من أقوى الأسباب التي هيأت للإسبان احتلال طرابلس الغرب ضعفُ الحامية فيها، وانصراف الناس إلى تنمية المال، وإلى مُتَع الحياة عن الاهتمام بتقوية الجيش وتحصين القلاع، ومن المناسبات التي انتهزها الإسبان للتعجيل باحتلال طرابلس، أنه في هذه سنة وقع خلاف بين أحمد الحفصي وبين والده الناصر، فذهب إلى الإسبان يستنجد بهم على أبيه، فاستعد الإسبان لغزو طرابلس، فجهزوا 120 قطعة بحرية، وانضم إليها سفن أخرى من مالطة، وشُحنت بخمسة عشر ألف جندي من الإسبان، وثلاثة آلاف من الإيطاليين والمالطيين. وفي 8 من ربيع الآخر أقلع الأسطول من فافينيانا، ومرَّ بجزيرة قوزو بمالطة فتزود منها بالماء، وانضمَّ إلى الجيش خبير مالطي اسمه جوليانو بيلا، له معرفة بطرابلس. وقد أعدت هذه الحملة بإشراف نائب ملك صقلية، وبإعانة الجيوش الصقلية والإيطالية. وقد تسربت أخبار هذه الحملة إلى طرابلس قبل تحركها بنحو شهر، فأخذ الناس في الهجرة منها إلى غريان، وتاجورة، ومسلاتة، وأخذوا معهم كل ما كان مهمًّا من أموالهم، وما أمكنهم من أثقال متاعهم، ولم يبقَ بالمدينة إلا المحاربون، وبعض السكان الذين لم يقدروا على الفرار، وانحازوا إلى قصر الحكومة والجامع الكبير، وصعد المحاربون فوق الأسوار وعلى القلاع. نزلت جيوش الإسبان في القوارب وكانت بقيادة بييترو نافارو، وفي الصباح، بدأ الهجوم وأطلقت السفن مدافعها على الأسوار وقصر الحكومة. ونزل الجيش المكلف بمنع المسلمين من الاتصال بالمدينة إلى البر بجهة سيدي الشعاب لمنع الاتصال بالمدينة. واندفع الجيش الإسباني نحو المدينة تحميه مدافع الأسطول، فاحتل البرج القائم على باب العرب وبعض الأسوار، وتمكن الإسبان من فتح باب النسور، واتصل الجيش الخارجي بالجيش الداخلي واستبسل الطرابلسيون في الدفاع، وجاء في رسالة القائد نافارو أنه لم يخلُ موضِعُ قَدَمٍ في المدينة من قتيلٍ، ويقَدَّر عدد القتلى بخمسة آلاف، والأسرى بأكثر من ستة آلاف، وتغلَّب الإسبان على مقاومة المسلمين العنيفة، واحتُلَّ قصر الحكومة عَنوةً، وقد حَمِيَ وطيس المعركة حينما تمكَّن حامل العلم الإسباني من نصبِه على برج القصر. وأبدى من التجؤوا إلى الجامع الكبير مقاومة شديدة، فقُتِل منهم نحو ألفي طرابلسي بين رجال ونساء وأطفال. وقتل من الإسبان ثلاثمائة رجل، وكان من بين الموتى كولونيل كبير في الجيش، وأميرال الأسطول، وقبل أن تغرب شمس يوم 18 من ربيع الآخر من هذه السنة، سقطت مدينة طرابلس في يد الإسبان، بعد أن أريقت دماء الطرابلسيين في كل بقعةٍ منها، ولكثرة القتلى فقد أُلقيت جثثُهم في صهاريج الجوامع وفي البحر، وأُحرق بعضها بالنار. وأقام نائب