هو عَلِيّ زَيْنُ العابِدِين بن الحُسين بن عَلِيِّ بن أبي طالِب، أُمُّهُ بِنتُ يَزْدَجِرْد آخِر مُلوك فارِس، مِن الفُقَهاء الحُفَّاظ كان مَضْرَب المَثَلِ في الحِلْمِ والوَرَعِ والجُودِ والتَّواضُع، مَدَحَهُ الفَرزدَقُ بالقَصيدَة المَشهورَة التي مَطلعُها: هذا الذي تَعرِف البَطحاءُ وَطأتَهُ والبَيتُ يَعرِفُه والحِلُّ والحَرَمُ، تُوفِّي في أوَّلِ هذه السَّنَة يعني سَنَة 94هـ، وصُلِّيَ عليه بالبَقيعِ ودُفِنَ فيه، فرَحِمَه اللهُ رَحمةً واسِعَة، وجَزاهُ الله عن المسلمين خيرًا.
هو محَدِّثُ الحرَمِ المكِّي، الحافِظُ المشهورُ: سُفيان بن عُيَينة بن أبي عمران يكنَّى أبا محمد. وهو مولى لبني عبد الله بن رويبة، وُلِد سنةَ سبعٍ ومائة بالكوفةِ، انتقل إلى مكَّةَ وبقي فيها، قال الشافعي: لولا مالِكٌ وسفيان لذهب عِلمُ الحجاز، كان واسِعَ العِلم، كبيرَ القَدرِ، مع زهدٍ وورَعٍ، له المُسند الجامِعُ، وتفسير القرآن، توفِّي في مكَّة- رحمه الله وجزاه عن الإسلامِ والمسلمين خيرًا.
انتَصرَ عليهم عبدُ الله العيوني بمُساعدَةِ العبَّاسيِّين والسَّلاجِقَةِ فأَخرَجَهُم من أوال ثم من البَحرَيْنِ، وأخيرًا حَدثَت في الأَحساءِ مَعركةُ الخَندَقِ فقَضَت على دَولةِ القَرامِطَةِ نِهائِيًّا، وحَلَّت مَحِلَّها الدَّولةُ العيونيَّةُ. والعيوني، مِن بَنِي عبدِ القَيْسِ: رَأسُ العيونيين في الأَحساءِ، نَشأَ بها، في مشارف "العيون" ونِسْبَتُه إليها. وأَدرَك ضَعْفَ القِرامِطَةِ فيها، فاتَّصلَ ببغداد (سَنةَ 466هـ) وشَرحَ أَمرَهم لِجَلالِ الدَّولةِ أبي الفَتحِ ملكشاه السلجوقي، والخَليفةُ يومئذٍ أبو جَعفرٍ القائمُ بأَمرِ الله، والوَزيرُ أبو عليٍّ الحَسنُ بن عليِّ بن إسحاقَ نِظامُ المُلْكِ.
وقد وَرَدَ كِتابُ ارتق بك على الخَليفةِ المُقتَدِي العبَّاسيِّ بأَخْذِه بِلادَ القَرامِطَة.
هو الإمامُ العلَّامة، المتفنن المتبحر في العلم، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرخ الخزرجي الأنصاري القرطبي، من أهل قرطبة، كان عالِمًا بالتفسير والأحكام واللغة. قال الذهبي: "له تصانيفُ مفيدة تدل على كثرة اطلاعه ووفور فضله، أشهرها تفسيره الجامع لأحكام القرآن، وقد سارت به لعظيمِ شأنه الركبانُ، وهو كامل في معناه. ومن تصانيفه كذلك: الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، والتذكار في أفضل الأذكار، وكتاب "التذكرة"، وأشياء تدل على إمامته وذكائه وكثرة اطلاعه". رحل إلى المشرق واستقر في شمال أسيوط، كان عالِمًا بالتفسير والأحكام واللغة. توفي في أوائل هذه السنة بمنية بني خصيب من الصعيد الأدنى عن 93 عامًا.
