الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 895 ). زمن البحث بالثانية ( 0.013 )

العام الهجري : 1187 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1773
تفاصيل الحدث:

هو علي بك الكبير مملوكي حكم القاهرة كشيخ البلد أيام الدولة العثمانية, وكغيره من المماليك، لا تُعرف أصولُهم وإنما يُشتَرَون صغارًا، ثم يُجلبون لتركيا فيعتنقون الإسلام ثم يتربَّون تربية عسكرية صارمة، ويبدؤون في الصعود إلى مناصِبَ عليا والسيطرة على مقاليد الأمور، ويقال إن علي بك ابن قسيس رومي أرثوذكسي من قرية أماسيا في الأناضول. ولد سنة1140 ثم خُطِفَ وهو في الثالثة عشرة من عمره وبيع في القاهرة، فاشتراه الأمير إبراهيم كتخدا وبدأ معه رحلة التدريب والتعلُّم، حتى ظهرت عليه علامات النجابة وقوة الشخصية، حتى فاق أقرانَه في ركوب الخيل، والضربِ بالسيف، والطعنِ بالرمح، واستخدام الأسلحة النارية، وهو ما جعل سيِّدَه يعتقه وهو لم يتجاوز العشرين، وولَّاه بعضَ المهام الإدارية، إلى أن توفي أستاذه إبراهيم كتخدا سنة 1167هـ فخلفه في مناصبه الإدارية, وهو يتطلَّع إلى منصب مشيخة البلد، فأخذ يعدُّ العدة بشراء أعداد كبيرة من المماليك ويدرِّبُهم على الفنون العسكرية إلى أن جاءت سنة 1177 حيث تبوأ منصِبَ مشيخة البلد بالقاهرة، لكنَّ خصومَه أجبروه على الفرارِ إلى الصعيدِ ثم الحجاز وتارة إلى الشام، ثم عاد لمنصب مشيخة البلد عام 1181 وهو أعظم قوةً وأكثرُ عددًا، ولما استتَبَّ له الأمر تخلَّص من خصومه، فصادر أموالهم، وقتل بعضَهم ونفى البعض الآخر، ولم يسلَمْ من هذه الإجراءات حتى من قدَّموا له العونَ والمساعدة، فبطش ببعضهم ونفاهم إلى خارج البلاد. ثم ثار عليه تلميذُه وزوجُ بنته محمد بك أبو الذهب الذي تمكن من السيطرة على مصر وحكَمَها بعد فرارِ علي بك إلى الشام, ولَمَّا عاد علي بك في مطلع عام 1187هـ سار إلى مصر ومعه أربعمائة جندي روسي، فالتقى الطرفان وانتصر أبو الذهب عليهم في معركة بالصالحية بمصر، وقتل كلَّ من كان مع علي بك، الذي توفي فيما بعد متأثرًا بجراحِه بعد أن سعى للانفصال عن الدولةِ العثمانيةِ بدعمٍ وتأييدٍ من روسيا العدو اللَّدود للدولة العثمانية, فأرسل أبو الذهب رأسَ علي بك والضباط الروس إلى الوالي العثماني خليل باشا، فقام بدوره بإيصالها إلى السلطان في إستانبول, وتولى الحكم مكانَه محمد أبو الذهب الذي لم يلبث في الحكم سوى عامين ثم توفي.

العام الهجري : 1212 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1797
تفاصيل الحدث:

لَمَّا عيَّن سليمان باشا صاحب العراق ثويني بن عبد الله رئيسًا للمنتفق وقَدِمَ ثويني البصرةَ، فرح به أهلُ البصرة وما حولها من الأوطان فرحًا شديدًا, وقالوا: هذا الذي سيأخذُ الثأر ويخربُ تلك الديار- التابعة لدولة الدرعيَّة- وأتته منهم القصائِدُ يحضُّونه ويحَرِّضونه ويعجِّلونه بالمسير, وعَمِلَ محمد بن فيروز قصيدةً في التحريض على أتباعِ الدرعية. استنفر ثويني رعاياه وحشد عُربان المنتفق وأهل الزبير والبصرة وجميع عُربان الظفير وبني خالد، بقيادة برَّاك بن عبد المحسن، ونزل مع جموعِه الجهراء 3 أشهر يحشدُ مزيدًا من البوادي والعساكر والمدافِعِ وآلاتِ الحربِ والرَّصاص والبارود والطعام، فاجتمع له ما يعجزُ عنه الحصرُ، وأركب عساكِرَه في السفنِ مِن البصرةِ، وقصد الأحساءَ في قوةٍ هائلة, فلما بلغ الإمام عبد العزيز ذلك أمَّر على أهل الخرج والفرع ووادي الدواسر والأفلاج والوشم وسدير وجبل شمر، فاجتمعوا واستعمَلَ عليهم أميرًا هو محمد بن معيقل، فساروا ونزلوا قريةَ الماء المعروف في الطف من ديار بني خالد، وأمر الإمام عبدُ العزيز عُربانَ مطير وسبيع والعجمان وقحطان والسهول وعُربان نجد أن يحتَشِدوا بأموالهم وأهليهم ويقصدون ديار بني خالد، ثم أمر على ابنِه الأمير سعود أن يسيرَ بقوة من أهل الدرعية وبلاد العارضِ، ونزل سعود بالتنهات الروضة المعروفة عند الدهناء، ثم نزل حفر العتك فأقام عليه شهرًا. أما ثويني فنزل بالطف ثم رحل منه إلى الشباك الماء المعروف في ديرة بني خالد، وبينما ثويني ينصب خيمتَه عدا عليه عبدٌ اسمُه طعيس فطعنه طعنةً أدت إلى قتله في ساعتِها، فلما قُتل ثويني وقع التخاذُلُ والفشلُ في جنودِه والعساكرِ التي جمعها، فارتحلوا منهزمين لا يلوي أحدٌ على أحد، فتبعهم حسن بن مشاري بمن معه يقتُلون ويغنمون إلى قربِ الكويت وحازوا منهم أموالًا عظيمةً من الإبل والغنم والأزواد والأمتاع وجميع المدافِعِ والقنابر،  فلمَّا بلغ الأمير سعود مقتلُ ثويني، أقبل من مكانه إليهم وقسَّم الغنائم وعزَل أخماسَها, ثم سار ونزل شمال الأحساءِ، فخرج إليه أهلُها وبايعوه على دين الله والسَّمع والطاعة.

