدين, وأحلفَ الأمراء على طاعة ولده الصالح إسماعيل بعده, وعاهَدَ ملك الإفرنج صاحِبَ طرابلس وقد كان في قبضته أسيرًا على أن يطلقه بثلاثمائة ألف دينار وخمسين ومائة حصان وخمسمائة زردية، ومثلها تراس إفرنجية ومثلها قنطوريات وخمسمائة أسير من المسلمين، وأنه لا يعبر على بلاد الإسلام سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام، وأخذ منه في قبضته على الوفاء بذلك مائةً من أولاد كبراء الإفرنج وبطارقتهم, فإن نكث أراقَ دماءَهم، وعزم على فتح بيت المقدس، فوافته المنية في شوال هذه السنة" وقال الموفق عبد اللطيف: كان نور الدين لم ينشف له لبدٌ من الجهاد، وكان يأكلُ مِن عَمَل يده، ينسخ تارةً، ويعمَلُ أغلافًا تارة، ويلبَسُ الصوف، ويلازم السجادة والمصحَف، وكان حنفيًّا، يراعي مذهبَ الشافعي ومالك, وكان ابنُه الصالح إسماعيل أحسَنَ أهل زمانه." قال ابنُ خَلِّكان: "افتتح من بلاد الفرنجة عدَّة حصون، منها مرعش وبهسنا، وحارم، وأعزاز وبانياس وغير ذلك ما تزيد عدتُه على خمسين حصنًا. ثم سيَّرَ الأمير أسد الدين شيركوه إلى مصر ثلاث دفعات، وملكها السلطان صلاح الدين في الدفعة الثالثة نيابة عنه، وضرب باسمِه السكَّة والخطبة بمصر، وكان زاهدًا عابدًا متمسِّكًا بالشرع، مجاهِدًا كثير البر والأوقاف، له من المناقب ما يستغرق الوصفَ". توفي يوم الأربعاء حادي عشر من شوال، بعِلَّة الخوانيق، وأشار عليه الأطباء بالفصد فامتنع، وكان مهيبًا فما رُوجِعَ, ودُفِنَ بقلعة دمشق, فقد كان يلازم الجلوسَ والمبيت فيها، ثم نُقل منها إلى المدرسة التي أنشأها بدمشق، عند سوق الخواصين، وكانت ولايته ثمانية وعشرين سنة وأشهرًا, وكان لموته وقعٌ عظيم في قلوب الناس، وتأسفوا عليه؛ لأنه كان محسنًا محمود السيرة، ولَمَّا توفي نور الدين قام ابنه الملك الصالح إسماعيل بالمُلك بعده، وكان عمرُه إحدى عشرة سنة، وحلف له الأمراء والمقَدَّمون بدمشق، وأقام بها، وأطاعه الناس بالشام وصلاحُ الدين بمصر، وخُطِبَ له بها، وضرب السكة باسمه، وتولى تربيتَه الأميرُ شمس الدين محمد بن عبد الملك المعروف بابن المقدم، وصار مدبِّرَ دولته؛ فقال له كمال الدين بن الشهرزوري ولِمَن معه من الأمراء: "قد علمتُم أن صلاح الدين صاحِبَ مصر هو من مماليك نورِ الدين ونوَّابه أصحاب نور الدين، والمصلحة أن نشاورَه في الذي نفعله، ولا نُخرِجُه من بيننا فيَخرُج عن طاعتنا، ويجعل ذلك حُجَّة علينا، وهو أقوى منا؛ لأنه قد انفرد اليوم بملك مصر، فلم يوافِقْ هذا القولَ أغراضَهم، وخافوا أن يدخُلَ صلاح الدين ويُخرِجَهم، فلم يمضِ غيرُ قليل حتى وردت كتُبُ صلاح الدين إلى المَلِك الصالح يُعَزِّيه ويهنئه بالمُلك، وأرسل دنانيرَ مِصريَّةً عليها اسمه ويُعَرِّفُه أنَّ الخطبة والطاعة له كما كانت لأبيه".