في موسِمِ حَجِّ تلك السَّنةِ، في اليومِ الأوَّلِ مِن عيدِ الأضحى،رأى الإخوان (إخوان من أطاع الله) المحمَلَ القادِمَ مع الحجِّ المصري على جملٍ يتهادى بين الجموع، تحيطُ به موسيقاه وعساكِرُه، فقاموا يرشقونَه بالحجارة وهم بملابسِ الإحرام، ولم يكنْ مِن أمير الحج المصريِّ إلَّا أنْ أمَرَ بنَصبِ المدافع والرشَّاشات وإطلاق نيرانها على جموعِ الإخوانِ (إخوان من أطاع الله)، فقتل منهم خمسةً، وجرح آخَرون، ولَمَّا علم عبد العزيز بالخبر نهض من سرادِقِه، وأسرع يعدو إلى أن توسَّطَ بين الإخوان ونار الجند، وبَسَط ذراعيه يصيح: أنا عبد العزيز، أنا عبد العزيز، فهدأ إطلاقُ النار، وتدخَّل الجندُ السعودي، وانكَفَّ النَّاسُ، وأمَرَ بحجزِ المحمَلِ عن الأنظار، وترتَّبَ على هذا الحَدَث قَطعُ العلاقةِ مع مصرَ، وغضب الإخوان لأنَّه لم يقدِّمْ أميرَ الحجِّ المصري للشَّرعِ لِيُحاكمَ على قتله خمسةِ رجالٍ منهم وجَرْح آخرين.
عبَرَ أبو أحمد الموفَّق إلى مدينة الفاجر بعد أن أوهى قُوَّتَه في مُقامِه بمدينة الموفَّقيَّة بحصاره والتضييقِ عليه، فلما أراد العبورَ إليها أمَرَ ابنه أبا العبَّاس بالقصد للموضِعِ الذي كان قصَدَه مِن رُكنِ مدينة الخبيث الذي يحوطُه بابنه وجِلَّةِ أصحابه وقوَّاده، وقصد أبو أحمد موضِعًا من السور- فيما بين النَّهرِ المعروف بمنكى، والنهر المعروف بابن سمعان- وأمر صاعدا وزيرَه بالقصد لفُوَّهة النهر المعروف بجري كور، وتقدَّمَ إلى زيرك في مناكفتِه وأمرَ مسرورًا البلخيَّ بالقصدِ لنهرِ ما يليهم من السورِ، وطلب منهم الموفَّق ألا يزيدوا على هدمِ السُّورِ، وألا يدخلوا مدينةَ الخبيث، ووكل بكل ناحيةٍ من النواحي التي وجَّه إليها القوَّاد شذوات فيها الرُّماة، وأمرهم أن يحمُوا بالسهامِ من يهدِمُ السورَ مِن الفَعَلة والرَّجَّالة الذين يخرجون للمدافعةِ عنهم، فثَلَم في السورِ ثُلَمًا كثيرة، ودخل أصحابُ أبي أحمد مدينةَ الفاجر من جميع تلك الثُّلَم، وجاء أصحاب الخبيث يحاربونَهم فهزمهم أصحابُ أبي أحمد وأتبعوهم حتى وغَلوا في طلَبِهم، إلَّا أن أصحاب الخبيث تراجعوا فشَدُّوا على أصحاب أبي أحمد وقتلوا منهم جماعةً، وأصاب أصحابُ الخبيثِ أسلحةً وأسلابًا، وثبت جماعةٌ من غلمان أبي أحمد فدافعوا عن أنفُسِهم وأصحابِهم، حتى وصلوا إلى الشذا، وانصرف أبو أحمد بمن معه إلى مدينة الموفَّقيَّة وأمر بجَمعِهم وعَذلِهم على ما كان منهم من مخالفةِ أمْرِه والافتياتِ عليه في رأيه وتدبيرِه، وتوعَّدَهم بأغلظِ العُقوبة إن عادوا لخلافِ أمْرِه بعد ذلك، وأمر بإحصاءِ المفقودين من أصحابِه فأُحصوا له، وأقَرَّ ما كان جاريًا لهم على أولادِهم وأهاليهم، فحَسُنَ مَوقِعُ ذلك منهم، وزاد في صِحَّة نيَّاتهم لِمَا رأَوا من حياطتِه خَلْفَ من أصيبَ في طاعتِه.