البابا احتفالات الفرح بسقوط هذه المدينة العربية الإسلامية في أيدي النصارى. وأرسل القسيس أمريكو دامبواس رئيس منظمة فرسان القديس يوحنا إلى فرديناند ملك إسبانيا تهنئة، ويرجوه أن يتابع فتوحاته في إفريقية. وعلى الجانب الآخر فقد استاء المسلمون لهذا الاحتلال، وقابله الطرابلسيون المقيمون في الإسكندرية إذ ذاك بإحراق فندق للإسبان في المدينة. انتهز الطرابلسيون المعسكِرون خارج السور غياب القائد الإسباني نافارو وأسطوله، وانقضُّوا على المدينة وتسلَّقوا سورها، ولكنهم لم يوفَّقوا فرجعوا أدراجَهم, وهو ما دفع محمد بن حسن الحفصي إلى إعانة طرابلس، فجمع جيشًا كبيرًا بقيادة محمد أبي الحداد قائد توزر، وكان من أكبر قواده، ووصل طرابلس ونزل خارج السور، وانضم إلى هذا الجيش المحاربون الطرابلسيون، وهاجموا المدينة في ذي الحجة من هذه السنة, ولكنهم لم يظفروا منها بطائل. وظل يحكم طرابلس فرسان القديس يوحنا حتى سنة 936 (1530م) عندما منحها شارل الخامس إمبراطور الإمبراطورية الرومانية لهم، الذين صاروا يعرفون في ذلك الوقت بفرسان مالطا.
بعد أن طلب أميرُ الأحساءِ وزعيمُ بني خالد: سليمان بن محمد بن غرير آل حميد الخالدي من حاكِمِ العُيينة التخلُّصَ مِن الشيخ محمد بن عبد الوهاب, فكتب إلى عثمان يتوعَّدُه ويأمُرُه أن يقتُلَ هذا المطَوَّع الذي عنده في العُيينة, وقال: إن المطوع الذي عندكم بلغنا عنه كذا وكذا، فإما أن تقتُلَه، وإما أن نقطَعَ عنك خراجَك الذي عندنا!! وكان عنده للأمير عثمان خراجٌ من الذهب، فعظم على عثمانَ أمرُ هذا الأمير، وخاف إن عصاه أن يقطَعَ عنه خراجه أو يحارِبَه، فقال للشيخ: إنَّ هذا الأمير كتب إلينا كذا وكذا، وإنه لا يحسن منا أن نقتُلَك، وإنا نخاف هذا الأمير ولا نستطيع محاربتَه، فإذا رأيتَ أن تخرُجَ عنا فعلْتَ، فقال له الشيخ: إن الذي أدعو إليه هو دينُ الله وتحقيقُ كلمة لا إله إلا الله، وتحقيقُ شهادة أنَّ محمدًا رسول الله، فمن تمسَّك بهذا الدين ونصره وصَدَق في ذلك نصره الله وأيَّدَه وولَّاه على بلاد أعدائه، فإن صبَرْتَ واستقمْتَ وقَبِلْتَ هذا الخير، فأبشِرْ فسينصرُك الله ويحميك من هذا البدوي وغيره، وسوف يولِّيك الله بلادَه وعشيرته, فقال: أيُّها الشيخُ، إنَّا لا نستطيعُ محاربته، ولا صبرَ لنا على مخالفتِه، فخرج الشيخ عند ذلك وتحوَّل من العُيينة إلى بلاد الدرعية، جاء إليها ماشيًا- فيما ذكروا- حتى وصل إليها في آخر النهار، وقد خرجَ من العيينة في أوَّلِ النهار ماشيًا على الأقدام لم يَرحَلْه عثمان، فدخل على شخصٍ مِن خيارها في أعلى البلد يقال له محمد بن سويلم العريني، فنزل عليه.
