هو السلطانُ أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن مخلوف بن زيدان، الملقَّب بالقائم بأمر الله، عميد الأسرة السعدية وسلطان المغرب. كان قد نشأ على عفافٍ وصلاحٍ وحجٍّ للبيت الحرام، وقيل: كان مجابَ الدعوةِ، من قرَّاءِ القرآن، ومن أهلِ العلمِ والدين، ولم يكن من بيت الرياسةِ، وكان له اطِّلاعٌ على تواريخ قُطره وعوائدِ جيله وأخلاقهم وطبائعهم، ورأى ما وصل إليه مُلكُ بني وطاس بالمغرب من الانحطاط والضعف، وتيقَّن أنَّه لا يصعب عليه تناولُه، فأعمل في ذلك فِكرَه وصار يحضُّ الناسَ على القيام بأمور دينهم والامتعاض لها، حتى ولي الأمرَ عندما بايعَتْه قبائل المغرب على حربِ البرتغال، وقدَّمت كلُّ قبيلة له عشرةَ رجال من أبنائها, فلما قضى الله ببيعته واجتماع الناس عليه، واطمأنت به في البلاد السوسية الدار وطاب له بها المقام والقرار؛ ندب الناس إلى بيعةِ أكبر ولديه، وهو الأمير أبو العباس أحمد المعروف بالأعرج، فبايعوه, ثم وفد على القائمِ بأمر الله أشياخُ حاحة والشياظمة لِما بلغهم من حسن سيرته ونصرة لوائه، فشَكَوا إليه أمر البرتغال ببلادهم, وشِدَّة شوكته واستطالته عليهم، وطلبوا منه أن ينتقل إليهم هو وولده ولي العهد، فأجابهم إلى ذلك ونهض معهم هو وابنه أبو العباس إلى الموضع المعروف بآفغال من بلاد حاحة، وترك ولده الأصغر أبا عبد الله محمد الشيخ بالسوس يرتِّب الأمور ويمهِّد المملكة ويباكر العدو بالقتال ويراوحه، واستمر الأمير أبو عبد الله القائم بمكانه من آفغال ببلاد حاحة مسموعَ الكلمة متبوعَ العقب إلى أن توفي بها وهو يجاهد النصارى الإسبان والبرتغال، ودفن بها ثم نقل إلى مراكش.
هو الملِكُ محمد نادر شاه بن محمد يوسف خان بن محمد يحيى خان؛ شاه أفغانستان. وكان جده الأكبر سلطان محمد خان شقيق الأمير دوست محمد خان؛ المؤسس الأوَّل لأسرة البركزاية في أفغانستان، وهو الذي باع بيشاور إلى السيخ. ولِدَ محمد نادر في ديرادون شمال الهند سنة 1883م. دخل نادر أفغانستان في سن 18 عندما سُمِحَ لجده يحيى خان بالعودة من المنفى، وفي عهد أمان الله خان دخل نادر شاه العسكريةَ سنة 1919م، وشارك في حرب الإنجليز، وبعد الحرب عيَّنه أمان الله سفيرًا في فرنسا, وفي عام 1929م اندلعت فوضى ضِدَّ الملك أمان الله، فقام ابن السقَّا أحد قطَّاع الطرق الطامعين باستغلال الأحداث، فاستولى على كابل، وفَرَّ الملك إلى قندهار وتنازل لأخيه الأكبر عناية الله، ولم يستطع عنايةُ الله مواجهةَ ابنِ السقا الذي تملَّكَ باسم حبيب الله غازي، وأخذ يعيث فسادًا في أفغانستان قرابة التسعة أشهر، حتى تمكَّن محمد نادر شاه -القائد الأفغاني الذي انتصر على الإنجليز سابقًا- من إلقاء القبض على ابنِ السقَّا وأعدَمَه، وتسلَّم أعباءَ الحكمِ، وساعده على ذلك سيرتُه الحميدة أمام الناس، وجهادُه المعروف ضد الصليبيين من روس وإنجليز، فقضى على الفوضى والفساد والرِّشوة، وقَدَّم خِدماتٍ واسعةً للبلاد، فأصلح البلادَ وحَسَّنها، ولكِنَّ أحد أبناء الذين شَمِلَهم الإعفاء من المناصب قام باغتيال الشاه محمد نادر انتقامًا لأبيه وحِقدًا على من قضى على أخذ الأموال بصورة غير شرعية بعد أن كانوا يتكسَّبون بذلك، فتسلَّم الحكمَ بعده ابنه محمد ظاهر شاه الذي لم يكن يزيد عمره على التاسعة عشرة.
