الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 3431 ). زمن البحث بالثانية ( 0.011 )

العام الهجري : 878 العام الميلادي : 1473
تفاصيل الحدث:

تعاهدت ثلاثون دولة أوربية وأسيوية ضد العثمانيين سنة 872 في الثاني من شباط/ فبراير (1468م)، وحاولت قوات التحالف ضم مملكة المماليك المصرية السورية إليهم، ولكن دولة المماليك رفضت ذلك؛ لاشتراكهم مع العثمانيين بالدين والمذهب، وعبأت دول التحالف قواها العسكرية، وخاضت ضد العثمانيين معارك فاشلة، ثم تعاهدت على خوض المعركة العمومية الكبرى بحرًا وبرًّا، وبدأت المعارك البحرية ضد العثمانيين في سواحل البحر الأبيض المتوسط انطلاقًا من قبرص، وتحرك أوزون حسن الآق قوينلو التركماني زعيم دولة الخرفان في إيران بجيش يتجاوز عدده الثلاثمائة ألف خيَّال، وغادر خربوط قاصدًا أرزنجان. وترك السلطان محمد الفاتح قوةً كافية لحماية إسلامبول، وترك ابنه الأصغر جَمَّ سلطان نائبًا عنه أثناء غيابه، وتحرك السلطانُ الفاتح من إسلامبول سنة 877 (11/4/ 1473م) ومعه مائة وتسعون ألف مجاهد يتوزعون في خمسة فيالق. وكان الفاتح يقود فيلق المقدمة، ويقود فيلق الميمنة ابنه الأمير بايزيد الثاني، ويقود الفيلق الأيسر ابنه الأمير مصطفى، وترك في المؤخرة فيلقين للالتفاف على العدو، ووصل إلى سيواس، وقصد عدوه المتآمر، فوصل إلى الجنوب من غومش خانة التركية الشرقية في 11/8/ 1473م، وحصلت المعركة التصادمية في سُهُوب بلدة أوطلوق بلي "Otlukbeli" الواقعة شمال شرق مركز محافظة أرزنجان التركية. وتحركت في البلقان قوات الحلفاء التابعة لملك المجر متياس، وإمبراطور ألمانيا فريدرك الثالث، وملك البندقية وتوابعه، وقرر الحلفاء تكرار هزيمة القوات العثمانية مثلما حصل قبل ذلك بإحدى وسبعين سنة في موقعة أنقرة بين السلطان العثماني بايزيد الأول، والطاغية تيمورلنك. ودارت الحرب العالمية بين سلطان المسلمين محمد الفاتح وأعدائه الأوربيين وعملائهم المرتدين الأسيويين، فهجمت أساطيل البندقية وغيرها على المواقع البحرية العثمانية، ولكنها صُدَّت، ولم تحقق انتصارًا يُذكر، وفشلت القوات البرية في البلقان بقيادة الإمبراطور الألماني فريديرك، وملك المجر متياس، وتراجعت أمام هجمات فرسان الرومللي العثمانيين, وبدأت المعركة البرية الكبرى بين قوات السلطان محمد الفاتح، وقوات حسن الطويل التركماني، وانطلقت قذائف المدفعية العثمانية، وبدأ حصاد فرسان العدو، وأوعز الفاتح لفيلقي الاحتياط بالالتفاف على العدو، فشكَّلا فكَّي كمَّاشة، ومنعا عساكر العدو من الفرار، وقَتَلَ الأمير العثماني مصطفى بن الفاتح قائدَ الجناح المعادي زينل ميرزا بن حسن الطويل، وأسر ثلاثة أمراء تيموريين، وهجم الأمير العثماني بايزيد الثاني على سرادق حسن الطويل، فهرب حسن الطويل، من ميدان المعركة، وقال لحليفه القره ماني أحمد بك: "يا قره مان أوغلو خرَّب الله بيت سلالتك، سَبَّبْتَ خزيي وعاري، مالي وبني عثمان؟" وأمر الفاتح بعدم ملاحقة الفارين، ومكث في الميدان مدة ثلاثة أيام يتفقد الجرحى والشهداء، وينظِّم أمور الأسرى، وطلب حسن الطويل الصلح، فأجابه الفاتح، ووقَّعا معاهدة صلح تضمنت اعتراف حسن الطويل بامتلاك العثمانيين لمملكتي طرابزون وقره مان، وأصبح حليفًا للعثمانيين في آسيا هو وأولاده من بعده.

العام الهجري : 73 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 692
تفاصيل الحدث:

هو أميرُ المؤمنين عبدُ اللهِ بنُ الزُّبَير بنِ العوَّام بن خُوَيلد بن أسد بن عبد العُزَّى بن قُصَي بن كلِاب بن مُرَّة: أبو بكر، وأبو خُبَيب القرشيُّ الأَسديُّ المكيُّ، ثم المدنيُّ, أحد الأعلام، كان عبدُ الله أول مولودٍ للمهاجرين بالمدينةِ, وُلِدَ سنة اثنتين، وقيل: السنة الأولى من الهجرة, ولَمَّا بلغ سبع سنين جاء ليبايِعَ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فتبسَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم حين رآه مُقبِلًا، ثم بايَعَه. له رواية أحاديثَ، وهو من صِغار الصَّحابة، وإن كان كبيرًا في العِلمِ والشَّرفِ والجهادِ والعبادةِ، وقد روى عن أبيه وجَدِّه لأمه الصِّدِّيق، وأمِّه أسماءَ، وخالتِه عائشةَ، وعن عُمَر وعُثمان، وغيرِهم، وحدث عنه: أخوه عُروةُ الفقيهُ، وابناه: عامرٌ وعَبَّاد، وابنُ أخيه: محمد بن عروة، وكان فارسَ قُريشٍ في زمانه، وله مواقِفُ مشهودة. أدرك ابنُ الزبير من حياةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانيةَ أعوام وأربعة أشهر, وكان ملازمًا لبيت رسول الله؛ لكونِه من آله، فكان يتردَّدُ إلى بيت خالته عائشةَ, وفي يوم اليرموك أركب الزبيرُ وَلَده عبد الله فرسًا وهو ابن عشر سنين، ووكل به رجلًا، شَهِدَ يوم الجمَلِ مع خالته، كما شهد فتح المغرب، وغزوَ القُسطنطينية. كان معاوية رضي الله عنه في عهدِه إذا لقي ابنَ الزبير يقول: مرحبًا بابنِ عَمَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنِ حواريِّ رسولِ الله، لما توفي يزيدُ بويعُ ابنُ الزبير بالخِلافةِ سنة 64هـ، فحكم الحِجازَ واليمن ومصر والعراق وخراسان، وبعضَ الشام، ولم يستوسق له الأمر، ومن ثم لم يَعُدَّه بعض العلماء في أمراء المؤمنين، وعَدَّ دولتَه زمَنَ فُرقة، فإنَّ مروان غلب على الشامِ ثم مصر، وقام بعد مَصرَعِه ابنُه عبد الملك بن مروان، وحاربَ ابنَ الزُّبير، فلم يزَلْ يحاربه حتى ظَفِر به, فأخذ العراقَ، ثم أرسل الحجَّاجَ إلى مكة وأخذها مِن ابن الزبير بعد أن خذله من كان معه خِذلانًا شديدًا، وجعلوا يتسلَّلون إلى الحَجَّاج، وجعل الحجَّاج يَصيح: أيها الناسُ, علامَ تقتُلون أنفُسَكم? من خرج إلينا فهو آمِنٌ, لكم عهدُ الله وميثاقُه، ورَبِّ هذه البِنيةِ لا أغدِرُ بكم، ولا حاجةَ في دمائكم. قتله الحجَّاجُ ثم صَلَبه، وكان آدم نحيفًا, ليس بالطويلِ, بين عينيه أثرُ السجود, فغسَّلَتْه والدته أسماءُ بنت أبي بكر بعد ما تقَطَّعت أوصاله، فحنَّطَتْه وكفَّنَتْه، وصَلَّت عليه، وجعلت فيه شيئًا حين رأته يتفسَّخُ إذا مسَّتْه, ثم حملته فدفنته بالمدينة في دار صفيةَ أم المؤمنين. قال عروة بن الزبير: لم يكن أحدٌ أحَبَّ إلى عائشة بعد رسول الله من أبي بكرٍ، وبعدَه ابنُ الزبير، وإذا ذُكِرَ ابن الزبير عند ابن عباس، قال: (قارئٌ لكتاب الله, عفيفٌ في الإسلام, أبوه الزُّبَير، وأمُّه أسماء، وجَدُّه أبو بكر، وعَمَّته خديجةُ، وخالته عائشةُ، وجدَّتُه صفية)، وكان عمرُو بن دينار يقول: (ما رأيت مُصليًّا قطُّ أحسَنَ صلاةً من عبد الله بن الزبير، وكان يسمى حمامةَ المسجِدِ).

