الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1037 ). زمن البحث بالثانية ( 0.011 )

العام الهجري : 203 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 819
تفاصيل الحدث:



كان سبَبُ ذلك أنَّ إبراهيمَ قَبَضَ على عيسى بن محمد بن أبي خالد وحبسَه، وأخذ عِدَّةً من قوَّاده وأهلَه، فحبَسَهم ونجا بعضُهم، وفيمن نجا أخو عيسى العباس بن محمد، ومشى بعضُ أهله إلى بعض، وحرَّضوا الناسَ على إبراهيم، وكان أشَدَّهم العباسُ بن محمد، وكان هو رأسَهم، فاجتمعوا وطردوا عاملَ إبراهيمَ على الجسر، والكرخ وغيره، وظهر الفُسَّاق والشُّطَّار، وكتب العباسُ إلى حميد بن عبد الحميد يسألُه أن يَقدَمَ عليهم حتى يُسَلِّموا إليه بغداد، فقَدِمَ عليهم، وسار حتى أتى نهر صرصر فنزل عنده. وخرج إليه العباسُ وقوَّادُ أهل بغداد، فلَقُوه، ووعدهم أن يصنعَ لهم العطاءَ يوم السبت في الياسرية على أن يدْعوَا للمأمونِ بالخلافة يوم الجمعة، ويخلعوا إبراهيمَ، فأجابوه إلى ذلك. ولَمَّا بلغ إبراهيمَ الخبَرُ أخرج عيسى ومن معه من إخوتِه من الحبسِ، وسأله أن يرجِعَ إلى منزله، ويكفيَه أمرَ هذا الجانب، فأبى عليه. ثم بعد ذلك رضِيَ فخَلَّى سبيله، وأخذ منه كُفَلاء، وكلَّم عيسى الجندَ، ووعدَهم أن يعطيَهم مثلَ ما أعطاهم حميدُ بن عبد الحميد، فأبوا ذلك، وشَتَموه وأصحابه، وقالوا: لا نريدُ إبراهيم، فقاتلهم ساعةً، ثم ألقى نفسَه في وسطهم، حتى أخذوه شِبهَ الأسيرِ، فأخذه بعضُ قُوَّاده، فأتى به منزِلَه، ورجع الباقونَ إلى إبراهيم، فأخبروه الخبَرَ، فاغتمَّ لذلك. ثم اختفى إبراهيمُ بنُ المهدي؛ وكان سببُ ذلك أنَّ أصحابَ إبراهيم وقوَّادَه تسلَّلوا إلى حميد بن عبد الحميد فصار عامَّتُهم عنده، وأخذوا له المدائِنَ. فلما رأى إبراهيمُ فعلهم أخرج جميعَ مَن بقيَ عنده حتى يقاتلوا فالتَقَوا على جسر نهر ديالى، فاقتتلوا فهَزمَهم حميدٌ وتَبِعَهم أصحابه، حتى دخلوا بغداد، وذلك نهايةَ ذي القعدة. فلما كان الأضحى اختفى الفَضلُ بن الربيع، ثم تحوَّلَ إلى حميد بن عبد الحميد، وجعل الهاشميُّون والقوَّاد يأتون حميدًا واحدًا بعد واحدٍ، فلمَّا رأى ذلك إبراهيمُ سُقِطَ في يديه، وشقَّ عليه، اختفى ليلة الأربعاء لثلاث عشرة بقيت من ذي الحجة. وكانت أيامُ إبراهيم سنة وأحد عشر شهرًا واثني عشر يومًا.

العام الهجري : 365 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 976
تفاصيل الحدث:

هو المُعِزُّ لدين الله أبو تميمٍ مُعدُّ بن المنصور بالله إسماعيل بن القائم بأمر الله أبي القاسم محمد بن المهدي أبي محمد عبيد الله، العُبَيديُّ المهدويُّ صاحِبُ المغرب. بُنِيَت له القاهرة, وكان وليَّ عَهدِ أبيه. ولي سنة 341، وسار في نواحي إفريقيَّةَ يمَهِّدُ مُلكَه، فذَلَّل الخارجين عليه، واستعمل مماليكَه على المدُنِ، واستخدم الجُندَ، وأنفق الأموالَ، وجهَّز مملوكَه جوهرًا القائِدَ في الجيوشِ. فسار فافتتح سجلماسة، وسار إلى أن وصل البحرَ الأعظمَ، فلمَّا مات كافور بَعَث المعِزُّ جَيشَه لِمِصر بقيادةِ جَوهر, فأخذها له ثمَّ انتقل لها المعِزُّ ودخلها سنة 362. قال الذهبي: " كان المعِزُّ عاقِلًا لبيبًا حازمًا، ذا أدبٍ وعِلمٍ ومعرفةٍ وجَلالةٍ وكَرَمٍ، يرجِعُ في الجملةِ إلى عَدلٍ وإنصافٍ، ولولا بِدعتُه ورَفضُه، لكان من خيارِ المُلوكِ ". كان موتُه سابع عشر من شهر ربيع الآخر، وكان سبب موته الحُمَّى؛ لشدَّة ما وجد من كلامٍ على مُلكِه ومملكتِه، واتَّصَل مرضُه حتى مات، وكانت ولايتُه ثلاثًا وعشرين سنة وخمسة أشهر وعشرة أيام، منها مُقامُه بمصر سنتان وتسعة أشهر، والباقي بإفريقيَّة، وهو أوَّلُ حُكَّام العُبَيديِّين مَلَك مصر، وخرج إليها، وكان مُغرمًا بالنجوم، ويعمل بأقوالِ المنجِّمينَ، قال له منجِّمُه: إنَّ عليه قطعًا في وقتِ كذا، وأشار عليه بعمَلِ سردابٍ يختفي فيه إلى أن يجوزَ ذلك الوقت، ففعل ما أمَرَه وأحضر قوَّادَه، فقال لهم: إنَّ بيني وبين الله عهدًا أنا ماضٍ إليه، وقد استخلفتُ عليكم ابني نزارًا، يعني العزيز، فاسَمَعوا له وأطيعوا، ونزَل السردابَ، فغاب سنةً ثم ظهر، وبقِيَ مدَّةً، ومرِضَ وتوفِّيَ، فستَرَ ابنُه العزيز موتَه إلى عيد النَّحرِ مِن السنة، فصلى بالنَّاسِ وخَطَبَهم، ودعا لنفسِه، وعزَّى بأبيه، ولَمَّا استقَرَّ العزيزُ في الملك أطاعه العسكرُ، فاجتمعوا عليه، وكان هو يدبِّرُ الأمورَ منذ مات أبوه إلى أن أظهَرَه، ثم سيَّرَ إلى الغرب دنانيرَ عليها اسمُه، فُرِّقَت في النَّاسِ.

العام الهجري : 575 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1180
تفاصيل الحدث:

هو الخليفةُ، أبو محمد الحَسَن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر أحمد بن المقتدي الهاشمي، العباسي المستضيء بأمر الله. ولِدَ سنة 536, وأمه أرمنية، اسمها غضة. بويع بالخلافة يوم موت أبيه، في ربيع الآخر، سنة 566، وقام بأمر البيعة عضد الدين أبو الفرج بن رئيس الرؤساء، فاستوزره يومئذ, وكان المستضيءُ ذا حِلمٍ وأناة ورأفةٍ وبِرٍّ وصدقات. قال ابن الجوزي: "لَمَّا بويع نُودي برفع المكوس، وردِّ المظالم، وأظهَرَ مِن العدل والكرم ما لم نَرَه من أعمارنا، وفَرَّق مالًا عظيمًا على الهاشميين, والعلويين والعُلماء والأربطة، وكان دائِمَ البذل للمال ليس له عنده وقْعٌ، وخلَعَ على أرباب الدولة والقضاة والجند وجماعة من العلماء", وفي خلافته زالت دولة العُبَيديين بمصر، وخُطِبَ له بها، وجاء الخبر، فغُلِّقَت الأسواق للمسرة، وعُمِلَت القباب، وصَنَّف ابن الجوزي (النصر على مصر) وخُطِبَ للمستضيء باليمن، وبرقة، وتوزر، وبلاد الترك، ودانت له الملوك، وكان يطلُبُ ابن الجوزي، ويأمرُه أن يعِظَ بحيث يَسمَع، ويميل إلى مذهب الحنابلة، وضَعُفَ بدولته الرفضُ ببغداد ومصر وظهرت السنة، وحصَل الأمن. وفي ثاني ذي القعدة توفي المستضيء بأمر الله، وكانت خلافتُه نحو تسع سنين وسبعة أشهر، فلما مات شَرَع ظهيرُ الدين ابن العطار في أخذِ البيعة لولده الناصر لدين الله، أمير المؤمنين، فلمَّا تمت البيعة صار الحاكم في الدولة أستاذ الدار مجد الدين أبو الفضل بن الصاحب، وسُيِّرَت الرسلُ إلى الآفاق لأخْذِ البيعة، فسَيَّرَ صدر الدين شيخ الشيوخ إلى البهلوان، صاحب همذان وأصفهان والري وغيرها، فامتنع من البيعة، فراجعه صدر الدين، وأغلظ له في القول، فاضطرَّ إلى المبايعة والخطبة، وأرسل إلى رضي الدين القزويني مدرس النظامية إلى الموصل لأخذ البيعة، فبايع صاحِبها، وخطب للخليفة الناصر لدين الله أمير المؤمنين.

العام الهجري : 604 العام الميلادي : 1207
تفاصيل الحدث:

عبر علاء الدين محمد خوارزم شاه نهر جيحون لقتال الخطا، وسبب ذلك أن الخطا كانوا قد طالت أيامهم ببلاد تركستان، وما وراء النهر، وثقُلت وطأتُهم على أهلها، ولهم في كل مدينة نائب يجبي إليهم الأموال، فاتفق أن سلطان سمرقند وبخارى، أنف وضجر من تحكُّم الكفار على المسلمين، فراسل خوارزم شاه يقول له: إن اللهَّ عزَّ وجلَّ قد أوجب عليك بما أعطاك مِن سَعة الملك وكثرة الجنود أن تستنقِذَ المسلمين وبلادهم من أيدي الكفار، فسيَّرَ إليه صاحبُ سمرقند وجوه أهل بخار وسمرقند، بعد أن حلفوا صاحبهم على الوفاء بما تضمنه، وضمنوا عنه الصدق والثبات على ما بذل، وجعلوا عند خوارزم رهائن، فشرع في إصلاح أمر خراسان، وتقرير قواعدها، وجمع عساكره جميعها، وسار إلى خوارزم، وتجهَّزَ منها، وعبر جيحون، واجتمع بسلطان سمرقند، ولَمَّا سمع الخطا به حشدوا وجمعوا وجاؤوا إليه، فجرى بينهم وقعات كثيرة ومغاورات، فتارة له وتارة عليه، ثم دخل خوارزم شاه نيسابور، وأصلح أمرها، وجعل فيها نائبًا، وسار إلى هراة، فنزل عليها مع عسكره الذين يحاصرونه، وزحف إليه بعسكره، فلم يكن فيه حيلة، فاتفقَ جماعة من أهل هراة وقالوا: هلك الناسُ من الجوع والقلة، وقد تعطلت علينا معايشنا، وقد مضى سنة وشهر، وكان الوزير يعِدُ بتسليم البلد إلى خوارزم شاه إذا وصل إليه، وقد حضر خوارزم شاه ولم يسَلِّم، ويجب أن نحتال في تسليم البلد والخلاص من هذه الشدة التي نحن فيها، فانتهى ذلك إلى الوزير، فبعث إليهم جماعة من عسكره، وأمرهم بالقبضِ عليهم، فمضى الجند إليهم، فثارت فتنة في البلد عظُمَ خَطبُها، فاحتاج الوزير إلى تداركها بنفسه، فمضى لذلك، فكتب من البلد إلى خوارزم شاه بالخبر، وزحف إلى البلد وأهله مختلطون، فخربوا برجين من السور، ودخلوا البلد فملكوه، وقبضوا على الوزير، فقتله خوارزم شاه، وملَكَ البلد، وذلك سنة 605، وأصلح حاله، وسلمه إلى خاله أمير ملك، وهو من أعيان أمرائه، فلم يزل بيده حتى هلك خوارزم شاه.

العام الهجري : 760 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1359
تفاصيل الحدث:

كانت قريةٌ بحوران- وهي خاص لنائب الشام وهم حلبية يمن، ويقال لهم بنو لبسة وبنو ناشي- وهي حصينة منيعة يضوي إليها كلُّ مُفسدٍ وقاطع ومارق، ولجأ إليهم أحَدُ شياطين رويمن العشير، وهو عمر المعروف بالدنيط، فأعدوا عددًا كثيرة ونهبوا ليغنَموا العشير، وفي هذا الحين بدَرَهم والي الولاة المعروف بشنكل منكل، فجاء إليهم ليرُدَّهم ويهديهم، وطلب الوالي منهم تسليمَ عمر الدنيط، فأبوا عليه وراموا مقاتلَتَه، وهم جمع كثير وجَمٌّ غفير، فتأخَّرَ عنهم وكتب إلى نائب السلطنة ليمُدَّه بجيشٍ عونًا له عليهم وعلى أمثالهم، فجهَّزَ له جماعة من أمراء الطبلخانات والعشراوات ومائة من جند الحلقة الرماة، فلمَّا بغَتَهم في بلدهم تجمَّعوا لقتال العسكر ورموه بالحجارة والمقاليع، وحَجَزوا بينهم وبين البلد، فعند ذلك رمَتْهم الأتراك بالنبال من كل جانب، فقتلوا منهم فوق المائة، فَفَرُّوا على أعقابهم، وأَسَر منهم والي الولاة نحوًا من ستين رجلًا، وأمر بقطع رؤوس القتلى وتعليقها في أعناق هؤلاء الأَسرى، ونُهِبَت بيوت الفلَّاحين كلهم، وسُلِّمَت إلى مماليك نائب السلطنة، لم يفقَدْ منها ما يساوي ثلاثمائة درهم، وكرَّ راجِعًا إلى بصرى وشيوخ العشيرات معه، فأخبر ابن الأمير صلاح الدين ابن خاص ترك، وكان من جملةِ أمراء الطبلخانات الذين قاتلوهم بمبسوط ما يخصُّه، وأنه كان إذا أعيا بعض تلك الأسرى من الجرحى أمر المشاعلي بذبحِه وتعليق رأسِه على بقية الأسرى، وفعل هذا بهم غيرَ مَرَّة حتى إنه قطع رأس شاب منهم وعَلَّقَ رأسه على أبيه، شيخٍ كبير، حتى قَدِمَ بهم بصرى، فشنكل طائفة من أولئك المأسورين، وشنكل آخرين، وقتل الآخرين وحبس بعضهم في القلعة، وعلَّق الرؤوسَ على أخشابٍ نَصَبها حول قلعة بصرى، فحصل بذلك تنكيلٌ شديد لم يقع مثلُه في هذا الأوان بأهل حوران، وهذا كلُّه سُلِّطَ عليهم بما كسَبَت أيديهم، وما ربُّك بظَلَّامٍ للعبيدِ!