الشَّيخُ عبدُ الله بنُ عبد الرحمنِ بنِ عبد الرزَّاق بن قاسِمٍ آل غُدَيَّان من بني تميم، وُلِد عامَ (1345هـ) في مدينة الزلفي، وتلقَّى مبادِئَ القراءة والكتابة في صِغَرِه على عبدِ الله بنِ عبد العزيز السحيمي وعبدِ الله بن عبد الرحمنِ الغيثِ وفالحٍ الروميِّ وتلقَّى مبادِئَ الفقهِ والتوحيدِ والنحوِ والفرائضِ على حمدان بنِ أحمد الباتلِ، ثم سافَرَ إلى الرياض عامَ (1363هـ) فدَخَل المدرسَةَ السعودية الابتدائية، مدرسةَ الأيتام سابقًا عامَ (1366هـ) تقريبًا وتخرج فيها عام (1368هـ). وعُيِّن مدرِّسًا في المدرسة العزيزيَّةِ، وفي عام (1371هـ) دَخَل المعهدَ العلميَّ، وكان أثناءَ هذه المدةِ يتلقَّى العِلمَ على الشيخِ محمدِ بنِ إبراهيم آل الشيخ، كما يتلقَّى علمَ الفقهِ على الشيخ سعود بن رشود قاضي الرياض، والشيخِ إبراهيم بن سُليمان في علمِ التوحيد، والشَّيخ عبد اللطيف بن إبراهيم في علمِ النَّحو والفرائضِ، ثم واصَلَ دراستَه إلى أن تخرَّج في كليَّة الشريعة عامَ (1376هـ). ثم عُيِّن رئيسًا لمحكمة الخُبر ثم نُقل للتدريسِ بالمعهد العلميِّ عامَ (1378هـ)، وفي عام (1380هـ) عُيِّن مدرِّسًا في كلية الشريعةِ، وفي عام (1386هـ) نُقِل كعُضوٍ للإفتاء في دار الإفتاء، وفي عام (1391هـ) عُيِّن عُضوًا للَّجنة الدائمة للبُحوث العلمية والإفتاء؛ بالإضافة إلى عُضويَّة هيئة كبار العلماء، وكان يُعاني من مرضٍ عُضالٍ قبل وفاتِه بأربعةِ أشهُرٍ؛ حيث دخل المستشفى وتمَّ إجراءُ عمليةٍ جراحية لإزالةِ ورمٍ ولكن لم تنجَحِ العمليةُ وتُوفِّي رحمه الله.
هو الأميرُ الكبيرُ، العلَّامة فارِسُ الشام، مجدُ الدِّينِ، سلالةُ الملوك والسلاطين مؤيَّدُ الدولة، أبو المظفَّر أسامة بن الأمير مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني الشيزري. وُلِدَ بشيزر سنة 488. أحد الشعراء المشهورين. قيل: كان يحفظ من شعر الجاهليَّة عشرةَ آلاف بيت. قال الذهبي: "سافر إلى مصر, وكان من أمرائِها الشيعة، ثم فارقها وجرت له أمورٌ، وحضر حروبًا ألَّفَها في مجلَّدٍ فيه عبر". قال يحيى بن أبي طيئ الشيعي في (كتابه تاريخ الشيعة): "كان ابن منقذ إماميًّا، حسن العقيدة، إلَّا أنه كان يداري عن منصبه، ويُتاقي". كان ابن منقذ عُمُره تاريخًا مستقلًّا وحده، وكانت داره بدمشق، وكانت مَعقِلًا للفضلاء ومنزِلًا للعلماء، وله أشعار رائقة، ومعانٍ فائقة، ولديه عِلمٌ غزير، وعنده جُودٌ وفضل كثير، وكان من أولادِ ملوك حصن شيزر، وهذا الحِصنُ قريب من حماة، وكان لآل منقذ الكنانيين يتوارثونَه من أيام صالح بن مرداس، ثم انتقل إلى مصر فأقام بها مُدَّةً أيام الفاطميين، في وزارة العادل ابن السلار، واتصل ابن منقذ بعبَّاس الصنهاجي، فحَسَّن له قتل زوج أمه ابن السلار، فقتله، ثم ولَّاه الظافر الوزارة فاستبد بالأمرِ, ولَمَّا علم الأمراء والأجناد أنَّ قَتلَ ابن السلار مِن فِعلِ ابن منقذ، عزموا على قتله، فخلا بعباسٍ، وقال له: كيف تصبِرُ على ما أسمع مِن قَبيحِ القول؟ قال: وما ذلك؟ قال: الناسُ يزعمون أن الظافِرَ يفعَلُ بابنك نصر، وكان نصر خصيصًا بالظافر، وكان ملازمًا له ليله ونهاره، وكان من أجملِ النَّاسِ صُورةً، وكان الظافِرُ يُتَّهَم به، فانزعج لذلك عبَّاسٌ وعَظُم عليه، وقال: كيف الحيلةُ؟ قال: تقتُلُه فيذهب عنك العار، فذكر الحالَ لولده نصر، فاتَّفقا على قتلِ الظافر فقَتَله نصر, ثم عاد ابنُ منقذ إلى الشام، فقدم على الملك صلاح الدين في سنة 570, وله نَظمٌ في الذِّروة, منه ديوانُ شعر كبير، وأشعار في مدح السلطان صلاح الدين، وله كتاب لباب الآداب، والبديع، وأخبار النساء، وغيرها، وكان صلاح الدين يفَضِّل ديوانه على سائر الدواوين، وكان في شبيبته شَهمًا شجاعًا، قتل أسدًا وَحدَه مُواجَهةً. توفِّي في هذه السنة ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من رمضان، عن عمر ست وتسعين سنة، ودُفِن شرقي جبل قاسيون.
هو السلطانُ الملك الناصر، ناصر الدين أبو الفتح محمد ابن السلطان الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون، وُلِدَ الملك الناصر سنة 684، وكان قد أقيمَ النَّاصِرُ في السلطنة بعد أخيه الملك الأشرف خليل سنة 693، وعُمُرُه تسع سنين ثمَّ خُلِعَ في سادس عشر المحرم سنة أربع وتسعين، وأُرسِلَ إلى الكرك, ثمَّ أعيد إلى المُلكِ ثانيًا وعمره خمس عشرة سنة، فأقام في المُلك إلى سنة 708، وخرج يريدُ الحَجَّ، فتوجه إلى الكرك متبرمًا من سلار وبيبرس الجاشنكير أستاذ الدار وحَجْرِهما عليه ومَنْعِهما له من التصَرُّف، فأعرض الناصِرُ عن مصر، فوثب الجاشنكير على السلطنة وتسلطَنَ، ثم اضطربت أموره، وقَدِمَ الناصر من الشام إلى مصر، فمَلَكَ مَرَّةً ثالثة في شوال سنة 709 واستبَدَّ الناصر من حينئذ بالأمرِ مِن غير معارضٍ مدة اثنتين وثلاثين سنة وشهرين وخمسة وعشرين يومًا، كانت له فيها سِيَرٌ وأنباء، وكان الناصِرُ أطولَ ملوك زمانه عُمُرًا وأعظَمَهم مهابةً, ودانت له البلادُ ومَلَك الأطرافَ بالطاعة، لما زاد مرض السلطان بالإسهال وخارت قواه، أشار عليه بعضُ الأمراء أن يَعهَدَ بالمُلكِ إلى أحد أولادِه، فأجاب إلى ذلك فجعل ابنَه أبا بكر سلطانًا بعده، وأوصاه بالأمراءِ، وأوصى الأمراءَ به، وعَهِدَ إليهم ألا يُخرِجوا ابنَه أحمد من الكَركِ وحَذَّرَهم من إقامته سُلطانًا، وجعل قوصون وبشتاك وصِيَّيه، وإليهما تدبيرُ ابنِه أبي بكر وحلَّفَهما، ثمَّ حَلَّفَ السلطانُ الأمراءَ والخاصكية، وأكَّدَ على ولده في الوصيَّة بالأمراء، وأفرج عن الأمراءِ المسجونين بالشام، وهم طيبغا حاجي وألجيبغا العادلى وصاروجا، ثم قام الأمراء، فبات السلطانُ ليلة الثلاثاء، وأصبح وقد تخَلَّت عنه قوته، وأخذ في النزعِ يوم الأربعاء، فاشتَدَّ عليه كَربُ الموتِ حتى مات أول ليلة الخميس الحادي عشر من ذي الحجة، وله من العُمُرِ سبع وخمسون سنة وأحد عشر شهرًا وخمسة أيام, ودُفِنَ بالمدرسة المنصورية بين القصرين، أما السلطان الجديد فلقَّبَه الأمراء الأكابِرُ بالملك المنصور، وجَلَسوا حوله، واتَّفَقوا على إقامة الأمير سَيفِ الدين طقزدمر الحموي- زوج أمه- نائِبَ السُّلطةِ بديار مصر، وأن يكون الأميرُ قوصون مدبِّرَ الدولة ورأس المشورة، ويشارِكه في الرأي الأميرُ بشتاك.