العام الهجري : 8 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 629
تفاصيل الحدث:

قال خالدُ بنُ الوليدِ: لمَّا أراد الله عزَّ وجلَّ ما أَراد مِنَ الخيرِ قذَف في قلبي الإسلامَ وحضَرني رُشدي, وقلتُ قد شَهِدتُ هذه المواطِنَ كُلَّها على محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم فليس مَوطنٌ أَشهدُه إلَّا أَنصرِفُ وأنا أَرى في نَفْسي أنِّي في غيرِ شيءٍ وأنَّ محمَّدًا سيَظهرُ، فلمَّا خرَج رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم إلى الحُديبيةِ خَرجتُ في خيلِ المشركين فقمتُ بإزائِه في عُسْفانَ وتَعرَّضتُ له، فصلَّى بأصحابِه الظُّهرَ أمامَنا فهَمَمْنا أن نُغِيرَ عليه فلم نُمَكَّنْ منه, فصلَّى بأصحابِه صلاةَ العَصرِ صلاةَ الخَوفِ فوقع ذلك مِنَّا مَوقِعًا، وقلتُ: الرَّجلُ ممنوعٌ. فافْتَرقنا, فلمَّا صالح قُريشًا بالحُديبيةِ, ثمَّ دخَل رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مكَّةَ في عُمرَةِ القَضاءِ طَلبَني فلم يَجِدْني، وكتَب إليَّ كِتابًا فيه: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم أمَّا بعدُ، فإنِّي لم أَرَ أَعجبَ مِن ذِهابِ رَأيكِ عنِ الإسلامِ وعَقلِكَ, ومِثلُ الإسلامِ يَجهلُه أَحدٌ؟. ثمَّ سأل عَنِّي, فقِيلَ: له يأتي الله به. فقال: ما مِثلُه جَهِلَ الإسلامَ, ولو كان يجعل نِكايتَهُ مع المسلمين على المشركين كان خيرًا له، ولَقَدَّمْناهُ على غَيرِه. فلما جاءَني كِتابُه نَشَطْتُ للخُروجِ، وزادني رَغبةً في الإسلامِ، وسَرَّني سُؤالُه عَنِّي, فلمَّا أَجمعتُ الخُروجَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لَقِىيتُ عُثمانَ بنَ طلحةَ فعَرضتُ عليه الإسلامَ فأَسرعَ الإجابةَ، فخرج معي حتى انتهينا إلى الهَدةِ فوَجدْنا عَمرَو بنَ العاصِ بها, فقال: مرحبًا بالقومِ. فقُلنا: وبِكَ. قال: إلى أين مَسيرُكُم؟ قُلنا: الدُّخولُ في الإسلامِ، واتِّباعُ محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم. فقال: وذاك الذي أَقدَمني. فاصْطحَبْنا جميعًا حتَّى دخَلنا المدينةَ, فلَبِسْتُ مِن صالحِ ثِيابي ثمَّ عَمدتُ إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم, وقد أُخبِرَ بِنا فَسُرَّ بقُدومِنا, فما زال يَتَبَسَّمُ حين رآني حتَّى وَقفتُ عليه، فسَلَّمتُ عليه بالنُّبُوَّةِ فرَدَّ عليَّ السَّلامَ بوَجْهٍ طَلْقٍ، فقلتُ: إنِّي أَشهدُ أن لا إلَه إلَّا الله، وأنَّك رسولُ الله. فقال الحمدُ لله الذي هَداك، قد كنتُ أَرى لك عَقلًا رَجَوْتُ أن لا يُسْلِمَكَ إلَّا إلى خيرٍ. قلتُ: يا رسولَ الله قد رأيتَ ما كنتُ أشهدُ مِن تلك المواطنِ عليك، فادعُ الله يَغفِرُها لي. فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: الإسلامُ يَجُبُّ ما كان قَبلَهُ.

