جمعَ الشريفُ غالب بن مساعد عساكِرَ كثيرةً، واستعمل عليها الشريفَ فهيد، فقصدوا قحطان وهم على ماسل الماء المعروف في عالية نجد، فتقاتلوا أشدَّ القتال، وانهزم ابن قرملة ومن معه من بني قحطان، فقُتل منهم 30 رجلًا، وأُخِذ منهم نحو 3000 من الإبل، ولَمَّا انهزموا ذهبوا مُشاةً في الصحراء ومعهم الأطفال والنساء وكادوا أن يهلِكوا من العطَشِ.
احتلَّ الجيشُ الروسي قلعة "أوزي" في أوكرانيا، أهَمَّ القلاعِ العثمانية على البحر الأسود، وارتكب الروسُ فيها مجزرةً رهيبةً راح ضحيَّتَها 25 ألف تركي مِن الرجال والنساء والأطفال، بعد أن قاموا بتعذيبِهم بشِدَّةٍ, وكان لخبرِ سقوطِ أوزي بيَدِ الروس وذبحِ أهلِها المدنيين بالسيفِ أكبَرُ الأثَرِ على السلطان عبد الحميد الأول؛ حيث أُصيب على إثر الخبَرِ بنزيفٍ في المخِّ توفِّيَ بعده.
عَزَل يَزيدُ بن عبدِ الملك عبدَ الرَّحمن بن الضَّحَّاك عن المَدينَة ومَكَّة، وكان عامِلَهُ عليهما ثلاثَ سِنين، ووَلَّى عبدَ الواحِد النَّضْري، وكان السَّبَب في عَزْلِه أنَّه خَطَب فاطِمَة بِنتَ الحُسين بن عَلِيٍّ فقالت: ما أُريدُ النِّكاحَ، ولقد قَعَدتُ على بَنِيِّ هؤلاء. فأَلَحَّ عليها وقال: لئن لم تَفعَلي لأَجْلِدَنَّ أَكبرَ بَنِيك في الخَمْرِ. فبَعَثَتْ كِتابًا إلى الخَليفَة تُخبِرُه بِخَبرِه. فأَخَذ الكِتابَ فَقَرأهُ وجَعَل يَضرِب بِخَيْزران في يَدهِ ويَقولُ: لقد اجْتَرأ ابنُ الضَّحَّاك، هل مِن رَجُلٍ يُسْمعني صَوتَه في العَذابِ؟ قِيلَ له: عبدُ الواحِد بن عبدِ الله النَّضْرِي. فكَتَب بِيَدِه إلى عبدِ الواحد: قد وَلَّيْتُكَ المَدينَة فاهْبِط إليها واعْزِل عنها ابنَ الضَّحَّاك، وأَغْرِمْهُ أَربعين ألفَ دِينارٍ، وعَذِّبْهُ حتَّى أَسمعَ صَوتَه وأنا على فِراشي. وكان ابنُ الضَّحَّاك قد آذَى الأَنْصارَ طُرًّا، فهَجاهُ الشُّعَراءُ وذَمَّهُ الصَّالِحون، ولمَّا وَلِيَهم النَّضْرِيُّ أَحسَن السِّيرةَ فأَحَبُّوه، وكان خَيِّرًا يَسْتَشيرُ فيما يُريدُ فِعلَه القاسِمَ بن محمَّد وسالِمَ بن عبدِ الله بن عُمَر.