أعلن والي أرضروم أباظة باشا العصيانَ مدَّعيًا أنه يريد الانتقام للمرحوم السلطان عثمان شهيد الانكشارية، فدخل سيواس وأنقرة، فسار إليه الصدرُ الأعظم حافظ باشا، وبعد معركة قيصرية قضى على هذه الثورة، ثم سار القائدُ حافظ باشا إلى بغداد غير أنَّ الانكشارية لم يستمروا معه في القتال، فعزل بسبب ذلك القائد حافظ باشا، فعاد أباظة باشا للثورة وأحرز نصرًا على الدولة العثمانية، فسار إليه خسرو باشا الصدر الأعظم الجديد، وأدخله في الطاعة وعيَّنه واليًا على البوسنة عام 1037هـ.
كان السلطان عثمان الثاني قد عفا عن فخر الدين المعني الثاني وسمح له بالعودة إلى جبل لبنان، فبدأ من جديد بالتحرُّك للثورة والعصيان على الدولة العثمانية، فثار مرة أخرى في لبنان فنهض إليه والي دمشق وانتصر عليه وأسره وولديه وأرسلهم إلى إستانبول غير أن الخليفة مراد الرابع عاملهم بغاية الكرم رغم أنهم أكثر الناس خيانة باتصالهم الدائم بالصليبيين والطليان خاصة، وهذا ما شجَّع قرقماز حفيد فخر الدين بالتحرك والثورة فأعاد الخليفة النظر, فقتل فخر الدين وابنه الكبير وأرسل إلى قرقماز من أخضعه.
سار الإمامُ تركي بن عبد الله غازيًا من الرياض بجميعِ غَزوِه من نواحي رعاياه، ونزل الرمحية -الماء المعروف في العرمة- وأقام فيها نحو 40 يومًا ووفد عليه كثيرٌ من رؤساء العُربان من أهل الشمال، وأتاه كثيرٌ مِن الهدايا من رؤساءِ الظفير والمنتفق وغيرهم، وأتى إليه مكاتباتٌ من علي باشا والي بغداد، ثم بعث الإمام عمالَه لعُربان نجد يقبِضون منهم الزكاةَ، فكُلُّهم سَمِعوا وأطاعوا وأدَّوا الزكاة سوى العجمان، ثم رحل إليهم من موضِعِه الذي كان فيه، فلما بلغهم قدومُه عليهم، دفعوا الزكاةَ لعُمَّالِه.
اجتمع العلماءُ في منزل مفتي الديار السعودية محمد بن إبراهيم آل الشيخ, ثمَّ عَقَدوا اجتماعًا مع الأمراءِ في فندق الصحراء بالرياض, ثم صادق مجلِسُ الوزراء على قرارين: فتوى العُلَماء بمبايعة ولي العهد الأمير فيصل مَلِكًا للبلاد, ورسالة وقَّعها جميعُ أفراد الأسرة المالكة تبايع الأميرَ فيصلًا ملكًا للبلاد. كما بايع الملِكَ الجديد أعضاءُ مجلس الشورى، وممثِّلو أهمِّ مناطق المملكة، ثمَّ توجَّه أعضاءُ الحكومة برئاسة الأمير خالد بن عبد العزيز إلى الملك سعود لإعلامِه بالقرارِ.