العام الهجري : 1363 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1944
تفاصيل الحدث:

هو عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد الرحمن الثعالبي: زعيمٌ تونسيٌّ، وهو عالم، أديب، كاتب، خطيب، سياسي، صحافي, جزائري الأصلِ، ولِدَ بتونس في 15 شعبان 1293هـ. حَفِظَ القرآن الكريم وأتمَّ الدراسة الأولية في البيت على يد مدرس خاص، ثم دخل مدرسة "باب سويقة الابتدائية" في تونس، ثم التحق بجامع الزيتونة وتخرج سنة 1896م، وأخذ يتردَّدُ على المدرسة الخلدونية حتى حصل على الدراسات العليا. وبظهور أولِ حزب لتحرير تونس ومقاومة الاستعمار الفرنسي حزب "تونس الفتاة" كان الثعالبي من أوائل من انضم إليه؛ ليؤسِّسَ بعدها الحزبَ الوطني الإسلامي الذي كان يدعو إلى تحرير العالم العربي كله، وقيام الوحدة بين أقطاره. وكان قد كتب وعمل محررًا في صحيفتي "المبشر" و"المنتظر" إلى أن عطَّلَتْها الحكومة، ثم أصدر جريدة "سبيل الرشاد" وكرَّسها للوعظ والإرشاد والدعوة إلى الإصلاح. وبعد سنة عطَّلتْها الحكومة وأصدرت قانونًا قيَّدت به الصحافة. جاهر الثعالبي بطلبِ الحرية لبلاده، فسجنه الفرنسيون، ولَمَّا أُطلِقَ سَراحُه سافر إلى باريس، وزار الأستانة والهند وجاوى، وعاد إلى تونس قُبيلَ سنة 1332ه / 1914م، وقد حلَّ الفرنسيون حزب تونس الفتاة، فعَمِل في الخفاء مع بقايا من أعضائه بالدعاية والمنشورات. وسافر إلى باريس بعد الحرب العالمية الأولى فطبع كتابه "تونس الشهيدة" بالفرنسية. واتُّهِم بالتآمر على أمن الدولة الفرنسية، فاعتُقِلَ ونقل سجينًا إلى تونس، وأخلي سبيله بعد 9 أشهر سنة 1920م، فرأس حزب "الدستور"، وقد ألفه أنصاره وهو في السجن، وأنشأ مجلة "الفجر" في أغسطس 1920, ثم غادر الثعالبي تونس مرة أخرى سنة 1923م متنقلًا بين مصر وسورية والعراق والحجاز والهند، مشاركًا في حركاتها الوطنية، ولا سيما مقاومة الاستعمار الفرنسي، ثم عاد إلى تونس سنة 1937م، فناوأه بعضُ رجال حزبه، فابتعد عن الشؤون العامة إلى أن توفي في تونس. من كُتُبِه: تاريخ شمال إفريقية، وفلسفة التشريع الإسلامي، ومحاضراتُه في جامعة آل البيت ببغداد نُشِرت تباعًا في مجلَّتِها، وتاريخ التشريع الإسلامي، ومذكرات في خمسة أجزاء عن رحلته إلى مصر والشام والحجاز والهند وغيرها، و"معجزة محمد رسول الله صلَّى الله عليه وسلم".

العام الهجري : 1367 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1948
تفاصيل الحدث:

بعد إعلان قرارِ التقسيم تزايدَ الصِّراعُ مع اليهود أكثَرَ، ثم بلغ أوْجَهُ عند انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وكانت الأوضاعُ العربيةُ وشعوبُها المستقِلَّة استقلالًا صوريًّا غير قادرة على أعمالٍ موازية لِما يقوم به اليهود وبجانبهم بريطانيا، وخاصة من ناحية التسليح؛ حيث وصل عدد اليهود الذين يستطيعون القتال أكثر من سبعين ألفًا مقابل عشرين ألفًا من الجيوش العربية، بالإضافة للفلسطينيين والمتطوِّعين من المسلمين، وبعد الخامس من أيار/ يوليو 1948م حدثت نكبةُ 48 حين دخلت الجيوشُ العربية فلسطينَ وأهمُّها الجيش المصري، والأردني، والعراقي، والسوري، وكانت المدنُ الفلسطينية حيفا ويافا وصفد وطبريا وعكا وغيرها من القرى الصغيرة بأيدي اليهودِ، ثم توزَّعت الجيوشُ العربية على الجبَهاتِ؛ فالجنوبية للمصريين، والشرقية للأردنيين والعراقيين، والشمالية للسوريين، ولم يكن هناك تنسيقٌ مُنظَّمٌ بين هذه الجبهات، فكُلُّ جيش خاض المعركةَ وحده بدون دعم الجيوش الأخرى، فلم ينجَح الجيش السوري في التقَدُّم من جهة الشمال، وأما الجيش الأردني والعراقي فاحتفظا بالضَّفة الغربية، وقاتل الجيشُ الأردني في القدس الشرقية في باب الواد والجيش العراقي في جنين، أما الجيش المصري فحُوصِرَ في الفالوجة وعراق المنشية، ثم انسحب واحتفظ بقطاعِ غزَّة، وفشل الجيش الأردني في المحافظة على اللد والرملة وأم الرشراش (إيلات) على الرَّغمِ من أنه أكثر الجيوش العربية تطورًا وتكتيكًا، وكان يقوده مجموعةٌ من الضباط البريطانيين!، ثم أخطأت الجيوشُ العربية بقَبولِها الهدنة الأولى في أواسط صيف 1948م، فأحضر اليهود مزيدًا من الأسلحة والمقاتلين والطائرات، وفكُّوا خلالها حصارَ القدس الغربية؛ حيث كان فيها مائة ألف يهودي على وَشْك الاستسلام، فكانت نسبةُ الأراضي التي أصبحت بعد هذه الحرب في يد اليهودِ أكثَرَ من ثلاثة أرباع فلسطين، فكانت نكبةً حقيقية على العرب وجيوشِهم التي مُنِيَت بالخسائر الفادحة دون أن تحَقِّقَ شيئا، هذا بالإضافةِ لهجرة الكثير من الفلسطينيين إلى الدول العربية المجاورة والذين لم يستطيعوا العودةَ إلى الآن، وهم المعروفون بعربِ الثماني والأربعين، فهاجر منهم أكثر من 750 ألفًا ما بين سوريا والأردن وكذلك عدد لا بأس به منهم في مصر، وأقل منه في العراق والسعودية.

العام الهجري : 1379 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1960
تفاصيل الحدث:

هو علي عدنان إرتكين مندريس المعروف بعدنان مندريس رئيس وزراء تركيا، ولِدَ في مدينة أيدين سنة 1317هـ، وهو سياسيٌّ حقوقي، ورجل دولة تركي ومن دهاة الأتراك, شارك في تأسيسِ رابع حزب معارِض معتَرَف به في تركيا، كما أنه يعتبَرُ أوَّلَ رئيس وزراء منتَخَب ديمقراطيًّا في تركيا عام 1385هـ, دخل الانتخاباتِ مُرشَّحًا للحزب الديموقراطي سنة 1950م ببرنامج توقَّعَت له كلُّ الدراسات الفشَلَ المطلق، فمع أنَّه خرج من حزب أتاتورك العلماني بعد أن انشقَّ عنهم، فقد كان من ضمن تعهُّداتِه التي أطلقها للأتراك في حملته الانتخابية أنَّه إذا نجح في الانتخابات برئاسة الوزراء يتعَهَّدُ بعودة الأذان باللغة العربية، والسماح للأتراك بالحَجِّ، وإعادة إنشاء المساجد، وتدريس الدين بالمدارس، وإلغاء تدخُّل الدولة في لباس المرأة، فكانت نتيجة الانتخابات حصولَ حزب أتاتورك العلماني على 32 مقعدًا، بينما حصل حزب مندريس الديموقراطي على 318 مقعدًا! وتسَلَّم عدنان مندريس منصِبَ أوَّلِ رئيس منتخب للوزراء، وجلال بايار رئيس الحزب رئيسًا للجمهورية، وقد عمل مندريس منذ فوزِ حِزبِه في الانتخابات على استعادة هويَّة تركيا الإسلامية التي صادرها كمال أتاتورك، فشرع بتنفيذِ وُعودِه التي أعلنها أثناء العملية الانتخابية؛ فعقد أول جلسة لمجلس الوزراء في غرة رمضان تيمُّنًا بالشهر الكريم، وسَمَح بالأذان باللغة العربية، وأطلق حريةَ لباس المرأة، وحرية تدريس الدين، وبدأ بتعمير آلافِ المساجد بعد أن كانت ممنوعةً من البناء، وأخلى المساجِدَ التي كانت الحكومةُ السابقة تستعمِلُها مخازن للحبوب، وأعادها لتكونَ أماكن للعبادة، كما سمح بتعليم اللغة العربية، وقراءة القرآن الكريم وتدريسه في جميع المدارس حتى الثانوية، وأنشأ أكثَرَ من عشرين معهدًا لتخريج الوعَّاظ والخطباء وأساتذة الدين، وسمح بإصدار المجلات والكتب التي تدعو إلى التمسك بالإسلام، وتقارَبَ مع العرب ضِدَّ إسرائيل، وفرض الرقابةَ على الأدوية والبضائع التي تُصنَعُ في إسرائيل، بل طَرَد السفير الإسرائيلي سنة 1956م، فتآمر عليه الأعداءُ في الداخل والخارج، فانقلب عليه جنرالات الجيش، وتم قتله -رحمه الله- شنقًا مع اثنين من وزرائه بعد محاكمةٍ صورية!

العام الهجري : 1395 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1975
تفاصيل الحدث:

وُلِد شيخ مجيب الرحمن عام 1920م في قرية تونجيبار تبعد 97 كم جنوب غربي دكا، درس مجيب الرحمن في مدارس الإرسالياتِ التنصيريةِ وتربَّى فيها وحصل على درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة كالكوتا، كما حصل على شهادة في القانون من جامعة دكا. كان أحد مؤسِّسي رابطة "عوامي" العام 1949م، وكان مؤيدًا انفصال باكستان عن الهند. استطاع شيخ مجيب بعد نُشوب حربٍ أهلية شرسةٍ بين شطري باكستان الغربيِّ والشرقيِّ أن ينفصلَ بالشطر الشرقيِّ؛ ففي عام 1970م قاد شيخ مجيب حزبَه إلى فوزٍ كاسحٍ في الانتخاباتِ، فأعلن بعد فوز حزبه قيامَ دولةِ بنغلاديش منفصلةً عن باكستان الغربية التي عانت من مشاكل سياسيَّة واجتماعيَّة واقتصاديَّة؛ فاضطرَّ الرئيس الباكستاني يحيى خان (شيعي) أن يسافرَ إلى الجناح الشرقي من باكستانَ، ويعتقلَ مجيب الرحمن، فتسلَّم رئاسة بنغلاديش نصر الإسلامِ، أما رئاسةُ الحكومة فتسلَّمها تاج الدين أحمد، ولما أُطلق سراح مجيب الرحمن سافر فورًا إلى لندن وأجرى مباحثات مع رئيس وزراء بريطانيا، ثم عاد إلى دكا عاصمة بنغلاديش على طائرة هنديةٍ، فتولَّى رئاسة الوزراء بنفسه، وجعل من منصب رئيس الجمهورية صورة شرفية، ثم أعلن مجيب الرحمن قطعَ علاقة دولتِه بباكستانَ الغربيةِ، فعرض عليه ذو الفقار بوتو التنازلَ له عن السلطةِ في سبيل المحافظة على وحدةِ باكستان لكنَّه رفض، فأصدر دستورًا مؤقتًا ركَّز فيه سلطاتِ الحكم بيده، وتولَّى مجيب وزاراتِ الدفاع والداخليةِ والإعلامِ وشؤون مجلس الوزراء، ثم قرَّر أن يتولَّى رئاسة البلاد في يناير 1975، وركَّز جميع السلطات في يديه، ثم اعتمد نظام الحزب الواحدِ، وطارد المعارضةَ السياسيةَ وجمَّد الدستور، وحلَّ جميع التنظيمات السياسية، وفرض الرقابةَ على الصحافةِ، كل هذه الأمور قوَّت جبهة المعارضين ضدَّه وضد سياساتِه، وفي العام الذي تولَّى فيه رئاسة الدولة حدث انقلابٌ عسكري في 15 أغسطس قام به الجيشُ ضده، وانتهى الأمر بمقتلِه، وقد ترك شيخ مجيب الرحمن خَلْفه ابنتَه شيخة حسينة التي قادت المُعارضة، وفاز حزبُها رابطة عوامي في انتخابات 1996م.

العام الهجري : 1410 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1990
تفاصيل الحدث:

وُلِدَ الشيخ حسنين في حي باب الفتوح بالقاهرة في (16 من رمضان 1307هـ / 6 من مايو 1890م)، وتَعهَّدَه أبوه بالتربية والتعليم، فما إن بلغ السادسةَ حتى دفَعَ به إلى مَن يُحَفِّظه القرآنَ الكريم، وأتمَّه وهو في العاشرة على يد الشيخ محمد علي خلف الحسيني شيخ المقارئ المصرية، وهيَّأه أبوه للالتحاق بالأزهر، فحفَّظه متونَ التجويد، والقراءات، والنحو، ثم التحق بالأزهر، وهو في الحاديةَ عَشْرةَ من عمره، وتلقَّى العلم على شيوخ الأزهر، من أمثال الشيخ عبد الله دراز، ويوسف الدجوي، ومحمد بخيت المطيعي، وعلي إدريس، والبجيرمي، فضلًا عن والده الشيخ محمد حسنين مخلوف، ولمَّا فتحت مدرسةُ القضاء الشرعي أبوابَها لطلاب الأزهر، تقدَّم للالتحاق بها، وتخرَّج بعد أربع سنواتٍ حائزًا على عالِميَّة مدرسة القضاء سنةَ (1332هـ / 1914م)، وبعد التخرُّج عمل الشيخ حسنين مخلوف بالتدريس في الأزهر لمدة عامَينِ، ثم التحقَ بسلك القضاء قاضيًا شرعيًّا في قنا سنةَ (1334هـ / 1916م)، ثم تنقَّل بين عدَّة محاكمَ في "ديروط"، و"القاهرة"، و"طنطا"، حتى عُيِّن رئيسًا لمحكمة الإسكندرية الكلية الشرعية سنةَ (1360هـ / 1941م)، ثم رُقِّيَ رئيسًا للتفتيش الشرعي بوزارة العدل سنةَ (1360هـ / 1942م)، ثم عُيِّنَ نائبًا لرئيس المحكمة العُليا الشرعية سنةَ (1363هـ / 1944م)، حتى تولَّى منصبَ الإفتاء في (3 من ربيع الأول 1365هـ / 5 من يناير 1946م)، وظلَّ في المنصب حتى (20 من رجب 1369هـ / 7 من مايو 1950م)، عندما بلغ انتهاءَ مدَّة خِدْمته القانونية، فاشتغل بإلقاء الدروس في المسجد الحسيني إلى أن أُعيد مرةً أُخرى ليتولَّى منصبَ الإفتاء سنةَ (1371هـ / 1952م)، واستمر فيه عامَينِ، وفي أثناء تولِّيه منصبَ الإفتاء اختير لعضوية هيئةِ كبارِ العلماءِ سنةَ (1367هـ = 1948م)، وبعد تَركه منصبَ الإفتاءِ أصبحَ رئيسًا للجنة الفَتْوى بالأزهر الشريف لمُدَّة طويلة، وكان عضوًا مؤسِّسًا لرابطة العالَم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية، وشارَك في تأسيس الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية، واختير في مجلس القضاءِ الأعْلى بالسعودية.
طالت الحياة بالشيخ حتى تجاوز المئةَ عامٍ، وتُوفيَ في 19 من رمضان 1410.

