الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1037 ). زمن البحث بالثانية ( 0.008 )

العام الهجري : 797 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1395
تفاصيل الحدث:

هو الشريف أبو الحسن علي بن عجلان بن رميثة، واسمُ رُميثة منجد بن أبي نمي بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله المحض بن موسى بن الحسن السبط بن الحسن بن علي بن أبي طالب المكي الحسني، أمير مكة المشرفة، وَلِيَها ثماني سنين ونحو ثلاثة أشهر مستقلًّا بالإمارة، غير سنتين أو نحوهما؛ فإنه كان فيهما شريكًا لِعَنان بن مغامس بن رميثة، ووقع له أمورٌ بمكة مع الأشراف ووقائع، وآخِرَ الأمر توجَّه أخوه الشريف حسن بن عجلان إلى القاهرة يريد إمرة مكة، فقبض عليه السلطان وحبسه، وبعث إلى أخيه علي هذا باستمراره على إمرة مكة، فاستمَرَّ على إمرتها إلى أن وقع بينه وبين بعض القوَّاد، وخرج إليهم عليٌّ، فبدره بعضُهم وسايرَه وهو راكب على راحلته، والشريف عليٌّ على الفرس، فرمى القائد بنفسه على الشريف عليٌّ وضربَه بجنبية كانت معه، فوقعا جميعًا على الأرض، فوثب عليه عليٌّ وضربه بالسيف ضربةً كاد منها يهلك، وولى عليٌّ راجعًا إلى الحلة، فأغرى به شخصٌ يقال له أبو نمي غلام لصهره حازم بن عبد الكريم جنديًّا، وعتبة وحمزة وقاسمًا، فوثبوا عليه وقتلوه وقطَّعوه وبعثوا به إلى مكة، فدُفِن بالمعلَّاة مع أبيه عجلان، وكان قتلُه يوم الأربعاء سابع شوال، ووَلِيَ إمرة مكة بعده أخوه حسن بن عجلان.

العام الهجري : 811 العام الميلادي : 1408
تفاصيل الحدث:

أضاف السلطانُ إمرةَ المدينة النبوية، وإمرة ينبع، وخليص، والصفراء، وأعمالهم، إلى الشريف حسن بن عجلان أمير مكة، وكتب له بذلك توقيعًا، وهذا شيء لم ينَلْه أمير مكة قبله في هذا الزمان، أما المدينة فإن أميرها كان ثابت بن نعير، فمات فولى حسن بن عجلان مكانَه نيابة عنه أخاه، فثار بالمدينة جماز بن نعير، فكتب إليه ابن عجلان يقول: اخرُجْ بسلام، وإلَّا فأنا قاصدك، فأظهر جماز الطاعة، ثم إن جماز أرسل إلى الخُدَّام بالمسجد النبوي يستدعيهم، فامتنعوا، فأتى إلى المسجد وأخذ ستارتي باب الحجرة النبوية، وطلب من الطواشية -خدام المسجد- المصالحة عن حاصل القبَّة بتسعة آلاف درهم، فأبَوا ذلك، فطلب مفاتيح الحاصل من زين الدين أبي بكر بن حسين قاضي المدينة، فمانعه، فأهانه وأخذها منه، وأتى إلى القبة، وضرب شيخ الخدَّام بيده، ألقاه على الأرض، وكسر الأقفال ودخلها ومعه جماعة، فأخذ ما هناك؛ فمن ذلك أحد عشر حوائج خاناه، وصندوقين كبيرين، وصندوقًا صغيرًا فيه ذهب من ودائع ملوك العراق وغيرهم، وأخرج خمسة آلاف شقة بطاين معدة لأكفان الموتى، فنقل ذلك كله، وهمَّ أحد بني عمه بأخذ قناديل الحجرة الشريفة، فمنعه، وأخذ آخَرُ بُسُط الروضة، فأمره جماز برَدِّها، وصادر بعضَ الخدام، ثم خرج من الغد الحادي عشر راحلًا، فقصد العرب المجتمعة الرجوع، فرماهم الناس بالحجارة، ثم في السنة التالية ولى السلطان بدمشق الشريف جماز بن نعير إمرة المدينة النبوية، وشرط عليه إعادة ما أخذ من الحاصل، وولى أيضًا جمال الدين محمد بن عبد الله الكازروني قضاء المدينة، وبعث لهما توقيعهما وتشريفهما.

العام الهجري : 940 العام الميلادي : 1533
تفاصيل الحدث:

لما رأى أهل المغرب ما وقع بين السلطان أبي العباس أحمد الوطاسي صاحب فاس وأبي العباس أحمد السعدي المعروف بالأعرج صاحب مراكش من الاقتتال على الملك، والتهالك عليه، وفناء الخلق بينهم- دخلوا في الصلح بينهم والتراضي على قسمة البلاد، وحضر لذلك جماعةٌ من العلماء والصلحاء، منهم أبو حفص عمر الخطاب، وأبو الرواين المحجوب، وكان صاحب حالٍ وجذبٍ، فجعل الناس يوصونه بالسكوت مخافةَ أن يُفسِدَ عليهم أمرَهم، فلما دخلوا على أبي العباس الأعرج السعدي وأخيه ووزيره محمد الشيخ وتكلموا فيما جاؤوا لأجله، وجدوا فيهما شدةً وغلظة وامتناعًا من مساعدتهم على ما أرادوا، فحلف أبو حفص الخطاب لا دخلوها يعني فاسًا ما دمتُ على وجه الأرض فما دخلها السعديون حتى مات بعد مدة, وقد أُبرِمَ الصلح بين الطائفتين على أنَّ للسعديين من تادلا إلى السوس، ولبني وطاس من تادلا إلى المغرب الأوسط، وإن ممن حضر الصلح قاضيَ الجماعة بفاس أبا الحسن علي بن هارون المطغري، والإمامَ الشهير أبا مالك عبد الواحد بن أحمد الوانشريسي وغيرهما من مشايخ فاس, ولما تواطأت كلمةُ الحاضرين على الصلح وعقدوا شروطه وهدأت الأصوات وسكن اللجاج، أُتى بدواة وقرطاس ليكتب الصلح, فوضعت الدواةُ بين يدي أحد الفقهاء الحاضرين فوجم وانقبض ودفعَها عن نفسه استحياءً في ذلك المحفل أن يكتُب, فأنشأ أبو مالك الوانشريسي في الحين خطبةً بليغة ونسج الصلحَ على منوال عجيب، واخترع أسلوبًا غريبًا تحير فيه الحاضرون، وعجبوا من ثبات جأشه وجموم قريحته في مثل ذلك المشهد العظيم الذي تخرس فيه ألسن الفصحاء هيبةً وإكبارًا! فقام قاضي الجماعة وقبَّله بين عينيه، وقال: جزاك الله عن المسلمين خيرًا.