في هذه السَّنةِ ردَّ القرامِطةُ الحجَرَ الأسودَ المكِّيَّ إلى مكانه في البيت، وقد كان القرامطةُ أخذوه في سنة 317، وكان مَلِكُهم إذ ذاك أبا طاهر سُليمانَ بن أبي سعيد الجَنَّابي- لعنه الله- ولَمَّا وقع هذا أعظمَ المُسلِمونَ ذلك، وقد بذل لهم الأميرُ بجكم التركي قبل هذا العامِ خمسينَ ألف دينارٍ على أن يردوه إلى موضِعِه فلم يفعلوا، وقالوا: نحن أخذناه بأمرٍ فلا نرُدُّه إلَّا بأمرِ مَن أخذناه بأمرِه، وكَذَبوا فإنَّ الله تعالى قال: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ} [الأعراف: 28]، فلما كان في هذا العام 339 حملوه إلى الكوفةِ وعَلَّقوه على الأسطوانةِ السابعة مِن جامِعِها لِيَراه الناس، وكتب أخو أبي طاهر كتابًا فيه: "إنَّا أخَذْنا هذا الحجَرَ بأمرٍ، وقد ردَدْناه بأمرِ مَن أمَرَنا بأخذِه؛ ليتِمَّ حَجُّ الناسِ ومناسِكُهم"، ثم أرسلوه إلى مكَّةَ بغير شيء على قَعودٍ، فوصل في ذي القَعدة من هذه السنة، ولله الحمدُ والمنَّة، وكان مدَّة مغايبته عند القرامطة ثنتين وعشرين سنة، ففرح المسلمون لذلك فرحًا شديدًا، قال ابن كثير: " وقد ذكرَ غيرُ واحد أنَّ القرامطة لما أخذوه حملوه على عِدَّةِ جمالٍ فعَطِبَت تحته واعترى أسنِمَتَها القَرحُ، ولَمَّا ردوه حمَلَه قَعودٌ واحِدٌ ولم يُصِبْه أذًى"
وصلت أمداد الفرنج في البحر من روميَّة الكبرى وغيرها من بلاد الفرنج في الغرب والشمال، إلَّا أن المتولي لها كان صاحب رومية؛ لأنَّه يتنزل عند الفرنج بمنزلة عظيمةٍ، لا يرون مخالفةَ أمره ولا العُدولَ عن حُكِمهِ فيما سَرَّهم وساءهم، فجهَّز العساكرَ مِن عنده مع جماعةٍ مِن مقَدَّمي الفرنج، وأمَرَ غيرَه من ملوكِ الفرنج إمَّا أن يسير بنفسِه، أو يرسِلَ جيشًا، ففعلوا ما أمَرَهم، فاجتمعوا بعكَّا من ساحل الشام، وكان الملك العادلُ أبو بكر بن أيوب بمصر، فسار منها إلى الشامِ، فوصل إلى الرملة، ومنها إلى لد، وبرز الفرنج من عكَّا ليقصدوه، فسار العادلُ نحوَهم، فوصل إلى نابلس عازمًا على أن يسبِقَهم إلى أطراف البلاد ممَّا يلي عكا ليحميَها منهم، فساروا هم فسَبَقوه، فنزل على بيسان من الأردن، فتقدَّم الفرنجُ إليه في شعبان عازمينَ على محاربته؛ لعلمهم أنَّه في قلة من العسكر، لأنَّ العساكِرَ كانت متفرقةً في البلاد، فلمَّا رأى العادلُ قُربَهم منه لم يرَ أن يلقاهم في الطائفةِ التي معه، خوفًا من هزيمة تكونُ عليه، وكان حازمًا كثير الحذر، ففارق بيسان نحو دمشق ليُقيمَ بالقرب منها، ويرسِلَ إلى البلاد ويجمعَ العساكر، فوصل إلى مرج الصفر فنزل فيه، فأخذ الفرنجُ كلَّ ما في بيسان من ذخائِرَ قد جُمِعَت، وكانت كثيرةً، وغنموا شيئًا كثيرًا، ونَهَبوا البلاد من بيسان إلى بانياس، وبثوا السرايا في القرى فوصلت إلى خسفين، ونوى وأطراف البلاد، ونازلوا بانياس، وأقاموا عليها ثلاثة أيام، ثم عادوا عنها إلى مرج عكا، ومعهم من الغنائم والسبي والأسرى ما لا يحصى كثرةً، سوى ما قتلوا وأحرقوا وأهلكوا، فأقاموا أيامًا استراحوا خلالها، ثم جاؤوا إلى صور، وقَصَدوا بلد الشقيف، ونزلوا بينهم وبين بانياس مقدار فرسخين، فنهبوا البلاد: صيدا والشقيف، وعادوا إلى عكا، وكان هذا من نصف رمضان إلى العيد، والذي سَلِمَ من تلك البلاد كان متخفيًا حتى قَدَر على النجاة، ولما نزل العادِلُ على مرج الصفر سيَّرَ ولده الملك المعظم عيسى، وهو صاحِبُ دمشق في قطعةٍ صالحة من الجيش إلى نابلس ليمنَعَ الفرنجَ عن بيت المقدس.
