الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1111 ). زمن البحث بالثانية ( 0.007 )

العام الهجري : 1404 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1984
تفاصيل الحدث:

أحمد سيكوتوري هو أحدُ أبرز القادةِ الأفارقةِ المُناضِلينَ، ممَّن أظهر مُعاداتَهُ للاستعمار، وُلِدَ أحمد سيكوتوري في مِنطَقةِ فاراناه، فيما كان يُعرف بمِنطَقة النيجر الأعلى عام 1922م، لعائلةٍ تشتغلُ بالزراعة، وهو ينحدِرُ من قبيلةِ المالنكي التي ظلَّت تُقاوم الاستعمار الفرنسي بشراسةٍ لمدة ستَّةَ عشَرَ عامًا قبل نهايةِ القرن التاسعَ عشَرَ، وكان جدُّهُ أحدَ أشهَرِ زُعَماء هذه القبيلةِ ورجالاتِها الأقوياءِ.
درس أحمد سيكوتوري في باكورةِ عُمُره القُرآنَ الكريمَ، ثم التحَقَ بمدرسةٍ فَنيَّةٍ في كوناكري، وخلال تلك الفترة بدأت رُوح مقاومةِ ومُعارضةِ الاستعمارِ تَسري في عُروقه، وتبلوَرَتْ عمليًّا للمرَّة الأُولى في الإضراب الذي نظَّمه وقادَهُ آنذاك، والذي كان سببًا في فَصلِهِ وطردِهِ من تلك المدرسةِ، ولكن سيكوتوري استكمَلَ دراستَهُ بالمُراسَلةِ.
في عام 1941م تحصَّل على وظيفةٍ في وزارةِ البريدِ، وظلَّ فيها لمدَّةِ سبعِ سنواتٍ، وأسَّس عام 1945م نقابةَ غينيا للعُمَّال، وبعد عام تقريبًا صار أمينًا لاتحادِ نِقاباتِ غينيا، وأوفده هذا الاتِّحادُ هو ومجموعةً من رِفاقِهِ للدراسة في المجال السياسيِّ بفرنسا وبِراغ، ثم صار سيكوتوري عُضوًا في المؤتمر التأسيسي لحزب التجمُّع الإفريقي الديمقراطي.
انتقل عام 1948م للعَمَلِ بوزارة الماليةِ، ولكنَّه لم يمكُثْ بها طويلًا، وطُرد منها بسبب توسُّع وتأثيرِ نشاطاتِهِ، ومَواقِفِهِ السياسيَّة والنقابيَّة، التي أحدثت صَداها الشَّعْبي، وأصبحت تُثير قلقَ وتخوُّفَ المُحتلِّينَ الفَرَنسيِّينَ، انفصَلَ سيكوتوري فيما بعدُ من المؤتمر التأسيسي لحزب التجمُّع الإفريقي الديمقراطي، لخلافه مع أقطابِ المؤتمَرِ الآخرينَ، الذين كانوا يُنادون بالتعاوُنِ والتنسيق مع فرنسا في إدارةِ وتنفيذ مهامِّهم، وأسَّس الحِزْب الديمقراطيَّ الذي حصَرَ نشاطَه في غينيا، وحدَّد له هدفًا واحدًا، وهو تحقيقُ حُرية واستقلال غينيا. تمكَّنَ في انتخاباتِ عام 1955م من الفَوزِ برئاسة بلدية كوناكري رغم مُعارضة الفَرَنْسيِّينَ له، وفي عام 1957م أصبح رئيسًا لمجلِسِ غينيا.
وفي عام 1958م تحصَّلت غينيا على استقلالِها، وأصبح سيكوتوري رئيسًا لها، وتُوُفِّيَ في شهر مارس عام 1984م بإحدى المستشفيات الأمريكية.

العام الهجري : 1413 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1992
تفاصيل الحدث:

وُلد أبو القاسم الخوئي في ليلة النصف من شهر رجبٍ سنةَ 1317هـ الموافق 19/11/1899م، في مدينة خوي من إقليم أذربيجانَ في إيرانَ، ويُنسَب إلى عائلةٍ ذات أُصول عَلَويَّة (موسوية)، نسبة إلى (موسى الكاظم)، قام الخوئي وهو ابن الثالثةَ عَشْرةَ بالهجرة إلى العراق للالتحاق بوالده علي أكبر الموسوي الخوئي الذي كان قد هاجَر قبلَه إلى النجَف، وبدأ الخوئي بدراسة علوم العربية، والمنطق، والأصول، والفقه، والتفسير، والحديث، وقد تتلمذ على يد شخصيات معروفة في الفقه الجعفري، مثل الشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة، والشيخ مهدي المازندراني، والشيخ ضياء الدين العراقي، وبعد نَيْله درجةَ الاجتهاد شغَلَ منبرَ التدريس لمدَّة تمتدُّ إلى أكثرَ من سبعين عامًا، ولذا لُقِّب بـ "أستاذ العلماء والمجتهدين". فقام الخوئي بالتدريس في مدارس النجَف، واختير مرجِعًا أعْلى للطائفة الشيعية بعد وفاة المرجِع الأعْلى محسن الحكيم عام 1969م، ولقد تتلمذ على يديه عددٌ كبيرٌ من علماء الشيعة المنتشرين في المراكز والحوزات العلميَّة الدينيَّة الشيعيَّة في أنحاء العالم، ومنهم علي البهشتي في العراق، وميرزا جواد التبريزي في إيران، ومحمد باقر الصدر في العراق، وقد ألَّف الخوئي عَشَرات الكتب منها: ((أجود التقريرات في أصول الفقه))، و((البيان في علم التفسير))، و((نفحات الإعجاز في علوم القرآن)). و((معجم رجال الحديث))، و((تفصيل طبقات الرواة في علم الرجال))، و((منهاج الصالحين في بيان أحكام الفقه))، وغيرها، وقد آلَت إليه مرجعيَّةُ الطائفة الشيعية في العالـم بعد وفاة السيِّد الحكيم سنة 1390هـ، وتمكَّن من المحافَظة على وجود واستمرار استقلاليَّة الحوزة العلميَّة في النجَف الأشرَف، وكان قد شارَك في دعم الانتفاضة الشعبيَّة التي حدَثَت في العراق سنة 1411هـ، فاعتقلَتْه السُّلْطات الحاكمة بعد إخماد الانتفاضة، ثم أَطْلَقت سراحَه، وكانت وفاتُه في عصر يوم السبت 8 صفر 1413هـ / الثامن من آب 1992م، في مسكنه في الكوفة، ومنعت السُّلْطات الحاكمة العراقية أن يُقام له تشييعٌ عامٌّ، فدُفن ليلًا في مَقْبرته الخاصة في جامع الخضراء في النجَف.

العام الهجري : 1437 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 2016
تفاصيل الحدث:

وُلِدَ حسن عبدالله دفع الله التُّرابي عامَ 1932 في مدينةِ كسلا شرقَ السُّودان، ودرَس الحقوقَ في جامعةِ الخُرطومِ منذُ عامِ 1951 حتى 1955، وحصَلَ على الماجستير مِن جامعةِ أكسفورد البريطانيَّةِ عامَ 1957، وحصَلَ على الدكتوراه من جامعةِ السُّوربون بباريسَ عامَ 1964. وهو يُتقِنُ أربعَ لُغاتٍ: العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، وتقلَّد الترابي بعد عَودتِه من فرنسا أمانةَ "جَبهةِ الميثاقِ الإسلاميةِ" عامَ 1964 والتي بَقِيَت حتى عامِ 1969، حينما قامَ جعفر نميري بانقلابٍ عسكريٍّ وتولَّى زمامَ السُّلطةِ في البلادِ، واعتَقَلَ أعضاءَ الجَبهةِ الإسلاميَّةِ، وأمضى الترابي سبعَ سنواتٍ في السِّجنِ، ثم أُطلِقَ سَراحُه بعد مُصالحةِ الحركةِ الإسلاميَّة السُّودانيَّة مع النميري عامَ 1977. عَمِلَ الترابي أستاذًا في جامعةِ الخرطوم، ثمَّ عُيِّنَ عَميدًا لكليَّةِ الحُقوقِ بها، ثم وزيرًا للعَدلِ في السودان. وفي عام 1988 عُيِّنَ وزيرًا للخارجيَّةِ السُّودانيةِ. كما اختِير رئيسًا للبرلمان في السودانِ عامَ 1996. واختِير أمينًا عامًّا للمؤتمَرِ الوطنيِّ الحاكمِ 1998. وفي مُدَّةِ نفوذِه في التسعينيَّاتِ جمَعَ كلَّ الحَرَكاتِ الإسلاميَّةِ والعربيَّةِ في مؤتمرٍ أسماه "المؤتمَرَ الشَّعبيَّ العربيَّ الإسلاميَّ". وكان الترابي هو مدبِّرَ الانقلابِ العسكريِّ الذي حمَلَ عُمَرَ البَشير إلى السُّلطةِ عامَ 1989م. ثم وقَعَ الخِلافُ بينهما عامَ 1999م حولَ بعضِ القضايا، فأبعدَه الرئيسُ البشيرُ عن السُّلطة، وتحوَّلَ الترابي إلى أبرَزِ خُصومِه، وأسَّس حزبَ المؤتمرِ الشَّعبي المُعارِض، وصار من أكثَرِ المُعارضينَ السُّودانيين شراسةً في مواجهةِ حُكومةِ البشير التي أودَعَتْه السِّجنَ عدَّةَ مَرَّات، لكنَّه في أواخرِ حياتِه استجاب لدعوةِ الحُكومةِ السُّودانية لقوى المُعارضة إلى الحوارِ الوطنيِّ للخروجِ من الأزَماتِ التي تشهَدُها البلادُ. وللترابي اجتهاداتٌ عَقْلانيَّةٌ في الفِكرِ والفقهِ الإسلاميِّ وله عِدَّةُ كُتُبٍ؛ منها: ((التفسيرُ التَّوحيديُّ))، وكتابٌ في أصولِ الفقهِ، وكتُبٌ أخرى في مَجالاتِ الإصلاحِ الإسلاميِّ والسياسةِ. وله العديدُ مِن الرُّؤى الفِقهيَّةِ المُثيرةِ للجَدَلِ. وقد تُوفِّيَ بعد إصابتِه بذَبْحةٍ قلبيَّةٍ في السودان عن عُمرٍ ناهَزَ 84 عامًا.

