الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2316 ). زمن البحث بالثانية ( 0.014 )

العام الهجري : 626 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1229
تفاصيل الحدث:

ملك الملك الكامل مدينة حماة، وسبب ذلك أنَّ الملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر، وهو صاحب حماة، توفِّي، ولما حضرته الوفاة حلف الجندُ وأكابر البلد لولده الأكبر، ويلقب بالملك المظفَّر، وكان قد سيَّرَه أبوه إلى الملك الكامل، صاحب مصر، وكان لمحمَّد ولد آخر اسمه قلج أرسلان، ولقبه صلاح الدين، وهو بدمشق، فحضر إلى مدينة حماة فسُلِّمَت إليه، واستولى على المدينة وعلى قلعتها، فأرسل الملك الكامل يأمره أن يسلِّمَ البلد إلى أخيه الأكبر، فإنَّ أباه أوصى له به، فلم يفعل، وترددت الرسل في ذلك إلى الملك المعظَّم، صاحب دمشق، فلم تقع الإجابة، فلما توفِّيَ المعظم، وخرج الكامل إلى الشام وملك دمشق، سيَّرَ جيشًا إلى حماة فحصرها ثالث شهر رمضان، وكان المقَدَّم على هذا الجيش أسد الدين شيركوه، صاحب حمص، وأمير كبير من عسكره يقال له فخر الدين عثمان، ومعهما ولد محمد بن تقي الدين محمد الذي كان عند الكامل، فبقي الحصار على البلد عدة أيام، وكان الملك الكامل قد سار عن دمشق ونزل على سلمية يريد العبور إلى البلاد الجزرية، حران وغيرها، فلما نازلها قَصَده صاحب حماة صلاح الدين، ونزل إليه من قلعتِه في نفرٍ يسيرٍ، ووصل إلى الكامل، فاعتقَلَه إلى أن سلَّمَ مدينة حماة وقلعتَها إلى أخيه الأكبر الملك المظفَّر، وبقي بيده قلعة بارين، فإنها كانت له.

العام الهجري : 626 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1229
تفاصيل الحدث:

حصر جلال الدين خوارزم شاه مدينة خلاط، وهي للملك الأشرف، وبها عسكره، فامتنعوا بها، وأعانهم أهل البلد خوفًا من جلال الدين لسوء سيرته، وأسرفوا في الشتم والسفه، فأخذه اللجاج معهم، وأقام عليهم جميع الشتاء محاصرًا، وفرق كثيرًا من عساكره في القرى والبلاد القريبة من شدة البرد وكثرة الثلج؛ فإن خلاط من أشد البلاد بردًا وأكثرها ثلجًا، وأبان جلال الدين عن عزم قوي، وصبر تحارُ العقول منه، ونصب عليها عدةَ مجانيق، ولم يزل يرميها بالحجارة حتى خربت بعض سورها، فأعاد أهلُ البلد عمارته، ولم يزل مصابِرَهم وملازِمَهم إلى أواخر جمادى الأولى من سنة سبع وعشرين، فزحف إليها زحفًا متتابعًا، وملكها عَنوةً وقهرًا يوم الأحد الثامن والعشرين من جمادى الأولى، سلمها إليه بعض الأمراء غدرًا، فلما ملك البلد صعد من فيه من الأمراء إلى القلعة التي لها وامتنعوا بها، وهو مُنازِلهم، ووضع السيف في أهل البلد، وقتل من وجد به منهم، وكانوا قد قلوا، فإن بعضهم فارقوه خوفًا، وبعضهم خرج منه من شدة الجوع، وبعضهم مات من القلة وعدم القوت، وخرب عساكر جلال الدين خلاط، وأكثروا القتلَ فيها، ومن سلم هرب في البلاد، وسبوا الحريم، واسترقُّوا الأولادَ، وباعوا الجميعَ، فتمَزَّقوا كلَّ مُمزَّق، وتفَرَّقوا في البلاد، ونهبوا الأموال، وجرى على أهلِها ما لم يسمَعْ بمثله أحدٌ، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

