بدَأ عبدُ الملك بن مَرْوان في بِناءِ مَسجِد قُبَّةِ الصَّخرَةِ في بيتِ المَقْدِس. وقِيلَ: إنَّ عبدَ الملك بن مَرْوان حين قَرَّرَ بِناءَ قُبَّةٍ عالِيَةٍ تُغَطِّي الصَّخرَةَ رصَد لِبِنائِها خَراجَ مِصْرَ لِسَبْعِ سِنين، وحين أُنْفِقَت هذه الأموالُ على البِناءِ بَقِيَ منها مائةُ ألفِ دِينارٍ، فأَمَر عبدُ الملك بن مَرْوان أن يُصْنَعَ بها صَفائِح ذَهَبيَّة تُكْسَى بها القُبَّةُ مِن الخارجِ.
هو الشَّيخُ الإمامُ العالمُ العامِلُ، القُدوةُ سيد القراء: أبو محمد القاسم بن فيرة بن أبي القاسم خلف بن أحمد الرعيني الشاطبي الضرير، من طبقات الشافعية, ولد سنة 538 ببلدة شاطبة- وهي مدينة كبيرة بشرق الأندلس، خرج منها جماعة من العلماء- كان الشاطبي يتوقد ذكاءا، مع الورع والتقوى والتأله والوقار. وهو مصنِّف الشاطبية في القراءات السبع، فلم يُسبَق إليها ولا يُلحَق فيها، وفيها من الرموز كنوز لا يهتدي إليها إلا كلُّ ناقد بصير، هذا مع أنه ضرير. قال عنها ابن خلكان: " الشاطبي هو صاحب القصيدة التي سمَّاها حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات، وعِدَّتُها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتًا، ولقد أبدع فيها كل الإبداع، وهي عمدة قراء هذا الزمان في نقلهم؛ فقَلَّ مَن يشتَغِلُ بالقراءات إلا ويُقَدِّمُ حِفظَها ومعرفتها، وهي مشتَمِلةٌ على رموز عجيبة وإشارات خفية لطيفة، وما أظنُّه سُبِقَ إلى أسلوبها". وله قصيدة دالية في خمسمائة بيت مَن حَفِظَها أحاط علمًا بكتاب التمهيد لابن عبد البر. كما له الباعُ الأطول في فن القراءات والرسم والنحو والفقه والحديث. قرأ القرآن الكريم ببلده بالقراءات السبع على أبي عبد الله بن أبي العاص النفري، ورحل إلى بلنسية، فقرأ القراءات على أبي الحسن بن هذيل. وقراءة بالسبع على غيرهما, فقد كان عالِمًا بكتاب الله تعالى قراءة وتفسيرًا، وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مُبَرَّزًا فيه، وكان إذا قُرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ تُصحَّحُ النسخُ من حفظه، ويُملي النكت على المواضع المحتاج إليها، وكان أوحدَ في علم النحو واللغة، عارفًا بعلم الرؤيا، حَسَن المقاصِدِ. كان دَيِّنًا خاشعًا ناسكًا كثير الوقار، لا يتكَلَّمُ فيما لا يعنيه. يجتَنِبُ فُضولَ الكلام ولا ينطقُ إلا على طهارةٍ في هيئةٍ حَسَنةٍ وتخَشُّع واستكانة، وكان يعتَلُّ العلةَ الشديدةَ فلا يشتكي ولا يتأوَّه. انتقل من بلده إلى مصر، قال السخاوي: "سببُ انتقاله من بلده أنَّه أريد على الخطابة، فاحتج بالحَجَّ، وترك بلده، ولم يعُدْ إليه تورُّعًا مما كانوا يُلزِمونَ الخُطَباء مِن ذِكرِهم الأمراءَ بأوصافٍ لم يَرَها سائغة، وصَبَرَ على فقرٍ شديد". سمع بمصرَ من السِّلَفي، وولاه القاضي الفاضل مشيخة الإقراء بمدرسته في مصر، فأجاب على شروطٍ، فتصَدَّر وعَظُمَ شأنه، وبَعُدَ صِيتُه، وانتهت إليه رياسةُ الإقراء بمصر، وقد انتفع به وبعِلمِه خَلقٌ كثير. زار بيت المقدس وصام به شهر رمضان، ثم رجع إلى القاهرة، فكانت وفاتُه بها في الثامن والعشرين من جمادى الآخرة، ودفن بالقرافة بالقرب من التربة الفاضليَّة، وله أولاد رووا عنه، منهم أبو عبد الله محمد, وهذا الإمام الشاطبي صاحب الشاطبية يختلف عن الشاطبي صاحب المُوافقات الذي توفي سنة 970.
هو أبو عبدِ الله محمَّدُ بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم الطنجي اللواتي المغربي من أسرة بطوطة، وُلِدَ بطنجة سنة 703 اشتُهِرَ برحلته التي دامت ثمانية وعشرين سنة على ثلاثة رحلات: الأولى بدأها من طنجة سنة 725 طاف فيها المغرب إلى مصر، ثم مكة ثم العراق وإيران والمشرق، ثم بلاد الأناضول، ثم إلى الحجاز ثم مكة ثم إلى اليمن وبلاد الخليج العربي، ثم مصر والشام، ثم القسطنطينية، ثم مكة ثم عاد إلى المغرب، كُلُّ ذلك يكتب ويُدَوِّن ما يراه ويَصِفُه، والرحلة الثانية: كانت إلى الأندلس وغرناطة، والثالثة: كانت إلى إفريقيا سنة 754، ودَوَّن رحلته في كتاب بعنوان: تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار؛ قال ابن حجر: "رحل إلى المشرق في رجب سنة 25 فجال البلاد وتوغَّل في عراق العجم، ثم دخل الهند والسند والصين، ورجع على اليمن فحج سنة 26 ولقي من الملوك والمشايخ خلقًا كثيرًا وجاور، ثم رجع إلى الهند فولاه مَلِكُها القضاءَ، ثم خلص فرجع إلى المغرب فحكى بها أحوالَه وما اتفق له وما استفاد من أهلها، قال شيخنا أبو البركات ابن البلفيقي: حدثنا بغرائب مما رآه؛ فمن ذلك أنه زعم أنه دخل القسطنطينية فرأى في كنيستها اثني عشر ألف أسقف ثم انتقل إلى العدوة ودخل بلاد السودان ثم استدعاه صاحب فاس السلطان أبو عنان المريني وأمره بتدوين رحلته، وقرأت بخط ابن مرزوق وكان البلفيقي رماه بالكذب، فبرأه ابن مرزوق، وقال: إنه بقي إلى سنة سبعين ومات وهو متولي القضاء ببعض البلاد، قال ابن مرزوق: ولا أعلم أحدًا جال البلاد كرحلته، وكان مع ذلك جوادًا مُحسِنًا" كان ابن بطوطة يُملي ما يراه على السلطانِ أبي عنان، وكان له كاتب يكتب ذلك. توفي ابن بطوطة في فاس عن 76 عامًا.
هو اللواءُ تشارلز جورج غوردون المعروف بلقب (غوردون الصين) و(غوردون باشا) و(غوردون الخرطوم). ولِدَ بلندن عام 1833م.كان غوردون ضابطًا وإداريًّا في الجيش البريطاني، وتنقَّلَ في عدد من المهام القيادية العسكرية البريطانية، فعُيِّن في سلاحِ الهندسة الملكية، واشترك في حربِ القرم وعمُرُه واحد وعشرون عامًا، ثم اشترك في حربِ الصين؛ حيث أسهم في الاستيلاء على بكِّين، ثم تولى قيادة الجيش الصيني
الذي قمع ثورة تيبنج. وفي سنة (1874 م) عيَّنه الخديوي إسماعيل حاكمًا عامًّا للسودان، وظَلَّ في منصبه سبع سنوات، وعندما طلب منه المندوبُ السامي البريطاني بمصر اللورد كرومر الانسحابَ مِن مصر رفَضَ وأبى واستكبر بشدة، فبدأت جيوشُ المهدية بحصار الخرطوم، وكان غوردون عَمِلَ على تحصين المدينة بالأسلاك الشائكة وتقوية القلاع وزرع الألغام. وكانت حاميةُ الخرطوم مكونة من مصريين وأتراك وبعض السودانيين، فجاء المهدي بجمعٍ يقَدَّرُ بأكثر من مائة ألف مقاتل، وكان غوردون قبل أن يشتدَّ عليه الحصار أرسل إلى حكومتِه طالبًا حملة تفتح الطريقَ بينه وبين مصر لسَحبِ الحاميات، ثم اضطره الحصار للمناداة بحملةِ إنقاذٍ؛ حيث تحرَّكت حملة الإنقاذ من القاهرة بقيادة اللورد ولزلي وعندما عَلِمَت قوات المهدية بهذه الحملة عَمِلَت دون تمكينها مِن الوصول إلَّا حين تحرِّرُ الخرطوم، وفي 25يناير 1885 بدأ أنصارُ المهدي يَعبُرون النيل الأبيض للَّحاقِ بجيش عبد الرحيم النجومي الذي كان يحاصِرُ الخرطوم من جهة الجنوب، وفي صباح يوم 26 يناير تمكَّنت قوات المهدية من دخول الخرطوم عَنوةً وقَتْل غوردون داخِلَ ساحة القصر. وكان لسقوط الخرطومِ ومقتل غوردون صدًى عظيمًا في بريطانيا عمومًا، وفي مجلس العموم خصوصًا.
