أبلغت لجنةُ الحلفاء العليا المقيمة في باريس الحكومةَ العثمانيةَ قرارًا يقضي بنزول الجيوشِ اليونانية في أزمير ويحذِّرونها من المقاومة، فأبلغت الحكومةُ التركية والي أزمير الالتزامَ بالهدوء وعدمِ المقاومة؛ لأن الحلفاءَ سيحتلون أزمير، ثم ظهر الأسطولُ الإنجليزي في مياه المدينة في 14 أيار، وأبلغ القائدُ الإنجليزي كالثورب واليَ أزمير بأنَّ الاحتلال سيكون من قِبَل اليونان وليس من قِبَل الحُلَفاء، فصُعِقَ الوالي لذلك الخبر، وبدأ الإنزال اليوناني في 15 أيار، وطاف الجنود اليونانيون الشوارعَ في تحدٍّ سافرٍ مثيرٍ للمشاعِرِ، وأطلقوا النارَ على الأتراك وأجبروهم على خلعِ طرابيشهم وداسوها بأقدامِهم، واستفزُّوا الضباطَ بالبصاق في وجوههم، وأخذوا بانتزاعِ الحجاب عن وجوه النساء المسلِمات، وفي زحمة هذه الأحداث رست الباخرة أينبولي في مياه أزمير بين الأسطول الإنجليزي والبواخر اليونانية، ونزل منها مصطفى كمال (أتاتورك) بصورةٍ مفاجئة، وهو الذي من المفروض أن يكون قد سافر إلى الأناضول، وبالذات إلى مدينة سامسون عن طريق البحر الأسود؛ لذلك في اليوم التالي لسفره طلبته الحكومة لتأكُّدِها من إثارته للاضطرابات، فانفجرت روحُ المقاومة، وتشكَّلت جمعياتٌ سرِّية، مثل جمعية القرقول، وامتدَّت المقاومة والأعمال الفدائية إلى مناطِقَ متعددة في البلاد، واستغل مصطفى كمال هذه الفوضى، وأعلن استقلالَ نَفسِه وعدمَ ارتباطه بالخليفة أو الحكومة، وأخذ يحرِّضُ الناس على الثورة ضِدَّ الحكومة العثمانية.
هو نوري بن سعيد بن صالح ابن الملا طه، من عشيرة القره غولي البغدادية رئيس حكومة العراق. سياسيٌّ عَسكريُّ المنشأ، فيه دهاء وعنف. ولدَ ببغداد سنة 1306هـ / 1888م، وتعلَّم في مدارسها العسكرية. وتخرَّج بالمدرسة الحربية في الأستانة (1906) ودخل مدرسة أركان الحرب فيها عام 1911م، وحضر حرب البلقان 1912 – 1913م، وشارك في اعتناق "الفكرة العربية" أيام ظهورها في العاصمة العثمانية. فكان من أعضاء جمعية العهد السرية. وقامت الثورة في الحجاز 1916م ولحِقَ بها، فكان من قادةِ جيش الشريف فيصل بن الحسين في زحفه إلى سورية. ودخل قبله دمشق. وآمن بسياسة الإنجليز. فكان المؤيِّدَ لها في البلاط الفيصلي بسورية ثم في العراق، ومجاهرًا بذلك إلى آخر حياته. تولى رئاسة الوزارة العراقية مراتٍ كثيرةً في أيام فيصل وابنه غازي وحفيده فيصل بن غازي، وائتلف مع عبد الإله بن علي: الوصي على عرش العراق في أيام فيصل الثاني. وقامت الثورة في بغداد 14 يوليو 1958م، فكان فيصل وعبد الإله من قتلاها. واختفى نوري يومًا أو يومين، ثم خرج في زيِّ امرأة، فعرفه بعضُ أهل بغداد، فقتلوه، وقيل إنه انتحر عندما اكتشفوه, وله آثارٌ كتابية مطبوعة، منها: أحاديث في الاجتماعات الصحفية، واستقلال العرب ووحدتهم، ومحاضرات عن الحركات العسكرية للجيش العربيِّ في الحجاز وسورية.