العام الهجري : 558 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1163
تفاصيل الحدث:

هو سلطان المغرب الملقب بأمير المؤمنين، عبد المؤمن بن علي بن علوي الكومي، القيسي، المغربي التلمساني. وُلِدَ بأعمال تلمسان، سنة 487, وكان أبوه يصنع الفخار. كان أبيضَ جميلًا، تعلوه حُمرة، أسود الشعر، معتدل القامة، جَهْوري الصوت، فصيحًا جَزلَ المَنطِق، لا يراه أحدٌ إلَّا أحَبَّه بديهةً، وكان في كِبَره شَيخًا وقورًا، أبيض الشعر، كثَّ اللحية، واضِحَ بياض الأسنان، وكان عظيمَ الهامة، طويل القعدة، غليظَ الكف، أشهلَ العين، على خَدِّه الأيمن خالٌ, وكان كامِلَ السُّؤددِ، عاليَ الهمة، خليقًا للإمارة، وكان شديدَ السطوة،  كان في جُودِه بالمال كالسَّيلِ، وفي محبته لحُسنِ الثناء كالعاشق. مجلِسُه مجلس وقار وهيبةٍ، مع طلاقةِ الوجه. انعمرت البلادُ في أيامه، وما لبس قَطُّ إلا الصوفَ طُولَ عُمُرِه. وما كان في مجلسِه حُصرٌ، بل مفروش بالحَصباءِ، وله سجادة من الخوص تحته خاصة. ظهر أمر عبد المؤمن بعد أن التقى بابن تومرت مُدَّعي المهدية والانتساب لآل البيت, وهو في طريق رجعته من المشرق إلى إفريقية، حيث صادفه عبد المؤمن، فحَدَّثه ووانسه، وقال: "إلى أين تسافر؟ قال: أطلبُ العلم. قال: قد وجدتَ طَلِبَتَك. ففَقَّهه وصحبه، وأحبه، وأفضى إليه بأسرارِه لِما رأى فيه من سمات النُّبل، فوجد همَّتَه كما في النفس. قال ابنُ تومرت يوما لخواصِّه: هذا غلَّاب الدُّوَل" قال ابن خَلِّكان: "وجد ابن تومرت عبدَ المؤمن- وهو إذ ذاك غلام- فأكرمه وقدَّمَه على أصحابه، وأفضى إليه بسِرِّه، وانتهى به إلى مراكش، وصاحِبُها يومئذ علي بن يوسف بن تاشفين ملك الملثمين، فأخرجه منها، ثم توجه إلى الجبال وحشد واستمال المصامدة، وبالجملة فإن ابن تومرت لم يملك شيئًا من البلاد، بل عبد المؤمن ملَكَ بعد وفاته بالجيوش التي جهَّزها ابن تومرت والترتيب الذي رتبه، وكان ابن تومرت يتفَرَّس فيه النجابةَ ويُنشِدُ إذا أبصره: تكاملت فيك أوصافٌ خُصِصْتَ بها فكلُّنا بك مسرورٌ ومُغتَبِطُ السنُّ ضاحكةٌ والكَفُّ مانِحةٌ والنفسُ واسعةٌ والوجهُ مُنبَسِطُ" لما توفي ابن تومرت سنة 524، كتم أصحابُه خبر موته، وجعلوا يَخرُجون من البيت، ويقولون: قال المهدي كذا، وأمر بكذا، وبقي عبد المؤمن يُغِيرُ في عسكره على القرى، ويعيشون من النهب، وبعد خمسة أعوام أفصحوا بموت ابن تومرت، وبايعوا عبد المؤمن ولقَّبوه بأمير المؤمنين. وأوَّل ما أخَذَ عبد المؤمن من البلاد وهران، ثم تلمسان، ثم فاس، ثم سلا، ثم سبتة. ثم حاصر مراكش أحد عشر شهرًا، فأخذها في أوائل سنة اثنتين وأربعين. وامتد مُلكُه إلى أقصى المغرب وأدناه، وبلاد إفريقية، وكثير من الأندلس، وسمى نفسه: أمير المؤمنين، وقصدته الشعراء وامتدحوه, ولما قال فيه الفقيه محمد بن أبي العباس التيفاشي هذه القصيدة، وأنشده إياها: ما هَزَّ عطفيه بين البيض والأسل مثل الخليفة عبد المؤمن بن علي فلما أنشده هذا المطلع أشار إليه أن يقتصرَ عليه، وأجازه بألف دينار". لم يزل عبد المؤمن بعد موت ابن تومرت يقوى، ويَظهَر على النواحي، ويدوخ البلاد. استولى على مراكش كرسيِّ مُلك أمير المسلمين علي بن يوسف بن تاشفين. قال سبط ابن الجوزي: "لما استولى عبد المؤمن على مراكش، قطع الدعوةَ لبني العباس ثمَّ قَتَل المُقاتِلة، ولم يتعرَّضْ للرعية، وأحضر أهلَ الذمَّة وقال: "إن المهديَّ أمرني ألَّا أُقِرَّ الناس إلا على ملَّة الإسلام، وأنا مخيِّرُكم بين ثلاث: إما أن تُسلِموا، وإما أن تلحقوا بدار الحرب، وإمَّا القتل. فأسلم طائفةٌ، ولحق بدار الحرب آخرون، وخَرَّبَ الكنائِسَ ورَدَّها مساجِدَ، وأبطل الجزيةَ، وفعل ذلك في جميع مملكته، ثم فرق في الناس بيتَ المال وكَنَسَه، وأمر الناس بالصلاةِ فيه اقتداءً بعلي رضي الله عنه، وليعلم الناسُ أنه لا يُؤثِرُ جمعَ المال, وقال: من ترك الصلاةَ ثلاثةَ أيَّامٍ فاقتلوه. وكان يصلِّي بالناس الصلوات، ويقرأ كل يومٍ سُبعًا، ويلبَسُ الصوفَ، ويصوم الاثنين والخميس، ويقسم الفيء على الوجه الشرعي، فأحبه الناس", ثم تملك بجاية وأعمالها وأما الأندلس فاختلت أحوالها اختلالًا بَيِّنًا أوجب تخاذل المرابطين وميلَهم إلى الراحة، فهانوا على الناس، واجترأ عليهم الفرنجُ، وقام بكل مدينة بالأندلس رئيس منهم فاستبَدَّ بالأمر، وأخرج مَن عنده من المرابطين. وكادت الأندلسُ تعود إلى مثل سيرتها بعد الأربعمائة عند زوال دولة بني أمية, فجهز عبد المؤمن الشيخَ أبا حفص عمر إينتي، فعدى البحر إلى الأندلس، فافتتح الجزيرةَ الخضراء، رندة، ثم افتتح إشبيليَّةَ، وغرناطة، وقرطبة. وسار عبد المؤمن في جيوشه وعبَرَ مِن زقاق سبتة، فنزل جبلَ طارق، وسماه: جبل الفتح. فأقام هناك شهرًا، وابتنى هناك قصرًا عظيمًا ومدينة، فوفد إليه رؤساء الأندلس، ومدحه شعراؤها، فمن ذلك: ما للعدى جنة أوفى من الهَرَبِ أين المفرُّ وخَيلُ الله في الطَّلَبِ فأين يذهبُ مَن في رأس شاهقةٍ وقد رمته سهامُ الله بالشُّهُبِ حدث عن الروم في أقطار أندلس والبحر قد ملأ البرين بالعرب فلما أتم القصيدةَ قال عبد المؤمن: بمثل هذا تُمدَحُ الخلفاء. عبد المؤمن هو خليفة ابن تومرت وعلى طريقته ودعوته، فكان يمتحن الناس في عصمة ابن تومرت ودعواه أنه المهدي. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأصحاب ابن تومرت الذي ادعى أنه المهدي يقولون: إنه معصوم، ويقولون في خطبة الجمعة: الإمام المعصوم والمهدي المعلوم، ويقال: إنهم قتلوا بعض من أنكر أن يكون معصومًا". كما اشتهر عن عبد المؤمن تساهلُه في استباحة دماء خصومه من المسلمين، وسَبْي نسائهم وذراريهم إذا انتصر عليهم. كما فعل في مراكش؛ قال ابن الأثير"فدخلت عساكره بالسيف، وملكوا المدينة عَنوةً، وقتلوا من وجدوا، ووصلوا إلى دار أمير المسلمين، فأخرجوا الأمير إسحاق وجميع من معه من أمراء المرابطين فقُتلوا، وجَعَل إسحاق يرتعد رغبةً في البقاء، ويدعو لعبد المؤمن ويبكي، فقام إليه سير بن الحاج، وكان إلى جانبه مكتوفًا فبزق في وجهه، وقال: تبكي على أبيك وأمِّك؟! اصبر صبْرَ الرجال؛ فهذا رجلٌ لا يخاف اللهَ ولا يدينُ بدين. فقام الموحِّدون إلى ابن الحاج بالخشب فضربوه حتى قتلوه، وكان من الشجعان المعروفين بالشجاعة، وقُدِّمَ إسحاق على صِغَرِ سِنِّه، فضُرِبَت عنقه" وأما في دكالة، فقال ابن الأثير عن عبد المؤمن "فأخذ الملثمين السيف، فدخلوا البحر، فقُتِل أكثرهم، وغُنِمَت إبلهم وأغنامهم وأموالهم، وسُبِيَت نساؤهم وذراريهم، فبيعت الجارية الحسناء بدراهم يسيرة، وعاد عبد المؤمن إلى مراكش منتصرًا، وثبت ملكه، وخافه الناس في جميع المغرب، وأذعنوا له بالطاعة". وغيرهما من بلاد المسلمين في المغرب والأندلس. وفي تلمسان قال ابن الأثير: "وأما العسكر الذي كان على تلمسان، فإنهم قاتلوا أهلها، ونصبوا المجانيق، وأبراج الخشب، وزحفوا بالدبابات، وكان المقدم على أهلها الفقيه عثمان، فدام الحصار نحو سنة، فلما اشتد الأمر على أهل البلد اجتمع جماعة منهم وراسلوا الموحدين أصحاب عبد المؤمن، بغير علم الفقيه عثمان، وأدخلوهم البلد، فلم يشعر أهله إلا والسيف يأخذهم، فقُتِلَ أكثر أهله، وسُبِيت الذرية والحريم، ونُهب من الأموال ما لا يحصى، ومن الجواهر ما لا تحَدُّ قيمتُه، ومَن لم يُقتَلْ بِيعَ بأوكس الأثمان، وكان عِدَّةُ القتلى مائة ألف قتيل، وقيل: إن عبد المؤمن هو الذي حصر تلمسان"  في العشرين من جمادى الآخرة من هذه السنة، توفي عبد المؤمن. كان قد أمر الجيش بالجهاز لجهاد الروم، واستنفر الناس عامة، ثم سار حتى نزل بسلا، فمرض، وجاءه الأجل بها، في السابع والعشرين من جمادى الآخرة، وارتجت المغرب لموته، وكان قد جعل ولي عهده ابنه محمدا، وكان لا يَصلُح لطَيشِه وجُذامٍ به ولِشُربه الخمر، فتملك أيامًا، ثم خلعوه، واتفقوا على تولية أخيه أبي يعقوب يوسف، فبقي في الملك اثنتين وعشرين سنة، وخلف عبد المؤمن ستة عشر ولدًا ذكرًا.   

