هو الشريفُ غالبُ بن مساعد بن سعيد بن سعد بن زيد بن محسن بن حسين بن حسن بن أبي نُمي، شريفُ مكَّةَ، تولَّى الإمارةَ في مكة بعد أخيه الشريف سرور بن مساعد منذ سنة 1202هـ حتى نَفْيه سنة 1228هـ. نشأ الشريفُ غالب في كنف والده ملازمًا له مشاركًا معه في حروب, وبعد موت الشريفِ سرور بن مساعد في رجب سنة 1202 قام مقامَه أخوه عبد المعين، ثمَّ رغب عن الأمرِ لأخيه غالب بعد أيام يسيرة من ولايتِه، وكان غالبٌ في سِنِّ الشباب، فكان له قتالٌ عظيم مع صاحبِ نجدٍ الإمام عبد العزيز بن سعود، ثم ابنه سعود، ولَمَّا فتح سعود مكَّةَ صارت بينهما صحبةٌ وودٌّ، فكان غالبٌ يتردد على سعود إذا كان في مكَّةَ يدخل عليه في كلِّ حين كأنَّه أحد أمرائه ويتبادلان الهدايا, وبقيَ أميرًا لمكة إلى أن نفاه محمد علي إلى مصرَ، ثمَّ منها نُفِي إلى سلانيك وتوفي فيها بعد أن حكم مكة 26 سنة منها 19 سنة تابعًا للعثمانيين و7 سنين أميرًا للإمام سعود بن عبد العزيز, وكان لغالبٍ من الأبناء يحيى وحسين وعبد الله وعلي وعبد المطلب.
كانت وقعة للزنوج مع أحمد بن ليثويه، وكان سببَها أنَّ مسرورًا البلخيَّ وجه أحمد بن ليثويه إلى كور الأهواز، فنزل السوس، وكان يعقوبُ الصفَّار قد قلَّدَ محمد بن عبيد الله بن هزارمرد الكردي كورَ الأهواز، فكاتَبَ محمد قائدَ الزنجِ يُطمِعُه في الميلِ إليه، وأوهَمَه أنَّه يتولى له كور الأهواز. وكان محمَّد يكاتِبُه قديمًا، وعزم على مداراة الصفَّار، وقائد الزِّنج، حتى يستقيمَ له الأمرُ فيها، فكاتبه صاحِبُ الزنج يجيبه إلى ما طلبَ، على أن يكون عليُّ بن أبان المتوليَ للبلاد، ومحمد بن عبيد الله يخلُفُه عليها، فقَبِلَ محمد ذلك، فوجه إليه عليُّ بن أبان جيشًا كثيرًا وأمَدَّهم محمد بن عبيد الله، فساروا نحو السوس، فمنعهم أحمدُ بن ليثويه ومن معه من جندِ الخليفة عنها وقاتَلَهم فقَتَل منهم خلقًا كثيرًا وأسَرَ جماعة. وسار أحمد حتى نزل جنديسابور، وسار علي بن أبان من الأهواز ممدًّا محمد بن عبيد الله على أحمد بن ليثويه، فلقِيَه محمد في جيشٍ كثير من الأكراد والصعاليك، ودخل محمَّد تسترَ، فانتهى إلى أحمد بن ليثويه الخبَرُ بتضافُرِهما على قتاله، فخرج عن جنديسابور إلى السوس. ودخل أحمد تستر، وأتت الأخبارُ عليَّ بن أبان بأنَّ أحمد على قَصْدِك، فسار إلى لقائِه ومحاربته، فالتقيا واقتتل العسكران، فاستأمن إلى أحمد جماعةٌ من الأعراب الذين مع علي بن أبان، فانهزم باقي أصحابِ علي، وثبَتَ معه جماعةٌ يسيرة، واشتد القتالُ، وترجَّلَ علي بن أبان وباشر القتالَ راجلًا، فعرفه بعضُ أصحاب أحمد فأنذر النَّاسَ به، فلما عرفوه انصرف هاربًا وألقى نفسَه في نهر المسرقان، فأتاه بعضُ أصحابه بسميرية (سفينة حربيَّة صغيرة) فركِبَ فيها ونجا مجروحًا وقُتِلَ من أبطال أصحابِه جماعةٌ كثيرة.
