هو العلامة المتكلم أبو الحسن علي بن أبي علي ابن محمد بن سالم الثعلبي سيف الدين الآمدي، الحنبلي ثم الشافعي. الحموي الدمشقي، صاحبُ المصَنَّفات في الأصلين وغيرهما، ومن مصنفاته: " أبكار الأفكار في الكلام " و" دقائق الحقائق في الحكمة " و" إحكام الأحكام في أصول الفقه " ولد بعد 550 بيسيرٍ بآمد، وقرأ بها القراءات على الشيخ محمد الصفار، وعمار الآمدي. وحفظ "الهداية" في مذهب أحمد. كان حنبليَّ المذهب فصار شافعيًّا أشعريًّا أصوليًّا منطقيًّا جدليًّا خلافيًّا، وكان حسن الأخلاق، وقد تكَلَّموا فيه بأشياءَ اللهُ أعلم بصحتها، وقد كانت ملوك بني أيوب كالمعظَّم والكامل يُكرمونَه وإن كانوا لا يحبُّونه كثيرًا، وقد فوَّضَ إليه المعَظَّم تدريس العزيزية، فلما ولي الأشرفُ دمشق عزله عنها ونادى بالمدارس أن لا يشتغل أحدٌ بغير التفسير والحديث والفقه، ومن اشتغل بعلومِ الأوائل نفيتُه، فأقام الشيخ سيف الدين بمنزله إلى أن توفِّي بدمشق، ودُفِنَ بتربته بسفح قاسيون، وكان قد اشتغل ببغداد على أبي الفتح نصر بن فتيان بن المنى الحنبلي، ثم انتقل إلى مذهبِ الشافعي فأخذ عن ابن فضلان وغيره، وحَفِظَ طريقة الخلاف للشريف، وزوائد طريقة أسعد الميهني، ثم انتقل إلى الشام واشتغل بعلوم المعقول. قال الذهبي: "تفنَّنَ في علم النظر، والفلسفة وأكثَرَ من ذلك. وكان من أذكياءِ العالم, ثم دخل الديارَ المصرية وتصَدَّرَ بها لإقراء العقليات بالجامع الظافري. وأعاد بمدرسةِ الشافعي. وتخرَّج به جماعة. وصنَّف تصانيفَ عديدة. ثم قاموا عليه، ونسبوه إلى فساد العقيدة والانحلال والتعطيل والفلسفة. وكتبوا محضرًا بذلك. قال القاضي ابن خلكان: وضعوا خطوطَهم بما يستباحُ به الدم، فخرج مستخفيًا إلى الشام فاستوطن حماة" ثم تحوَّل إلى دمشق فدرس بالعزيزية، ثم عُزِلَ عنها ولزم بيته إلى أن مات، وله ثمانون عامًا- رحمه الله تعالى وعفا عنه.
رفضت المدُنُ الأندلسيَّةُ أن ترضخَ لمطالبِ السياسيِّ الليبرالي منديزابال: "بأن تقومَ الدولةُ ببيعِ ممتلكاتِ الكنيسةِ ومُصادرتِها، كحَلٍّ لمشاكِلِها الماليةِ في أسبانيا"، وتوحَّدت مناطِقُ الأندلس عبر "مجلس أعلى للثورة" مقرُّه بلدةُ أندوجر (مقاطعة جيان) يمثِّل جميعَ الأندلس عبر ممثِّلينَ من جميعِ مقاطعاتِها. وانتخَبَ المجلسُ الكوندي دي دوناديو -مثِّل مدينة جيان- رئيسًا له، وأرسل إنذارًا للحكومةِ في مجريط يعبِّرُ فيه عن رغبةِ الأندلسيين في حُكمِ ديموقراطي على أساسِ دستورِ (أندوجر)، وجعل الحكومةَ مسؤولةً أمامَ الإرادة الشعبية. ثم كوَّن المجلِسُ جيشًا أندلسيًّا للدفاعِ عن الأندلس. لكِنَّ منديزابال نجح في إقناع المدن الأندلسية الواحدة تلوَ الأخرى بالرُّجوعِ للحكومة. ثم اضطرَّ مجلس الثورة الأعلى الأندلسي في أندوجر أن يحُلَّ نفسَه. كانت هذه الأحداث مهمَّةً في تكوين القوميَّةِ الأندلسية إذ تحرَّكت فيها الأندلسُ لأولِ مرة منذ ثورات المورسكيين كأمَّةٍ واحدة أمام الحُكمِ المركزيِّ في مجريط، وكانت الثوراتُ قبل ذلك أسبانيةً في الأندلس وليست أندلسية. وخيرُ تقدير لأهمية هذه