هو إمامُ دار الهجرة، أبو عبدِ الله مالكُ بنُ أنس بن مالك بن أبي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيمان بن خثيل بن عمرو بن الحارث الأصبحي، ثم المدني، جَدُّه الصحابيُّ أبو عامرٍ الأصبحيُّ، كان طويلًا عظيمَ الهامةِ أصلعَ أبيضَ الرأسِ واللِّحية. أبيضَ شديدَ البياضِ إلى الشُّقرة. وُلِدَ بالمدينة سنة ثلاث وتسعين، عام موتِ أنسِ بنِ مالكٍ خادمِ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ونشأ في أسرةٍ ذاتِ صَونٍ ورفاهيةٍ وتجَمُّل. أحدُ الأئمَّة الأربعة المشهورين، إليه تُنسَبُ المالكيَّة، كان إمامًا في الحديثِ بلا منازعٍ، له كتابُ الموطأ المشهور. تعرَّضَ للفتنة أيَّامَ المنصورِ؛ بسبب فتوى له في قتالِ البُغاة، أقام في المدينةِ، وكان يُعظِّمُ ما جرى عليه عمَلُ أهلِ المدينةِ في الفِقهِ، وروى عن نافعٍ مولى ابنِ عُمَرَ، وأكثَرُ مَن رحل إليه للعلمِ المصريُّونَ والمغربيونَ، فكان هذا سببَ انتشارِ مَذهَبِه في تلك البقاعِ، توفي في المدينة ودُفِنَ في البقيعِ- رَحِمَه اللهُ تعالى وجزاه عن الإسلامِ والمُسلمِينَ خَيرًا.
هو الأمير المجاهد شرف الدولة مودود بن التونتكين بن الأتابك زنكي -أتابك يعني الأمير الوالد- بن قسيم الدولة آقسنقر التركماني، صاحب الموصل، أمير من أمراء السلاجقة العظام، كان رجلًا فاضلًا عالمًا مجاهدًا, خيِّرا عادلًا كثير الخير, وهو والد عماد الدين زنكي "أبو الفتح"، وهو من جملة الأمراء والنواب الذين قدموا لقتال الفرنج بالشام، ولما دخلوا دمشق دخل الأمير مودود يوم الجمعة إلى جامعها ليصلِّيَ فيه، فجاءه باطني في زي سائل فطلب منه شيئًا فأعطاه، فلما اقترب منه ضربه في فؤاده، فمات من يومه -رحمه الله، وقيل: بل كان قتله عام 505هـ. وقيل: كان قتله بتحريض من طغتكين التركي. وقيل: إن الباطنية بالشام خافوه وقتلوه، وكان يومها صائمًا. ودفن مودود بدمشق في تربة دقماق صاحبها، وحمل بعد ذلك إلى بغداد، فدُفِنَ في جوار أبي حنيفة، ثم حُمِل إلى أصبهان، وقال ابن الأثير: "إن بغدوين ملك بيت القدس الصليبي كتب كتابًا فيه: إنَّ أمةً تقتُل عميدَها يوم عيدِها في بيت معبودِها لحقيقٌ على الله أن يُبيدَها!".
هو المَلِكُ شِهابُ الدِّينِ، أبو القاسِمِ محمودُ بنُ تاج الملوك بوري بن الأتابك طغتكين صاحِب دمشقَ. تمَلَّك بعد مَقتَلِ أخيه شمسِ الملوك، بإعانةِ أمِّه زمرد، وكان مُقَدَّمَ عَسكَرِه مُعينُ الدين أنر. قال ابنُ عساكر: "كانت الأمورُ تجري في أيَّامه على استقامةٍ، إلى أن وثَبَ عليه جماعةٌ مِن خَدَمِه، فقتلوه في شوَّال، هذه السنة"، قُتِلَ على فِراشِه غِيلةً، قتله ثلاثةٌ مِن غِلمانِه هم خواصُّه وأقربُ النَّاسِ منه في خَلوتِه، وكانوا ينامونَ عنده ليلًا، فقَتَلوه وخرجوا من القلعة وهربوا، فنجا أحدُهم، وأُخِذَ الآخَرانِ فصُلِبا، وكَتَب مَن بدمشقَ إلى أخيه جمالِ الدينِ مُحمَّدِ بنِ بوري صاحب بعلبك، بصورة الحالِ واستدعَوه ليملِكَ بدَلَ أخيه، فحضر في أسرَعِ وَقتٍ، فلمَّا دخل البلد جلسَ للعزاء بأخيه، وحلَفَ له الجندُ وأعيانُ الرعيَّة، وسكن النَّاسُ، وفَوَّضَ أمرَ دَولتِه إلى مُعين الدين أنر، مملوكِ جَدِّه، وزاد في علوِّ مَرتبةِ مُعين الدين، وصار الجُملة والتفصيل، وقد كان خَيِّرًا عاقِلًا حَسَن السِّيرةِ، فجَرَت الأمورُ عنده على أحسَنِ نِظامٍ.
