هو إِبراهيمُ بن يَزيدَ بن قَيسٍ النَّخَعِيُّ، فَقِيهُ العِراق وأَحَدُ الأئِمَّة المَشهورين، تابِعِيٌّ أَدرَك عَددًا مِن الصَّحابَة لكن لا يُعرَف له سَماعٌ عنهم، وأَخَذ عن كِبارِ التَّابِعين، تَزَعَّمَ مَدرَسةَ ابنِ مَسعودٍ في الكوفَة، حيث أَخَذ عن خالِه الأَسوَدِ بن يَزيدَ تِلميذ ابنِ مَسعود، وعن عَلْقَمَة، ومَسروق، وعبدِ الرَّحمن بن عبدِ الله بن مَسعود، وعليه تَتَلْمَذ حَمَّادُ بن سُليمان شَيخُ أبي حَنيفَة، وتَأَثَّر به وبِفِقْهِهِ أبو حَنيفَة، كان مُفْتِي أَهلِ الكوفَة هو والشَّعْبِيّ في زَمانِهِما، وكان رَجُلًا صالِحًا، فَقِيهًا، مُتَوَقِّيًا، قَليلَ التَّكَلُّف، كان سعيدُ بن جُبَير يقول: أَتَسْتَفْتُوني وفِيكُم إِبراهيمُ. وكان الشَّعْبِيُّ يقول: والله ما تَرَكَ بَعدَه مِثلَه، تُوفِّي وهو ابنُ تِسْعٍ وأَربعين سَنَة. وقِيلَ: ابنُ نَيْفٍ وخَمسين سَنَة.
وقع عِصيانُ أهل طليطِلة على عبدِ الرحمنِ بنِ الحكم بن هشام، صاحِبِ الأندلس، وتم َّإنفاذُ الجيوش لمحاصرتها مرَّةً بعد مرة، فلمَّا كانت هذه السَّنةُ خرج جماعةٌ مِن أهلها إلى قلعةِ رباح، وبها عسكرٌ لعبد الرحمن، فاجتمعوا كلُّهم على حصر طليطلة، وضَيَّقوا عليها وعلى أهلِها وقطعوا عنهم باقيَ مرافِقِهم واشتَدُّوا في محاصرتِهم، فبَقُوا كذلك إلى أن سَيَّرَ عبد الرحمن أخاه الوليدَ بنَ الحكم إليها أيضًا، فرأى أهلَها وقد بلغ بهم الجَهدُ كُلَّ مبلغٍ، واشتد عليهم طولُ الحصار، وضَعُفوا عن القتال والدَّفعِ، فافتتحها قهرًا وعَنوةً، وأمر بتجديدِ القَصرِ على بابِ الِحصنِ الذي كان هُدِّمَ أيَّامَ الحَكَمِ، وأقام بها إلى آخِرِ شعبان من سنة ثلاثٍ وعشرين ومائتين، حتى استقَرَّت قواعِدُ أهلِها وسكَنوا.
هو العلَّامةُ الحافِظُ أبو محمَّد عبدالرحمن بن أبي حاتم محمَّد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران التّميمي الحَنْظَلي الرازي. والرازيُّ نسبةٌ إلى الرَّيِّ، والزايُ للنِّسبةِ، كما في المروزي نسبةً إلى مَرْو الشاهجان ولد سنة 240 وقيل 241. أحدُ العلماء الثقات المشهورين بالتبحُّرِ في علوم الحديث والتفسير، وتفسيرُه من أحسَنِ التفاسيرِ لاشتمالِه على الأسانيدِ، وهو صاحِبُ كتاب الجرح والتعديل، كان أبوه أبو حاتم الرازي إمامًا في الحديث والجرح والتعديل والعِلَل. قال أبو الحسن علي بن إبراهيم الرازي الخطيب: "كان رَحِمَه الله قد كساه الله نورًا وبهاءً يَسُرُّ من نظر إليه"، وله تفسيرٌ كبير في عِدَّة مجلدات عامَّتُه آثارٌ بأسانيدِه مِن أحسَنِ التفاسير، وقد توفِّيَ بالرَّيِّ وله بضعٌ وثمانون سنة.
