الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2316 ). زمن البحث بالثانية ( 0.015 )

العام الهجري : 1138 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1726
تفاصيل الحدث:

هو الشيخُ الإمام العلَّامة المحقِّق المدقِّق نور الدين أبو الحسن بن عبد الهادي السندي، من فقهاء الأحناف المشهورين. ولِدَ ببته قرية من بلاد السند ونشأ بها ثم ارتحل إلى تستر، وأخذ بها عن جملة من الشيوخ، كالسيد محمد البرزنجي، والملا إبراهيم الكوراني، وغيرهما، ودرَّس بالحرم الشريف النبوي، واشتهر بالفضل والذكاء والصلاح. استوطن المدينةَ المنورة، برع في علم الحديث، وألَّف مؤلفات نافعة من الحواشي، منها: حاشية على كل من سنن أبي داود والنسائي وابن ماجه، وعلى مسند أحمد، وعلى صحيحي البخاري ومسلم، وعلى البيضاوي، وغيرها من المؤلفات التي سارت بها الركبان، وكان شيخًا جليلًا عالِمًا عاملًا ورعًا زاهدًا، ماهرًا محققًا بالحديث والتفسير والفقه والأصول والمعاني والمنطق والعربية، وغيرها، أخذ عنه جملةٍ من الشيوخ، منهم: الشيخ محمد حياة السندي وغيره. كانت وفاته بالمدينة المنورة ثاني عشري شوال، وكان لوفاته مشهد عظيم حضره جمٌّ غفير من الناس حتى النساء، وغُلِّقت الدكاكين، وحمل الولاة نعشَه إلى المسجد النبوي الشريف، وصلِّي عليه به، ودُفِن بالبقيع، وكُثَر البكاءُ والأسفُ عليه.

العام الهجري : 1365 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1946
تفاصيل الحدث:

بعد استقرارِ الأحوال في ألبانيا، أُجريت انتخابات عامة وعلى إثر فوز أنور خوجا بها أُعلنت ألبانيا جمهوريةً شعبية، وأُلغيت الملكية رسميًّا، وأصبح أنور خوجا رئيسًا للبلاد، وما إن أمسك بمقاليد الأمور حتى بادر إلى قطعِ العلاقات مع كلٍّ مِن بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وكان أنور خوجا من المعجَبين بستالين: دكتاتور الاتحاد السوفيتي الشيوعي، فوقف إلى جانِبِه حين نشب خلافٌ سنة 1367هـ / 1948م بينه وبين "تيتو" الرئيس اليوغسلافي، على الرغم من مساندة الحزب الشيوعي اليوغسلافي للشيوعيين الألبان في أثناء الاحتلال الإيطالي لبلادِهم، غير أنَّ هذا التأييد الذي أبداه أنور خوجا للسياسة السوفيتية توقَّفَ بعد وفاة ستالين سنة 1373هـ / 1953م، وانتهاج خلفائِه سياسةً مغايرة؛ فتحوَّل التأييد إلى عداءٍ مُستحكم، انتهى بقطع العلاقات بين البلدين في سنة 1381هـ / 1961م، وكان من الأسباب التي أدَّت إلى هذه النتيجة وقوف "خوجا" إلى جانب الصين في صراعها الأيديولوجي المذهبي ضِدَّ الاتحاد السوفيتي، ثم أعقب ذلك انسحابُ ألبانيا من حلف "وارسو" سنة 1388هـ / 1968م، والتوقُّف عن المشاركة في "الكوميكون"، وهو المجلس المشترك لمساعدة دولة الكتلة الشرقية.

