لمَّا رفَض ابنُ الزُّبيرِ البَيْعَة لِيَزيدَ بن مُعاوِيَة وكان بمكَّة المُكرَّمَة سَيَّرَ إليه يَزيدُ بن مُعاوِيَة جيشًا بقِيادَةِ مُسلمٍ؛ ولكنَّ مُسلِمًا تُوفِّي في الطَّريقِ إلى مكَّة فاسْتَلَم بعدَه الحُصينُ بن نُميرٍ فحاصَر مكَّة المُكرَّمَة، وكان ابنُ الزُّبيرِ اتَّخَذَ المسجدَ حِصْنًا له ووضَع فيه الخِيامَ لِتَحميهِ وجُنْدَهَ مِن ضَرباتِ المَنْجنيق، واسْتَمرَّ الحِصارُ إلى أن احْتَرقَت الكَعبةُ قبلَ أن يأتِيَ نَعْيُ يَزيدَ بن مُعاوِيَة بتِسْعَةٍ وعِشرين يومًا، واخْتُلِف في مَن كان سبَبًا في احْتِراقِ الكَعبةِ. كان أصحابُ ابنُ الزُّبيرِ يُوقِدون حولَ الكَعبَةِ، فأَقْبَلَت شَرَرَةٌ هَبَّتْ بها الرِّيحُ فاحْتَرَقَت كِسْوَةُ الكَعْبَةِ، واحْتَرقَ خَشَبُ البيتِ. قال أحدُ أصحابِ ابنِ الزُّبيرِ يُقالُ له عَوْنٌ: ما كان احْتِراقُ الكَعبَةِ إلَّا مِنَّا, وذلك أنَّ رجلًا مِنَّا كان هو وأصحابه يوقدون في خِصاصٍ لهم حولَ البيتِ, فأَخَذَ نارًا في رُمْحِه فيه نِفْطٌ, وكان يومَ ريحٍ, فطارت منها شَرارةٌ, فاحْتَرَقت الكَعبةُ حتَّى صارت إلى الخشبِ, وقِيلَ: إن رجلًا مِن أهلِ الشَّام لمَّا جنَّ اللَّيلُ وضَع شَمْعَةً في طَرْف رُمْحِه, ثمَّ ضرَب فَرَسه ثمَّ طعَن الفُسْطاطَ فالْتَهب نارًا, والكَعبةُ يَومئذٍ مُؤَزَّرَة بالطَّنافِس, وعلى أَعْلاها الحَبِرَةُ, فطارت الرِّيحُ باللَّهَبِ على الكعبةِ فاحْتَرَقت. فلم يكُن حَرْقُ الكَعبةِ مَقصودًا مِن أَحَدِ الطَّرَفينِ؛ بل إنَّ احْتِراقَها جاء نَتيجةً لِحَريقِ الخِيامِ المُحيطةِ بها مع اشْتِدادِ الرِّيحِ, فهذا رجلٌ مِن أهلِ الشَّام لمَّا احْتَرَقت الكَعبةُ نادى على ضِفَّةِ زَمْزَم بقوله: هلَكَ الفَريقانِ والذي نَفْسِ محمَّدٍ بِيَدِهِ.