أبو بكرِ بن عُمرَ بن تكلاكين اللَّمتوني، أَميرُ المُلَثَّمِين، وهو ابنُ عَمِّ يُوسفَ بنِ تاشفين أَميرِ المُرابطين، كان في أَرضِ فرغانة، خَلَفَ أَخاهُ يحيى بن عُمرَ في زَعامةِ صنهاجة وتَقَلَّدَ أُمورَ الحَربِ، اتَّفقَ له مِن النَّاموسِ ما لم يَتَّفِق لِغيرهِ مِن المُلوكِ، كان يَركَبُ معه إذا سار لِقِتالِ عَدُوٍّ خمسُمائةِ ألفِ مُقاتلٍ، كان يعتقد طاعته، لمَّا قَدِمَ عبدُالله بن ياسين للصحراء لصحراء أفريقية لِدَعوةِ قَبائلِها وتَعليمِهم أُمورَ دِينِهم وإقامةِ شَرعِ الله فيهم؛ فلمَّا قَدِمَ على لتمونة لمتونة قَبيلةِ يُوسفَ بنِ تاشفين, فأَكرَموه، وفيهم أبو بكرِ بن عُمرَ، فذَكَر لهم قواعدَ الإسلامِ، وفَهَّمَهُم، فقالوا: أمَّا الصلاةُ والزَّكاةُ فقَريبٌ، وأمَّا مَن قَتَلَ يُقتَل، ومَن سَرقَ يُقطَع، ومَن زَنَى يُجلَد، فلا نَلتَزِمُه، فذَهَبَا في تلك الصحارى المُتَّصِلَةِ بإقليمِ السُّودانِ حتى انتَهَيَا إلى جدالة، قَبيلةِ جوهر، فاستجابَ بَعضُهم، فقال ابنُ ياسين للذين أَطاعُوه: قد وَجَبَ عليكم أن تُقاتِلوا هؤلاء الجاحِدين، وقد تَحَزَّبُوا لكم، فانْصُبوا رايةً وأَميرًا. قال جوهر: فأنت أَميرُنا. قال: لا، أنا حامِلُ أَمانةِ الشَّرعِ؛ بل أنت الأميرُ. قال: لو فعلتُ لَتَسَلَّطَت قَبيلَتِي، وعاثُوا. قال: فهذا أبو بكر بن عُمرَ رَأسُ لَمتونَة، فسِرْ إليهِ وعرض واعرض عليه الأَمرَ، فبايَعُوا أبا بكرٍ، ولَقَّبُوه أَميرَ المُسلمين، وقام معه طائفةٌ مِن قَومهِ وطائفةٌ مِن جدالة، وحَرَّضَهم ابنُ ياسين على الجِهادِ، وسَمَّاهُم المُرابِطين، فثارت عليهم القَبائلُ، فاستَمالَهم أبو بكرٍ، وكَثُرَ جَمعُه، وبَقِيَ أَشرارٌ، فتَحَيَّلُوا عليهم حتى زَرَبوهُم في مكانٍ، وحَصَرُوهُم، فهَلَكوا جُوعًا، وضَعُفُوا، فقَتَلوهُم، وقَوِيَ أَمرُ أبي بكر بن عُمرَ وظَهرَ، ودانت له الصحراءُ، ونَشأَ حول ابنِ ياسين جَماعةٌ فُقهاءُ وصُلَحاءُ، وظَهرَ الإسلامُ هناك، وكان مع هذا يُقيمُ الحُدودَ ويَحفظُ مَحارِمَ الإسلامِ، ويَحوطُ الدِّينَ ويَسيرُ في الناسِ سِيرَةً شَرعِيَّةً، مع صِحَّةِ اعتِقادِه ودِينِه، ومُوالاةِ الدولةِ العبَّاسِيَّةِ، في سَنةِ 453هـ قام أبو بكر بن عُمرَ بِتَوْلِيَةِ ابنِ عَمِّهِ يُوسف بن تاشفين شُؤونَ المُرابِطين، وتَوَجَّهَ هو إلى الجنوبِ على رَأسِ جَيشٍ مُختَرِقًا بِلادَ سجلماسة ثم قَصدَ بِلادَ السُّودانِ السِّنغالَ مُتَوَغِّلًا فيها ناشِرًا للإسلامِ إلى أن أَصابَتهُ نُشَّابَةٌ في بَعضِ غَزَواتِه في حَلْقِه فقَتَلَتْهُ وهُم في قِتالٍ مع السُّودانِ السِّنغالِ.