العام الهجري : 111 العام الميلادي : 729
تفاصيل الحدث:

اسْتَعمَل هِشامُ بن عبدِ الملك الحَجَّاحَ بن عبدِ الله الحَكَمِيَّ على أرمينية، وعَزَل أَخاه مَسلَمَة بن عبدِ الملك، فدَخَل بِلادَ الخَزَر مِن ناحِيَة تفليس وفَتَح مَدينَتَهم البَيْضاءَ وانْصَرَف سالِمًا، فجَمَعَت الخَزَرُ وحَشَدَت وسارَت إلى بِلادِ الإسلامِ.

العام الهجري : 565 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1170
تفاصيل الحدث:

هو قطبُ الدين مودود بن زنكي بن آقسنقر، المعروفُ بالأعرج صاحِبُ الموصل، وقد كان من أحسن الملوك سيرةً، وأعفِّهم عن أموال رعيَّته، مُحسِنًا إليهم، كثيرَ الإنعام عليهم، محبوبًا إلى كبيرهم وصغيرهم، عطوفًا على شريفهم ووضيعهم، كريمَ الأخلاق، حسَنَ الصحبة معهم, سريعَ الانفعال للخير، بطيئًا عن الشَّرِّ، جمَّ المناقب، قليلَ المعايب.  تولى قطب الدين السلطنةَ بالموصل بعد موت أخيه سيف الدين غازي بن زنكي, وكان قطبُ الدين حسنَ السيرة، عادلًا في حكمه. وفي دولته عَظُمَ شأن جمال الدين محمد الوزير الأصبهاني المعروف بالجواد، وكان مدبِّرَ دولته, وصاحب رأيه الأمير زين الدين علي كجك، وكان نِعمَ المدبر والمشير لصلاحِه وخيرِه وحُسنِ مقاصده, ولم يزَلْ قطب الدين على سلطنته ونفاذ كلمتِه بالموصل وما حولها إلى أن توفي في شوال، وقيل في الثاني والعشرين من ذي الحجة. كان مرضُه حمى حادة، ولما اشتد مرضه أوصى بالملك بعده لابنه عماد الدين زنكي، ثم عدل عنه إلى ابنه الأكبر سيف الدين غازي, وكان له ثلاثةُ أولاد: سيف الدين غازي الذي تولى السلطنة بعده، وعز الدين مسعود تولى السلطنة بعد أخيه سيف الدين، وعماد الدين زنكي صاحب سنجار.