الثورة ما قاله بلاس انفانتي -أسلم لاحقًا ثم أُعدِمَ لدفاعه عن المسلمين- وهو مؤسِّس القوميَّةِ الأندلسيَّةِ، قال: "لقد أعطت الأندلسُ سنة 1835م برهانًا واضحًا عن وجودِ شعورِ وَحدةٍ مصيرية في منطقتِها، تنبضُ فيه رغبتُها في المساهمة كوحدة تَشعُرُ بنفسِها في سيادةِ الدولة المركزية. وقد كوَّنت الولاياتُ الأندلسيَّةُ الموحَّدةُ أكبرَ وأقوى مقاومة لمنديزابال، وأنشأت أمام القوى المركزية الليبرالية قوةً جهوية فاعلة، لها جيشُها الخاص، تعاملت ندًّا لندٍّ مع كرستينا (الوصية على العرش). وأعلنت أُسُسَ الحُكم الشعبي، وتصرَّفت بشرفٍ وأخلاق". وتتلخَّصُ أهم سماتِ الحركة الأندلسية في القرن التاسع عشر في الانتماء إلى منطقة واحدة (الأندلس)، وأمَّة واحدة أندلسية، والمطالبة بحقوقِها، والوقوفِ في وجهِ تجاوزات الدولة المركزية الليبرالية، والكنيسة الكاثوليكية، والإقطاع الزراعي.
هو فلاح بن مانع بن حثلين العجمي أميرُ قبيلة العجمان، قام في السنة الماضية ومعه بعض العُجمان وعربان من سبيع بالغارة على حاجِّ الأحساء والقطيف والبحرين وسيف البحر، فطلبه الإمام فيصل بن تركي ففَرَّ إلى ديرة بن خالد، فأجلى الإمام فيصل العجمانَ من ديرة بني خالد، ففَرَّ ابن حثلين إلى محمد بن هاد بن قرملة بعد أن انسلخ منه العجمان وتبرؤوا منه، ثم إنَّ فلاح بن حثلين قام يدير الرأيَ في الحيلة للرجوعِ إلى ديرة بني خالد، ووقع في نفسِه أنَّه لا يَقدِرُ على ذلك إلَّا بمصافاة الدويش وأتباعه، فرحل من مكانِه وقصَدَهم في ديرة بني خالد، ومعه قطعةٌ قليلة من العجمان، فنزل على منديل بن غنيمان رئيسِ من الملاعبة من مطير، وطلبه أن يجيره ويجمع بينه وبين الدويش، فأبى ابن غنيمان وقال: لا نقدِرُ على ذلك، ونحن بيدِ الإمام فيصل، ولا يجسرُ يجيرُ عليه أحد، وأرسل منديل إلى الحميدي الدويش وأخبره بالأمر، فركب من ساعته بعَدَدِه وعُدَّتِه وألفى عند ابن غنيمان ورحل معه بابن حثلين ومن تَبِعَه وأدخلهم مع عُربانه، وأرسل إلى فيصل يخبره، وركب وافدًا عليه ومعه رؤساء قومِه فلما دخلوا على الإمام ذكَرَ لهم ما فعل ابن حثلين بالمسلمين، وقال: لا بدَّ من إمساكه وأخْذِه من عندكم وأخذ الثأر منه للمسلمين، وألزمه بذلك فلم يجِدْ بدًّا من طاعته، فأمر الإمامُ على رجال من خدَّامه يركبون معهم ويأخذون ابن حثلين من عند الدويش، وقصدوا به الأحساءَ وأدخلوه قصرَ الكوت عند أحمد السديري، فقطعوا رأسَه، وعندما قُتِلَ فلاح بن حثلين خلفه أخوه العجمان الشيخ حزام بن حثلين عمُّ راكان بن فلاح حوالي خمسة عشرة عامًا في زعامة قبيلة العجمان، ثم تنازل عن زعامته لابن أخيه الشيخ راكان بن فلاح بن حثلين، عام 1276هـ.
توفي ملك قبرص هوك دولوزنيان وقد خلف ولدًا قاصرًا هو هنري الأول، فتولى الوصاية عليه فيليب إيبلان برضا أمه الملكة، فلما توفي فيليب انتقلت الوصاية إلى أخيه جان، لكن بغير رضا الملكة، وكان الملك فردريك الثاني قد مر على قبرص في طريقه إلى بلاد الشام، فاستعانت به الملكة ضد الوصي جان فاستولى فردريك على قبرص وضمها إلى مملكته الألمانية.