العام الهجري : 1045 العام الميلادي : 1635
تفاصيل الحدث:

هو السلطان الوليد بن زيدان بن أحمد المنصور الذهبي ملك السعديين في المغرب الأقصى لما قُتل أخوه السلطان عبد الملك بن زيدان سنة 1044 بويع أخوه الوليد بن زيدان فلم يزل مقتصرًا على ما كان لأخيه وأبيه من قبله لم يجاوز سلطانه مراكش وأعمالها، وعظمت الفتن بفاس حتى عُطِّلت الجمعة والتراويح من جامع القرويين مدة ولم يصَلِّ به ليلةَ القدر إلا رجل واحد من شدة الهول والحروب التي كانت بين أهل المدينة؛ فقد اقتسم المغرب أيام أولاد زيدان طوائف، فكان حاله كحال الأندلس أيام ملوك الطوائف. كان الوليد بن زيدان متظاهرًا بالديانة لين الجانب حتى رضيته الخاصة والعامة، وكان مولَعًا بالسماع لا ينفكُّ عنه ليلًا ولا نهارًا إلا أنه كان يقتل الأشراف من إخوته وبني عمه حتى أفنى أكثرهم، وكان مع ذلك محبًّا للعلماء مائلًا إليهم بكليته متواضعًا لهم, وأما وفاته فسببها أن جنده من العلوج طالبوه بمرتبهم وأُعْطياتهم على العادة وقالوا له أعطنا ما نأكل، فقال لهم على طريق التهكم: كلوا قشر النارنج بالمسرة، فغضبوا لذلك وكمن له أربعة منهم فقتلوه غدرًا يوم الخميس الرابع عشر من رمضان من هذه السنة. قيل: "لما ولي الوليد قتل أخاه إسماعيل واثنين من أولاد أخيه عبد الملك، وسبعة من بني عمه، ولم يترك إلا أخاه الشيخ بن زيدان استصغارًا له إذ كان سنه يومئذ إحدى عشرة سنة، وكانت أمه تخاف عليه من الوليد، فكانت تحرسه منه حراسة شديدة، وأمرت نساء القصر بحراسته من أخيه الوليد" ثم إن رؤساء الدولة سئموا ملكته فاتفقوا مع نساء القصر على قتلِه وكان الوليد عازمًا على قتل أخيه الشيخ، فكان من قدر الله أنَّ العلوج قد عزموا على قتله، فكمنوا له في حجرة كان محبوسًا فيها الشيخ، فلما دخل الوليد إلى الحجرة التي فيها الشيخ فوجئ بالأعلاج كامنين له هناك، فلما رآهم فزع وقال ما لكم فرموه بالرصاص، ثم تناولوه بالخناجر حتى فاضت روحه. لما توفي الوليد قام أخوه محمد خلفًا له.

العام الهجري : 1243 العام الميلادي : 1827
تفاصيل الحدث:

طلبت إنكلترا من الدولة العثمانية في الثامن من رجب عام 1242هـ أن تتوسَّطَ الدول الأوربية النصرانية بين الدولةِ العثمانية وبين ما يتبَعُها، فرفضت الدولةُ العثمانية ذلك؛ لأنَّ هذا تدخلٌ صريح في شؤونها الداخلية، فكان هذا الرَّفضُ حُجَّةً تذرعت به لإعلان الحربِ مَرَّةً أخرى بعد أن ضَعُفت الدولة سياسيًّا، فاتفقت روسيا وفرنسا وإنكلترا في الحادي عشر من ذي الحجة على إجبارِ الدولة العثمانية لإعطاء اليونان استقلالَها على أن تدفَعَ جِزيةً سنوية يتَّفِق عليها الطرفان، وأعطِيَ الخليفة شهرًا لإيقاف الأعمالِ ضِدَّ اليونان، وإذا عجز عن ذلك أو رفَضَ فإنَّ الدُّولَ النصرانيَّةَ تتَّخِذُ ما تراه مناسبًا، ولم يعمَلِ الخليفة أيَّ عمَلٍ، وبعد شهر أمرت الدولُ الثلاث روسيا وفرنسا وإنكلترا أساطيلَها بالتوجه إلى سواحل اليونان وطلَبَت من إبراهيم باشا التوقُّفَ عن القتال، فكان جوابه أنه يتلقَّى أوامِرَه من الخليفة أو من أبيه، ومع ذلك توقف عشرين يومًا عن القتال ريثما تَصِلُ إليه التعليمات، واجتمعت أساطيلُ الدول الأوربية في ميناءِ نافارين (خليج نافارين فيلوس شرقي بيلوبونز جنوب اليونان الحالية) ودمَّرَت الأسطولَ العثماني وأكثَرَ الأسطول المصري، وقُتِلَ ما يزيد على ثلاثين ألف جنديٍّ مصري، واحتج الخليفة فلم ينفَعْه احتجاجُه، فأعلن أن َّالقتالَ دينيٌّ لا سياسي في منشورٍ أصدره للمواطنين، ودعاهم فيه للدفاع عن عقيدتِهم، وخَصَّ بذلك روسيا التي تأثَّرَت من ذلك، وأعلنت الحربَ على الدولة العثمانية في شوال من هذا العامِ، وأمر محمد علي ابنَه بالانسحابِ، وكانت القوات الفرنسية تحلُّ محَلَّ المنسحبين، ثمَّ عَقَدت الدول الثلاث مؤتمرًا في لندن ودُعِيَت إليه الدولة العثمانية فرفضت الحضورَ، فقَرَّر المؤتمر إعلانَ استقلال اليونان وحُكْمها من قِبَلِ حاكم نصراني تنتخِبُه هذه الدول ويكون تحت حمايتها وتدفَعُ جِزيةً سنوية للدولة العثمانية مقدارها خمسمائة ألف قرش، ولكِنَّ الدولة العثمانية رفضت هذه القرارات التي تتعلَّقُ بالدولة ورعاياها، ولا يحِقُّ لأحدٍ التدخُّلُ وإصدار القرارات بشأنها، وانصرفت إلى قتال الروس الذين أعلنوا الحَربَ.

العام الهجري : 1349 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1931
تفاصيل الحدث:

وقعت هذه المعركة في يناير 1931م بعد ما أمضى الإيطاليون ستة أشهر وهم يعدُّون جيشًا قويًّا من أجل الزحف على مناطق الكفرة جنوب شرق ليبيا. وبعد إتمام تجهيز هذه القوة عَمَد قائدها إلى إطلاقها من عدةِ أماكن؛ فقد انطلقت القوة الرئيسية من أجدابيا شرق ليبيا في 20 ديسمبر 1930م عبر أوجلة جنوب بنغازي، والقوة الثانية انطلقت من زلة عبر تازربو، وانطلقت قوة ثالثة مسانِدة من الوادي الكبير، بلغ إجمالي هذه القوات الزاحفة صوب الكفرة أكثَرَ من أربعة آلاف جندي، وكانت قافلة الإبل وحدها تضم 5517 رأسًا من الجمال عدا السيارات والآليات. وكانت أولى المعارك في هذه الحملة معركةُ الهواري التي جرت يوم 19 يناير 1931م، حيث تصَدَّى فيها المجاهِدون لقوات تفوقهم عددًا وعُدة. وأمر غراتسياني باستخدام الطيران على أوسع نطاق ممكن، ورغم ذلك استطاع المجاهِدون أن يكبِّدوا الطليان خسائِرَ فادحة. ولَمَّا لم يكن في مقدورهم التصدي لمثل هذه القوة تحوَّلوا إلى واحة الهويويري وواصلوا قتالهم ضِدَّ القوات الإيطالية. وكان بمقدور المجاهدين التصدِّي للقوة الإيطالية لولا نيران الطائرات المعادية التي كانت تُغيرُ عليهم بمعدَّل تسع هجمات بطائرات من نوع "رو" في اليوم الواحد. وتعترف المصادر الإيطالية بأن المجاهدين لم يكونوا ليتزحزحوا لولا تدخُّل الطيران الإيطالي. وما إن سيطرت القوات الإيطالية على مناطِقِ الوسط والجنوب والغرب -إضافة للوجود الإيطالي في مناطق بنغازي وما حولها- حتى بدأت بالاستعداد العسكري لاحتلال منطقة الكفرة. وتمثِّلُ السيطرةُ على هذه الواحات أهميةً خاصة في الاستراتيجية الحربية الاستعمارية الإيطالية حينذاك، خاصةً بعد تحوُّل القسم الباقي من المجاهدين عَقِبَ احتلال منطقة الخليج والمناطق الصحراوية المجاورة، واتخاذهم واحة تازربو قاعدةً لبعض تحركاتهم، ومهاجمة المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال. كما تعتبر واحةُ الكفرة مركزًا اقتصاديًّا مهمًّا؛ حيث كانت تمرُّ بها القوافِلُ من زلة وتازربو، مرورًا بواحات الكفرة ثم إلى منطقة الجغبوب قبل احتلالها ثم إلى سيوه.