العام الهجري : 11 العام الميلادي : 632
تفاصيل الحدث:

كان مالِكُ بنُ نُوَيرةَ قد صانَعَ سَجاحَ حينَ قَدِمَت من أرضِ الجزيرةِ، فلمَّا اتَّصَلت بمُسَيلِمةَ الكَذَّابِ، ثمَّ ترحَّلَت إلى بلادِها، نَدِمَ مالِكٌ على ما كان من أمرِه، وتلَوَّم في شأنِه، وهو نازِلٌ بمكانٍ يقالُ له: البِطاحُ في نجد، فقَصَدَها خالدٌ بجُنودِه وتأخَّرت عنه الأنصارُ، وقالوا: إنَّا قد قَضَينا ما أمَرَنا به الصِّدِّيقُ، فقال لهم خالِدٌ: إنَّ هذا أمرٌ لا بدَّ مِن فِعْلِه، وإنَّه لم يأتِني فيها كتابٌ، وأنا الأميرُ وإليَّ تَرِدُ الأخبارُ، ولستُ بالذي أجبُرُكم على المسيرِ، وأنا قاصِدٌ البِطاحَ، فسار يومينِ ثمَّ لَحِقَه رسولُ الأنصارِ يَطلُبون منه الانتِظارَ، فلَحِقوا به، فلمَّا وَصَل البِطاحَ وعليها مالِكُ بنُ نُوَيرةَ، بَثَّ خالِدٌ السَّرايا في البِطاحِ يَدْعونَ النَّاسَ، فاستقبَلَه أمراءُ بني تميمٍ بالسَّمعِ والطَّاعة، وبَذَلوا الزكَواتِ، إلَّا ما كان من مالكِ بنِ نُوَيرةَ؛ فإنَّه متحيِّرٌ في أمرِه، مُتَنَحٍّ عن النَّاسِ، فجاءته السَّرايا فأسَروه وأسَروا معه أصحابَه، واختَلَفت السَّرِيةُ فيهم؛ فشَهِدَ أبو قتادةَ -الحارثُ بنُ ربعيٍّ الأنصاريُّ- أنَّهم أقاموا الصَّلاةَ، وقال آخرون: إنَّهم لم يؤذِّنوا ولا صَلَّوا، فيقالُ: إنَّ الأُسارى باتوا في كُبولِهم في ليلةٍ شديدةِ البردِ، فنادى منادي خالدٍ: أنْ أَدْفِئوا أَسْراكم، فظَنَّ القومُ أنَّه أراد القَتلَ، فقتلوهم، وقَتَل ضرارُ بنُ الأزوَرِ مالِكَ بنَ نُوَيرةَ، فلمَّا سَمِعَ الدَّاعية خرجَ وقد فرَغوا منهم، فقال: إذا أراد اللهُ أمرًا أصابه، ودخل خالِدٌ على أبي بكرٍ فاعتَذَر إليه فعَذَره وتجاوزَ عنه ما كان منه في ذلك، ووَدَى مالِكَ بنَ نُوَيرةَ.

العام الهجري : 11 العام الميلادي : 632
تفاصيل الحدث:

كان مِن خَبَرِ أهلِ البَحرين أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان قد بَعَث العلاءَ بنَ الحَضْرميِّ إلى مَلِكِها؛ المنذِرِ بن ساوى العَبْديِّ، وأسلَمَ على يَدَيه وأقام فيهم الإسلامَ والعَدْلَ، فلمَّا توفِّيَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، توفِّي المنذِرُ بعده بقليلٍ، فلما مات المنذِرُ ارتدَّ أهلُ البحرينِ، وملَّكوا عليهم الغَرورَ، وهو المنذِرُ بنُ النُّعمانِ بنِ المنذِرِ. وقال قائِلُهم: لو كان محمَّدٌ نبيًّا ما مات. ولم يَبْقَ بها بلدةٌ على الثَّباتِ سِوى قريةٍ يقالُ لها جواثا من قرى الأحساء، كانت أوَّلَ قريةٍ أقامت الجُمُعةَ مِن أهلِ الرِّدَّةِ وبعث الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللهُ عنه إليهم العلاءَ بنَ الحَضْرميِّ، فلمَّا دنا من البحرينِ جاء إليه ثمامةُ بنُ أُثالٍ في محفَلٍ كبيرٍ، وجاء كُلُّ أمراءِ تلك النَّواحي فانضافوا إلى جيشِ العلاءِ بنِ الحَضرميِّ ثمَّ لَمَّا اقتَرَب من جيوشِ المرتدَّةِ -وقد حَشَدوا وجمَعوا خَلقًا عظيمًا- نزل ونزلوا، وباتوا متجاورينَ في المنازِلِ، فبينما المسلِمونَ في الليلِ إذ سَمِع العلاءُ أصواتًا عاليةً في جيشِ المرتدِّينَ، فقال: مَن رجُلٌ يكشِفُ لنا خبَرَ هؤلاء؟ فقام عبدُ اللهِ بنُ حذفٍ، فدخَلَ فيهم فوجَدَهم سُكارى لا يَعقِلون؛ مِن الشَّرابِ، فرجع إليه فأخَبَره، فركب العلاءُ مِن فَورِه والجَيشُ معه، فكَبَسوا أولئك فقَتَلوهم قتلًا عظيمًا، وقَلَّ مَن هَرَب منهم، واستولى على جميعِ أموالِهم وحواصِلِهم وأثقالِهم، فكانت غنيمةً عظيمةً جسيمةً، وكَتَب إلى الصِّدِّيقِ فأعلَمَه بذلك.

