وفي هذه السنة زالت دولةُ بنى رسول ملوك اليمن في زبيد وعدن بعد ما حكموا ممالكَ اليمن نحوًا من مائتين وثلاثين سنة, وكان أولُ ملوكهم الملكَ المنصور أبا الفتح عمر بن على بن رسول إلى آخر من ملَكَ منهم، وهو الملِكُ المسعود أبو القاسم بن إسماعيل الثاني، وقد استولى على جميع ممالك اليمن بعد بني رسول أمراءُ بني طاهر بزعامة الملك الطاهر صلاح الدين عامر الأول بن طاهر، ويُذكَرُ أن دولة بني رسول تأسَّست سنة 626.
هو السلطانُ العثماني سليم الثالث بن مصطفى الثالث بن أحمد الثالث بن محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان بن عثمان بن أرطغرل، أحدُ خلفاء الدولة العثمانية. تولى السلطةَ بعد وفاة عمه عبد الحميد الأول سنة 1203هـ وكانت المعارك الحربية مستمرةً، فأعطى وقتَه وجهده للقتال، وكان من أصحابِ الهمة العالية والمصلحين في عصرِه, وكانت البلادُ بحاجة لإصلاحات في كافة المجالات، فعيَّن أحد الشبان هو كوشك حسين باشا قبودانا عاما، الذي استفاد من خبرته واطلاعه على التحديثات الأوربية في عددٍ من المجالات والتنظيمات خاصةً في المجال العسكري، فقام بعدد من الإصلاحات، إلَّا أن هذه التحديثات كان لها ردودُ فِعلٍ سلبية جدًّا من الانكشارية الذين ثاروا على السلطان وطالبوا بإلغاء جميعِ التحديثات خاصَّةً النظام العسكري الجديد، وقد حصل الانكشارية على تأييدِ بَعضِ العلماء الذين شاركوهم في الاعتراض على هذه التحديث؛ بحُجَّة أنها تقليد للغرب الكافر, فثار الجنودُ غيرُ النظاميين وأيدَتْهم الانكشارية، فقتلوا المؤيِّدين للنظامِ العسكري الجديد، واضطر السلطانُ أن يصدِرَ أمرًا بإلغاء النظام العسكري الجديد، ولكن لم يقبل الثائرون بهذا، بل قرَّروا عَزلَ السلطان، فنودي بعزله في 21 من ربيع الثاني، وولَّوا بعده ابن عمه مصطفى الرابع بن عبد الحميد الأول, وبَقِيَ سليم معزولًا مدة عام وشهر، ثم حدثت محاولة لاستعادة السلطان سليم لحكم البلاد، ولكِنَّ رجال مصطفى الرابع قتلوا السلطانَ سليم الثالث ظنًّا منهم أن ذلك قد يخمِدُ الثورة، إلا أنَّ الثائرين اشتعلوا غضبًا، وانتهى الأمر بقتل مصطفى الرابع وتولية محمود الثاني. أمضى سليم الثالث في الحكم تسعة عشر عامًا.
الأميرُ خالد بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود أميرٌ مِن آل سعود، وهو مِن أمٍّ حبشية. نشأ بمصرَ بعد حرب إبراهيم باشا للدرعية, ولما قَوِيَ أمر الإمام فيصل بن تركي في الديار النجدية أرسل محمد علي باشا خالدًا مع قوة عسكرية يقودُها إسماعيل بك سنة 1252 هـ لقتال فيصل بن تركي، فنشبت بينهما معاركُ انتهت باستسلام فيصل لخورشيد باشا في رمضان 1255 1838 م ووجَّهه خورشيد إلى مصر، ومعه ولداه عبد الله ومحمد وأخوه جلوي بن تركي. وتولى خالدٌ الإمارة، فسيَّرَ حملة بقيادة سعد بن مطلق إلى الأراضي المجاورة لنجد، وخضعت له عددٌ من بلدان نجد عدا الخرج وبلدة الحلوة، رفض أهلها الخضوع له؛ لعِلمِهم أن حُكمَه صوريٌّ والحكم الحقيقي لمحمد علي باشا. كتب خالدُ بن سعود إلى إمام مسقط سعيد بن سلطان يطالِبُه بالجزية التي كان يؤدِّيها من قبل لأجداده آل سعود. ومال خالدُ بن سعود إلى اللَّهوِ، فنفر منه أصحابُه، وثار عليه عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان ابن سعود، فرحل خالد إلى الأحساء، فلما دخل ابن ثنيان الرياضَ واجتمع عليه أهلُ نجد مضى خالد بن سعود إلى الدمَّام ثم الكويت، ومنها إلى مكة. وتوفي بجُدة محمومًا.