العام الهجري : 444 العام الميلادي : 1052
تفاصيل الحدث:

في هذه السَّنَةِ دَخلتْ العَربُ إلى إفريقية, وسببُ ذلك أنَّ المُعِزَّ بن باديس كان خَطَبَ للقائم بأَمرِ الله الخليفة العبَّاسي، وقَطَع خُطبةَ المُستَنصِر العُبيدي الفاطمي صاحب مصر، فلمَّا فعل ذلك كَتَب إليه المُستَنصِر العَلويُّ يَتَهدَّدهُ، فأَغلظَ المُعِزُّ في الجوابِ، ثم شَرعَ المُستَنصِرُ ووَزيرهُ الحسنُ بن عَليٍّ اليازوري في إرسالِ العَربِ إلى أفريقية، وأصلحوا بني زُغْبَة ورِياحٍ، وكان بينهم حُروبٌ وحُقودٌ، وأعطوهم مالًا، وأَمروهُم بِقَصدِ بِلادِ القَيروان، ومَلَّكوهُم كُلَّ ما يَفتحونَه، ووَعَدوهُم بالمَدَدِ والعُدَدِ. فدَخلتْ العربُ إلى إفريقية، وكَتَب اليازوري إلى المُعِزِّ وكان حاقدا عليه: "أمَّا بعدُ، فقد أرسلنا إليكم خُيولًا فُحولًا، وحَملنا عليها رِجالًا كُهولًا، ليقضي الله أمرًا كان مَفعولًا". فاحلوا فلمَّا حَلُّوا أرضَ بَرْقَة وما والاها ووجدوا بِلادًا كَثيرةَ المَرْعَى خالِيَة مِن الأَهلِ، فأَقامَت العَربُ بها واستَوطَنَتها، وعاثوا في أَطرافِ البِلادِ, وبَلَغ ذلك المُعِزَّ فاحتَقَرهُم, وكانت عَربُ زُغبَة قد مَلكَت مَدينةَ طرابلس سنة 446هـ، فتَتابَعَت رِياحٌ والأثبجُ وبنو عَدِيٍّ إلى إفريقية، وقَطَعوا السَّبيلَ وعاثوا في الأرضِ، وأرادوا الوصولَ إلى القَيروان، فقال مُؤْنِسُ بن يحيى المِرداسيُّ: "ليس المُبادرَة عندي بِرَأيٍ. فقالوا: كيف تُحِبُّ أن تَصنعَ؟ قال: خُذوا شيئًا فشَيئًا حتى لا يَبقَى إلَّا القَيروان، فخُذوها حينئذٍ. فقالوا: أنت المُقَدَّمُ علينا، ولَسْنَا نَقطعُ أَمرًا دُونك". ثم قَدِم أُمراءُ العَربِ إلى المُعِزِّ فأَكرَمَهم وبَذَل لهم شيئًا كَثيرًا، فلمَّا خَرجوا مِن عِندِه لم يُجازُوهُ بما فَعلَ مِن الإحسانِ، بل شَنُّوا الغاراتِ، وقَطَعوا الطَّريقَ، وأَفسَدوا الزُّروعَ، وقَطَّعوا الثِّمارَ، وحاصَروا المُدُنَ، فضاق بالنَّاسِ الأَمرُ، وساءَت أَحوالُهم، وانقَطعَت أَسفارُهم، ونَزلَ بإفريقية بَلاءٌ لم يَنزِل بها مِثلُه قط، فحينئذٍ احتَفلَ المُعِزُّ وجَمعَ عَساكرَه، فكانوا ثلاثين ألف فارس، ومِثلَها رَجَّالَة، وسار حتى أَتَى جَنْدِران، وهو جَبَلٌ بينه وبين القَيروان ثلاثةُ أيَّامٍ، وكانت عُدَّةُ العَربِ ثَلاثةُ آلافِ فارس، فلمَّا رَأَتْ العَربُ عساكِر صنهاجة والعَبيدَ مع المُعِزِّ هالَهُم ذلك، وعَظُمَ عليهم، فقال لهم مُؤْنِسُ بن يحيى: ما هذا يوم فِرارٍ. والتَحَم القِتالُ واشتَدَّتْ الحَربُ، فاتَّفقَت صِنهاجَة على الهزيمةِ وتَرْكِ المُعِزِّ مع العَبيدِ حتى يَرَى فِعلَهم، ويُقتَل أَكثرُهم، فعند ذلك يَرجِعون على العَربِ، فانهَزمتْ صِنهاجَة وثَبَتَ العَبيدُ مع المُعِزِّ، فكَثُرَ القَتلُ فيهم، فقُتِلَ منهم خَلْقٌ كَثيرٌ، وأرادت صِنهاجة الرُّجوعَ على العَربِ فلم يُمكِنهُم ذلك، واستَمرَّت الهَزيمةُ، وقُتِلَ مِن صِنهاجة أُمَّةٌ عَظيمَة، ودَخلَ المُعِزُّ القَيروانَ مَهزومًا، على كَثرَةِ مَن معه، وأَخذتْ العَربُ الخَيْلَ والخِيامَ وما فيها مِن مالٍ وغَيرِه. ولمَّا كان يومُ النَّحْرِ من هذه السَّنَةِ جَمعَ المُعِزُّ سَبعةً وعِشرينَ ألف فارس، وسار إلى العَربِ جَرِيدَةً -الجريدة خَيْلٌ لا رَجَّالة فيها- وسَبَقَ خَبرُه، وهَجَم عليهم وهُم في صَلاةِ العِيد، فرَكِبَت العَربُ خُيولَهم وحَملَت، فانهَزَمت صِنهاجة، فقُتِلَ منهم عالَمٌ كَثيرٌ. ثم جَمعَ المُعِزُّ وخَرجَ بِنَفسِه في صِنهاجة وزِناتَة في جَمعٍ كَثيرٍ، فلمَّا أَشرفَ على بُيوتِ العَربِ، انتَشَب القِتالُ، واشتَعَلت نِيرانُ الحَربِ، وكانت العَربُ سَبعةَ آلافِ فارس، فانهَزَمت صِنهاجة، وزِناتَة، وثَبَتَ المُعِزُّ فيمَن معه من عَبيدِه ثَباتًا عَظيمًا لم يُسمَع بمِثلِه، ثم انهَزَم وعاد إلى المَنصوريَّة. وأحصي مَن قُتِلَ مِن صنهاجة ذلك اليوم، فكانوا ثلاثةَ آلاف وثلاثمائة. ثم أَقبلَت العَربُ حتى نَزلَت بمُصَلَّى القَيروان، ووَقعَت الحَربُ، فقُتِلَ مِن المَنصوريَّة ورقادة خَلْقٌ كَثيٌر، فلمَّا رأى ذلك المُعِزُّ أَباحَهم دُخولَ القَيروان لِمَا يحتاجون إليه مِن بَيعٍ وشِراءٍ، فلمَّا دخلوا استَطالَت عليهم العامَّةُ، ووَقعَت بينهم حَربٌ كان سَببُها فِتنةً بين إنسانٍ عَربيٍّ وآخرَ عامِيٍّ، وكانت الغَلَبةُ للعَربِ. وفي سنة 444هـ بُنِيَ سورُ زويلة والقَيروان، وفي سنة 446هـ حاصرت العَربُ القَيروانَ، ومَلَكَ مُؤنِسُ بن يحيى مدينةَ باجَة، وأَشارَ المُعِزُّ على الرَّعِيَّة بالانتقالِ إلى المَهديَّة لِعَجزِه عن حمايتهم من العَربِ. وشَرعَت العَربُ في هَدمِ الحُصونِ والقُصورِ، وقَطَّعوا الثِّمارَ، وخَرَّبوا الأَنهارَ، وأَقامَ المُعِزُّ والناسُ يَنتَقِلون إلى المَهديَّة إلى سَنةِ تِسعٍ وأربعين، فعندها انتَقلَ المُعِزُّ إلى المَهديَّة في شعبان، فتَلقَّاهُ ابنُه تَميمٌ، ومَشَى بين يَديهِ، وكان أَبوهُ قد وَلَّاهُ المَهديَّة سَنةَ خَمسٍ وأربعين، وفي رمضان من سَنةِ تِسعٍ وأربعين نَهبَت العَربُ القَيروانَ, وهكذا تَتابَعت هَزائمُ المُعِزِّ وعَسكرِه على يَدِ العَربِ بِدَعمٍ مِن المُستَنصِر العُبيدي حاكم مصر.