العام الهجري : 589 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1193
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ الكبيرُ، المَلِكُ النَّاصِرُ: صلاح الدين، أبو المظفر يوسف بن الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الكردي الدُوِيني، ثم التِكريتي المولد. صاحِبُ الدِّيارِ المصريَّة والبلادِ الشاميَّة والفُراتيَّة واليمنيَّة، واسطة عقدِ آل أيوب، وشُهرتُه أكبَرُ مِن أن تحتاج إلى التنبيهِ عليه. اتَّفَق أهل التاريخ على أن أباه وأهلَه من دُوِين؛ بلدةٍ في آخِرِ عمل أذربيجان من جهة أران وبلاد الكرج، وأنهم أكرادٌ رَواديِّة، والرَوَاديَّة: بطن من الهَذَبانِيَّة، وهي قبيلةٌ كبيرة من الأكراد. قال ابنُ خَلِّكان: "قال لي رجلٌ فقيه عارِفٌ بما يقول، وهو من أهل دُوِين: إنَّ على باب دوين قريةً يقال لها أجدانقان، وجميع أهلها أكراد رَوَاديَّة، ومولد أيوب بن شاذي والد صلاح الدين وعمه شيركوه بها، ثم أخذ شاذي ولَدَيه أسد الدين شيركوه ونجم الدين أيوب وخَرَجَ بهما إلى بغداد، ومِن هناك نزلوا تكريت، ومات شاذي بها، ولقد تتبعت نِسبَتَهم كثيرًا فلم أجِدْ أحدًا ذَكَرَ بعد شاذي أبًا آخر، حتى إنِّي وقفتُ على كتب كثيرة بأوقافٍ وأملاك باسم شيركوه وأيوب، فلم أرَ فيها سوى شيركوه بن شاذي، وأيوب بن شاذي، لا غير" ثم خَدَم أيوب وشيركوه مجاهِدَ الدين بهروز بن عبد الله الغياثي شحنةً بالعراق- الشحنة: القَيِّم لضَبطِ أمن البلد- فلما رأى مجاهِدُ الدين في نجم الدين أيوب عقلًا ورأيًا حسنًا وحُسنَ سيرة، جعله دُزدَار تكريت، أي: حافظ القلعة، وواليها, ثم انتقل أيوب وشيركوه لخدمة عماد الدين زنكي بالموصل، فأحسن إليهما وأقطعهما إقطاعًا حسنًا وصارا من جملة جنده. فلما فتح عماد الدين زنكي بعلبك جعل نجم الدين أيوب واليًا عليها. قال ابن خلكان: " اتفق أربابُ التواريخ أنَّ صلاح الدين وُلِدَ سنة 532 بقلعة تكريت لَمَّا كان أبوه بها، ولم يَزَل صلاح الدين تحت كَنَف أبيه حتى ترعرع, ولما مَلَك نور الدين محمود بن عماد الدين زنكي دمشقَ لازم نجم الدين أيوب خِدمَتَه، وكذلك وَلَدُه صلاح الدين، وكانت مخايلُ السعادة عليه لائحةً، والنجابةُ تُقَدِّمه من حالة إلى حالة، ونور الدين يرى له ويُؤثِرُه، ومنه تعلَّم صلاح الدين طرائِقَ الخيرِ وفِعلَ المعروف والاجتهادِ في أمور الجهاد، حتى تجهَّزَ للمَسيرِ مع عمه شيركوه إلى الديار المِصريَّة" قال الذهبي: "سَمِعَ صلاح الدين من أبي طاهر السِّلَفي، والفقيه علي بن بنت أبي سعد، وأبي الطاهر بن عوف، والقطب النيسابوري، وحدَّث". أمَّر نورُ الدين صلاحَ الدين، وبَعَثَه في عسكره مع عَمِّه أسد الدين شيركوه، فحَكَم شيركوه على مصر، فما لَبِثَ أن توفي، فقام بعدَه صلاح الدين، ودانت له العساكِرُ، وقَهَر بني عُبَيد، ومحا دولَتَهم، واستولى على قصرِ القاهرة بما حوى من الأمتعة والنفائس، منها الجبل الياقوت, وخلا القصرُ مِن أهله وذخائره، وأقام الدعوة العباسية. وكان خليقًا للإمارة مَهيبًا، شُجاعًا حازِمًا مجاهِدًا، كثيرَ الغزو، عاليَ الهِمَّة، كانت دولتُه نيفًا وعشرين سنة. قال ابن خلكان: " قال شيخُنا ابن شداد (في سيرة صلاح الدين): "سمعتُ صلاح الدين يوسف بن أيوب يقول: لَمَّا يَسَّرَ لي الله الديارَ المصرية عَلِمتُ أنه أراد فتح الساحِلِ؛ لأنه أوقع ذلك في نفسي, ثم قال ابن شداد: ومِن حينِ استتَبَّ له الأمر ما زال يشُنُّ الغارات على الفرنج إلى الكرك والشوبك وبلادهما، وغَشِيَ الناس من سحائِبِ الإفضال والإنعام ما لم يُؤَرَّخْ من غير تلك الأيام، وهذا كلُّه وهو وزيرٌ متابِعُ القوم، لكنه يقومُ بمَذهَبِ أهل السنة، غارسًا في البلاد أهلَ الفقه والعِلمِ والتصوف والدين، والناس يُهرَعون إليه من كلِّ صَوبٍ ويَفِدون عليه من كل جانب، وهو لا يخَيِّب قاصدًا ولا يعدِمُ وافدًا ". تملك بعد نور الدين، واتَّسَعَت بلاده. ومنذ تسلطَنَ طَلَّقَ الخَمرَ واللَّذَّات، وأنشأ سورًا على القاهرة ومصر، وبعث أخاه شمس الدين في سنة ثمان وستين، فافتتح برقة، ثمَّ فتح اليمن، وسار صلاح الدين، فأخذ دمشق مِن ابن نور الدين. وفي سنة إحدى وسبعين حاصر عزاز، ووثبت عليه الباطنية، فجرحوه. وفي سنة ثلاث وسبعين كسَرَته الفرنج على الرملة، وفَرَّ في جماعة ونجا, وفي سنة خمس التقاهم وكَسَرهم, وفي سنة ستٍّ أمر ببناء قلعة الجبل, وفي سنة ثمانٍ عدى الفرات، وأخذ حران، وسروج، والرقة، والرها، وسنجار، والبيرة، وآمد، ونصيبين، وحاصَرَ الموصل، ثم تمَلَّك حلب، وعَوَّضَ صاحبها زنكي بسنجار، ثم إنه حاصر الموصل ثانيًا وثالثًا، ثم صالحه صاحبها عز الدين مسعود، ثم أخذ شهرزور والبوازيج, وفي سنة ثلاث وثمانين فتح طبرية، ونازل عسقلان، ثم كانت وقعة حطين سنة 585 بينه وبين الفرنج، وكانوا أربعين ألفًا، فحال بينهم وبين الماء على تَلٍّ، وسلموا نفوسَهم وأسر ملوكهم وأمراءَهم، وبادر فأخذ عكا وبيروت وكوكب، وسار