لما انتَزعَ المَلِكُ المُعَظَّمُ أتسز بن أوف الخوارزمي دِمشقَ من أَيدِي العُبيديِّين سَنةَ 468هـ، شَرعَ في بِناءِ هذا الحِصْنِ المَنيعِ بدِمشقَ وكان في مكانِ القَلعةِ -أَحَدِ أَبوابِ البَلدِ- بابٌ يُعرفُ ببابِ الحَديدِ، وهو البابُ المُقابلُ لدارِ رضوان، وقد ارتَفعَ بعضُ أَبرجتِها فلم يتَكامل حتى انتَزعَ مُلْكَ البَلدِ منه المَلِكُ المُظفَّرُ تاجُ المُلوكِ تتش بن ألب أرسلان السلجوقي، فأَكمَلَها وأَحسنَ عِمارَتَها، وابتَنَى بها دارَ رضوان للمُلْكِ، واستَمرَّت على ذلك البِناءِ في أيامِ نورِ الدِّين محمودِ بن زِنكي، فلمَّا كان المَلِكُ صَلاحُ الدِّينِ بن يُوسفَ بن أيوبَ الأيوبيُّ جَدَّدَ فيها شَيئًا، وابتَنَى له نائِبُه ابنُ مُقدَّمٍ فيها دارًا هائِلةً لمملكة للمَملكةِ، ثم إنَّ المَلِكَ العادلَ أخا صلاحِ الدِّينِ، اقتَسمَ هو وأولادُه أَبرجتَها، فبَنَى كلُّ مَلِكٍ منهم بُرْجًا منها جَدَّدَهُ وعَلَّاهُ وأَطَّدَهُ وأَكَّدَهُ، ثم جَدَّدَ المَلِكُ الظَّاهِرُ بِيبَرسُ منها البُرجَ الغربيَّ القِبليَّ، ثم ابتَنَى بعده في دَولةِ المَلِكِ الأَشرفِ خليلِ بن المنصورِ، نائِبُه الشُّجاعيُّ، الطارمةَ الشماليَّةَ والقُبَّةَ الزَّرقاءَ وما حولَها.
هو المَلِكُ المنصور صاحب ماردين أبو الفتح نجم الدين غازي بن المَلِك المظَفَّر قرارسلان بن الملك السعيد نجم الدين غازي بن الملك المنصور ناصر الدين أرتق بن غازي بن المني بن تمرتاش بن غازي بن أرتق أصحاب ماردين من عِدَّة سنين، كان شيخًا حسنًا مَهيبًا كامِلَ الخلقة بدينًا سمينًا، إذا ركب يكون خلْفَه محَفَّة، خوفًا من أن يمسَّه لُغوبٌ فيركب فيها، توفِّيَ في تاسع ربيع الآخر ودُفِنَ بمدرسته تحت القلعة، وقد بلغ من العمر فوق السبعين، ومكث في الملك قريبًا من عشرين سنة، وقام مِن بَعدِه في المُلْكِ وَلَدُه العادل فمكث سبعة عشر يومًا، ثم مَلَك أخوه المنصور.
استقر الأمر للملك العادل الثاني بن الملك الكامل بمصر ودمشق يوم الخميس في الثاني عشر من رجب، وهو السلطان السابع من بني أبوب بديار مصر، فقدمت عليه القصاد من دمشق بوفاة أبيه واستقراره من بعده، فشرع الأميرُ سيف الدين قلج في تحليف الأمراء للملك العادل في داره، وحطَّ الملك العادل المكوس، ووسَّع في العطاء وفي الأرزاق على كلِّ أحدٍ، وفي رابع شعبان خطب له بمصر، وأعلن بموت الملك الكامل، وفي رابع عشر شعبان ضُرِبَت السكة باسمه، وفي ثامن عشر رمضان: نقش الدينار والدرهم باسمه، وفي عشريه قرئ توقيعُه على المنبر بإبطالِ جميع المكوس، وفي سابع عشرين شوال وصل محيي الدين أبو محمد يوسف بن الجوزي، رسولًا من بغداد، بتعزية الملك العادل، وهنَّأه بالملك من قبل الخليفة، وكان العادِلُ قد بعث إلى دمشق بالخِلَع والسنجق، فركب الجواد بالخِلَع في تاسع عشر رمضان وأنفق الملك العادل على العساكر.