العام الهجري : 600 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1203
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامة الحافِظُ الكَبيرُ، الصادِقُ القدوة، العابد الأثَري المتَّبع، عالِم الحفاظ: تقي الدين أبو محمد عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي، صاحب التصانيف المشهورة، ولد سنة 541 بجماعيل, وهي قرية من أعمال نابلس وكان أكبَرَ مِن الشيخ موفق الدين أحمد بن قدامة المقدسي بأربعة أشهر، وهما ابنا خالة، كان إمامًا حافظًا متقنًا مصنفًا ثقة، سمع الكثير ورحل إلى البلاد وكتب الكثير، وسيرته مذكورة في جزأين، ألفها الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله المقدسي. كان الحافظ عبد الغني ليس بالأبيض بل يميل إلى السمرة، حسن الشَّعر، كثَّ اللحية، واسِعَ الجبين، عظيمَ الخَلقِ، تامَّ القامة، كأنَّ النور يخرج من وجهه. هاجر صغيرًا إلى دمشق بعد الخمسين، فسمع بها ثم ارتحَلَ إلى بغداد فالإسكندرية ثم أصبهان. قال ابن كثير: " كان قدوم الحافظِ وابن خالته الموفَّق مع أهلهما من بيت المقدس إلى مسجِدِ أبي صالح أولًا بدمشق، ثم انتقلوا إلى السفح فعُرِفَت المحلة بهم، فقيل لها الصالحية، وقرأ الحافظ عبد الغني القرآن، وسمع الحديث" قال السبط ابن الجوزي: "كان عبد الغني ورعًا زاهدًا عابدًا، يصلي كل يوم ثلاثمائة ركعة، كَوِردِ الإمامِ أحمد بن حنبل، ويقوم الليل ويصوم عامة السنة، وكان كريمًا جوادًا لا يدَّخِرُ شيئا، ويتصَدَّقُ على الأرامل والأيتام حيث لا يراه أحد، وكان يُرَقِّعُ ثوبه ويؤثِرُ بثَمَن الجديد، وكان قد ضَعُف بصره من كثرة المطالعة والبكاءِ، وكان أوحد زمانه في علم الحديث والحفظ", وهو أحد أكابر أهل الحديث وأعيان حُفَّاظهم، قال ضياء الدين: "كان شيخُنا الحافظ لا يكاد يُسألُ عن حديث إلا ذكَرَه وبينه، وذكَرَ صِحَّته أو سَقَمَه، ولا يُسأل عن رجلٍ إلا قال: هو فلان بن فلان الفلاني، ويذكُرُ نَسَبَه، فكان أميرَ المؤمنين في الحديث، سمعته يقول: كنتُ عند الحافظ أبي موسى، فجرى بيني وبين رجلٍ منازعة في حديث، فقال: هو في صحيح البخاري. فقلتُ: ليس هو فيه. قال: فكَتَبَه في رقعة، ورفَعَها إلى أبي موسى المديني يسألُه، قال: فناولني أبو موسى الرقعةَ، وقال: ما تقول؟ فقلتُ: ما هو في البخاري، فخَجِلَ الرجُل" وقال ابنه عبد الرحمن: "سمعت بعضَ أهلنا يقول: إنَّ الحافِظَ سُئل: لم لا تقرأُ مِن غير كتاب؟ قال: أخاف العُجبَ". كان مجتهدًا على الطلب، يُكرِم الطلبة، ويُحسِنُ إليهم، وإذا صار عنده طالبٌ يفهَمُ، أمَرَه بالرِّحلةِ، ويفرح لهم بسماع ما يحَصِّلونه. وقَعَت له محن على الاعتقادِ ونُفِيَ إلى مصر بسَبَبِ ذلك فاستقبله فيها أهلُ الحديث وأكرموه. قال ابن كثير: "رحل إلى أصبهان فسَمِعَ بها الكثير، ووقف على مصَنَّف للحافظ أبي نعيم في أسماء الصحابة، فأخذ في مناقشته في أماكِنَ مِن الكتاب في مائة وتسعين موضعًا، فغضب بنو الخجندي من ذلك، فأبَغضوه وأخرجوه منها مختفيًا في إزار. ولما دخلَ في طريقه إلى الموصل سَمِع كتاب العقيلي في الجرح والتعديل، فثار عليه الحنفيَّةُ بسبب أبي حنيفة، فخرج منها أيضا خائفًا يترقَّبُ، فلما ورد دمشق كان يقرأ الحديثَ بعد صلاة الجمعة برواق الحنابلةِ مِن جامع دمشق، فاجتمعَ الناس عليه وإليه، وكان رقيقَ القلب سريع الدمعة، فحصل له قَبولٌ مِن الناس جدًّا، فحَسَده بنو الزكي والدولعي وكبار الدماشِقة من الشافعية وبعض الحنابلة، وجَهَّزوا الناصح الحنبلي، فتكَلَّم تحت قبة النسر، وأمروه أن يجهَرَ بصَوتِه مهما أمكنه، حتى يشَوِّشَ عليه، فحَوَّل عبد الغني ميعادَه إلى بعد العصر، فذكر يومًا عقيدتَه على الكرسيِّ، فثار عليه القاضي ابن الزكي، وضياء الدين الدولعي، وعقدوا له مجلسًا في القلعة يوم الاثنين الرابع والعشرين من ذي القعدة سنة خمس وتسعين. وتكلموا معه في مسألةِ العلو ومسألة النزول، ومسألة الحَرفِ والصوت، وطال الكلامُ وظهر عليهم بالحُجَّة، فقال له برغش نائب القلعة: كلُّ هؤلاء على الضلالةِ وأنت على الحق؟ قال: نعم، فغَضِبَ برغش من ذلك وأمره بالخروجِ من البلد، فارتحل بعد ثلاثٍ إلى بعلبك، ثم إلى القاهرة، فآواه الطحانيون، فكان يقرأ الحديثَ بها فثار عليه الفُقَهاءُ بمصر أيضًا، وكتبوا إلى الوزير صفي الدين بن شكر، فأقر بنفيه إلى المغرب فمات قبل وصول الكتاب يوم الاثنين الثالث والعشرين من ربيع الأول من هذه السنة، وله سبع وخمسون سنة، ودُفِنَ بالقرافة عند الشيخ أبي عمرو بن مرزوق". قال تاج الدين الكندي: هو أعلم من الدارقطني والحافظ أبي موسى المديني" ولعبد الغني كتاب الكمال في أسماء الرجال، وكتاب أشراط الساعة، وغير ذلك. قال ابن كثير: "وقد هَذَّب شيخنا الحافظ أبو الحجاج المِزِّي كتابه الكمال في أسماء الرجال- رجال الكتب الستة- بتهذيبه الذي استدرك عليه فيه أماكن كثيرة، نحوًا من ألف موضع، وذلك الإمام المِزِّي الذي لا يُمارى ولا يُجارى، وكتابه التهذيب لم يُسبَق إلى مثله، ولا يُلحَق في شكله فرحمهما الله، فلقد كانا نادِرَين في زمانهما في أسماء الرجال حِفظًا وإتقانًا، وسماعًا وإسماعًا وسَردًا للمتون وأسماء الرجال، والحاسِدُ لا يُفلحُ ولا ينال منالًا طائلًا." قال الذهبي: " ولم يَزَل يطلب ويسمَع، ويكتب ويسهر، ويدأب ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويتقي الله ويتعبد ويصوم، ويتهجد وينشر العلم، إلى أن مات. رحل إلى بغداد مرتين، وإلى مصر مرتين، سافر إلى بغدادَ هو وابن خاله الشيخ الموفق في أول سنة إحدى وستين، فكانا يخرجان معًا، ويذهب أحدهما في صحبة رفيقِه إلى درسه وسماعه، كانا شابَّين مختطَّين- يعني: أول ظهور الشعر في وجهيهما- وخوَّفهما الناس من أهل بغداد، وكان الحافظ مَيلُه إلى الحديث، والموفَّق يريد الفقه، فتفَقَّه الحافظ، وسَمِعَ الموفَّق معه الكثير، فلما رآهما العُقَلاء على التصَوُّن وقلة المخالطة أحبوهما، وأحسنوا إليهما، وحصَّلا عِلمًا جَمًّا، فأقاما ببغداد نحو أربع سنين، ونزلا أولًا عند الشيخ عبد القادر الجيلي- وكان لا يترك أحدًا ينزل عنده، ولكنه توسَّم فيهما النجابة- فأحسن إليهما، ثم مات بعد قدومهما بخمسين ليلة، ثم اشتغلا بالفقه والخلاف على ابن المني". قال موفق الدين: "كان الحافظ عبد الغني جامعًا للعلم والعمل، وكان رفيقي في الصبا، ورفيقي في طلب العلم، وما كنا نستَبِقُ إلى خير إلَّا سبقني إليه إلا القليل، وكمَّل الله فضيلته بابتلائه بأذى أهل البدعة وعداوتهم، ورُزِقَ العلم وتحصيل الكتب الكثيرة، إلا أنه لم يُعَمَّر, وقال أخوه الشيخ العماد: ما رأيتُ أحدًا أشد محافظة على وقته من أخي". قال الحافظ: "أضافني رجلٌ بأصبهان، فلما تعشَّينا، كان عنده رجلٌ أكل معنا، فلما قمنا إلى الصلاة لم يُصَلِّ، فقلت: ما له؟ قالوا: هذا رجلٌ شمسي- أي من عبدة الشمس- فضاق صدري، وقلتُ للرجل: ما أضفتَني إلا مع كافر! قال: إنَّه كاتبٌ، ولنا عنده راحة، ثم قمتُ بالليل أصلي، وذاك يستَمِعُ، فلما سمع القرآن تزفَّرَ، ثم أسلَمَ بعد أيَّام، وقال: لَمَّا سمعتك تقرأ، وقع الإسلامُ في قلبي". كان لا يرى منكرًا إلَّا غَيَّرَه بيده أو بلسانه، وكان لا تأخُذُه في الله لومة لائم. أهرق مرةً خَمرًا، فجَبَذ صاحِبُه السيفَ فلم يَخَف عبد الغني منه، وأخذ السيفَ مِن يده، وكان قويًّا في بدنه، وكثيرًا ما كان بدمشق يُنكِرُ ويكسِرُ الطنابير والشبَّابات, فقد كان لا يصبر عن إنكار المنكر إذا رآه. قال الضياء قال الحافظ: "كنت يومًا مع عبد الهادي عند حمام كافور، إذا قومٌ كثيرٌ معهم عِصِيٌّ، فخفَّفتُ المشي، وجعلت أقولُ: حسبي الله ونعم الوكيل، فلمَّا صرت على الجسر، لحقوا صاحبي، فقال: أنا ما كَسَرتُ لكم شيئًا، هذا هو الذي كسر. قال: فإذا فارسٌ يركض، فترجَّلَ، وقبَّل يدي، وقال: الصبيانُ ما عرفوك, وكان قد وضع اللهُ له هيبةً في النفوس". دخل الحافظ على العادل، فقام له، فلما كان اليوم الثاني جاء الأمراء إلى الحافظ، فقالوا: آمَنَّا بكراماتِك يا حافظ. وذكروا أن العادِلَ قال: ما خِفتُ مِن أحد ما خِفتُ من هذا. فقلنا: أيُّها الملك، هذا رجلٌ فقيه. قال: لَمَّا دخل ما خُيِّلَ إليَّ إلا أنَّه سَبُع. قال الضياء: رأيتُ بخط الحافظ: "والملك العادِلُ اجتمعْتُ به، وما رأيتُ منه إلا الجميل، فأقبل عليَّ وقام لي والتزمني، ودعوتُ له، ثم قلت: عندنا قصورٌ هو الذي يوجِبُ التقصير. فقال: ما عندك لا تقصيرٌ ولا قصورٌ، وذكَرَ أمْرَ السُّنَّة، فقال: ما عندك شيءٌ تعاب به لا في الدين ولا الدنيا، ولا بُدَّ للناس من حاسِدينَ.
وبلغني بعدُ عنه- قاله الضياء- أن العادل قال: ما رأيتُ بالشامِ ولا مصر مثلَ الحافظ؛ دخَلَ عليَّ فخُيِّلَ إليَّ أنه أسد، وهذا ببركة دعائِكم ودعاء الأصحاب. ثم قال الضياء: كانوا قد وغروا عليه صدر العادل، وتكَلَّموا فيه، وكان بعضُهم أرسل إلى العادل يبذُلُ في قتل الحافِظِ خمسة آلاف دينار. قلتُ-الضياء: جرَّ هذه الفتنةَ نَشرُ الحافظ أحاديث النزول والصفات، فقاموا عليه، ورموه بالتجسيم، فما دارى كما كان يداريهم الشيخُ الموفَّق". قال الضياء: سمعت أبا بكر ابن الطحان، يقول: كان في دولة الأفضَلِ جعلوا الملاهيَ عند الدَّرَج، فجاء الحافِظُ فكسَّرَ شيئًا كثيرا، ثم صَعِدَ يقرأ الحديث، فجاء رسولُ القاضي يأمره بالمشيِ إليه ليناظره في الدفِّ والشبابة، فقال: ذاك عندي حرامٌ، ولا أمشي إليه، ثم قرأ الحديث. فعاد الرَّسولُ، فقال: لا بدَّ مِن المشي إليه، أنت قد بَطَّلتَ هذه الأشياء على السلطان. فقال الحافظ: ضَرَبَ الله رقبَتَه ورقبة السلطان. فمضى الرسولُ وخفنا، فما جاء أحدٌ". مات عبد الغني يوم الاثنين الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول، ودفن بالقرافة.