العام الهجري : 741 العام الميلادي : 1340
تفاصيل الحدث:

هو الأميرُ الكبيرُ المَهيبُ سَيفُ الدين أبو سعيد تنكز نائِبُ السلطنة بالشام، جُلِبَ إلى مصر وهو حَدَثٌ، فنشأ بها، وكان أبيض يميل إلى السمرة، رشيق القَدِّ، مليح الشَّعر، خفيف اللحية قليل الشَّيب، حَسَن الشَّكلِ، جلبه الخواجا علاء الدين السيواسي، فاشتراه الأمير حسام الدين لاجين، فلما قُتِلَ لاجين في سلطنته صار من خاصكية السلطان الناصر، وشهد معه وقعة وادي الخزندار ثم وقعة شقحب، سمع صحيح البخاري غير مرة من ابن الشحنة، وسمع كتاب الآثار للطحاوي، وصحيح مسلم. تولى نيابةَ السلطان بدمشق في شهر ربيع الآخر سنة 712 وتمكَّن في النيابة, وسار بالعساكِرِ إلى ملطية فافتتحها وعظُمَ شأنُه وهابه الأمراءُ بدمشق ونوَّاب الشام، وأمِنَ الرعايا به ولم يكُنْ أحدٌ من الأمراء ولا من أربابِ الجاه يَقدِرُ يظلِمُ أحدًا ذِمِّيًّا أو غيره خوفًا منه؛ لبطشه وشِدَّة إيقاعه, ثمَّ تغير السلطان الناصر على تنكز, وكان سَبَبُ تغير الحال بينهما- مع أن السلطان متزوج من بنته وأراد كذلك تزويجَ ولديه من بناته- لَمَّا قَتَل تنكز جماعةً من النصارى بسَبَبِ افتعالهم الحريقَ بدمشق، عَنَّف عليه السلطان، وأن في ذلك سببًا لقتل المسلمين في القُسطنطينية، وزاد الأمرَ أنَّه أمَرَه بإحضار الأموال المتحَصَّلة من جرَّاء هذه الحادثة وأن يجهِّزَ بناتِه، فاعتذر تنكز بانشغالِه بعمارةِ ما أكَلَه الحريقُ وأنَّه أنفق تلك الأموالَ في ذلك، وزاد الأمرَ كذلك سعايةُ بعض الحاسدين عليه لدى السلطانِ حتى أمر السلطان بإحضارِه إلى مصر، فخرج جيشٌ من مصر لإحضاره من دمشقَ، وكان تنكز قد عرف بالأمرِ، فخرج وأخرج أموالَه وأهله، فوصلَ إليه الأمراء من القاهرةِ وعَرَّفوه مرسومَ السلطان وأخَذوه وأركبوه إكديشًا- حصانًا غير أصيل يُستخدَم في حمل الآلات والعدَّة- وساروا به إلى نائب صفد، وأمر طشتمر بتنكز فأُنزِلَ عن فرسه على ثوب سرج، وقيده قرمجي مملوكُه، وأخذه الأمير بيبرس السلاح دار، وتوجَّه به إلى الكسوة، فحدث له إسهالٌ ورِعدةٌ خيفَ عليه منه الموتُ، وأقام بها يومًا وليلة، ثم مضى به بيبرس إلى القاهرة, وفي يومِ الثلاثاء سابِعَ المحرم وصل الأمير سيف الدين تنكز نائِبُ الشام وهو متضَعِّفٌ، بصحبة الأمير بيبرس السلاح دار، وأُنزِلَ من القلعة بمكانٍ ضَيقٍ حَرَجٍ، وقَصَد السلطان ضَرْبَه بالمقارعِ، فقام الأميرُ قوصون في الشفاعة له حتى أجيبَ إلى ذلك، وبعث إليه السلطان يُهَدِّدُه حتى يعترف بما له من المالِ، ويَذكُر من كان موافِقًا على العصيان من الأمراء، فأجاب تنكز بأنَّه لا مال له سوى ثلاثين ألف دينار وديعةً عنده لأيتامِ بكتمر الساقي، وأنكر أن يكون خرجَ عن الطاعة، فأمر السلطانُ في الليلِ فأُخرِجَ مع ابن صابر المقَدَّم وأمير جندار، وحُمِلَ في حراقة –سفينة- بالنيل إلى الإسكندرية، فقَتَلَه بها إبراهيم بن صابر المقَدَّم في يوم الثلاثاء خامس عشر ودفنوه بالإسكندرية، وقد جاوز الستينَ، ثم نقل من الإسكندرية بعد ثلاث سنين ونصف أو أكثر، بشفاعةِ ابنتِه زوجة السُّلطانِ الناصر، فأَذِنَ في ذلك وأرادوا أن يُدفَنَ بمدرسته بالقدس الشريف، فلم يُمكِنْ، فجيء به إلى تربته بدمشق وقيل: كانت وفاتُه بقلعة إسكندرية مسمومًا، وتأسَّفَ الناسُ عليه كثيرًا، وطال حُزنُهم عليه، وفي كل وقتٍ يتذكَّرون ما كان منه من الهَيبةِ والصيانةِ والغَيرةِ على حريمِ المسلمينَ ومحارم الإسلام، ومن إقامتِه على ذَوي الحاجاتِ وغَيرِهم؛ يشتَدُّ تأسفهم عليه. ويُذكَرُ أنَّ لتنكز هذا أوقافًا كثيرة، من ذلك مرستان بصفد، وجامع بنابلس وعجلون، وجامع بدمشق، ودار الحديث بالقدس ودمشق، ومدرسة وخانقاه بالقدس، ورباط وسوق موقوف على المسجد الأقصى، وتُتبِّعَت أموال تنكز، فوجِدَ له ما يجِلُّ وَصفُه واشتملت جملةُ ما بيع له على مائتي ألف دينار، فكان جملةُ العين ستمائة ألف دينار وأربعمائة دينار، ومع ذلك كان له أعمالٌ جدية في دمشق فأزال المظالمَ، وأقام منارَ الشَّرعِ، وأمَرَ بالمعروف، ونهى عن المنكر، وأزال ما كان بدمشق وأعمالها من الفواحِشِ والخانات والخَمَّارات، وبالغ في العقوبةِ على ذلك حتى قَتَل فيه، وغيرها من عمارة المدارس والأوقاف والمساجد.