لمَّا مَرِض أبو بكرٍ الصِّدِّيق رضِي الله عنه وأَحَسَّ بِدُنُوِّ أَجَلِه جمَع عددًا مِن الصَّحابة الذين كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يُشاوِرهُم وعرَض عليهم أن يُؤمِّروا رجلًا يَرضَوْنهُ في حَياتِه؛ ولكنَّهم لم يَستقِرُّوا على أَمْرٍ، ثمَّ بدَأ يسألُ النَّاس عن عُمَرَ بن الخطَّاب، ثمَّ استَقرَّ رَأيُه على اسْتِخلاف عُمَرَ، فكتَب بذلك كِتابًا نَصُّهُ: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، هذا ما عَهِدَ أبو بكرٍ بن أبي قُحافةَ إلى المسلمين، أمَّا بعدُ، فإنِّي قد اسْتخلَفتُ عليكم عُمَرَ بن الخطَّاب، ولم آلُكُم خيرًا منه. وقال: اللَّهمَّ إنِّي اسْتخلَفتُ على أهلِك خيرَ أهلِك. وبَلَّغَ بذلك النَّاسَ، ورَضوا به، فكانت تلك خِلافة عُمَرَ رضِي الله عنه.
الروانديَّةُ أو الروانديَّة أصلُهم من خراسان، وهم على رأي أبي مسلمٍ الخراساني، كانوا يقولونَ بالتناسُخِ، ويزعمونَ أنَّ روح آدم انتقَلَت إلى عثمان بن نهيك، وأنَّ رَبَّهم الذي يُطعِمُهم ويسقيهم أبو جعفرٍ المنصور. وأنَّ الهيثم بن معاوية جبريل- قبَّحَهم الله- فأتَوا يومًا قصر المنصور فجعلوا يطوفونَ به، ويقولون: هذا قصر ربنا، فأرسل المنصورُ إلى رؤسائهم، فحبس منهم مئتين، فغَضِبوا من ذلك ودخَلوا السجن قهرًا، وأخرجوهم فخرج المنصور إليهم، وخرج الناس وكان منهم معن بن زائدة، الذي قال للمنصور: نحن نكفيكَهم فأبى، وقام أهل الأسواق إليهم فقاتَلوهم، وجاءت الجيوشُ فالتفُّوا عليهم من كل ناحية فحصدوهم عن آخِرِهم، ولم يَبقَ منهم بقيَّة.
خرج خارجيٌّ من البربر بناحية مورور، من الأندلس، ومعه جماعةٌ، فوصل كتابُ العامل إلى الحكَمِ بنِ هشام بخبَرِه، فأخفى الحكَمُ خبَرَه، واستدعى من ساعته قائدًا من قوَّاده، فأخبَرَه بذلك سرًّا، وقال له: سِرْ مِن ساعتِك إلى هذا الخارجيِّ فأْتِني برأسه، وإلَّا فرأسُك عِوَضَه، وأنا قاعِدٌ مكاني هذا إلى أن تعود. فسار القائِدُ إلى الخارجيِّ، فلما قاربه سأل عنه، فأُخبِرَ عنه باحتياطٍ كثيرٍ، واحترازٍ شديدٍ، ثم ذكر قولَ الحكَمِ: إنْ قتَلْتَه، وإلا فرأسُك عِوَضَه، فحَمَلَ نفسَه على سبيلِ المخاطرةِ فأعمل الحِيلةَ، حتى دخل عليه، وقتَلَه، وأحضَرَ رأسَه عند الحكم، فرآه بمكانِه ذلك لم يتغيَّرْ منه، وكانت غيبتُه أربعةَ أيام. ثم أحسَنَ إلى ذلك القائدِ، ووصله وأعلى محلَّه.
أظهرَ المأمونُ بِدعتَه الثانيةَ الشَّنيعةَ، ولم يأت هذا الإظهارُ دون سوابِقَ، بل إنَّ المأمونَ عُرِفَ عنه تقريبُه لأئمَّة المعتَزِلة وتودُّده إليهم وإكرامُه لهم، فتأثر بهم وبمذهبِهم، حتى قال بقَولِهم، ولم يقف الأمرُ عند هذا الحَدِّ، بل ألبوه على عُلَماءِ السنَّة الذين يخالفونَهم في الرأي، وكان من أشدِّ الأمور التي ظهر الخلافُ فيها هي مسألةُ خلقِ القرآنِ، فأهلُ السنَّة والجماعة يقولون: إنَّه كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ، بل هو صِفةٌ مِن صفاتِه عَزَّ وجَلَّ، وصفاتُه غيرُ مخلوقةٍ، وأمَّا هؤلاء المعتزلةُ ومَن وافقَهم من الجهميَّة وغيرِهم فيقولون بل إنَّ كلامَه مخلوقٌ، فأظهَرَ هذه البدعةَ المأمونُ، وامتحَنَ العُلَماءَ عليها بعد ذلك وعذَّبَ فيها من عذَّبَ، وقَتَلَ فيها من قَتَل، واللهُ المُستعان.