في ثالث رجب نودي بجامِعِ دمشق بعد الصلاةِ مِن جهة نائب القلعةِ بأنَّ العساكِرَ المِصريَّة قادِمةٌ إلى الشام، وفي عشيَّة يوم السبت رحل بولاي وأصحابُه من التتر وانشمروا عن دمشق، وقد أراح الله منهم وساروا من على عقبة دمر، فعاثوا في تلك النواحي فسادًا، ولم يأت سابع الشهر وفي حواشي البلد منهم أحدٌ، وقد أزاح الله عز وجل شَرَّهم عن العباد والبلاد، ونادى قبجق في الناسِ: قد أَمِنَت الطرقاتُ ولم يبقَ بالشَّامِ مِن التتر أحد، وصلى قبجق يومَ الجمعة عاشر رجب بالمقصورة، ومعه جماعةٌ عليهم لَأْمةُ الحرب من السيوفِ والقِسِيِّ والتراكيش فيها النشَّاب، وأَمِنَت البلاد، وخرج الناسُ للفرجة في غيضِ السفرجل على عادتهم، فعاثت عليهم طائفةٌ مِن التتر، فلمَّا رأوهم رجعوا إلى البلدِ هاربين مُسرِعينَ، ونهب بعضُ النَّاسِ بَعضًا، ومنهم من ألقى نفسَه في النَّهرِ، وإنما كانت هذه الطائفة مجتازين ليس لهم قرار، وتقلَّقَ قبجق من البلَدِ ثمَّ إنَّه خرج منها في جماعةٍ مِن رؤسائها وأعيانِها، منهم عز الدين بن القلانسي ليتلَقَّوا الجيش المصري، وذلك أن جيش مصر خرج إلى الشام في تاسع رجب وجاءت البريديَّة بذلك، وبقي البلدُ ليس به أحد، ونادى أرجواش في البلد: احفَظوا الأسوارَ وأخرِجوا ما كان عندكم من الأسلحةِ، ولا تهملوا الأسوارَ والأبواب، ولا يبيتَنَّ أحدٌ إلا على السور، ومن بات في داره شُنِقَ، فاجتمع الناس على الأسوار لحفظ البلاد، وكان الشيخُ تقي الدين ابن تيمية يدورُ كُلَّ ليلة على الأسوارِ يُحَرِّضُ النَّاسَ على الصبر والقتال، ويتلو عليهم آياتِ الجهادِ والرِّباطِ، وفي يوم الجمعة سابع عشر رجب أعيدت الخطبةُ بدمشق لصاحب مِصرَ، ففرح الناسُ بذلك، وكان يُخطَبُ لقازان بدمشق وغيرها من بلاد الشام مائةَ يومٍ سواء، وفي بكرةِ يوم الجمعة المذكور دار الشيخُ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله وأصحابُه على الخَمَّارات والحانات، فكَسَّروا آنيةَ الخُمورِ وشَقَّقوا الظروفَ وأراقوا الخمورَ، وعَزَّروا جماعةً مِن أهل الحانات المتَّخَذة لهذه الفواحِشِ، ففرح الناسُ بذلك، ونودي يوم السبتِ ثامِنَ عشر رجب بأن تُزَيَّن البلد لقدوم العساكِرِ المصرية، وفُتِحَ باب الفرج مضافًا إلى باب النصر يوم الأحد تاسع عشر رجب، ففرح النَّاسُ بذلك وانفرجوا.
هي هدى محمد سلطان المعروفة بهدى شعراوي؛ نِسبةً إلى لَقَبِ زَوجِها علي شعراوي على الطريقة الغربية؛ ولدت في المنيا من مصر الوسطى ونشأت في القاهرة، وكان أبوها رئيس أول مجلس نيابي في مصر، وهي التي خَرَجت بالمظاهرة النسائية سافرةً وحَرَقت حجابَها فتَبِعَها بعضُ النساء على ذلك! فكانت أولَ امرأةٍ مُسلِمةٍ في مصرَ تخلَعُ الحجابَ! مات زوجُها تاركًا لها ثروةً هائلةً كانت سبب بطرها، ألَّفَت جمعيةَ الاتحاد النسائي بمصر، وتوفِّيَت في القاهرة.