أَرْسَل الحَجَّاجُ إلى رتبيل مَلِك التُّرْك جيشًا بِقِيادة والي سجستان عُبيد الله بن أبي بَكْرة، وأَمَره أن يَتوغَّل في بلاد رتبيل وأن يَدُكَّ حُصونَهم وقِلاعَهم، تأديبًا لترتبيل لتَمَرُّدِه بِعَدم دَفْع الجِزْية أحيانًا، أو اسْتِغلال اضْطِرابات المسلمين، فتَمَكَّن عُبيد الله مِن هَزيمة رتبيل واجْتِياح بِلادِه وغَنِمَ غنائمَ كثيرة؛ ولكنَّ رتبيل أَخَذ في التَّقَهْقُر فأَطْمَع المسلمين في اللِّحاق به حتَّى وصلوا قريبًا مِن مَدينتِه العُظمى، عند ذاك بدأ التُّرْك يُغْلِقون على المسلمين الطُّرُق والشِّعاب وحَصروهُم وقُتِلَ عامَّة جَيْش المسلمين، وقُتِلَ عُبيد الله بن أبي بَكْرة.
عقد السَّفَّاح عبدُ الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس لأخيه أبي جعفرٍ عبدِ الله بن محمَّد بالخلافة مِن بعدِه، وجعله وليَّ عهد المسلمين، ومِن بعد أبي جعفرٍ ولد أخيه عيسى بن موسى بن محمد بن علي، وجعل العهدَ في ثوبٍ وخَتَمه بخاتمه وخواتيمِ أهل بيته، ودفعه إلى عيسى بن موسى. فلما توفي السفَّاح كان أبو جعفر بمكَّة، فأخذ البيعةَ لأبي جعفرٍ عيسى بن موسى، وكتب إليه يُعلِمُه وفاة َالسفَّاح والبيعةَ له بعد أن دامت خلافةُ السفَّاح أربع سنين.
عمِلَ أبو عبد الله الشيعيُّ على تنظيم جماعتِه، حتى التزموا طاعتَه، ثم بدأ في سنة (289هـ - 901م) في مهاجمةِ دولة الأغالبة، التي دَبَّ فيها الضَّعفُ؛ بسبب سوء وضعِ آخِرِ حكامِها زيادةِ الله الثالثِ الذي قَتَل والِدَه وقرابته، مع انهماكه في اللَّهوِ، ودخل معها في عِدَّة معارِكَ وتوالت انتصاراتُ أبي عبدالله الشيعيُّ على دولة الأغالبة خاصةً بعد هرب زيادةِ الله إلى مصر، فسَقَطَت في يد أبي عبدالله الشيعيِّ قرطاجنَّة، وقسنطينة، وقفصة، ودخل رقادة عاصمة الأغالبة عام 296هـ - 26 من مارس 909م). وبذلك انتهت دولة الأغالبةِ بشَمالِ أفريقيا وتهيَّئَت البلادُ لقيامِ دولة الفاطميِّينَ.
هو المنصورُ بالله أبو الطاهرِ إسماعيلُ بنُ القائم أبي القاسم محمَّد بن عُبَيد الله المهدي، بويع يومَ وفاةِ أبيه القائم، وكان بليغًا فصيحًا يرتجِلُ الخُطَب. كانت خلافتُه سبعَ سنينَ وستَّة عشر يومًا، وكان سببُ مَوتِه أنَّه مَرِضَ من البردِ الشديدِ، فلازَمَه السهرُ حتى لا يستطيعَ النَّومَ أبدًا، فداواه أحد الأطباء بدواءٍ منوِّمٍ فمات منه، ولَمَّا مات وَلِيَ الأمرَ بعده ابنُه معد، وهو المعِزُّ لدين الله، وأقام في تدبير الأمور إلى سابع ذي الحجة، فأذِنَ للناس فدخلوا عليه، وجلس لهم، فسَلَّموا عليه بالخلافة، وكان عمره أربعًا وعشرينَ سنة.