بدأت حربُ الـ 33 يومًا بين العدو الصِّهْيَوْني وحزبِ اللهِ، وذلك بعد ما قام الحزب بأسر جنديَّيْنِ وقَتل 8 عندَ موقع تلة الراهب في مشارفِ بلدةِ عيتا الشعب في جنوبِ لُبنانَ، وتمَّ بهذه الحرب قتلُ أكثرَ من 1200 لُبنانيٍّ، وجُرحَ أكثرُ من 4000 مواطنٍ من الجنوب وكافَّة الأراضي اللُّبنانية، كما قام الصهاينةُ بقصف جميع الجسور في لُبنانَ من الجنوب إلى الشمال إلى البقاع، والوسط، والجبل، وقامت أيضًا بأكثرَ من مجزرةٍ كان أعظمُها مجزرةً ثانيةً في قانا، وكان ضحيتها ما لا يقِلُّ عن 55 قتيلًا معظمُهم من الأطفال والنساء.
تُوفِّي الأديبُ السُّعودي الحَدَاثي عبد الله عبد الجبار عن عمرٍ ناهَزَ الـ(93) عامًا. وقد وُلد في مكة عامَ (1919)، ويلقَّب بـ"الأستاذ"؛ كونُه أشرَف على طُلَّابِ البَعَثات التعليميَّةِ من الحجازِ في مصر في الأربعيناتِ. وأصبح كِتابَاه: ((التيارات الأدبيَّة في قلب الجزيرة العربية)) و((قصَّة الأدب في الحجاز)) اللَّذانِ اشترك في تأليفِهِما مع الدكتور عبد المُنعِم خفاجي من المراجِعِ التاريخيَّةِ في الأدب السُّعوديِّ الحديثِ. وله أعمالٌ قَصصيَّةٌ ومسرحيةٌ ومقالاتٌ صَحفيةٌ عديدةٌ، وكان أمينًا عامًّا لرابِطَةِ الأدبِ الحديثِ إبَّانَ إقامَتِه في مصر في الأربعيناتِ.
هو مُسلِمُ أبو الحسَنِ القُشيري النيسابوري، أحدُ الأئمَّة من حُفَّاظ الحديثِ، صاحبُ الصحيح الذي يلي صحيحَ البخاري، انتقل إلى العراقِ والحجاز والشَّام ومصر، وسمع من جماعةٍ كثيرين، وقد أثنى عليه جماعةٌ من العلماء من أهل الحديث وغيرهم. قال أحمد بن سلمة: "رأيت أبا زُرعة وأبا حاتم يُقَدِّمان مسلمَ بن الحجاج في معرفةِ الصَّحيحِ على مشايخ عصرهما"، وقيل: كان سببُ مَوتِه- رحمه الله- أنَّه عُقِدَ مَجلِسٌ للمذاكرة فسُئلَ يومًا عن حديثٍ فلم يعرِفْه، فانصرف إلى منزلِه، فأوقد السراجَ وقال لأهله: لا يدخُلْ أحدٌ الليلة عليَّ، وقد أُهدِيَت له سلةٌ مِن تمرٍ، فهي عنده يأكلُ تمرةً ويكشِفُ عن حديثٍ ثم يأكُلُ أخرى ويكشِفُ عن آخر، فلم يزَلْ ذلك دأبَه حتى أصبح وقد أكل تلك السلَّة وهو لا يشعُرُ، فحصل له بسبب ذلك ثقلٌ ومرَضٌ من ذلك، حتى كانت وفاته عشيةَ يوم الأحد، ودُفِن يوم الاثنين بنيسابور.