أبو القاسمِ الفَضلُ ابنُ المُقتَدر جعفر بن المعتضد أحمد بن الموفق الخليفة العباسي. ولدَ سنة 301 وبويع بالخلافةِ بعد خَلعِ المُستكفي نفسَه سنة 334، وأمُّه اسمُها مشغلة أمُّ ولد. كان مقهورًا مع نائب العراقِ ابنِ بُوَيه مُعِزِّ الدولة الذي قرَّرَ له في اليومِ مائة دينار فقط. ولَمَّا اشتَدَّ الغَلاءُ المُفرطُ ببغداد، اشتري المطيعُ لله لمعِزِّ الدولةِ كر دقيقٍ بعشرين ألف درهم, وفي سنة 360 فُلِجَ المُطيعُ، وبطَلَ نِصفُه، وتمَلَّكَ في أيَّامِه بنو عُبَيدٍ مِصرَ والشَّام، وأذَّنُوا بدمشق " بحيَّ على خير العمل "، وغلت البلادُ بالرَّفضِ شرقًا وغربًا، وخَفِيَت السنَّةُ قَليلًا، واستباحت الرومُ نصيبين وغيرَها، فلا حولَ ولا قوَّةَ إلا بالله، ولَمَّا تحكَّم الفالِجُ في المطيعِ دعاه سبكتكين الحاجِبُ التركيُّ إلى عزلِ نَفسِه، وتسليمِ الخلافةِ إلى ابنِه الطائِعِ لله، ففعل ذلك في ثالثَ عشر من ذي القعدة سنة 363, ولَمَّا استفحل بلاءُ اللُّصوصِ ببغداد، ورَكِبوا الخيل، وأخذوا الخفارةَ، وتلقَّبوا بالقُوَّاد. خرج المطيعُ وولده الخليفةُ الطائِعُ لله إلى واسط فمات المطيعُ هناك في المحرم سنة 364 بعد ثلاثة أشهر من عزلِه. وعمره 63 سنة، فكانت خلافته ثلاثين سنة سوى أشهر. وفي أيَّامه سنة 316 تلقَّب عبد الرحمن الناصر صاحبُ الأندلس بأمير المؤمنين. وقال: أنا أحقُّ بهذا اللقبِ مِن خليفةٍ تحت يدِ بني بُوَيه. قال الذهبي: " وصدق النَّاصِرُ؛ فإنَّه كان بطلًا شُجاعًا سائسًا مَهيبًا، له غَزَواتٌ مَشهودةٌ، وكان خليقًا للخلافةِ"
لما دخل عبدُ الله بن الشيخ المأمون السعدي مراكشَ واستولى عليها فعَلَ فيها أعظَمَ من فعلته الأولى بفاس، فهربت شرذمة من أهل مراكش إلى جبل جيليز واجتمع هنالك منهم عصابةٌ من أهل النجدة والحمية، واتفق رأيُهم على أن يُقَدِّموا للخلافة محمدَ بن عبد المؤمن ابن السلطان محمد الشيخ، وكان رجلًا خيِّرًا ديِّنًا صيِّنًا وقورًا, ومن أحفاد السلطان محمد الشيخ المهدي السعدي، فبايعه أهل مراكش هنالك والتفوا عليه، فخرج عبد الله بن الشيخ لقتال مَن بجبل جيليز والقبض على أميرهم ابن عبد المؤمن، ولما التقى الجمعان انهزم عبد الله وولى أصحابُه الأدبار فخرج من مراكش مهزومًا سادس شوال من هذه السنة، وترك محلَّتَه وعدتَه وجلَّ جيشه، وأخذ على طريق تامسنا، وامتُحِن أصحابُه في ذَهابِهم حتى كان مُدُّ القمح عندهم بثلاثين أوقية والخبزة من نصف رطل بربع مثقال، ولم يزل أصحابه ينتَهِبون ما مرُّوا عليه من الخيام والعمود ويَسْبُون البناتِ إلى أن وصلوا إلى فاس في الرابع والعشرين من شوال، وأما محمد بن عبد المؤمن فإنَّه لما دخل مراكش واستولى عليها صفَحَ عن الذين تخلَّفوا بها من أهل المغرب من جيش عبد الله بن الشيخ، وأعطاهم الراتب فلم يعجِبْ ذلك أهلَ مراكش ونقَموا عليه إبقاءه عليهم، وكانوا نحو الألف ونصف فكتبوا سرًّا إلى السلطان زيدان بالجبل فأتاهم وخيَّم نازلًا بظاهر البلد فخرج محمد بن عبد المؤمن إلى لقائِه فانهزم ابن عبد المؤمن ودخل السلطان زيدان مراكش واستولى عليها وصفح هو أيضًا عن الفئة المتخلِّفة عن عبد الله بن الشيخ!!