جهَّز أبو فارس عبد العزيز بن أبي العباس أحمد صاحب تونس وبلاد إفريقية وملك الحفصيين ابنَه المعتمد أبا عبد الله محمدًا، من بجاية في عسكر إلى مدينة تلمسان، فحارب مَلِكَها أبا عبد الله عبد الواحد بن أبي محمد عبد الله بن أبي حمو موسى ملك بني زيان حروبًا كثيرة، حتى ملكها في جمادى الآخرة، وخطب لنفسه ولأبيه، فزالت دولة بني عبد الواد من تلمسان بعدما ملكت مائة وثمانين سنة، وولَّى على تلمسان الأمير الزياني محمد بن أبي تاشفين عبد الرحمن الثاني.
هو محمد عبد الله حسن نور صومالي، قاد الجهاد ضِدَّ الاحتلال الإنجليزي والإيطالي والأثيوبي في مطلع القرنِ العشرينَ، وُلِدَ سنة 1856م، سماه الإنجليز «الملا المجنون» عندما واجه الاستعمارين البريطاني والإيطالي، واستطاع أن يقاوم المستعمرين لمدة عشرين عامًا، كبَّدهم أثناءها الخسائِرَ الفادحة، وانتزع حقَّ السيادة على مناطِقَ عديدة، خاض محمد بن عبد الله 270 موقعة في الجهاد ضدَّ البريطانيين انتصر في معظمها. في العام 1920م تعرض محمد بن عبد الله لقصف من الطيران البريطاني استهدف مواقِعَهم في مدينة جالكاسيو غرب الصومال، فاستطاع أن يصِلَ إلى أثيوبيا ثم توفِّيَ فيها.
سَيَّرَ عبدُ الملك بن مَرْوان الحَجَّاج بن يوسُف الثَّقفيَّ إلى عبدِ الله بن الزُّبير رضي الله عنه، وبعَث معه له أمانًا إنْ هو أطاعَ، فبَقِيَ الحَجَّاج مُدَّةً في الطَّائفِ يَبعَثُ البُعوثَ تُقاتِل ابنَ الزُّبير وتَظْفَرُ عليه. فكتَب الحَجَّاجُ إلى عبدِ الملك يُخبِرُه: بأنَّ ابنَ الزُّبير قد كَلَّ وتَفَرَّق عنه أَصحابُه, ويَسْتَأذِنُه بمُحاصَرةِ الحَرَمِ ثمَّ دُخولِ مكَّة، فأَمَدَّهُ عبدُ الملك بطارِقِ الذي كان يُحاصِر المدينةَ، ولمَّا حَصَرَ الحَجَّاجُ ابنَ الزُّبير نَصَبَ المَنْجَنيقَ على أبي قُبَيْسٍ ورَمَى به الكَعبةَ، وكان عبدُ الملك يُنْكِر ذلك أيَّامَ يَزيدَ بن مُعاوِيَة، ثمَّ أَمَرَ به، وحَجَّ ابنُ عُمَرَ رضِي الله عنهما تلك السَّنةَ فأَرسَل إلى الحَجَّاجِ: أنِ اتَّقِ الله، واكْفُفْ هذه الحِجارةَ عن النَّاسِ؛ فإنَّك في شَهْرٍ حَرامٍ وبَلَدٍ حَرامٍ، وقد قَدِمَت وُفودُ الله مِن أَقطارِ الأرضِ لِيُؤَدُّوا فَريضةَ الله ويَزْدادوا خيرًا، وإنَّ المَنْجنيق قد منعهم عن الطَّوافِ، فاكْفُفْ عن الرَّمْيِ حتَّى يَقْضوا ما يجب عليهم بمكَّة. فبَطَّلَ الرَّمْيَ حتَّى عاد النَّاسُ مِن عَرَفات وطافوا وسَعَوْا، ولم يَمْنَعْ ابنُ الزُّبير الحاجَّ مِن الطَّوافِ والسَّعْيِ، فلمَّا فرَغوا مِن طَوافِ الزَّيارةِ نادَى مُنادِي الحَجَّاجِ: انْصَرِفوا إلى بِلادِكم، فإنَّا نَعودُ بالحِجارَةِ على ابنِ الزُّبيرِ المُلْحِدِ. فأصاب النَّاسَ بعد ذلك مَجاعةٌ شديدةٌ بسَببِ الحِصارِ، فلمَّا كان قُبَيْلَ مَقْتَلِه تَفَرَّقَ النَّاسُ عنه، وخَرجوا