وصل والي قوص ممَّن معه إلى اتجاه الجزيرة التي بها عامون ملك النوبة، فرأوا بها عدة من مراكب النوبة، فبعثوا إليه في الدخولِ في الطاعةِ وأمَّنوه فلم يقبَلْ، فأقام العسكرُ تجاهه ثلاثة أيام، فخاف عامون من مجيءِ الحراريق والمراكبِ إليه، فانهزم إلى جهةِ الأبواب، وهي خارجةٌ عن مملكتِه وبينها وبين الجزيرة التي كان فيها ثلاثةُ أيام، ففارقه السواكرة وهم الأمراء وفارقه الأسقُفُ والقُسوس، ومعهم الصليبُ الفِضَّة الذي كان يُحمَلُ على رأسِ الملك، وتاجُ الملك، وسألوا الأمان فأمَّنَهم والي قوص وخلَعَ على أكابِرِهم، وعادوا إلى مدينةِ دنقلة وهم جمعٌ كبير، وعند وصولهم عبر الأمير عزُّ الدين الأفرم وقبجاق إلى البر الشرقي، وأقام العسكرُ مكانه، واجتمع الأمراءُ بدنقلة، ولبس العسكرُ آلةَ الحرب وطلبوا من الجانبينِ، وزُيِّنَت الحراريق في البحر، ولعب الزرَّاقون بالنِّفاط، ومدَّ الأمراء السماط في كنيسةِ أسوس أكبَرِ كنائس دنقلة وأكلوا، ثم ملَّكوا الرجلَ الذي بعثه السلطانُ قلاوون وألبسوه التاجَ، وحلفوا وسائِرَ الأكابرِ، وعينوا طائفةً من العسكر تقيمُ عندهم وعليها بيبرس العزي مملوكُ الأمير عزِّ الدين والي قوص، وعاد العسكرُ إلى أسوان بعدما غاب عنها ستة أشهر، وساروا إلى القاهرةِ في آخر جمادى الأولى بغنائِمَ كثيرة، وأما عامون فإنَّه عاد بعد رجوع العسكرِ إلى دنقلة مختفيًا، وصار بطريقِ باب كلِّ واحد من السواكرة ويستدعيه، فإذا خرج ورآه قَبَّلَ له الأرضَ وحلف له، فما طلع الفجرُ حتى ركِبَ معه سائرُ عَسكرِه، وزحف عامون بعسكره على دار الملك، وأخرج بيبرس العزي ومَن معه إلى قوص، وقَبَض على الذي تمَلَّك مَوضِعَه وعرَّاه من ثيابه، وألبسه جلدَ ثورٍ كما ذُبِحَ بعدما قَدَّه سيورًا ولَفَّها عليه، ثمَّ أقامه مع خشبةٍ وتركه حتى مات، وقُتِلَ جريس أيضًا، وكتب عامون إلى السلطانِ يسأله العفو، وأنَّه يقوم بالبقط المقرَّر وزيادة، وبعث رقيقًا وغيره تقدمةً فقَبِلَ منه، وأقرَّه السلطانُ بعد ذلك بالنوبةِ.
ذكَر مُعظمُ أهلِ المَغازي والسِّيَرِ أنَّها وقعت بعدَ بدرٍ، ورجَّحهُ ابنُ حَجَرٍ، وقد كانت يومَ السَّبتِ للنِّصفِ مِن شَوَّالٍ. وخَبرُ إجلاءِ بني قَينُقاعٍ ثابتٌ في الصَّحيحينِ، فعنِ ابنِ عُمَرَ رضِي الله عنهما قال: "حاربَتِ النَّضيرُ وقُرَيْظةُ، فأَجْلى بني النَّضيرِ، وأَقَرَّ قُرَيْظَةَ ومَن عليهم، حتَّى حاربتْ قُرَيْظَةُ، فقَتَلَ رِجالَهم، وقَسَمَ نِساءَهُم وأَولادَهُم وأَموالَهُم بين المسلمين، إلَّا بعضَهُم لَحِقوا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فآمَنَهُم وأَسلَموا، وأَجْلى يَهودَ المدينةِ كُلَّهم: بني قَيْنُقاعٍ -وهُم رَهْطُ عبدِ الله بنِ سَلامٍ- ويَهودَ بني حارِثةَ، وكُلَّ يَهودِ المدينةِ"
استنَكَرت الهيئةُ العالميَّةُ للعُلَماء المسلِمين في رابطةِ العالمِ الإسلاميِّ بشدةٍ عَزْمَ شركةٍ سينمائية إيرانيةٍ إنتاجَ فيلمٍ يجسِّد شخصيَّةَ الرَّسولِ محمد صلى الله عليه وسلم. ودَعَت الهيئةُ في بيانٍ لها الحكومةَ الإيرانيةَ إلى إيقافِ تصويرِ هذا الفيلم ومنعِ عرضِ أيِّ جُزءٍ منه؛ فهي مسؤولة عمَّا يتمُّ في أراضيها، وعليها أن تمنعَ تجسيدَ شُخوصِ الأنبياءِ والرُّسل عليهم السلام، وخاتَمِهم محمدٍ صلوات الله وسلامه عليه؛ لِمَا في هذا العملِ من تَجرُّؤٍ على مقامِ النُّبوَّةِ لا يليق بشخصِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام ويتعارَضُ مع توقيرِه: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} [الفتح: 8، 9].