ملَكَ طغرلبك السلجوقي جرجان وطبرستان، وسبَبُ ذلك أنَّ أنوشروان ابنَ منوجهر بن قابوس بن وشمكير صاحبها، قبض على أبي كاليجار بن ويهان القوهي، صاحِبِ جيشِه، وزَوجِ أمِّه بمساعدةِ أمِّه عليه، فعَلِمَ حينئذ طغرلبك أنَّ البلادَ لا مانع له عنها، فسار إليها، وقصَدَ جرجان ومعه مرداويج بن بسو، فلمَّا نازلها فتح له المقيمُ بها، فدخلها وقرَّرَ على أهلِها مِئَة ألف دينار صُلحًا، وسَلَّمَها إلى مرداويج بن بسو، وقرَّرَ عليه خمسين ألف دينار كل سنةٍ عن جميعِ الأعمال، وعاد إلى نيسابور، وقصَدَ مرداويج أنوشروان بسارية، وكان بها، فاصطَلَحا على أنْ ضَمِنَ أنوشروان له ثلاثينَ ألف دينار، وأُقيمَت الخُطبةُ لطغرلبك في البلادِ كلِّها، وتزوَّج مرداويج بوالدة أنوشروان، وبقي أنوشروان يتصَرَّف بأمرِ مرداويج لا يخالِفُه في شيءٍ البتَّة.
غَزَا مَسلَمةُ بن عبدِ الملك الرُّومَ فقَتَل منهم عددًا كبيرًا بسوسنة مِن ناحِيَة المَصِّيصة وفَتَح حُصونًا. وقِيلَ: إنَّ الذي غَزَا في هذه السَّنَة هِشامُ بن عبدِ الملك ففَتَح حِصْنَ بولق، وحِصْن الأخرم، وحِصْن بولس وقمقم، وقَتَل مِن المُتَعَرِّبَة نحوًا مِن ألفِ مُقاتِل وسَبَى ذُرِّيَّتَهم ونِساءَهم.
هو السلطانُ المَلِكُ المنصورُ سَيفُ الدنيا والدين، أبو المعالي وأبو الفتوح قلاوون بن عبد الله التركي الصالحيُّ النجميُّ الألفي، اشتراه المَلِكُ الصالحُ نجم الدين أيوب بألفي دينار، ولهذا يقالُ له الألفي, وكان من أكابِرِ الأمراء عنده وبعدَه، كان ملكًا عظيمًا حَسَنَ الصورة مَهيبًا، عليه أبَّهةُ السلطنة ومهابة المُلك، تامَّ القامة حَسَنَ اللِّحيةِ عاليَ الهِمَّة شجاعًا وقورًا, وكان لا يحِبُّ سَفكَ الدماء، إلَّا أنه كان يحِبُّ جمع الأموال، ولَمَّا تزوَّج الملكُ السعيد بن الظاهر بابنة قلاوون غازية خاتون، عظُمَ شأنُه جِدًّا عند الظاهر، وما زال يترفَّعُ في الدولة حتى صار أتابكَ سلامش بن الظاهر، ثم عزله واستقَلَّ بالملك في سنة أربع وثمانين. فأمسَكَ قلاوون بجماعةٍ مِن أمراء ظاهرية، واستعمل مماليكَه على نيابة البلاد. كسر التتارَ سنة ثمانين، ونازل حصنَ المرقب, وفتح طرابلسَ سنة ثمان وثمانين، وعزم على فتح عكَّا وبرز إليها فعاجَلَته المنيَّةُ, ودفن بتربته بمدرسته العظيمةِ التي أنشأها بين القصرين، والتي ليس بديارِ مِصرَ ولا بالشَّامِ مِثلُها. وفيها دارُ حديث والمارستان المنصوري. وعليها أوقافٌ دارَّة كثيرة عظيمة، مات عن قريبٍ من ستين سنة، وكانت مدَّة ملكه اثنتي عشرة سنة، وقد أبقى اللهُ تعالى الملكَ في بنيه ومماليكِه وبني بنيه إلى أواخِرِ القرن الثامن الهجري, وبعد وفاته جلس ابنُه وولي العَهدَ الملِكُ الأشرف صلاح الدين خليل على تخت الملك بقلعةِ الجبل يوم الأحد سابع ذي القعدة سنة تسع وثمانين وستمائة.