إلى الحَجَّاجِ بالأمانِ، خرَج مِن عنده نحو عشرةِ آلاف، وكان ممَّن فارَقَه ابْناهُ حَمزةُ وخُبيبٌ، وأَخَذا لِأَنْفُسِهما أَمانًا، فقال عبدُ الله لابْنِه الزُّبيرِ: خُذْ لِنَفسِك أمانًا كما فعل أَخَواك، فَوَالله إنِّي لأُحِبُّ بَقاءَكُم. فقال: ما كنتُ لِأَرْغَبَ بِنَفسِي عنك. فصَبَر معه فقُتِلَ وقاتَلهم قِتالًا شديدًا، فتَعاوَرُوا عليه فقَتَلوهُ يومَ الثُلاثاءِ مِن جُمادَى الآخِرة وله ثلاثٌ وسبعون سَنةً، وتَوَلَّى قَتْلَهُ رجلٌ مِن مُرادٍ، وحمَل رَأسَهُ إلى الحَجَّاج، وبعَث الحَجَّاجُ بِرَأسِه، ورَأسِ عبدِ الله بن صَفوان، ورَأسِ عُمارةَ بن عَمرِو بن حَزْمٍ إلى المدينةِ، ثمَّ ذهَب بها إلى عبدِ الملك بن مَرْوان، وأخَذ جُثَّتَهُ فصَلَبَها على الثَّنِيَّةِ اليُمْنَى بالحُجُونِ، ثمَّ بعدَ أن أَنْزَلَهُ الحَجَّاجُ عن الخَشبةِ بعَث به إلى أُمِّه، فغَسَّلَتْهُ، فلمَّا أَصابَهُ الماءَ تَقَطَّعَ، فغَسَّلَتْهُ عُضْوًا عُضْوًا فاسْتَمْسَك، وصلَّى عليه أخوه عُروةُ، فَدَفَنَتْهُ.
هو العزيزُ صاحِبُ مِصرَ أبو منصور نزار بن المعِزِّ معد بن إسماعيل العبيدي المهدي المغربي. ولِدَ سنة 344. قام بعد أبيه في ربيع الأول، سنة 365. وكان كريمًا شُجاعًا صفوحًا، أسمَرَ أصهَبَ الشَّعرِ أعيَنَ أشهَلَ، بعيدَ ما بين المَنكِبَينِ، حسنَ الأخلاقِ قَريبًا من الرَّعيَّة، مُغرَمًا بالصيدِ، ويُكثِرُ مِن صيد السِّباعِ، ولا يُؤثِرُ سَفكَ الدماء. فُتحِتَ له حلب وحماة وحِمص. وخطب أبو الذواد محمَّد بن المسيب بالموصِلِ له، ورقَمَ اسمَه على الأعلامِ والسِّكَّة سنة 383، وخُطِبَ له أيضًا باليمن والشام ومدائن المغرب. قال الذهبي: "كانت دولةُ هذا الرافضيِّ أعظَمَ بكثيرٍ مِن دولةِ أمير المؤمنين الطائعِ ابنِ المطيعِ العباسي". وقد اشتُهِرَ في مصر أنَّ نسَبَ العُبَيديين إلى آلِ البيتِ غيرُ صَحيحٍ, قال ابنُ خَلِّكانَ: "وأكثر أهل العلم بالنَّسَبِ لا يصحِّحونَه، وصار هذا الأمرُ كالمستفيضِ بين الناسِ". وفي مبادي ولاية العزيزِ صَعِدَ المنبرَ يوم الجمعة فوجد ورقةً مكتوبٌ فيها:
إنَّا سَمِعْنا نسبًا مُنكَرًا... يُتلى على المِنبَرِ في الجامِعِ
إنْ كنتَ فيما تدَّعي صادقًا... فاذكُرْ أبًا بعد الأبِ الرَّابعِ
وإن تُرِدْ تحقيقَ ما قُلتَه... فانسُبْ لنا نفسَك كالطَّائِعِ
أو لا دَعِ الأنسابَ مَستورةً... وادخُلْ بنا في النَّسَبِ الواسِعِ
فإنَّ أنسابَ بني هاشمٍ... يقصُرُ عنها طَمَعُ الطَّامِعِ
وصَعِدَ العزيز يومًا آخَرَ المنبرَ، فرأى ورقةً فيها مكتوبٌ:
بالظُّلمِ والجَورِ قد رَضِينا... وليس بالكُفرِ والحَماقهْ
إن كنتَ أُعطِيتَ عِلمَ غَيبٍ... فقُلْ لنا كاتِبَ البِطاقَهْ