العام الهجري : 247 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 862
تفاصيل الحدث:

كان مَقتلُ الخليفةِ المتوكِّلِ على الله على يَدِ وَلَدِه المنتَصِر، وكان سببُ ذلك أن المتوكِّلَ أمَرَ ابنَه عبدَ الله المعتَزَّ أن يخطُبَ بالناسِ في يومِ جمعة، فأدَّاها أداءً عظيمًا بليغًا، فبلغ ذلك من المنتَصِر كلَّ مبلغٍ، وحَنقَ على أبيه وأخيه، وزاد ذلك أنَّ المتوكِّلَ أراد من المنتَصِر أن يتنازلَ عن ولايةِ العهد لأخيه المعتَزِّ فرفض، وزاد ذلك أيضًا أنَّه أحضَرَه أبوه وأهانَه وأمَرَ بضَربِه في رأسِه وصَفْعِه، وصَرَّحَ بعَزلِه عن ولايةِ العَهدِ، فاشتَدَّ أيضًا حَنقُه أكثَرَ ممَّا كان، فلمَّا كان يومُ عيدِ الفِطرِ خطَبَ المتوكِّلُ بالنَّاسِ وعنده بعضُ ضَعفٍ مِن عِلَّةٍ به، ثم عدَلَ إلى خيامٍ قد ضُرِبَت له أربعةُ أميالٍ في مثلِها، فنزل هناك ثم استدعى في يومِ ثالثِ شَوَّال بنُدَمائِه على عادتِه في سَمَرِه، ثمَّ تمالأ ولَدُه المنتصِرُ وجماعةٌ مِن الأمراءِ على الفَتكِ به فدخلوا عليه ليلةَ الأربعاءِ لأربعٍ خَلَونَ مِن شَوَّال، وهو على السِّماطِ، فابتدروه بالسُّيوفِ فقَتَلوه، وكانت مدةُ خلافتِه أربعَ عشرةَ سَنةً وعَشرةَ أشهر وثلاثة أيام، ثم ولَّوا بعده ولَدَه المنتَصِر، وبعث إلى أخيه المعتَزِّ فأحضَرَه إليه فبايعه المعتَزُّ، وقد كان المعتَزُّ هو وليَّ العَهدِ مِن بعدِ أبيه، ولكِنَّه أكرَهَه، وخاف فسَلَّمَ وبايعَ، ومِن المعروفِ أنَّ الأتراكَ الذين كان قد قَرَّبَهم الواثقُ وجعَلَهم قوَّادَه الأساسيِّينَ قد حَقَدوا على المتوكِّلِ، فكان ذلك من أسبابِ تَمالُئِهم على قَتلِه، وباغتيالِ المتوكِّلِ يعتبَرُ العصرُ العباسيُّ الأوَّلُ قد انتهى، وهو عصرُ القُوَّة، وبدأ العصرُ الثاني- عصرُ الضَّعفِ والانحدارِ- بالمنتصرِ؛ وذلك لأنَّ الخِلافةَ أصبحت صورةً ظاهريَّةً، والحُكمُ الحقيقيُّ هو للقُوَّاد العسكريِّين.

العام الهجري : 387 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 997
تفاصيل الحدث:

هو فَخرُ الدولة أبو الحَسَنِ عليُّ بن ركن الدولة الحسَن بن بُوَيه أميرُ الرَّيِّ وهمذان. وُلِدَ سنة 341, ولَمَّا توفِّيَ أخوه مؤيد الدولة في شعبان سنة 373ه بجرجان، استولى على مملكتِه، فأقَرَّ الصاحِبَ ابنَ عبَّاد على وزارته، وكان مُبَجَّلًا عند فخر الدولة, ومُعَظَّمًا نافِذَ الأمر، كان فخرُ الدولة شهمًا شُجاعًا، لَقَّبَه الخليفةُ الطائِعُ مَلِكَ الأمة, توفِّيَ بقلعة طبرق, عن سِتٍّ وأربعين سنة، وكان سببُ وفاتِه أنَّه أكل لحمًا مشويًّا، وأكل بعده عِنَبًا، فأخذه المَغصُ، ثم اشتَدَّ مَرَضُه فمات منه، كانت دولتُه أربع عشرة سنة، وترك ألفي ألفِ دينارٍ وثمانمائة ألف دينار، ومن الجواهر ما قيمتُه ثلاثةُ آلافِ ألفٍ، ومن آنية الذَّهَب ما وزنُه ألف ألف، ومن آنية الفِضَّة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف، ومن فاخِرِ الثياب ثلاثة آلاف حِمل. وكانت خزائنُه على ثلاثة آلاف وخمسمائة جملٍ, ومع كُلِّ هذا المُلك لَمَّا مات طلبوا له كفَنًا فلم يجدوه، وتعَذَّر النزولُ إلى البلد؛ لشِدَّةِ شَغبِ الديلم، فاشتروا له مِن قَيِّمِ الجامِعِ ثوبًا كفَّنوه فيه، وزاد شغبُ الجند فلم يُمكِنْهم دفنُه فبَقِيَ حتى أنتَنَ ثمَّ دفنوه. وحين توفِّيَ قام بمُلكِه بعده ولدُه مَجدُ الدولة أبو طالِب رُستم، وعمره أربع سنين، أجلسه الأمراءُ في الملك، وجعلوا أخاه شمسَ الدولة بهمذان وقرميسين إلى حدود العراق. وكان المرجع إلى والدةِ أبي طالب في تدبير الملك، وعن رأيها يَصدُرون، وبين يديها في مباشرة الأعمالِ أبو طاهرٍ صاحِبُ فخر الدولة، وأبو العبَّاس الضبِّي الكافي.