العام الهجري : 944 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1538
تفاصيل الحدث:

العلَّامةُ الحافِظُ وجيهُ الدِّين أبو محمد عبد الرحمن بن علي الدَّيبع الشيباني العبدري الزَّبيدي الشافعي. قال في آخِرِ كتابه «بغية المستفيد بأخبار زبيد»: "كان مولدي بمدينة زَبيد المحروسةِ في يوم الخميس الرابِعَ مِن المحَرَّم الحرام سنةَ سِتٍّ وستين وثمانمائة في منزل والدي منها، وغاب والدي عن مدينةِ زبيدٍ في آخرِ السنة التي وُلِدتُ فيها ولم تَرَه عيني قطُّ، ونشأتُ في حجر جدِّي لأمِّي العلَّامة الصَّالح العارف بالله تعالى: شرف الدِّين أبي المعروف إسماعيل بن محمد بن مبارز الشافعي، وانتفعتُ بدعائه لي، وهو الذي ربَّاني- جزاه الله عنِّي بالإحسان، وقابله بالرَّحمة والرِّضوان". وكان ثقةً صالحًا حافظًا للأخبار والآثار، متواضِعًا، انتهت إليه رئاسةُ الرحلةِ في علم الحديث، وقَصَده الطلبةُ من نواحي الأرض, ومن مصنَّفاتِه «تيسير الوصول إلى جامع الأصول» في مجلدين, و«حدائق الأنوار ومطالع الأسرار في سيرة النبي المختار صلى الله عليه وعلى آله المصطفين الأخيار»، و«تمييز الطَّيِّب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث»، و«مصباح المشكاة»، و«شرح دعاء ابن أبي حربة»، و«غاية المطلوب وأعظم المنَّة فيما يغفِرُ الله به الذنوبَ ويوجِبُ به الجنَّة»، و«بغية المستفيد في أخبار مدينة زَبيد»، و«قرَّة العيون في أخبار اليمن الميمون»، إلى غير ذلك. ومِن شِعرِه قولُه في «صحيح» البخاري ومسلم:تنازع قومٌ في البخاري ومُسلِم لديَّ وقالوا: أيَّ ذينِ يقدَّم فقلتُ: لقد فاق البخاريُّ صَنعةً كما فاق في حُسنِ الصِّياغة مُسلِم . ولم يزَلْ على الإفادة وملازمةِ بيته ومسجدِه لتدريسِ الحديثِ والعبادة، إلى أن توفِّيَ ضُحى يوم الجمعة السادسَ والعشرين من رجب.

العام الهجري : 1389 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1969
تفاصيل الحدث:

بعد أن أقدم اليهودُ على إحراقِ المسجِدِ الأقصى، واستاء العالمُ الإسلامي جميعًا من هذا الفعلِ المُجرِم، بادر الملِكُ الحسن الثاني مَلِكُ المغرب بتوجيهِ دعوةٍ إلى رؤساء العالم الإسلامي للاجتماعِ في الرِّباطِ عاصمةِ المغرب؛ للاتفاقِ على خِطَّةِ عَمَلٍ إسلامية موحَّدة تهدف إلى الدِّفاعِ عن القدس الشريف، وحمايةِ البِقاع المقَدَّسة ومعالمه الحضارية؛ فعُقِدَ بالفعلِ أوَّلُ مؤتمر قمة إسلامي في الرباط في الفترة من 9 إلى 12 رجب سنة 1389هـ / 22 إلى 15 أيلول، دُعِيَ إليه 35 بلدًا إسلاميًّا, بَيْدَ أن 25 بلدًا فقط أرسلت وفودَها, علمًا بأنَّ عشرة بلدان فحسب مثَّلت برؤساءِ دُوَلِها، وحضرته منظمةُ التحرير الفلسطينية بصفةِ مراقب، وأعلن المؤتمَرُ في ختامه إدانةَ العملِ الإجرامي، والمطالبةَ بانسحاب إسرائيل من جميع الأراضي العربية التي احتلَّتْها إسرائيلُ في حرب 1967م، وتأكيدَ عودةِ القدس إلى وَضعِها السَّابقِ قبل حرب حزيران 1967م، وتأكيدَ تضامُنِ الدول الإسلامية مع الدول العربية في صراعِها مع العدُوِّ الإسرائيلي، ومساندةَ المؤتمر وتأييدَه الكامل للشعب الفلسطيني؛ من أجلِ استعادة حقوقِه المغتَصَبة، وتحرير أرضه من براثنِ الصهيونية. وقرَّر المؤتمِرون ضرورةَ عقد اجتماعٍ لوزراء خارجية الدُّوَل المشاركة بجدة في شهر مارس 1970م؛ وذلك لبحثِ نتائج العَمَل المشترك الذي قامت به الدُّوَل المشاركة على الصعيد الدولي في موضوعِ القرارات الواردةِ في إعلان مؤتمر القِمَّة الإسلامي بالرباط، وإقامة أمانة دائمة يكونُ من جملة واجباتها الاتصالُ مع الحكومات الممثلة في المؤتمر والتنسيق بين أعمالها، وبعد حرب 1973 أخذ يتزايدُ في المؤتمرات الإسلامية الاهتمامُ بقضايا التعاوُن الاقتصادي والإجراءات المشتركة ضِدَّ أعمال إسرائيل التوسُّعية العدوانية, ودعْم حقوقِ الشعب العربي الفلسطيني.