فحاصر بيت المقدس، وجَدَّ في ذلك فأخذه بالأمان، ثم إن الفرنج قامت قيامتُهم على بيت المقدس، وأقبلوا كقطيعِ اللَّيلِ المُظلِمِ بَرًّا وبحرًا وأحاطوا بعكا ليستردُّوها وطال حصارُهم لها، وبنوا على نفوسهم خندقًا، فأحاط بهم السلطانُ، ودام الحصار لهم وعليهم نيفا وعشرين شهرًا، وجرى في غضون ذلك ملاحِمُ وحروب تَشيبُ لها النواصي، وما فكُّوا حتى أخذوها، وجَرَت لهم وللسلطان حروب وسِيَر. وعندما ضرس الفريقان، وكلَّ الحِزبان، تهادن المِلَّتان في صلح الرملة سنة 588. وكانت لصلاح الدين هِمَّة في إقامة الجهاد، وإبادة الأضدادِ ما سُمِعَ بمِثلِها لأحدٍ في دهر. قال الموفق عبد اللطيف: "أتيتُ وصلاح الدين بالقُدسِ، فرأيتُ مَلِكًا يملأ العيون روعةً، والقلوبَ مَحبَّةً، قَريبًا بعيدًا، سَهلًا مُحَبَّبًا، وأصحابه يتشَبَّهون به، يتسابقونَ إلى المعروف، كما قال تعالى: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا} وأوَّلَ ليلة حضرتُه وجدت مجلِسَه حافِلًا بأهلِ العلم يتذاكرون، وهو يُحسِنُ الاستماع والمشاركة، ويأخُذُ في كيفيَّة بناء الأسوار، وحَفْر الخنادق، ويأتي بكلِّ معنى بديع، وكان مهتمًّا في بناء سور بيت المقدس وحَفْرِ خَندقِه، ويتولى ذلك بنَفسِه، وينقُل الحجارةَ على عاتِقِه، ويتأسى به الخَلقُ حتى القاضي الفاضِلُ، والعمادُ إلى وقت الظهر، فيمُدُّ السماط ويستريح، ويركبُ العَصرَ، ثم يرجع في ضوء المشاعِلِ، وكان يحفَظُ (الحماسة)، ويظُنُّ أنَّ كلَّ فقيه يحفَظُها، فإذا أنشَدَ وتوقَّفَ، استطعَمَ فلا يُطعَمُ، وجرى له ذلك مع القاضي الفاضل، ولم يكُن يحفَظُها، وخرج فما زال حتى حفظها، وكتب لي صلاح الدين بثلاثين دينارًا في الشهر، وأطلق أولادُه لي رواتِبَ، وكان أبوه ذا صلاحٍ، ولم يكن صلاحُ الدين بأكبَرِ أولاده، وكان محبَّبًا إلى نور الدين يلاعِبُه بالكُرةِ". لما قَدِمَ الحجيجُ إلى دمشق في يوم الاثنين حادي عشر صفر من هذه السنة خرج السلطانُ لتَلَقِّيهم، ثم عاد إلى القلعةِ فدخلها من باب الجديد، فكان ذلك آخِرَ ما رَكِبَ في هذه الدنيا، ثمَّ إنه اعتراه حُمَّى صفراوية ليلةَ السبت سادس عشر صفر، فلما أصبَحَ دخل عليه القاضي الفاضِلُ وابن شداد وابنُه الأفضل، فأخذ يشكو إليهم كثرةَ قلَقِه البارحة، وطاب له الحديثُ، وطال مجلِسُهم عنده، ثم تزايدَ به المرضُ واستمَرَّ، وقَصَده الأطباءُ في اليوم الرابع، ثم اعتراه يَبسٌ وحصَلَ له عَرَقٌ شَديدٌ بحيث نَفَذ إلى الأرض، ثم قَوِيَ اليبس فأحضَرَ الأمراءَ الأكابِرَ فبُويعَ لولده الأفضَل نور الدين علي، وكان نائبًا على دمشق، وذلك عندما ظَهَرت مخايل الضَّعفِ الشديد، وغيبوبة الذِّهنِ في بعض الأوقاتِ، وكان الذين يدخُلونَ عليه في هذه الحال الفاضِلُ وابنُ شداد وقاضي البلد ابن الزكي، ثم اشتَدَّ به الحال ليلةَ الأربعاء السابع والعشرين من صفر، واستدعى الشيخَ أبا جعفر إمامَ الكلاسة ليبيتَ عنده يقرأُ القرآن ويُلَقِّنَه الشهادة إذا جَدَّ به الأمرُ، فلما أُذِّنَ الصبحُ جاء القاضي الفاضل فدخل عليه وهو في آخِرِ رمقٍ، فلما قرأ القارئُ {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ} فتبَسَّمَ وتهَلَّلَ وَجهُه، وأسلَمَ رُوحَه إلى ربِّه سبحانه وتعالى، ثم أخَذوا في تجهيزه، وحَضَر جميعُ أولاده وأهله، وكان الذي تولَّى غُسلَه خطيب البلد الفقيهُ الدولعي، وكان الذي أحضَرَ الكفَنَ ومؤنة التجهيز القاضي الفاضل مِن صُلبِ مالِه الحلال، هذا وأولادُه الكبار والصغار يتباكَون وينادون، وأخذ الناسُ في العويل والانتحاب والدُّعاء له والابتهال، ثم أُبرِزَ جِسمُه في نعشِه في تابوتٍ بعد صلاة الظهر، وأمَّ النَّاسَ عليه القاضي ابنُ الزكي، ثم دفن في داره بالقلعة المنصورة، ثم شَرَع ابنُه في بناء تربةٍ له ومدرسة للشافعيَّة بالقرب من مسجدِ القدم؛ لوصيته بذلك قديمًا، فلم يكمل بناؤها، ثم اشترى له الأفضَلُ دارًا شماليَّ الكلاسة في وزان ما زاده القاضي الفاضل في الكلاسة، فجعلها تربةً، وكان نقله إليها في يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين، وصلَّى عليه تحت النسر قاضي القضاة محمد بن علي القرابي بن الزكي، عن إذنِ الأفضل، ودخل في لحْدِه ولَدُه الأفضلُ فدفنه بنفسه، وهو يومئذ سلطانُ الشام، ويقالُ إنه دَفَن معه سَيفَه الذي كان يحضُرُ به الجهادَ، ويُذكَرُ أنَّ صَلاحَ الدين- رحمه الله تعالى- لم يخَلِّفْ في خزائِنِه غيرَ دينار واحدٍ صوري، وأربعين درهمًا ناصريَّة، ثمَّ تولى ابنُه الأفضل مُلكَ دِمشق، والساحل، وبيت المقدس، وبعلبك، وصرخد، وبصرى، وبانياس، وهونين، وتبنين، وجمع الأعمال إلى الداروم، وكان وَلَدُه الملك العزيز عثمان بمصر، فاستولى عليها، وعلى جميعِ أعمالِها، مثل: حارم، وتل باشر، وإعزاز، وبرزية، ودرب ساك، ومنبج وغير ذلك، وكان بحماة محمود بن تقي الدين عمر فأطاعه وصارَ معه، وكان بحمص شيركوه بن محمد بن شيركوه، فأطاع المَلِكَ الأفضل.