بدأت الحملة الصليبية السادسة سنة 625 (1227م)كمحاولة لإعادة السيطرة على بيت المقدس. بدأت بعد سبع سنوات فقط من فشل الحملة الصليبية الخامسة التي ترأسها الإمبراطور فريدريك الثاني هوهنشتاوفن الألماني الذي نذر النذر الصليبي للحملة السابقة ولم يف به حينها، وأراد الإمبراطور أن يحقق مقاصده دون أن يسحب سيفه من غمده، فتزوج في صيف سنة 622 (1224م) من ابنة ملك بيت المقدس يوحنا دي بريان (يولاندي والمعروفة أيضًا باسم إيزابيلا) وتزوج كذلك من ماريا من مونتفيرات، وأخذ يطالب بعرش مملكة زالت من الوجود من زمان في فلسطين، واستغل الحرب بين الأيوبيين الملك الكامل صاحب مصر مع أخيه الملك المعظم صاحب دمشق ودخل في مفاوضات مع السلطان الكامل، الأمر الذي أثار غضب روما، وقيَّم البابا أونوريوس الثالث مسلك فريدريك الثاني بكل قساوة واتهمه بإهمال قضية الرب؛ بل إنه هدده بالحرمان من الكنيسة وفرض غرامة مقدارها 100 ألف أوقية من الذهب إذا لم تقم الحملة الصليبية في آخر المطاف، وقد أرجئ البدء بها إلى 624 (1226م) وبدأ فريدريك الثاني ببناء السفن واستأنفت روما في الدعوة إلى الحرب المقدسة، ولكن الدعوات قوبلت باللامبالاة، وفي هذه الأثناء، وقبل خمسة أشهر من الموعد المعين، توفي البابا أونوريوس الثالث. وفي صيف 624 (1226م) تجمع بضع عشرات من الآلاف من المجندين، معظمهم من ألمانيا والبقية من فرنسا وإنجلترا وإيطاليا في معسكر قرب برنديزي والبعض الآخر في أبحر صقلية، ولكن الأمراض وقلة المؤن ومرض فريدريك الثاني أدى إلى إرجاء الحملة، ولكن البابا الجديد غريغوريوس التاسع أصدر صك حرمان من الكنيسة بحق فريدريك الثاني، وتشفيًا بالبابا أبحر الإمبراطور فريدريك إلى سوريا 626 (1228م)، فكان من البابا أن منع الحملة الصليبية، ووصف فريدريك بأنه قرصان، وبأنه يريد سرقة مملكة القدس، فكانت أول حملة صليبية لا يباركها البابا، ولكن فريدريك الثاني لم يأبه فاستولى على قبرص ووصل إلى عكا، حيث بدأ المفاوضات مع السلطان الكامل أسفرت سنة 627 (1229م) عن صلح لمدة 10 سنوات تنازل بمقابله الملك الكامل عن بيت المقدس باستثناء منطقة الحرم، وبيت لحم والناصرة وجميع القرى المؤدية إلى القدس، وقسم من دائرة صيدا وطورون (تبنين حاليًّا)، وعزز الإمبراطور الألماني بعض الحصون والقلاع وأعاد تنظيمها، ووقع مع مصر عدّة اتفاقيات تجارية، وتعهد فريدريك الثاني بمساعدة الملك الكامل ضد أعدائه أيًّا كانوا، مسلمين أم نصارى، وضمن عدم تلقي القلاع الباقية خارج سيطرته أية مساعدة من أي مكان. ووقع الاتفاق الذي عرف باتفاق يافا.
لقي كمشتكين بن الدانشمند طايلو السلجوقي بن صاحب ملطية وسيواس - وإنما قيل له ابن الدانشمند -معنى الدانشمند المعلم- لأن أباه كان معلمًا للتركمان وتقلبت به الأحوال، حتى مَلضك، وهو صاحِبُ ملطية وسيواس وغيرهما- بيمند الفرنجي، وهو من مقدَّمي الفرنج، قريبَ ملطية، وكان صاحبُها قد كاتبه، واستقدمه إليه، فورد عليه في خمسةِ آلاف، فلقيهم ابن الدانشمند، فانهزم بيمند وأُسِر. ثم وصل من البحر سبعةُ قمامصة -كبار القساوسة- من الفرنج، وأرادوا تخليص بيمند، فأتوا إلى قلعة تسمى أنكورية، فأخذوها وقَتَلوا من بها من المسلمين، وساروا إلى قلعة أخرى فيها إسماعيل بن الدانشمند، وحصروها، فجمع ابن الدانشمند جمعًا كثيرًا، ولقي الفرنجَ، وجعل له كمينًا، وقاتلهم، وخرج الكمينُ عليهم، فلم يُفلتْ أحد من الفرنج -وكانوا ثلاثمائة ألف- غيرُ ثلاثة آلاف، هربوا ليلًا وأفلتوا مجروحين. وسار ابن الدانشمند إلى ملطية، فملكها وأسر صاحبها، ثم خرج إليه عسكر الفرنج من أنطاكية، فلقِيَهم وكسرهم، وكانت هذه الوقائع في شهور قريبة.