العام الهجري : 534 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1139
تفاصيل الحدث:

حصَرَ أتابك زنكي دمشقَ مَرَّتين؛ فأمَّا المرَّة الأولى فإنَّه سار إليها في ربيعٍ الأوَّل مِن بعلبَكَّ بعد الفراغِ مِن أمرِها، وتقريرِ قواعِدِها وإصلاحِ ما تَشَعَّثَ منها، ليَحصُرَها، فنزل في البقاعِ، وأرسل إلى جمالِ الدِّينِ صاحِبِها يبذُلُ له بلدًا يقتَرِحُه ليُسَلِّمَ إليه دمشق، فلم يجِبْه إلى ذلك، فرحل وقصَدَ دمشق، فنزل على داريا ثالثَ عَشَرَ ربيع الأول فالتفَّت الطلائِعُ واقتَتَلوا، وكان الظَّفَرُ لعَسكرِ زنكي، وعاد الدِّمشقيُّونَ مُنهَزمِينَ، فقُتِلَ كثيرٌ منهم، ثم تقَدَّمَ زنكي إلى دمشق، فنزل هناك، ولَقِيَه جمعٌ كثيرٌ مِن جُندِ دِمشقَ وأحداثِها ورجَّالةِ الغوطة، فقاتلوه، فانهزم الدمشقيُّونَ، وأخَذَهم السَّيفُ، فقَتَلَ فيهم وأكثَرَ، وأسَرَ كذلك، ومن سَلِمَ عاد جريحًا. وأشرف البلدُ ذلك اليومَ على أن يُملَكَ، لكِنْ عاد زنكي عن القِتالِ وأمسك عنه عِدَّةَ أيام، وتابع الرُّسُلَ إلى صاحب دمشق، وبذل له بعلبَكَّ وحمص وغيرهما ممَّا يختاره من البلاد، فمال إلى التَّسليم، وامتنع غيرُه من أصحابِه مِن ذلك، وخَوَّفوه عاقِبةَ فِعلِه، وأن يَغدِرَ به كما غدَرَ بأهلِ بعلبك، فلمَّا لم يُسَلِّموا إليه عاود القتالَ والزَّحفَ، ثم إنَّ جمالَ الدين صاحب دمشق مَرِضَ ومات ثامِنَ شعبان، وطَمِعَ زنكي حينئذ في البلدِ، وزحف إليه زحفًا شديدًا؛ ظنًّا منه أنَّه ربَّما يقَعُ بين المُقَدَّمينَ والأمراء خلافٌ فيَبلُغُ غَرَضَه، وكان ما أمَّلَه بعيدًا، فلما مات جمالُ الدين ولي بعده مجيرُ الدين أبق وَلَدُه، وتولى تدبيرَ دَولَتِه مُعينُ الدين أنر فلم يَظهَرْ لِمَوتِ أبيه أثرٌ مع أنَّ عَدُوَّهم على باب المدينة، فلما رأى معين الدين أنَّ زنكي لا يفارِقُهم، ولا يزول عن حَصرِهم، راسَلَ الفِرنجَ، واستدعاهم إلى نُصرتِه، وأنْ يتَّفِقوا على مَنعِ زنكي عن دِمشقَ، وبذل لهم بُذولًا من جُملَتِها أن يَحصُرَ بانياس ويأخُذَها ويُسَلِّمَها إليهم، وخوَّفَهم مِن زنكي إنْ مَلَك دمشق، فعَلِموا صِحَّةَ قَولِه إنَّه إن مَلَكَها لم يَبقَ لهم معه بالشَّامِ مَقامٌ، فاجتَمَعَت الفِرنجُ وعَزَموا على السَّيرِ إلى دمشق ليَجتَمِعوا مع صاحِبِها وعَسكَرِها على قتالِ زنكي، فحين عَلِمَ زنكي بذلك سار إلى حوران خامِسَ رمضان، عازمًا على قتالِ الفِرنجِ قبل أن يجتَمِعوا بالدِّمشقيِّينَ، فلمَّا سَمِعَ الفرنجُ خَبَرَه لم يفارقوا بلادَهم، فلما رآهم كذلك عاد إلى حَصرِ دمشقَ ونزل بعذرا شماليَّها سادس شوال، فأحرَقَ عِدَّةَ قُرًى من المرج والغوطة، ورحل عائدًا إلى بلادِه، ووصل الفِرنجُ إلى دِمشقَ واجتمعوا بصاحِبِها وقد رحل زنكي، فعادوا، فسار مُعين الدين أنر إلى بانياس في عَسكرِ دِمشقَ، وهي في طاعةِ زنكي، لِيَحصُرَها ويُسَلِّمَها إلى الفرنج؛ وكان واليها قد سار قبل ذلك منها في جَمعٍ مِن جَمْعِه إلى مدينة صور للإغارةِ على بلادها، فصادفه صاحِبُ أنطاكيةَ وهو قاصِدٌ إلى دمشق نجدةً لصاحِبِها على زنكي، فاقتتلا، فانهزم المُسلِمونَ وأخَذوا واليَ بانياس فقُتِلَ، ونجا مَن سَلِمَ منهم إلى بانياس، وجمعوا معهم كثيرًا من البِقاعِ وغيرِها، وحَفِظوا القلعة، فنازلها مُعين الدين، فقاتلهم، وضَيَّقَ عليهم، ومعه طائفةٌ مِن الفِرنجِ، فأخذها وسَلَّمَها إلى الفرنج، وأمَّا الحَصرُ الثاني لدمشق، فإنَّ زنكي لَمَّا سَمِعَ الخبَرَ بحِصارِ بانياس عاد إلى بعلبك ليدفَعَ عنها مَن يحصُرُها، فأقام هناك، فلمَّا عاد عسكر دمشق، بعد أن مَلَكوها وسَلَّموها إلى الفرنج، فَرَّق أتابك زنكي عَسكَرَه على الإغارة على حوران وأعمالِ دمشق، وسار هو جريدة مع خواصِّه، فنازل دمشقَ سَحَرًا ولم يعلَمْ به أحَدٌ مِن أهلِها، فلمَّا أصبح النَّاسُ ورأوا عَسكَرَه خافوا، وارتَجَّ البَلَدُ، واجتمع العسكَرُ والعامَّةُ على السورِ وفُتِحَت الأبوابُ وخَرَج الجندُ، والرجَّالة فقاتلوه، فلم يتمَكَّن عسكرُ زنكي من الإقدامِ في القِتالِ؛ لأنَّ عامَّةَ عَسكَرِه تفَرَّقوا في البلاد للنَّهِب والتَّخريب، وإنَّما قصد دمشقَ لِئلَّا يَخرُجَ منها عَسكَرُه إلى عَسكَرِهم وهم متفَرِّقون، فلما اقتتلوا ذلك اليومَ قُتِلَ بينهم جماعةٌ ثم أحجم زنكي عنهم وعاد إلى خيامِه، ورحل إلى مرج راهط، وأقام ينتَظِرُ عودةَ عَسكَرِه، فعادوا إليه وقد ملؤوا أيديَهم من الغنائِم؛ لأنَّهم طرقوا البلادَ وأهلُها غافلونَ، فلَمَّا اجتمعوا عنده رحَلَ بهم عائدًا إلى بلادِهم.