كان القاسِمُ بنُ حَمُّود بقُرطبةَ تَولَّى الحُكمَ بعد أخيه عليِّ بنِ حَمُّود, ثمَّ قام عليه ابنُ أخيه يحيى بنُ علي بن حمود بمالقةَ، فهرب القاسِمُ مِن قُرطبةَ بلا قتالٍ، وصار بأشبيليَّةَ، ثم عاد إليها مرَّةً أخرى، فبقي القاسِمُ بقُرطبةَ شُهورًا واضطَرَب أمرُه، وغَلَب ابنُ أخيه يحيى على المدينةِ المعروفةِ بالجزيرةِ الخضراءِ، وهي كانت مَعقِلَ القاسِمِ، وبها كانت امرأتُه وذخائِرُه، وغلب ابنُ أخيه الثاني إدريسُ بنُ علي صاحِبُ سبتةَ على طنجةَ، وهي كانت عُدَّةُ القاسِمِ يلجأُ إليها إن رأى ما يخافُه بالأندلس، ثمَّ إنَّ أهلَ قُرطبةَ زَحَفوا إلى البربرِ، فانهزم البربرُ عن القاسمِ وخَرَجوا من الأرباضِ كُلِّها في شعبان سنة 414، ولَحِقَت كلُّ طائفةٍ مِن البربرِ ببلَدٍ غَلَبَت عليه، وقصَدَ القاسِمُ أشبيليَّةَ وبها كان ابناه محمَّدٌ والحسن, فلمَّا عَرَفَ أهلُ أشبيليَّةَ خُروجَه عن قُرطُبة ومَجيئَه إليهم، طردوا ابنَيه ومن كان معهما مِن البربرِ وضَبَطوا البلَدَ وقَدَّموا على أنفُسِهم ثلاثةً مِن أكابِرِ البَلَدِ. لَحِقَ القاسِمُ بشَرِيش، واجتَمَعَ البَربرُ على تقديمِ ابنِ أخيه يحيى، فزَحَفوا إلى القاسِمِ فحاصروه حتى صار في قبضةِ ابنِ أخيه، وانفرَدَ ابنُ أخيه يحيى بولايةِ البربر. وبَقِيَ القاسِمُ أسيرًا عنده وعند أخيه إدريسَ بعده إلى أن مات إدريسُ، فقُتِلَ القاسمُ خَنقًا سنة 431، وحُمِلَ إلى ابنه محمَّدِ بنِ القاسم بالجزيرة، فدَفَنَه هناك. فكانت ولايةُ القاسِمِ منذ تسمَّى بالخلافةِ بقُرطبةَ إلى أن أسَرَه ابنُ أخيه سِتَّةَ أعوامٍ، ثم كان مقبوضًا عليه ستَّ عشرةَ سَنةً عند ابني أخيه يحيى وإدريس، إلى أن قُتِلَ. مات القاسِمُ وله ثمانون سنة، وله مِن الولد محمد والحسن، أمُّهما أميرةُ بنتُ الحَسَنِ بن قَنُّون بن إبراهيم بن محمد بن القاسم بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب.
هو أبو يوسُفَ يعقوبُ بن إبراهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الأنصاري، الكوفيُّ، وُلِدَ سنة ثلاث عشرة ومائة، لَزِمَ أبا حنيفةَ سبع عشرة سنةً وتتلمَذَ عليه، وكان يعَدُّ من أنبَلِ تلامذتِه وأنجَبِهم، وكان أبو حنيفةَ يتعاهَدُه ويُنفِقُ عليه، كان أميَلَ للمُحَدِّثينَ مِن أبي حنيفة ومِن مُحمَّد بن الحسَن، كان قاضيَ الآفاقِ، ووزيرَ الرَّشيدِ، وزميلَه في حَجِّه، وكان الرشيدُ يُجِلُّه كثيرًا، وقيل: إنَّه كان يحفَظُ التفسيرَ، ويحفَظُ المغازيَ، وأيَّامَ العربِ، واشتهر بالفِقهِ.
