بعد أن توقَّف زحفُ الجيش السعودي على اليمن بقيادة الأمير سعود والأمير فيصل، استدعى الملكُ عبد العزيز عبدَ اللهِ ابنَ الوزير إلى الطائِفِ، وأطلَعَه على برقية الإمام يحيى -التي أرسلها بعد انهيار قوات جيشه- ثمَّ أملى الملك عبد العزيز على ابن الوزير ومن حضر من المستشارين السعوديين فقراتٍ أشبَهَ بالمواد التي تُبنى عليها معاهدةٌ للصلح، فتولى المستشارون وابن الوزير صياغتَها، فكانت معاهدة الطائف، ثم جرى توقيعها في جدة -بعد أن اطَّلع الإمامُ يحيى على نصها- في 6 صفر 1353ه - 21/ 5/ 1934م. على أن تكون الحُديدة لليمن، وجازان ونجران وعسير وتوابعها للسعودية، وقد وقَّعه نيابةً عن الملك عبد العزيز ابنُه الأمير خالد بن عبد العزيز، ونيابة عن الإمام يحيى عبدُ الله بن أحمد الوزير، وقد نصت المعاهدة على 23 مادة وملحق فيه خمس مواد، وممَّا ورد في هذه المعاهدة:
1/ تنتهي حالة الحرب القائمة بين البلدين بمجرَّد توقيع المعاهدة، وتنشأ فورًا بينهما حالةُ سلم دائم وصداقة وطيدة، وأُخوَّة إسلامية عربية دائمة.
2/ يعترف كل منهما للآخر باستقلالِ كُلٍّ من المملكتين استقلالًا تامًّا مطلقًا، ويُسقِطُ كلٌّ منهما أيَّ حَقٍّ يدعيه في قسم أو أقسام من بلاد آخر خارج الحدود القطعية المبينة في صلب هذه المعاهدة.
3/ خطُّ الحدود الذي يفصل بين بلاد كلٍّ مِن الفريقين المتعاقدين موضَّحٌ بالتفصيل الكافي كما هو في نص المعاهدة، ويعتبر هذا الخط حدًّا فاصلا قطعيًّا بين البلاد التي تخضع لكل منهما.
4/ نظرًا لرغبة الفريقين في دوام السلم والطمأنينة يتعهدان تعهدًا متقابلًا بعدم إحداث أي بناء لحصون في مسافة خمسة كيلومترات في كل جانب من جانبي الحدود في كل المواقع والجهات على طول خط الحدود.
5/ يتعهَّدُ كل من الفريقين بأن يسحب جندَه فورًا عن البلاد التي أصبحت بموجِبِ هذه المعاهدة تابعة للفريق الآخر، مع صون الأهلين والجند عن كل ضرر.
6/ يتعهد كل من الفريقين بأن يمنع كُلٌّ منهما أهاليَ مملكته عن كلِّ ضَررٍ وعدوان على أهالي المملكة الأخرى في كل جهةٍ وطريق، وبأن يمنعَ الغزوَ بين أهل البوادي من الطرفين، ويَرُدَّ كلَّ ما ثبت أخذه بالتحقيق الشرعي من بعد إبرام هذه المعاهدة، وضمان ما تَلَف وبما يلزم بالشَّرعِ فيما وقعَ من جناية قَتلٍ أو جرحٍ، بالعقوبة الحاسمة على من ثبت منهم العدوان.
7/ يتعهد كل من الفريقين تعهدًا متقابلًا بأن يمتنعا عن الرجوع للقوة لحلِّ المشكلات بينهما، وبأن يعملا جهدَهما لحلِّ ما يمكنُ أن ينشأ بينهما من الاختلاف، سواء كانت سببه ومنشؤه هذه المعاهدة، أو تفسير كل أو بعض موادها، أم كان ناشئًا عن أي سبب آخر بالمراجعات الودِّية.