العام الهجري : 488 العام الميلادي : 1095
تفاصيل الحدث:

غَدَرَ شاهملك التُّركيُّ بِيَحيى بنِ تَميمِ بنِ المُعِزِّ بنِ باديس، وقَبَضَ عليه، وكان شاهملك هذا من أَولادِ بَعضِ الأُمراءِ الأَتراكِ ببلادِ الشَّرقِ، فنالَهُ في بَلدِه أَمْرٌ اقتَضى خُروجَه منه، فسار إلى مصر في مائةِ فارسٍ، فأَكرَمَهُ الأَفضلُ أَميرُ الجُيوشِ، وأَعطاهُ إِقطاعًا ومَالًا، ثم بَلَغَهُ عنه أَسبابٌ أَوجبَت إِخراجَه من مصر، فخَرجَ هو وأَصحابُه هارِبينَ، فاحتالوا حتى أَخَذوا سِلاحًا وخَيْلًا وتَوجَّهوا إلى المغربِ، فوَصَلوا إلى طرابلس الغَربِ، وأَهلُ البَلدِ كارِهونَ لِوالِيها، فأَدخَلوهُم البَلدَ، وأَخرَجوا الوالي، وصار شاهملك أَميرَ البلدِ، فسَمِعَ تَميمٌ الخَبرَ، فأَرسلَ العَساكِرَ إليها، فحَصَروها، وضَيَّقوا على التُّركِ ففَتَحوها، ووَصَلَ شاهملك معهم إلى المَهدِيَّةِ، فسُرَّ بهِ تَميمٌ وبمَن معه، فخَرجَ يحيى بنُ تَميمٍ إلى الصَّيْدِ في جَماعةٍ من أَعيانِ أَصحابِه نحوَ مائةٍ فارسٍ، ومعه شاهملك، فغَدَرَ به شاهملك فقَبَضَ عليه، وسار به وبمَن أُخِذَ معه مِن أَصحابِه إلى مَدينةِ سفاقس، وبَلغَ الخَبرُ تَميمًا، فرَكِبَ، وسَيَّرَ العَساكرَ في إثرِهِم، فلم يُدرِكوهُم، ووَصلَ شاهملك بِيَحيى بنِ تَميمٍ إلى سفاقس، ثم إن صاحِبَ سفاقس خاف يحيى على نَفسِه أن يَثُورَ معه الجُنْدُ وأَهلُ البَلدِ ويُمَلِّكوهُ عليهم، فأَرسلَ إلى تَميمٍ كِتابًا يَسألُه في إِنفاذِ الأَتراكِ وأَولادِهم إليه لِيُرسِلَ ابنَه يحيى، ففَعلَ ذلك بعدَ امتِناعٍ، وقَدِمَ يَحيى، فحَجَبَهُ أَبوهُ عنه مُدَّةً، ثم أَعادَهُ إلى حالِه، ورَضِيَ عنه، ثم جَهَّزَ تَميمٌ عَسكرًا إلى سفاقس، ويحيى معهم، فساروا إليها وحَصَروها بَرًّا وبَحرًا، وضَيَّقوا على الأَتراكِ بها، وأَقاموا عليها شَهرَينِ، واستَولُوا عليها، وفارَقَها الأَتراكُ إلى قابس.

العام الهجري : 509 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1115
تفاصيل الحدث:

نزلت العساكِرُ السلطانية أرض شيزر، وجعل أتابك طغتكين دمشق يُرَيِّث الفرنج عن اللقاءِ خوفًا من الفرنج أن يَكسِروا العساكر السلطانية فيأخذوا الشام جميعه، أو ينكسروا فتستولي العساكر السلطانية على ما في يده. وخاف الفرنج وضاقت صدورُ أمراء عسكر السلطان من المصابرة، فرحلوا ونزلوا حصن الأكراد وأشرف على الأخذ، فاتفق أتابك والفرنج على عودِ كلِّ قوم إلى بلادهم، ففعلوا ذلك. وتوجه أتابك إلى دمشق، وعاد عسكر حلب وشمس الخواص إلى حلب، فقبض عليه لؤلؤ الخادم واعتقله، فعادت عساكر السلطان حينئذ عن حصن الأكراد، وأمن الترك وانتشروا في أعمال المعرَّة، واشتغلوا بالشرب والنهب، ووقع التحاسد فيما بينهم، وكان لؤلؤ الخادم يكشف أخبار عساكر المسلمين ويطالع بها الفرنج. ورحل برسق وجامدار صاحب الرحبة نحو دانيث يطلبون حلب، فنزل جامدار في بعض الضياع. ووصل برسق بالعسكر إلى دانيث بكرة الثلاثاء العشرين من شهر ربيع الآخر، والفرنج يعرفون أخبارهم ساعة فساعة، فوصلهم الفرنج، وقصدوا العسكر من ناحية جبل السماق، والعسكر على الحال من الانتشار والتفرُّق والعبث، فلم يكن لهم بالفرنج طاقة؛ فانهزموا من دانيث إلى تل السلطان. واستتر قوم في الضياع من العسكر فنهبهم الفلاحون وأطلقوهم، وغَنِمَ أهل الضياع مما طرحوه وقت هزيمتهم ما يفوت الإحصاء، وأخذ الكفارُ من هذا ما يفوت الوصف، وغنموا من الكراع والسلاح والخيام والدواب وأصناف الآلات والأمتعة ما لا يُحصى، وقُتِل من المسلمين نحو خمسمائة وأُسِرَ نحوها، واجتمع العسكر على تل السلطان، ورحلوا إلى النقرة مخذولين مختلفين.

العام الهجري : 520 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1127
تفاصيل الحدث:

لما وصل السلطان إلى بغداد في العشرين من ذي الحجة، ونزل بباب الشماسية، ودخل بعضُ عسكره إلى بغداد، ونزلوا في دُورِ الناس، شكا الناسُ ذلك إلى السلطان، فأمر بإخراجِهم، وبَقِيَ فيها مَن له دار، وبقي السلطانُ يراسل الخليفة بالعود، ويطلب الصلحَ، وهو يمتنِعُ، وكان يجري بين العسكرين مناوشة، والعامة من الجانب الغربي يسبون السلطانَ أفحش سَبٍّ. ثم إن جماعة من عسكر السلطان دخلوا دار الخلافة، ونهبوا التاج، وحُجَر الخليفة، أول المحرم، وضجَّ أهل بغداد من ذلك، فاجتمعوا ونادوا الغزاة، فأقبلوا من كلِّ ناحية، ولما رآهم الخليفة خرج من السرادق والشمسة على رأسه، والوزير بين يديه، وأمر بضربِ الكوسات والبوقات، ونادى بأعلى صوته: يا آلَ هاشم! وأمر بتقديم السفن، ونَصْب الجسر وعبرَ الناسُ دفعةً واحدة، وكان له في الدار ألفُ رجل مختفين في السراديب، فظهروا، وعسكرُ السلطانِ مُشتَغِلون بالنهب، فأسر منهم جماعة من الأمراء، ثم عبر الخليفةُ إلى الجانب الشرقي، ومعه ثلاثون ألف مقاتل من أهل بغداد والسواد، وأمر بحفر الخنادق، فحُفِرت بالليل، وحفظوا بغداد من عسكر السلطان، ووقع الغلاءُ عند العسكر، واشتدَّ الأمر عليهم، وكان القتالُ كلَّ يوم عليهم عند أبواب البلدِ وعلى شاطئ دجلة، وعزم عسكر الخليفة على أن يكبِسوا عسكر السلطان، فغدر بهم الأميرُ أبو الهيجاء الكردي، صاحب إربل، وخرج كأنَّه يريد القتال، فالتحق هو وعسكرُه بالسلطان. وقَدِمَ عماد الدين زنكي بقواتٍ ضخمة نجدةً للسلطان فأجاب المسترشد بالله للصُّلحِ.

العام الهجري : 527 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1133
تفاصيل الحدث:

حصر المسترشد بالله مدينة الموصل في العشرين من شهر رمضان، وسبب ذلك ما تقدم من قصد الشهيد زنكي بغداد، ثم قصد جماعة من الأمراء السلجوقية باب المسترشد بالله، وصاروا معه فقَوِي بهم، واشتغل السلاطين السلجوقية بالخُلف الواقع بينهم، فأرسل الخليفة الشيخ بهاء الدين أبا الفتوح الأسفراييني الواعظ إلى عماد الدين زنكي برسالة فيها خشونة، فقبض عليه عماد الدين زنكي وأهانه ولقيه بما يكره، فأرسل المسترشد بالله إلى السلطان مسعود يعرِّفه الحال الذي جرى من زنكي ويُعلِمه أنه على قصد الموصل وحَصْرها، وتمادت الأيام إلى شعبان، فسار عن بغداد في النصف منه في ثلاثين ألف مقاتل، فلما قارب الموصل فارقها أتابك زنكي في بعض عسكره وترك الباقي بها مع نائبه نصير الدين جقر دزدارها والحاكم في دولته، وأمرهم بحفظها، ونازلها الخليفة وقاتلها وضَيَّق على من بها، وأما عماد الدين فإنه سار إلى سنجار، وكان يركب كل ليلة ويقطع الميرة عن العسكر ومتى ظفر بأحد من العسكر أخذه ونكل به، وضاقت الأمور بالعسكر أيضًا وتواطأ جماعة من الجصاصين بالموصل على تسليم البلد، فسُعي بهم فأُخذوا وصُلبوا، وبقي الحصار على الموصل نحو ثلاثة أشهر ولم يظفر منها بشيء ولا بلغه عمن بها وهن ولا قلة ميرة وقوت، فرحل عنها عائدًا إلى بغداد، فقيل: إن نصرًا الخادم وصل إليه من عسكر السلطان وأبلغه عن السلطان مسعود ما أوجب مسيره وعوده إلى بغداد، وقيل: بل بلغه أن السلطان مسعودًا عزم على قصد العراق، فعاد بالجملة، وأنه رحل عنها منحدرًا في شبارة في دجلة فوصل إلى بغداد يوم عرفة.