العام الهجري : 1425 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 2004
تفاصيل الحدث:

هو قَدْري بن صَوْقَل بن عَبْدُول بن سِنَان المشهور بعبد القادر الأرناؤوط، وُلد سنةَ 1347هـ بقرية «فريلا» في «إقليم كوسوفا» من بلاد الأرنؤوط في ما كان يُعرف بيوغوسلافيا، والألبانيون يُسمُّون هذا الإقليم: كوسوفا، والصرب يقولون: كوسوفو، والأرنؤوط جِنسٌ يندَرِجُ تحته شعوبٌ كثيرةٌ من الألبان واليوغسلاف وغيرهم هاجَرَ سنةَ 1353هـ من جرَّاء اضطهاد المحتلِّين الصرب إلى دِمَشقَ بصحبةِ والدِه وبقيَّةِ عائلته، وكان عمرُه آنذاكَ ثلاثَ سنواتٍ، ترعرع الشيخ في دِمَشق الشام، وتلقَّى تعليمَه أولَ الأمر في مدرسة «الإسعاف الخيري» بدِمَشق بعد دراسة سَنتينِ في مدرسة «الأدب الإسلامي» بدِمَشق. وبعد نهاية المرحلة الابتدائية تركَ العلم لغرض العمَلِ لحاجته للمال، فعمِلَ «ساعاتيًّا» في تصليح الساعات في محلة «المسكية» بدِمَشق، وكان يعمل في النهارِ، ويدرُس القرآنَ والفقهَ مساءً، وانضمَّ إلى حلقة الشيخ عبد الرزاق الحلبي، رغبةً في تعلُّم علوم الشرعِ واللغةِ والأدبِ، تقلَّد الخطابة، فكان خطيبًا في جامع «الدِّيوانية البَرَّانيَّة» بدِمَشق، ثم خطيبًا في جامع «عمر بن الخطاب»، ثم انتقَلَ إلى منطقة «الدحاديل» بدِمَشق، وكان خطيبًا في جامع «الإصلاح»، ثم انتقل إلى جامع «المُحمَّدي» بحيِّ الـمِـزَّة، لكنَّ الشيخَ بَقيَ يُلقي دروسَه في معهد الأمينية (وهي مدرسة قديمة للشافعية)، وبَقيَ يقوم بالتدريس والوعظ، ويُنبِّهُ الناس إلى السُّنة الصحيحة، ويَدْعوهم إلى ضرورة ترك البِدَع والمخالَفات في الشريعة، هذا مع انكبابه على التحقيق والتأليف وتدريسه العلمَ للناس، وإلقاء المحاضرات، كان الشيخ سَلَفيَّ العقيدة، لا يلتزم مذهبًا فقهيًّا مُعيَّنًا، وإنَّما يعمَل بالكتابِ والسُّنة على منهج السلَف الصالحِ -رِضوانُ الله عليهم- ومن كُتبه وتحقيقاته: إتمام تحقيق كتاب ((غاية المنتهى)) في الفقه الحنبلي، وتحقيق كتاب ((جامع الأصول)) لابن الأثير، وتحقيق كتاب ((زاد المعاد)) لابن القَيِّم، و((زاد المسير في علم التفسير)) لابن الجَوْزي، و((المبدع في شرح المقنع)) لابن مفلح، و((رَوْضة الطالبين)) للنووي، و((الشفا)) للقاضي عياض، و((قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة))، وغيرها، تُوفيَ في دِمَشق فجرَ الجمُعة 13شوال 1425، ودُفن بمقبرة الحقلة، وكانت جنازته مشهودةً رحمه اللهُ.

العام الهجري : 635 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1238
تفاصيل الحدث:

هو أبو المعالي محمد بن الملك العادل، الملقب بالملك الكامل ناصر الدين، ولد سنة 576، وكان أكبر أولاد العادل بعد مودود، وإليه أوصى العادل لعلمه بشأنه وكمال عقله، وتوفُّر معرفته، ملك مصر ثلاثينَ سنة، وكانت الطرقاتُ في زمانه آمنة، والرعايا متناصفة، لا يتجاسَرُ أحد أن يظلم أحدًا، وكانت له اليد البيضاء في رد ثغرِ دمياط إلى المسلمين بعد أن استحوذ عليه الفرنج، فرابطهم أربعَ سنين حتى استنقذه منهم، وكان يومُ أخْذِه له واسترجاعه إياه يومًا مشهودًا، مع أنه هو من سلم القدسَ مرة أخرى للفرنج بصلحٍ معهم. قال ابن خلكان: "رأيت الكامل والأشرف، وكانا يركبان معًا ويلعبان بالكرةِ في الميدان الأخضر الكبير كلَّ يوم، ولقد كنت أرى من تأدب كل واحد منهما مع الآخر شيئًا كثيرًا، ثمَّ وقعت بينهما وحشة، وخرج الأشرفُ عن طاعة الكامل، ووافقَته الملوكُ بأسرها على الخروج على الملك الكامل، ولم يبقَ مع الملك الكامل سوى ابن أخيه الملك الناصر صاحبِ الكرك؛ فإنه توجه إلى خدمته بالديار المصرية. فتحالفوا وتحزَّبوا واتفقوا وعزموا على الخروج على الملك الكامل" لما استراح خاطرُ الملك الكامل من جهة الفرنج تفرَّغ للأمراء الذين كانوا متحاملين عليه فنفاهم عن البلاد، وبدَّد شملهم وشَرَّدَهم، ثم دخل إلى القاهرة, وشرع في عمارة البلاد وبنى بها دار حديث ورتَّب لها وقفًا جيدًا، واستخرج الأموال من جهاتها، وكان سلطانًا عظيم القدر جميل الذكر محبًّا للعلماء متمسكًا بالسنة النبوية، حسن الاعتقاد معاشرًا لأرباب الفضائل، حازمًا في أموره، لا يضع الشيءَ إلا في موضعه من غير إسراف ولا إقتار، وكانت تبيت عنده كل ليلة جمعة جماعة من الفضلاء، ويشاركهم في مباحثاتهم، ويسألهم عن المواضع المشكلة من كل فنٍّ، وهو معهم كواحد منهم. في سنة 629 قصد آمد، وأخذها مع حصن كيفا من الملك المسعود ركن الدين مودود بن الملك الصالح, قال ابن خلكان: "لقد رأيتُه بدمشق في سنة 633 عند رجوعه من بلاد الشرق واستنقاذه إياها من يد علاء الدين بن كيخسرو السلجوقي صاحب بلاد الروم، في خدمته يومئذ بضعةَ عشر ملكًا، منهم أخوه الملك الأشرف. ولم يزَلْ في علو شأنه وعظم سلطانه إلى أن مَرِضَ بعد أخذ دمشق ولم يركَبْ بعدها", وقد تملك الكامل دمشق سنة 635 مدة شهرين بعد وفاة الأشرف صاحبها، ثم أخذته أمراض مختلفة، من ذلك سعال وإسهال ونزلة في حلقه، ونقرس في رجليه، فاتفق موتُه في بيت صغير من دار القصبة، وهو البيت الذي توفِّيَ فيه عمه الملك الناصر صلاح الدين، ولم يكن عند الكامل أحد عند موته من شدة هيبته، بل دخلوا فوجدوه ميتًا، وقيل: بل حدث له زكام، فدخل في ابتدائه إلى الحمام، وصبَّ على رأسه الماء الحار، فاندفعت المراد إلى معدته، فتورم وعرضت له حمى، فنهاه الأطباء عن القيء، وحذروه منه، فاتفق أنه تقيأ لوقته، في آخر نهار الأربعاء حادي عشر شهر رجب، وكانت وفاته في ليلة الخميس الثاني والعشرين من رجب من هذه السنة، ودفن بالقلعة حتى كملت تربته التي بالحائط الشمالي من الجامع، فنقل إليها ليلة الجمعة الحادي والعشرين من رمضان من هذه السنة، وكان قد عهد لولده العادل- وكان صغيرًا- بالديار المصرية، وبالبلاد الدمشقية، ولولده الصالح أيوب ببلاد الجزيرة، فأمضى الأمراء ذلك، فأما دمشق فاختلف الأمراء بها.