العام الهجري : 162 العام الميلادي : 778
تفاصيل الحدث:

هو الفقيه الكبير، قاضي العراق، أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سبرة بن أبي رهم - وهو بدري من السابقين المهاجرين- بن عبد العزى القرشي، ثم العامري. كان أبو بكر من علماء قريش، ولاه المنصور القضاء، وكان خرج مع محمد بن عبد الله بن حسن صاحب النفس الزكية، وكان على صدقات أسد وطيء، فقدم على محمد بأربعة وعشرين ألف دينار، فلما قتل محمد، أُسر ابن أبي سبرة وسجن، ثم استعمل المنصور جعفر بن سليمان على المدينة، وقال له: إن بيننا وبين ابن أبي سبرة رحما، وقد أساء وأحسن، فأطلقه وأحسن جواره. وكان الإحسان أن عبد الله بن الربيع الحارثي قدم المدينة ومعه العسكر، فعاثوا بالمدينة، وأفسدوا. فوثب على الحارثي سودان المدينة والرعاع، فقتلوا جنده، وطردوهم، ونهبوا متاع الحارثي، ثم كسر السودان السجن، وأخرجوا ابن أبي سبرة حتى أجلسوه على المنبر، وأرادوا كسر قيده، فقال: ليس على هذا فوت، دعوني حتى أتكلم. فتكلم في أسفل المنبر، وحذرهم الفتنة، وذكرهم ما كانوا فيه، ووصف عفو المنصور عنهم، وأمرهم بالطاعة. فأقبل الناس على كلامه، وتجمع القرشيون، فخرجوا إلى عبد الله بن الربيع، فضمنوا له ما ذهب له ولجنده، ثم رجع ابن أبي سبرة إلى الحبس، حتى قدم جعفر بن سليمان، فأطلقه وأكرمه، ثم صار إلى المنصور، فولاه القضاء. قال ابن عدي: عامة ما يرويه أبو بكر غير محفوظ، وهو في جملة من يضع الحديث. قال ابن سعد: ولي القضاء لموسى الهادي، وهو ولي عهد، ثم ولي قضاء مكة لزياد بن عبيد الله. توفي ابن ابي سبرة ببغداد, وقد عاش ستين سنة، فلما مات، استقضي بعده القاضي أبو يوسف.

العام الهجري : 227 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 842
تفاصيل الحدث:

هو أبو إسحاقَ محمَّد المعتَصِم بالله بن هارون الرَّشيد بن محمد المهدي بن عبد الله المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، ثامِنُ الخُلَفاءِ العباسيِّينَ، وُلِدَ سنة 179ه يوم الخميسِ لثماني عشرة مَضَت من ربيع الأول، بُويع بالخلافةِ يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلةً بَقِيَت من رجب سنة ثماني عشرة ومائتين، وبعد ذلك بأيَّامٍ اجتمع جماعةٌ من الجند وشغَّبوا وتحدَّثوا في بيعةِ العبَّاسِ بنِ المأمونِ وأظهروا خلافَ المعتَصِم، ومَضَوا بأسْرِهم إلى مضارِبِ العبَّاسِ فخرج إليهم وقال لهم: أيَّ شيءٍ تُريدونَ منِّي؟ قالوا: نبايعُك بالخلافةِ، قال: أنا قد بايعتُ عمِّي ورَضيتُ به، وهو كبيرى وعندي بمنزلةِ المأمونِ، فانصرفوا خائبينَ، واستمَرَّت في عهدِه فِتنةُ القَولِ بخَلقِ القُرآن, وإنَّما حثَّ المعتَصِمَ على ذلك وحمَلَه على ما فعل به أحمَدُ بنُ أبى دؤادَ؛ لأنَّه كان معتزليًّا، وكان الإمامُ أحمدُ إمامَ السُّنَّة. وحين أحضَرَه المعتَصِم بين يديه سلَّم وتكلَّم بكلامٍ أعجب النَّاسَ، فالتَفَت المعتَصِمُ إلى ابنِ أبى دؤاد، وقال: ذكرتُم أنَّ الرجُلَ عامِّيٌّ، وأراه يذكُرُ بَيتًا قديمًا وشهد له كلُّ من حضر بأنَّه مِن سُراةِ بني شَيبانَ، ثمَّ قال: وذكَرْتُم لي أنَّه جاهِلٌ، وما أراه إلَّا مُعرِبًا فَصيحًا، فأكرَمَ الإمامَ أحمدَ. وكان الإمامُ أحمَدُ بنُ حنبل إلى أن مات يُثني على المعتَصِم ويذكُرُ فِعلَه به ويترحَّمُ عليه. غزا المعتَصِمُ مدينةَ عَمُّوريَّة، وهي من أعظَمِ مُدُنِ الرُّوم كالقُسطنطينيَّة لرَدِّ عدوانِ مَلِك الرومِ على المسلمينَ في زبطرة، فكانت غزوةً مشهورةً نصر اللهُ فيها الإسلامَ والمُسلِمينَ، وكان بدءُ عِلَّتِه أنَّه احتجم أوَّلَ يومٍ في المحَرَّم، واعتَلَّ عِندَها،وكانت خلافتُه ثماني سنينَ وثمانية أشهُر ويومين، وتوفِّيَ بمدينةِ سامِرَّاء.

العام الهجري : 262 العام الميلادي : 875
تفاصيل الحدث:

كانت وقعة للزنوج مع أحمد بن ليثويه، وكان سببَها أنَّ مسرورًا البلخيَّ وجه أحمد بن ليثويه إلى كور الأهواز، فنزل السوس، وكان يعقوبُ الصفَّار قد قلَّدَ محمد بن عبيد الله بن هزارمرد الكردي كورَ الأهواز، فكاتَبَ محمد قائدَ الزنجِ يُطمِعُه في الميلِ إليه، وأوهَمَه أنَّه يتولى له كور الأهواز. وكان محمَّد يكاتِبُه قديمًا، وعزم على مداراة الصفَّار، وقائد الزِّنج، حتى يستقيمَ له الأمرُ فيها، فكاتبه صاحِبُ الزنج يجيبه إلى ما طلبَ، على أن يكون عليُّ بن أبان المتوليَ للبلاد، ومحمد بن عبيد الله يخلُفُه عليها، فقَبِلَ محمد ذلك، فوجه إليه عليُّ بن أبان جيشًا كثيرًا وأمَدَّهم محمد بن عبيد الله، فساروا نحو السوس، فمنعهم أحمدُ بن ليثويه ومن معه من جندِ الخليفة عنها وقاتَلَهم فقَتَل منهم خلقًا كثيرًا وأسَرَ جماعة. وسار أحمد حتى نزل جنديسابور، وسار علي بن أبان من الأهواز ممدًّا محمد بن عبيد الله على أحمد بن ليثويه، فلقِيَه محمد في جيشٍ كثير من الأكراد والصعاليك، ودخل محمَّد تسترَ، فانتهى إلى أحمد بن ليثويه الخبَرُ بتضافُرِهما على قتاله، فخرج عن جنديسابور إلى السوس. ودخل أحمد تستر، وأتت الأخبارُ عليَّ بن أبان بأنَّ أحمد على قَصْدِك، فسار إلى لقائِه ومحاربته، فالتقيا واقتتل العسكران، فاستأمن إلى أحمد جماعةٌ من الأعراب الذين مع علي بن أبان، فانهزم باقي أصحابِ علي، وثبَتَ معه جماعةٌ يسيرة، واشتد القتالُ، وترجَّلَ علي بن أبان وباشر القتالَ راجلًا، فعرفه بعضُ أصحاب أحمد فأنذر النَّاسَ به، فلما عرفوه انصرف هاربًا وألقى نفسَه في نهر المسرقان، فأتاه بعضُ أصحابه بسميرية (سفينة حربيَّة صغيرة) فركِبَ فيها ونجا مجروحًا وقُتِلَ من أبطال أصحابِه جماعةٌ كثيرة.

العام الهجري : 296 العام الميلادي : 908
تفاصيل الحدث:

اجتمع جماعةٌ مِن القوَّادِ والجُند والأُمَراء على خَلعِ المُقتَدِر وتوليةِ عبدِ الله بن المعتَزِّ الخلافةَ، فأجابهم ابنُ المعتَزِّ على ألَّا يُسفَكَ بسَبَبِه دَمٌ، وكان المقتَدِرُ قد خرج يلعَبُ بالصولجان، فقصد إليه الحُسَينُ بن حمدان يريد أن يفتِكَ به، فلما سمع المقتَدِرُ الصَّيحةَ بادر إلى دارِ الخلافةِ فأغلقها دونَ الجيشِ، واجتمع الأمراءُ والأعيانُ والقُضاة في دارِ المخرمي فبايعوا عبدَ الله بن المعتَزِّ، وخوطب بالخلافة، ولُقِّبَ بالمرتضي بالله، واستوزر أبا عُبَيد الله محمَّد بن داود وبعث إلى المقتَدِر يأمُرُه بالتحَوُّلِ من دار الخلافةِ إلى دار ابنِ طاهرٍ لينتَقِلَ إليها، فأجابه بالسَّمعِ والطاعة، فركِبَ الحُسَين بن حمدان من الغَدِ إلى دار الخلافةِ ليتسَلَّمَها فقاتله الخدَمُ ومَن فيها، ولم يُسَلِّموها إليه، وهَزَموه فلم يقدِرْ على تخليصِ أهلِه ومالِه إلَّا بالجَهدِ، ثم ارتحلَ مِن فَورِه إلى الموصِل وتفَرَّقَ نظامُ ابنِ المعتَزِّ وجماعتِه، فأراد ابنُ المعتز أن يتحوَّلَ إلى سامرَّا لينزِلَها، فلم يتْبَعْه أحدٌ من الأمراء، فدخل دارَ ابنِ الجصَّاص فاستجار به فأجاره، ووقع النَّهبُ في البلد واختبط النَّاسُ، وبعث المقتَدِرُ إلى أصحابِ ابنِ المعتَزِّ فقُبِض عليهم وقُتِلَ أكثرُهم، وأعاد ابنَ الفرات إلى الوزارةِ، فجَدَّد البيعةَ إلى المقتَدِر، وأرسل إلى دار ابنِ الجصَّاص فتسَلَّمَها، وأحضر ابنَ المعتَزِّ وابنَ الجصاص فصادر ابنَ الجصَّاص بمالٍ جزيلٍ جِدًّا، نحوُ ستة عشر ألفَ ألف درهم، ثم أطلَقَه واعتقل ابن المعتَزِّ، فلما دخل في ربيع الآخر ليلتان ظهَرَ للنَّاسِ مَوتُه وأُخرِجَت جُثَّتُه، فسُلِّمَت إلى أهله فدُفِن، وصَفَحَ المُقتَدِر عن بقيَّةِ مَن سعى في هذه الفتنةِ حتى لا تفسُدَ نيَّاتُ الناس، قال ابن الجوزي: "ولا يُعرَفُ خليفةٌ خُلِعَ ثم أعيدَ إلَّا الأمينُ والمُقتَدِر".

العام الهجري : 319 العام الميلادي : 931
تفاصيل الحدث:

استولى مرداويج مَلِكُ الدَّيلم على بلدِ الجبَلِ والرَّيِّ وغيرِهما، وأقبلت الدَّيلمُ إليه من كلِّ ناحية لبَذلِه وإحسانِه إلى جُندِه، فعَظُمَت جيوشُه، وكَثُرَت عساكِرُه، وكثُرَ الخراجُ عليه، فلم يَكفِه ما في يده، ففرَّق نوَّابَه في النواحي المجاورةِ له، فكان ممَّن سيَّرَه إلى همَذان ابنُ أختٍ له في جيشٍ كثير، وكان بها أبو عبدِ الله محمَّدُ بن خلف في عسكرِ الخليفة، فتحاربوا حروبًا كثيرة، وأعان أهلُ همذان عسكرَ الخليفة، فظَفِروا بالدَّيلم، وقُتل ابنُ أخت مرداويج، فسار مرداويج من الرَّيِّ إلى همذان، فلمَّا سمع أصحاب الخليفة بمسيره انهزموا من همذانَ، فجاء إلى همذان، ونزل على باب الأسدِ، فتحصَّنَ منه أهلُها، فقاتلهم، فظَفِرَ بهم وقتل منهم خلقًا كثيرًا، وأحرقَ وسبى، ثم رفعَ السيف عنهم وأمَّن بقيَّتَهم، فأنفذ المقتَدِر هارونَ بن غريب في عساكرَ كثيرةٍ إلى محاربته، فالتَقَوا بنواحي همذان، فاقتَتَلوا قتالًا شديدًا، فانهزم هارونُ وعسكَرُ الخليفة، واستولى مرداويج على بلاد الجبلِ جميعِها، وما وراء همذان، وسيَّرَ قائدًا كبيرًا من أصحابه يُعرَف بابن علَّان القزوينيِّ إلى الدينَوَر، ففتَحَها بالسيف، وقتل كثيرًا من أهلِها، وبلغت عساكرُه إلى نواحي حُلوان، فغَنِمَت ونهبت، وقتلت وسبت الأولادَ والنساء، وعادوا إليه، ثمَّ أنفذ مرداويج طائفةً أخرى إلى أصبهان، فملكوها واستولَوا عليها، وبنَوا له فيها مساكِنَ وبساتين، فسار مرداويج إليها فنزلها وهو في أربعينَ ألفًا، وقيل خمسينَ ألفًا، وأرسل جمعًا آخرَ إلى الأهواز، فاستولوا عليها وعلى خوزستان، وجَبَوا أموالَ هذه البلاد والنواحي، وقَسَّمَها في أصحابه، وجمعَ منها الكثيرَ فادَّخَره، ثمَّ إنَّه أرسل إلى المقتَدِر رسولًا يقرِّرُ على نفسِه مالًا على هذه البلاد كلِّها، ونزل للمُقتَدِر عن هَمذان وماه الكوفة، فأجابه المقتَدِر إلى ذلك، وقوطِعَ على مائتي ألف دينار كلَّ سنة.