القائدُ السوري "إبراهيم بن سليمان بن أغا هنانو" المعروف بـ"إبراهيم هنانو". قاد حركةَ الجهاد ضِدَّ المحتَلِّ الفرنسي بعد معركة "ميسلون". ولِدَ في حلب 1286هـ / 1869م، وتلقَّى تعليمَه في تركيا، وعَمِلَ في الوظائف الإدارية بسوريا. لَمَّا احتَلَّ الفرنسيون مدينةَ أنطاكية انتُدِبَ لتأليف عصابات عربية تُشاغِلُ الفرنسيين، وجعل مقَرَّه في حلب، وفوجِئَت سورية بنكبة ميسلون سنة 1338هـ، واحتلال الفرنسيين دمشق وحلب وما بينهما، فامتنع إبراهيمُ في بلاد بيلان (شمالي حلب) بقوةٍ مِن المتطوعين الوطنيين، ولَمَّا قاتله الفرنسيون ظفر بهم، وألف حكومةً وطنية، ولُقِّبَ بالمتوكل على الله، وكثُرَت جموعه واتسع نطاقُ نفوذه، خاض سبعًا وعشرين معركة لم يُصَبْ فيها بهزيمة، واستمَرَّ عامًا كاملًا ينفق مما يَجبيه عمالُه في الجهات التي انبسط فيها سلطانُه. ولما قدِمَ الشريف عبد الله بن الحسين عمان لتحرير سورية من الفرنسيين كاتَبَه إبراهيم، ثم قصده للاتفاق معه على توحيد الخطط، فاعترضته في طريقه قوةٌ كبيرة من الجيش الفرنسي يعاوِنُها بعض الإسماعيليين من سلمية، فقاتلهم، ونجا وبعضَ من كان معه، فبلغ عاصمة الأردن، فلم يجد فيها ما أمّل من الشريف عبد الله، فزار فلسطين، فاعتقله البريطانيون في القدس وسَلَّموه إلى الفرنسيين، الذين أخذوه إلى حلب، وحُكِمَ عليه فيها بالقتل، لكِنَّ القاضيَ الفرنسيَّ حَكَم ببراءته وأطلق سراحَه، وبعد محاكمته تحوَّل من العمَلِ الجهادي إلى العمل السياسي، واجتمعت على زعامته سوريةُ كلُّها, وقادها فأحسَنَ قيادَتَها. وكان منهاجُه: لا اعترافَ بالدولة المنتَدَبة فرنسة، ولا تعاونَ معها، واستمر إلى أن توفِّيَ بحلب.
أثار فَتحُ بلادِ فارِسَ وتطهيُرها من عبادةِ غيرِ اللهِ عزَّ وجلَّ حِقْدًا مجوسيًّا؛ فحَرَّكوا أصابَعهم، واستطاعوا بقَدَرٍ مِن اللهِ عزَّ وجلَّ أن يَصِلوا إلى خليفةِ المسلمينَ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رضي الله عنه وقتله، بتحريكِ ذلك العِلْجِ المجوسيِّ؛ ليَقضِيَ اللهُ أمرًا كان مفعولًا، فكان قاتله أشقى الخَلقِ بما أقدَمَ عليه، وكان قَتْلُه لعُمَرَ مؤامرةً منه مع غيرِه من المجوسِ الذين جيءَ بهم أَسرى إلى المدينة، وكان هذا المجوسي واسمُه فَيْروز أبو لُؤْلُؤَةَ المَجوسيُّ غُلامًا للمُغيرةِ، بَقِيَ فيها لِعِلْمِهِ بِكثيرٍ مِن الصِّناعاتِ النَّافعةِ للمسلمين، ولكنَّه كان صاحِبَ حِقْدٍ شَديدٍ على عُمَرَ، فهو مَجوسيٌّ خَبيثٌ ظَلَّ يَتَحَيَّنُ الفُرْصَةَ للقضاءِ على عُمَرَ، فجَهَّزَ سِكِّينًا ذا حَدَّيْنِ وطَلَاهُ بالسُّمِّ، وانْتظَر عُمَرَ بن الخطَّاب في صَلاةِ الفَجْرِ، فلمَّا دخَل عُمَرُ في الصَّلاة وكَبَّرَ طَعَنَهُ أبو لُؤلؤةَ سِتَّ طَعَناتٍ في خاصِرَتِه وهرَب بين الصُّفوفِ يَطْعُنُ المُصَلِّين أَمامَهُ حتَّى قام عبدُ الرَّحمنِ بن عَوفٍ فأَلقى عليه بُرْنُسَهُ فلمَّا أَيْقَنَ الخَبيثُ أنَّه مَقبوضٌ طَعَنَ نَفْسَهُ بسِكِّينِه ومات, ومات مِن طَعَناتِه تلك ثلاثةَ عشرَ رجلًا، وأمَّا عُمَرُ فقَدَّمَ عبدَ الرَّحمن بن عَوفٍ للصَّلاةِ بالنَّاسِ، ثمَّ نظروا أَمْرَ عُمَرَ الذي احْتُمِلَ إلى بَيتِه، وجِيءَ له بالطَّبيبِ فسَقاهُ نَبيذًا فخرَج النَّبيذُ مُشْكَلًا، قال: فاسْقُوهُ لَبَنًا. قال: فخرَج اللَّبَنُ مَحْضًا، فقِيلَ له: يا أميرَ المؤمنين، اعْهَدْ. طلَب عُمَرُ مِن ابنِه عبدِ الله أن يَنظُرَ مَن قَتلَهُ؟ فقال له: قتَلَك أبو لُؤلؤةَ غُلامُ المُغيرةِ بن شُعبةَ. قال: الحمدُ لله الذي لم يَجعلْ مَنِيَّتِي بِيَدِ رجلٍ سجَد لله سَجدةً واحِدةً. ثمَّ قال لعبدِ الله، اذْهَبْ إلى عائشةَ فَسَلْها أن تَأذنَ لي أن أُدْفَنَ مع النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكرٍ. بَقِيَ عُمَرُ بعدَها ثلاثةَ أيَّامٍ ثمَّ تُوفِّيَ رضِي الله عنه وأَرضاهُ، وصلَّى عليه صُهيبٌ، ثمَّ دُفِنَ بجانبِ أبي بكرٍ في حُجرَةِ عائشةَ، فكان مع صاحِبَيْهِ كما كان معهُما في الدُّنيا، وهو أحدُ العشرةِ المُبَشَّرين بالجنَّة، وكان قد بَقِيَ خَليفةً عشرَ سنواتٍ وخمسةَ أَشهُرٍ وواحدًا وعشرين يومًا، كانت حافِلةً بالفُتوحاتِ الإسلاميَّة، وبالعَدْلِ المشهورِ، فجَزاهُ الله عن الإسلامِ والمسلمين خيرًا.
هو الإمامُ الحافِظُ، الناقِدُ العَلَّامة، شيخُ المُحَدِّثين، أبو عبدِ اللهِ مُحمَّدُ بنُ عبدِ الله بن محمَّد بن حمدويه بنِ نعيم بن الحكم، بن البيع الحاكم الضَّبِّي الطهماني النيسابوري، ويُعرَفُ بابن البيع، مِن أهل نيسابور. ولِدَ في يوم الاثنين, ثالثَ شهر ربيع الأول، سنة 321ه بنيسابور. قال الذهبي: "طلب الحديثَ في صِغَرِه بعنايةِ والِدِه وخالِه، وأوَّلُ سَماِعِه كان في سنةِ ثلاثين، في التاسعة مِن عُمُرِه، وقد استملى على أبي حاتمِ بنِ حِبَّان في سنة 334ه وهو ابنُ ثلاث عشرة سنة. ولحِقَ الأسانيدَ العاليةَ بخُراسان والعراق وما وراء النَّهر، وسَمِعَ مِن نحو ألفَي شَيخٍ، ينقُصونَ أو يزيدون، فإنَّه سَمِعَ بنيسابورَ وَحدَها مِن ألفِ نَفسٍ، وارتحَلَ إلى العراقِ وهو ابنُ عشرينَ سنة"، فكان من أهلِ العِلمِ والحِفظِ والحَديثِ، سَمِعَ الكثيرَ وطاف الآفاقَ، وصَنَّفَ الكُتُبَ الكِبارَ والصِّغارَ، أشهَرُها المُستَدرَكُ على الصَّحيحَينِ، وعلومُ الحديثِ، والإكليلُ، وتاريخُ نَيسابور، وقد روى عن خَلقٍ، ومن مشايخِه الدَّارَقُطنيُّ وابنُ أبي الفوارس وغيرهما، وقد كان مِن أهلِ الدِّينِ والأمانةِ والصِّيانةِ، والضَّبطِ والتَّجَرُّدِ والوَرَع، حدَّثَ عنه الدَّارَقُطنيُّ وأبو الفتحِ بنُ أبي الفوارسِ وهما من شيوخِه، قال الذهبيُّ عن الحاكم: "صَنَّف وخَرَّج، وجرَحَ وعَدَّل، وصَحَّحَ وعَلَّل، وكان مِن بحورِ العِلمِ على تَشَيُّعٍ قليلٍ فيه". وأكَّدَ الذهبيُّ أنَّ الحاكِمَ شِيعيٌّ وليس رافضيًّا، فقال: "أمَّا انحرافُه عن خصومِ عليٍّ فظاهِرٌ، وأمَّا أمرُ الشَّيخَينِ فمُعظِّمٌ لهما بكلِّ حالٍ, فهو شِيعيٌّ لا رافِضيٌّ" وقال: "هو شيعيٌّ مشهورٌ بذلك, من غيرِ تعرُّضٍ للشَّيخَينِ" قال ابنُ خَلِّكان: "تقَلَّدَ الحاكِمُ القضاءَ بنَيسابور في سنة 359ه في أيام الدَّولةِ السَّامانيَّة ووزراءِ أبي النَّصرِ مُحمَّدِ بن عبد الجبار العتيبي، وقُلِّدَ بعد ذلك قضاءَ جُرجان فامتنع، وكانوا يُنفِذونَه في الرَّسائِلِ إلى مُلوكِ بني بُوَيه, ثم قال: إنَّما عُرِفَ بالحاكِمِ لتقَلُّدِه القضاء ". دخل الحاكِمُ الحَمَّام، فاغتَسَل، وخرج. وقال: آه. وقُبِضَت روحُه وهو مُتَّزِرٌ لم يلبَسْ قَميصَه بعدُ، ودُفِنَ بعد عصرِ يوم الأربعاء، وصلَّى عليه القاضي أبو بكرٍ الحيري. توفِّي عن أربعٍ وثمانين سنةً.
هو الوزيرُ, المُدْبر، المُبير, وزيرُ العراق، أبو طالب مؤيد الدين محمد بن أحمد بن علي بن أبي طالب بن محمد العلقمي البغدادي، وزير المستعصم بالله. كان عنده فضيلةٌ في الإنشاء والأدب، لكنه كان رافضيًّا شيعيًّا جَلْدًا خَبيثًا داهيةً- لَعَنه اللهُ- استوزره الخليفةُ المستعصِمُ بالله سنة 642 وكان مشؤومًا على نفسِه، وعلى أهل بغداد، ورديء الطويَّة على الإسلام وأهله، ولم يُعصَم المستعصم في وزارته، فإنه لم يكن وزيرَ صِدقٍ ولا مرضيَّ الطريقة؛ فإنه هو الذي أعان على المسلمينَ في قضية هولاكو وجنوده في سقوط بغداد، وارتكاب مذبحة فيها- قبَّحه الله. وقد حصل له من التعظيم والوجاهة في أيام المستعصم ما لم يحصُلْ لِغَيرِه من الوزراء. ثم إنَّ ابنَ العلقمي عَمِلَ على ألَّا يُخطَب بالجوامِعِ، ولا تُصَلى الجماعة، وأن يبني مدرسةً على مذهب الشيعة، فلم يحصل له أمَلُه، وفُتِحَت الجوامع، وأُقِيمَت الجماعات. وقد رد كيدَه في نحرِه، وأذَلَّه بعد العزة القعساء، وصار ذليلًا عند التَّتارِ بعد ما كان وزيرًا للخُلَفاء! واكتسب إثمَ من قُتِلَ ببغداد من الرجال والنساء والأطفال، فالحُكمُ لله العليِّ الكبيرِ رَبِّ الأرض والسماء، وأراد الوزيرُ ابن العلقمي- قَبَّحه الله ولَعَنَه- أن يعَطِّلَ المساجد والمدارس والرُّبُطَ ببغداد، ويستَمِرَّ بالمَشاهد ومحالِّ الرفض، وأن يبني للرَّافضة مدرسةً هائلة ينشرون عِلمَهم بها وعليها، فلم يُقدِرْه الله تعالى على ذلك، بل أزال نعمتَه عنه وقَصَفَ عمره بعد شهورٍ يسيرةٍ مِن سقوط بغداد على أيدي المغولِ، فلم يمهِلْه اللهُ ولا أهمَلَه، بل أخذه أخذَ عزيزٍ مُقتَدِرٍ، في مستهلِّ جمادى الآخرةِ عن ثلاث وستين سنة، فمات جَهدًا وغَمًّا وحزنًا وندمًا، حيث كان يظنُّ أنَّ التَّتارَ ستُكرِمُه أكثَرَ مما كان مُكرَّمًا في بني العباس، فأخزاه الله فنَزَل من رتبةِ الوزارة إلى رتبةِ الخَدَمِ، وقد رأته يومًا امرأةٌ وهو يقادُ به وهو راكبٌ على بِرذَون، وكان قبل ذلك يسيرُ في موكبٍ وأبَّهةٍ، فقالت له: أهكذا كان يعامِلُك بنو العبَّاسِ؟!! فكانت هذه الكَلِمةُ سَببًا في زيادة كَمَدِه وغَمِّه، فوقعت كلمتُها في قلبه وانقطع في دارِه إلى أن مات كمدًا وغبينةً وضيقًا، وقِلَّة وذِلَّة، فلم يلبث بعدها يسيرًا حتى هلك- عامله اللهُ بما يستحِقُّ- ودفن في قبور الروافض، وقد سَمِعَ بأذنيه، ورأى بعينيه من الإهانةِ مِن التتارِ والمسلمينَ ما لا يُحَدُّ ولا يوصف. وكانت دولتُه أربع عشرة سنة.