سار طُغرلبك إلى أذربيجان، فقَصدَ تبريزَ، وصاحبُها الأميرُ أبو منصور وهسوذان بن محمد الرَّوادي، فأَطاعَه وخَطَب له وحَمَلَ إليه ما أَرضاهُ به، وأَعطاهُ وَلَدَهُ رَهينةً، فسار طُغرلبك عنه إلى الأميرِ أبي الأسوارِ، صاحبِ جنزة - بَلدَة من بلادِ أذربيجان- فأَطاعَهُ أيضًا وخَطَب له، وكذلك سائرُ تلك النَّواحي أَرسَلوا إليه يَبذُلون الطَّاعةَ والخُطبةَ، وانقادَت العَساكرُ إليه، فأَبقَى بِلادَهم عليهم، وأَخذَ رَهائِنَهم وسار إلى أَرمينية، وقَصدَ ملازكرد، وهي للرُّومِ، فحَصَرها وضَيَّقَ على أَهلِها، ونَهبَ ما جاوَرَها من البلادِ وأَخرَبَها، وهي مدينةٌ حَصينَة، فأَرسلَ إليه نَصرُ الدَّولةِ بن مَروان، صاحبُ دِيارِ بَكْرٍ، الهدايا الكثيرة والعَساكِر، وقد كان خَطَبَ له قبلَ هذا الوَقتِ وأَطاعَهُ، وأَثَّرَ السُّلطانُ طُغرلبك في غَزْوِ الرُّومِ آثارًا عظيمةً، ونال منهم مِن النَّهْبِ والقَتْلِ والأَسْرِ شَيئًا كثيرًا، وبلغَ في غَزوتِه هذه إلى أرزن الرُّومِ، وعاد إلى أذربيجان، لمَّا هَجمَ الشِّتاءُ، من غير أن يَملِك ملازكرد، وأَظهَر أنَّه يُقيم إلى أن يَنقَضي الشِّتاءُ، ويَعودُ يُتِمُّ غَزاتِه، ثم تَوجَّه إلى الرَّيِّ فأقامَ بها إلى أن دخلت سَنةُ سَبعٍ وأربعين وعاد نحوَ العراق.
هو المَلِكُ شِهابُ الدِّينِ، أبو القاسِمِ محمودُ بنُ تاج الملوك بوري بن الأتابك طغتكين صاحِب دمشقَ. تمَلَّك بعد مَقتَلِ أخيه شمسِ الملوك، بإعانةِ أمِّه زمرد، وكان مُقَدَّمَ عَسكَرِه مُعينُ الدين أنر. قال ابنُ عساكر: "كانت الأمورُ تجري في أيَّامه على استقامةٍ، إلى أن وثَبَ عليه جماعةٌ مِن خَدَمِه، فقتلوه في شوَّال، هذه السنة"، قُتِلَ على فِراشِه غِيلةً، قتله ثلاثةٌ مِن غِلمانِه هم خواصُّه وأقربُ النَّاسِ منه في خَلوتِه، وكانوا ينامونَ عنده ليلًا، فقَتَلوه وخرجوا من القلعة وهربوا، فنجا أحدُهم، وأُخِذَ الآخَرانِ فصُلِبا، وكَتَب مَن بدمشقَ إلى أخيه جمالِ الدينِ مُحمَّدِ بنِ بوري صاحب بعلبك، بصورة الحالِ واستدعَوه ليملِكَ بدَلَ أخيه، فحضر في أسرَعِ وَقتٍ، فلمَّا دخل البلد جلسَ للعزاء بأخيه، وحلَفَ له الجندُ وأعيانُ الرعيَّة، وسكن النَّاسُ، وفَوَّضَ أمرَ دَولتِه إلى مُعين الدين أنر، مملوكِ جَدِّه، وزاد في علوِّ مَرتبةِ مُعين الدين، وصار الجُملة والتفصيل، وقد كان خَيِّرًا عاقِلًا حَسَن السِّيرةِ، فجَرَت الأمورُ عنده على أحسَنِ نِظامٍ.