أُصيب الصومال بمَوجةِ جفافٍ غيرِ مسبوقةٍ، أدَّت إلى أزمةِ مجاعةٍ ضَرَبت ستَّ مناطِقَ هي: ولايةُ شابيل السفلى، وجنوبُ باكول القَريبتانِ من منِطقَة باي، ومُخيَّماتُ أفقوي للَّاجئين شمالَ مقديشو التي ضمَّت (400) ألفِ لاجئٍ، ومُخيَّماتُ اللَّاجئين في العاصمةِ، ومِنطَقتَا بلادِ وادالي في شابيل الوسطى، ومِنطَقةٌ سادسةٌ هي منطقة "باي" الواقعةُ في الجنوبِ. وقد تضرَّر من هذا الجفافِ أكثرُ من أربعةِ مليون أكثرُهم من كبارِ السنِّ والأطفالِ والنساءِ.
هو أبو بكرٍ الصِّدِّيق عبدُ الله بن عُثمانَ بن عامرِ بن كعبِ بن سعدِ بن تَيْمِ بن مُرَّةَ بن كعبِ بن لُؤَيٍّ. وهو أحدُ العشرةِ المُبشَّرين بالجنَّةِ، وأوَّلُ الخُلفاءِ الرَّاشِدين، مِن أَوائلِ المُصَدِّقين للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم والمؤمنين به، بَقِيَ معه في مكَّة حتَّى هاجَر معه فكان صاحِبَه في ذلك، قَدَّمَهُ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم للصَّلاةِ بالنَّاس في مَرَضِ مَوتِه، أَنفقَ في سبيلِ الله كُلَّ مالِه، كان وَزيرَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وصاحِبَ مَشورَتِهِ، بايَعَهُ المسلمون على الخِلافَةِ بعدَ مَوْتِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم كما هو مَذكور، تُوفِّيَ أبو بكرٍ الصِّدِّيق بعدَ أن بَقِيَ خَليفةً مُدَّةَ سَنتين وثلاثةِ أَشهُر وعشرةِ أيَّام، تُوفِّيَ بعدَ أن مَرِضَ، وقد قام خِلالَ هذه المُدَّةِ القصيرةِ بِرَدِّ المُرْتَدِّين وحَرْبِهِم والتي شَمِلَتْ أجزاءَ الجزيرةِ كلَّها، ثمَّ كانت الحُروبُ مع الفُرْسِ والرُّومِ حيث أظهرت قُوَّةَ المسلمين وإمكاناتِهم القِتاليَّة التي لا يُستهان بها، دُفِنَ بجانِبِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في حُجْرَةِ عائشةَ، فكان مع صاحِبِه كما كان معه في الدُّنيا، فجزاهُ الله عن الأُمَّةِ الإسلاميَّةِ خيرًا ورضِي الله عنه وأَرضاهُ.
هو إمام أهل الشام أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي، من كبار تابعي التابعين. ولقب بالأوزاعي نسبة إلى الأوزاع وهي فرع من همدان, وقيل الأوزاع قرية بدمشق على طريق باب الفراديس، ولم يكن أبو عمرو منهم، وإنما نزل فيهم فنسب إليهم وهو من سبي اليمن. وُلِدَ في بعلبك سنة 88 ونشأ في البقاع يتيم الأب, ثم انتقلت به أمه إلى بيروت، كان فوق الربعة خفيف اللحية به سمرة، وكان يخضب بالحناء. طلب الحديثَ فصار إمامَ أهل الشام، وكان ثقة مأمونا، فاضلا خيرا، كثير العلم والحديث والفقه، حجة, ذا أدبٍ وورع، وزهدٍ عُرِضَ عليه القضاء وأبى, صاحِبُ مذهبٍ فقهيٍّ مُندثِرٍ، إلَّا أنَّ عِلمَه لم يجمَعْه تلاميذُه في الكتب، على خلافِ ما فعل أتباعُ أبي حنيفة النعمان وغيره، فحافظوا على مذاهِبِ مُعَلِّميهم. وأنشأ مذهبًا مستقلًّا مشهورًا عُمِلَ به مدَّةً عند فقهاءِ أهل الشام والأندلس ثمَّ اندرس، ولكنْ ما زالت له بعض المسائل الفقهيَّة في أمهَّات الكتب، وكان الأوزاعي قد التزم في فتاويه بالتوقف عند النصوص الصحيحة من الكتاب والسنة. سكن بيروت وبها توفِّيَ.