هو السلطان الملك المؤيد أبو النصر سيف الدين شيخ بن عبد الله المحمودي الظاهري، وهو السلطان الثامن والعشرين من ملوك الترك المماليك بالديار المصرية، والرابع من الشراكسة وأولادهم، أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، اشتراه من أستاذه الخواجا محمود شاه البرزي في سنة 782، وبرقوق يوم ذاك أتابك العساكر بالديار المصرية قبل سلطنته، وكان عمر شيخ يوم اشتراه الملك الظاهر نحو اثنتي عشرة سنة تخمينًا، وجعله برقوق من جملة مماليكه، ثم أعتقه بعد سلطنته. تولى المؤيد شيخ السلطنة سنة 815 بعد خروجه هو والأمير ونوروز على السلطان الناصر فرج ابن السلطان برقوق فتغلَّبا عليه فخلعوه ثم قتلوه، وتولى الخليفة المستعين بالله السلطنة ثم خلعه الأمير شيخ وأخذ البيعة لنفسه, وتلقَّب بالسلطان الملك المؤيد شيخ, ثم ثار عليه صاحبه نوروز ونائبه على دمشق سنة 816 فتغلب عليه المؤيد وقَتَله, وفي شوال من السنة الماضية أخذ المؤيد البيعةَ لابنه أحمد وهو لا يزال رضيعًا, وفي مستهل المحرم من هذه السنة لازم السلطان المؤيد الفراش، وقد أفرط به الإسهالُ الدموي مع تنوُّع الأسقام وتزايُد الآلام، بحيث إنه لم يبق مرض من الأمراض حتى اعتراه، غير أنه صحيح العقل والفهم طَلِقَ اللسان، وقد اشتد الأمر بالسلطان من الآلام والإرجاف تتواتر بموته، والناس في هرج إلى أن توفي قبيل الظهر من يوم الاثنين تاسع المحرم فارتجَّ الناس لموته ساعة ثم سكنوا، وطلع الأمراء القلعة وطلبوا الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة والأعيان لإقامة الأمير أحمد بن السلطان المؤيد في السلطنة، وكان أبوه قد عهد له بذلك، فخلع عليه فتسلطَنَ ثم أخذوا في تجهيز السلطان الملك المؤيد وتغسيله وتكفينه، وصلِّيَ عليه خارج باب القلعة، وحُمِل إلى الجامع المؤيدي فدُفِن بالقبة قبيل العصر، ولم يشهد دفنه كثير من الأمراء والمماليك لتأخُّرهم بالقلعة، ومات وقد أناف على الخمسين، وكانت مدة ملكه ثماني سنين وخمسة أشهر وثمانية أيام، أما السلطان الجديد أحمد بن المؤيد شيخ وعمره سنة واحدة وثمانية أشهر وسبعة أيام، فأُركب على فرس من باب الستارة، فبكى وساروا به وهو يبكي إلى القصر، حيث الأمراء والقضاة والخليفة، فقبَّلوا له الأرضَ، ولقَّبوه بالملك المظفر أبي السعادات، وقام الأمير ططر بأعباء الدولة، وخلع عليه لالا -مربي- السلطان وكافله!!