هو الشريف محمد بن عبد المعين بن عون بن محسن بن عبد الله بن حسين بن عبد الله بن حسن ابن أبي نمي، ولِدَ بمكة سنة 1204ه،ـ ونشأ بها، ولما استولى محمد علي باشا على مكَّةَ ذهب به إلى مصر وجلس بها عنده مدَّةَ سنواتٍ، ولَمَّا قُتِل الشريف يحيى بن سرور الشريف شمبر بمكة في شعبان سنة 1243هـ تولى عبد المطلب بن غالب إمارةَ مكة وهي إمارته الأولى وبقي أميرًا حتى قَدِمَ محمد بن عبد المعين بن عون من مصر في جمادي الآخر سنة 1243هـ وتولَّى إمارة مكة حتى سنة 1253
حيث أعيد إلى مصر، ثم صدر الأمر السلطاني على محمد على باشا
بمصر بإعادةِ محمد بن عبد المعين بن عون أميرًا لمكَّة، فأعيد إليها 1256هـ وبقي أميرًا لمكة حتى سنة 1267 حيث ورد الأمرُ السلطاني بترحيلِه وجميع أبنائه إلى تركيا، وتولية الشريف عبد المطلب بن غالب، وهي المرة الثانية لولاية الشريف عبد المطلب، ثم عاد محمد بن عبد المعين ابن عون من تركيا وتولى إمارة مكة سنة 1271هـ وبقي بها أميرًا حتى توفِّيَ في ثالث شعبان من هذه السنة، وخلَّف ستة أبناء، هم: عبد الله، وعلي، وحسين، وعون، وسلطان. وتولى بعده إمارة مكة ابنُه الأكبر عبد الله.
كان رافِعُ بن نصرِ بنِ الليث بن سيَّار من عظماء الجندِ فيما وراء النهر، وكان يحيى بن الأشعَثِ الطائي قد تزوَّجَ ابنةَ عَمٍّ له، وكانت ذاتَ يَسارٍ ولِسانٍ وجَمالٍ, ثم ترَكَها بسمرقند فترةً وأقام ببغداد، واتَّخذَ السَّراريَّ، فلما طال ذلك عليها، أرادت أن تخلصَ مِن زواجها له, فعَلِمَ رافِعٌ بأمرِها فتزوَّجَها بعد أن قال لها أن تُظهِرَ الشِّركَ ثم تتوبَ فيَنفَسِخَ نِكاحُها, فشكاه زوجُها يحيى بن الأشعث إلى الرشيدِ، فأمر الرشيدُ عامِلَه على سمرقند عليَّ بن عيسى بن ماهان أن يَحُدَّه ويُطلقَ منها ويُطيفه على حمارٍ في سمرقند للعبرةِ، ففعل لكِنَّه لم يحدَّه وحَبَسَه فهرب من الحبسِ، فلَحِقَ ببلخ فأراد عامِلُها علي بن عيسى قَتْلَه فشَفعَ فيه عيسى بن علي بن عيسى، وأمَرَه بالانصرافِ إلى سمرقند.
هو الشيخُ الفقيه المحقِّق أحمد بن يحيى بن سالم الذويد بن على بن محمد بن موسى الصعدي اليمني، أخذ عن السيد محمد بن عز الدين المفتي، وعبد العزيز بن محمد بن بهران، وسمع الأمهَّات الستَّ، واستجاز فيها من الحافظ محمد بن محمد المصري, وأجلُّ تلامذة الفقيه أحمد الذويد: الإمامُ القاسم بن محمد، والفقيه مهدي الشعيبي، وغيرهما, وكان فقيهًا محدِّثًا قليل النظير في المعقولات والصفات، إمامًا في الشرعيات على الإطلاق، وكان آيةً من آيات الله، وله في كل علم قدَمٌ راسخة، وبلغ في علمِ الطبِّ والرمل وحل السحر وغيرها مبلغًا عظيمًا، وقرأ في التوراة، وكان من أهل الثروة والمال، واجتمع له من الكتُبِ خزانة ملوكية مع مكارم أخلاق، وتوفِّيَ بصَعدة.