هو محمَّد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة، إمامُ أهلِ الحديثِ بلا مُنازِعٍ، صاحِبُ الصَّحيحِ، الذي أجمعت الأمَّةُ على تلِّقيه بالقَبول، وُلِدَ في بخارى، رحل إلى مكَّةَ وبقي فيها فترةً يتلقى العلمَ، طاف البلادَ للحديث يجمَعُ ويحفَظُ، حتى صار إمامَ الحديث وحافِظَه في عصرِه، إمامًا في الجرحِ والتعديلِ، إمامًا في العِلَل. قال ابنُ خُزيمة: "ما رأيتُ تحت أديمِ السَّماءِ أعلمَ بحديثِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا أحفَظَ له مِن محمد بن إسماعيل البخاري"، وكان فقيهًا. بل منهم من فضَّلَه بالفقهِ على الإمام أحمدَ، وعلى ابنِ راهَوَيه، قال الدارمي: "محمَّدُ بن إسماعيل البخاري أفقَهُنا وأعلَمُنا وأغوَصُنا، وأكثَرُنا طلَبًا"، كان البخاريُّ رحمه الله في غايةِ الحياء والشَّجاعة والسَّخاء والورع والزُّهد في الدنيا دارِ الفناء، والرغبةِ في الآخرة دارِ البقاء، رجع إلى بُخارى فطلبه أميرُها أن يوافيَه ليَسمَعَ أولادَه منه فلم يرضَ، فحقَد عليه ونفاه من بُخارى، فخرج إلى خرتنك قريبة من سمرقند، وفيها توفِّيَ عن عمر 62 سنة، توفِّي ليلة الفطر- رحمه الله تعالى، وجزاه عن الإسلامِ والمسلمينَ خيرًا.
اعتمد الجيشُ الفرنسي وقادتُه استراتيجيةَ الحَربِ الشاملة في تعامُلِهم مع الشعب الجزائري، وكان الهَدَفُ المنشود من وراء هذه الاستراتيجية الإسراعَ في القضاء على تلك المقاوَمةِ المُستَميتة التي أظهرَتْها مختلفُ فئات الشعب وعلى جميعِ الأصعدة للهيمنة الأجنبية، وكانت البدايةُ بمذبحةِ البليدة على عهدِ الجنرال كلوزيل، ثمَّ مذبحة العوفية إلى عهدِ الدوق دي ريفيقو، التي كشفت طبيعةَ الإبادة الجماعية، كأسلوبِ سياسةِ فرنسا في الجزائر. وكان أشهَرُ المذابح مذبحةَ غار الفراشيش على يد العقيد بليسييه، ناهيك عمَّا اقترفه المجرم كافينياك في حق قبائل الشلف، وحيث طبَّق طريقة تشبه القتل عن طريق الاختناق، فكانت مجزرةُ قبائل السبيعة. ولم تنحصر عمليةُ إبادة العنصر البشري على منطقةٍ محَدَّدة في الجزائر، بل أصبحت هوايةُ كُلِّ قائد عسكري فرنسي، أوكلت مهمَّة بسط نفوذ فرنسا ورسالتها الحضارية، ويعترف أحدُ القادة العسكريين الفرنسيين في واحدٍ مِن تقاريره، قائلًا: إنَّنا دمَّرنا تدميرًا كاملًا جميع القرى والأشجار والحقول، والخسائِرُ التي ألحقتها فِرقتنا بأولئك السكان لا تُقَدَّر، إذا تساءل البعضُ: هل كان عمَلُنا خيرًا أو شرًّا ؟ فإني أجيبهم بأنَّ هذه هي الطريقة الوحيدة لإخضاعِ السكَّان وحَملِهم على الرحيلِ!!