هو الإمامُ قائِدُ الجنودِ سعود الكبير بن عبد العزيز بن محمد بن سعود ثالثُ حُكَّام الدولة السعودية الأولى، ولد بالدرعية سنة 1165هـ وتولى الحكمَ بعد وفاة والده سنة 1218هـ يعتبر عصر سعودٍ قِمَّةَ ازدهار الحكم السعودي في الدولة السعودية الأولى؛ فقد استطاع إخضاعَ الحجاز وعمان، وبلغ حوران من الشام. يصِفُ ابن بشر الإمامَ سعودًا وعهده بقوله: "أَمِنَت البلاد وطابت قلوب العباد, وانتظمت مصالحُ المسلمين بحُسن مساعيه وانضبطت الحوادث بيُمْنِ مراعيه.., وكان متيقظًا بعيد الهمة، يسَّر الله له الهيبةَ عند الأعداء والحِشمةَ في قلوب الرعايا ما لم يره أحد في وقته, وكانت له المعرفةُ التامة في تفسير القرآن، أخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. وله معرفةٌ بالحديث والفقه وغير ذلك، بحيث إنه إذا كتب نصيحةً لبعض رعاياه من المسلمين ظهر عليه في حُسنِ نَظمِه ومضمونِ كلامِه عدمُ قصورٍ في الاطلاع على العلوم, وقد رأيتُ العجب في المنطوق والمفهوم.. فمن وقف على مراسلاتِه ونصائحه عرفَ بلاغتَه ووفورَ عِلمِه، وإذا تكلَّم في المحافل أو مجالِسِ التذكير بهر العقولَ مِمَّن لم يكن قد سَمِعه, وخال في نفسِه أنَّه لم يسمع مثله, وعليه الهيبةُ العظيمة التي ما سَمِعْنا بمثلها في الملوك السالفة. بحيث إنَّ ملوك الأقطار لا تتجاسَرُ مراجعة كلامه ولا ترمقُه ببصَرِها إجلالًا له وإعظامًا، وهو مع ذلك في الغاية من التواضع للمساكين وذوي الحاجة، وكثيرُ المداعبة والانبساط لخواصِّه وأصحابه, وكان ذا رأيٍ باهر وعقل وافر.. وكان ثبتًا شجاعًا في الحروب محبَّبًا إليه الجهاد في صِغَرِه وكبره، بحيث إنه لم يتخلَّفْ في جميع المغازي والحِجَج، ويغزو معه العلماء من أهل الدرعية.. وإخوانه وبنو عمه كلُّ واحد من هؤلاء بدولة عظيمة من الخيل والركاب والخيام والرجال وما يتبع ذلك من رحائِلِ الأمتاع والأزواد للضيفِ وغيره, وقام في الجهاد وبذَلَ الاجتهاد، وفتحَ أكثر البلدان في أيامِ أبيه وبعد موتِه، وأُعطي السعادةَ في مغازيه, ولا أعلَمُ أنه هُزِمَت له راية، بل نُصِر بالرعب في قلوب أعدائه، فإذا سمعوا بمغزاه ومعداه هرب كلٌّ منهم وترك أباه وأخاه وماله وما حواه" وكان له مجلس علم في الدرعية بعد طلوع الشمسِ يَحضُرُه جمعٌ عظيم، بحيث لا يتخَلَّفُ إلا النادر من أهل الأعمال يجلسون حِلَقًا كُلُّ حلقة خلفها حلقةٌ، لا يحصيهم العَدُّ، فإذا اجتمع الناسُ خرج سعود من قَصرِه ويجلس بجانِبِه الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو الذي يقرأ عليه، ومن الكتب التي تُقرأ عليه في هذا المجلس تفسيرُ ابن جرير الطبري، وابن كثير, وله مجالِسُ أخرى يُقرأ فيها عليه رياضُ الصالحين، وصحيح البخاري. توفي الإمام سعود ليلة الاثنين 11 جمادى الأولى من هذه السنة, عن عمر 74 سنة، وكانت ولايته عشر سنين وتسعة أشهر وأيامًا، وكان موته بعِلَّةٍ وقعت أسفل بطنه أصابه منها حَصَر بول, وكان قد أنجب 12 ولدًا وانقرضت ذريَّتُه سنة 1265هـ, وتولَّى بعده ابنه عبد الله خلفًا له.