العام الهجري : 583 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1187
تفاصيل الحدث:

لَمَّا أتت صلاحُ الدين البِشارةَ بهزيمة الإسبتارية والدواية، وقَتْل مَن قُتِل منهم، وأسْر مَن أُسِرَ في صفوريَّة، عاد عن الكرك إلى العسكَرِ الذي مع وَلَدِه الملك الأفضل، فنزل بالأقحوانةِ بقرب طبرية، وتقَدَّم صلاح الدين حتى قارب الفرنجَ، فلم يَرَ الفرنج من يمنَعُهم من القتال، ونزل جريدةً إلى طبرية وقاتلَهم، ونقَّبَ بعض أبراجها، وأخذَ المدينة عَنوةً في ليلة، ولجأ من بها إلى القلعةِ التي لها، فامتنعوا بها، وفيها صاحبتُها، فنهَبَ المدينةَ وأحرَقَها، فقَوِيَ عَزمُ الروم على التقَدُّم إلى المسلمين وقتالِهم، فرحلوا من مُعسكَرِهم الذي لَزِموه، وقَرُبوا من عساكِرِ الإسلام، فلما سمع صلاح الدين بذلك عاد عن طبريَّةَ إلى عسكره، وكان قريبًا منه، وإنما كان قَصدُه بمحاصرةِ طبريَّةَ أن يفارِقَ الفرنج مكانَهم للتمكُّنِ مِن قتالهم، وكان المسلمونَ قد نزلوا على الماء، والزَّمانُ قَيظٌ شديدُ الحر، فوجد الفرنجُ العَطشَ، ولم يتمكنوا من الوصولِ إلى ذلك الماء من المسلمين، وكانوا قد أفنَوا ما هناك من ماءِ الصهاريج ولم يتمكَّنوا من الرجوع خوفًا مِن المسلمين، فبَقُوا على حالهم إلى الغد، وهو يوم السبت، وقد أخذ العطشُ منهم، وأصبح صلاحُ الدين والمسلمونَ يوم السبت لخمسٍ بَقِينَ مِن ربيع الآخر، فرَكِبوا وتقَدَّموا إلى الفرنج، فركب الفرنجُ، ودنا بعضُهم من بعضٍ إلَّا أن الفرنجَ قد اشتَدَّ بهم العَطَشُ وانخَذَلوا، فاقتتلوا، واشتَدَّ القتال، وصبر الفريقان، ورمى المسلمونَ مِن النشاب ما كان كالجراد المنتَشِر، فقَتَلوا من خيول الفرنج كثيرًا. والفرنج قد جمعوا نفوسَهم براجِلِهم وهم يقاتلون سائرينَ نحو طبرية، لعَلَّهم يردون الماء. فلما عَلِمَ صلاح الدين مَقصِدَهم صَدَّهم عن مرادِهم، وكان بعضُ المتطَوِّعة من المسلمين قد ألقى في تلك الأرض نارًا، وكان الحشيش كثيرًا فاحترق، وكانت الريحُ على الفِرنجِ، فحَمَلت حَرَّ النار والدُّخان إليهم، فاجتمع عليهم العَطَشُ وحَرُّ الزمانِ وحَرُّ النار، والدُّخانُ، وحَرُّ القتال، فلما انهزم القُمُّص-كبير القساوسة- سُقِطَ في أيديهم وكادوا يستسلِمونَ، ثمَّ عَلِموا أنَّهم لا ينجِّيهم من الموتِ إلَّا الإقدام عليه، فحملوا حملاتٍ مُتداركة كادوا يزيلونَ بها المسلمينَ، على كثرتِهم، عن مواقِفِهم، لولا لُطفُ الله بهم، إلَّا أن الفرنجَ لا يَحمِلونَ حملةً فيَرجِعونَ إلَّا وقد قُتِلَ منهم، فوهنوا لذلك وهنًا عظيمًا، فأحاط بهم المسلمون إحاطةَ الدائرة بقُطرِها، فارتفع من بَقِيَ مِن الفرنج إلى تلٍّ بناحية حطين، وأرادوا أن ينصِبوا خيامَهم، ويجمُّوا نفوسَهم به، فاشتد القتالُ عليهم من سائر الجهات، ومنعوهم عمَّا أرادوا، ولم يتمَكَّنوا من نصب خيمةٍ غيرَ خيمةِ مَلِكِهم، وأخذ المسلمونَ صَليبَهم الأعظمَ الذي يسمُّونَه صليبَ الصلبوت، ويذكرون أنَّ فيه قطعة من الخَشَبة التي صُلِبَ عليها المسيحُ عليه السَّلامُ- بزَعمِهم- فكان أخذُه عندهم من أعظَمِ المصائب عليهم، وأيقنوا بعده بالقَتلِ والهلاك، هذا والقَتلُ والأسرُ يَعمَلانِ في فرسانهم ورجالتِهم، فبَقِيَ الملك على التلِّ في مقدار مائة وخمسين فارسًا من الفُرسان المشهورين والشُّجعان المذكورين، وكان سبَبُ سقوط الفرنج لَمَّا حملوا تلك الحملات ازدادوا عطشًا، وقد كانوا يرجون الخلاص في بعض تلك الحَمَلاتِ مِمَّا هم فيه، فلما لم يجِدوا إلى الخلاصِ طريقًا، نزلوا عن دوابِّهم وجلسوا على الأرض، فصَعِدَ المسلمون إليهم، فألقوا خيمةَ الملك، وأسرُوهم عن بَكرةِ أبيهم، وفيهم الملِكُ وأخوه والبرنس أرناط، صاحِبُ الكرك، ولم يكن للفرنجِ أشَدُّ منه عداوةً للمسلمين، وأسَروا أيضًا صاحِبَ جبيل، وابن هنفري، ومقدم الداوية، وكان من أعظم الفرنجِ شأنًا، وأسروا أيضًا جماعةً مِن الداوية، وجماعةً من الإسبتارية، وكثُرَ القتل والأسر فيهم، فكان من يرى القتلى لا يظُنُّ أنهم أَسَروا واحدًا، ومَن يرى الأسرى لا يظُنُّ أنهم قتلوا أحدًا! فلما فرغ المسلمونَ منهم نزل صلاح الدين في خيمتِه، وأحضر مَلِكَ الفرنجِ عنده، وبرنس أرناط صاحِبَ الكرك، وأجلس المَلِك إلى جانبه وقد أهلَكَه العَطَشُ، فسقاه ماءً مثلوجًا، فشَرِبَ، وأعطى فَضْلَه برنس صاحب الكرك، فشَرِبَ، فقال صلاح الدين: إنَّ هذا الملعون لم يشرَبِ الماءَ بإذني فينالَ أماني؛ ثمَّ كلَّم البرنس، وقَرَّعه بذنوبه، وعَدَّد عليه غَدَراتِه، وقام إليه بنفسه فضَرَبَ رَقَبتَه، وقال: كنتُ نَذَرتُ دفعتَينِ أن أقتُلَه إن ظَفِرتُ به: إحداهما لَمَّا أراد المسيرَ إلى مكة والمدينة، والثانية لَمَّا أخذ القافلةَ غدرًا، فلما قتَلَه وسُحِبَ وأُخرِجَ، ارتعدت فرائص الملك، فسَكَّن جأشَه وأمَّنَه.