هو الأمير عبد الله بن علي بن رشيد، من الجعافرة (آل جعفر) من الربيعية، من عبدة، من شمر: أول حكام آل رشيدٍ في جبل شمر، ومؤسِّسُ حُكمِهم فيها. ولِدَ بحائل سنة 1202ه. كان جدُّه رشيد من سكان حائل ومات في أواخر القرن الثاني عشر للهجرة, وعُرِفَ أبناءُ رشيد وأحفاده بآل رشيد. وكانت لهم في شماليَّ جزيرة العرب إمارةٌ واسعة ظهر فيها أمراءُ وفرسان عُرِفوا في تاريخ نجد الحديث. خلَّف رشيد عليًّا. وعلي خلَّفَ عبد الله وعبيدًا، حاول عبد الله بن علي بن رشيد -وهو من أغنياء أسرة جعفر العريقة وأعيانها- سنة 1235ه أن يستوليَ على العرش في حائل وينتزِعَه من آل علي بمعاونة أقاربِه الكثيرين ذَوِي النفوذ، فنَشبت الحرب بينهم وبين آل علي ودارت الدائرةُ على عبد الله فنُفِيَ، ولكِنَّ عبد الله عاد بعد عشر سنوات إلى جبل شمر فعَيَّنَه فيصل بن تركي أميرًا على جبل شمر؛ اعترافًا بفضله في استرداد حكم الرياض، ومساعدته له في قتل مشاري بن عبد الرحمن الذي تآمرَ على قتل والدِه تركي بن عبد الله، وقتل عبدَ مشاري حمزة بن إبراهيم الذي باشر قتل تركي بن عبد الله، وبعد أن تمكَّنَ عبد الله بن رشيد في حائل طردَ بيت آل علي من جبل شمر, ثم بنى عبد الله القصر الكبير، وقد توثَّقَت العلاقةُ بين فيصل بن تركي وبين ابن رشيد بالمصاهرة بين الأسرتين، فقد تزوَّج عبد الله بن فيصل بن تركي من نورة آل عبد اللهِ الرشيد، ثم من ابنة عمها طريفة بنت عبيد ابن رشيد، ولما توفي عنها، تزوَّجها شقيقه محمد بن فيصل بن تركي, وكذلك تزوَّج عبد الله ابن رشيد بالجوهرة أخت فيصل بن تركي، وتزوَّج ابنه طلال من الجوهرة بنت فيصل. توفي عبد الله بن رشيد في حائل بعد عودته من غزوة غزا فيها عنزة، وخلَفَه في حكم الجبل ابنُه طلال, وكان ابن رشيد خلَّفَ من الأبناء متعبًا الأول-وتوفي صغيرًا- ومحمدًا، وطلالًا، ومتعبًا.
كاتب أهلُ الريِّ محمَّدَ بنَ هارون الذي حارب محمَّدَ بن زيد العلوي، وتولى طبرستان لإسماعيلَ بنِ أحمد الساماني، فلما خلع محمَّدُ بن هارون طاعةَ إسماعيل، سأله أهلُ الرَّيِّ المسيرَ إليهم ليُسَلِّموها إليه، وكان سببُ ذلك أنَّ الواليَ عليهم كان قد أساء السيرةَ فيهم، فسار محمَّدُ بن هارون إليهم فحاربه واليها وهو الدتمش التركي، فقتله محمَّد وقتَلَ ابنينِ له وأخا كيغلغ، وهو من قوَّاد الخليفة، ودخل محمَّدُ بن هارون الريَّ، واستولى عليها، وفي هذه السنة كانت وقعةٌ بين إسماعيل بن أحمد وبين محمَّد بن هارون بالري، فانهزم محمَّد، ولحق بالديلم مُستجيرًا بهم، ودخل إسماعيلُ الرَّيَّ.