هو الشَّيخ العلَّامةُ محمَّدُ الأمين بنُ محمَّد المختارِ بنِ عبد القادر الشِّنقيطي الجَكَني الحِمْيري، وُلِدَ سنةَ 1325هـ في شِنْقيط في كيفا شرق موريتانيا، ونشَأَ يتيمًا في بيوت أخوالِه، وحفِظ القرآنَ وهو ابنُ عشْرِ سِنينَ، وتعلَّم رسْمَ المصحفِ على يَدِ ابن خالِه، وأخَذ الأدَب وعُلوم اللُّغة على يَدِ زوجةِ خالِه، فكانت مَدرستُه الأولى بَيتَ خالتِه، تعلَّم الفِقْه المالكيَّ، وهو السائدُ في بِلاده، فدرَس مُختصَر خليلٍ على يَد الشيخِ محمَّد بنِ صالح إلى قسْم العبادات، ثم درَس عليه أيضًا ألفيةَ ابن مالكٍ، ثم تعلَّم عُلوم القرآنِ من التَّفسير والمعاني والقِراءاتِ. تعلَّم الشِّنقيطي على مَشايخَ مُتعدِّدين، وكلُّهم من الجَنَكيين، وهي القَبيلةُ التي ينْتمي إليها، وكانت مَعروفةً بالعِلم، برَع في العُلوم كلِّها حتى فاق أقرانَه، أراد مكَّة حاجًّا وزائرًا، وأرادَه اللهُ معلِّمًا ومفسِّرًا، إنْ تَحدَّث في التفسيرِ خِلْتَه الطبَريَّ، وإنْ أنشَأَ في الشِّعر حَسِبتَه المتنبِّي، وإنْ جال في الحديثِ وعُلومِه ظنَنتَه ابنَ حَجَرٍ العَسْقلاني، فكان رحِمه الله مفسِّرًا، ومحدِّثًا، وشاعرًا، وأديبًا. خرَج قاصدًا الحجَّ من بلادِه سنةَ 1367هـ، ثم استقرَّ في المدينةِ النَّبوية، ودرَّس في المسجدِ النَّبوي، وفي سَنةِ 1371هـ افتُتِح معهدٌ عِلْمي بالرياضِ، وكُلِّيةٌ للشَّريعة وأُخْرى للُّغة، واختِيرَ الشيخ للتَّدريس بالمعهد والكُلِّيتينِ؛ فتولَّى تدْريسَ التفسيرِ والأصول. مكَث الشَّيخ بالرِّياضِ عشْرَ سَنواتٍ، وكان يقضي الإجازةَ بالمدينةِ لِيُكمِلَ التفسيرَ، وكان يدرِّس في مسجدِ الشيخ محمَّد آلِ الشيخ في الأُصول، كما كان يخُصُّ بعْضَ الطلَّاب بدرْسٍ آخَرَ في بيتِه، وقد كان بيتُه أشبهَ بمدرسةٍ يَؤُمُّها الصغيرُ والكبيرُ، والقريبُ والبعيد، ثم عاد إلى المدينةِ لمَّا أُنشِئَت الجامعة الإسلاميَّةُ سنةَ 1381هـ، فكان الشيخُ عَلَمًا من أعلامِها، ووَتَدًا من أوتادِها، يَرجِعُ إليه طُلَّابها كما يَرجِع إليه شيوخُها، وفي سنةِ 1386هـ افتُتِح معهدُ القضاءِ العالي بالرِّياض، فكان الشيخُ يَذهبُ لإلْقاء المحاضراتِ المطلوبةِ في التفسير والأصولِ، ولمَّا شُكِّلت هَيئةُ كِبار العلماءِ عيٍّن عضوًا فيها، وكان رئيسًا لإحدى دَوراتها، كما كان عضوًا في رابطةِ العالَمِ الإسلامي.
كان رحِمه الله بحْرًا لا ساحلَ له من العِلْم والحفْظ، والإتقانِ والضبْط، وتَدلُّ مَصنَّفاته على غَزيرِ عِلمه وكَمال ورَعِه؛ فمِن أشهرِها: ((أضواءُ البيانِ في إيضاح القرآنِ بالقرآن))، و ((منْعُ جَواز المجازِ في المنزَّل للتعبُّد والإعجازِ))، و ((دفعُ إيهامِ الاضطرابِ عن آيات الكتابِ))، و ((مُذكِّرة في أُصول الفِقه على رَوضة الناظِر))، و ((آدابُ البحثِ والمناظَرة))، و ((شرحٌ على مَراقي السُّعود في الأُصول))، وغيرها مِن المؤلَّفات التي أفاد بها العالَمَ الإسلاميَّ، وكانت وفاتُه رحمه الله في مكَّة وغُسِّل في بَيته في مكَّة في شارع المنصورِ، وصلَّى عليه الشيخ عبدُ العزيز بن بازٍ في المسجِدِ الحرام بعدَ صلاة الظُّهر، ودُفِن بمَقبرةِ المعلَّاة بريع الحَجونِ بمكَّة المكرَّمة.