العام الهجري : 725 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1325
تفاصيل الحدث:

سأل المَلِكُ المجاهِدُ صاحِبُ اليمن إنجادَه بعسكَرٍ من مصر، وأكثَرَ من ترغيب السلطان الناصر محمد بن قلاوون في المالِ الذي باليمن، وكان قدومُ رُسُلِه في مستَهَلِّ صفر، فرسم السلطانُ بتجهيز العسكر صحبة الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب، وهو مُقَدَّم العسكر، فسار إلى مكَّةَ، فوصل في السادس والعشرين من جمادى الأولى، ودخلها وأقامَ بها حتى قَدِمَت المراكِبُ بالغلال وغيرِها من مصر إلى جُدَّة، وتقَدَّم الخادِمُ كافور الشبيلي خادِمُ الملك المجاهد إلى زَبيد لِيُعلِمَ مولاه بالعساكر، وكتب الأميرُ ركن الدين بيبرس بن الحاجب، وهو مُقَدَّم العسكر إلى أهل حلي بني يعقوب بالأمان، وأن يجلِبوا البضائِعَ للعسكَرِ، ورحل العسكَرُ في خامس جمادى الآخرة من مكَّة، ومعه الشَّريفُ عطفة والشريف عقيل، وتأخَّر الشريف رميثة، فوصل العسكَرُ إلى حلي بني يعقوب في اثني عشر يومًا، فتلقَّاهم أهلُها، ودُهِشوا لرؤية العساكر، فنودي فيهم بالأمانِ، ورحل العسكَرُ بعد ثلاثة أيام في العشرين منه، فقَدِمَت الأخبار باجتماعِ رأي أهل زبيد على الدخولِ في طاعة المَلِك المجاهد خوفًا من مَعَرَّة قدوم العسكر المصري، وأنهم ثاروا بالمتمَلِّك عليهم وهو المَلِك الظاهِر، ونهبوا أموالَه ففَرَّ عنهم، وكتَبوا إلى المجاهد بذلك، فقَوِيَ ونزل من قلعة تعز يريدُ زبيدَ، فكتب أمراءُ العسكر المصري إليه، وهم قُربَ حدود اليمن، بأن يكون على أُهْبةِ اللقاء، ونزل العسكَرُ على زبيد، ووافاهم المجاهِدُ بجُندِه، فسَخِرَ منهم الناسُ من أجل أنَّهم عراةٌ، وسلاحُهم الجريدُ والخَشَبُ، وسيوفُهم مشدودةٌ على أذرِعَتِهم، ويقادُ للأميرِ فَرَسٌ واحِدٌ مُجَلَّل، وعلى رأسِ المجاهِدِ عِصابةٌ مُلَوَّنةٌ فوقَ العمامة، وعندما عاين المجاهِدُ العساكِرَ المصريَّةَ وهي لابسةٌ آلة الحَربِ رُعِبَ، ومضى العسكَرُ صَفَّين والأمراءُ في الوسط حتى قَرُبوا منه، فألقى المجاهِدُ نَفسَه ومن معه إلى الأرضِ، وترجل له أيضًا الأمراء وأكرموه وأركبوه في الوَسَطِ، وساروا إلى المخَيَّم، وألبسوه تشريفًا سلطانيًّا وقُرِئَ كتاب السلطان، فقَبَّلوا بأجمعِهم الأرض، وقالوا سمعًا وطاعةً، وكتب الأميرُ بيبرس الحاجِبُ لممالك اليمَنِ بالحضور، فحضروا، ولم يُجَهِّز المَلِكُ المجاهد للعسكَرِ شيئًا من الإقامات، وعَنَّفه الأمير بيبرس على ذلك، فاعتذر بخرابِ البلاد، وكَتَب لهم على البلاد بغنمٍ وأذرة، وسار المجاهِدُ إلى تعز لتجهيز الإقاماتِ، ومعه الأميرانِ سيف الدين ططر العفيفي السلاح الدار وسيف الدين قجمار في مائتي فارس، وتأخَّر العسكر بزبيد، وعادت قُصَّاد الأمراء بغير شيءٍ فرحل العسكَرُ من زبيد في نصف رجب يريدون تعز، فتلقَّاهم المجاهد، ونزلوا خارجَ البلد، وشكَوا ما هم فيه من قِلَّة الإقامات، فوعد بخير، وكتب الأمراءُ إلى الملك الظاهر المقيم بدملوة -حصن عظيم باليمن من بلاد الحجرية تعز-، وبعَثوا إليه الشريفَ عطفة أميرَ مكَّةَ وعِزَّ الدين الكوندكي، وكتب إليه المجاهِدُ أيضًا يحُثُّه على الطاعة، وأقام العسكَرُ في جَهدٍ، فأغاروا على الضياع، وأخذوا ما قَدَروا عليه، واتُّهِم أن ذلك بمواطأة المجاهِد خوفًا من العسكَرِ أن يَملِكَ منه البلاد، ثمَّ إنَّ أهل جبل صبر قطَعوا الماء عن العسكر، وتخَطَّفوا الجمال والغِلمان، وزاد أمرُهم إلى أن ركب العسكَرُ في طَلَبِهم، فامتنعوا بالجَبَلِ، ورموا بالمقاليعِ على العسكر، فرَمَوهم بالنشاب، وأتاهم المجاهِدُ فخَذَّلَهم عن الصُّعودِ إلى الجبل، فلم يعبؤوا بكلامه، ونازلوا الجبَلَ يَومَهم، ففُقِدَ من العسكر ثمانيةٌ من الغلمان، وبات العسكَرُ تحته، فبلغ الأميرَ بيبرس أن المجاهدَ قَرَّر مع أصحابه بأن العسكرَ إذا صَعِدَ الجَبَل يُضرِمونَ النار في الوطاقِ وينهبون ما فيه، فبادر بيبرس وقَبَض على بهاء الدين بهادر الصقري وأخذ موجودَه، ووسَّطَه قطعتينِ وعَلَّقه على الطريق، ففَرِحَ أهل تعز بقَتلِه، وكان بهادر قد تغَلَّب على زبيد، وتسَمَّى بالسلطنة، وتلَقَّب بالملك الكامل، وظَلَّ متسَلِّطًا عليها، حتى طرده أهلُها عند قدوم العسكر، وقَدِمَ الشريف عطفة والكوندكي من عند الملك الظاهر صاحب دملوة، وأَخبَرا بأنَّه في طاعة السلطان الناصر ابن قلاوون، وطلب بيبرس من المجاهِدِ ما وَعَد به السلطان، فأجاب بأنه لا قُدرةَ له إلا بما في دملوة فأشهَدَ عليه بيبرس قضاةَ تَعز بذلك، وأنه أذِنَ للعسكر في العود، لخرابِ البلاد وعَجْزِه عمَّا يقومُ به للسُّلطانِ، وأنَّه امتَنَع بقلعة تعز، ورحل العسكَرُ إلى حلي بني يعقوب، فقَدِمَها في تاسع شعبان، ورحلوا منها أوَّلَ رمضان إلى مكَّة، فدخلوها في حادي عشره بعد مشقةٍ زائدة، وساروا من مكَّةَ يوم عيد الفطرِ.