وإنما كُتِبَ هذا لأنَّ العُبَيديِّينَ كانوا يدَّعونَ عِلمَ المُغَيَّبات، وأخبارُهم في ذلك مشهورة. توفِّيَ العزيزُ للَيلتَينِ بَقِيَتا من رَمضانَ، بمدينة بلبيس، وكان برَزَ إليها لغَزوِ الرُّومِ، فلَحِقَه عِدَّةُ أمراضٍ منها النقرس والحصا والقولنج، فاتصَلَت به الأمراضُ إلى أن مات، وكان حُكمُه إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفًا، ولَمَّا مات العزيز ولِيَ بعدَه ابنُه أبو عليٍّ المنصورُ، ولُقِّبَ الحاكِمَ بأمرِ الله، بعَهدٍ مِن أبيه، فوَلِيَ وعُمُره إحدى عشرة سنة وستة أشهر، وأوصى العزيزُ إلى أرجوان الخادم، وكان يتولَّى أمرَ دارِه، فجعله مُدَبِّرَ دولةِ ابنه الحاكمِ، فقام بأمْرِه، وبايعَ له، وأخذ له البيعةَ على النَّاسِ.
هو أميرُ مكة، قتادة بن إدريس العلوي، الحسني. كان في أول ملكه، لَمَّا ملك مكة، حرسها الله، حسنَ السيرة أزال عنها العبيد المفسِدين، وحمى البلاد، وأحسن إلى الحُجَّاج، وأكرمهم، وبقي كذلك مدة، ثم إنه بعد ذلك أساء السيرة، وجدد المكوسَ بمكة، وفعل أفعالًا شنيعة، ونهب الحاجَّ في بعض السنين، وقيل في موت قتادة إن ابنه حسنًا خنقه فمات، وسبب ذلك أن قتادة جمع جموعًا كثيرة وسار عن مكة يريد المدينة، فنزل بوادي الفرع وهو مريض، وسير أخاه على الجيش ومعه ابنه الحسن بن قتادة، فلما أبعدوا بلغ الحسن أن عمه قال لبعض الجند: إن أخي مريض، وهو ميت لا محالة، وطلب منهم أن يحلفوا له ليكون هو الأمير بعد أخيه قتادة، فحضر الحسن عند عمه، واجتمع إليه كثير من الأجناد والمماليك الذين لأبيه، فقال الحسن لعمه: قد فعلتَ كذا وكذا، فقال: لم أفعل؛ فأمر حسن الحاضرين بقتلِه، فلم يفعلوا، وقالوا: أنت أميرٌ وهذا أمير، ولا نمد أيدينا إلى أحدكما، فقال له غلامان لقتادة: نحن عبيدُك، فمُرْنا بما شئت؛ فأمرهم أن يجعلا عمامةَ عمِّه في عنقه، ففعلا، ثمَّ قتَلَه، فسمع قتادة الخبر، فبلغ منه الغيظُ كُلَّ مبلغ، وحلف ليقتُلَنَّ ابنه، وكان على ما كان من المرض، فكتب بعض أصحابه إلى الحسَنِ يعرفه الحال، ويقول له: ابدأ به قبل أن يقتُلَك، فعاد الحسن إلى مكة، فلما وصلها قصد دار أبيه في نفر يسير فوجد على باب الدار جمعًا كثيرًا، فأمرهم بالانصرافِ إلى منازلهم، ففارقوا الدارَ وعادوا إلى مساكِنِهم، ودخل الحسَنُ إلى أبيه، فلما رآه أبوه شَتَمه، وبالغ في ذمِّه وتهديده، فوثب إليه الحسن فخنقه لوقتِه، وكان عمره نحو تسعين سنة، ثم خرج الحسن إلى الحرم الشريف، وأحضر الأشرافَ، وقال: إن أبي قد اشتد مرضه، وقد أمركم أن تحلِفوا لي أن أكونَ أنا أميركم، فحلفوا له، ثم إنه أظهر تابوتًا ودفنه ليظُنَّ الناسُ أنه مات، وكان قد دفنه سرًّا، فلما استقرت الإمارةُ بمكة له أرسل إلى أخيه الذي بقلعة ينبع على لسان أبيه يستدعيه، وكتم موتَ أبيه عنه، فلما حضر أخوه قتَلَه أيضًا، واستقَرَّ أمره، وثَبَت قدمُه، فارتكب عظيمًا: قتل أباه وعمه وأخاه في أيام يسيرةٍ.