نشبت الحربُ بين الدولة العليَّة وروسيا؛ وذلك أنه لما توفِّيَ أوغست الثالث ملك بولونيا سعت كاترين الثانية إمبراطورة روسيا في تعيين أحد أتباعها مَلِكًا على بولونيا خلافًا لِما تعهَّدت به روسيا للدولة العلية؛ ولذلك تنبهت الدولة العلية إلى نتيجةِ هذه السياسة وعَلِمَت أنها إن لم تضَعْ حدًّا لتقدم نفوذ روسيا في بولونيا، فلا تلبث بولونيا أن تُمحى من العالم السياسي بانضمامها لروسيا أو بتجزئتِها بينها وبين مجاوريها، لكن كان تنبُّه الدولة هذا بعد فوات الوقت المناسب، فإنه كان يجِبُ عليها مساعدة السويد وبذْل النفس والنفيس في حفظ ولايتها الواقعةِ على البلطيق من الوقوع في أيدي روسيا، ومع كل هذا فقد أرادت الدولة العليَّةُ استدراك ما فات وأوعزت إلى كريم كراي خان القرم أن يعلِنَ الحرب على روسيا، فأغار بخيله ورَجِلِه على إقليم سربيا الجديدة الذي عمرته روسيا، مع أن المعاهدات التي بينها وبين الدولتين تنصُّ على منع وصول المساعدة من خان القرم إلى بولونيا, وكانت نتيجةُ إغارة كريم كراي على هذه الولاية خرابًا كثيرًا من المستعمرات الروسية، وعودته بكثير من الأسرى، وتوفِّي قبل أن تنتهي الحرب التي استمرت حتى عام 1187هـ.
في أواخرِ القرن الثامن عشر الميلادي بدأت السفنُ الأمريكية بعد أن استقلَّت أمريكا عن إنجلترا سنة 1190هـ ترفعُ أعلامَها لأولِ مرَّةٍ سنة 1197هـ وتجوب البحارَ والمحيطات. وقد تعرَّض البحَّارة الجزائريون لسفن الولايات المتحدة، فاستولوا على إحدى سفنِها في مياه قادش، وذلك في رمضان 1199هـ ثم ما لَبِثوا أن استولوا على إحدى عشرة سفينةً أخرى تخصُّ الولايات المتحدة الأمريكية وساقوها إلى السواحِلِ الجزائرية. ولَمَّا كانت الولايات المتحدة عاجزةً عن استرداد سُفُنِها بالقوَّةِ العسكرية، وكانت تحتاجُ إلى سنوات طويلة لبناء أسطولٍ بحري يستطيعُ أن يواجه الأسطولَ العثماني اضطرَّت إلى الصُّلحِ وتوقيعِ معاهدة مع الجزائر في 21 صفر من هذا العام, وقد تضَمَّنت هذه المعاهدة 22 مادة مكتوبةً باللغة التركية، وهذه الوثيقةُ هي المعاهدة الوحيدة التي كُتِبت بلغة غير الإنجليزيةِ ووقَّعَت عليها الولايات المتحدة الأمريكية خلال تاريخِها الذي يتجاوزُ قرنين من الزمان، وفي الوقتِ نفسِه هي المعاهَدة الوحيدة التي تعهَّدت فيها الولايات المتحدة بدفعِ ضريبةٍ سنوية، وبمقتضاها استردَّت الولايات المتحدة أَسراها، وضَمِنَت عدم تعرض البحَّارة الجزائريين لسُفُنِها.