العام الهجري : 86 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 705
تفاصيل الحدث:

هو عبدُ الملك بن مَرْوان بن الحَكَم بن أبي العاصِ بن أُمَيَّة، أبو الوَليد الأُمَويُّ أَميرُ المؤمنين، وُلِدَ سنة سِتٍّ وعشرين بالمدينة, شَهِدَ الدَّارَ –يعني يومَ مَقْتَل عُثمان-مع أبيه، وله عَشْرُ سِنين، وهو أوَّلُ مَن سَارَ بالنَّاس في بِلاد الرُّوم سنة ثنتين وأربعين، وكان أَميرًا على أهلِ المدينة وله سِتَّ عَشرةَ سنة، وَلَّاهُ إيَّاها مُعاوِيَةُ، وكان يُجالِس الفُقَهاء والعُلَماء والعُبَّاد والصُّلَحاء, بُويِعَ بالخِلافَة في سنة خَمس وسِتِّين في حَياةِ أبيهِ، في خِلافَة ابن الزُّبير، وبَقِيَ على الشَّامِ ومِصْرَ مُدَّة سَبْعِ سِنين، وابن الزُّبير على باقي البِلاد ثمَّ اسْتَقَلَّ بالخِلافَة على سائِر البِلاد والأقاليم بعدَ مَقْتَل ابنِ الزُّبير، وقد كان عبدُ الملك قبلَ الخِلافَة مِن العُبَّاد الزُّهَّاد الفُقَهاء المُلازِمين للمَسجِد، التَّالِين للقُرآن، وكان رِبْعَةً مِن الرِّجال أَقْرَب إلى القِصَر. قال عنه نافعٌ: رَأيتُ المدينةَ وما فيها شَابٌّ أَشَدُّ تَشْميرًا، ولا أَفْقَهُ ولا أَقْرَأُ لِكِتابِ الله مِن عبدِ الملكِ بن مَرْوان. قال عبدُ الملك: كُنتُ أُجالِس بَرِيرَةَ قبلَ أن أَلِيَ هذا الأَمْرَ، فكانت تَقولُ: يا عبدَ الملك، إنَّ فِيكَ خِصالًا، وإنَّك لَجَدِيرٌ أن تَلِيَ أَمْرَ هذه الأُمَّةِ، فاحْذَر الدِّماء ; فإنِّي سَمِعْتُ رَسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((إنَّ الرَّجُلَ لَيُدْفَع عن بابِ الجَنَّة أن يَنْظُرَ إليها على مِحْجَمَةٍ مِن دَمٍ يُريقُه مِن مُسلِم بِغيرِ حَقٍّ. كان فُقَهاء المَدينة أَربعَة: سَعيدُ بن المُسَيِّب، وعُرْوَةُ، وقَبيصَةُ بن ذُؤَيْب، وعبدُ الملك بن مَرْوان قبلَ أن يَدخُل في الإمارة. لم يَزَلْ عبدُ الملك مُقيمًا بالمدينة حتَّى كانت وَقْعَة الحَرَّةِ، واسْتَولى ابنُ الزُّبير على بِلادِ الحِجازِ، وأَجْلَى بَنِي أُمَيَّة منها، فقَدِمَ مع أَبيهِ الشَّامَ، ثمَّ لمَّا صارَت الإمارةُ مع أَبيهِ وبايَعه أهلُ الشَّام أَقامَ في الإمارةِ تَسعةَ أَشهُر، ثمَّ عَهِدَ إليه بالإمارةِ مِن بَعدِه. بُويِعَ عبدُ الملك بالخِلافَة في مُسْتَهَلِّ رَمضانَ سنة خَمسٍ وسِتِّين، واجْتَمع النَّاسُ عليه بعدَ مَقتلِ ابنِ الزُّبير سنة ثلاث وسَبعين. كان عبدُ الملك له إقْدامٌ على سَفْكِ الدِّماء، وكان عُمَّالُه على مَذهَبِه; منهم الحَجَّاجُ، والمُهَلَّبُ، وغيرُهم، وكان حازِمًا فَهِمًا فَطِنًا، سَائِسًا لِأُمُور الدُّنيا، لا يَكِلُ أَمْرَ دُنياهُ إلى غَيرِه، وكان عبدُ الملك يقول: أَخافُ المَوتَ في شَهْرِ رَمضان، فيه وُلِدْتُ وفيه فُطِمْتُ وفيه جَمَعْتُ القُرآنَ، وفيه بايَعَ لِيَ النَّاسُ، فمات في النِّصف مِن شَوَّال حين أَمِنَ الموتَ في نَفسِه. وكان عُمُرُهُ سِتِّين سنة، وقِيلَ: ثلاثًا وسِتِّين سنة. وكانت خلافَتُه مِن لَدُن قَتْلِ ابنِ الزُّبير ثلاث عَشرةَ سنةً وأربعة أَشهُر إلَّا سبع ليالٍ، وقِيلَ: وثلاثة أَشهُر وخمسة عَشرَ يومًا. ودُفن خارِجَ بابِ الجابِيَة. صلَّى عليه ابنُه الوَليدُ ووَلِيَ عَهْدَهُ مِن بَعدِه.

العام الهجري : 256 العام الميلادي : 869
تفاصيل الحدث:

لَمَّا وليَ أحمد بن طولون مصرَ سكن مدينةَ العسكرِ على عادة أمراء مصرَ من قَبلِه، ثم أحَبَّ أن يبني له قصرًا، فبنى القطائع. والقطائِعُ قد زالت آثارها الآن مِن مصر، ولم يبق لها رَسمٌ يُعرف، وكان موضِعها من قبَّة الهواء، التي صار مكانها الآن قلعةُ الجبل، إلى جامع ابن طولون، وهو طول القطائع، وأمَّا عرضها فإنه كان من أول الرميلة من تحت القلعة إلى الموضع الذي يعرف الآن بالأرضِ الصفراء, وكانت مساحةُ القطائع ميلًا في ميل, وقبة الهواء كانت في السَّطحِ الذي عليه قلعةُ الجبل. وتحت قبة الهواء كان قصرُ ابن طولون. وموضع هذا القصر الميدانُ السلطاني الآن الذي تحت قلعة الجبل بالرميلة, وكان موضع سُوق الخيل والحمير والبغال والجمال بستانًا. يجاورها الميدانُ الذي يُعرَف اليوم بالقبيبات؟ فيصير الميدانُ فيما بين القصر والجامع الذي أنشأه أحمد بن طولون المعروف به. وبجوار الجامع دارُ الإمارة في جهته القبلية، ولها بابٌ من جدار الجامع يخرجُ منه إلى المقصورة المحيطة بمصلَّى الأمير إلى جوار المحراب، وهناك دار الحرم. والقطائع عدَّةُ قِطَع يسكنُ فيها عبيدُ الأمير أحمد بن طولون وعساكِرُه وغِلمانُه. وسبب بناء ابن طولون القصرَ والقطائع كثرةُ مماليكه وعبيدِه، فضاقت دارُ الإمارة عليهم، فركِبَ إلى سفح الجبل وأمرَ بحرث قبور اليهود والنصارى، واختطَّ موضعهما وبنى القصرَ والميدان، ثمَّ أمر أصحابَه وغلمانه أن يختطُّوا لأنفُسِهم حول قصره وميدانِه بيوتًا فاختطوا وبنوا حتى اتَّصل البناءُ بعمارة الفسطاط- مصر القديمة- ثم بُنِيَت القطائع، وسُميت كلُّ قطيعةٍ باسم من سكنها. فكان للنُّوبة قطيعة مفردة تُعرَف بهم، وللرُّوم قطيعة مُفردة تُعرف بهم، وللفرَّاشين قطيعة مفردة تُعرَف بهم، ولكلِّ صِنفٍ من الغِلمانِ قطيعةٌ مفردة تُعرفُ بهم، وبنى القُوَّادُ مَواضِعَ متفَرِّقة، وعُمِرَت القطائعُ عِمارةً حسنةً وتفَرَّقت فيها السِّكَكُ والأزِقَّة، وعُمِرَت فيها المساجد الحِسان والطواحين والحمَّامات، والأفران والحوانيت والشوارع, ولَمَّا بنى ابن طولون القصرَ والميدان، وعَظُمَ أمرُه زادت صدقاتُه ورواتبُه حتى بلغت صدقاتُه المرتَّبة في الشهر ألفي دينار، سوى ما كان يطرأ عليه من مصاريفَ أخرى، وكان يقول: هذه صدقات الشكر على تجديدِ النِّعَم، ثم جعل مطابخَ للفقراء والمساكين في كلِّ يوم، فكان يذبَحُ فيها البقر والغنم ويفرِّقُ للنَّاسِ في القدور الفخَّار والقصع، ولكل قصعةٍ أو قدر أربعةُ أرغفة: في اثنين منها فالوذج، والاثنان الآخران على القِدْر أو القصعة، وكان في الغالب يُعمَلُ سماطٌ عظيم وينادى في مصر: من أحبَّ أن يحضر سماطَ الأميرِ فلْيحضر، ويجلس هو بأعلى القصرِ ينظر ذلك ويأمرُ بفتح جميع أبواب الميدان ينظُرُهم وهم يأكلونَ ويَحمِلون فيسُّرُه ذلك، ويحمد اللهَ على نعمته. وجعل بالقُربِ مِن قَصرِه حُجرةً فيها رجالٌ سمَّاهم بالمكَبِّرين عِدَّتُهم اثنا عشر رجلًا، يبيت في كلِّ ليلةٍ منهم أربعة يتعاقبون بالليلِ نُوبًا، يكَبِّرون ويهَلِّلون ويسبِّحون ويقرؤونَ القرآنَ بطيبِ الألحان ويترسَّلون بقصائدَ زُهديَّة ويؤذنونَ أوقاتَ الأذانِ.

العام الهجري : 791 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1389
تفاصيل الحدث:

قام السُّلطانُ الظاهر برقوق بإعادةِ الخليفة المتوكِّل للخلافة بعدما كان قد خلعه عام 785, وسجنه بقلعة الجبل وقتَها، ولَمَّا أحَسَّ بالخطر الذي حَوْلَه من عصيان الناصري عليه والأمراء الذين معه؛ لعله أراد بذلك كسب الرضا أكثر، ففي يوم الجمعة عاشر جمادى الأولى من هذه السنة خُطِبَ للخليفة المتوكل على الله أبي عبد الله محمد، فإنَّه أعيد إلى الخلافة ثم قرئ تقليدُه في الثاني عشر بالمشهد النفيسي، وحضره القضاةُ ونائب السلطنة.

العام الهجري : 923 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1517
تفاصيل الحدث:

هو الشيخُ الإمام العلامة الحافظُ الحجَّة الرُّحَلة الفقيه المقرئ المسنِد المؤرخ الخطيبُ: شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن الزين أحمد بن الجمال محمد بن الصفي محمد بن المجد حسين بن التاج علي القسطلاني الأصل، القتيبي المصري الشافعي، ويعرف بالقسطلاني علَّامة الحديث, وأمُّه حليمة ابنة الشيخ أبي بكر بن أحمد بن حميدة النحاس. ولِدَ في الثاني والعشري ذي القعدة سنة 851 بمصر ونشأ بها فحفظ القرآن والشاطبيتين, والقراءات السبع ثم العشر، وكذا أخذ القراءات عن الشمس بن الحمصاني إمام جامع ابن طولون, وقرأ صحيحَ البخاري بتمامه في خمسة مجالسَ على الشاوي، وكذا قرأ عليه ثُلاثيات مسند أحمد، وحجَّ غير مرة وجاور سنة أربع وثمانين ثم سنة أربع وتسعين وسنتين قبلها على التوالي. وجلس للوعظ بالجامع العمري سنة ثلاث وسبعين وكذا بالشريفية بالصبانيين، بل وبمكة, ولم يكن له نظيرٌ في الوعظ، وكان يجتمع عنده الجمُّ الغفير مع عدم ميلِه في ذلك، وولي مشيخة مقام أحمد بن أبي العباس الحرَّاز بالقرافة الصغرى، وأقرأ الطلبة وجلس بمصر شاهدًا رفيقًا لبعض الفضلاء, وبعده اعتزل وتفرَّغ للكتابة, فكتب بخطِّه لنفسه ولغيره أشياء، بل جمع في القراءات العقود السنية في شرح المقدمة الجزرية في التجويد، ومن مؤلفاته: إرشاد الساري على صحيح البخاري، انتهى منه سنة 916, وتحفة السامع والقاري بختم صحيح البخاري, ونفائس الأنفاس في الصحبة واللباس, والروض الزاهر في مناقب الشيخ عبد القادر, وعمل تأليفًا في مناقبه سماه: نزهة الأبرار في مناقب الشيخ أبي العباس الحرَّار, وتحفة السامع والقارئ بختم صحيح البخاري. وهو كثير الأسقام قانعٌ متعفِّف جيد القراءة للقرآن والحديث والخطابة، شجيُّ الصوت بها، مشارك في الفضائل، متواضع متودِّد لطيف العشرة سريعُ الحركة. قال محي الدين عبد القادر العَيدَروس: "وارتفع شأنُه بعد ذلك فأُعطيَ السعدَ في قَلَمِه وكَلِمِه، وصنَّف التصانيف المقبولة التي سارت بها الركبانُ في حياته، ومن أجَلِّها شرحُه على صحيح البخاري مزجًا في عشرة أسفار كبار، لعله أحسَنُ شروحِه وأجمعُها وألخصُها، ومنها المواهب اللدُنِّية بالمنح المحمدية، وهو كتاب جليل المقدار عظيم الوقع كثير النفع، ليس له نظير في بابه، ويحكى أن الحافظ السيوطي كان يغُضُّ منه ويزعم أنه يأخذ من كتبه ويستمدُّ منها ولا ينسبُ النقل إليها، وأنَّه ادَّعى عليه بذلك بين يدي شيخ الإسلام زكريا فألزمه ببيان مدَّعاه، فعدد عليه مواضِعَ قال إنه نقَلَ فيها عن البيهقي، وقال إن للبيهقي عدةَ مؤلفات فليذكرْ لنا ما ذكر في أي مؤلفَّاته ليُعلَمَ أنَه نقل عن البيهقي، ولكنه رأى في مؤلفاتي ذلك النقلَ عن البيهقي فنقله برُمَّته، وكان الواجب عليه أن يقول نقل السيوطي عن البيهقي، وحكى الشيخ جار الله بن فهد رحمه الله: أنَّ الشيخ رحمه الله تعالى قصد إزالةَ ما في خاطر الجلال السيوطي فمشى من القاهرة إلى الروضة، وكان السيوطي معتزلًا عن الناس بالروضة فوصل القسطلاني إلى باب السيوطي ودق الباب فقال له: من أنت؟ فقال: أنا القسطلاني جئتُ إليك حافيًا مكشوف الرأس ليطيبَ خاطرُك عليَّ، فقال له: قد طاب خاطري عليك، ولم يفتح له الباب ولم يقابله! وبالجملة فإنه كان إمامًا حافظًا متقنًا جليل القدر حسن التقرير والتحرير، لطيف الإشارة بليغ العبارة، حسن الجمع والتأليف، لطيف الترتيب والتصنيف، كان زينة أهل عصره، ونقاوة ذوي دهره، ولا يقدح فيه تحامُلُ معاصريه عليه، فلا زالت الأكابر على هذا في كل عصرٍ- رحمهم الله" أصيب القسطلاني بالفالج، ثم توفي ليلة الجمعة السابع محرم بالقاهرة ودفن بالمدرسة العينية جوار منزله، ووافق يومُ دفنه الثامن محرم دخولَ السلطان سليم الأول العثماني عَنْوةً إلى مصر وتملُّكه بها.