هو العبَّاسُ بن عبدِ المُطَّلِب بن هاشمِ بن عبدِ مَنافٍ، أبو الفَضلِ، عَمُّ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ومِن أكابرِ قُريشٍ في الجاهِليَّةِ والإسلامِ، وجَدُّ الخُلفاءِ العبَّاسيِّين رضِي الله عنه. كان مُحسِنًا لِقومِه، سَديدَ الرَّأيِ، واسعَ العَقلِ، مُولَعًا بإعْتاقِ العَبيدِ، كارِهًا للرِّقِّ، اشْتَرى 70 عبدًا وأَعتَقَهم، وكانت له سِقايةُ الحاجِّ، وعِمارةُ المسجدِ الحرامِ -وهي أن لا يَدَعَ أحدًا يَسُبّ أحدًا في المسجدِ ولا يَقولُ فيه هَجْرًا- أَسلَم قبلَ الهِجرَةِ وكتَم إسلامَه، وأقام بمكَّةَ يَكتُب إلى رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أخبارَ المشركين، ثمَّ هاجَر إلى المدينةِ، وشَهِدَ وَقعةَ "حُنين" فكان ممَّن ثبَت حين انْهزَم النَّاسُ، وشَهِدَ فَتحَ مكَّةَ، وعَمِيَ في آخرِ عُمُرِهِ، وكان إذا مَرَّ بعُمَرَ في أيَّام خِلافَتِه تَرَجَّلَ عُمَرُ إجلالًا له، وكذلك عُثمانُ، وكانت وَفاتُه في المدينةِ عن عشرةِ أولادٍ ذُكورٍ سِوَى الإناثِ، وله في كُتُبِ الحديثِ 35 حديثًا تَقريبًا، وإليه تُنْسَبُ الدَّولةُ العبَّاسيَّة التي حَكَمت ما يَزيد عن خمسةِ قُرونٍ.
ساءت سيرةُ المَلِكِ أمان الله خان كثيرًا، وسار سيرةَ الأوربيين في زِيِّه وغَيِّه، وترفَّع على شعبِه، بل بدأ يُلزِمُه بما هوَتْه نفسُه من الملابس الأوروبية وسفورِ النساء واختلاطهم، وزاد على ذلك أن أثقَلَهم بالضرائبِ التي هدَّت من كواهِلِهم، حتى نَقموا عليه، فاندلعت الفوضى ضِدَّه، فقام أحدُ قُطَّاع الطرق الطامعين، وهو باجي السقا (ابن السقا) باستغلالِ الأحداث، فاستولى على كابل وفَّرَ المَلِكُ إلى قندهار وتنازل لأخيه الأكبر عناية الله، وهرب هو إلى بريطانيا، ولم يستطِعْ عناية الله مواجهةَ ابنِ السقا الذي تمَلَّك باسم حبيب الله غازي، وأخذ يعيثُ فسادًا في أفغانستان هو وحاشيته، وبقي على هذا الحالة قرابةَ التسعة أشهر، حتى تمكَّن محمد نادر شاه القائِدُ الأفغاني الذي انتصَرَ على الإنجليز سابقًا، من إلقاءِ القَبضِ على ابن السقا وأعدَمَه وتسَلَّم أعباءَ الحُكمِ، وساعده على ذلك سيرتُه الحميدةُ أمام الناس وجِهادُه المعروفُ ضِدَّ الصليبيين من روس وإنجليز، فقضى على الفسادِ والرشوة، وقَدَّم خِدماتٍ واسعةً للبلادِ.