هو الإمامُ الحافِظُ الجَهبَذُ، شيخُ المحَدِّثين، أبو زكريَّا يحيى بن مَعِينِ بنِ عون بن زياد بن بسطام. الغطفانيُّ, ثم المُرِّي مولاهم البغدادي. ولد سنة ثمان وخمسينَ ومائة. أحدُ أعلامِ أئمَّة الحديثِ، سيِّدُ الحفَّاظِ، إمامُ عَصرِه بالجَرح ِوالتَّعديلِ، وإليه المنتهى والمرجِعُ بذلك، وقال الإمام أحمد: "كلُّ حديثٍ لا يَعرِفُه يحيى، فليس بحديثٍ"، له كتابٌ في العِلَلِ، وكتابٌ في الجَرحِ والتعديل، توفِّيَ بالمدينةِ وغُسِّلَ على الأعوادِ التي غسِّلَ عليها رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ونادى منادٍ في جنازتِه: هذا الذي كان يذُبُّ الكَذِبَ عن رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، ودُفِنَ في البقيعِ- رحمه الله تعالى، وجزاه عن الإسلامِ والمُسلِمينَ خَيرًا.
هو الإمامُ الحافظُ الحُجَّة الفقيهُ، شيخُ الإسلام، محمدُ بنُ إسحاقَ بنِ خُزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النَّيسابوري، الشافعي، الملقَّب بإمامِ الأئمَّة أبو بكر بنُ خُزيمة، صاحِبُ التصانيفِ. ولد: سنة 223. مولى مُحسِن بن مزاحم، عُنِيَ في حداثته بالحديثِ والفِقهِ، حتى صار يُضرَبُ به المثَلُ في سعة العلم والإتقان. كان بحرًا من بحور العِلمِ، طاف البلادَ ورحل إلى الآفاقِ في الحديثِ وطلب العلم، فكتب الكثيرَ وصَنَّف وجمع، وكتابُه الصحيحُ من أنفعِ الكُتُب وأجَلِّها، وهو من المجتهدينَ في دينِ الإسلام، حكى الشيخ أبو إسحاقَ الشيرازي في طبقاتِ الشافعية عنه أنه قال: "ما قلدتُ أحدًا منذ بلغت ستَّ عشرة سنةً".
قَدِمَت رسلُ بركة خان إلى السلطانِ الظاهرِ بيبرس يقول له: قد عَلِمتَ محبَّتي للإسلام، وعَلِمتَ ما فعَلَ هولاكو بالمسلمين، فاركَبْ أنت من ناحيةٍ حتى آتيَه أنا من ناحيةٍ حتى نصطَلِمَه أو نخرِجَه من البلاد. فالتقى بركة خان وهولاكو ومع كلِّ واحدٍ جيوشٌ كثيرة فاقتتلوا فهزم اللهُ هولاكو هزيمةً فظيعةً وقُتِلَ أكثر أصحابه وغَرِقَ أكثر من بقي، وهرب هو في شرذمةٍ يسيرةٍ، ولله الحمد، ولما نظَرَ بَركة خان كثرة القتلى قال: يعِزُّ علي أن يقتل المغولُ بعضُهم بعضًا، ولكن كيف الحيلةُ فيمن غيَّرَ سُنَّة جنكيز خان، ثم أغار بركة خان على بلادِ القسطنطينية فصانعه صاحِبُها وأرسل الظاهِرُ هدايا عظيمةً إلى بركه خان.
هو الإمامُ العلَّامة، المتفنن المتبحر في العلم، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرخ الخزرجي الأنصاري القرطبي، من أهل قرطبة، كان عالِمًا بالتفسير والأحكام واللغة. قال الذهبي: "له تصانيفُ مفيدة تدل على كثرة اطلاعه ووفور فضله، أشهرها تفسيره الجامع لأحكام القرآن، وقد سارت به لعظيمِ شأنه الركبانُ، وهو كامل في معناه. ومن تصانيفه كذلك: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، والتذكار في أفضل الأذكار، وكتاب "التذكرة"، وأشياء تدل على إمامته وذكائه وكثرة اطلاعه". رحل إلى المشرق واستقر في شمال أسيوط، كان عالِمًا بالتفسير والأحكام واللغة. توفي في أوائل هذه السنة بمنية بني خصيب من الصعيد الأدنى عن 93 عامًا.