العام الهجري : 256 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 870
تفاصيل الحدث:

كان صالح بن وصيف قائدًا من الأتراك صاحِبَ تسلُّطٍ شديد, وهو أحدُ المتآمرين على قتل المتوكِّل، ثم اختفى فطلَبه الأتراك بسببِ أموالٍ بينهم فأتوا المهتدي ليكشِفَ لهم أمرَ صالح. فقدم موسى بن بغا الكبير إلى سامرَّا بطلبٍ من الخليفة, فدخلها في جيشٍ هائل، فأتوا دار الخلافةِ التي فيها المهتدي جالسًا لكشف المظالم فاستأذنوا عليه فأبطأ الإذنَ ساعةً، وتأخَّرَ عنهم فظنُّوا في أنفسهم أنَّ الخليفةَ إنما طلبهم خديعةً منه ليسَلِّطَ عليهم صالحَ بن وصيف، فدخلوا عليه بالقوَّةِ, فأقاموه من مجلسِه وانتهبوا ما كان فيه، ثم أخذوه مهانًا إلى دار أخرى، فجعل يقول لموسى بن بغا: ما لك ويحَك؟ إنِّي إنما أرسلتُ إليك لأتقوَّى بك علي صالح بن وصيف. فقال له موسى: لا بأسَ عليك، احلِفْ لي أنَّك لا تريدُ بي خلاف ما أظهرتَ. فحلف له المهتدي، فطابت الأنفُسُ وبايعوه بيعةً ثانيةً مُشافَهةً، وأخذوا عليه العهود والمواثيق ألَّا يمالئ صالحًا عليهم، واصطلحوا على ذلك. ثم بعثوا إلى صالحِ بن وصيف ليحضُرَ لهم للمناظرة في أمر المعتزِّ، فوعدهم أن يأتيَهم، ثم اجتمع بجماعةٍ من الأمراء من أصحابِه وأخذ يتأهَّبُ لجمعِ الجيوش عليهم، ثم اختفى من ليلتِه لا يَدري أحدٌ أين ذهب في تلك الساعة، فبعثوا المناديةَ تنادي عليه في أرجاء البلد وتهدَّدوا من أخفاه، فلم يزل مختفيًا إلى آخر صفر, ولَمَّا أبطأ خبرُ صالح بن وصيف على موسى بن بغا وأصحابِه، قال بعضهم لبعض: اخلعوا هذا الرجُلَ- يعني الخليفة- فقال بعضهم: أتقتلون رجلًا صوَّامًا قوَّامًا لا يشربُ الخمر ولا يأتي الفواحش؟ واللهِ، إن هذا ليس كغيرِه من الخلفاء، ولا تُطاوِعُكم الناس عليه، وبلغ ذلك الخليفة فخرج إلى الناس وهو متقلِّدٌ سَيفًا، فجلس على السرير واستدعى بموسى بن بغا وأصحابِه، فقال: قد بلغني ما تمالأتُم عليه من أمري، وإني- والله- ما خرجتُ إليكم إلا وأنا متحنِّطٌ وقد أوصيت أخي بولدي، وهذا سيفي، والله لأضربَنَّ به ما استمسكَ قائِمُه بيدي، أمَا تستحيون؟ كم يكون هذا الإقدامُ على الخلفاءِ والجرأةُ على الله عزَّ وجلَّ، وأنتم لا تبصرون؟ سواءٌ عليكم من قصد الإبقاءَ عليكم والسيرةَ الصالحةَ فيكم، ومن كان يدعو بأرطالِ الشَّرابِ المُسكِر فيَشربُها بين أظهُرِكم وأنتم لا تُنكِرونَ ذلك، ثم يستأثِرُ بالأموال عنكم وعن الضُّعفاء! هذا منزلي فاذهبوا فانظروا فيه وفي منازلِ إخوتي ومن يتَّصِلُ بي، هل ترون فيها من آلاتِ الخلافة شيئًا، أو من فُرُشِها أو غير ذلك؟ وإنما في بيوتِنا ما في بيوت آحادِ النَّاسِ، وتقولون إني أعلمُ خبَرَ صالح بن وصيف، وهل هو إلَّا واحد منكم؟ فاذهبوا فاعلموا عِلمَه وأمَّا أنا فلستُ أعلمُ عِلمَه. قالوا: فاحلفْ لنا على ذلك، قال أمَّا اليمين فإنِّي أبذلها لكم، قال: فكأنَّهم لانوا لذلك قليلًا. ثم ظفروا بصالح بن وصيف فقُتِلَ وجيء برأسه إلى المهتدي باللهِ، وقد انفتل من صلاة المغربِ، فلم يزد على أن قال: وارُوه. ثم أخذَ في تسبيحه وذِكرِه. ولَمَّا أصبح الصباح رُفِعَ رأس صالح بن وصيف على رُمحٍ ونودي عليه في أرجاء البلد. هذا جزاء من قتل مولاه. وما زال الأمرُ مضطربًا متفاقمًا، وعظم الخطب حتى أفضى إلى خلعِ الخليفة المهتدي وقتلِه رحمه الله.