هو أبو بِشرٍ عَمرُو بنُ عُثمانَ بنِ قُنَبْرَ مَولى بني الحارثِ بنِ كعبٍ، قيل: مولى الرَّبيع بن زياد الحارثي البصري، ولُقِّبَ سيبويهِ لجَمالِه وحُمرةِ وَجنَتَيه، حتى كانتا كالتفَّاحتَين، وسيبويهِ في لغة فارس (رائحةُ التفاحِ)، وهو الإمامُ العلَّامة العَلَم، شيخُ النُّحاة من لدنْ زمانِه إلى زمانِنا هذا، والناسُ عِيالٌ على كتابِه المشهورِ في هذا الفنِّ المعروفِ باسمِ "كتابُ سِيبَويه"، وقد شُرِحَ شروحًا كثيرةً، وقلَّ من يحيطُ عِلمًا به، أخذ سيبويهِ العلمَ عن الخليلِ بنِ أحمدَ الفراهيديِّ ولازَمَه، و كان الخليلُ إذا جاءه سيبويهِ يقول: مرحبًا بزائرٍ لا يُمَلُّ"، وأخذ أيضًا عن عيسى بنِ عُمَر، ويونُسَ بنِ حَبيب، وأبي زيدٍ الأنصاريِّ، وأبي الخطَّابِ الأخفشِ الكبيرِ، وغيرهم، قَدِمَ مِن البصرةِ إلى بغدادَ أيَّامَ كان الكسائيُّ يؤدِّبُ الأمينَ بنَ الرَّشيدِ، وحصلت بينهم وَحشةٌ، فانصرف وعاد إلى بلادِ شيراز.
ظهَرَ السُّفيانيُّ بدمشقَ وبويع بالخلافةِ، واسمُه عليُّ بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، وطرَدَ عامِلَ الأمينِ عن دمشق- وهو سليمانُ بن أبي جعفر- بعد أن حصَرَه السفيانيُّ بدمشق مدَّةً، ثمَّ أفلت منه، وخالد بن يزيد جدُّ السفياني هذا، هو الذي وضع حديثَ السُّفياني في الأصل؛ فإنَّه ليس بحديثٍ، غيرَ أن خالدًا لَمَّا سَمِعَ حديثَ (المهديُّ من أولادِ عليٍّ في آخِرِ الزَّمانِ) أحَبَّ أن يكونَ مِن بني سُفيانَ من يظهَرُ في آخر الزمان، فوضعَ حديثَ السُّفياني؛ فمشى ذلك على بعضِ العوامِّ، ثم بعث الأمينُ إليه جيشًا، لكنهم بَقُوا في الرقَّة ولم يسيروا إلى دمشق؛ فقد قاتله ابنُ بيهس محمد بن صالح وغلَبَه وضَعُف أمر السفياني وقُتِلَ ممَّن كان معه الكثيرُ، ثمَّ قُبِضَ عليه وسُجِنَ، ثمَّ هرب بعد ذلك.
قام أبو بكرٍ محمدُ بن عبدِالعزيزِ المَنصورُ نائبُ يحيى المَأمونِ بن ذي النُّونِ في بلنسية بإعلانِ استِقلالِه فيها بعدَ أن بَلَغَه وَفاةُ يحيى المَأمونِ، وقام بمُحالَفَةِ ألفونسو السادس مَلِكِ قشتالة وليون وجيليقية مُقابِلَ دَفْعِ جِزْيَةٍ له، كما قام المُعتَمِدُ بن عبَّادٍ بانتِهازِ وَفاةِ يحيى المَأمونِ لِيُغِيرَ على قُرطُبة ويَستَولِي عليها ويَقتُل حاكِمَها ابنَ عُكاشةَ، وكان المأمونُ قد وَلَّاهُ عليها حينما احتَلَّها السَّنَةَ الماضيةَ وقَتَلَ الفَتحَ بنَ المُعتَمِد، أمَّا أحمدُ بن سُليمانَ بن هود أَميرُ سرقسطة والثغر الأعلى فاستَولَى على دانية وقَضَى على الدولةِ المُجاهِديَّة التي أَسَّسَها عامرٌ المُجاهِديُّ، وحَمَلَ أَميرَها عليَّ بنَ مُجاهدٍ إلى سرقسطة، وأمَّا عليٌّ المُرتَضَى أَميرُ الجزائرِ الشرقيَّةِ البليار فقد أَعلَن استِقلالَهُ فيها بعدَ سُقوطِ دانية بِيَدِ المُقتَدِر أحمدَ بنِ سُليمانَ بن هود.