العام الهجري : 751 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1350
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامةُ أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الحنبلي المعروفُ بابن قَيِّم الجوزيَّة، فهو إمامُ الجوزيَّة، وابنُ قَيِّمِها، ولِدَ بدمشق في سابع صفر سنة 691, وسَمِعَ الحديث واشتغل بالعلم، وبَرَع في العلوم المتعَدِّدة، لا سيما علم التفسير والحديث والأصلين، ولَمَّا عاد الشيخ تقي الدين بن تيمية من الديار المصرية في سنة 712 لازَمَه إلى أن مات الشيخُ، فأخذ عنه علمًا جَمًّا لازمه قرابة 16 عامًا وتأثَّر به, وسُجِنَ في قلعة دمشق في أيام سجنِ ابن تيمية، وخرج بعد أن توفِّيَ شيخه عام 728 ولم يخَلِّفِ الشيخُ العلَّامة تقي الدين ابن تيميَّة مِثلَه، ومع ما سَلَف له من الاشتغال، صار فريدًا في بابِه في فنونٍ كثيرة، مع كثرةِ الطَّلَب ليلًا ونهارًا، وكثرة الابتهال، وكان حَسَن القراءة والخُلُق، كثيرَ التودد لا يحسُد أحدًا ولا يؤذيه، ولا يستعيبُه ولا يحقِدُ على أحد؛ قال ابن رجب: "كان ذا عبادةٍ وتهَجُّد وطولِ صلاةٍ إلى الغاية القصوى، وتألُّه ولَهَج بالذكر، وشَغف بالمحبة والإنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله والانكسار له، والاطِّراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهِدْ مِثلَه في ذلك، ولا رأيتُ أوسَعَ منه علمًا، ولا أعرَفَ بمعاني القرآن والسنَّة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصومَ، ولكن لم أرَ في معناه مِثلَه، وقد امتُحِنَ وأوذيَ مَرَّات، وحُبِسَ مع الشيخ تقي الدين في المرَّة الأخيرة بالقلعة، منفرِدًا عنه، ولم يُفرَجْ عنه إلَّا بعد موت الشيخ, وكان في مُدَّة حبسه مشتغلًا بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر، ففُتِحَ عليه من ذلك خير كثير، وحصل له جانِبٌ عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسَلَّط بسبب ذلك على الكلام في علومِ أهل المعارف، والدُّخولِ في غوامِضِهم، وتصانيفه ممتلئةٌ بذلك، وحَجَّ مرات كثيرة، وجاور بمكَّةَ، وكان أهلُ مكة يذكرون عنه من شِدَّة العبادة، وكثرة الطواف أمرًا يُتعَجَّب منه. ولازمت مجالِسَه قبل موته أزيدَ مِن سنة، وسَمِعتُ عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة، وأشياء من تصانيفه، وغيرها " وقال ابنُ كثير: " كنتُ مِن أصحَبِ النَّاسِ له وأحَبِّهم إليه، ولا أعرف في هذا العالَمِ في زماننا أكثَرَ عبادةً منه، وكانت له طريقةٌ في الصلاة يطيلها جِدًّا ويمُدُّ ركوعَها وسجودَها، ويلومه كثيرٌ من أصحابه في بعضِ الأحيانِ، فلا يرجِعُ ولا ينزِعُ عن ذلك- رحمه الله" وقال ابن حجر العسقلاني: " كان إذا صلَّى الصبح جلس مكانَه يذكُرُ الله حتى يتعالى النَّهارُ، ويقول: هذه غَدوتي لو لم أقعُدْها سَقَطَت قُوايَ، وكان يقولُ: بالصبر واليقين تُنال الإمامةُ في الدين، وكان يقول: لا بد للسَّالك من همَّة تُسيِّرُه وترَقِّيه، وعلمٍ يُبَصِّرُه ويهديه. وكان مُغرًى بجمع الكتب فحصَّل منها ما لا يُحصَرُ حتى كان أولادُه يبيعون منها بعد موتِه دهرًا طويلًا سوى ما اصطَفَوه منها لأنفُسِهم" وله من التصانيف الكبار والصغار شيءٌ كثير، وهي أكثَرُ مِن أن تُحصَرَ هنا، ولكن من أشهرها: زاد المعاد في هَدْي خير العباد، وإعلام الموقعين عن ربِّ العالمين، ومدارج السالكين، وبدائع الفوائد، وطريق السعادتين، وشرح منازل السائرين، والقضاء والقدر، وجلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، ومصايد الشيطان، ومفتاح دار السعادة، والروح، وحادي الأرواح، ورفع اليدين، والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، وتصانيف أخرى كثيرة؛ قال ابن حجر: "وكلُّ تصانيفه مرغوبٌ فيها بين الطوائف، وهو طويلُ النَّفَسِ فيها يتعانى الإيضاحَ جُهدَه، فيُسهِبُ جدًّا، ومعظمها من كلام شيخِه يتصَرَّفُ في ذلك، وله في ذلك مَلَكَة قويَّة، ولا يزال يدندِنُ حولَ مُفرداتِه ويَنصُرُها ويحتَجُّ لها" ومن نَظْمِه قصيدة تبلغ ستة آلاف بيت سمَّاها الكافية في الانتصار للفرقة الناجية. ومن تلاميذه ابنه برهان الدين إبراهيم، والإمام ابن رجب الحنبلي، والحافظ ابن كثير، والحافظ ابن عبد الهادي، والإمام الذهبي، والفيروزآبادي صاحب القاموس. توفِّيَ رحمه الله في دمشق ليلة الخميس ثالث عشر رجب وقتَ أذان العشاء وصُلِّيَ عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامِعِ الأموي، ودفن عند والدته بمقابر الباب الصغير، وقد كانت جنازته حافلةً، شهدها القضاة والأعيان والصالحون من الخاصة والعامة، وتزاحم الناسُ على حمل نعشه، وكَمُل له من العمر ستون سنةً.