هو الأميرُ محمدُ ابنُ المَلِكِ فَيصلِ ابنِ الملِكِ عبدِ العزيزِ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ فَيصَلٍ آل سعودٍ، ولِدَ عامَ 1356هـ في مدينةِ الطائفِ، وهو الابنُ الثاني بعدَ الأميرِ الشاعرِ عَبد اللهِ الفَيصَلِ لنائبِ المَلِكِ على الحجازِ، الأميرِ فَيصَلِ بنِ عبدِ العزيزِ -آنَذاكَ-، والابنُ البِكرُ للأميرةِ عِفَّت الثَّنيان آل سعودٍ، التي قادت مشروعَ تعليمِ الفتاةِ السُّعوديةِ، وأنشأَتْ أولَ مَدارسَ للبناتِ، دار الحَنانِ، في الخمسينيَّاتِ الميلاديةِ، ثم حَرَصَتْ أنْ تَختِمَ حَياتَها بأوَّلِ جامِعةٍ أهليَّةٍ للبناتِ (جامِعةِ عفت). فقَدَ الأميرُ محمدٌ ذاكِرتَه قبلَ العاشرةِ من عُمرِه نتيجةً لإصابتِه بمَرضِ التيفوئيد، وكان شفاؤه منه أُعجوبةً لضَعفِ الإمكانيَّاتِ الطِّبيَّةِ في ذلك الحينِ، ثم استعادَ قُدرتَهُ على الكَلامِ والمَشيِ، وعاد إلى مدرسةِ الطائفِ النموذجيَّةِ التي أنشأتها والدتُه، وانتقَلَ بعدَها ليواصِلَ دراستَه الثانويَّةَ والجامعيَّةَ في الولاياتِ المُتَّحدةِ، ويتخرَّجَ في كليَّةِ مانيلو، سان فرانسيسكو، بشهادةِ بكالوريوس في الاقتصادِ والإدارةِ عامَ 1963. ثم التحَقَ بالبَعثةِ الدبلوماسيةِ السعوديةِ في الأمَمِ المتَّحدةِ، إضافةً إلى دَورِه في التواصُل مع إدارةِ الرئيسِ جون كنيدي. ثم عاد إلى المَملكةِ فعَمِلَ في مؤسسةِ النقدِ، ثم انتقلَ للعَمَلِ مع وزارةِ الزراعةِ؛ لتنفيذِ مَشروعِه الرائدِ "تَحليةِ مِياهِ البَحرِ"، بدَأَ بأوَّلِ مَحطَّةٍ في جُدَّةَ، في أوائلِ السَّبعينيَّاتِ، ثم بشبَكةِ مَحطَّاتٍ على شواطئِ البحرِ الأحمرِ والخَليجِ العربيِّ. ولكنَّه لم يَنجَحْ في تَمريرِ مَشروعِه الرائدِ لتوفيرِ المياهِ والكَهرباءِ وتَحسينِ البيئةِ عن طريقِ نَقلِ قِطَعٍ من جبالِ الجَليدِ من القطبِ الجنوبيِّ إلى شواطئِ البحرِ الأحمرِ، برَغمِ دراساتِ الجَدوى التي شاركَ فيها عُلَماءُ مشاهيرُ في التخصُّصاتِ كافَّةً ذاتِ الصِّلةِ، وتوصِياتِ مُؤتمَراتٍ دَوليَّةٍ مُتعدِّدةٍ، تَكفَّلَ وَحدَه بنَفَقاتِها. استقالَ الأميرُ في نِهايةِ السَّبعينيَّاتِ من وظيفتِه كأوَّل محافظٍ للمؤسَّسةِ العامَّةِ لتَحلِيةِ مِياهِ البَحرِ؛ ليَعملَ على تحقيقِ حُلْمٍ آخرَ هو البنوكُ الإسلاميةُ التِّجاريَّةُ، بعد مُشاركتِه في إنشاءِ البنكِ الإسلاميِّ للتنميةِ. واستطاعَ أنْ يُنشِئَ شَبَكةَ فُروعِ "بَنكِ فَيصَلٍ الإسلاميِّ" في مِصرَ والسودان والإماراتِ والبحرينِ وجنيف وباكستانَ وتركيا. وأسَّسَ وقادَ أوَّلَ اتِّحادٍ للبنوكِ الإسلاميةِ. ثم أنشَأَ "جائزةَ محمدٍ الفَيصَلِ لدراساتِ الاقتصادِ الإسلاميِّ"، وخُصِّصَت الجائزةُ للطلَّابِ في مراحلِ ما قبلَ الدكتوراه. وبعد وفاةِ والدِه الملكِ فَيصلِ بنِ عَبدِ العزيزِ شاركَ الأميرُ محمدٌ مع إخوانِه في تكريمِ والدِهم بإقامةِ مؤسَّسةِ الملكِ فَيصَلٍ الخَيريَّةِ، التي يَتبَعُها مركزُ الملكِ فيصلٍ للبُحوثِ والدراساتِ الإسلاميةِ، وجامعةُ الفيصَلِ، وجامعةُ عفت، وجائزةُ الملكِ فَيصلٍ. وكانت وفاتُه -رحِمَه الله- عن عمرٍ يُناهِزُ 80 عامًا، وصُلِّيَ عليه بعد صلاةِ العَصرِ في المسجِدِ الحرامِ بمكَّةَ.