سارت جيوشُ المُسلِمينَ بصقليَّة، وأميرُهم حينئذ أحمدُ بن الحسن بن علي بن أبي الحسين الكلبي، إلى قلعةِ طبرمين من صقليَّة أيضًا، وهي بيدِ الرومِ، فحصروها، وهي مِن أمنع الحصون وأشَدِّها على المسلمين، فامتنع أهلُها، ودام الحصارُ عليهم، فلما رأى المسلمونَ ذلك عَمَدوا إلى الماءِ الذي يدخُلُها فقطعوه عنها، وأجروه إلى مكانٍ آخَرَ، فعَظُمَ الأمر عليهم، وطَلَبوا الأمان، فلم يُجابوا إليه، فعادوا وطَلَبوا أن يُؤمَّنوا على دمائِهم، ويكونوا رقيقًا للمُسلمين، وأموالُهم فيئًا، فأُجيبوا إلى ذلك، وأُخرِجوا من البلد، ومَلَكه المسلمون في ذي القعدة، وكانت مدة الحصار سبعة أشهر ونصفًا، وأُسكِنَت القلعةُ نفرًا من المسلمين، وسُمِّيَت المعزِّية؛ نسبةً إلى المعِزِّ العُبيدي الفاطمي صاحِبِ إفريقية، وسار جيشٌ إلى رمطة مع الحسن بن عمار، فحصروها وضيَّقوا عليها.
ركب الظاهِرُ بيبرس من مصرَ في العساكر المنصورة قاصدًا ناحية بلاد الكرك، واستدعى صاحِبَها الملك المغيث عمر بن العادل أبي بكر بن الكامل، فلما قَدِمَ عليه بعد جهدٍ أرسله إلى مصر معتقَلًا، فكان آخر العهد به، وذلك أنَّه كاتب هولاكو وحَثَّه على القدوم إلى الشَّامِ مَرَّةً أخرى، وجاءته كتبُ التتار بالثَّباتِ ونيابة البلاد، وأنهم قادِمونَ عليه عشرون ألفًا لفتح الديارِ المصريَّة، وأخرج السلطانُ فتاوى الفقهاء بقَتلِه وعَرَضَ ذلك على القاضي ابن خَلِّكان، وكان قد استدعاه من دمشقَ، وعلى جماعةٍ مِن الأمراء، ثم سار فتسَلَّمَ الكرك يوم الجمعة ثالث عشر جمادى الأولى ودخلها يومئذٍ في أبهة المُلك، ثم عاد إلى مصرَ مُؤَيَّدًا منصورًا، وبه تنتهي الدولةُ الأيوبيَّةُ في بلاد الشام.
هو أبو العباس أحمد بن علي بن إبراهيم بن محمد بن أبي بكر المقدسىُّ الأصل، الحسيني البدوي، يلقَّب بالسطوحي، والسيد صاحب الشهرة في الديار المصرية، الذي يَستغيثُ به كُفرًا وعُدوانًا كثيرٌ مِن المتصوفة اليوم، ويعتقدون فيه من النفع والضر ممَّا لا يملكه إلا الله، يُعرف بأبي اللثَّامين لملازمته اللثامَ صيفًا وشتاء، أصله من المغرب حيث وُلِدَ بفاس، سنة 596 طاف البلاد وأقام بمكة والمدينة، ودخل مصرَ في أيام الظاهر بيبرس، سافر إلى دمشقَ والعراق، عظُمَ شأنُه جدًّا في مصر حتى عدُّوه صاحب طريقة، ولقِّبَ بالسطوحي لأنه مكث على السطوح اثني عشر عامًا، نُسِبَت له كرامات، توفي في طنطا وبني عليه مسجد وقبره يزار من قبل الجَهَلة والمتصَوِّفة إلى اليوم!!!
تعرَّضت مصر للاحتلال الإنجليزي ثلاثَ مرات؛ الأولى بحجة إخراج الفرنسيين من مصر؛ لعجز الدولة العثمانية وحدها عن إخراجهم، والثانية سنة 1807م وكانت من أخلاط من الجنود، والثالثة كانت سنة 1882م وبقيت أكثر من ثلاث وسبعين سنة، فعاصر الاحتلال البريطاني حكم خمسة من حكام أسرة محمد علي هم: توفيق، وإسماعيل، وحلمي الثاني، وحسين كامل، وفؤاد، وفاروق، واستطال إلى الأيام الأولى من الحُكم الجمهوري في مصر، وإذا كانت السيادة العثمانية قد زالت عن مصرَ مِن الناحية الواقعية في سنة 1914م وتأييد زوالها من الناحية الدولية في معاهدة سيفر سنة 1920م، ثم معاهدة لوزان سنة 1923م، فاستمر الاحتلالُ تحت عدة مسميات من احتلال مؤقَّت، إلى حماية مقنَّعة، ثم حماية واقعية، ثم حماية سافرة، ثم استقلال شكلي، ثم تحالف بريطاني مصري.