العام الهجري : 1307 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1890
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ الأميرُ السيد الشريف المحقِّقُ محيي السنة وقامِعُ البدعة: أبو الطيب محمد صديق بن حسن بن علي بن لطف الله القنوجي البخاري، نزيل بهوبال، ويرجع نَسَبُه إلى زين العابدين بن علي بن الحسين السبط بن علي بن أبي طالب. ولِدَ في بلدة "بريلي" موطِنِ جَدِّه من جهةِ الأمِّ، عام 1248هـ ولما بلغ السادسةَ مِن عمره توفِّيَ والدُه، فرحل مع أمِّه إلى قِنَّوج موطِنِ آبائهِ بالهندِ، فنشأ فيها في حجرِ أمِّه يتيمًا فقيرًا على العَفافِ والطهارة، وتلقَّى الدروس في علومٍ شتى على صفوةٍ مِن علماءِ قِنَّوج ونواحيها وغيرهم. درسَ صِدِّيق على شيوخٍ كثيرين من مشايخِ الهند واليمن، واستفاد منهم في علومِ القرآن والحديثِ وغيرهما، ولقد أجازه شيوخٌ كثيرون ذكَرَهم في ثَبتِه "سلسة العَسْجَد في مشايخ السند". وله تلاميذ كثيرون درَسوا عليه واستجازوه، وبعد عودتِه مِن الحجازِ إلى الهند انتقل العلامةُ صِدِّيق حسن خان من (قنوج) إلى مدينة (بهوبال) في ولاية (مادهيا براديش) في وسط الهند، وقد ذاع صيتُه في تلك الأيام، كإمام في العلومِ الإسلامية، ومؤلِّفٍ بارع في العلوم العقليَّةِ والنَّقلية، وكاتبٍ قديرٍ في اللغات العربية والفارسية والأوردية، ومجتهدٍ متواصلٍ في الدرس والتأليف والتدوين، ولم يلبَثْ أن تزوَّجَ بأميرة بهوبال (شاهجان بيجوم) التي كانت تحكُمُها حينذاك، تزوَّجَت به لَمَّا عَلِمَت من شَرَفِ نَسَبِه وغزارة عِلمِه واستقامة سيرتِه، سنة 1287هـ، وجعلَتْه مُعتَمِدَ المهامِّ، ومنحته أقطاعًا من الأرضِ الخراجيَّة تغلُّ له خمسين ألف ربيَّة في كلِّ سنة، وخلعت عليه ولقَّبَتْه الدولةُ البريطانيةُ الحاكِمةُ بالهند نواب أمير الملك سيد محمد صديق حسن خان بهادر، ومنحته حَقَّ التعظيم في أرض الهند بطولِها وعرضِها بإطلاقِ المدافِعِ سَبعَ عشرة طلقةً، وخلَعَت عليه بالخِلَعِ الفاخرةِ، ومنَحَه السلطانُ عبد الحميد خان الوسامِ المجيدي من الدرجةِ الثانية. عَمِلَ صديق خان وزيرًا لزوجته الأميرة (شاهجان بيجوم) ونائبًا عنها. كان زواجُ العلَّامة صديق حسن خان بالأميرة شاهجان وتلقُّبه بأمير بهوبال نقطةَ تحوُّلٍ لا في حياتِه العلميَّةِ فقط، بل في النشاطِ العلميِّ والعهد التأليفي في الهند كلِّها، فكان له موهبةٌ فائقةٌ في الكتابة وفي التأليف، حتى قيل إنَّه كان يكتُبُ عَشَرات الصفحاتِ في يوم واحد، ويكمِلُ كتابًا ضخمًا في أيام قليلة، ومنها كتب نادرةٌ على منهج جديد، وعندما ساعدته الظروفُ المَنصبيَّةُ والاقتصادية على بذل المالِ الكثيرِ في طَبعِها وتوزيعِها، تكَلَّلت مساعيه العلمية بنجاحٍ منقطعِ النظير. من مؤلَّفاتِه: فتح البيان في مقاصد القرآن، ونيل المرام من تفسير آيات الأحكام، والدين الخالص (جمع فيه آيات التوحيد الواردة في القرآن، ولم يغادر آيةً منها إلا أتى عليها بالبيان الوافي)، وعون الباري بحَلِّ أدلة البخاري (شرح كتاب التجريد)، والسراج الوهاج في كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجَّاج، والحِرز المكنون من لفظ المعصوم المأمون (في الحديث)، والرحمة المهداة إلى من يريد زيادةَ العلمِ على أحاديثِ المِشكاة، والجنة في الأسوة الحسنة بالسنَّة،(في اتباع السنة)، الحِطَّة في ذكر الصحاح الستة، والروضة الندية شرح الدرر البهية للقاضي محمد اليمني الشوكاني، وفتح العلام شرح بلوغ المرام لابن حجر العسقلاني، وحصول المأمول من علم الأصول (تلخيص إرشاد الفحول للشوكاني) (في أصول الفقه)، وقطف الثمر في بيان عقيدة أهل الأثر، وغيرها كثير، قال عبد الحي الطالبي: "له مصنَّفاتٌ كثيرةٌ ومؤلَّفاتٌ شهيرة في التفسير والحديث، والفقه والأصول، والتاريخ والأدب، قلَّما يتَّفِقُ مثلُها لأحدٍ من العلماء، وكان سريعَ الكتابةِ حُلوَ الخَطِّ، يكتب كراستين في مجلسٍ واحدٍ بخَطٍّ خفيٍّ في ورقٍ عالٍ، ولكنه لا تخلو تأليفاتُه عن أشياءَ، إما تلخيص أو تجريد، أو نقل من لسانٍ إلى لسان آخر، وكان كثيرَ النقل عن القاضي الشوكاني، وابن القيم، وشيخه ابن تيمية الحراني، وأمثالهم، شديدَ التمَسُّك بمختاراتهم، وقد اعتراه مرَضُ الاستسقاء، واشتدَّ به المرضُ وأعياه العلاجُ واعتراه الذهولُ والإغماء، وكانت أناملُه تتحَرَّك كأنَّه مشغول بالكتابة، فلما كان نصفُ الليل فاضت على لسانِه كلمةُ أحِبُّ لقاءَ اللهِ، قالها مرة أو مرتين، وطلب الماءَ واحتُضِرَ، وفاضت نفسه، وكان ذلك في ليلة التاسع والعشرين من جمادى الآخرة سنة 1307هـ، وله من العُمرِ تِسعٌ وخمسون سنة وثلاثة أشهر وستة أيام، وشُيِّعَت جنازته في جمعٍ حاشدٍ، وصلِّيَ عليه ثلاث مرات، و كان قد أوصى بأن يُدفَنَ على طريقةِ السُّنَّة، فنُفِّذَت وصيَّتُه.

العام الهجري : 2 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 624
تفاصيل الحدث:

 بعد هَزيمةِ المُشرِكين في بدْرٍ، نَذَر أبو سُفيانَ ألَّا يَمَسَّ رَأسَه ماءٌ من جَنابةٍ حتى يَغزوَ مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأصحابَه ويَنتقِمَ من المسلمين؛ فخَرَج في مِائتَي راكِبٍ من قُريشٍ، ليَبَرَّ بيَمينِه، ووَصَل إلى أطرافِ المَدينةِ لَيلًا، ولَجَأ إلى بني النَّضيرِ، فأتَى حُيَيَّ بنَ أخطَبَ، فضَرَب عليه بابِه، فأبَى أن يَفتَحَ له بابَه وخافَهُ؛ فانصَرَف عنه إلى سَلَّامِ بنِ مِشكَمٍ -وكان سيِّدَ بني النَّضيرِ في زَمانِه ذلك، وصاحِبُ كَنزِهِم- فاستَأذَنَ عليه؛ فأذِنَ له، فضيَّفَه وسَقاهُ خَمرًا، وأخبَرَه من أخبارِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ثم خَرَج أبو سُفيانَ في عَقِبِ لَيلَتِه حتى أتى أصحابَه، فبَعَث رجالًا من قُرَيشٍ، فأتَوا ناحيةً من المَدينةِ يُقالُ لها: العَريضُ -وادٍ بالمدينةِ-، فأشعَلوا النَّارَ في أشجارِ ونَخيلِ المُسلمين المُثمِرةِ، ووَجَدوا رجلًا من الأنصارِ وحَليفًا له في حَرثٍ لهما، فقَتَلوهما، ثمَّ وَلَّوا مُدبِرين. فبَلَغ ذلك رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فخَرَج في أثَرِهِم يَطلُبُهم في مِائتَينِ من المُهاجِرين والأنصارِ، واستَعمَلَ على المدينةِ أبا لُبابةَ بَشيرَ بنَ عبدِ المُنذِرِ رَضي اللهُ عنه، فجَعَل أبو سُفيانَ وأصحابُه يُلْقون جِرَبَ -أوعيةَ- السَّويقِ -قَمحٍ أو شَعيرٍ يُقلَى ثمَّ يُطحَنُ، فيُتزَوَّدُ به، مَلْتوتًا بماءٍ أو سمنٍ أو عسلٍ-، وهي عامَّةُ أزوادِهِم، يتَخفَّفون منها للنَّجاءِ، حتى بَلغَ رسولُ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قَرقَرةَ -القَرقَرُ: الأرضُ المُستَويةُ- الكَدْرِ -ماءٌ لبني سُلَيمٍ، وأصلُ الكُدْرِ: طَيرٌ في ألوانِها كُدْرةٌ، سُمِّيَ المَوضِعُ أو الماءُ به-، ثم انصَرَف راجِعًا إلى المدينةِ، وقد فاتَه أبو سُفيانَ وأصحابُه، وكانت غَيبةُ الرسولِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خمسةَ أيَّامٍ، فقال المسلمون حينَ رَجَع بهم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا رسولَ الله، أتطمَعُ لنا أن تَكونَ غزوةً؟ قال: "نعم". وتُسمَّى هذه الغَزوةُ أيضًا بـ"غزوةِ السَّويقِ"؛ لأنَّ أكثَرَ ما طَرَح القَومُ مِن أزوادِهِمُ السَّويقُ، فرَجَع المسلمون بسَويقٍ كثيرٍ. وكان ذلك في شوَّالٍ في السَّنةِ الثَّانيةِ من الهجرةِ.