العام الهجري : 49 العام الميلادي : 669
تفاصيل الحدث:

جَهَّزَ مُعاوِيَةُ بن أبي سُفيان جيشًا عظيمًا بَرًّا وبَحْرًا لِغَزْوِ القُسطنطينيَّة، وكان قائدَ الجيشِ سُفيانُ بن عَوفٍ الأزديُّ، وقاد الأُسْطولَ بُسْرُ بن أَرْطاة, وكان في الجيشِ ابنُ عبَّاسٍ، وابنُ عُمَر، وأبو أَيُّوبَ، وابنُ الزُّبيرِ، والحُسينُ بن عَلِيٍّ رضي الله عنهم، انْضَمُّوا إلى هذه الحَملَةِ مُتَمَثِّلينَ أَمامَ أَعيُنِهم قولَ الرَّسولِ: (لَتُفْتَحَنَّ القُسطنطينيَّةُ فَلَنِعْمَ الأميرُ أَميرُها، وَلَنِعْمَ الجيشُ ذلك الجيشُ). آمِلِينَ أن يَتَحَقَّقَ فيهم قولُ الرَّسولِ، فقد ثبَت عن رسولِ الله: (أوَّلُ جيشٍ يَغْزون مَدينةَ قَيْصَر مَغفورٌ لهم). وقام الجيشُ بحِصارِ القُسطنطينيَّة، وجَرَتْ اشْتِباكاتٌ عَديدة بين الطَّرفين خَسِرَ فيها المسلمون الكَثيرَ، وقد جاءَهُم مَدَدٌ مِن الشَّام بقيادةِ يَزيدَ بن مُعاوِيَة ممَّا قَوَّى أَمرَهُم، وتُوفِّي هناك أبو أيُّوبَ ودُفِنَ عند سُورِها؛ ولكن لم يَتِم فتحُها مع شِدَّةِ الحِصارِ وقُوَّتِه؛ وذلك لِمَنَعَةِ المدينةِ، وقُوَّةِ أَسوارِها، ومَكانِها في البَرِّ والبَحرِ، وأُحْرِقَت كثيرٌ مِن سُفُنِ المسلمين.

العام الهجري : 1345 العام الميلادي : 1926
تفاصيل الحدث:

كان السيد محمد بن علي بن أحمد الإدريسي قد أوصى المَلِكَ عبد العزيز بأولاده من بعده، فلما دَبَّ الخلاف بينهم بعد وفاته أرسل الملك عبد العزيز الأميرَ عبد العزيز بن مساعد بن جلوي فأنهى الصراع الذي نشب بينهم، وعَيَّن حسن الإدريسي بدلًا من أخيه علي، وعندما غزت قواتُ إمام اليمن يحيى حميد الدين تهامةَ عسير بقيادة عبد الله الوزير واحتَلَّ موانئ تهامة ومدنها، عين الإمامُ ولاتَه عليها، ثم واصل جيشُ الإمام يحيى تقدُّمَه صَوبَ عسير، وحاصر مدينتي صبيا وجازان، فعرض عليه حسن الإدريسي صُلحًا يقضي بكفِّ قواته عن محاولة الاستيلاء على مدينتي صبيا وجازان، مقابِلَ اعتراف الأدارسة بولائهم للإمام، على أن يمنح الإمامُ الأدارسة نفوذًا محليًّا على تهامة، ولكِنَّ الإمام يحيى رفض العرض، وأصر على مواصلة محاولة الاستيلاء على منطقة عسير؛ مما حمل حسن الإدريسي على توقيع معاهدة حماية مع الملك عبد العزيز، عُرِفَت بمعاهدة مكة التي أصبحت بموجِبِها تهامة عسير تحت الإشراف السعودي أو الحماية السعودية.

العام الهجري : 520 العام الميلادي : 1126
تفاصيل الحدث:

في هذه السنة عَظُم أمر الإسماعيلية بالشام، وقَوِيت شوكتهم، وملكوا بانياس في ذي القعدة منها، وسببُ ذلك أن بهرام بن أخت الأسداباذي، داعيَ الباطنية بحلب والشام، لَمَّا قُتِل خالُه ببغداد هرب إلى الشام، وصار داعيَ الإسماعيلية فيه، وكان يتردد في البلاد، ويدعو أوباش الناس وطغامَهم إلى مذهبه، فاستجاب له منهم من لا عقلَ له، فكثُر جمعه، إلا أنه يُخفي شخصَه فلا يُعرَف، وأقام بحلب مدة، ونفر إلى إيلغازي صاحبها، وأراد إيلغازي أن يعتَضِدَ به لاتقاء الناس شَرَّه وشر أصحابه؛ لأنهم كانوا يقتلون كل من خالفهم، وقصد من يتمسَّك بهم، وأشار إيلغازي على طغتكين، صاحب دمشق، بأن يجعلَه عنده لهذا السبب، فقبل رأيه، وأخذه إليه، فأظهر حينئذ شخصه -بهرام داعية الباطنية الإسماعيلية- وأعلن دعوته، فكثر أتباعُه من كل من يريد الشرَّ والفساد، ووافقه الوزيرُ طاهر بن سعد المزدقاني، وإن لم يكن على عقيدته؛ قصدًا للاعتضاد به على ما يريد، فعَظُم شَرُّه واستفحل أمره، وصار أتباعه أضعافَ ما كانوا، فلولا أن عامة دمشق يغلب عليهم مذهب أهل السنة، وأنهم يشدِّدون عليه فيما ذهب إليه، لَمَلَك البلدَ، ثم إن بهرام رأى من أهل دمشق فظاظةً وغلظةً عليه، فخاف عاديتَهم، قال الذهبي: "كان طغتكين سيفًا مسلولًا على الفرنج، ولكن له خرمة كان قد استفحل البلاءُ بداعي الإسماعيلية بهرام بالشام، وكان يطوف المدائنَ والقلاع متخفيًا، ويُغوي الأغتام والشطَّار، وينقاد له الجهَّال، إلى أن ظهر بدمشق بتقرير قرَّره صاحب ماردين إيلغازي مع طغتكين، فأخذ يُكرِمُه، ويبالِغُ اتقاء لشَرِّه، فتَبِعه الغوغاء والسفهاء والفلاحون، وكثُروا، ووافقه الوزير طاهر المزدقاني، وبث إليه سره، ثم التمس من الملك طغتكين قلعةً يحتمي بها، فأعطاه بانياس سنة 520، فعَظُم الخطب، وتوجَّع أهلُ الخير، وتستَّروا مِن سَبِّهم، وكانوا قد قتلوا عدةً من الكبار، فتصدى لهم تاج الملوك بوري بن طغتكين، فقتل الوزير كمال الدين طاهر بن سعد المزدقاني، ونصب رأسه، وركب جندَه، فوضعوا السيفَ بدمشق في الملاحدة الإسماعيلية، فكبسوا منهم في الحال نحوًا من ستة آلاف نفس في الطرقات، وكانوا قد تظاهروا، وتفاقم أمرهم، وراح في هذه الكائنة الصالحُ بالطالح. وأما بهرام فتمرَّد وعتا وقَتَل شابًّا من أهل وادي التيم اسمه برق، فقام عشيرته، وتحالفوا على أخذ الثأر، فحاربهم بهرام، فكَبَسوه وذبحوه، وسَلَّمَت الملاحِدةُ بانياس للفرنج، وذَلُّوا. وقيل: إن المزدقاني كان قد كاتب الفرنج ليُسَلِّمَ إليهم دمشق، ويعطوه صور، وأن يهجموا البلد يوم جمعة، ووكل الملاحدةَ تغلق أبواب الجامع على الناس، فقتله لهذا تاج الملوك، وقد التقى الفرنجَ وهزمهم، وكانت وقعةً مشهودة. وفي سنة 520 أقبلت جموع الفرنج لأخذ دمشق، ونزلوا بشقحب، فجمع طغتكين التركمانيين وشطار دمشق، والتقاهم في آخر العام، وحَمِيَ القتال، ثم فرَّ طغتكين وفرسانه عجزًا، فعطفت الرجَّالةُ على خيام العدو، وقَتَلوا في الفرنج، وحازوا الأموالَ والغنائم، فوقعت الهزيمةُ على الفرنج، ونزل النصرُ".