دعت الحكومةُ البريطانية كُلًّا من نجد والعراق وشرق الأردن والحجاز إلى تسويةِ القضايا الحدوديَّةِ في مؤتمر عُقدَ في الكويت برئاسة الكولونيل نوكس وزير البحرية الأميركية، اشترط الملك عبدالعزيز على نوكس أن يتِمَّ تعيينُ الحدود بين نجدٍ والحجاز وشرق الأردن من جهة، وعدم اشتراك مندوبِ العراق مع حكومتي الحجاز وشرق الأردن في المباحثات المشتركة، وأن يتِمَّ تناول المشكلات بين نجدٍ وتلك الحكومات بصورة منفردة، فأبلغ نوكس الملك عبدالعزيز موافَقةَ الحكومة البريطانية على الشروطِ التي عرضها. مثَّلَ جانِبَ نجد في المؤتمر حمزة غوت وأحمد الثنيان وعبد الله الدملوجي، وشرق الأردن مثَّلَه علي خلقي، والعراق مثَّلَه صبيح نشأت، وبدأت جلساتُ المؤتمر دون حضورِ مَن يمثِّلُ الحجاز، ولم يتوصَّل الأطراف الثلاثة إلى اتفاقٍ محدَّد بينهم.
أضاف السلطانُ إمرةَ المدينة النبوية، وإمرة ينبع، وخليص، والصفراء، وأعمالهم، إلى الشريف حسن بن عجلان أمير مكة، وكتب له بذلك توقيعًا، وهذا شيء لم ينَلْه أمير مكة قبله في هذا الزمان، أما المدينة فإن أميرها كان ثابت بن نعير، فمات فولى حسن بن عجلان مكانَه نيابة عنه أخاه، فثار بالمدينة جماز بن نعير، فكتب إليه ابن عجلان يقول: اخرُجْ بسلام، وإلَّا فأنا قاصدك، فأظهر جماز الطاعة، ثم إن جماز أرسل إلى الخُدَّام بالمسجد النبوي يستدعيهم، فامتنعوا، فأتى إلى المسجد وأخذ ستارتي باب الحجرة النبوية، وطلب من الطواشية -خدام المسجد- المصالحة عن حاصل القبَّة بتسعة آلاف درهم، فأبَوا ذلك، فطلب مفاتيح الحاصل من زين الدين أبي بكر بن حسين قاضي المدينة، فمانعه، فأهانه وأخذها منه، وأتى إلى القبة، وضرب شيخ الخدَّام بيده، ألقاه على الأرض، وكسر الأقفال ودخلها ومعه جماعة، فأخذ ما هناك؛ فمن ذلك أحد عشر حوائج خاناه، وصندوقين كبيرين، وصندوقًا صغيرًا فيه ذهب من ودائع ملوك العراق وغيرهم، وأخرج خمسة آلاف شقة بطاين معدة لأكفان الموتى، فنقل ذلك كله، وهمَّ أحد بني عمه بأخذ قناديل الحجرة الشريفة، فمنعه، وأخذ آخَرُ بُسُط الروضة، فأمره جماز برَدِّها، وصادر بعضَ الخدام، ثم خرج من الغد الحادي عشر راحلًا، فقصد العرب المجتمعة الرجوع، فرماهم الناس بالحجارة، ثم في السنة التالية ولى السلطان بدمشق الشريف جماز بن نعير إمرة المدينة النبوية، وشرط عليه إعادة ما أخذ من الحاصل، وولى أيضًا جمال الدين محمد بن عبد الله الكازروني قضاء المدينة، وبعث لهما توقيعهما وتشريفهما.
كان المأمونُ استعمل عليَّ بنَ هِشامٍ على أذربيجان وغيرها، فبلغه ظُلمُه، وأخذُه الأموالَ، وقتلُه الرجالَ، فوجَّهَ إليه عجيف بن عنبسة، فثار به عليُّ بن هشام، وأراد قَتْلَه واللَّحاقَ ببابك، فظَفِرَ به عجيف، وقَدِمَ به على المأمونِ، فقتَلَه وقتل أخاه حبيبًا، وطِيفَ برأسِ عليٍّ في العراقِ وخراسان، والشام ومِصرَ، ثم ألقيَ في البحرِ.
كان الإمام فيصل عيَّنَ مهنا الصالح أميرًا على بريدةَ ثمَّ عزَلَه عن الإمارة، وفي هذه السنة ثار مهنا الصالح على آل عليان أمراء بريدة، واغتصب منهم الإمارة وأجلاهم إلى عُنيزة، ولكِنَّ مهنا لم يلبث أن قتله آل عليان، ولكن أنصارَ مهنا وابنه حسن قتلوا القَتَلةَ من آل عليان وتولى حسن إمارةَ بُرَيدة بعد والدِه.