العام الهجري : 640 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1242
تفاصيل الحدث:

هو أميرُ المؤمنين الخليفة العباسي المستنصر بالله أبو جعفر منصور بن الخليفة الظاهر بأمر الله محمد بن الخليفة الناصر لدين الله أبي العباس أحمد. واقف المستنصريَّة التي لا نظيرَ لها. ولد سنة 588, وأمه تركية، وكان جده الناصر يحبُّه ويسميه القاضي؛ لحبه للحقِّ، وعقلِه, وبويعَ عند موت والده يوم الجمعة، ثالث عشر رجب، سنة 623 البيعة الخاصة من إخوته وبني عمه وأسرته، وبايعه من الغد الكبراء والعلماء والأمراء. وكان أبيضَ أشقرَ، سمينًا ربعةً مليح الصورة، عاقلًا حازمًا سائسًا ذا رأي ودهاء ونهوض بأعباء الملك، كان جدُّه الناصر قد جمع ما يتحصل من الذهب في بركة في دار الخلافة، فكان يقفُ على حافتِها ويقول: أتُرى أعيش حتى أملأَها، وكان المستنصر يقِفُ على حافتها ويقول أترى أعيش حتى أنفِقَها كُلَّها, فكان يبني الربُطَ والخانات والقناطر في الطرقات من سائر الجهات، وقد عَمِلَ بكل محلَّة من محال بغداد دارَ ضيافة للفقراء، لا سيَّما في شهر رمضان، وكان يتقصد الجواري اللائي قد بلغن الأربعين فيُشترين له فيُعتقُهنَّ ويُجهزهنَّ ويُزوجُهنَّ، وفي كل وقت يُبرِزُ صِلاتِه ألوفًا متعددة من الذهب، تُفَرَّق في المحال ببغداد على ذوي الحاجات والأرامل والأيتام وغيرهم، تقبَّلَ الله تعالى منه وجزاه خيرًا، وقد وضع ببغداد المدرسة المستنصرية للمذاهب الأربعة، وجعل فيها دار حديث وحمامًا ودار طب، وجعل لمستحقيها من الجوامك- رواتب الموظفين- والأطعمة والحلاوات والفاكهة ما يحتاجون إليه في أوقاته، ووقف عليها أوقافًا عظيمة حتى قيل إن ثمن التبن من غلات ريعها يكفي المدرسة وأهلَها, ووقف فيها كتبًا نفيسة ليس في الدنيا لها نظير، فكانت هذه المدرسة جمالًا لبغداد وسائر البلاد, فكان المستنصرُ رحمه الله كريمًا حليمًا رئيسًا متودِّدًا إلى الناس، حازمًا عادلًا، وفي أيامه عَمَرت بغداد عمارة عظيمة. قال ابن النجار: "نشر المستنصر بالله العدلَ، وبثَّ المعروف، وقَرَّب العلماء والصلحاء، وبنى المساجد والمدارس والربط، ودور الضيافة والمارستانات، وأجرى العطيَّات، وقمع المتمَرِّدة، وحمل الناسَ على أقوَمِ سَنَن، وعمر طرق الحاجِّ، وعمر بالحرمين دورًا للمرضى، وبعث إليها الأدوية, ثم قام بأمر الجهاد أحسن قيام، وجمع العساكر، وقمع الطغام، وبذل الأموال، وحَفِظَ الثغور، وافتتح الحصون، وأطاعه الملوك, وبيعت كتبُ العلم في أيامه بأغلى الأثمان لرغبته فيها، ولوقفها, وَخَطَه الشيب، فخضب بالحناء، ثم تركه, قلت (الذهبي): (كانت دولته جيدة التمكن، وفيه عدلٌ في الجملة، ووقع في النفوس) استجد عسكرًا كثيرًا لَمَّا علم بظهور التتار، بحيث إنه يقال: بلغ عدَّةُ عَسكَرِه مائة ألف، وكان يُخطَبُ له بالأندلس والبلاد البعيدة, وبلغ غلَّة وقف المستنصرية مرة نيفًا وسبعين ألف دينار في العام، واتفق له أنه لم يكن في أيامه معه سلطان يحكُم عليه، بل ملوك الأطراف خاضعون له، وفكرهم منشغلٌ بأمر التتار". توفي يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة، وكُتِم موتُه حتى كان الدعاء له على المنابر ذلك اليوم، وكانت مدة ولايته ست عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يوما، ودُفِنَ بدار الخلافة، ثم نُقِلَ إلى الترب من الرصافة، بويع لابنه المستعصم بالله بعد صلاة الجمعة.