لَمَّا شرَعَ الملك الكامل بالتجهز لأخذ حلب، خافه المجاهِدُ أسد الدين شيركوه الصغيرُ صاحب حمص، وبعث ابنَه المنصورَ إبراهيم فتقَرَّر الأمرُ على أن يحمِلَ المجاهِدُ كُلَّ سنة للملك الكامل ألفي ألف درهم، فعفا عنه، وكان منذ دخلَ الكامِلُ إلى قلعة دمشق قد مَرِضَ وتوفِّي فيها.
تولَّت خديجة تارخان نيابة السلطنة في الدولة العثمانية نيابةً عن ابنها الصغير محمد الرابع، وهي من أصل أوكراني، وكان عمرها آنذاك 24 عامًا، واستمرت نيابتها حتى سنة 1066، عندما صعد كوبريلي محمد باشا إلى رئاسة الوزارة. وقد توفيت خديجة عن عمر يناهز الـ 56 عامًا سنة 1683م.
بعد مَعركةِ حُريملاء انتقل عبد الرحمن بن فيصل مع أسرتِه إلى يبرين في الأحساء ومنها إلى البحرين، حتى وصلوا إلى الكويت واستقروا بها حيث خصص لهم راتباً شهرياً قدره ستون ليرة عثمانية وظَلَّ فيها عشر سنوات حتى استطاع ابنُه عبد العزيز أن يستعيدَ الرِّياضَ مِن آلِ رشيد سنة 1319هـ / 1902م.
هو السُّلطانُ صاحِبُ العراق، المَلِك أبو كاليجار المرزبان بنُ سلطان الدَّولة بن بهاء الدَّولة بن عضد الدَّولة بن بُوَيه الديلمي الشيعي. تمَلَّك بعد ابنِ عَمِّه جلال الدَّولة، وجرَت له خطوبٌ وحُروب، وعاش نيِّفًا وأربعين سنة، وقهر ابنَ عَمِّه الملك العزيز، توفِّيَ رابع جمادى الأولى، بمدينة جناب من كرمان، ولما توفِّيَ نَهَب الأتراكُ مِن العسكر الخزائِنَ والسلاحَ والدوابَّ، وكانت ولايتُه على العراق أربع سنين وشهرين وأيامًا، ومدَّة ولايته على فارس والأهواز خمسًا وعشرين سنةً، وانتقل ولدُه أبو منصور فلاستون إلى مخيَّم الوزير أبي منصور، وكانت مُنفَرِدةً عن العسكر، فأقام عنده، وأراد الأتراكُ نَهبَ الوزير والأمير، فمَنَعَهم الديلم، وعادوا إلى شيراز، فمَلَكَها الأميرُ أبو منصور، واستشعر الوزيرُ، فصَعِدَ إلى قلعة خرمة فامتنع بها، فلمَّا وصل خبر وفاته إلى بغداد، وبها ولَدُه الملك الرحيم أبو نصر خرة فيروز، أحضَرَ الجُندَ واستحلفهم، وراسل الخليفةَ القائِمَ بأمر الله في معنى الخطبة له، وتلقيبِه بالملك الرحيم، وتردَّدَت الرسُلُ بينهم في ذلك إلى أن أُجيبَ إلى مُلتَمِسه سوى الملك الرحيم؛ فإنَّ الخليفةَ امتنع من إجابته وقال: لا يجوز أن يُلَقَّب بأخَصِّ صفاتِ الله تعالى، واستقَرَّ مُلكُه بالعراق، وخوزستان، والبصرة، وكان بالبصرةِ أخوه أبو علي بن أبي كاليجار، وخلف أبو كاليجار من الأولاد الملك الرحيم، والأمير أبا منصور فلاستون، وأبا طالب كامرو، وأبا المظفر بهرام، وأبا علي كيخسرو، وأبا سعد خسروشاه، وثلاثة بنين أصاغر، فاستولى ابنُه أبو منصور على شيراز، فسيَّرَ إليه الملك الرحيم أخاه أبا سعد في عسكرٍ، فملكوا شيراز، وخطبوا للملك الرحيم، وقبَضوا على الأمير أبي منصورٍ ووالدته، وكان ذلك في شوال. ووَلَّت دولةُ بني بُوَيه في أيَّام الملك الرحيم، وقامت دولةُ بني سُلجوق.