هو الإمامُ العلَّامةُ المُفتي المجتَهِد, عَلَمُ العراق أبو بكر أحمدُ بنُ عليٍّ الرازي الجَصَّاصُ، الفقيهُ الحنفي، إمامُ أصحاب الرأي في وقته، صاحب التصانيف، وتلميذُ أبي الحسن الكرخي. ولد سنة 305 في مدينة الريِّ التي يُنسَبُ لها بالرازي, وقد مكث بها حتى سِنِّ العشرينَ، حيث رحل إلى بغداد واستوطَنَها. وقد حاز الإمامُ مكانةً عِلميَّةً سامِقةً بين علماءِ الأمة عمومًا, وعُلَماءِ الحنفيَّة خُصوصًا. كان مع براعتِه في العِلمِ مَشهورًا بالزهد والورع، لَمَّا ورد بغداد في شبيبتِه درس الفقهَ على أبي الحسَنِ الكَرخيِّ ولم يزَلْ حتى انتهت إليه الرياسةُ الحنفية ببغداد، وعنه أخذ فقهاؤُها, ورحل إليه المتفَقِّهة، وخوطِبَ في أن يلي قضاءَ القُضاةِ فامتنع، وأعيد عليه الخطابُ فلم يفعل، وله تصانيفُ كثيرة مشهورة؛ منها "أحكام القرآن" و "شرح الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن الشيباني، و "شرح المناسك" لمحمد بن الحسن الشيباني، و "شرح مختصر الفقه" للطحاوي، وغيرها، وتصانيفه تدُلُّ عل حفظه للحديثِ وبَصَرِه به. قال الذهبي: " وكان يميلُ إلى الاعتزالِ، وفي تصانيفِه ما يدُلُّ على ذلك في مسألةِ الرؤية وغيرِها ". توفِّيَ عن خمسٍ وستين سنة، وصلَّى عليه أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي.
طلَب إبراهيمُ بن محمَّد بن عَلِيِّ بن عبدِ الله بن عَبَّاس مِن أبي مُسلِم أن يَحضُر إليه إلى مَكَّة لِيَعلَم منه أَخبارَ الدَّعوة، فجاءَه كِتابٌ منه أن يَرجِع إلى خُراسان ويُعلِن بالدَّعوة بعد أن كانت سِرِّيَّة، فأَظهَر أبو مُسلِم الدَّعوة وطلَب مِن سُليمان بن كَثير أن يُصلِّي بالنَّاس العيد، فأَرسَل إليهم نَصرُ بن سِيار قُوَّةً؛ ولكنَّ جُندَ أبي مُسلِم كانوا قد اسْتولَوا على هَراة، وكُشِفَ أمرُ إبراهيمَ مِن الرَّسائل وكان يُقيمُ بالحميمية فقُبِضَ عليه وسُجِن.
تجهَّزَ لذريق ملك الفرنج بالأندلس، وجمعَ جموعَه ليسيرَ إلى مدينة طرطوشة ليحصرَها، فبلغ ذلك الحكَمَ بنَ هشامٍ صاحِبَ الأندلس، فجمع العساكِرَ وسيَّرَها مع ولده عبد الرحمن، فاجتمعوا في جيشٍ عظيمٍ، وتَبِعَهم كثيرٌ من المتطَوِّعة، فساروا فلَقُوا الفرنج في أطرافِ بلادهم قبل أن ينالوا من بلادِ المسلمينَ شيئًا، فاقتتلوا وبذلَ كُلٌّ من الطائفتين جُهدَه، واستنفَدَ وُسعَه، فأنزل الله تعالى نَصرَه على المسلمين، فانهزم الكُفَّارُ، وكثُرَ القتلُ فيهم، والأسْرُ، ونُهِبَت أموالُهم وأثقالُهم، وعاد المسلمونَ ظافرينَ غانِمينَ.