هو الشيخُ الفقيه محمد بن عبد العزيز بن محمد بن مانع الوهيبي التميمي النجدي. ولِدَ في مدينة عنيزة إحدى مدن القصيم سنة 1300 هـ، ولما بلغ السابعةَ أدخله والده الكتاتيبَ؛ ليتعلم بها القرآنَ، ولم يلبث والدُه أن توفِّي، فشرع في القراءةِ على عُلماء بلده، فقرأ على عمِّه الشيخ عبد الله، وعلى الشيخ صالح العثمان القاضي، ولما بلغ الثامنةَ عَشْرة من عمره سافر إلى بغداد، واتصل بالعلامة السيد محمود شكري الألوسي، فقرأ عليه وعلى ابن عمه السيد علي الألوسي، وقرأ على غيرِهما من مشاهير العلماء ببغداد، فقرأ في النحو والصرف والفقه، والفرائض والحساب، ثم توجَّه إلى مصر فأقام في الأزهر مدةً قرأ فيها على الشيخ محمد الذهبي، ثم سافر إلى دمشق الشام ولازم الشيخ جمال الدين القاسمي، وحضر دروسَ الشيخ بدر الدين محدِّث الشام، وحضر دروس العلامة الشيخ عبد الرزاق البيطار، ثم رجع إلى بغدادَ ولازم القراءةَ على العلامة محمود شكري الألوسي، فقرأ عليه كثيرًا من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيميَّة، وكثيرًا من الكتب والشروح والرسائل المختصرة، وفي هذه المدة دعاه بعضُ الأكابر من أهل بغداد؛ ليكونَ إمامًا له ويقرأ عليه كتبَ الحديث، فقرأ عليه بعضًا من صحيح البخاري، وجميعَ صحيح مسلم، والجزءَ الأوَّلَ مِن زاد المعاد لابن القيم، والجزءَ الأوَّلَ من مسند الإمام أحمد بن حنبل، والموطَّأ للإمام مالك، وكثيرًا من كتب التاريخ، وقرأ نزهةَ النظر للحافظ ابن حجر، ثم رجع إلى بلده مدينة عنيزة سنة 1329هـ وقرأ على قاضيها الرَّوض المُرْبِع، ثمَّ توجه إلى بلد الزبير سنة 1330هـ وقرأ على الفقيه الحنبلي المشهور في بلدة الزبير محمد العوجان في الفقه الحنبلي والفرائض والحساب، ثم دعاه مُقبل الذكير أحد تجار نجد وأعيانها -المقيمين في البحرين للتجارة- دعاه لمكافحة التنصير، وفتح له لهذا الغرض مدرسة لتعليم علوم الشريعة واللغة سنة 1330هـ، فأقام في البحرين أربعَ سنين شرح في أثنائها العقيدةَ السفارينية، ثم دعاه حاكم قطر عبد الله بن قاسم بن محمد بن ثاني، فتوجَّه إليها في شوال سنة 1334هـ فتولَّى القضاءَ والخطابة والتدريس، ورحل إليه كثيرٌ من الطلاب أخذوا عنه العلمَ في قَطَر، وأقام في قطر أربعًا وعشرين سنة تولى خلالها القضاءَ والفتيا، وتزوَّج في قطر وأنجب أبناءه الثلاثة: الشيخ عبد العزيز، وأحمد، وعبد الرحمن، وأنشأ في قَطَر أوَّلَ مدرسةٍ علمية سنة 1336هـ، واستمرَّت نحو سبعة عشر عامًا. وبَقِيَ في قَطَر إلى صَفَر سنة 1358هـ، فقَدِمَ الأحساءَ ومكث بها إلى شهر جمادى الآخرة، وفي هذه الأثناء قَدِمَ الأحساءَ معالي الوزير ابن سليمان وزير الملك عبد العزيز، فاتصل به وقابله وأشار عليه ابن سليمان أن يقابِلَ الملك عبد العزيز، فقَدِمَ عليه في مدينة الرياض فأكرمه وعيَّنه مدرسًا في الحرم المكي الشريف، فأقام في مكَّةَ واجتمع عليه كثيرٌ من طلاب العلم يقرؤون عليه في الفقه والحديث، والنحو والفرائض، منهم الشيخ عبد العزيز بن رشيد رئيس هيئة التمييز بنجد، والشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم بن عبد اللطيف الباهلي، والشيخ البصيلي، والشيخ ناصر بن حمد الراشد الرئيس العام لتعليم البنات، والشيخ عبد الله بن زيد بن محمود، ومن أبرز تلامذته: الشيخ عبد الرحمن السعدي؛ علَّامة القصيم، وبعد قيامه بواجب التدريس بالمسجد الحرام عيَّنه الملك عبد العزيز زيادةً على ذلك رئيسًا لثلاث هيئات: هيئة تمييز القضايا، وهيئة الأمر بالمعروف، وهيئة الوعظ والإرشاد. وقام بهذه الأعمال إلى جانب قيامِه بالتدريس في المسجد الحرام بعد صلاتَي الفجر والمغرب، وفي عام 1364هـ عيَّنه الملكُ مديرًا للمعارف، وفي سنة 1366هـ أسند إليه رئاسةَ دار التوحيد، ولما شُكِّلت وزارةُ المعارف سنة 1373هـ وعُيِّن الأمير فهد بن عبد العزيز وزيرًا لها نُقِلَ الشيخ ابن مانع مستشارًا برتبة وكيل وزارة إلى عام 1377ه،ـ حيث طلبه حاكِمُ قطر، ولازم الشيخ علي بن الشيخ عبد الله بن قاسم بن ثاني إلى أن توفي رحمه الله ببيروت على إثر عملية جراحية أُجريت له، ونُقِل جثمانه إلى قَطَر ودُفِن بها، وخَلَّف ثلاثة أبناء: عبد العزيز، وأحمد، وعبد الرحمن, ومكتبةً كبيرة حافلة بنوادر الكتب، ومؤلفات كثيرة، منها: ((إقامة الدليل والبرهان بتحريم الإجارة على قراءة القرآن))، و ((تحديث النظر في أخبار الإمام المهدي المنتظر))، و ((إرشاد الطلاب إلى فضيلة العلم والعمل والآداب))، و ((الأجوبة الحميدة: رسالة تتعلق بالتوحيد))، و ((حاشية على دليل الطالب))، و ((سبل الهدى شرح قطر الندى))، وله ((الكواكب الدرية شرح الدرة المضيئة))، و ((القول السديد فيما يجب لله على العبيد)).
لَمَّا توفِّيَ أبو القاسمِ بنُ مكرم صاحِبُ عُمان خلَّف أربعةَ بنينَ، وهم أبو الجيش، والمهذَّب، وأبو محمد، وآخرُ صغيرٌ، فوَلِيَ بعده ابنُه أبو الجيش، وأقَرَّ عليَّ بن هطال المنوجاني، صاحِبَ جيش أبيه، وكان المهذَّب، يَطعنُ على ابنِ هطال، وبلغه ذلك، فأضمَرَ له سوءًا، فجهَّزَ له مكيدةً وجعله يكتُبُ بخَطِّه ما أظهَرَه ابنُ هطال عند أبي الجيش، وقال له: إنَّ أخاك كان قد أفسد كثيرًا من أصحابِك عليك، وتحَدَّث معي، واستمالني فلم أوافِقْه؛ فلهذا كان يذمُّني، ويقع فيَّ، وهذا خَطُّه بما استقَرَّ- يعني من أنَّه سيمنَحُه الوَزارةَ وغَيرَها إن مَكَّنَه من الأمرِ- فلمَّا رأى خطَّ أخيه أمَرَه بالقبض عليه، ففعل ذلك واعتقَلَه، ثمَّ وضَعَ عليه من خنَقَه وألقى جُثَّتَه إلى مُنخَفضٍ مِن الأرض، وأظهَرَ أنَّه سقط فمات، ثم توفِّي أبو الجيشِ بعد ذلك بيسيرٍ، وأراد ابن هطال أن يأخُذَ أخاه أبا محمَّدٍ فيولِّيَه عمان ثمَّ يقتُلَه، فلم تُخرِجْه إليه والدتُه، وقالت له: أنت تتولَّى الأمور، وهذا صغيرٌ لا يَصلُحُ لها. ففعل ذلك، وأساء السِّيرةَ، وصادر التجَّار، وأخذ الأموالَ، وبلغ ما كان منه مع بني مكرم إلى المَلِك أبي كاليجار البويهي، والعادِل أبي منصور ابنِ مافنة، فأعظما الأمر واستكبَراه، وشَدَّ العادِلُ في الأمر، وكاتَبَ نائبًا كان لأبي القاسِمِ بنِ مكرم بجبالِ عُمان يُقالُ له المرتضى، وأمَرَه بقصد ابن هطال، وجَهَّز العساكِرَ مِن البصرة لتسيرَ إلى مساعدةِ المرتضى، فجمَعَ المرتضى الخَلقَ، وتسارعوا إليه وخرجوا عن طاعةِ ابن هطال، وضَعُف أمرُه، واستولى المرتضى على أكثَرِ البلاد، ثمَّ وضعوا خادمًا كان لابنِ مكرم، وقد التحَقَ بابنِ هطال؛ لقَتْلِه، وساعَدَه على ذلك فَرَّاش كان له، فلمَّا سمع العادل بقَتلِ ابن هطال سيَّرَ إلى عُمان من أخرج أبا محمد بن مكرم، ورتبَه في الإمارةِ، وكان قد استقَرَّ أنَّ الأمر لأبي محمد في هذه السَّنة.