هو العلامة المتكلم أبو الحسن علي بن أبي علي ابن محمد بن سالم الثعلبي سيف الدين الآمدي، الحنبلي ثم الشافعي. الحموي الدمشقي، صاحبُ المصَنَّفات في الأصلين وغيرهما، ومن مصنفاته: " أبكار الأفكار في الكلام " و" دقائق الحقائق في الحكمة " و" إحكام الأحكام في أصول الفقه " ولد بعد 550 بيسيرٍ بآمد، وقرأ بها القراءات على الشيخ محمد الصفار، وعمار الآمدي. وحفظ "الهداية" في مذهب أحمد. كان حنبليَّ المذهب فصار شافعيًّا أشعريًّا أصوليًّا منطقيًّا جدليًّا خلافيًّا، وكان حسن الأخلاق، وقد تكَلَّموا فيه بأشياءَ اللهُ أعلم بصحتها، وقد كانت ملوك بني أيوب كالمعظَّم والكامل يُكرمونَه وإن كانوا لا يحبُّونه كثيرًا، وقد فوَّضَ إليه المعَظَّم تدريس العزيزية، فلما ولي الأشرفُ دمشق عزله عنها ونادى بالمدارس أن لا يشتغل أحدٌ بغير التفسير والحديث والفقه، ومن اشتغل بعلومِ الأوائل نفيتُه، فأقام الشيخ سيف الدين بمنزله إلى أن توفِّي بدمشق، ودُفِنَ بتربته بسفح قاسيون، وكان قد اشتغل ببغداد على أبي الفتح نصر بن فتيان بن المنى الحنبلي، ثم انتقل إلى مذهبِ الشافعي فأخذ عن ابن فضلان وغيره، وحَفِظَ طريقة الخلاف للشريف، وزوائد طريقة أسعد الميهني، ثم انتقل إلى الشام واشتغل بعلوم المعقول. قال الذهبي: "تفنَّنَ في علم النظر، والفلسفة وأكثَرَ من ذلك. وكان من أذكياءِ العالم, ثم دخل الديارَ المصرية وتصَدَّرَ بها لإقراء العقليات بالجامع الظافري. وأعاد بمدرسةِ الشافعي. وتخرَّج به جماعة. وصنَّف تصانيفَ عديدة. ثم قاموا عليه، ونسبوه إلى فساد العقيدة والانحلال والتعطيل والفلسفة. وكتبوا محضرًا بذلك. قال القاضي ابن خلكان: وضعوا خطوطَهم بما يستباحُ به الدم، فخرج مستخفيًا إلى الشام فاستوطن حماة" ثم تحوَّل إلى دمشق فدرس بالعزيزية، ثم عُزِلَ عنها ولزم بيته إلى أن مات، وله ثمانون عامًا- رحمه الله تعالى وعفا عنه.
هو أستاذ دار الخلافة الصاحِبُ القاضي محيي الدين يوسف ابن الشيخ جمال الدين أبي الفرج بن الجوزي عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن حماد بن أحمد بن يعقوب بن جعفر بن عبد الله بن القاسم بن النصر بن محمد بن أبي بكر الصديق، المعروفُ بابنِ الجوزيِّ القرشيِّ التيمي البكري البغدادي الحنبلي، ولد في ذي القعدة سنة 580 ونشأ شابًّا حسنًا وحين توفِّيَ والِدُه وعَظَ في موضعه فأجاد وأحسن وأفاد، ثم تقَدَّمَ وولِيَ حِسبةَ بغداد مع الوَعظِ الرائِقِ والأشعار الحسنة الرائعة، وولي تدريسَ الحنابلة بالمستنصرية سنة 632 وكانت له مدارس أخرى، صار محيي الدين رسولَ الخلفاءِ إلى الملوكِ بأطرافِ البلادِ ولا سيَّما إلى بني أيوبَ بالشَّامِ وقد حصل منهم من الأموالِ والكراماتِ ما ابتغى من ذلك بناءَ المدرسة الجوزيَّة التي بالنشابين بدمشق, ولما وَلِيَ مؤيِّدُ الدين بن العلقمي الوزارةَ سنة 640 وشغر عنه الأستادارية، وَلِيَها عنه محيي الدين وانتصب ابنه عبد الرحمن للحسبة والوعظِ، فأجاد فيها وسار سيرةً حسنةً، ثم كانت الحسبةُ تنتَقِلُ في بنيه الثلاثة: جمال الدين عبد الرحمن، وشرف الدين عبد الله، وتاج الدين عبد الكريم، وقد قُتِلوا معه في هذه السَّنة, ولمحيي الدين مُصَنَّف في مذهب الإمام أحمد، وذكر له ابنُ الساعي أشعارًا حسنة يهنِّئ بها الخليفةَ في المواسم والأعياد تدُلُّ على فضيلةٍ تامةٍ وفصاحةٍ بالغة، وقد وقَفَ المدرسةَ الجَوزيَّةَ بدِمشقَ، وكان كثيرَ المحفوظ قويَّ المشاركة في العلومِ، وافر الحُرمةِ، ضُرِبَت عُنُقُه هو وأولاده تاج الدين والمحتسب جمال الدين وشرف الدين مع الخليفةِ المُستَعصِم بالله عام هولاكو ببغدادَ في صَفَر.
هو الإمامُ العلَّامة بدرُ الدين أبو عبد الله محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي المنهاجي، تركي الأصل، ولد بمصر سنة 745, وتعلَّمَ الفِقَه فيها، عُنِيَ بالاشتغال مِن صِغَرِه، فحَفِظَ كُتبًا وأخذ عن الشيخ جمال الدين الإسنوي والشيخ سراج الدين البلقيني ولازمه، حتى أصبح من كبار علماء الشافعيَّة في مصر، وبرع في الأصول، له تصانيفُ عديدة أشهرها: (البرهان في علوم القرآن)، (البحر المحيط في الأصول)، (إعلام الساجد بأحكام المساجد)، (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة)، (المنثور في القواعد الفقهية والأصولية)، (التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح)، وغيرها من الكتب. قال ابن حجر: "رحل إلى دمشقَ فأخذ عن ابن كثير في الحديثِ وقرأ عليه مُختَصَره ومَدَحَه ببيتين، ثم توجه إلى حلب فأخذ عن الأذرعي، ثم جمع الخادم على طريق المهمات، فاستمد من التوسط للأذرعي كثيرًا، لكنه شحنه بالفوائد الزوائد من المطلب وغيره، وجمع في الأصول كتابًا سماه البحر في ثلاثة أسفار، وشرح علوم الحديث لابن الصلاح، وجمع الجوامع للسبكي، وشرع في شرح البخاري فتركه مُسَوَّدة وقفت على بعضها، ولخص منه التنقيح في مجلد، وشرح الأربعين للنووي، وولي مشيخة كريم الدين، وكان منقطعًا في منزله لا يتردَّدُ إلى أحدٍ إلا إلى سوق الكتبِ، وإذا حضره لا يشتري شيئًا، وإنما يطالِعُ في حانوت الكُتبي طول نهارِه ومعه ظهورُ أوراقٍ يُعَلِّقُ فيها ما يُعجِبُه، ثم يرجع فينقِلُه إلى تصانيفِه، وخرَّج أحاديث الرافعي، ومشى فيه على جمع ابن الملَقِّن، لكنه سلك طريق الزيلعي في سَوق الأحاديث بأسانيد خرَّجها، فطال الكتاب بذلك" ولَمَّا ولي البلقيني قضاءَ الشام استعار منه نُسختَه من الروضة مجلدًا بعد مجلدٍ، فعَلَّقَها على الهوامش من الفوائِدِ؛ فهو أول من جمع حواشي الروضة للبُلقيني، توفي في الثالث من رجب في القاهرة عن 50 عامًا.