العام الهجري : 432 العام الميلادي : 1040
تفاصيل الحدث:

سار مسعودٌ يريدُ بلادَ الهندِ لِيشْتُوا بها، فلمَّا سار أخَذَ معه أخاه محمَّدًا مسمولَ العينينِ، واستصحَبَ الخزائِنَ، وكان عازمًا على الاستنجادِ بالهندِ على قتال السلجوقيَّة ثِقةً بعهودهم. فلمَّا عَبَرَ سيحون- وهو نهرٌ كبيرٌ نحو دِجلة- وعبَرَ بعض الخزائِنِ، اجتمع أنوشتكين البلخي وجمعٌ من الغلمانِ الداريَّةِ ونهبوا ما تخلَّفَ من الخزانةِ، وأقاموا أخاه محمَّدًا 13 ربيع الآخر، وسَلَّموا عليه بالإمارةِ، فامتنع من قَبولِ ذلك، فتهَدَّدوه وأكرهوه، فأجاب وبَقِيَ مسعودٌ فيمن معه من العسكَرِ وحَفِظَ نَفسَه، فالتقى الجمعانِ مُنتصَفَ ربيعٍ الآخر، فاقتتلوا، وعَظُمَ الخطبُ على الطائفتينِ، ثم انهزمَ عسكَرُ مسعود، وتحصَّن هو في رباطِ ماريكلة، فحصره أخوه، فامتنع عليه، فقالت له أمُّه: إنَّ مكانَك لا يَعصِمُك، ولَأنْ تخرُجَ إليهم بعهدٍ خَيرٌ من أن يأخذوك قهرًا. فخرج إليهم، فقَبَضوا عليه، فقال له أخوه محمد: واللهِ لا قابلْتُك على فِعلِك بي-  كان مسعودٌ قد سمَلَ عينيه ونزع منه الحُكمَ-، ولا عامَلتُك إلَّا بالجميلِ، فانظُرْ أين تريدُ أن تقيمَ حتى أحمِلَك إليه ومعك أولادُك وحرَمُك. فاختار قلعة كيكي، فأنفذه إليها محفوظًا، وأمر بإكرامِه وصيانتِه، ثمَّ إن محمدًا فوَّضَ أمرَ دولتِه إلى ولَدِه أحمد، وكان فيه خبطٌ وهَوجٌ، فاتَّفق هو وابنُ عمه يوسف بن سبكتكين وابنُ علي خويشاوند على قَتلِ مسعود ليصفُوَ المُلكُ له ولوالِدِه، فقتلوه، فلمَّا عَلِمَ محمَّد بذلك ساءه، وشَقَّ عليه وأنكره، وقيل إنَّ محمَّدًا أغراه ولَدُه أحمد بقَتلِ عَمِّه مسعود، فأمر بذلك، وأرسل إليه مَن قتَلَه وألقاه في بئرٍ وسَدَّ رأسَها، وقيل: بل أُلقِيَ في بئرٍ حيًّا وسُدَّ رأسُها فمات، فلمَّا مات كتب محمَّدٌ إلى ابن أخيه مودود، وهو بخراسان، يقول: إنَّ والدك قُتِلَ قِصاصًا، قتله أولادُ أحمد ينالتكين بلا رضًا مني، وطَمِعَ جندُ محمد فيه، وزالت عنهم هيبتُه، فمَدُّوا أيديَهم إلى أموالِ الرَّعايا فنهبوها، فخَرِبَت البلاد، فلمَّا قُتِلَ الملكُ مسعود وصل الخبَرُ إلى ابنه مودود، وهو بخراسان، فعاد مجِدًّا في عساكِرِه إلى غزنةَ، فتصافَّ هو وعَمُّه محمد في ثالث شعبان، فانهزم محمَّدٌ وعسكَرِه وقُبِضَ عليه وعلى ولدِه أحمد، وأنوشتكين الخصِيِّ البلخي، وابنِ علي خويشاوند، فقَتَلَهم، وقتَلَ أولادَ عَمِّه جميعَهم إلَّا عبد الرحيم, وبنى موضِعَ الوقعةِ قريةً ورِباطًا، وسمَّاها فتح آباذ، وعاد إلى غُزنةَ فدخلها في ثالث وعشرين شعبان، وكان داودُ أخو طغرلبك قد ملك مدينةَ بلخ، واستباحها، فلمَّا تجدَّدَ هذا الظَّفَرُ لمودود ثار أهلُ هراة بمن عندهم من الغزِّ السلجوقيَّة، فأخرجوهم وحَفِظوها لمودود، واستقَرَّ الأمرُ لمودود بغزنةَ، ولم يبقَ له همٌّ إلا أمرُ أخيه مجدود؛ فإنَّ أباه قد سيَّرَه إلى الهند سنةَ ستٍّ وعشرين وأربعمِئَة، فخاف أن يخالِفَ عليه، فأتاه خبَرُه أنَّه قصَدَ لهاوور، وملتان، فملكهما، وأخذ الأموالَ، وجمع بها العساكِرَ، وأظهر الخلافَ على أخيه، فندب إليه مودودٌ جيشًا ليمنعوه ويقاتِلوه، وعَرَض مجدودٌ عَسكَرَه للمَسيرِ، وحضر عيدُ الأضحى، فبَقِيَ بعده ثلاثة أيام، وأصبح ميتًا بلهاوور لا يُدرى كيف كان مَوتُه، وأطاعت البلادُ بأسرِها مودودًا، ورَسَت قدمُه، وثَبَت مُلكُه، ولَمَّا سَمِعَت الغز السلجوقيَّةُ ذلك خافوه، واستشعروا منه، وراسله مَلِكُ التُّركِ بما وراء النَّهرِ بالانقيادِ والمتابعة.

العام الهجري : 11 العام الميلادي : 632
تفاصيل الحدث:

لَمَّا توجَّه خالِدُ مِن ذي القصَّةِ وفارقه الصِّدِّيقُ، واعَدَه أنَّه سيلقاه من ناحيةِ خيبَرَ بمَن معه من الأمراءِ، وأظهروا ذلك ليُرعِبوا الأعرابَ، وأمَرَه أن يذهَبَ أوَّلًا إلى طليحةَ الأسديِّ، ثمَّ يذهَبَ بعده إلى بني تميمٍ، وكان طليحةُ بنُ خُوَيلدٍ في قَومِه بني أسَدٍ، وفي غَطفانَ، وانضَمَّ إليهم بنو عبسٍ وذبيان، وبَعَث إلى بني جديلةَ والغوثِ وطَيِّئ يستدعيهم إليه، وجَعَل خالدُ بن الوليدِ يتأتَّى بطُلَيحةَ ويُرسِلُ إليه الرُّسُلَ ويحَذِّرُه سَفْكَ دماءِ أصحابِه، وطُلَيحةُ يأبى ذلك ووَلَج في طغيانِه، فعندها عزَمَ خالدٌ على حربِه، ووقَفَت أحياءٌ كثيرةٌ من الأعرابِ ينظُرونَ على من تكونُ الدَّائِرةُ، وجاء طُلَيحةُ فيمن معه من قَومِه ومن التَفَّ معهم وانضاف إليهم، وانهزم النَّاسُ عن طُلَيحةَ، فلمَّا جاءه المسلمون ركب على فرسٍ كان قد أعَدَّها له، وأركَبَ امرأتَه النوارَ على بعيرٍ له، ثم َّانهزم بها إلى الشَّامِ، وتفَرَّقَ جمعُه، وقد قَتَل اللهُ طائفةً ممَّن كان معه، وقد كان طُلَيحةُ الأسديُّ ارتَدَّ في حياةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا مات رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قام بمؤازرتِه عُيَينةُ بنُ حِصنٍ بعد أن ارتَدَّ عن الإسلامِ، وأسَرَ خالِدٌ عُيَينةَ بنَ حِصنٍ، وبعث به إلى المدينةِ مجموعةً يداه إلى عنُقِه، فدخل المدينةَ وهو كذلك، فجعل الوِلدانُ والغلمانُ يَطعَنونَه بأيديهم، ويقولون: أيْ عَدُوَّ اللهِ، ارتدَدْتَ عن الإسلامِ؟ فيقولُ: واللهِ ما كنتُ آمنتُ قطُّ! فلمَّا وقف بين يَدَيِ الصِّدِّيق ِاستتابه وحَقَن دَمَه، ثمَّ حَسُنَ إسلامُه بعد ذلك، وأمَّا طُلَيحةُ فإنَّه راجَعَ الإسلامَ بعد ذلك أيضًا، وذهب إلى مكَّةَ مُعتَمِرًا أيَّامَ الصِّدِّيقِ، واستحيا أن يواجِهَه مدَّةَ حياتِه، وقد رَجَع فشَهِدَ القِتالَ مع خالدٍ، وكَتَب الصِّدِّيقُ إلى خالدٍ: أنِ استَشِرْه في الحربِ ولا تُؤَمِّرْه.

العام الهجري : 289 العام الميلادي : 901
تفاصيل الحدث:

ظهر بالشامِ رجلٌ مِن القرامطة، وجمع جموعًا من الأعرابِ، وأتى دمشق، وأميرها طغج بن جف من قِبَل هارون بن خِمارَوَيه بن أحمد بن طولون، وكانت بينهما وقَعاتٌ، وكان ابتداءُ حال هذا القرمطيِّ أنَّ زكرَوَيه بن مهرَوَيه الداعية القرمطي الذي بدأ أمرُه في العراق هذا لَمَّا رأى أنَّ الجيوشَ مِن المعتَضِد متتابِعةٌ إلى مَن بسواد الكوفةِ مِن القرامطة، فإنَّ القتلَ قد أبادهم، سعى باستغواءِ مَن قَرُب من الكوفة من الأعرابِ: أسَد وطيئ وغيرهم، فلم يجِبْه منهم أحد، فأرسل أولادَه إلى كلب بن وبرة فاستغوَوهم، فلم يجِبْهم منهم إلَّا الفَخذُ المعروف ببني العليص بن ضمضَم بن عدِيِّ بن خباب ومواليهم خاصةً، فبايعوا في هذه السَّنة، بناحية السماوة، ابنَ زكرَوَيه، المسمَّى بيحيى، المُكنَّى أبا القاسم، فلقبوه الشيخ، وزعم أنَّه محمَّد بن عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقيل: لم يكن لمحمَّد بنِ إسماعيل ولدٌ اسمه عبد الله، وزعم أنَّ له بالبلاد مائة ألفِ تابعٍ، وأنَّ ناقتَه التي يركَبُها مأمورةٌ، فإذا تبعوها في مسيرِها نُصِروا، وأظهَرَ عَضُدًا له ناقصة، وذكَرَ أنَّها آيتُه، وأتاه جماعةٌ من بني الأصبع، أخلصوا له وتَسَمَّوا بالفاطميين، ودانُوا بدينه، فقصدهم شبلٌ غلامُ المعتَضِد من ناحية الرصافة فاغتَرُّوه فقتلوه، وأحرقوا مسجِدَ الرصافة، واعتَرَضوا كلَّ قرية اجتازوا بها حتى بلغوا هارونَ بنَ خمارَوَيه التي قوطِعَ عليها طغج بن جف، فأكثَروا القتلَ بها والغارة، فقاتَلَهم طغج، فهزموه غيرَ مَرَّة.

العام الهجري : 493 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1100
تفاصيل الحدث:

سار بركيارق من بغداد على شهرزور، فأقام بها ثلاثةَ أيام، والتحق به عالَمٌ كثير من التركمان وغيرهم، فسار نحو أخيه السلطان محمد ليحاربَه، فكاتبه رئيس همذان ليسير إليها ويأخُذَ أقطاع الأمراء الذين مع أخيه، فلم يفعل، وسار نحو أخيه، فوقعت الحرب بينهما رابع رجب، وهو المصافُّ الأول بين بركيارق وأخيه السلطان محمد بإسبيذروذ -النهر الأبيض- وهو على عدَّةِ فراسِخَ من همذان. وكان مع محمد نحو عشرين ألف مقاتل، وكان محمد في القلب، ومعه الأمير سرمز، وعلى ميمنته أميرٌ آخُر، وابنه إباز، على ميسرته مؤيد الملك، والنظامية، وكان السلطانُ بركيارق في القلبِ، ووزيره الأعز أبو المحاسن، وعلى ميمنته كوهرائين وعز الدولة بن صدقة بن مزيد، وسرخاب بن بدر، وعلى ميسرته كربوقا وغيره، فحمل كوهرائين من ميمنة بركيارق على ميسرة محمد، وبها مؤيَّد الملك بن نظام الملك، والنظامية، فانهزموا، ودخل عسكرُ بركيارق في خيامِهم، فنهبوهم، وحملت ميمنةُ محمد على ميسرة بركيارق، فانهزمت الميسرةُ، وانضافت ميمنةُ محمد إليه في القلب على بركيارق ومن معه، فانهزم بركيارق، ووقف محمد مكانه، وعاد كوهرائين من طلب المنهزمين الذين انهزموا بين يديه، وكبا به فرسُه، فأتاه خراسانيٌّ فقتَلَه، وأخذ رأسَه، وتفرَّقت عساكر بركيارق، وبقي في خمسين فارسًا, وأما وزيره الأعز أبو المحاسن فإنه أُخذ أسيرًا، فأكرمه مؤيد الملك، ونصب له خِيَمًا وخركاة، وحمل إليه الفرش والكسوة، وضمَّنه عمادة بغداد، وأعاده إليها، وأمره بالمخاطبة في إعادة الخطبة للسلطان محمد ببغداد، فلما وصل إليها خاطب في ذلك، فأجيب إليه وخطب له يومَ الجمعة رابع عشر رجب.