العام الهجري : 440 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1048
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ صاحِبُ العراق، المَلِك أبو كاليجار المرزبان بنُ سلطان الدَّولة بن بهاء الدَّولة بن عضد الدَّولة بن بُوَيه الديلمي الشيعي. تمَلَّك بعد ابنِ عَمِّه جلال الدَّولة، وجرَت له خطوبٌ وحُروب، وعاش نيِّفًا وأربعين سنة، وقهر ابنَ عَمِّه الملك العزيز، توفِّيَ رابع جمادى الأولى، بمدينة جناب من كرمان، ولما توفِّيَ نَهَب الأتراكُ مِن العسكر الخزائِنَ والسلاحَ والدوابَّ، وكانت ولايتُه على العراق أربع سنين وشهرين وأيامًا، ومدَّة ولايته على فارس والأهواز خمسًا وعشرين سنةً، وانتقل ولدُه أبو منصور فلاستون إلى مخيَّم الوزير أبي منصور، وكانت مُنفَرِدةً عن العسكر، فأقام عنده، وأراد الأتراكُ نَهبَ الوزير والأمير، فمَنَعَهم الديلم، وعادوا إلى شيراز، فمَلَكَها الأميرُ أبو منصور، واستشعر الوزيرُ، فصَعِدَ إلى قلعة خرمة فامتنع بها، فلمَّا وصل خبر وفاته إلى بغداد، وبها ولَدُه الملك الرحيم أبو نصر خرة فيروز، أحضَرَ الجُندَ واستحلفهم، وراسل الخليفةَ القائِمَ بأمر الله في معنى الخطبة له، وتلقيبِه بالملك الرحيم، وتردَّدَت الرسُلُ بينهم في ذلك إلى أن أُجيبَ إلى مُلتَمِسه سوى الملك الرحيم؛ فإنَّ الخليفةَ امتنع من إجابته وقال: لا يجوز أن يُلَقَّب بأخَصِّ صفاتِ الله تعالى، واستقَرَّ مُلكُه بالعراق، وخوزستان، والبصرة، وكان بالبصرةِ أخوه أبو علي بن أبي كاليجار، وخلف أبو كاليجار من الأولاد الملك الرحيم، والأمير أبا منصور فلاستون، وأبا طالب كامرو، وأبا المظفر بهرام، وأبا علي كيخسرو، وأبا سعد خسروشاه، وثلاثة بنين أصاغر، فاستولى ابنُه أبو منصور على شيراز، فسيَّرَ إليه الملك الرحيم أخاه أبا سعد في عسكرٍ، فملكوا شيراز، وخطبوا للملك الرحيم، وقبَضوا على الأمير أبي منصورٍ ووالدته، وكان ذلك في شوال. ووَلَّت دولةُ بني بُوَيه في أيَّام الملك الرحيم، وقامت دولةُ بني سُلجوق.

العام الهجري : 443 العام الميلادي : 1051
تفاصيل الحدث:

سَيَّرَ المَلِكُ الرَّحيمُ ابن أبى كاليجار البويهي الشِّيعي أخاهُ الأميرَ أبا سعد في جَيشٍ إلى بلادِ فارس، وكان سببُ ذلك أنَّ المُقيمَ في قَلعةِ إصطخر، وهو أبو نصر بن خسرو، وكان له أَخَوان قَبَضَ عليهما هزارسبُ بن بنكير بِأَمْرِ الأَميرِ أبي منصور بن المَلِكِ أبي كاليجار، فكتَبَ إلى المَلِكِ الرَّحيم البويهي الشِّيعي يَبذُل له الطَّاعة والمُساعَدة، ويَطلُب أن يُسَيِّر إليه أخاهُ لِيُمَلِّكَهُ بلادَ فارس، فسَيَّرَ إليه أخاهُ أبا سعد في جَيشٍ، فوصَلَ إلى دولةِ أباذ، فأتاه كَثيرٌ مِن عَساكر فارس: الدَّيلمِ، والتُّرْكِ، والعَرَبِ، والأَكرادِ، وسار منها إلى قَلعةِ إصطخر، فنزل إليه صاحبُها أبو نصر، فلَقِيَهُ وأَصعدَهُ إلى القَلعةِ، وحمَلَ له وللعَساكر التي معه الإقامات والخِلَعِ وغيرها، ثم ساروا منها إلى قَلعةِ بهندر فحَصَروها، وأتاهُ كُتُبُ بعضِ مُستَحفِظي البلادِ الفارسيَّة بالطَّاعةِ، منها مُستَحفِظ درابجرد وغيرها، ثم سار إلى شيراز فمَلكَها في رمضان، فلمَّا سَمِعَ أخوهُ الأميرُ أبو منصور، وهزارسب، ومنصور بن الحسين الأسديُّ ذلك ساروا في عَسكرِهم إلى المَلِكِ الرَّحيم فهَزَموه، وفارَق الأهوازَ إلى واسط، ثم عَطَفوا من الأهوازِ إلى شِيراز لِإجلاءِ الأميرِ أبي سعدٍ عنها، فلمَّا قاربوها لَقِيَهم أبو سعدٍ وقاتَلَهم فهَزمَهم، فالتجَأُوا إلى جبلِ قَلعةِ بهندر، وتَكرَّرت الحروبُ بين الطائِفَتينِ إلى مُنتصفِ شَوَّال، فتَقدَّمت طائفةٌ من عَسكرِ أبي سعدٍ فاقتَتَلوا عامَّة النَّهارِ ثم عادوا، فلمَّا كان الغدُ التقى العَسكرانِ جميعًا واقتَتَلوا، فانهَزمَ عَسكرُ الأميرِ أبي منصور، وظَفَر أبو سعدٍ، وقَتَل منهم خَلْقًا كَثيرًا، واستَأمَن إليه كثيرٌ منهم، وصعد أبو منصور إلى قَلعةِ بهندر واحتَمَى بها، وأقام إلى أن عاد إلى مُلكِه، ولما فارَق الأميرُ أبو منصور الأهوازَ أُعيدَت الخطبة للمَلِكِ الرَّحيم، وأَرسلَ مَن بها مِن الجُندِ يَستدعونَه إليهم. 