العام الهجري : 13 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 634
تفاصيل الحدث:

قام الصِّدِّيقُ أبو بكرٍ رضِي الله عنه بعَقْدِ أربعةِ أَلوِيةٍ لفَتْح بِلادِ الشَّام بعدَ أن فَرَغَ مِن حُروبِ الرِّدَّةِ، وجعَل قِيادَتَها لأبي عُبيدةَ بن الجَرَّاحِ، ووِجْهَتُه حِمْصُ، وعَمرِو بن العاصِ ووِجْهَتُه فِلسطينُ، وشُرَحْبِيلِ بن حَسَنَةَ ووِجْهَتُه الأُرْدُنُّ، ويَزيدَ بن أبي سُفيانَ ووِجْهَتُه دِمشقُ. وقد أَدَّتْ هذه الجُيوشُ دورَها الفعَّالَ في مُقاتلةِ الرُّومِ وانتصروا في مَواقعَ كثيرةٍ، وكان الرُّومُ في جَميعِها أكثرَ عددًا وعُدَّةً.

العام الهجري : 1372 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1953
تفاصيل الحدث:

الشريف عبد الله بن الحسين بن علي بن محمد الحسني الهاشمي، من آل عون أمير شرقيَّ الأردن، ثم ملك المملكة الأردنية الهاشمية. ولد بمكة سنة 1299هـ، وتلقى مبادئ العلوم في الأستانة أيام إقامة أبيه فيها، وعاد مع أبيه إلى الحجاز سنة 1326ه، وسمي نائبًا عن مكة في مجلس النواب العثماني سنة 1327، فكان يقيم بعض شهور السنة في العاصمة العثمانية، وبقيَّتَها في الحجاز. وقام مع والده في الثورة على الترك سنة 1334ه / 1916م فقاد جيشًا حاصر الحامية العثمانية في الطائف، إلى أن استسلمت. وأرسله أبوه نجدةً لأخيه علي بن الحسين في حصاره للمدينة، فأقام مرابطًا في وادي العيص إلى أن انتهت الحرب، وفي عام 1919م انهزم أمام قواتِ الإخوان (إخوان من أطاع الله) في تربة، وفي عام 1921م نصبه الإنجليز ملكًا على شرق الأردن مقابِلَ التوقيع على صك الانتداب، وفي يوم 20 يوليو 1951م كان الملك عبد الله في طريقه إلى المسجد اعترضه "مصطفى شكري عشي خياط" وهو من القُدسِ، وعضو فرقة المقاومة بقيادة فوزي القطب التي كانت تقاتِلُ اليهود, فأطلق على الملك عبد الله النارَ فأرداه قتيلًا على دَرَجاتِ الحَرَمِ القدسي؛ وذلك جراء ما وُصِفَ بأنه تآمر مع بريطانيا على ترك فلسطين لليهود مقابِلَ تمكينه في منطقة بادية الشام شرقيَّ نهر الأردن؛ لإقامة إمارة ثم مملكة له ولأبنائه من بعده. وبعد اغتياله تولى المُلكَ بعده ابنه الأكبر طلال.

العام الهجري : 1 ق هـ الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 622
تفاصيل الحدث:

عن جابرٍ قال: (مكث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بمكَّةَ عشرَ سِنينَ يَتْبَعُ النَّاسَ في منازلِهم بعُكاظٍ ومَجَنَّةَ، وفي المَواسمِ بمِنًى، يقول: مَن يُؤْوِيني؟ مَن يَنصُرني حتَّى أُبَلِّغَ رسالةَ رَبِّي وله الجَنَّةُ. حتَّى إنَّ الرَّجلَ لَيخرُجُ مِنَ اليمنِ أو مِن مُضَرَ، فيأتيه قومُه فيقولون: احْذرْ غُلامَ قُريشٍ لا يَفْتِنُكَ. ويمشي بين رجالِهم وهُم يُشيرون إليه بالأصابعِ حتَّى بعثنا الله إليه مِن يَثْرِبَ فآوَيناهُ وصدَّقناهُ، فيخرُج الرَّجلُ مِنَّا فيُؤمِنُ به ويُقرِئُهُ القُرآنَ فيَنقلِبُ إلى أهلهِ فيُسلِمون بإسلامهِ، حتَّى لمْ يَبْقَ دارٌ مِن دورِ الأنصارِ إلَّا وفيها رَهطٌ مِنَ المسلمين يُظهِرون الإسلامَ، ثمَّ ائْتَمروا جميعًا فقُلنا: حتَّى متى نَترُك رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يُطْرَدُ في جبالِ مكَّةَ ويخافُ. فرحل إليه مِنَّا سبعون رجلًا حتَّى قَدِموا عليه في المَوسمِ فَواعَدناهُ شِعْبَ العَقبةِ، فاجتمَعنا عليه مِن رجلٍ ورَجُلَينِ حتَّى تَوافَينا فقُلنا: يا رسولَ الله، نُبايِعُك. قال: تُبايِعوني على السَّمعِ والطَّاعةِ في النَّشاطِ والكَسلِ، والنَّفقةِ في العُسرِ واليُسرِ، وعلى الأمرِ بالمعروفِ والنَّهيِ عن المُنكرِ، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لَوْمَةَ لائمٍ، وعلى أن تَنصُروني فتَمنَعوني إذا قَدِمتُ عليكم ممَّا تمنَعون منه أنفسَكُم وأَزواجَكُم وأبناءَكُم ولكم الجنَّةُ. قال فقُمنا إليه فبايَعناهُ، وأخذ بيدِهِ أَسعدُ بنُ زُرارةَ وهو مِن أَصغرِهم، فقال: رُويدًا يا أهلَ يَثْرِبَ، فإنَّا لمْ نَضرِبْ أَكبادَ الإبلِ إلَّا ونحن نعلمُ أنَّه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وإنَّ إخراجَهُ اليومَ مُفارقةُ العربِ كافَّةً، وقَتْلُ خِيارِكُم، وأنْ تَعَضَّكُم السُّيوفُ، فإمَّا أنتم قومٌ تَصبِرون على ذلك وأَجرُكم على الله، وإمَّا أنتم قومٌ تخافون مِن أَنفُسِكُم جَبِينَةً فَبَيِّنوا ذلك فهو عُذْرٌ لكم عند الله. قالوا أَمِطْ عنَّا يا أَسعدُ، فَوَالله لا نَدَعُ هذه البَيعةَ أبدًا، ولا نَسْلُبُها أبدًا. قال فقُمنا إليه فبايَعناهُ فأخذ علينا وشَرَطَ ويُعطينا على ذلك الجنَّةَ)