العام الهجري : 723 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1323
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامة الحافِظُ قاضي القضاة نجمُ الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن سالم بن أبي المواهب، الربعي الثعلبي الدمشقي الشافعي، الشهيرُ بابن صصرى قاضي القُضاة بالشام، وُلِدَ في ذي القعدة سنة 655، ووالدتُه هي شاه ست بنت أبي الغنائم المسلم بن محمد بن المسلم بن علان القيسية الدمشقية، ذكرها الذهبي في معجم الشيوخ الكبير. كان في ابتداء أمرِه كتب في الإنشاء، وكان له نظمٌ ونثرٌ ومُشاركة في فنونٍ كثيرة، فصيحَ العبارة، قادرًا على الحفظ، يحفظُ أربعة دروس في اليوم، سمِعَ ابن صصرى الحديثَ واشتغل وحَصَّل وكتَبَ عن القاضي شمس الدين بن خَلِّكان وفياتِ الأعيان، وسَمِعَها عليه، وتفقَّه بالشيخ تاج الدين الفزاري، وعلى أخيه شرف الدين في النَّحو، وكان له يدٌ في الإنشاء وحُسن العبارة. درَّس بالعادلية الصغيرة سنةَ ثنتين وثمانين، وبالأمينية سنة تسعين، وبالغزالية سنة أربع وتسعين، وتولى قضاء العساكر في دولة العادل كتبغا، ثم تولَّى قضاء الشام سنة ثنتين وسبعمائة، بعد ابنِ جماعة حين طُلِبَ لقضاء مصر بعد ابن دقيق العيد، ثم أضيف إليه مشيخةُ الشيوخ مع تدريس العادلية والغزالية والأتابكية، في يوم الثلاثاء سابِعَ شعبان عَزَل نجم الدين بن صصرى نفسه عن الحُكمِ بسبب كلامٍ سمعه من الشيخ كمال الدين بن الزملكاني. كان نجم الدين ابن صصرى من خصومِ شيخ الإسلام ابن تيمية, ففي الثاني عشر رجب سنة 698 قرأ المِزِّي فصلًا من كتاب أفعال العباد للبُخاري في الجامع، فسَمِعَه بعض الشافعية فغضِبَ، وقالوا: نحن المقصودون بهذا ورفعوه إلى القاضي الشافعي فأمر بحبسه، فبلغ ابن تيمية فتوجَّهَ إلى الحبس فأخرجه بيده، فبلغ القاضي ابن صصرى فطلع إلى القلعة فوافاه ابن تيميَّةَ فتشاجرا بحضرة النائِبِ، واشتطَّ ابن تيمية على القاضي لِكَونِ نائبه جلال الدين آذى أصحابَه في غَيبة النائب، فأمر النائب من ينادي أنَّ من تكلَّمَ في العقائد فُعِلَ كذا به، وقصد بذلك تسكينَ الفتنة. وفي خامس رمضان بطلب القاضي والشيخ وأن يرسلوا بصورةِ ما جرى للقاضي نجم الدين ابن صصرى، ثم وصل مملوك النائب وأخبر أن الجاشنكير والقاضي المالكي قد قاما في الإنكارِ على الشيخ ابن تيمية، وأنَّ الأمرَ اشتَدَّ بمصر على الحنابلة، حتى صفع بعضهم، ثم توجه القاضي ابن صصرى وشيخ الإسلام إلى القاهرة ومعهما جماعةٌ فوصلا في العشر الأخير من رمضان، وعُقِدَ مجلس في ثالث عشر منه بعد صلاة الجمعة، فادعى على ابن تيميَّةَ عند المالكي، فقال: هذا عدوِّي ولم يجِبْ عن الدعوى، فكرر عليه فأصَرَّ، فحكم المالكيُّ بحبسِه، فأقيم من المجلسِ وحُبِسَ في برجٍ، ثم بلغ المالكي أن الناس يترددون إليه، فقال: يجب التضييقُ عليه إنْ لم يُقتَل وإلَّا فقد ثبت كفرُه، فنقلوه ليلة عيد الفطر إلى الجبِّ، وعاد القاضي ابن صصرى الشافعي إلى ولايتِه، ونودي بدمشق من اعتقد عقيدةَ ابن تيمية حَلَّ دَمُه ومالُه خصوصًا الحنابلة، فنودي بذلك وقرئ المرسوم. توفي ابن صصرى فجأةً ببستانه بالسَّهمِ ليلة الخميس سادس عشر ربيع الأول عن ثمان وستين سنة وصُلِّيَ عليه بالجامع المظفري، وحضر جنازتَه نائب السلطنة والقضاة والأمراء والأعيان، وكانت جنازتُه حافلةً ودُفِنَ بتربتهم عند الركنية.

العام الهجري : 1396 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1976
تفاصيل الحدث:

هو خيرُ الدين بنُ محمود بنِ محمد بنِ علي فارس الزِّرِكلي وُلِد في بيروت في ليلة 9 من ذي الحجَّة 1310هـ، ونشَأَ في دِمَشقَ حيث موطنُ أبيه وأمِّه، وتعلَّم في إحدى مدارسها الأهليَّة، وأخذ عن عُلَمائها على الطريقة القديمة التي كانت سائدةً آنذاك في التعليم، وأقبَلَ على قراءة كُتُب الأدب، وجرى لسانُهُ بنَظْم الشِّعر، وصحب مخطوطات المكتبة الظاهريَّة، فكان لا يُفارقها إلا لساعاتٍ قليلة. أصدر مجلةً أُسبوعية بعنوان "الأصمعي"، والتحَقَ بمدرسة "اللاييك" أستاذًا للتاريخ والأدب العربي وهو دون الخامسةِ والعِشرينَ، وأصدر في دمشق جريدةً يوميةً باسم "المفيد"، وفي أثناء ذلك كان يَنظِمُ القصائدَ الحماسيَّة التي تتغنَّى بأمجاد الوطن، ويتعلَّق بآمال الحرية والاستقلال حتى دخل الفرنسيُّون دمشق، فغادر إلى عمان. وبعد مغادرته البلاد قرَّر المجلس العسكري التابع للفِرْقة الثانية في الجيش الفرنسي الحُكم غيابيًّا بقتل خير الدين ومُصادرة أملاكه، وفي عمان عُيِّن الزركليُّ مفتشًا عامًّا للمعارف سنة 1340هـ، ثم تولَّى رئاسة ديوان الحكومة. ثم عاد إلى دمشق بعد إيقاف تنفيذ حُكم القتل عليه، وأخذ عائلته واتَّجه إلى القاهرة سنة 1342هـ، وأنشأ بها المطبعة العربيَّة، وطبع بها كتبًا كثيرة. ثم ذهب إلى القُدس سنة 1349هـ وأصدر مع زميل له جريدةَ "الحياة اليومية"، لكنَّ الحكومة الإنجليزية عطَّلَتها، واتفق مع أصدقاء آخرين على إصدار جريدةٍ يوميَّةٍ في يافا، وأعدَّ لها مطبعة، لكن الجريدة لم يصدُرْ منها سوى عددٍ واحدٍ، وأُغلقت أبوابها بسبب التحاقه بالعمل الدُّبلوماسي في الحكومة السُّعودية سنة 1353 هـ؛ حيث عمل مُستشارًا بالوكالة في المفوضيَّة العربية للسعودية بمصر، وكان أحدَ المندوبين السُّعوديين في المُداولات التي سبقت إنشاء جامعة الدُّوَل العربية، وفي التوقيع على ميثاقِها، ومثَّل الحكومة السعودية في عدَّة مؤتمراتٍ دوليةٍ، وانتُدِب في سنة 1366هـ لإدارة وزارة الخارجية بجدة متناوبًا مع الشيخ يوسف ياسين وزير الخارجية بالنيابة، ثم عُين وزيرًا مُفوَّضًا ومندوبًا دائمًا لدى الجامعة العربية في سنة 1371هـ، ثم عمل سفيرًا للسعودية بالمغرب سنة 1377هـ. ومن مُؤلَّفاته: ((ما رأيتُ وما سمعتُ))، و ((عامانِ في عمان))، و ((الملك عبد العزيز في ذمَّة التاريخ))، و ((صفحة مجهولة من تاريخ سوريا في العهد الفيصلي))، و ((الأعلام)) وهو أشهر كُتُبه. انتُخب عضوًا بالمجمع العلمي العربي بدمشق سنة 1349هـ، واختُير عضوًا مراسلًا بمجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة 1366هـ، وبالمجمع العلمي العراقي سنة1380هـ، وظلَّ بعد خروجه من العمل الدبلوماسي مقيمًا بالقاهرة التي عاش فيها أغلب حياته، وفي إحدى زياراته إلى دِمَشقَ أصابته وَعْكة صحيَّة ألزمته الفِراش بضعة أسابيع، فلمَّا قرُبَ على الشفاء رحل إلى القاهرة للاستِجْمام، لكن الحياة لم تطُلْ به فوافته المنيَّة على ضفاف النيل في الثالث من ذي الحجة. بدأ خيرُ الدين الزِّرِكْلي الكتابةَ في كتابِه المشهورِ ((الأعلام)) عام 1912م بعد الإعداد له قبل ذلك بسنواتٍ، ولم ينفُضْ يده منه طيلةَ ستِّين عامًا، باذلًا فيه ما قدَّره الله عليه من مساعٍ لتطويره، واستمرَّ في بذلها إلى العشية التي وافته فيه المنية، وقد ترجم فيه الزِّرِكْلي لـ 13.435 شخصية من القديم والحديث، ولكِنْ غلبت عليه نزعته القومية العربية، فلم يترجم لأعلام العثمانيين؛ لكراهيتِه للأتراك، في حين وضع تراجِمَ للعديد من المستشرقين!