هو السُّلطانُ علاء الدين خوارزم شاه محمد بن تكش بن إيل أرسلان بن آتسز بن محمد بن نوشتكين. نسبه ينتهي إلى إيلتكين أحد مماليك السلطان ألب أرسلان بن جغر بيك السلجوقي. أباد ملوك العالم، ودانت له الممالك واستولى على الأقاليم. كان صبورًا على التعب وإدمان السير، غير متنَعِّم ولا مقبل على اللذات، إنما نهمتُه في المُلك وتدبيره وحِفظِه وحِفظِ رعيَّتِه. كان فاضِلًا، عالِمًا بالفقه والأصول، وغيرهما. وكان مكرمًا للعلماء محبًّا لهم، محسنًا إليهم، يحب مناظرتَهم بين يديه. ويُعظِّم أهل الدين ويتبَرَّك بهم. أفنى ملوك خراسان، وما وراء النهر، وقتل صاحب سمرقند، وأخلى البلاد من الملوك- ولم يبقَ لها من يحميها- واستقلَّ بها، فكان ذلك سببًا لهلاكه, فلما نزل خوارزم شاه محمد همذان، كاتب الوزير مؤيد الدين محمد بن القمي نائب وزير الخليفة عساكرَ خوارزم شاه، ووعدهم بالبلاد، فاتفقوا مع الخطا على قتل علاء الدين، وبعث القميُّ إليهم بالأموال والخيول سرًّا، فكان ذلك سببًا لوهنه، وعَلِمَ بذلك، فسار من همذان إلى خراسان ونزل مرو، فصادف في طريقه الخيول والهدايا والكُتُب إلى الخطا، وكان معه منهم سبعون ألفًا، فلم يمكنه الرجوعُ لفساد عسكره. وكان خالُه من أمراء الخطا، وقد حلَّفوه أن لا يطلع خوارزم شاه على ما دبروا عليه، فجاء إليه في الليل، وكتب في يده صورة الحال، ووقف بإزائه، فنظر إلى السطورِ وفَهِمَها، وهو يقول: خُذْ لنفسِك، فالساعةَ تُقتَلُ، فقام وخرج من تحت ذيل الخيمةِ، ومعه ولداه جلال الدين والآخر، فركب، وسار بهما، ثم دخل الخطا والعساكر إلى خيمته، فلم يجدوه، فنهبوا الخزائن والخيول، فيقال: إنه كان في خزائنه عشرة آلاف ألف دينار وألف حمل قماش أطلس وغيره. وكانت خيله عشرين ألف فرس وبغل، وله عشرة آلاف مملوك. فهرب ورَكِب في مركب صغير إلى جزيرة فيها قلعة ليتحصَّن بها، فأدركه الأجَلُ، فدفن على ساحل البحر، وهرب ولداه، وتفرقت الممالك بعده، وأخذت التتار البلاد, وقيل بعد فراغ جنكيزخان من سمرقند أرسل وراء خوارزم شاه، وكانوا عشرين ألفا فساروا وراءه فأدركوه وبينهم وبينه نهر جيحون وهو آمن بسببه، فلم يجدوا سفنًا فعملوا لهم أحواضًا يحملون عليها الأسلحة ويُرسِل أحدهم فرسه ويأخذ بذنَبِها فتجرُّه الفرس بالماء وهو يجر الحوضَ الذي فيه سلاحُه، حتى صاروا كلُّهم في الجانب الآخر، فلم يشعُرْ بهم خوارزم شاه إلا وقد خالطوه، فهرب منهم إلى نيسابور ثم منها إلى غيرها وهم في أثره لا يمهلونه يجمع لهم فصار كلما أتى بلدًا ليجتمع فيه عساكره له يدركونه فيهرب منهم، حتى ركب في بحر طبرستان وسار إلى قلعة في جزيرة فيه، فكانت فيها وفاته، وقيل إنه لا يعرف بعد ركوبه في البحر ما كان من أمره بل ذهب فلا يدرى أين ذهب، ولا إلى أي مفر هرب، وملكت التتار حواصله فوجدوا في خزانته ما لا يحصى، وقبل وفاة علاء الدين خوارزم شاه أوصى لابنه جلال الدين منكبرتي بالسلطة.