العام الهجري : 528 العام الميلادي : 1133
تفاصيل الحدث:

استولى عماد الدين زنكي على جميع قلاع الأكراد الحميدية، منها قلاع العقر، وقلعة شوش، وغيرهما، وكان لما ملك الموصل أقرَّ صاحبها الأمير عيسى الحميدي على ولايتها وأعمالها، ولم يعترِضْه على شيء مما هو بيده، فلما حصر المسترشد بالله الموصل حضر عيسى هذا عنده، وجمع الأكراد عنده فأكثر، فلما رحل المسترشد بالله عن الموصل أمر زنكي أن تُحصَر قلاعهم، فحُصرت مدة طويلة وقُوتلت قتالًا شديدًا إلى أن مُلِكت هذه السنة، فاطمأنَّ إذًا أهل سواد الموصل المجاورون لهؤلاء القوم؛ فإنهم كانوا معهم في ضائقة كبيرة من نهب أموالهم وخراب البلاد، كما ملك قلاع الهكارية وكواشي، وحُكِي عن بعض العلماء من الأكراد ممن له معرفة بأحوالهم أن أتابك زنكي لما ملك قلاع الحميدية وأجلاهم عنها خاف أبو الهيجاء بن عبد الله صاحب قلعة أشب والجزيرة ونوشي، فأرسل إلى أتابك زنكي من استحلفه له، وحمل إليه مالًا، وحضر عند زنكي بالموصل فبقي مدة ثم مات، فدُفِن بتل توبة. ولَمَّا سار عن أشب إلى الموصل أخرج ولده أحمد بن أبي الهيجاء منها؛ خوفًا أن يتغلب عليها، وأعطاه قلعةَ نوشى، وأحمد هذا هو والد علي ابن أحمد المعروف بالمشطوب، من أكابر أمراء صلاح الدين بن أيوب بالشام، ولما أخرجه أبوه من أشب استناب بها كرديًّا يقال له باو الأرجي، فلما مات أبو الهيجاء سار ولده أحمد من نوشى إلى أشب ليملِكَها، فمنعه باو وأراد حفظها لولد صغير لأبي الهيجاء اسمه علي، فسار زنكي بعسكره فنزل على أشب وملكها.

العام الهجري : 564 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1169
تفاصيل الحدث:

هو الملك المنصور أبو الحارث أسد الدين شيركوه بن شاذي بن مروان عم صلاح الدين, وأصلُه من الأكراد الروادية، وهذا النَّسلُ هم أشرف الأكراد. كان شاوِر وزيرَ العاضد العُبيدي, فقدم إلى الشام يستنجِدُ بنور الدين سنة 559 على خَصِمه ضرغام. فسير معه جماعة من عسكره، وجعل مُقَدَّمَهم أسدَ الدين شيركوه، وقَدِموا مصر، وغدر بهم شاوِر ولم يفِ بما وعدهم به، فعادوا إلى دمشق، ثم عاد شيركوه إلى مصر في شهر ربيع الأول سنة 562، وكان توجهه إليها رغبةً في مِلكِها, فجَرَت عدة وقائع مع شاور. توجَّه خلالها صلاح الدين إلى الإسكندرية وحَكَمها، ثمَّ جرى صلحٌ بين شيركوه وبين المصريين، وسَيَّروا له صلاح الدين، وعاد إلى الشام، ولَمَّا وصل الفرنج إلى بلبيس وملكوها وقتلوا أهلها سنة 564، سيَّروا إلى أسد الدين وطلبوه ومنَّوه ودخلوا في مرضاته لأن يُنجِدَهم، فمضى إليهم وطرَدَ الفرنج عنهم. وكان وصولُه إلى مصر في شهر ربيع الأول، وعزم شاوِر على قتله وقتلِ الأمراء الكبار الذين معه، فبادروه وقتَلوه, فتولى أسدُ الدين الوزارة يوم الأربعاء سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة 564، ولما ثبتت قدَمُه بمصر، وظنَّ أنه لم يبقَ له مُنازِع، أتاه أجَلُه فجأةً، فتوفي يوم السبت الثاني والعشرين من جمادى الآخرة، بالقاهرة، ودُفِنَ بها، ثم نقل إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد مدة بوصية منه، وكانت ولايتُه شهرين وخمسة أيام، وتولى مكانَه صلاح الدين, ولم يُخَلِّف ولدًا سوى ناصر الدين محمد بن شيركوه الملقب بالملك القاهر.