كان كركين خان قد تقدم بجيشه إلى أفغانستان وأخضعهم تحت نفوذه، ثم إنَّهم استغاثوا من ظُلمِه بملك الصفويين، ولكن كركين كان قد سبقهم وأعلمه أنهم عبارة عن عصاة، ثم برز أويس الذي كان يحكم قندهار فأرسله كركين إلى الشاه الصفوي على أنه زعيم العصاة، لكنه حظِيَ بالقرب من الشاه وفكَّر في الاستقلال، لكنه رأى أن يتريَّث وخاصة أن الدولة الصفوية أخذت في الهَرَم والضعف، ثم رجع إلى بلاده ليكون رقيبًا على كركين، وأراد كركين أن يذِلَّه بتزوجه من ابنته فدبَّر له مكيدة وقتله، ثم بدأ بقتل الفرس الموجودين في قندهار وانسلخت أفغانستان عن إيران، ثم فكَّروا بضم إيران لهم، وكان قد استصدر فتاوى بحل قتال الشيعة الروافض، ولما رأى الشاه الصفوي أنه لا بدَّ من القتال صدع بالأمر، لكنه لقيَ ما لم يكن في حسابه، فكُسِر في الموقعة التي جرت بينهما، ثم عاود الكَرَّة بجيش بقيادة خسرو خان ابن أخي كركين المقتول، ولكنهم هُزِموا كسَلَفِهم بعد أن استطاعوا الوصولَ إلى قندهار وحصارها، وقتلوا خسرو أيضًا، ثم أرسل الشاه جيشًا ثالثًا فأصيب كما أصيب سابقاه، واستقل الأفغان، ثم تولى محمود ابن أويس بعد موته، فأرسل الشاه جيشًا ليُخضِعَه، لكنه أيضًا هُزم أمام الأفغان، ثم قدم محمود ابن أويس بجيشِه عن طريق الصحراء فوصل إلى كرمان وحاصرها، لكنه اضطر للعودة لمجيء القوات المغيثة، ثم عاد مرة أخرى ووصل الخبر إلى إيران وفزع الناسُ حتى خرج الشاه من المدينة، وقَبْل وصول جيش محمود إلى أصفهان عرض عليه الشاه المصالحة والمال لكنه أبى وحاصر أصفهان، ثم هجمت جيوشُ الشاه عليهم بعد أن انقسموا فرقتين، فاستطاع الأفغان دحْرَ الجيش الأول واستولوا على مَدافِعِه واستعملوها ضد الجيش، ففُتِحت المدينة بعد القتال الشديد، وأصبحت في يد محمود ووقعت العاصمة بيده، واستسلم الشاه واعتلى محمودٌ على عرش إيران، وانتهت دولة الصفويين.
كان عبدُ الله بن الزُّبير أعاد بِناءَ الكَعبةِ بعدَ أن تَخَرَّبَت في الحِصارِ الأوَّل الذي قادهُ الحُصينُ بن نُميرٍ مِن قِبَلِ يَزيدَ بن مُعاوِيَة على قَواعِدها القديمة، وجعَل لها بَابَيْنِ كما وصَف النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ عادَت وتَضَرَّرت الكَعبةُ في الحِصارِ الثَّاني الذي قادهُ الحَجَّاجُ بن يوسُف الذي اسْتَعمل كذلك المَنْجنيقَ، ممَّا أَدَّى إلى هَدْمِ أَجزاءٍ مِن الكَعبةِ، وبعدَ أن قَتَلَ الحَجَّاجُ ابنَ الزُّبير وسَيْطَر على مكَّة كتَب إلى الخليفةِ عبدِ الملك بن مَرْوان: أنَّ ابنَ الزُّبير قد زاد في البيتِ ما ليس فيهِ، وقد أَحدَث فيه بابًا آخرَ، فأمَرَ عبدُ الملك بن مَرْوان الحَجَّاجَ بن يوسُف أن يُعيدَ بِناءَ الكَعبةِ إلى ما كانت عليه في عَهدِ قُريشٍ، وذلك لِعَدمِ عِلْمِ عبدِ الملك بحَديثِ عائشةَ رضي الله عنها في رَغْبَةِ النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في إعادةِ بِناءِ الكَعبةِ على قَواعِد إبراهيمَ, فهَدَم الحَجَّاجُ منها سِتَّةَ أَذْرُع وبَناها على أساسِ قُريشٍ، وسَدَّ البابَ الغَربيَّ وسَدَّ ما تحت عَتَبَةِ البابِ الشَّرقيِّ لارتفاعِ أربعةِ أَذْرُع، ووضَع مِصْراعانِ يُغْلِقان البابَ.