العام الهجري : 85 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 704
تفاصيل الحدث:

أراد عبدُ الملك بن مَرْوان أن يَخْلَع أخاه عبدَ العزيز مِن وِلايَة العَهْد ويُبايِع لابنِه الوَليد بن عبدِ الملك، فنَهاهُ عن ذلك قَبِيصَةُ بن ذُؤَيْب وقال: لا تَفعَل؛ فإنَّك تَبْعَث على نَفْسِك صَوتَ عَارٍ، ولَعَلَّ الموتَ يأتيه فتَسْتَريح منه. فَكَفَّ عنه ونَفْسُه تُنازِعُه إلى خَلْعِه. فدَخَل عليه رَوْحُ بن زِنْباع، وكان أَجَلَّ النَّاس عند عبدِ الملك، فقال: يا أميرَ المؤمنين، لو خَلعتَه ما انْتَطَح فيه عَنْزان، وأنا أوَّلُ مَن يُجيبُك إلى ذلك. قال: نُصْبِح إن شاء الله. ونام رَوْحٌ عند عبدِ الملك، فدَخَل عليهما قَبيصةُ بن ذُؤَيب وهُما نائِمان، وكان عبدُ الملك قد تَقَدَّم إلى حُجَّابِه أن لا يَحْجِبوا قَبيصةَ عنه، وكان إليه الخاتَم والسِّكَّة، تَأتيهِ الأخبارُ والكُتُبُ قبلَ عبدِ الملك، فلمَّا دَخَل سَلَّم عليه، قال: آجَرَك الله في أَخيك عبدِ العزيز. قال: وهل تُوفِّي؟ قال: نعم. فاسْتَرْجَع عبدُ الملك، ثمَّ أقْبَل على رَوْح، فقال: كَفانا الله ما كُنَّا نُريد، وكان ذلك مُخالِفًا لك يا قَبيصة. فقال قَبيصةُ: يا أميرَ المؤمنين، إنَّ الرَّأْي كُلَّه في الأَناةِ، فقال عبدُ الملك: ورُبَّما كان في العَجَلة خَيْرٌ كَثيرٌ، رَأيتَ أَمْرَ عَمرِو بن سَعيد، ألم تكُن العَجَلَةُ فيه خيرًا مِن الأَناةِ؟ وكانت وَفاةُ عبدِ العزيز في جُمادَى الأُولى في مِصْرَ، فضَمَّ عبدُ الملك عَمَلَه إلى ابنه عبدِ الله بن عبدِ الملك ووَلَّاه مِصْرَ. فلمَّا مات عبدُ العزيز قال أهلُ الشَّام: رُدَّ على أَميرِ المؤمنين أَمْرُهُ. فلمَّا أَتَى خَبَرُ مَوْتِه إلى عبدِ الملك أَمَر النَّاسَ بالبَيْعَة لابْنَيْهِ الوَليد وسُليمان، فبايَعوا، وكَتَبَ بالبَيْعَة لهما إلى البُلْدان.

العام الهجري : 572 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1176
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ، قاضي القضاة أبو الفضل كمال الدين محمد بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري، الفقيه الموصلي الشافعي، بقيَّةُ الأعلام. وُلِدَ سنة 491, وكان والدُه أحد علماء زمانه يُلقَّب: بالمرتضى. لَمَّا قُتِلَ عماد الدين زنكي عند قلعةِ جعبر كان كمال الدين حاضرًا في العسكر هو وأخوه تاج الدين أبو طاهر يحيى، فلما رجع العسكَرُ إلى الموصل كانا في صُحبتِه, ولَمَّا تولى سيفُ الدين غازي بن عماد الدين زنكي فوَّضَ الأمورَ كُلَّها إلى القاضي كمال الدين وأخيه بالموصِل وجميع مملكته، ثمَّ إنه قبض عليهما في سنة 542 واعتقَلَهما بقلعة الموصل، ثمَّ إن الخليفة المقتفي شَفَعَ فيه وفي أخيه فأُخرِجا من الاعتقال، وقَعَدا في بيوتهما وعليهما الترسيمُ، ولما مات سيف الدين غازي رُفِعَ الترسيم عنهما، ثم انتقل كمال الدين إلى خدمة نور الدين محمود صاحب الشام في سنة 550 الذي احتفى به وأكرم وِفادتَه، فأقام بدمشق، ثم فوَّضَه نور الدين محمود في صفر سنة 555، نظَرَ الجامِعِ ودارَ الضرب وعمارة الأسوار والنَّظَر في المصالح العامة. واستناب ولَدَه وأولاد أخيه ببلاد الشام، وترقَّى القاضي كمال الدين إلى درجة الوزارة، وحَكَم في بلاد الشام في ذك الوقت، واستناب ولَدَه القاضي محيي الدين في الحُكم بمدينة حلب، ولم يكنْ شَيءٌ من أمور الدولة يخرجُ عنه، حتى الولاية وشد الديوان، ولَمَّا مات نور الدين وملك صلاح الدين دمشقَ أقَرَّه على ما كان عليه. وكان فقيهًا أديبًا شاعرًا كاتبًا ظريفًا فَكِهَ المجالسة، يتكَلَّمُ في الخلاف والأصول كلامًا حسنًا، وكان شهمًا جَسورًا كثير الصدقة والمعروف، وقَّفَ أوقافًا كثيرة بالموصل ونصيبين ودمشق، وكان عظيمَ الرياسة خبيرًا بتدبير المُلك، لم يكُنْ في بيته مثلُه ولا نال أحدٌ منهم ما ناله من المناصِبِ مع كثرة رؤساءِ بَيتِه، توفي القاضي كمال الدين في السادس من المحرم من هذه السنة، وقد كان من خيار القضاة وأخصِّ الناس بنور الدين محمود، ولَمَّا حضرته الوفاةُ أوصى بالقضاء لابنِ أخيه ضياء الدين بن تاج الدين الشهرزوري، مع أنَّه كان يجِدُ عليه؛ لِمَا كان بينه وبينه حين كان صلاحُ الدين سَجَنه بدمشق، وكان يعاكِسُه ويخالِفُه، ومع هذا أمضى وصيَّتَه لابن أخيه، فجلس في مجلسِ القضاءِ على عادةِ عَمِّه وقاعدتِه.