هو الإمامُ محمد شامل الداغستاني قائدٌ سياسي في شمال القوقاز وأحدُ أشهر المقاومين للوجودِ الروسي في بلاد القوقاز، ولِدَ عام 1797م في قرية غيمري، الداغستانية, وهو ثالِثُ أئمة الشيشان وداغستان من 1834 – 1859 م لقِّبَ بأسد القفقاس، وصقر الجبال. قاد المقاومةَ ضِدَّ الروس خلالَ حروب القوقاز حين اختاره المريدون بعد وفاةِ حمزة بيه في عام 1834م، فأعاد شامِلٌ تنظيمَ جيش ِالمريدين على نمطِ أعدائه الكوزاك بشكلٍ أشبه إلى التنسيق الاتحادي الحديث، فاستمَرَّت المقاومة بقيادة شامل في مسلسلٍ متوالي الحلقات بأسلوبِ حَربِ العصابات والكَرِّ والفَرِّ، إلى أن أسَرَه الروس في وقتٍ كان قد تخطَّى من عمره الستين سنةً، فقد أسَروه في حربٍ خاطفة خطَّطَ لها القائدُ الروسي بارياتسكي، فنُقِلَ الإمام شامل في رحلةٍ طويلة إلى موسكو في موكبٍ بدا وكأنَّه استعراضٌ عسكريٌّ بالبطل الذي سقط أخيرًا، وظل شامِلٌ في موسكو إلى عام 1869 حين أخلِيَ سبيلُه بشروط أهمُّها الجلاءُ عن البلادِ. فذهب إلى مكَّةَ لأداء فريضة الحجِّ، حيث توفِّيَ في المدينة ودُفِن بالبقيع.
في الجزائر انطلق محمد المقراني مجاهدًا في سبيل الله ثائرًا على المغتصبين الفرنسيين الصليبيين، مدافعًا عن حقوق العباد، فزحف على بلدة البرج في تاريخ 28 ذي الحجة 1287هـ / 16 آذار 1871م وفي الوقت نفسِه أمر أخاه بو مرزاق بالتحرُّك في منطقة سور الغزلان، وابنَ عمِّه وصهرَه السعيد بن داود بالتحرُّك في منطقة الحضنة وبلاد أولاد نائل، وابنَ عمه الثاني بوزيد بن عبد الرحمن بالزحف إلى البرج مع خمسة عشر ألف مقاتل لدعم الثورة، غير أنه فَشِل في دخول بلدة البرج بعد حصار دام عدة أيام، ثم انتشرت ثورةُ المقراني عبر العديدِ مِن مناطق الشرق الجزائري. إلى أن اغتاله الفرنسيون سنة 1288ه ومع أنَّ ثورته لم تدُمْ كثيرًا لكنها تعتبَرُ من أكبر حركات المقاومة الجزائرية ضِدَّ الفرنسيين؛ إذ تولى قيادتَها بعد مقتل المقراني أخوه أبو مزراق، واشترك فيها أكثر من مائتي ألف مجاهد، وخاضوا أكثر من ثلاثمائة وأربعين معركة، وعمل ضدهم ما يزيد على ثمانمائة ألف مقاتلٍ فرنسي.
قرَّرت بريطانيا أن يكونَ شرق الأردن دولةً مُتمتِّعةً بالحكم الذاتي، يحكُمُها الأمير عبد الله بن حسين بن شريف مكةَ، بعد مقابلته لوزير المستعمرات البريطاني وينستون تشرشل، تمَّ الاتفاق بأن تقومَ في شرقي الأردن إمارةٌ ذاتُ حكومة تتمتَّعُ بالاستقلال الإداري وتسترشِدُ برأي المفوض السامي الإنجليزي في القدس، وتتقاضى من إنجلترا معونةً سنوية، فوقَّع الأميرُ عبد الله بن الحسين على صكِّ الانتداب البريطاني على شرق الأردن، فأعلَنَ عن تأسيس إمارة شرق الأردن تحت حُكمِ الأمير عبد الله بن الحسين، ثم تمَّ إنشاء حكومة دستورية في 11/4/1921م، وكان أوَّلُ رئيس لها رشيد طليع، وبذلك اختفت الحكوماتُ المحلية واندمجت في حكومةٍ واحدة هي حكومةُ إمارة شرقي الأردن، وماطلت بريطانيا في الاعترافِ بحكومة شرق الأردن حتى 25 أيار 1923 بعد الاعترافِ الرسميِّ مِن قِبَل المندوب السامي البريطاني بالحكومة الأردنية، وتمَّ تحديدُ حدود إمارة شرق الأردن التي كانت مُبهمةً وقت إعلان قيام الإمارة سنة 1921م.