العام الهجري : 698 العام الميلادي : 1298
تفاصيل الحدث:

لَمَّا رجعت طائفةٌ مِن الجيش من بلاد سيس بسَبَبِ المرض الذي أصاب بعضَهم، فجاء كتابُ السلطان بالعَتبِ الأكيدِ والوعيد الشديد لهم، وأن الجيش يخرج جميعًا صحبةَ نائِبِ السلطنة قبجق إلى هناك، ونصَبَ مَشانِقَ لِمن تأخر بعُذرٍ أو غيره، فخرج نائبُ السلطنة الأميرُ سيف الدين قبجق وصحبته الجيوش، وخرج أهل البلد للفرجة على الأطلابِ على ما جرت به العادة، فبرز نائبُ السَّلطنة في أبَّهة عظيمة، فدعت له العامة وكانوا يحبُّونَه، واستمَرَّ عسكر الجيش سائرين قاصدين بلاد سيس، فلمَّا وصلوا إلى حمص بلغ الأميرَ سيفَ الدين قبجق وجماعةً من الأمراء أنَّ السلطانَ قد تغَلَّت خاطرُه بسببِ سَعيِ منكوتمر فيهم؛ فإن السلطان لاجين لَمَّا تولى السلطنة خلَفَ بوَعدِه للأمراء أنَّه لن يلي مملوكُه منكوتمر شيئًا، ولكنه أمَّرَه بل جعَلَه نائبَه الأوَّلَ، بل انقاد لرأيِه في الأمراءِ؛ حيث إنَّ منكوتمر أمَّلَ أن يكونَ وليَّ عهد السلطان لاجينَ خاصَّةً أن السلطان كان قد مَرِضَ ولم يكن له ولَدٌ ذكَرٌ وليًّا لعهده، فعَمِلَ على إبعاد مُنافِسيه من الأمراء الذين بمصرَ، وتمكَّنَ من السعي بهم والقَبض ِعليهم، وبدا أنَّ السلطانَ يميلُ إلى الاحتجاب وتفويضِ أمورِ السلطنة إلى منكوتمر، وبَقِيَ عليه إزاحةُ أمراء الشامِ وإقامةِ غَيرِهم من مماليك السلطانِ في مصر والشام ليتمكَّنَ مِن مراده، وعَلِموا أن السُّلطانَ لا يخالفه لمحبَّتِه له، فاتفق جماعةٌ منهم على الدخول إلى بلاد التتر والنجاةِ بأنفُسِهم، فساقوا من حمص فيمن أطاعهم، وهم قبجق وبزلي وبكتمر السلحدار (رتبة عسكرية) والأيلي، واستمرُّوا ذاهبين، فرجع كثيرٌ من الجيش إلى دمشق، وتخبَّطَت الأمور وتأسَّفَت العوامُّ على قبجق لحسن سيرته، وذلك في ربيع الآخِر من هذه السَّنة.

العام الهجري : 402 العام الميلادي : 1011
تفاصيل الحدث:

كُتِبَ ببغدادَ مَحضَرٌ يتضَمَّنُ الطَّعنَ والقَدحَ في نَسَبِ الفاطميِّينَ، وهم ملوكُ مِصرَ فليسُوا كذلك، وإنَّما نسَبُهم إلى عُبيدِ بنِ سَعدٍ الجَرميِّ، وكَتَب في ذلك جماعةٌ من العُلَماءِ والقُضاة والأشراف والعُدول، والصالحين والفُقهاء، والمحَدِّثين، وشَهِدوا جميعًا أنَّ الحاكِمَ بمِصرَ: منصورُ بنُ نِزارِ الملَقَّب بالحاكم- حَكَمَ اللهُ عليه بالبَوارِ والخِزيِ والدَّمارِ- بن مَعد بنِ إسماعيلَ بنِ عبد الله بن سعيد، لا أسعَدُه الله؛ فإنَّه لَمَّا صار إلى بلاد المغرِبِ تَسمَّى بعُبَيد الله، وتلَقَّب بالمهديِّ، وأنَّ مَن تقَدَّمَ مِن سَلَفِه أدعياءُ خوارِجُ، لا نسَبَ لهم في ولدِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، ولا يتعَلَّقونَ بسَببٍ، وأنَّه مُنَزَّهٌ عن باطلهم، وأنَّ الذي ادَّعَوه إليه باطِلٌ وزُورٌ، وأنَّهم لا يَعلَمونَ أحدًا مِن أهل بيوتاتِ عليِّ بنِ أبي طالب توقَّف عن إطلاقِ القَولِ في أنَّهم خوارِجُ كَذَبةٌ، وقد كان هذا الإنكارُ لباطِلِهم شائعًا في الحَرَمينِ، وفي أوَّلِ أمْرِهم بالمَغربِ مُنتشِرًا انتشارًا يمنع أن يُدَلَّسَ أمرُهم على أحدٍ، أو يذهَبَ وَهمٌ إلى تَصديقِهم فيما ادَّعوه، وأنَّ هذا الحاكِمَ بمِصرَ هو وسَلَفُه كُفَّارٌ فُسَّاقٌ فُجَّارٌ، مُلحِدون زنادِقة، مُعَطِّلون، وللإسلامِ جاحدون، ولِمَذهب المجوسيَّة والثنويَّة مُعتَقِدونَ، قد عطَّلوا الحُدودَ، وأباحوا الفُروجَ، وأحلُّوا الخَمرَ، وسَفَكوا الدِّماءَ، وسَبَوا الأنبياءَ، ولَعَنوا السَّلَف، وادَّعَوا الرُّبوبيَّة.
وقد كتَبَ خَطَّه في المَحضَرِ خَلقٌ كَثيرٌ؛ فمِن العَلَويِّينَ: الشَّريفُ المُرتضى وأخوه الرَّضِي، وابن البطحاويِّ العَلَوي، وابن الأزرق المُوسَوي، والزكي أبو يعلى عمرُ بن محمد، ومن القُضاة: ابنُ الأكفاني، وابن الخرزي، وأبو العبَّاسِ الأبيوردي، وأبو عبدِ اللهِ بنُ النُّعمان، فقيه الشيعة، ومِن الفُقَهاءِ: أبو حامدٍ الإسفرايينيِّ، والكشفلي، والقُدوري، والصيمري، وأبو عبد الله بن البيضاوي، وأبو الفَضلِ النَّسَوي، ومن الشُّهودِ: أبو القاسِمِ التَّنوخيُّ في كثيرٍ منهم، وكَتَبَ فيه خلقٌ كثيرٌ غيرَهم. قال أبو الفرجِ بنُ الجوزي: "وممَّا يدُلُّ على أنَّ هؤلاء أدعياءُ كَذَبةٌ، كما ذكَرَ هؤلاء السَّادة العُلَماء، والأئِمَّة الفُضَلاء، وأنَّهم لا نسَبَ لهم إلى عليِّ بن أبي طالب، ولا إلى فاطمةَ، كما يَزعُمونَ؛ قَولُ ابنِ عُمَرَ للحُسَينِ بنِ علي حين أراد الذَّهابَ إلى العراق، وذلك حين كتَبَ عَوامُّ أهلِ الكوفةِ بالبَيعةِ إليه، فقال له ابنُ عمر: لا تذهَبْ إليهم؛ فإني أخافُ عليك أن تُقتَلَ، وإنَّ جَدَّك قد خُيِّرَ بين الدنيا والآخرةِ فاختار الآخِرةَ على الدنيا، وأنت بَضعةٌ منه، وإنَّه- والله- لا تنالها لا أنت ولا أحَدٌ مِن خَلَفِك ولا مِن أهلِ بَيتِك، فهذا الكلامُ الحسَنُ الصَّحيحُ المتوَجِّه المعقول، من هذا الصَّحابيِّ الجليلِ، يقتضي أنَّه لا يلي الخلافةَ أحَدٌ مِن أهلِ البَيتِ إلَّا مُحمَّدُ بنُ عبد اللهِ المهديُّ الذي يكونُ في آخِرِ الزَّمانِ عندَ نُزولِ عيسى بنِ مريم؛ رغبةً بهم عن الدُّنيا، وألَّا يُدَنَّسوا بها. ومعلومٌ أنَّ هؤلاء قد مَلَكوا ديارَ مِصرَ مُدَّةً طَويلةً، فدَلَّ ذلك دَلالةً قَويَّةً ظاهِرةً على أنَّهم ليسوا مِن أهلِ البَيتِ، كما نَصَّ عليه سادةُ الفُقَهاءِ". قال ابن كثير: "وقد صَنَّف القاضي الباقلَّاني كتابًا في الردِّ على هؤلاء، وسَمَّاه: (كَشْف الأسرارِ وهَتْك الأستار) بيَّنَ فيه فضائِحَهم وقبائِحَهم، ووضَّحَ أمْرَهم لكُلِّ أحدٍ، ووضوحُ أمْرِهم يُنبئُ عن مطاوي أفعالِهم وأقوالِهم، وقد كان الباقلَّاني يقولُ في عبارته عنهم: هم قومٌ يُظهِرونَ الرَّفضَ، ويُبطِنونَ الكُفرَ المَحض". قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ: "وهؤلاء القومُ- يعني العُبَيديِّينَ- يَشهَدُ عليهم عُلَماءُ الأمَّةِ وأئمَّتُها وجماهيرُها أنَّهم كانوا مُنافِقينَ زَنادقةً، يُظهِرونَ الإسلامَ ويُبطِنونَ الكُفرَ, وقد عُلِمَ أنَّ جُمهورَ الأمَّة تَطعَنُ في نَسَبِهم، وَيذكُرونَ أنَّهم من أولادِ المجوسِ أو اليهودِ، هذا مشهورٌ مِن شهادةِ عُلَماءِ الطَّوائِفِ: من الحنفيَّة والمالكيَّة والشَّافعية والحنابلة وأهلِ الحديثِ، وأهلِ الكلامِ، وعُلَماءِ النَّسَبِ، والعامَّة وغيرهم, وهذا أمرٌ قد ذكَرَه عامَّةُ المُصَنِّفينَ لأخبارِ النَّاسِ وأيَّامِهم، حتى بعض مَن قد يتوقَّفُ في أمْرِهم، كابنِ الأثيرِ المَوصليِّ في تاريخِه، ونحوه؛ فإنَّه ذكَرَ ما كتَبَه عُلَماءُ المُسلِمينَ بخُطوطِهم في القَدحِ في نَسَبِهم"