بادر الإمامُ فيصل بن تركي إلى عَزْلِ أمير عنيزة في هذه السنة؛ وذلك لاعتقاده بأنه أغرى شريفَ مكة محمد بن عون بغزوِ نجد، وفتح له أبوابَ بلدتِه. وأمَّر الإمامُ فيصل على عنيزة ناصرَ بن عبد الرحمن السحيمي. فناصَبَ آلُ سليم أسرةُ الأمير المعزول أسرةَ السحيمي الأميرِ الجديد العداءَ، وحاولوا بزعامةِ عبد الله بن يحيى بن سليم اغتيالَ السحيمي، والاستيلاءَ على قصرِ الإمارة، ولكِنَّ محاولتهم باءت بالفشلِ، فهربوا من عُنيزة واحتموا بأميرِ بُرَيدة، وألزمهم الإمام فيصل بن تركي بالقدومِ إليه في الرياض؛ ليرى فيهم، وقَتَل السحيمي أميرَ عنيزة السابق. وأمر الإمام فيصل بن تركي السحيمي بالحضورِ إليه ليحاكَمَ مع عبد الله بن يحيى بن سليم ومن معه عند قاضي الرياضِ.
خرج دحيةُ بن المصعب بن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان الأموي بالصعيدِ ودعا لنَفسِه بالخلافة، فتراخى عنه إبراهيمُ بنُ صالح أميرُ مصرَ، ولم يحفِلْ بأمره حتى استفحلَ أمرُ دحية، وملكَ غالِبَ بلاد الصعيد وكاد أمرُه أن يتِمَّ ويُفسِدَ بلادَ مِصرَ وأمرَها؛ فسَخِطَ المهديُّ عليه؛ بسبب ذلك، وعزله عزلًا قبيحًا، ثمَّ عيَّن موسى بن مصعب بن الربيع الذي اشتغلَ بأمر دحية الأموي، وجهَّزَ إليه جيوشًا لقتاله، ثمَّ خرج موسى بنفسِه في جميع جيوشِ مِصرَ لقتالِ قيسٍ واليمانية، فلمَّا التَقَوا انهزم عنه أهلُ مصر بأجمَعِهم وأسلَموه، فقُتِلَ موسى ثمَّ وَلِيَها عسامة بن عمرو، فبعث عسامة إلى دِحية جيشًا مع أخيه بكَّار بن عمرو، فحارب بكارٌ يوسُفَ بن نصير مُقَدَّم جيش دحية المذكور، وتطاعَنَا فوضَعَ يوسُفُ الرمحَ في خاصرةِ بكَّار ووضع بكَّارٌ الرُّمحَ في خاصرةِ يوسُفُ فقُتِلا معًا، ورجع الجيشانِ مُنهَزِمَينِ.