كانت جيبوتي (الصُّومال الفرنسي) تحت الاحتلال الفَرَنْسي الذي سامها سوءَ العذاب، ثم بعد الحرب العالمية الثانية جرى التَّصويت على دستور ديغول الخاصِّ بالمستعمرات الفرنسية، وتدخلت فرنسا بالاستفتاء لصالح قَبول الدُّستور، فأصبحت جيبوتي ضمن المجموعة الفرنسيَّة، وفي منتصف عام 1378هـ قامت مظاهراتٌ تطالب بالاستقلال الكُلِّي وتندِّد بالاستفتاء الذي لم يكن حرًّا، وجرى إضراب عامٌّ للعمال، ولكنْ قُمِع بالبطش وبقي أمرُ البلاد تحت النفوذ الفرنسي، وأُعيد تسمية المنطقة من الصومال الفرنسي إلى المنطقة الفرنسية عفر وعيسى (وهما اسما قبيلتينِ فيها)، ثم تمَّ الاتفاق أخيرًا على إجراء استفتاء شَعْبي على الاستقلال، وفي الوقت نفسه تجري انتخاباتٌ لمجموعة من النُّوَّاب في جمادى الأولى 1379هـ / أيار 1977م، وأن الاستقلال يجب أن يتبع ذلك، وبعد شهر اتَّفقت الأحزاب جميعُها على أن يضمَّها حزب واحد يحمل اسمَ التجمُّع الشَّعبي من أجل الاستقلال، وجرى الاستفتاءُ الذي أظهر التأييد التامَّ للاستقلال، وانتُخِب حسن جوليد أبتدون رئيسًا للجمهورية، وأصبحت جيبوتي مستقلة بدءًا من 11 رجب / 27 حزيران.
خرج عبدُ الرحمن بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ببلادِ عَكٍّ من اليمن، يدعو إلى الرضا من آل محمد, وكان خروجُه من سوءِ سيرةِ عاملِ اليمَنِ، فبايعه خلقٌ، فوجه إليه المأمونُ لحَربِه دينارَ بن عبد الله، وكتب معه بأمانِه، فحَجَّ دينار ثم سار إلى اليمَنِ حتى قرُبَ من عبد الرحمن، وبعث إليه بأمانِه فقَبِلَه وعاد مع دينارٍ إلى المأمون.
أرسل بركة خان المغولي رسلًا إلى السُّلطان الظاهر بيبرس يطلُبُ منه أن يتحالَفَ معه ضِدَّ هولاكو، وخاصَّةً أنه قد أسلَمَ ووقَعَ بينه وبين هولاكو من الخلافِ، فأكرم الظاهِرُ بيبرس الرسُلَ، ثمَّ أرسل هو بدوره رسلًا إلى بركة خان يعرِّفُه بموافقته على هذا الأمر مِن تحالُفِهما ضد هولاكو، وكتب الظاهِرُ إلى ملك شيراز وأهل تلك الديار، وإلى عرب خفاجة، يستحثُّهم على قتالِ هولاكو مَلَكِ التتار، وأن الأخبارَ قد وردت من البحرِ بكَسرِ الملكِ بركة له غيرَ مَرَّة.
أدرك الإمامُ عبد العزيز بن محمد بن سعود، الذي نجحت جيوشُه في القضاءِ على ثوراتِ الخرج والقصيم أهميةَ منطقة جبل شمر لتأمين حدود دولتِه من الشمال، وأدرك أيضًا أهميتَها الاقتصادية؛ حيث تزدهِرُ فيها الزراعة، بالإضافة إلى علاقتِها التجارية بالعراقِ والبلاد المجاورة؛ لذا عزم على إخضاعِ أُمرائها آل علي لنفوذِ دولةِ الدرعية، فأرسل إليها الحَمَلاتِ تِباعًا، حملةً تلو حملة، واستمَرَّت تلك العملياتُ العسكرية إلى أن خضعت المنطقةُ لدولة الدرعية.