عقَد الأمينُ لعليِّ بنِ عيسى بن ماهان بالإمرةِ على الجبل وهمذان وأصبهان وقُم، وأمره بحربِ المأمونِ، وجَهَّزَه بجيشٍ كبير، فلمَّا وصل الجيشُ إلى الريِّ تلقَّاه طاهِرُ بن الحسين قائِدُ المأمون، فاقتتَلَ الطرفانِ، فقُتِلَ عليُّ بنُ عيسى بن ماهان، وانهزم جيشُه، ولَمَّا وصل الخبرُ إلى الأمين جهَّز جيشًا آخر بإمرةِ عبدالرحمن بن جَبَلة الأنباريِّ، ولكنَّه هُزِمَ هو أيضًا، فهرب بجيشِه إلى همذان، وطلب الأمانَ من طاهرِ بنِ الحُسين، فأمَّنَهم ولكنَّهم غدروا به وبجيشِه، وقتلوا منهم الكثيرَ، فنهض إليهم طاهِرٌ وقاتَلَهم، فقُتِلَ عبدالرحمن بن جَبَلة، وفَرَّ من نجا من القتلِ، ثم عاد الأمينُ فوَجَّه أحمد بن يزيد وعبدَ اللهِ بن حُميد بن قحطبة في أربعين ألفًا إلى حلوان لقِتالِ طاهِرِ بن الحُسين، وكان هذا في العامِ التَّالي، فلما وصَلوا إلى قريبٍ مِن حلوان خندق طاهِرٌ على جيشِه خندقًا، وجعل يعمَلُ الحيلةَ في إيقاعِ الفِتنةِ بين الأميرينِ، فاختلفا فرجعا ولم يُقاتِلاه، ودخل طاهِرٌ إلى حلوان، وجاءه كتابُ المأمون بتسليمِ ما تحت يدِه إلى هرثمة بن أعْيَن، وأن يتوجَّه هو إلى الأهواز، ففعل ذلك.
استهَلَّت بيوم الاثنين لأيامٍ خَلَونَ مِن ديسمبر، وليس للمسلمينَ خليفة، وصاحب مكة أبو نمي بن أبي سعيد بن علي بن قتادة الحسني، وعمه إدريس بن علي شريكُه، وصاحِبُ المدينة الأميرُ عِزُّ الدين جماز بن شيحة الحسيني، وصاحِبُ مصر والشام السلطان الملك الظاهر بيبرس البندقداري، وشريكُه في دمشق وبعلبك والصبيبة وبانياس الأميرُ علم الدين سنجر الملقب بالملك المجاهد، وشريكُه في حلب الأمير حسام الدين لاشين الجوكنداري- حامل الجوكان مع السلطان في لعب الكُرة- العزيزي، والكرك والشوبك للملك المغيث فتح الدين عمر بن العادل بن سيف الدين أبي بكر الكاملِ محمد بن العادل الكبير سيف الدين أبي بكر بن أيوب، وحصن جهيون وبازريا في يد الأمير مظفر الدين عثمان بن ناصر الدين مكورس، وصاحِبُ حماة الملك المنصور بن تقي الدين محمود، وصاحِبُ حمص الأشرف بن المنصور إبراهيم بن أسد الدين الناصر، وصاحِبُ المَوصِل الملك الصالح بن البدر لؤلؤ، وأخوه الملك المجاهِد صاحِب جزيرة ابن عمر، وصاحبُ ماردين الملك السعيد نجم الدين ايل غازي بن أرتق، وصاحب بلاد الروم ركنُ الدين قلج أرسلان بن كيخسرو السلجوقي، وشريكُه في الملك أخوه كيكاوس والبلاد بينهما نصفَينِ، وسائرُ بلاد المشرق بأيدي التتار أصحاب هولاكو، وبلاد اليَمَن يملكها غيرُ واحد من الملوك، وكذلك بلادُ المغرب في كل قطر منها مَلِك.
تزعَّمَ بنو الرسي بصَعدة وصنعاء، وقام الحسَنُ بن قاسم الرسي بتأسيسِ دولَتِهم، وهم من الأئمَّة الزيديِّين، والقاسم الرسي هو القاسِمُ بن إبراهيم المعروف بطباطبا بن إسماعيلَ بنِ الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان بُويِعَ بالإمامةِ بعد موت أخيه محمَّد، وبقي متخَفِّيًا مدةً هاربًا من بلد لآخرَ، حتى استقَرَّ بأرمينية في الرسِّ، وفيها مات فعُرِفَ بالرسِّي.