العام الهجري : 397 العام الميلادي : 1006
تفاصيل الحدث:

كان أبو ركوة من سُلالةِ هِشامِ بنِ عبدِ الملك بنِ مروان الأموي، واسمُه الوليد، هرب مِن الأندلُسِ وقصَدَ مِصرَ، بعد أن استبَدَّ المنصورُ ابنُ أبي عامرٍ بالحُكمِ في الأندلُس, وإنَّما لُقِّبَ بأبي رَكْوة؛ لرَكْوةٍ (سقاءٍ صغيرٍ) كان يصحَبُها في أسفارِه على طريقةِ الصُّوفيَّةِ، وقد سَمِعَ أبو رَكوةَ الحديثَ بالدِّيارِ المِصريَّة، ثمَّ أقام بمكَّةَ ثُمَّ رحَل إلى اليمَنِ ثمَّ دخل الشَّامَ، وهو في غُضونِ ذلك يبايِعُ مَن انقاد له، ممَّن يرى عنده هِمَّةً ونهضةً للقيام في نُصرةِ ولَدِ هِشامٍ، ثمَّ إنه أقام ببعضِ بلادِ مِصرَ في محلَّةٍ من محالِّ العَرَب، يُعَلِّمُ الصِّبيانَ ويُظهِرُ التقَشُّفَ والعبادةَ والوَرَع، ويخبِرُ بشَيءٍ مِن المُغَيَّبات، حتى خضعوا له وعَظَّموه جِدًّا، ثمَّ دعا إلى نَفسِه وذكَرَ لهم أنَّه الذي يُدعى إليه مِن الأُمَويِّين، فاستجاب له بنو قرَّةَ وغيرُهم، وسَبَبُ استجابتهم أنَّ الحاكمَ بأمرِ الله كان قد أسرَفَ في مِصرَ في قَتلِ القُوَّاد، وحَبْسِهم، وأخْذِ أموالِهم، وسائِر القبائِلِ معه في ضَنكٍ وضِيقٍ، ويودُّونَ خُروجَ المُلْك عن يَدِه، وكان الحاكِمُ في الوَقتِ الذي دعا أبو رَكوةَ بني قرَّةَ قد آذاهم، وحَبَس منهم جماعةً مِن أعيانِهم، وقتَلَ بَعضَهم، فلمَّا دعاهم أبو رَكوةَ انقادوا له. وكان بينَ بني قرَّةَ وبين زناتةَ حُروبٌ ودِماءٌ، فاتَّفَقوا على الصُّلحِ ومَنْعِ أنفُسِهم من الحاكِمِ العُبَيديِّ، فاجتمعوا على بيعةِ أبي ركوة، وخاطَبوه بأميرِ المُؤمِنينَ، ولُقِّبَ بالثَّائِرِ بأمرِ اللهِ المُنتَصِر من أعداء الله، ودخَلَ برقةَ في جَحفلٍ عَظيمٍ، فجمع له أهلُها نحوًا مِن مِئَتي ألفِ دينار، ونقَشُوا الدَّراهِمَ والدَّنانيرَ بألقابِه، فالتَفَّ على أبي ركوة من الجنودِ نحوٌ مِن سِتَّةَ عَشَرَ ألفًا، فلما بلغَ الحاكِمَ أمْرُه وما آل إليه حالُه، عَظُمَ عليه الأمرُ، وأهمَّتْه نَفسُه ومُلكُه، وعاود الإحسانَ إلى النَّاسِ، والكَفَّ عن أذاهم، ثمَّ بعث إليه جيشًا بقيادةِ ينال الطويل التركي الذي انهزم أمامَ أبي ركوةِ، وقُتِلَ ينال، فانتشَرَ ذِكرُ أبي رَكوةَ، وعَظُمَت هَيبتُه، وأقام ببرقةَ، وترَدَّدَت سراياه إلى الصعيدِ وأرضِ مِصرَ، وقام الحاكِمُ مِن ذلك وقَعَد، وسُقِطَ في يَدِه، ونَدِمَ على ما فَرَّط، وفَرِحَ جُندُ مِصرَ وأعيانُها بأمرِ أبي ركوة، وعَلِمَ الحاكِمُ بذلك، فاشتَدَّ قَلَقُه، وأظهَرَ الاعتذارَ عن الذي فعَلَه، وكتب النَّاسُ إلى أبي رَكوةَ يَستدعونَه، ومِمَّن كتَبَ إليه الحُسَينُ بنُ جوهر المعروف بقائِدِ القُوَّاد، فسار حينئذٍ عن برقةَ إلى الصَّعيدِ، وعَلِمَ الحاكِمُ، فاشتَدَّ خَوفُه، وبلغ الأمرُ كُلَّ مَبلغٍ، وجمَعَ عساكِرَه واستشارهم، وكتَبَ إلى الشَّامِ يَستدعي العساكِرَ فجاءته، وفَرَّقَ الأموالَ والدَّوابَّ والسِّلاحَ، وسَيَّرَهم وهم اثنا عشرَ ألفَ رجلٍ بين فارسٍ وراجلٍ، سِوى العرب، بقيادة الفَضلِ بنِ عبد الله الذي استطاع بعد عدَّةِ وقائِعَ أن يَهزِمَ أبا ركوةَ، فأسَرَه وأكرَمَه حتى أدخَلَه مِصرَ، ثم حُمِلَ أبو رَكوةَ على جَملٍ مُشهَّرًا به وبأصحابِه، ثُمَّ قُتِلَ وصُلِبَ، ثمَّ أكرمَ الحاكِمُ الفَضلَ وأقطَعَه أقطاعًا كثيرة، ثمَّ اتَّفَق مَرَضُ الفَضلِ فعاده الحاكِمُ مَرَّتين، فلمَّا عوفِيَ قَتَلَه شَرَّ قِتلةٍ.