هو الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي الهاشمي العباسي, وأمه: سلامة البربريَّة. وُلِدَ سنة 95, وكان أسمرَ, طويلًا, نحيفًا, مَهيبًا, خفيفَ العارِضَينِ, مُعرق الوجه, رحْبَ الجبهة, كأنَّ عينيه لسانان ناطقان, تخالِطُه أبَّهة المُلك بِزِيِّ النسَّاك, تَقبَلُه القلوبُ، وتَتبَعُه العيون, وكان فحْلَ بني العباس؛ هيبةً وشجاعةً، ورأيًا وحزمًا، ودهاءً وجبروتًا، وكان جمَّاعًا للمال, حريصًا تاركا للَّهوِ واللَّعب, كامِلَ العقلِ بعيدَ الغَورِ، حسَن المشاركةِ في الفقهِ والأدب والعِلم. أباد جماعةً كبارًا حتى توطَّدَ له المُلك، ودانت له الأمَمُ على ظُلمٍ فيه، وقُوَّةِ نَفسٍ، ولكنَّه يرجِعُ إلى صِحَّة إسلامٍ وتديُّنٍ في الجُملة، وتَصَوُّنٍ وصلاةٍ وخيرٍ، مع فصاحةٍ وبلاغةٍ وجَلالةٍ، وعظَ المنصور عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة فأبكاه، وكان المنصورُ يهابُ عَمرًا ويُكرِمُه، وقد كان المنصورُ يُصغي إلى أقوال المنجِّمين، وهذا من هناتِه مع فضيلتِه. كان حاكمًا على ممالك الإسلام بأسرِها, سوى جزيرة الأندلس، وكان ينظُرُ في حقيرِ المال، ويثَمِّرُه، ويجتهد بحيث إنَّه خلَّفَ في بيوت الأموالِ مِن النقدين أربعة عشر ألف ألف دينار، وستمئة ألف ألف درهم، وكان كثيرًا ما يتشبَّه بالثلاثة في سياسته وحَزمِه، وهم: معاوية، وعبد المَلِك، وهشام. لَمَّا رأى المنصورُ ما يدلُّ على قُربِ مَوتِه سار للحَجِّ، فلمَّا وصل إلى بئر ميمون مات بها مع السحَرِ قبل أن يصِلَ مكة، ولم يحضُرْه عند وفاتِه إلَّا خَدَمُه، والربيعُ مولاه، فكتم الربيعُ مَوتَه، واشتغلوا بتجهيزِ المنصور، ففرغوا منه العصرَ، وكُفِّنَ، وغطِّيَ وجهُه وبدَنُه، وجُعِلَ رأسُه مكشوفًا لأجل إحرامِه، وصلَّى عليه عيسى بن موسى، وقيل: إبراهيم بن يحيى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، ودُفِنَ في مقبرة المُعَلَّاة، وحَفَروا له مائة قبرٍ ليغُمُّوا على النَّاسِ، ودُفِنَ في غيرها، عاش أربعًا وستِّينَ سنة، وكانت مدة خلافته اثنتين وعشرين سنة إلَّا أربعة وعشرين يومًا.
اسْتَعمَل هِشامُ بن عبدِ الملك مَرْوانَ بن محمَّد بن مَرْوان -وهو ابنُ عَمِّه- على الجَزيرَة الفراتية وأذربيجان وأرمينية، وكان سَبَبُ ذلك أن مَرْوان بن محمَّد قال لهِشام: قد كان مِن دُخولِ الخَزَر إلى بِلادِ الإسلام وقَتْل الجَرَّاح وغَيرِه مِن المسلمين ما دَخَل به الوَهَنُ على المسلمين, أنَّ مَسلمَة بن عبد الملك، ما وَطِئ مِن بِلادِهم إلَّا أَدْناها، وكان قُصاراه السَّلامَة، وقد أَردتُ أن تَأذَن لي في غَزْوَةٍ أُذْهِبُ بها عَنَّا العارَ، وأَنْتَقِمُ مِن العَدُوِّ. فأَذِنَ له واسْتَعمَله على أرمينية, فسار إلى أرمينية والِيًا عليها، وسَيَّرَ هِشامٌ الجُنودَ مِن الشَّامِ والعِراقِ والجَزيرَة، فاجْتَمَع عِندَه مِن الجُنودِ والمُتَطَوِّعَة مائة وعشرون ألفًا، فأَظْهَر أنَّه يُريدُ غَزْوَ اللَّان وقَصَد بِلادَهم، وأَرسَل إلى مَلِك الخَزَر يَطلُب منه المُهادَنَة، فأَجابَه إلى ذلك، وأَرسَل إليه مَن يُقرِّرُ الصُّلْحَ، فأَمسَك الرَّسولَ عنده إلى أن فَرَغ مِن جِهازِه وما يُريدُ، ثمَّ أَغْلَظ لهم القَوْلَ وآذَنَهم بالحَرْبِ، وسَيَّرَ الرَّسولَ إلى صاحِبِه بذلك، فما وَصَل الرَّسولُ إلى صاحِبِه إلَّا ومَرْوان قد وافاهُم، فأَعْلَم