كتَبَ عامَّةُ الشيعة ببغداد، بأمرِ مُعِزِّ الدولة، على المساجِدِ ما هذه صورتُه: لعن الله معاوية بن أبي سفيان، ولعن من غصب فاطمة، رضي الله عنها، فدكًا، (يعنون أبا بكر الصديق رضي الله عنه) ومن منع من أن يُدفَن الحسن عند قبر جَدِّه، عليه السلام (يعنون مروان بن الحكم)، ومن نفى أبا ذرٍّ الغفاريَّ (يعنون عثمان بن عفان رضي الله عنه)، ومَن أخرج العبَّاس من الشورى (يعنون عمر بن الخطاب رضي الله عنه)، فأمَّا الخليفة فكان محكومًا عليه لا يقدِرُ على المنع، وأمَّا معز الدولة فبأمره كان ذلك، فلما كان الليلُ حَكَّه بعضُ النَّاسِ مِن السُّنَّة، فأراد معزُّ الدولة إعادته، وأشار عليه الوزير أبو محمَّد المهلبي بأن يكتب مكانَ ما محيَ: لعن اللهُ الظالمينَ لآل رسول الله، صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يذكر أحدًا في اللَّعنِ إلا معاوية، ففعل ذلك.
لَمَّا انهَزَم البربر عن قُرطُبةَ مع أبي القاسِمِ، اتَّفَق رأيُ أهل قُرطُبة على رَدِّ الأمرِ إلى بني أميَّة، فاختاروا منهم ثلاثةً، وهم: عبدُ الرَّحمنِ بنُ هِشامِ بنِ عبد الجبَّار بن عبد الرَّحمن الناصر أخو المهديِّ، وسُليمانُ بنُ المرتضى، ومحمَّدُ بنُ عبد الرحمن بن هشام بن سليمان القائمُ على المهدي بن الناصر، ثم استقَرَّ الأمر لعبدِ الرَّحمنِ بن هشامِ بنِ عبد الجبَّار، فبويع بالخلافةِ لثلاثَ عَشرةَ ليلةً خلت لرمضان سنة 414هـ، وله اثنتان وعشرون سنةً، وتلَقَّبَ بالمُستَظهر، ثم قام عليه أبو عبدِ الرَّحمنِ مُحمَّدُ بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر مع طائفةٍ مِن أراذِلِ العَوامِّ فقُتِلَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ هشام، وذلك لثلاثٍ بَقِينَ مِن ذي القَعدةِ سَنةَ 414هـ، وتلَقَّب محمَّدُ بنُ عبد الرحمن هذا بالمُستكفي، وبويعَ له بالخِلافةِ.
بعد أن رجع السلطان الظاهر من الحج ودخل دمشق وعاد منها إلى مصر، بلغه حركة التتار، وأنهم واعدوا فرنج الساحل، فعاد إلى قلعة الجبل، فورد الخبر بغارة التتار على الساجور بالقرب من حلب، فجرد السلطانُ الأميرَ علاء الدين البندقدار في جماعة من العسكر، وأمره أن يقيمَ في أوائل البلاد الشاميَّة على أُهبة، وسار السلطانُ من قلعة الجبل في ليلة الاثنين الحادي عشر ربيع الأول ومعه نفرٌ يسير فوصَلَ إلى غزةَ، ثمَّ دخل دمشق في سابع ربيع الآخر، ولحق الناسَ في الطريق مشقةٌ عظيمة من البرد، فخيَّم على ظاهر دمشق، ووردت الأخبارُ بانهزام التتار عندما بلغهم حركةُ السلطان، ثم ورد الخبَرُ بأن جماعة من الفرنج خرجوا من الغرب، وبعَثوا إلى أبغا بن هولاكو بأنهم واصلون لمواعدتِه من جهة سيس في سفن كثيرةٍ، فبعث الله على تلك السفن ريحًا أتلفت عدَّةً منها، ولم يُسمَع بعدها لمن بقي في الأخرى خبَرٌ.