كان ظهور أبي الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن حسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنَّه أصابته فاقةٌ شديدةٌ فدخل سامرَّا فسأل وصيفًا أن يجري عليه رزقًا فأغلظ له القولَ، فرجع إلى أرض الكوفة فاجتمع عليه خلقٌ من الأعراب، وخرج إليه خلقٌ من أهل الكوفة، فنزل على الفلوجة، وقد كثُرَ الجمع معه، فكتب محمد بن عبد الله بن طاهر نائبُ العراق إلى عامِلِه يأمُرُه بقتالِه، وظهر أمرُه بالكوفة واستحكم بها، والتفَّ عليه خلقٌ من الزيدية وغيرِهم، ثم خرج من الكوفة إلى سوادِها ثم كرَّ راجِعًا إليها، فتلقاه عبد الرحمن بن الخطاب الملقَّب وجه الفلس، فقاتله قتالًا شديدًا، فانهزم وجه الفلس، ودخل يحيى بن عمر الكوفةَ ودعا إلى الرضى من آل محمد، وقوي أمرُه جدًّا، وصار إليه جماعةٌ كثيرة من أهل الكوفة، وتولَّاه أهل بغداد من العامَّة وغيرِهم ممَّن يُنسَبُ إلى التشيُّع، وأحبوه أكثَرَ من كل من خرج قبله من أهل البيتِ، وشرع في تحصيلِ السلاحِ وإعداد آلاتِ الحرب وجَمْعِ الرجال، وقد هرب الحسينُ بن إسماعيل نائبُ الكوفة منها إلى ظاهِرِها، واجتمع إليه أمدادٌ كثيرة من جهة الخليفة مع محمد بنِ عبد الله بن طاهر، واستراحوا وجمَعوا خيولَهم، فلما كان اليومُ الثاني عشر من رجب، أشار من أشار على يحيى بن عمر ممَّن لا رأي له، أن يركَبَ ويناجز الحُسين بن إسماعيل ويكبِسَ جيشه، فركب في جيشٍ كثير من خلقٍ من الفرسان والمشاة أيضًا من عامَّة أهل الكوفة بغير أسلحةٍ، فساروا إليهم فاقتتلوا قتالًا شديدًا في ظلمة آخر الليل، فما طلع الفجرُ إلَّا وقد انكشف أصحابُ يحيى بن عمر، وقد تقنطَرَ به فرسه، ثم طُعِنَ في ظهرِه فخَرَّ، فأخذوه وحزُّوا رأسَه وحملوه إلى الأمير الحسين بن إسماعيل فبعَثَه إلى ابن طاهر، فأرسله إلى الخليفة من الغدِ مع رجل يقال له عمر بن الخطاب، أخي عبد الرحمن بن الخطاب، فنُصِبَ بسامرَّا ساعة من النهار ثم بُعِثَ به إلى بغداد فنُصِبَ عند الجسر، ولم يمكِنْ نصبُه من كثرة العامَّة فجُعِلَ في خزائن السلاح، وكان الخليفة قد وجَّه أميرًا إلى الحسين بن إسماعيل نائب الكوفة، فلما قُتِلَ يحيى بن عمر دخلوا الكوفة فأراد ذلك الأميرُ أن يضع في أهلِها السيفَ، فمنعه الحسين وأمَّنَ الأسودَ والأبيض، وأطفأ اللهُ هذه الفتنة.
هو السلطانُ أبو فارس عبد العزيز بن أبي العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن عمر بن ونودين الهنتاتي الحفصي ملك المغرب. وَلِيَ الأمر بعد والده أبي العباس سنة 796, فوزع الوظائِفَ من الإمارة والوزارة وولاية الأعمال على إخوته، فاعتضد بهم، وكان من جملتهم أخوه أبو بكر بن أبي العباس بقسنطينة، فنازعه بها ابن عمه الأمير أبو عبد الله محمد بن أبي زكريا الحفصي صاحب بونة، وألح عليه في الحصار، فصمد إليه السلطان أبو فارس الحفصي، وأوقع به على سيبوس وقعة شنعاء انتهت به هزيمته إلى فاس. مات أبو فارس في رابع عشر ذي الحجة عن ست وسبعين سنة، ومدة ملكه إحدى وأربعين سنة وأربعة أشهر وأيام، بعدما خطب له بتلمسان وفاس, وقام من بعده حفيده المنتصر أبو عبد الله محمد بن الأمير أبي عبد الله محمد بن السلطان أبي فارس. والسلطان أبو فارس هذا ملك المغرب يختلف عن السلطان أبي فارس عبد العزيز بن أبي العباس أحمد المريني ملك تونس، الذي توفي سنة 798 مع تشابُهٍ في أسمائِهما.