العام الهجري : 325 العام الميلادي : 936
تفاصيل الحدث:

خرج الخليفةُ الراضي وأميرُ الأمراءِ محمَّدِ بن رائق من بغداد قاصدينِ واسِطَ؛ لقتال أبي عبد الله البريدي نائبِ الأهواز، الذي قد تجبَّرَ بها ومنع الخَراج، فلما سار ابنُ رائق إلى واسِط خرجَ الحجريَّةُ فقاتلوه فسَلَّطَ عليهم بجكم فطحَنَهم، ورجع فَلُّهم إلى بغدادَ فتلقَّاهم لؤلؤ أميرُ الشرطة فاحتاط على أكثَرِهم ونُهِبَت دورهم، ولم يبقَ لهم رأسٌ يَرتَفِع، وقُطِعَت أرزاقهم من بيت المال بالكليَّة، وبعث الخليفةُ وابنُ رائق إلى أبي عبد الله البريدي يتهدَّدانه فأجاب إلى حَملِ كُلِّ سَنةٍ ثلاثمائة ألف وستين ألف دينار يقوم بها، تحمَلُ كُلَّ سَنةٍ على حدته، وأنه يجهِّزُ جيشًا إلى قتال عضُدِ الدولة بن بويه، فلما رجع الخليفةُ إلى بغداد لم يَحمِلْ شيئًا ولم يبعَثْ أحدًا، ثم بعث ابنُ رائق بجكم وبدرًا الحسيني لقتال البريدي، فجَرَت بينهم حروب وخطوب، ثم لجأ البريدي إلى عمادِ الدولة واستجار به، واستحوذ بجكم على بلادِ الأهواز، وجعل إليه ابنُ رائق خراجَها، وكان بجكم هذا شجاعًا فاتكًا، وفي ربيع الأول خلع الخليفةُ على بجكم وعقَدَ له الإمارةَ ببغداد، وولَّاه نيابة المشرق إلى خُراسان.

العام الهجري : 1204 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1790
تفاصيل الحدث:

هو الملك محمد الثالث بن عبد الله بن إسماعيل ملك العلويين في المغرب الأقصى، وكانت عاصمتُه مراكش، ولد بمكناس سنة 1134. تولى الحكم سنة1171 في ظروف صعبة بعد اضطراباتٍ، وقد تميَّزَ بالعقل والرزانة وبُعدِ النظر، اجتهَدَ في المحافظة على بلادِه ووَحدتِها وتأمينِ الشواطئ المغربية من العدوان الأوروبي، وحرَّر مازاغان من يد البرتغاليين، وانتصر على الجيش الفرنسي في معركة العرائش سنة1179, وكان أول حاكمٍ يعترف باستقلالِ وسيادة الولايات المتحدة الأمريكية, ورفَضَ ربطَ علاقات دبلوماسية مع روسيا؛ بسبب محاربتها للدولة العثمانية، وبعث بالعديدِ مِن السفراء لاسترجاعِ المخطوطات العربية من إسبانيا, وداخليًّا كان دائمَ التنقُّل بين جهات مملكته الواسعة؛ ليطمئِنَّ على أحوال البلاد, وشَهِدَ عهدُه أوجَ الازدهار السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي للمغرب الأقصى. تمرد وثار عليه عدةَ مراتٍ ابنُه وولي عهده يزيد، فنفاه في مشرق البلاد. توفِّيَ محمد الثالث في طريقِه إلى ابن عمه الذي خرج عن طاعتِه، فلما توفِّيَ تنازع أبناؤه الأربعة على خلافتِه، وهم هشام، ويزيد، وسليمان، ومَسلمة، حتى تمكَّن يزيد الأول أن يَخلُف أباه في الحُكم.

العام الهجري : 364 العام الميلادي : 974
تفاصيل الحدث:

اجتمعت صَنهاجةُ ومَن والاها بالمغربِ على طاعةِ يوسُفَ بلكين بن زيري بن مناد الصنهاجي الحِمْيَري قبل أن يُقَدِّمَه المنصور، وكان أبوه مناد الصِّنهاجيُّ كبيرًا في قومِه، كثيرَ المالِ والولَدِ، حسَنَ الضِّيافةِ لِمَن يمُرُّ به، وتقدَّمَ ابنُه زيري في أيَّامِه، وقاد كثيرًا من صنهاجةَ، وأغار بهم وسبى، فحَسَدته زناتة وجَمَعَت له لتسيرَ إليه وتحارِبَه. فسار إليهم مجِدًّا فكَبَسَهم ليلًا- وهم غارُّون - بأرضٍ مُغِيلةٍ، فقتل منهم كثيرًا، وغَنِمَ ما معهم فكَثُرَ أتباعه، فضاقت بهم أرضُهم، فقالوا له: لو اتَّخَذتَ لنا بلدًا غير هذا. فسار بهم إلى موضعِ مدينة أشير، فرأى ما فيه من العُيونِ، فاستحسنه وبنى فيه مدينةَ أشير وسكَنَها هو وأصحابُه. وكانت زناتة تُفسِدُ في البلادِ، فإذا طُلِبوا احتَمَوا بالجبال والبراري. فلمَّا بُنِيَت أشير صارت صنهاجة بين البلادِ وبين زناتة والبربر، فسُرَّ بذلك القائِمُ.