العام الهجري : 605 العام الميلادي : 1208
تفاصيل الحدث:

هو سنجر شاه بن غازي بن مودود بن زنكي بن آقسنقر، صاحب جزيرة ابن عمر، وهو ابن عم نور الدين، صاحب الموصل، قتله ابنه غازي، وسبب ذلك أن سنجر كان سيئَ السيرة غشومًا ظلومًا لرعيته وجندِه وحَرَمِه وولَدِه، كثيرَ القهر لهم والانتقام منهم، فاقِدَ الشفقة على بنيه حتى غرَّب ابنيه محمودًا ومودودًا إلى قلعة فرح من بلاد الزوزان لتوهُّمٍ توهَّمه فيهما, ثم أخرج ابنه غازي إلى دار بالمدينة, ووكل به فساءت حاله، وكانت الدار كثيرة الخشاش فضَجِرَ من حاله, فأعمل غازي الحيلة حتى نزل من الدار التي كان قد حبسه أبوه بها واختفى، ثمَّ إن غازي بن سنجر تسلَّقَ إلى دار أبيه، واختفى عند بعضِ سراريِّه، وعلم به أكثَرُ من بالدار، فسَتَرت عليه بغضًا لأبيه، وتوقعًا للخلاصِ منه لشِدَّتِه عليهن، فبقي كذلك، وترك أبوه الطَّلبَ له ظنًّا منه أنَّه بالشام، فاتفق أنَّ أباه، في بعض الأيام شرب الخمر بظاهرِ البلد مع نُدَمائه، فلم يزل كذلك إلى آخر النهار، وعاد إلى داره، فلما دخل الخلاءَ، دخل عليه ابنه غازي فضربه بالسكينِ أربع عشرةَ ضربةً، ثم ذبحَه، وتركه مُلقًى، فاتفق أن بعض الخدم الصغار خرج إلى البابِ وأعلم أستاذ دار سنجر الخبَرَ، فأحضر أعيان الدولة وعرَّفَهم ذلك، وأغلق الأبوابَ على غازي، واستحلف الناسَ لمحمود بن سنجر شاه، وأرسل إليه فأحضره من قلعةِ فرح ومعه أخوه مودود، فلما حلفَ الناس وسكنوا فتحوا باب الدارِ على غازي، ودخلوا عليه ليأخُذوه، فمانعهم عن نفسِه، فقتلوه وألقَوه على باب الدار، فأكلت الكلابُ بعضَ لحمه، ثم دُفِنَ باقيه، ووصل محمودٌ إلى البلد ومَلَكَه، ولُقِّبَ بمعز الدين، لَقَب أبيه، فلما استقَرَّ عمد الى الجواري اللواتي واطأنَ على قتل أبيه فغرَّقَهن في دجلةَ.

العام الهجري : 609 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1212
تفاصيل الحدث:

انهزم الموحِّدون في وقعةِ العقاب أمام جيوشِ الأسبان من قشتالة وليون ونافار المتحالفة بقيادة ألفونسو الثامن ملك قشتالة، وهذه المعركة وقَعَت قُربَ حِصنِ العقاب في الخامسَ عشَر مِن صفر. لَمَّا انتهت الهدنة مع الفرنج، عبَرَ السلطان الناصر بجيوشه إلى إشبيلية, ثم تحرَّك في سنة 608 لجهادهم، فنازل حصنًا لهم فأخذه، فسار ألفونسو في أقاصي الممالك يستنفر عبَّاد الصليب، فاجتمَعَت له جيوش ما سُمِعَ بمِثلِها، ونجدته فرنج الشام، وعساكر القسطنطينية، وملك أرغن البرشلوني، واستنفر السلطانُ الناصر الناس، والتقى الجمعانِ في وقعة تُعرَف بالعقاب، بالقربِ من حصنِ سالم، فتحَمَّل ألفونسو حملةً شديدة، فهزم المسلمين، واستشهد خلقٌ كثير. وكان أكبر أسباب الكسرة غضبَ الجند من تأخُّر عطائهم، وخصوصًا في هذه السفرة، فنَسَبوا ذلك إلى الوزراء، وخرجوا وهم كارهون، فلم يَسُلُّوا سيفًا ولا شرعوا رمحًا ولا أخذوا في شيءٍ مِن أهبة القتال؛ بل انهزموا لأوَّلِ حَملةِ الإفرنج عليهم قاصدين لذلك. وثبت السلطانُ ثباتًا عظيمًا، وكانت الملحمة في صفر سنة 609، ورجع العدوُّ بغنائم لا توصف، وأخذوا بياسة عنوةً، فلما وجدها شبه خالية، حرق دورها وخرَّب مسجدها الكبير؛ ثم نزل ألفونسو على أبذة وقد اجتمع فيها من المسلمين عدد كثير من المنهزمة وأهل بياسة وأهل البلد نفسه، فأقام عليها ثلاثة عشر يومًا، ثم دخلها عَنوةً فقتل وسبى وغنم، وأخذ هو وأصحابه من السبيِ مِن النساء والصبيان ما مَلَؤوا به بلاد الروم قاطبة، فكانت هذه أشدَّ على المسلمين من الهزيمة, وقد ترتَّبَ على هذه الهزيمة انحسارُ المسلمين في الأندلس بغرناطة وتفكُّك وحدة الشمال الإفريقي، وقيام ثلاث دول إسلامية مغربية، هي دولة بني حفص شرقًا، ودولة بني زيان من بني عبد الواد بالمغرب الأقصى، ودولة بني مرين غربًا، فاستقَلَّت هذه الدولُ عن دولة الموحِّدين.