صاحِبَه الخَبَرَ، وأَخبَره بما جَمَع له مَرْوان وحَشَد واسْتَعَدَّ. فاسْتَشار مَلِكُ الخَزَر أَصحابَه، فقالوا: إنَّ هذا قد اغْتَرَّكَ ودَخَل بِلادَك، فإن أَقَمْتَ إلى أن تَجْمَع لم يَجْتَمِع عندك إلى مُدَّة فيَبْلُغ مِنك ما يُريد، وإن أنت لَقِيتَه على حالِك هذه هَزَمَك وظَفَر بك، والرَّأيُ أن تَتَأَخَّر إلى أَقْصَى بِلادِك وتَدَعَه وما يُريدُ. فقَبِلَ رَأيَهم وسار حيث أَمَروه. ودَخَل مَرْوان بِلادَهم وأَوْغَل فيها وأَخْرَبَها، وغَنِمَ وسَبَى وانْتَهي إلى آخِرِها وأَقام فيها عِدَّةَ أيَّامٍ حتَّى أَذَلَّهم وانْتَقَم منهم، ودَخَل بِلادَ مَلِك السَّرير فأَوْقَع بِأَهلِه، وفَتَح قِلاعًا، ودان له المَلِكُ، وصالَحه على ألفِ رَأسٍ، وخمسمائة غُلام، وخمسمائة جارِيَة سُود الشُّعور، ومائة ألف مُدْيٍ تُحْمَل إلى البابِ، وصالَح مَرْوان أهلَ تومان على مائة رَأسٍ، وعشرين ألف مُدْيٍ، ثمَّ دَخَل أَرضَ زريكران، فصالَحَه مَلِكُها، ثمَّ أَتَى إلى أَرضِ حمزين، فأبى حمزين أن يُصالِحَه، فحَصَرَهُم فافْتَتَح حِصْنَهم، ثمَّ أَتَى سغدان فافْتَتَحَها صُلْحًا، ووَظَّفَ على طيرشانشاه عشرة آلاف مُدْيٍ كُلَّ سَنة تُحْمَل إلى البابِ، ثمَّ نَزَل على قَلْعَة صاحِب اللكز، وقد امْتَنَع من أَداءِ الوَظيفَة، فخَرَج مَلِكُ اللكز يُريد مَلِكَ الخَزَر، فقَتَله راعٍ بِسَهْمٍ وهو لا يَعرِفُه، فصالَح أَهلُ اللكز مَرْوانَ، واسْتَعْمَل عليهم عامِلًا، وسار إلى قَلعَة شروان، وهي على البَحرِ، فأَذْعَن بالطَّاعَة، وسار إلى الدّوداني فأَقْلَع بهم ثمَّ عاد.
لما سار الجيش الذي قَدِمَ من القاهرة في ثاني عشر شعبان، وقَدِموا دمشق تلقَّاهم الأمير تنكز، ولم يعبأْ تنكز بالأمير أرقطاي مُقَدَّم العسكر لِما في نفسه منه، ومَضَوا إلى حلب، فقدموها في رابع عشر رمضان، وأقاموا بها يومين فقدم الأمير قطلوبغا الفخري بعساكرِ الشام، وقد وصل إلى جعبر ثمَّ ساروا جميعًا يومَ عيد الفطر، ومعهم الأميرُ علاء الدين ألطبغا نائب حلب، وهو مُقَدَّم على العسكر جميعًا، حتى نزلوا على الإسكندرونة أوَّلَ بلاد سيس، وقد تقَدَّمَهم الأمير مغلطاي الغزي إليها بشهرينِ حتى جهَّزَ المجانيق والزحَّافات والجسور الحديد والمراكِبَ وغير ذلك لعبور نهر جهان، فقَدِمَ عليهم البريد من دمشق بأن تكفور وعَدَ بتسليم القلاع للسلطان، فلْتُرَدَّ المجانيق وجميع آلات الحصار إلى بغراس، ولْيَقُمِ العسكر على مدينة إياس حتى يَرِدَ مرسوم السلطان بما يُعتَمَدُ في أمرهم وكانت التراكمين قد أغاروا على بلاد سيس، ومعهم عسكَرُ ابن فرمان فتركوها أوحشَ مِن بطن حمار، فبعث تكفور رسُلَه في البحر إلى دمياط، فلم يأذَن السلطان لهم في القدومِ عليه، من أجل أنهم لم يعلموا نائِبَ الشام بحضورِهم، فعادوا إلى تكفور، فبعث تكفور بهديَّة إلى تنكز نائب الشام، وسأله مَنْعَ العسكر من بلاده، وأنه يسَلِّمُ القلاع التي من وراء نهر جهان جميعًا للسلطان، فكاتب تنكز السلطانَ بذلك، وبعث أوحَدَ المهمندار إلى الأمير علاء الدين ألطبغا نائِبِ حلب وهو المقَدَّم على العسكر جميعًا بمَنعِ الغارة ورَدِّ الآلات إلى بغراس، فردَّها ألطبغا وركب بالعسكَرِ إلى إياس، فقَدِمَها يوم الاثنين ثاني عشر شوال، وكانت إياس قد تحصَّنت، فبادر العسكَرُ وزحف عليها بغير أمرِه، فكان يومًا مهولًا، جُرح فيه