العام الهجري : 543 العام الميلادي : 1148
تفاصيل الحدث:

سار بَعضُ المُرابِطينَ مِن المُلَثَّمينَ إلى دكالة، فاجتمَعَ إليه قبائِلِها، وصاروا يُغيرُونَ على أعمالِ مَراكشَ، وعبدُ المؤمِنِ لا يلتَفِتُ إليهم، فلمَّا كَثُرَ ذلك منهم سار إليهم سنةَ أربعٍ وأربعين وخمسمئة، فلمَّا سَمِعَت دكالة بذلك انحشَروا كُلُّهم إلى ساحِلِ البَحرِ في مئتي ألف راجلٍ وعشرين ألفَ فارسٍ، وكانوا مَوصوفين بالشَّجاعةِ، وكان مع عبدِ المؤمِنِ من الجيوشِ ما يخرج عن الحَصرِ، وكان الموضِعُ الذي فيه دكالةُ كَثيرَ الحَجَرِ والحزونة، فكَمَنوا فيه كُمَناءَ ليَخرُجوا على عبدِ المؤمِنِ إذا سلكه، فمِن الاتِّفاقِ الحَسَنِ له أنَّه قَصَدَهم من غيرِ الجِهةِ التي فيها الكُمَناءُ، فانحَلَّ عليهم ما قَدَّروه، وفارقوا ذلك الموضِعَ، فأخذهم السَّيفُ، فدخلوا البَحرَ، فقُتِلَ أكثَرُهم، وغُنِمَت إبِلُهم وأغنامُهم وأموالُهم، وسُبِيَت نساؤُهم وذراريُّهم، فبِيعَت الجاريةُ الحَسناءُ بدراهِمَ يَسيرةٍ، وعاد عبدُ المؤمِنِ إلى مراكِشَ مُنتَصِرًا، وثبَت مُلكُه، وخافه الناسُ في جميعِ المَغرِبِ، وأذعَنوا له بالطَّاعةِ.

العام الهجري : 568 العام الميلادي : 1172
تفاصيل الحدث:

سارت طائفةٌ مِن الترك من ديارِ مِصرَ مع قراقوش مملوكِ تقي الدين عمر بن أخي صلاح الدين يوسف بن أيوب، إلى جبال نفوسة، واجتمع بمسعود بن زمام المعروف بمسعود البلاط، وهو من أعيان العرب هناك، وكان خارجًا عن طاعة عبدِ المؤمن وأولاده، فاتفقا، وكثُرَ جمعهما، ونزلا على طرابلس الغرب فحاصراها وضَيَّقا على أهلها، ثم فُتِحَت فاستولى قراقوش، وأسكن أهلَه قصرها، وملك كثيرًا من بلاد إفريقية ما خلا المهدية وصفاقس وقفصة وتونس وما والاها من القرى والمواضع، وصار مع قراقوش عسكرٌ كثير، فحكَمَ على تلك البلاد بمساعدة العربِ بما جُبِلَت عليه من التخريبِ والنهب، والإفساد بقطع الأشجار والثمار، وغير ذلك، فجمع بها أموالًا عظيمةً وجعلها بمدينة قابس، وقَوِيَت نفسه وحَدَّثَته بالاستيلاء على جميع إفريقية؛ لبعد أبي يعقوب بن عبد المؤمن صاحِبِها عنها.

العام الهجري : 599 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1203
تفاصيل الحدث:

أخذَ الظاهِرُ غازي قلعةَ نجمٍ مِن أخيه الأفضل، وكانت في جملةِ ما أخذ من العادِلِ لَمَّا صالَحَه سنة سبع وتسعين، فلما كان هذه السَّنة أخذ العادِلُ من الأفضل سروج وحملين ورأس عين، وبَقِيَ بيده سميساط، وقلعة نجم، فأرسل الظاهِرُ إليه يطلُبُ منه قلعةَ نجم، وضَمِنَ له أنه يشفَعَ إلى عَمِّه العادل في إعادةِ ما أخذ منه، فلم يعُطِه، فتهَدَّدَه بأن يكون إلبًا عليه، ولم تَزَلِ الرسُلُ تترَدَّدُ حتى سَلَّمَها إليه في شعبان، وطلب منه أن يعَوِّضَه قُرًى أو مالًا، فلم يفعَلْ، ولما رأى الأفضَلُ عَمَّه وأخاه قد أخذا ما كان بيده أرسل إلى رُكنِ الدين سليمان بن قلج أرسلان، صاحِب ملطية وقونية، وما بينهما من البلادِ، يَبذُلُ له الطاعةَ، وأن يكون في خِدمتِه، ويخطُبُ له ببلده، ويَضرِب السكَّة باسمه، فأجابه ركن الدين إلى ذلك، وأرسل له خِلعةً فَلِبَسها الأفضَلُ، وخَطَب له بسميساط في سنة ستمائة وصار في جملتِه.

العام الهجري : 1279 العام الميلادي : 1862
تفاصيل الحدث:

طالت الحربُ مع أهل عنيزة بعد قَتْلِ أميرهم عبد العزيز المحمد أبو العليان وأثناء حصارِ عُنيزة حاول الأميرُ طلال بن رشيد أن يعقِدَ صلحًا بين عبد الله وأهل عنيزة، فأرسل سرًّا إلى الأمير عبد الله اليحيى السليم وزامل العبد الله أنَّ الإمام لا يكره الصلحَ ووَقْفَ القتالِ إذا كان طلبُ الصلح منكم، فأنابوه عنهم وقالو له إنَّك مفوَّضٌ مِن قِبَلِنا، فعرض على عبد الله رغبةَ أهل عنيزة في الصلحِ، فقال: عبد الله إذا قَبِلوا بشروطنا قَبِلْنا منهم الطاعةَ، فحضر عنده زامل العبد الله وأغلظ له في القَولِ لكَثرةِ نقضِهم العهدَ، ثم فرض عليهم أموالًا وسلاحًا كثيرًا، فتوسط لهم الأمير طلال فأسقط عبد الله جزءًا منها، فقبل زامل فأحضر أهل عنيزة المالَ والسلاح وتمت البيعةُ، وضَمِنَ الأمير طلال الوفاءَ بالعهدِ.