ثورةُ رشيد عالي الكيلاني هي سلسلةُ الأحداث الدستورية التي تصاعدت بسببِ تضارُبِ مدارس الحُكم الملكي في العراق وتياراتِه ما بين التيارِ الوطني الثوري التحرري، والتيار الليبرالي الميَّال لممالأة الإنجليز، في وقت كان العراقُ يمثِّل زعامةً ومدرسةً سياسيةً يُعتَدُّ بها في المنطقة العربية، فلما تفاقمت الأمورُ في الحكومة العراقية وتأزَّمت بسبب موقِفِ العراق من الحرب العالمية الثانية وموقِفِها من الدول المتحارِبة، وكذلك بسبب رفض إنجلترا تسليحَ العراق، شعرت إنجلترا بما يُساوِرُ نفوس العراقيين وما يختَلِجُها من الاستياء من سياستها في العراق، وكرههم للحكومة العراقية الموالية للمحتَلِّ ودورانها في فلَكِها، فأرادت بريطانيا أن تُخفِّفَ من وطأة هذه الكراهية عليها وعلى أعوانها، ورأت أن تُسلِّمَ الحُكمَ للمعارضة، وقد برز بين رجال المعارَضة رشيد عالي الكيلاني -المعروف بوطنيته وعدم ارتياحه للإنجليز- وأن تعمَلَ ما في وُسعِها ليدورَ في فلَكِها، وربما يحدِثُ هذا فيما إذا قرَّبه أعوانُها، وأظهرت رضاها عن ذلك، ولَمَّا لم تستطع تنفيذَ خططها بجَلبِه إلى دائرة سياستها أبرزت كيفيةَ تسلُّم الكيلاني الحكم، وأنه قد تمَّ عن ترشيح أصدقائها. وتبعًا لهذا فقد رشَّحه نوري السعيد والوصي معًا لتسلُّم السلطة، غير أن رشيد الكيلاني لم يعتَمِدْ على هذا الترشيح، وإنما كان يرتكِزُ على قاعدة قوية؛ فالشعبُ يَدعَمُه، والجيش يُؤيِّدُه، وإضافةً إلى هذا فقد أخذ تعهدًا من رجال السياسة سواء الذين يناوِئونه؛ أمثال نوري السعيد، وتوفيق السويدي، وعلي جودت الأيوبي، وجميل المدفعي، أم الذين يؤيدونَه؛ أمثال ناجي شوكت، وناجي السويدي. ورُفِعَ هذا التعهُّد إلى الوصي فأيَّده، وبذا كانت الأرضُ التي يقف عليها رشيد عالي الكيلاني صلبةً، وخاب فألُ إنجلترا من كل النواحي؛ فمن ناحية ابتهج الشعب به، وضَمِنَ سلامة الخط، فأبدى الكيلاني مُعارضتَه للسياسة البريطانية، وأخذ يُصرِّح بذلك، ومن ناحية ثانية لم تستطع إنجلترا جرَّ رشيد عالي الكيلاني إلى سياستها، بل أبدى قوَّةً في الشخصية، وأظهر استقلاليَّتَه؛ حيث رفض قطْعَ العلاقة مع إيطاليا التي أعلنت الحربَ ضِدَّ إنجلترا وفرنسا، وهذا ما أغضب إنجلترا أشَدَّ الغضب؛ إذ أحسَّت أن العراقَ ليست تحت نفوذها، ولا تسيرُ برأيها، غيرَ أنَّه من الجانب الآخر قد ألهب هذا التصرُّفُ الشعبَ في العراق حماسةً لموقِفِ حكومته، وهذا ما زاده مُعارضةً للسياسة الإنجليزية. وانهارت فرنسا أمام الألمان، فطار الشعبُ فرحًا ليس حبًّا بالألمان، ولكن كرهًا لفرنسا ولسياستها الاستعمارية، وفي الواقع فقد زادت الدعايةُ لدول المحور في العراق رغبةً في هزيمة الحلفاء، ولم تُقصِّر المفوضية الإيطالية بذلك، وحتى توقعت إنجلترا أن تستأنِفَ العراق عَلاقتها مع ألمانيا، وهذا ما خَشِيَته أشدَّ الخشية، واستشاطت إنجلترا غضبًا وأخذت تعمل للتخلُّص من حكومة رشيد عالي الكيلاني، وكان لها ما أرادت؛ إذ أوعزت إنجلترا لأعوانها بالانسحاب من الوزارة، فكان عليها أن تستقيلَ وتُفسِحَ المجالَ لحكومة جديدة وأرادت إنجلترا أن تخرُجَ من المأزق الذي وقَعَت فيه بتسليم رشيد الكيلاني الحكم، وأرادت أن تخرجَ من المأزق بهدوءٍ ولا تعطي السلطةَ لأحدِ أعوانها؛ فقد يؤدى إلى مظاهرات وربما تندلع ثورة، وبمجرد أن طلب الوصيُّ من الكيلاني أن يقَدِّمَ استقالة حكومته حتى اهتَزَّ الوضع وتحرَّك الجيشُ وقامت مظاهراتٌ تطالب بتحقيق رأي الكيلاني بحَلِّ المجلس النيابي، وإجراء انتخابات جديدة، وتشَكَّلت وزارة طه الهاشمي، وهو قريب من المعارضة، وفي الخامس من ربيع الأول 1360هـ اجتمع في معسكر الرشيد رشيد علي الكيلاني: رئيس الحكومة، واللواء أمين زكي: رئيس الأركان، وبعض الضباط، وأعلنوا الاستنفارَ بالمعسكر وقرَّروا القيام بانقلابٍ إذا رفضت حكومةُ طه الهاشمي الاستقالةَ، وهي الحكومة التي ترضى عنها بريطانيا ويؤيِّدُها الوصيُّ على الملك عبد الإله بن علي، ثمَّ طلبوا منه التفاهُمَ مع الكيلاني لتشكيل وزارة جديدة، فأبى ثم أُجبِرَ على الاستقالة، ولما أُعلِمَ الوصي بذلك هرب متسللًا ودعا طه أعضاء وزارته للاجتماع به، وكان الجيش قد دخل المدينةَ وسيطر على المداخل الرئيسة وحاصر قصر الوصي الذي هرب منه، ثم في صباح 6 من ربيع الأول ذهب رشيد الكيلاني إلى دار طه لإقناعه بالانضمام لحركتِهم فوجدوا الوزارةَ ما زالت مجتَمِعةً، فجرى نقاشٌ حادٌّ ثم اجتمع الرأي على إبقاء الوزارة في الحكمِ، وألا يتدخَّل الجيش في السياسة، ويتعهد المدنيون والعسكريون على السواء بأن يقبَلوا بما يتم الاتفاق عليه، ويُطلَب من الوصي العودة للعاصمة، الذي كان قد انتقل إلى البصرة، ثم عاد رشيد الكيلاني والضباط فسَحَبوا الثقة من حكومة طه، وقرَّر الجيش تحمُّل المسؤولية في هذه المرحلة الحَرِجة, وقام رشيد باستدعاء المستشار الإنجليزي بوزارة الداخلية، وأعلمه أن حكومة طه الهاشمي استقالت والوصي غائب، وبذلك فالجيش هو مصدرُ السلطة، وقد أوكل الجيشُ لرشيد الأمرَ وهرب الوصي ومن معه إلى فلسطين، وتمَّ عَزلُ الوصي عبد الإله، وتعيين وصي جديد هو الشريف شرف الذي قَبِلَ استقالة حكومة طه الهاشمي، وسُرَّ الشعب بحركة رشيد عالي الكيلاني، وأما إنجلترا فقد عَدَّت هذا عملًا غير مشروع فقررت التخلُّصَ من حركته بالقوة، فطلبت من الهند إرسالَ قوات فنزلت رغم أنف الحكومة الجديدة، وحاصر الجيشُ العراقي قاعدةَ الحبانية الجوية، وفي 5 ربيع ثاني وزَّعت السفارة البريطانية منشورًا تتهم فيه الكيلاني وقادةَ الجيش أنهم باعوا أنفسهم للألمان والطليان، وأنها خوَّلت سفيرها اتخاذ ما يراه مناسِبًا، وفي الغد صباح 6 ربيع الثاني بدأ الهجومُ الجوي الإنجليزي وضَرْب المواقع العراقية وقصَفَت معسكر الرشيد، وأعلن المفتي الفلسطيني الجهادَ، وجاءت قواتٌ ألمانية تُعِين العراقيين بحكم عدائها لبريطانيا ضِمنَ الحرب العالمية الثانية إلَّا أنَّ قَصْفَها ليس جادًّا بالنسبة لَمَّا عُرٍف عن السلاح الجوي الألماني، ثم تدخَّلت قوات برية إنجليزية من الأردن، فقام رشيد الكيلاني بتشكيلِ لجنة الأمن الداخلي واتصل بالسياسيين لوقف القتال، وفي 6 جمادى الأولى رحل رشيد الكيلاني ومفتي فلسطين وغيرهم إلى طهران، وفي 7 جمادى الأولى وافق أمينُ العاصمة أرشد العمري على شروطِ هدنة قاسية على العراقيين؛ لأنَّهم لم يعودوا قادرين على مقاومة الإنجليز، فلم يكن لهم خيارٌ غير القبول بالهدنة، وعاد الوصي عبد الإله ونوري السعيد ومن معهما من أعوان الإنجليز إلى بغداد على متن طائرة بريطانية، وبهذا انتهت حركةُ رشيد عالي الكيلاني التي تعلَّقَت بها آمال العراقيين في التخَلُّص من الاستعمار البريطاني بمساعدة أعداء بريطانيا المتمَثِّل في الألمان والطليان.