هو الإمامُ العلَّامة الفقيه الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سلطان بن خميس، الملقَّب كأسلافه أبا بُطَيْن -بضم الباء وفتح الطاء وسكون الياء- من عوائل قحطان، العائذي نسبًا، الحنبلي مذهبًا، النجدي بلدًا، فقيه الديار النجديَّة في عصرِه، وإمامٌ من أئمة العلم في زمنه, ولِدَ الشيخ في بلدة الروضة من بلدان سدير، لعشر بقين من ذي القعدة سنة 1194هـ, ونشأ بها وقرأ على عالمها محمد بن الحاج عبد الله بن طراد الدوسري الحنبلي، فمَهَر في الفقه، ثم رحل إلى شقراء عاصمةِ الوشم بنجد واستوطنها، وقرأ على قاضيها الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله الحُصين تلميذِ شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، قرأ عليه في التفسير والحديث والفِقهِ وأصول الدين، حتى برع في ذلك كله، وأخذ عن العلَّامة أحمد بن حسن بن رشيد العفالق الأحسائي الحنبلي، وعن الشيخ العلامة حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر التميمي. رحل إلى الشام، ثمَّ عاد في عهد الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، فولَّاه قضاء الطائفِ، وبقي فيها مدة ثم رجع إلى شقراء وصار قاضيًا لها ولجميع بلدان الوشم، ولَمَّا تولى الإمام فيصل الحكمَ رغب إليه أهلُ القصيم أن يبعَثَ إليهم الشيخ أبا بطين قاضيًا لهم ومدرسًا، فبعثه الإمام فيصل وبَقِيَ عندهم إلى سنة 1370هـ حين رجع من عنيزة إلى شقراء، ومكث فيها إلى أن توفي فيها سنة 1383هـ. له "مجموعة رسائل وفتاوى" و"مختصر بدائع الفوائد" و"الانتصار للحنابلة" و"تأسيس التقديس في كشف شبهات ابن جرجيس". وقد أخذ عنه العلمَ بالقصيم وشقراء كثيرٌ من طلبة العلم.
سببُ ذلك أنَّ محمَد بن هُرمُز، المعروفُ بالمولى الصندليِّ، كان خارجيَّ المذهب، وكان قد أقام ببُخارى وهو من أهلِ سِجِستان جنوب غرب أفغانستان، وكان شيخًا كبيرًا، فجاء يومًا إلى الحُسين بن عليِّ بنِ محمَّد العارض يَطلُبُ رِزقَه، فقال له: إنَّ الأصلحَ لِمِثلِك من الشيوخِ أن يلزمَ رباطًا يَعبُدُ الله فيه، حتّى يوافيَه أجلُه، فغاظه ذلك، فانصرف إلى سِجِستان والوالي عليها منصورُ بنُ إسحاق، فاستمال جماعةً من الخوارج، ودعا إلى الصَّفَّار، وبايع في السرِّ لِعَمرو بن يعقوب بن محمَّد بن عمرو بن الليث، وكان رئيسُهم محمَّد بن العبّاس، المعروف بابن الحَفَّار، وكان شديدَ القوَّة، فخرجوا، وقبضوا على منصورِ بن إسحاقَ أميرِهم وحبَسَوه في سجن أرك، وخطبوا لعمرو بن يعقوب، وسلَّموا إليه سجستان، فلمَّا بلغ الخبر إلى الأمير أحمد بن إسماعيل سيَّرَ الجيوشَ مع الحسين بن عليٍّ، مرّةً ثانية إلى زرنج، فحصرها تسعةَ أشهر، فصعد يومًا محمَّدُ بن هُرمُز الصندليُّ إلى السور، وقال: ما حاجتُكم إلى أذى شيخٍ لا يصلُحُ إلَّا لِلُزومِ رِباطٍ؟ يُذَكِّرُهم بما قاله العارضُ ببخارى؛ واتَّفق أنَّ الصندليَّ مات، فاستأمن عمرُو بن يعقوب الصَّفَّار وابن الحفَّار إلى الحسين بن عليٍّ، وأطلقوا منصور بن إسحاق، وكان الحسينُ بن عليٍّ يُكرِمُ ابن الحفَّار ويقرِّبُه، فواطأ ابن الحفَّار جماعة على الفتك بالحسين، فعَلِمَ الحسين بذلك، وكان ابنُ الحفَّارِ يدخُلُ على الحسين، لا يُحجَبُ عنه، فدخل إليه يومًا وهو مُشتَمِلٌ على سيف، فأمر الحُسَينُ بالقبض عليه، وأخذه معه إلى بُخارى، ولَمَّا انتهى خبر فتح سِجِستان إلى الأمير أحمد استعمل عليها سيمجورَ الدواتيَّ، وأمر الحسينَ بالرجوعِ إليها فرجع ومعه عمرُو بن يعقوب وابن الحفّار وغيرهما، وكان عَودُه في ذي الحجَّة سنة ثلاثمائة، واستعمل الأمير أحمدُ منصورًا ابنَ عمِّه إسحاق على نَيسابور وأنفَذَه إليها، وتوفِّي ابنُ الحفّار.