لَمَّا توفِّيَ السري أميرُ مصرَ للمأمونِ، وليَ بعدَه ابنُه عُبيدالله، ولَّاه الجُندُ وبايعوه، ثم حدَّثَته نفسُه الخروجَ عن طاعة المأمونِ وجَمَع وحَشَد، فبلغ المأمونَ ذلك وطلب عبدَ الله بنَ طاهرٍ لقتالِه وقتالِ الخوارج بمصرَ، فسار إليه ابنُ طاهر فتهَّيأ عُبيد الله بن السري لحَربِه وعبَّأ جيوشَه وحفَرَ خندقًا عليه، ثم تقدَّم بعساكِرِه إلى خارج مصرَ والتقى مع عبد اللهِ بنِ طاهر وتقاتلا قتالًا شديدًا، وثبت كلٌّ من الفريقينِ ساعةً كبيرةً حتى كانت الهزيمةُ على عُبيد الله بن السري أميرِ مصر، وانهزم إلى جهةِ مِصرَ، وتَبِعَه عبد الله بن طاهر بعساكِرِه فحاصره عبدُ الله بن طاهر وضيَّقَ عليه حتى أباده وأشرف على الهلاكِ، فطلب عُبيد الله بن السري الأمانَ مِن عبد الله بن طاهر بشُروطِه، فأمَّنَه عبدُ الله بن طاهر بعد أمورٍ صَدَرت، فخرج إليه عُبيد الله بن السري بالأمانِ، وبذل إليه أموالًا كثيرةً، وأذعن له وسلَّمَ إليه الأمرَ.
أقام أحمد بن طولون مسجدًا ضخمًا أنفق في بنائه 120 ألف دينار، وقد اهتمَّ بالأمور الهندسية في بنائه، ويُعَدُّ مسجد ابن طولون المسجِدَ الوحيدَ بمصرَ الذي غلَبَ عليه طرازُ سامِرَّاء؛ حيث المئذنةُ الملوية المُدرَّجة. وقام السلطان لاجين بإدخالِ بعض الإصلاحات فيه، وعيَّنَ لذلك مجموعةً من الصناع، كما أمر بصناعةِ ساعة فيه، فجُعِلَت قبةً فيها طيقانٌ صغيرة على عددِ ساعاتِ الليل والنهار وفتحة، فإذا مَرَّت ساعة انغلقت الطاقةُ التي هي لتلك الساعة وهكذا، ثم تعود كلَّ مرة ثانية. وفي عهد الأيوبيين أصبح جامع ابن طولون جامعةً تُدَرَّسُ فيه المذاهِبُ الفقهيَّة الأربعة، وكذلك الحديثُ والطِّبُّ، إلى جانب تعليم الأيتام, وكان أحمد بن طولون قد بنى قصره عند سَفحِ المقَطَّم، وأنشأ الميدانَ أمامه، وبعد أن انتهى من تأسيس مدينة القطائع، شَيَّد جامِعَه على جبل يشكر, وتمَّ بناؤه سنة 265ه، وهذا التاريخُ مُدَوَّن على لوحٍ رُخاميٍّ مُثبت على أحدِ أكتاف رُواق القبلة, والجامِعُ وإن كان ثالِثَ الجوامِعِ التي أُنشِئَت بمصر، يعَدُّ أقدَمَ جامِعٍ احتفظَ بتخطيطِه وكثيرٍ مِن تفاصيلِه المعماريَّة الأصليَّة.
خرج الراضي أميرُ المؤمنينَ إلى المَوصِل لمحاربةِ ناصرِ الدولة الحسَنِ بنِ عبد الله بن حمدان نائبِها، وبين يديه بجكم أميرُ الأمراء، وقاضي القضاة أبو الحُسَين عمر بن محمد بن يوسف، وقد استخلف على بغداد ولَده القاضيَ أبا نصر يوسف بن عمر، في منصبِ القضاء، عن أمرِ الخليفةِ بذلك، ولما انتهى بجكم إلى الموصل ومعه الخليفةُ. واقَعَ الحسَن بن عبد الله بن حمدان فهزم بجكم ابنَ حمدان، وقرَّرَ الخليفة الموصِلَ والجزيرة، وولَّى فيها، فاغتنم محمَّد بن رائق غيبةَ الخليفةِ عن بغداد ليستَرِدَّ منصب أمير الأمراء فاستجاش بألفٍ مِن القرامطة وجاء بهم فدخل بغدادَ، فأكثر فيها الفساد، غيرَ أنَّه لم يتعَرَّضْ لدار الخلافة، ثم بعث إلى الخليفةِ يطلُبُ منه المصالحةَ والعفوَ عما جنى، فأجابه إلى ذلك، وبعث إليه قاضيَ القضاة أبا الحسين عمر بن يوسف، وترحَّلَ ابنُ رائق عن بغداد ودخَلَها الخليفةُ في جمادى الأولى، ففرح المسلِمونَ بذلك.