العام الهجري : 416 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1025
تفاصيل الحدث:

كان لأهلِ الهندِ صَنمٌ مَعروفٌ بسومنات يُعَظِّمونَه أشَدَّ التَّعظيمِ، ويقَدِّمونَ له مِن القَرابينِ ما لا يُقَدَّمُ لصَنَمٍ غَيرِه، وكان يمينُ الدَّولة كلَّما فتَحَ مِن الهندِ فتحًا، وكسَرَ صنمًا يقولُ الهنود: إنَّ هذه الأصنامَ قد سَخِطَ عليها سومنات، ولو أنَّه راضٍ عنها لأهلَكَ مَن تقَصَّدَها بسُوءٍ، وقد كانوا يَفِدونَ إليه مِن كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ، كما يفِدُ النَّاسُ إلى الكعبةِ بالبيتِ الحَرامِ، ويُنفِقونَ عنده النَّفَقاتِ والأموالَ الكثيرةَ التي لا تُوصَفُ ولا تُعَدُّ، وكان عليه من الأوقافِ عَشرةُ آلافِ قَريةٍ ومدينةٍ مشهورةٍ، وقد امتلأت خزائِنُه أموالًا، وعنده ألفُ رجُلٍ يَخدُمونَه، ومئاتُ الرِّجالِ يَحلِقونَ رُؤوسَ حَجيجِه، وكان عنده من المجاورينَ ألوفٌ يأكُلونَ مِن أوقافِه، فلَمَّا بلغ خبَرُ هذا الصَّنمِ وعُبَّادِه السُّلطانَ يَمينَ الدَّولةِ محمودَ الغَزنويَّ، عَزَمَ على غَزوِه وإهلاكِه, فاستخار اللهَ لِما بلَغَه مِن كَثرةِ الهُنودِ في طريقِه، والمفاوِز المُهلِكة، والأرض الخَطِرة، في تجَشُّم ذلك في جَيشِه، وعليه أن يقطَعَ تلك الأهوالَ، فانتَدَب معه ثلاثون ألفًا مِن المُقاتِلة مِمَّن اختارهم لذلك سِوى المتطَوِّعةِ، فسَلَّمَهم اللهُ حتى انتَهَوا إلى بلدِ هذا الوَثَن، ونزلوا بساحةِ عُبَّادِه، فإذا هو بمكانٍ بقَدرِ المدينةِ العظيمة، فما أسرَعَ أن مَلَكَه، وقتَلَ مِن أهله خمسينَ ألفًا وقلَعَ الوَثَن وأوقد تحته النَّارَ. قال ابنُ كثير: "ذكر غيرُ واحدٍ أنَّ الهنودَ بَذَلوا للسُّلطانِ مَحمود أموالًا جزيلةً لِيَترُكَ لهم هذا الصَّنمَ الأعظَمَ، فأشار من أشار مِن الأمراءِ على السلطان محمود بأخذِ الأموالِ وإبقاءِ هذا الصَّنَم لهم، فقال: حتى أستخيرَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ، فلمَّا أصبَحَ قال: إنِّي فكَّرتُ في الأمرِ الذي ذُكِرَ، فرأيتُ أنَّه إذا نودِيتُ يومَ القيامةِ أين محمود الذي كسَرَ الصَّنَم، أحَبُّ إليَّ مَن أن يقالَ: الذي ترَكَ الصَّنَمَ لأجْلِ ما ينالُه من الدُّنيا! ثمَّ عَزَم رَحِمَه اللهُ فكَسَرَه، فوجد عليه وفيه مِن الجواهِرِ واللآلئِ والذَّهَبِ والجواهِرِ النَّفيسة ما يُنَيِّفُ على ما بَذَلوه له بأضعافٍ مُضاعَفةٍ، ونرجو مِن اللهِ له في الآخرةِ الثَّوابَ الجَزيلَ الذي مِثقالُ دانقٍ منه خيرٌ مِن الدنيا وما فيها، مع ما حصَلَ له من الثَّناءِ الجَميلِ الدُّنيوي، فرَحِمَه اللهُ وأكرَمَ مَثواه", ثمَّ رحَلَ يَمينُ الدَّولة عائدًا إلى غزنة، فوصَلَها عاشِرَ صَفَر سنة 417.