زَعيمُ الدَّولة، أبو كامل، بَرَكَة بن المُقَلِّد، أميرُ بني عُقيلٍ، وصاحبُ المَوصِل بن المُسيبِ بن رافِع بن المُقلِّد بن جعفرِ بن عَمروِ بن المُهَنَّا بن عبدِ الرَّحمن بن بُرَيد -مُصغَّرًا- يَنتهِي إلى هوازن العُقَيلي، هو من بَيتٍ كَبيرٍ في الإمرَةِ. كان بَركةُ بن المُقلِّد قد غَلَب على المَوصِل وغَيرِها، وقَهَر أخاهُ قرواشا، وعاثَ وأَفسَد وعَسَف، وفي هذه السَّنَةِ انحدَر إلى تكريت في حُلَلِهِ قاصدًا نحوَ العِراق لِيُنازِعَ النُّوَّاب به عن المَلِكِ الرَّحيم، ويَنهَب البِلادَ، فلمَّا بَلغَها انتَقضَ عليه جُرحٌ كان أصابهُ من الغُزِّ لمَّا مَلَكوا المَوصِل، فتُوفِّي، ودُفِنَ بتكريت. واجتمعت العربُ من أصحابِه على تَأميرِ عَلَمِ الدِّين أبي المعالي قُريشِ بن بَدران بن المُقلِّد، فعاد بالحُلَلِ والعربِ إلى المَوصِل وأَرسَل إلى عَمِّه قِرواش، وهو تحت الاعتقالِ يُعلِمُه بوَفاةِ زَعيمِ الدَّولةِ، وقِيامِه بالإمارة، وأنَّه يَتَصرَّف على اختِيارِه، ويقوم بالأَمرِ نِيابةً عنه. فلمَّا وصل قُريشٌ إلى المَوصِل جَرى بينهُ وبين عَمِّه قِرواش مُنازَعة، ضَعُفَ فيها قِرواش، وقَوِيَ ابنُ أخيهِ، ومالت العربُ إليه، واستقَرَّت الإمارةُ له، وعاد عَمُّه إلى ما كان عليه من الاعتقالِ، ثم نَقلَهُ إلى قَلعةِ الجَرَّاحِيَّة مِن أَعمالِ المَوصِل، فاعتُقِلَ بها.
خاضت الكويت معركةَ خكيكرة مع البحرين بقيادة عبد الله بن أحمد آل خليفة وجابر بن عبد الله الصباح ضِدَّ حاكم ساحل الدمام رحمة بن جابر الجلهمي، الذي دعمه الإمامُ سعود بن عبد العزيز بن محمد حاكمُ نجد، وانتهت المعركة بانتصار البحرين والكويت, وكان من أسباب المعركة أنَّ الإمامَ سعودًا كتب إلى رحمة بن جابر الجلهمي في قطر يأمرُه فيها بالاستعداد لغزو البحرين، وكان محاربًا لآل خليفة حكام البحرين، فأرسل إليه الإمام سعود جيشًا من أهل نجد والأحساء، فاجتمعت عنده 60 سفينة ما بين كبيرة وصغيرة، فلما علم بذلك عبد الله بن أحمد آل خليفة حاكم البحرين أرسل إلى حاكم الكويت الشيخ جابر بن عبد الله الصباح يستنصره، فأتاه بحرًا بالسفن فبلغت سفنهم جميعًا 200 سفينة، والتقوا عند خوير حسان بالقرب من القطيفِ، وربطوا السفن واقتتلوا فقُتِل من أهل البحرين والكويت 1000 رجل، منهم دعيج بن صباح الصباح، وراشد بن عبد الله بن أحمد آل خليفة، وقُتِل من أتباع رحمة بن جابر الجلهمي 300 رجل، وانهزم رحمة بن جابر الجلهمي.