مَلَكَ التكينُ صاحبُ سَمرقَند مَدينةَ تِرمِذ، وسَببُ ذلك أنَّه لمَّا بَلغَهُ وَفاةُ ألب أرسلان، وعَوْدُ ابنِه ملكشاه عن خُراسان، طَمِعَ في البِلادِ المُجاوِرَةِ له، فقَصدَ تِرمِذَ أوَّلَ رَبيعٍ الآخر، وفَتحَها، ونَقلَ ما فيها من ذَخائِر وغَيرِها إلى سَمرقَند.
أعطى وزيرُ التعليم العالي السوري غياث بركات توجيهاتٍ تقضي بمَنعِ دُخولِ الطالبات المنتقبات إلى الجامعات السُّورية. وأعلن الوزيرُ السوريُّ رفْضَه لِمَا وصَفَه بالظَّاهرة التي تتعارضُ مع القِيَم والتَّقاليد الأكاديميَّة ومع أخلاقيَّاتِ الحرمِ الجامعيِّ.
لَمَّا قَدِمَ أسامةُ بنُ زيدٍ مِن بَعْثِه للرُّومِ استخلفه أبو بكرٍ على المدينةِ، وأمره ومن معه أن يُريحوا ظَهْرَهم، ثم ركب أبو بكر في الذين كانوا معه من المسلمين، فقالوا له: لو رجعتَ إلى المدينةِ وأرسلْتَ رجلًا، فقال: واللهِ لا أفعَلُ، ولأواسِيَنَّكم بنفسي، فخرج في تعبئتِه النُّعمانُ وعبدُ اللهِ وسُوَيدُ بنو مُقرنٍ على ما كانوا عليه في الوقعةِ السابقةِ، حتى نزل على أهلِ الربذةِ بالأبرَقِ، وهناك جماعةٌ من بني عَبسٍ وذبيانَ، وطائفةٌ من بني كِنانةَ، فاقتتلوا، فهزم اللهُ الحارِثَ وعَوفًا، وأُخِذ الحُطَيئةُ أسيرًا، فطارت بنو عبسٍ وبنو بكرٍ، وأقام أبو بكرٍ على الأبرَقِ أيَّامًا، وقد غَلَب بني ذُبيان على البلادِ، وقال: حرامٌ على بني ذُبيانَ أن يتمَلَّكوا هذه البلادَ؛ إذ غَنَّمَناها اللهُ، وحمى الأبرَقَ بخيولِ المسلمينَ، وأرعى سائِرَ بلادِ الربذةِ، ولَمَّا فَرَّت عبسٌ وذبيانُ صاروا إلى مؤازرةِ طَلحةَ وهو نازلٌ على بزاخةَ.
سببُ ذلك أنَّ الموفَّقَ لَمَّا توفِّيَ كان له خادمٌ من خواصِّه يقال له: راغب، فاختار الجِهادَ، فسار إلى طرسوس على عَزمِ المُقام بها، فلما وصل إلى الشام سيَّرَ ما معه من دوابَّ وآلاتٍ وخيامٍ وغير ذلك إلى طرسوس، وسار هو إلى خمارَوَيه ليزورَه، ويُعَرِّفَه عزمَه، فلما لَقِيَه بدمشق أكرَمَه خمارَوَيه وأحَبَّه وأَنِسَ به، واستحيا راغِبٌ أن يطلُبَ منه المسيرَ إلى طرسوس، فطال مُقامُه عنده، فظنَّ أصحابُه أنَّ خمارَوَيه قبَضَ عليه، فأذاعوا ذلك، فاستعظَمَه الناسُ، وقالوا: يَعمِدُ إلى رجلٍ قصَدَ الجهادَ في سبيل الله فيَقبِضُ عليه! ثم شَغَّبوا على أميرهم محمد ابن عم خمارَوَيه، وقبضوا عليه، وقالوا: لا تزالُ في الحبسِ إلى أن يُطلِقَ ابنُ عَمِّك راغبًا، ونَهَبوا دارَه وهَتَكوا حَرَمَه، وبلغ الخبَرُ إلى خمارَوَيه، فأطْلَعَ راغبًا عليه، وأذِنَ له في المسيرِ إلى طرسوس، فلمَّا بلغ إليها أطلَقَ أهلُها أميرَهم، فلما أطلقوه قال لهم: قبَّحَ اللهُ جِوارَكم، وسار عنها إلى بيت المقدس فأقام به، ولَمَّا سار عن طرسوس عاد العجيفي إلى ولايتِها.