أبو عبدِ الرحمنِ مُقبلُ بنُ هادي بنِ مُقبلِ بنِ قايدةَ الوادعيُّ الهَمْدانيُّ، نشأ يتيمًا، ونشأ في بيئة مليئةٍ بالجهل والشركِ، وقد منَّ الله عليه بالهداية، فكان يأمُرُ بالمعروفِ ويَنْهى عن المنكرِ، فأُوذيَ بسبب ذلك كثيرًا، ثم عُنيَ بطلب العلم، وخاصَّةً الحديثَ، حتى برعَ فيه، وأجاد، وكان مشهورًا بحرصه على اتِّباع السُّنة، والرد على أصحاب الأهواء والبِدعِ، مع زهدٍ، وعزوفٍ عن الدنيا، وتواضعٍ، وكرمٍ، وسخاءٍ، ومؤلَّفاتُه تُبيِّن مدى براعته في علم الحديث، ومنها: ((الصحيح المسنَد ممَّا ليس في الصحيحَينِ))، و((الصحيح المسنَد من أسباب النزول))، و((الصحيح المسنَد من دلائل النبوة))، و((غارة الفصل على المعتدين على كتب العلل))، و((أحاديث معلة ظاهرها الصحة))، و((أدلة الجمع بين الصلاتين في السفر))، وغيرها، كان الشيخ قد أُصيبَ بمرضٍ في الكبدِ اضطره للسفرِ للخارج لعمل زراعة للكبدِ، ثم بعد عدة سفراتٍ رجَعَ إلى جُدَّةَ، وبَقيَ في مَشفَى الملك فَيصلٍ بين غيبوبةٍ ويَقظةٍ، حتى كان بعد غروب يوم ليلة الأحد أول جمادى الأولى 1422هـ تُوفيَ، ولم يبلُغِ السبعينَ من عمرِه، ثم غُسِّلَ، وكُفِّنَ، وصُلِّيَ عليه بمكَّة المكرَّمة في المسجد الحرام، ودُفِنَ في مقبرة العدل، رحمه اللهُ تعالى، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيرًا.
عندما اجتاحت القوات الإيطالية طرابلس قبضت على ألوف من أهلها في بيوتهم ونفتهم بدون أدنى مسوِّغ إلى جزر إيطاليا؛ حيث مات أكثرهم من سوء المعاملة. وأباد الإيطاليون في غير ميدان الحرب كل ليبي يزيد عمره على (14) سنة، وأحرقوا يوم 26 تشرين الأول أكتوبر أحياءً خلف بنك روما، وبعد أن ذبحوا كثيرًا من السكان بينهم النساء والشيوخ والأطفال، في اليوم التالي وصف أحد المراسلين ما وقع عليه بصرُه بقوله: (صادفت 50 جنديًّا يقودون ستة من الليبيين إلى خرابة يستعملها الجنود لقضاء الحاجة، ولما أدخلوهم إليها اشترك الضباط والجنود في قتلهم بالمسدسات والبنادق، وما كدت أفِرُّ من هذا المشهد حتى رأيت ما هو أشد هولًا، وهو طائفة من الجنود يسوقون (50) ليبيًّا بين رجال وأطفال، وأدخلوهم إلى مكان قد تهدم، وبدأ الضباط يقتنصون هذا الصيد الكريه بمسدساتهم وبنادق جنودهم مدة عشرين دقيقة. وكلما سَمِعوا أنينًا من جثة أعادوا عليها النار حتى انقطع الأنين!). واستمر الجيش الإيطالي ثلاثة أيام يطلق الرصاص على كل من يلقاه من الليبيين. فهلك عددٌ من النساء والأطفال، وبلغ مجموع القتل خلال ثلاثة أيام أربعةَ آلاف ليبي. ولما كانت (واحة جغبوب) هي مركز السادة السنوسية، فقد حرص الإيطاليون على إبادةِ رجال الدين فيها، ومحو معالم الإسلام. وأصدرت الحكومةُ الإيطالية أمرًا بإقفال جميع الكتاتيب التي تعَلِّم الأطفالَ أمور دينهم، وتحفِّظُهم القرآن الكريم.