هو بابَك الخُرَّمي (بابک خرمدین) زعيمٌ ديني فارسيٌّ، وقائدُ فرقة الخُرَّميَّة ظهر سنة 201هـ الموافق 816 م، في خلافةِ المأمون العباسي, وكثُرَ أتباعهُ، وقاد ثورةً على العباسيِّينَ بعد مصرعِ أبي مسلم الخراساني، استمَرَّت حوالى عشرينَ سنة، وكان أحد الشُّجعانِ، أخاف الإسلامَ وأهلَه، وهزم الجيوشَ العباسيَّة عشرين سنة، وغلبَ على أذربيجانَ وغَيرِها، وأراد أن يقيم المِلَّةَ المجوسيَّة، وعَظُم البلاء. فأنفق المأمونُ والمعتَصِمُ على حربِ بابك قناطيرَ مُقنطرةً مِن الذهَبِ والفِضَّة، وفي هذه السنة بعث المعتَصِمُ نفقاتٍ إلى جيشِه مع الأفشين، فكانت ثلاثينَ ألف ألف درهم، فكانت الحربُ مع بابك الخرمي فطَحَنه الأفشين، واستباح عسكَرَه، وأُخِذَت البذُّ- مدينةُ بابك- وهرب واختفى في غيضةٍ، ثم أُسِرَ بعد فصولٍ طويلة, ولَمَّا أُحضِرَ بابك بين يدي المعتَصِمَ، أمَرَ بقطع يَدَيه ورِجلَيه وجَزِّ رأسِه وشَقِّ بَطنِه، ثم أمَرَ بحَملِ رأسِه إلى خراسانَ، وصَلْبِ جُثَّتِه على خشبةٍ بسامِرَّا، فقُطِعَ دابِرُ الخرَّميَّة.
كان إبراهيم بن محمَّد بن يحيى بن عبد الله بن محمد بن أبي طالب المعروف "بابن الصوفي العَلَوي" قد ظهر بمصر سنة ست وخمسين، فدعا لنفسه ثم هرب إلى الواحات، ثم عاد هذا العام، فدعا الناسَ إلى نفسه، فتَبِعَه خلق كثير، وسار بهم إلى الأشمونين، فوُجِّه إليه جيش عليهم قائد يعرف بابن أبي الغيث، فوجده قد أصعد إلى لقاء أبي عبد الرحمن العمري، فلما وصل العَلَوي إلى العُمري التقيا، فكان بينهما قتالٌ شديد، أجْلَت الوقعةُ عن انهزام العلوي، فولى منهزمًا إلى أسوان، فعاث فيها وقطع كثيرًا من نَخلِها. فسيَّرَ إليه ابن طولون جيشًا، وأمرهم بطلبه أين كان، فسار الجيش في طلبه، فولى هاربًا إلى عيذاب، وعبَرَ البحر إلى مكَّة، وتفَرَّق أصحابه، فلما وصل إلى مكة بلغ خبَرُه إلى واليها فقبض عليه وحبَسَه، ثم سيَّرَه إلى ابن طولون، فلما وصلَ إلى مصر أمر به فطِيفَ به في البلد، ثم سجَنَه مُدَّة وأطلقه، ثم رجع إلى المدينة فأقام بها إلى أن مات.