فتَحَها المسلمونَ في ولاية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن الأغلب أبو الغرانيق، غزاها خَلفٌ الخادم مولى زيادة الله بن إبراهيم، وخَلفٌ هو المعروفُ ببناء المساجدِ والقناطر، فحاصرها ومات وهو محاصِرٌ لها، فكَتَبوا إلى أبي عبد الله بوفاته، فكتب أبو عبد الله إلى عامِلِه بجزيرة صقليَّة، وهو محمَّد بن خفاجة، أن يبعَثَ إليهم واليًا، فبعث إليهم سوادةَ بن محمد، ففتحوا حصنَ مالطة، وظَفِروا بمَلِكها عمروس أسيرًا، فهَدَّموا حِصنَها وغَنِموا وسَبَوا ما عَجَزوا عن حَملِه، وحُملَ لأحمد بن عمر بن عبد الله بن الأغلب - الذي عَمِلَ من أجل فتح مالطة- من كنائِسِ مالطة ما بنى به قصرَه الذي بسوسةَ داخلًا في البحر، والمَسلَك إليه على قنطرة. وبقيت بعد ذلك جزيرةُ مالطة خَرِبةً غيرَ آهِلةٍ، وإنما كان يدخلُها النشَّاؤون للسُّفُن؛ فإنَّ العودَ فيها أمكَنُ ما يكونُ، والصيادونَ للحوتِ لكَثرتِه في سواحِلِها وطِيبه، والشائرونَ للعَسَلِ؛ فإنه أكثَرُ شَيءٍ هناك.
هو عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم بن سعود بن محمد بن مقرن، من أمراء نجد، وكان في الرياض يُظهِرُ الطاعة لخالد بن سعود القادم من مصر الذي أخرج فيصل بن تركي وحلَّ محلَّه، فعمل ابن ثنيان على إخراج خالد والقوات المصرية، وكان شجاعًا مَهيبًا أطاعته نجد، فصَفَت له الإمارةُ إلى أن عاد فيصل بن تركي من أَسْرِه في مصر، فامتنع عليه عبدُ الله، وظَفِرَ به فيصل فحبسه في الرياض، فمات في السجن، فخرج فيصل في جنازته وصلى عليه. أنجب عبدُ الله ثلاثةً من الأبناء، وهم: محمد، وعبد القادر، وعبد الله، وقد سمِّيَ على والده لأنَّ والده توفِّيَ وهو حَمْلٌ, وقد نزح عبد الله بن عبد الله الملقَّب باشا إلى استانبول وخلع عليه هناك لقَبَ باشا وتوفِّيَ باستانبول، وقد أنجب باشا عبد الله أربعة أبناء: أحمد، وعبد القادر، وسعود، وسليمان الذي أنجب ابنًا واحدًا هو عبد العزيز بن سليمان، الذي تولى أمانة مدينة الرياض عام 1386هـ.
استعمل الرشيدُ على إفريقيَّة الفضلَ بنَ روح بن حاتم المهلبي بعد موت والِدِه, فاستعمل الفضلُ على مدينة تونس ابنَ أخيه المغيرةَ بن بشر بن روح، فاستخَفَّ بالجُندِ. وكان الفضلُ أيضًا قد أوحَشَهم، وأساء السيرةَ معهم؛ بسبَبِ ميلهم إلى نصرِ بن حبيب الوالي قبلَه، فاجتمع مَن بتُونس، وكتبوا إلى الفضلِ يَستعفُونه من ابن أخيه، فلم يُجِبْهم عن كتابِهم، فاجتمعوا على تَركِ طاعتِه، فبايعوا عبدالله بن الجارود، وأخرجوا المغيرةَ، ثم استشرى الأمرُ في أفريقيا ففسَدَ الجُندُ على الفضلِ، فسَيَّرَ إليهم الفضل عسكرًا كثيرًا فخَرجوا إليه فقاتلوه، فانهزم عسكرُه وعاد إلى القيروان منهزِمًا وتبعهم أصحابُ ابن الجارود، فحاصروا القيروانَ ودخل ابن الجارود وعسكَرُه في جمادي الآخرة، وأخرج الفضل من القيروان، ووكلَ به وبمن معه من أهلِه أن يوصِلَهم إلى قابس، ثم ردَّهم ابن الجارود، وقُتِلَ الفضل بن روح بن حاتم، ثمَّ إنَّ الرشيدَ بلَغَه ما صنع ابنُ الجارود، وإفسادُه إفريقية، فوجَّه هرثمة بن أعين ومعه يحيى بن موسى، فكاتب يحيى عبدالله بن الجارود، ثم دخل في الطاعةِ بعد أن طلَبَ الأمانَ فأمَّنَه.