العام الهجري : 284 العام الميلادي : 897
تفاصيل الحدث:

هو أبو عُبادةَ الوليدُ بنُ عبيدِ بنِ يحيى الطائي البُحتري المنبجي القحطاني، صاحِبُ الديوان المعروف، شاعرٌ كبيرٌ يقال لِشعِرِه سلاسِلُ الذَّهَبِ، كان أحدَ أشعَرِ أهلِ عَصرِه، وُلِدَ بمَنبج إحدى قرى حلب عام 206ه وهو أحدُ الثلاثة الذين كانوا أشعَرَ أبناءِ عَصرِهم: هو، والمتنَبِّي، وأبو تمَّام، قيل إنَّ أبا تمام لَمَّا سمع شِعرَه قال: نُعِيَت إليَّ نَفسي، رحلَ البُحتري إلى العراق متكسِّبًا بشِعرِه، فكان يمدحُ ويهجو على حسَبِ ذلك، اتُّهِم بالبخلِ وقِلَّة الوفاء؛ بسبب ذلك التقلُّبِ بالمديح والهجاء، أمَّا شِعرُه فغلب عليه الوصفُ وسُهولةُ التراكيبِ، مع براعةٍ في الوصف والخيال، اعتزل في آخِرِ أيامِه في مدينة مولده منبج، حتى مات فيها عن 78 عامًا.

العام الهجري : 526 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1132
تفاصيل الحدث:

كانت الحرب بين الملك طغرل وبين أخيه الملك داود بن محمود، وكان سببُها أن السلطان سنجر أجلس الملك طغرل في السلطنة، وعاد إلى خراسان لأنه بلغه أن صاحب ما وراء النهر أحمد خان قد عصى عليه، فبادر إلى العود لتلافي ذلك الخرق، فلما عاد إلى خراسان عصى الملك داود على عمِّه طغرل وخالفه، وجمع العساكر بأذربيجان وبلاد كنجة، وسار إلى همذان، فنزل مستهل رمضان عند قرية يقال لها وهان بقرب همذان، وخرج إليه طغرل، وانهزم داود وبقي متحيزًا إلى أوائل ذي القعدة، فقدم بغداد ومعه أتابكه آقسنقر الأحمديلي، فأكرمه الخليفة وأنزله بدار السلطان، وكان الملك مسعود بكنجة، فلما سمع بانهزام الملك داود توجه نحو بغداد.

العام الهجري : 588 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1192
تفاصيل الحدث:

في تاسع جمادى الآخرة بلغ الفرنجَ الخبَرُ بوصول عسكر من مصر، ومعهم قفل- حِمل كبير- فأسرى الفرنجُ إليهم، فواقعوهم بنواحي الخليل، فانهزم الجندُ، ولم يُقتَلْ منهم رجل من المشهورينَ، إنما قُتِلَ مِن الغلمان والأصحاب، وغَنِمَ الفرنج خيامَهم وآلاتِهم، وأما القفل فإنه أُخِذَ بَعضُه، وصَعِدَ من نجا جبل الخليل، فلم يُقدِم الفرنج على اتِّباعهم، وتمَزَّقَ من نجا من القفل، وتقَطَّعوا، ولَقُوا شدة إلى أن اجتَمَعوا.

العام الهجري : 1212 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1798
تفاصيل الحدث:

سار الشَّريفُ غالب بن مساعد شريفُ مكَّةَ بالعساكِرِ العظيمة من الباديةِ والحاضرة وأهلِ مِصرَ والمغاربة؛ سار في عددٍ عظيمٍ وعُدَّة وكمية هائلة من المدافِعِ والآلاتِ وتوجَّه إلى بلد رنية ونازل أهلَها وحاصَرَها، ودمَّرَ فيها نخيلًا وزروعًا ووقع بينه وبين أهلِها قِتالٌ شديدٌ قُتِل فيه من عسكرِ الشريف غالبٍ عدَّةُ قتلى، وأقام محاصِرَها عشرين يومًا، ثم ارتحل منها إلى بيشة، ونازل أهلَها وحصل بينهم قتالٌ، وكان له في البلد بطانةٌ فمالوا معه فظَفِرَ بها ودخلوا في طاعتِه وأقام عليها أيامًا، وكان قبل حصارِه بلد رنية وبيشة أغار على قبائِلِ قحطان وأخذ عليهم إبلًا كثيرة وأمتعةً، وقتل عِدَّةَ قتلى منهم. يقول الشوكاني عن قتال الشريف غالب لدولة نجد: "كثيرًا ما يجمع الشريف غالب الجيوشَ ثم يغزو أرضَ نجد فيصِلُ أطرافَها فيَبلُغُنا أنه يقوم لحَربِه طائفةٌ يسيرةٌ من أطراف البلاد فيهزمونه ويعود إلى مكةَ، وآخِرُ ما وقع منه ذلك سنة 1212 فإنه جمع جيشًا كثيرًا وغزا نجدًا وأوقع ببعض البلاد الراجعةِ إلى سُلطانِ نجد المذكور، فلم يشعُرْ إلا وقد دهَمَه جيشٌ لا طاقةَ له به، أرسله صاحِبُ نجدٍ، فهزمه واستولى على غالب جيشِه قتلًا وأسرًا، بل جاءت الأخبارُ بأنَّه لم يسلَمْ مِن جيش الشريفِ إلَّا طائفةٌ يسيرة، وقُتِل جماعة من أشراف مكةَ في المعركة، وتمَّت الهزيمة إلى مكة، ولو ترك الشريفُ ذلك واشتغل بغيرِه، لكان أولى له؛ فإنَّ من حارب مَن لا يقوى لحَربِه جَرَّ إليه البلوى، فإنَّ صاحِبَ نجد تبلُغُ عنه قوةٌ عظيمة لا يقوم لمثلها الشريف؛ فقد سَمِعنا أنه قد استولى على بلاد الحَسا والقطيفِ وبلاد الدواسر وغالب بلاد الحجاز، ومن دخل تحت حوزتِه أقام الصَّلاةَ والزكاةَ والصيامَ وسائِرَ شعائر الإسلامِ، ودخل في طاعتِه مِن عرب الشام الساكنين ما بين الحجازِ وصعدة غالبُهم، إمَّا رغبةً وإمَّا رهبةً، وصاروا مقيمين لفرائِضِ الدين بعد أن كانوا لا يعرفونَ مِن الإسلام شيئًا ولا يقومون بشيءٍ مِن واجباتِه إلَّا مجرَّد التكلُّم بلفظ الشهادتين على ما في لفظِهم بها من عِوَجٍ، وبالجملة فكانوا جاهليةً جَهلاءَ كما تواترت بذلك الأخبارُ إلينا، ثم صاروا الآن يصلُّون الصلواتِ لأوقاتِها ويأتون بسائِرِ الأركانِ الإسلاميَّةِ على أبلَغِ صِفاتِها"