العام الهجري : 574 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1179
تفاصيل الحدث:

هو الأميرُ شِهابُ الدين، أبو الفوارِسِ سَعدُ بن محمد بن سعد بن صيفي التميمي الأديب الفقيه الشافعي، المعروف بالحيص بيص, ومعنى الحيص بيص: الشِّدَّةُ والاختلاطُ, قيل: إنَّه رأى الناسَ في شدَّة وحركةٍ، فقال: ما للنَّاسِ في حيصَ بَيصَ؟ فلزِمَه ذلك. وكان من فضلاءِ العالَم. كان قد سمع الحديثَ، ومدح الخلفاءَ والسلاطين والأكابر، وشِعرُه مشهورٌ، وله (ديوان) وترَسُّل. كان فصيحًا حسَن الشعر, بليغًا وافِرَ الأدَبِ، عظيمَ المنزلةِ في الدولتين العباسيَّة والسلجوقية. كان بديعَ المعاني، مليحَ الرسائِلِ، ذا خبرةٍ تامةٍ باللغة والبلاغة والأدب، وله يدٌ في المناظرة, وكان يناظِرُ على رأي الجمهور. كان لا يخاطِبُ أحدًا إلا بالكلام العربي. تفقَّه في مذهب الشافعي بالريِّ، وتكلَّم في مسائل الخلاف. ذكره ابن السمعاني في «ذيله» فقال: "له باعٌ في اللغة، وحِفظٌ كثيرٌ للشعرِ، وكان إمامًا في الرأي، حَسَن العقيدة". قال عبد الباقي بن زريق الحلبي الزاهد: "رأيتُه واجتمعتُ به، فكان صدرًا في كل علم، عظيمَ النفس، حسَنَ الشارة، يركَبُ الخيل العربية الأصيلة، ويتقلَّدُ بسيفين، ويحمِلُ حلقة الرمح، ويأخذ نفسَه بمآخِذِ الأمراء، ويتبادى في لفظِه، ويعقِدُ القاف, وكان أفصَحَ مَن رأيت". قال ابن كثير: "لم يكُنْ له في المراسلات بديلٌ، كان يتقعَّرُ فيها ويتفاصح جدًّا، فلا تواتيه إلا وهي مُعجرفة، وكان يزعم أنه من بني تميم، فسُئِل أبوه عن ذلك فقال ما سمعتُه إلَّا منه". توفي يوم الثلاثاء خامس شهر شعبان من هذه السنة، وله ثنتان وثمانون سنة، وصلِّي عليه بالنظامية، ودُفن بباب التبن، ولم يُعْقِب.

العام الهجري : 590 العام الميلادي : 1193
تفاصيل الحدث:

كان شهابُ الدين الغوري، ملك غزنة، قد جهَّز مملوكَه قطب الدين أيبك، وسيَّرَه إلى بلد الهند للغزو، فدخلها فقَتَل فيها وسبى وغَنِم وعاد، فلما سَمِعَ به ملك بنارس، وهو أكبَرُ ملك في الهند، ولايتُه من حد الصين إلى بلاد ملاوا طولًا، ومن البحر إلى مسيرة عشرة أيام من لهاوور عرضًا، وهو مَلِكٌ عظيم، فعندها جمع جيوشَه وحشرها، وسار يطلُبُ بلاد الإسلام، ودخلت سنة تسعين فسار شهاب الدين الغوري من غزنة بعساكِرِه نحوه، فالتقى العسكرانِ على ماجون، وهو نهرٌ كبير يقارب دجلة بالموصل، وكان مع الهندي سبعمائة فيل، ومن العسكر على ما قيل ألف ألف رجلٍ، ومن جملةِ عسكره عدة أمراء مسلمين، كانوا في تلك البلادِ أبًا عن جَدٍّ، من أيام السلطان محمود بن سبكتكين، يلازمون شريعة الإسلام، ويواظِبونَ على الصلوات وأفعال الخير، فلما التقى المسلمونَ والهنود اقتتلوا، فصبر الكُفَّارُ لكثرتهم، وصبر المسلمون لشجاعتهم، فانهزم الكُفَّار، ونُصِرَ المسلمون، وكَثُرَ القتل في الهنود، حتى امتلأت الأرضُ وجافت، وكانوا لا يأخذون إلَّا الصبيانَ والجواري، وأمَّا الرجال فيُقتَلون، وأخَذ منهم تسعين فيلًا، وباقي الفيلةِ قُتِلَ بَعضُها، وانهزم بعضها، وقُتِلَ ملك الهند، ولم يَعرِفْه أحد إلَّا أنه كانت أسنانُه قد ضعفت أصولها، فأمسكوها بشريطِ الذَّهَبِ، فبذلك عرفوه، فلما انهزم الهنودُ دخل شهاب الدين بلاد بنارس، وحَمَل من خزائنها على ألف وأربع مائة جمل، وعاد إلى غزنة ومعه الفِيَلة التي أخذها من جُملِتها فيلٌ أبيضُ.