جماعة كثيرة، واستمَرَّ الحِصارُ إلى يوم الخميس خامس عشره، وأحضر نائب حلب خمسين نجارًا وعَمِلَ زحافتين وستارتين ونادى في الناس بالركوبِ للزحف، فاشتد القتالُ حتى وصلت الزحَّافات والرجال إلى قريب السورِ، بعدما استُشهِدَ جماعة كثيرة، فترجَّلَ الأمراء عن الخيول لأخذِ السور، وإذا بأوحد المهمندار ورسل تكفور قد وافَوا برسالة نائِبِ الشام، فعادُوا إلى مخَيَّمِهم فبلَّغَهم أوحَدُ المهنمدار أن يكفوا عن الغارة، فلم يوافقوه على ذلك، واستقر الحالُ على أن يسلموا البلادَ والقلاع التي شرقي نهر جهان، فتسَلَّموا منهم ذلك، وهو مُلكٌ كبير، وبلادٌ كثيرة، كالمصيصة، وكويرا، والهارونية، وسرفندكار، وإياس، وباناس، وبخيمة، والنقبر، وغير ذلك. وعلى أن تُسَلَّم إياس بعد ثمانية أيام، فلما كان اليومُ الثامن أرسل تكفور مفاتيحَ القلاع، على أن يُرَدَّ ما سُبِيَ ونُهِبَ من بلاده، فنُودِيَ بِرَدِّ السَّبيِ، فأُحضِرَ كثير منه، وأخرب الجسر الذي نُصِبَ على نهر جهان، وتوجَّه الأمير مغلطاي الغزي فتسَلَّمَ قلعة كوارة وكانت من أحصن قلاع الأرمن، ولها سورٌ مساحته فدان وثلث وربع فدان، وارتفاعه اثنان وأربعون ذراعًا بالعَمَل، وأنفق تكفور على عمارته أربعَمائة ألف وستين ألف دينار، وتسَلَّم العسكر إياس، وهدم البرج الأطلس في ثمانية أيام، بعدما عَمِلَ فيه أربعون حَجَّارًا يومين وليلتين حتى خرج منه حجَرٌ واحد، ثمَّ نُقِبَ البرج وعُلِّقَ على الأخشاب، وأُضرِمَت فيه النار، فسَقَط جميعه، وكان برجًا عظيمًا، بلغ ضمانُه في كل شهر لتكفور مبلغ ثلاثين ألف دينار حسابًا عن كلِّ يومٍ ألف دينار سوى خَراجِ الأراضي، وكان ببلدة إياس أربعمائة خمَّارة وستمائة بَغِيٍّ، وكان بها في ظاهرها ملَّاحة تضمن كل سنة بسبعمائة ألف درهم، ولها مائتان وستة عشر بستانًا تغرس فيها أنواع الفواكه، ودور سورها فدانان وثلثا فدان، ثم رحل العسكَرُ عن إياس بعدما قاموا عليها اثنين وسبعين يومًا، فمر نائِبُ حلب على قلعة نجيمة وقلعة سرفندكار وقد أخربهما مغلطاي الغزي حتى عبَرَ بالعسكر إلى حلب في الرابع عشر من ذي الحجة.
نزل التتار على البيرة في ثلاثين ألف مُقاتلٍ، خمسة عشر ألفًا من المغول، وخمسة عشر ألفًا من الروم، والمقَدَّم على الجميع البرواناه- الحاجب- وهو حاجب السلطان السلجوقي بأمر أبغا بن هولاكو ملك التتار، ومعهم جيش الموصل وجيش ماردين والأكراد، ونَصَبوا عليها ثلاثة وعشرين منجنيقًا، فخرج أهلُ البيرة في الليل فكبسوا عسكَرَ التتار وأحرقوا المنجنيقاتِ ونهبوا شيئًا كثيرًا، ورجعوا إلى بيوتهم سالمين، فأقام عليها الجيشُ مُدَّة إلى التاسِعَ عشر من هذا الشهر، ثم رجعوا عنها بغيظِهم لم ينالوا خيرا {وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب: 25]، ولما بلغ السلطانَ بيبرس نزولُ التتار على البيرة أنفَقَ في الجيش ستَّمائة ألف دينار، ثم ركب سريعًا وفي صحبته ولدُه الملك السعيد بركة، فلما كان في أثناء الطريق بلغه رحيلُ التتار عنها فعاد إلى دمشق، ثم ركب في رجب إلى القاهرة فدخلها في الثامن عشر.
فشلت الحملة الأسبانية، التي انعقد لواؤها للسيطرة على الجزائر، وكانت الحملةُ تتكوَّن من 22 ألف جندي، وخَسِرَ الأسبان في هذه الحملة 7 آلاف قتيل، وهو ما أثار استياءَ الملك كارلوس الثالث في مدريد، في حين أقام العثمانيون الأفراحَ في إستانبول بهذا النصر.