العام الهجري : 497 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1104
تفاصيل الحدث:

في هذه السنة وقع الصلح بين الأخوين السلطانين بركيارق ومحمد ابني ملكشاه. وكان سببه أن الحروب تطاولت بينهما، وعمَّ الفساد، فصارت الأموال منهوبة، والدماء مسفوكة، والبلاد مخربة، والقرى محرقة، والسلطنة مطموعًا فيها، محكومًا عليها، فلما رأى السلطانُ بركيارق المالَ عنده معدومًا، والطمع من العسكر زائدًا، أرسل القاضي أبا المظفر الجرجاني الحنفي، وأبا الفرج الهمذاني، المعروف بصاحب قراتكين، إلى أخيه محمد في تقرير قواعد الصلح، فسار إليه وهو بالقرب من مراغة، فذكرا له ما أُرسِلا فيه، ورغَّباه في الصلح وفضيلته، وما شمل البلادَ من الخراب، وطَمَع عدوِّ الإسلام في أطراف الأرض، فأجاب إلى ذلك، وأرسل فيه رسلًا، واستقر الأمر، وحلف كلُّ واحد منهما لصاحبه، وتقررت القاعدة: أن السلطان بركيارق لا يعترض أخاه محمدًا في الطبل -كان من شعائر السلطنة أن تضرب الطبلخانات للسلطان خمس مرات في اليوم- وألَّا يُذكَر معه على سائر البلاد التي صارت له، وألَّا يكاتب أحدهما الآخرَ، بل تكون المكاتبة من الوزيرين، ولا يعارض أحدٌ من العسكر في قصد أيِّهما شاء، فأجاب بركيارق إلى هذا، وزال الخلاف والشغب، وأرسل السلطان محمد إلى أصحابه بأصبهان يأمرهم بالانصراف عن البلد، وتسليمه إلى أصحاب أخيه، وسار السلطان بركيارق إلى أصبهان، فلما سلمها إليه أصحاب أخيه دعاهم إلى أن يكونوا معه وفي خدمته، فامتنعوا ورأوا لزوم خدمة صاحبهم، فسمَّاهم أهل العسكرين جميعًا: أهل الوفاء، وتوجهوا من أصبهان، ومعهم حريم السلطان محمد إليه، وأكرمهم بركيارق، وحمل لأهل أخيه المالَ الكثير، ومن الدواب ثلاثمائة جمل، ومائة وعشرين بغلًا تحمِلُ الثِّقلَ، وسَيَّرَ معهم العساكر يخدمونهم. ولما وصلت رسل السلطان بركيارق إلى الخليفة المستظهر بالله بالصلح، وما استقرت القواعد عليه، حضر إيلغازي بالديوان، وسأل في إقامة الخطبة لبركيارق، فأجيب إلى ذلك، وفي ذي القعدة سُيِّرَت الخِلَع من الخليفة للسلطان بركيارق، وللأمير إياز، ولوزير بركيارق، والعهد بالسلطنة، وحلفوا جميعهم للخليفة وعادوا.

العام الهجري : 532 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1137
تفاصيل الحدث:

فارق الرَّاشِدُ باللهِ الخليفةَ المخلوعَ أتابك زنكي من الموصِل وسارَ نحو أذربيجان، فوصَلَ مراغةَ، وكان الأميرُ منكبرس صاحِبُ فارس، ونائبُه بخوزستان الأميرُ بوزابة، والأميرُ عبدُ الرَّحمنِ طغايرك صاحِبُ خلخال، والمَلِكُ داود بن السُّلطان محمود؛ مُستشعرينَ مِن السُّلطانِ مَسعود، خائفينَ منه، فتجَمَّعوا ووافَقوا الرَّاشِدَ على الاجتِماعِ معهم؛ لتَكونَ أيديهم واحدةً، ويَرُدُّوه إلى الخِلافةِ، فأجابهم إلى ذلك إلَّا أنَّه لم يجتَمِعْ معهم، ووصل الخبَرُ إلى السُّلطانِ مَسعود وهو ببغدادَ باجتماعِهم، فسار عنها في شعبانَ نَحوَهم، فالتَقَوا ببنجن كشت، فاقتتلوا، فهزمهم السُّلطانُ مسعود، وأخذ الأميرَ منكبرس أسيرًا فقُتِلَ بين يديه صَبرًا، وتفَرَّقَ عَسكَرُ مسعود في النَّهبِ واتِّباع المنهزمين، وكان بوزابة وعبدُ الرحمن طغايرك على أرضٍ مُرتفعةٍ فرأيا السُّلطانَ مسعودًا وقد تفَرَّقَ عَسكَرُه عنه، فحَمَلا عليه وهو في قِلَّةٍ فلم يَثبُت لهما وانهزَم، وقَبَض بوزابة على جماعةٍ مِن الأمراء: منهم صَدَقةُ بنُ دبيس صاحِبُ الحلة، ومنهم ولد أتابك قراسنقر صاحِبُ أذربيجان، وعنتر بن أبي العَسكَر وغيرُهم، وتَرَكَهم عنده. فلما بلغه قتلُ صاحبه منكبرس قتلهم جميعًا وصار العَسكران مهزومَينِ، وقصد السُّلطانُ مسعود أذربيجان، وقصد المَلِكُ داود همذان، ووصل إليها الرَّاشِدُ بعد الوقعةِ، فاختَلَفت آراءُ الجماعة، فبَعضُهم أشار بقَصدِ العِراقِ والتغَلُّب عليه، وبعضُهم أشار باتِّباعِ السُّلطانِ مَسعود للفراغِ منه؛ فإنَّ ما بعده يَهونُ عليهم. وكان بوزابة أكبَرَ الجماعةِ فلم يَرَ ذلك، وكان غرَضُه المسيرَ إلى بلادِ فارِسَ وأخْذِها بعد قَتلِ صاحِبِها منكبرس قبل أن يمَتِنَع مَن بها عليه، وسار بوزابة إليها فمَلَكها، وصارت له مع خوزستان، وسار سلجوق شاه بن السُّلطانِ محمَّد إلى بغداد ليملِكَها، فخرج إليه البقش الشحنة بها: ونظر الخادم أمير الحاجِّ وقاتلوه ومَنَعوه، وكان عاجزًا مُستضعَفًا، ولَمَّا قُتِلَ صَدَقة بن دبيس أقَرَّ السُّلطان مسعود الحلةَ على أخيه محمَّد بن دبيس وجعَلَ معه مهلهل بن أبي العسكر أخا عنتر المقتول يدَبِّرُ أمرَه.