خرج حمزةُ بن أترك السجستاني الخارجيُّ في خراسان، فجاء إلى بوشنج، فخرج إليه عَمرَوَيه بن يزيد الأزدي، وكان على هراة، في ستةِ آلاف، فقاتَلَه فهزمه حمزة، وقتَلَ مِن أصحابه جماعةً، ومات عَمرَويه في الزحام، فوجَّه عليُّ بن عيسى- وهو أميرُ خراسان- ابنَه الحُسَينَ في عشرة آلاف، فلم يحارِبْ حمزة، فعَزَله وسَيَّرَ عِوَضَه ابنَه عيسى بن علي، فقاتل حمزة، فهَزَمه حمزةُ، فرَدَّه أبوه إليه أيضًا فقاتله بباخرز، وكان حمزةُ بنيسابور، فانهزم حمزةُ، وبَقِيَ أصحابه، وبقي في أربعينَ رَجُلًا فقَصَد قهستان. وأرسل عيسى أصحابَه إلى أوق وجوين، فقَتَلوا مَن بها من الخوارج، وقصَدَ القرى التي كان أهلُها يُعِينون حمزة، فأحرَقَها وقتَلَ مَن فيها حتى وصل إلى زرنج، فقتَلَ ثلاثين ألفًا ورجَعَ عيسى بن علي، وخلف بزرنج عبد الله بن العباس النسفي، فجبى الأموالَ وسار بها، فلَقِيَه حمزةُ بنُ أترك بأسفزار، فقاتله، فصبَرَ له عبد الله ومن معه من الصغد، فانهزم حمزةُ، وقُتِل كثيرٌ من أصحابه، وجُرِحَ في وجهه، واختفى هو ومن سَلِمَ من أصحابه في الكروم، ثم خرج وسار في القُرى يَقتُل ولا يُبقي على أحدٍ. وكان علي بن عيسى قد استعمَلَ طاهر بن الحسين على بوشنج، فسار إليه حمزةُ، وانتهى إلى مكتبٍ فيه ثلاثون غلامًا فقَتَلهم وقتَلَ مُعَلِّمَهم، وبلغ طاهرًا الخبَرُ، فأتى قريةً فيها قُعَّدُ الخوارجِ- وهم الذين لا يُقاتِلونَ، ولا ديوانَ لهم- فقَتَلهم طاهِرٌ وأخذ أموالَهم، وكان يشُدُّ الرجُلَ منهم في شجرتين، ثم يجمَعُهما ثمَّ يرسِلُهما، فتأخذ كلُّ شَجرةٍ نِصفَه، فكتب القُعَّدُ إلى حمزةَ بالكَفِّ، فكَفَّ وواعَدَهم، وأمِنَ النَّاسُ مدَّةً، وكانت بينه وبين أصحابِ عليِّ بنِ عيسى حروبٌ كثيرةٌ، حتى غُلِبَ وفَرَّ إلى كابل.