العام الهجري : 449 العام الميلادي : 1057
تفاصيل الحدث:

وقعَ غَلاءٌ وفَناءٌ عَظيمان ببغداد وغَيرِها مِن البلادِ، بحيث خَلَتْ أَكثرُ الدُّورِ وَسُدَّتْ على أَهلِها أَبوابُها بما فيها، وأَهلُها مَوتى فيها، ثم صار المارُ في الطَّريقِ لا يَلقى الواحدَ بعدَ الواحدِ، وأكلَ النَّاسُ الجِيَفَ والنَّتَنَ مِن قِلَّةِ الطَّعامِ، ووُجِدَ مع امرأةٍ فَخِذُ كَلْبٍ قد اخْضَرَّ, وشَوَى رَجلٌ صَبِيَّةً في الأَتُونِ وأَكَلَها، وسَقطَ طائرٌ مَيِّتٌ مِن حائطٍ فاحْتَوَشَتْهُ خمسُ أَنفُسٍ فاقتَسموهُ وأَكلوهُ. قال ابنُ الجوزي يَصِفُ خبرَ هذا الوباءِ: " في جُمادى الآخِرة: وَردَ كِتابٌ مِن تُجَّارِ ما وَراءَ النَّهرِ قد وقع في هذه الدِّيارِ وَباءٌ عَظيمٌ مُسرِفٌ زَائِدٌ عن الحَدِّ، حتى أنَّه خَرجَ من هذا الإقليمِ في يَومٍ واحدٍ ثمانية عشر ألف جِنازةٍ، وأحصى مَن مات إلى أن كُتِبَ هذا الكِتاب فكانوا ألف ألف وستمائة ألف وخمسين ألفًا، والنَّاسُ يَمُرُّون في هذه البلادِ فلا يَرونَ إلَّا أسواقًا فارغةً، وطُرقاتٍ خاليةً، وأبوابًا مُغلقةً، حتى إنَّ البَقرَ نَفَقَت. وجاء الخَبرُ من أذربيجان وتلك البلادِ بالوباءِ العظيمِ، وأنَّه لم يَسْلَم من تلك البلادِ إلا العَددُ اليَسيرُ جدًّا. وَقعَ وباءٌ بالأهواز وبواط وأَعمالِها وغَيرِها، حتى طَبَقَ البلادَ، وكان أكثرَ سَببِ ذلك الجوعُ، كان الفقراءُ يَشوون الكِلابَ، ويَنبُشون القُبورَ، ويَشوون المَوتى ويَأكلُونهم، وليس للناسِ شُغلٌ في اللَّيلِ والنَّهارِ إلا غَسلُ الأمواتِ وتَجهيزُهُم ودَفنُهُم، فكان يُحفَر الحُفَير فيُدفَن فيه العشرون والثلاثون، وكان الإنسانُ بينما هو جالس إذ انشَقَّ قَلبُه عن دَمِ المُهْجَةِ، فيَخرُج منه إلى الفَمِ قَطرةٌ فيموتُ الإنسانُ مِن وَقتِه، وتاب النَّاسُ، وتَصدَّقوا بأَكثرِ أَموالِهم فلم يَجِدوا أحدًا يَقبَل منهم، وكان الفَقيرُ تُعرَض عليه الدَّنانيرُ الكَثيرة والدَّراهِم والثِّياب فيقول: أنا أُريدُ كَسرةً، أُريدُ ما يَسُدُّ جُوعي. فلا يجد ذلك، وأَراقَ النَّاسُ الخُمورَ وكَسَروا آلات اللَّهوِ، ولَزِموا المساجِدَ للعِبادةِ وقِراءةِ القُرآن, وفي يومِ الأربعاءِ لِسَبعٍ بَقِينَ مِن جُمادى الآخرة احتَرقَت قَطِيعةُ عيسى، وسُوقُ الطَّعامِ، والكَنِيسُ، وأَصحابُ السَّقْطِ، وبابُ الشَّعيرِ، وسُوقُ العَطَّارين، وسُوقُ العَروسِ، والأَنماطِيِّين، والخَشَّابين، والجَزَّارين، والتَّمَّارين، والقَطيعَةُ، وسُوقُ مُخَوَّل، ونَهرُ الزُّجاجِ، وسُوَيْقَةُ غالبٍ، والصَّفَّارين، والصَّبَّاغين، وغَيرُ ذلك مِن المواضع، وهذه مُصيبةٌ أُخرى إلى ما بالنَّاسِ مِن الجُوعِ والغَلاءِ والفَناءِ، فضَعُفَ النَّاسُ حتى طَغَت النَّارُ فعَمِلَت أَعمَالَها، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون".

العام الهجري : 656 العام الميلادي : 1258
تفاصيل الحدث:

نزل هولاكو بجيشِه المغولي بعدَ مذبحةِ بغداد حرَّان واستولى عليها ومَلَك بلادَ الجزيرة، ثم سيَّرَ ولده أشموط إلى الشامِ وأمره بقطعِ الفرات وأخْذ البلاد الشامية، وسيَّرَه في جمعٍ كثيف من التتار فوصَلَ أشموط إلى نهرِ الجوز وتل باشر، ووصل الخبَرَ إلى حلب من البيرة بذلك، وكان نائبُ السلطان صلاح الدين يوسف بحلب ابنه الملك المعظم توران شاه، فجفَل النَّاسُ بين يدي التتارِ إلى جهة دمشق وعظم الخطب، واجتمع الناسُ من كلِّ فجٍّ عند الملك الناصر بدمشق، واحترز الملك المعظَّم توران شاه بن الملك الناصر بحَلَب غاية الاحتراز، وكذلك جميعُ نوَّاب البلاد الحلبيَّة، وصارت حَلَب في غاية الحصانة بأسوارها المحكَمة البناءِ وكثرة الآلات، فلمَّا كان العشر الأخير من ذي الحِجَّة قصد التتارُ حَلَب ونزلوا على قريةٍ يقال لها سلميَّة وامتَدُّوا إلى حيلان والحادي، وسيَّروا جماعةً مِن عَسكَرِهم أشرفوا على المدينة، فخرج عسكرُ حلب ومعهم خلقٌ عظيم من العوام والسُّوقة، وأشرفوا على التتار وهم نازلونَ على هذه الأماكِنِ، وقد رَكِبوا جميعُهم لانتظار المسلمينَ، فلمَّا تحقَّق المسلمون كثرتَهم كَرُّوا راجعين إلى المدينة، فرسم المَلِكُ المعظَّم بعد ذلك ألا يخرُجَ أحد من المدينة، ولما كان غدُ هذا اليوم رحلت التتارُ من منازلهم طالبين مدينةَ حلب، واجتمع عسكرُ المسلمين بالنواشير وميدان الحصا وأخذوا في المشورة فيما يعتَمِدونه، فأشار عليهم الملك المعظَّم أنهم لا يخرجون أصلًا لكثرة التتار ولقوَّتهم وضعف المسلمين على لقائهم، فلم يوافِقْه جماعة من العسكر وأبوا إلَّا الخروج إلى ظاهر البلد لئلَّا يطمع العدو فيهم، فخرج العسكرُ إلى ظاهر حلب وخرج معهم العوامُّ والسوقة، واجتمع الجميعُ بجبل بانقوسا، ووصل جمع التتار إلى أسفَلِ الجبل فنزل إليهم جماعة من العسكر ليقاتِلوهم، فلما رآهم التتار اندفعوا بين أيديهم مكرًا منهم وخديعةً، فتبعهم عسكرُ حلب ساعةً من النهار، ثم كرَّ التتار عليهم فوَلَّوا منهزمينَ إلى جهة البلد والتتارُ في أثرهم، فلما حاذوا جبل بانقوسا وعليه بقية عسكر المسلمين والعوام اندفعوا كلُّهم نحو البلد والتتار في أعقابِهم، فقتلوا من المسلمينَ جمعًا كثيرًا من الجند والعوام، ونازل التتارُ المدينة في ذلك اليوم إلى آخره، ثم رحلوا طالبينَ أعزاز فتسَلَّموها بالأمانِ.