بعد أن انهزم عبد الله بن علي (عمُّ المنصور) على يدِ أبي مسلم، وبقي في البصرة، قام بالدعوة لنفسِه، وبويع، ولكن لم يتمَّ له شيءٌ، فاستجار بأخيه سليمان الذي كان أميرًا للبصرة، ثم إنه بقي كذلك حتى أظهر الطاعةَ للمنصور، ثم عزل المنصور عمَّه سليمان عن إمرة البصرة، فاختفى عبد الله بن عليٍّ وأصحابُه خوفًا على أنفسهم، فبعث المنصورُ إلى نائبه على البصرة، وهو سفيان بن معاوية، يستحِثُّه في إحضار عبد الله بن علي إليه، فبعَثَه في أصحابه فقُتل بعضُهم، وسُجِن عبد الله بن علي عمُّه، وبعَث بقيَّة أصحابه إلى أبي داود نائب خراسان فقتَلَهم هناك.
سار يوسُفُ بنُ أبي الساج من أذربيجان إلى الرَّيِّ، فحاربه أحمدُ بن عليٍّ أخو صعلوك، فانهزم أصحابُ أحمد وقُتِلَ هو في المعركة، وأنفذ رأسَه إلى بغداد؛ وكان أحمدُ بن عليّ قد فارق أخاه صعلوكًا، وسار إلى المقتَدِر فأُقطِعَ الريِّ، ثمّ عصى، وهادن ماكان بنَ كالي وأولاد الحسن بن علي الأطروش، وهم بطبرستان، وجُرجان، وفارق طاعةَ المقتَدِر وعصى عليه، ووصل رأسُه إلى بغداد، وكان ابنُ الفرات يقعُ في نصر الحاجب، ويقول للمقتَدِر إنَّه هو الذي أمر أحمدَ بنَ عليٍّ بالعصيان لمودَّةٍ بينهما، وكان قتلُ أحمدَ بنِ عليٍّ آخر ذي القعدة، واستولى ابنُ أبي الساج على الرَّيِّ، ودخلها في ذي الحجَّة، ثمَّ سار عنها في أوَّل سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة إلى همذان، واستخلف بالريِّ غُلامَه مُفلحًا، فأخرجه أهل الريِّ عنهم، فلَحِقَ بيوسُف، وعاد يوسفُ إلى الريِّ في جُمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة واستولى عليها.
سار أبو عليِّ بن محتاج في عساكرِ خُراسان إلى الريِّ لاستنقاذِها من يدِ ركنِ الدَّولة بنِ بُوَيه، فسار في جمعٍ كثير فخرج إليه ركنُ الدولة محاربًا، فالتَقَوا على ثلاثة فراسخ من الريِّ، وكان مع أبي علي جماعةٌ كثيرة من الأكراد، فغدروا به، واستأمنوا إلى ركنِ الدولة، فانهزم أبو عليٍّ، وعاد نحو نيسابور وغَنِموا بعضَ أثقاله، ورجع ركنُ الدولة إلى الريِّ واستولى عليها وعلى سائرِ أعمالِ الجبَلِ، وأزال عنها الخراسانيَّة، وعَظُمَ مُلكُ بني بُوَيه، فصار بأيديهم أعمالُ الرَّيِّ، والجبل، وفارس، والأهواز، والعراق، ويُحمَل إليهم ضمانُ المَوصِل، وديار بكر، وديار مضر من الجزيرة.
كان بَنُو نَجاحٍ يَحكُمون تِهامَة وكان أَميرُهم فاتك بن منصور الذي تُوفِّي سَنةَ 540هـ وكان ظَهَرَ في أَيامِه المَهدِيُّون، فهاجَمُوا بإِمْرَةِ عليِّ بن مَهديٍّ بِلادَ بَنِي نَجاحٍ سَنةَ 538هـ غيرَ أنَّهم هُزِمُوا وانسَحَب عليُّ بن مَهديٍّ إلى الجِبالِ، وبعدَ مَوتِ فاتك خَلَفَهُ فاتك بن محمد بن فاتك، وبَقِيَ إلى أَواخرِ هذا العامِ فكان آخِرَ مُلوكِ بَنِي نَجاحٍ ونِهايةَ دَولَتِهم به، ثم أَغارَ عليُّ بن مَهديٍّ مَرَّةً أُخرَى على زبيدٍ فاستَنجَد أَهلُها ببَنِي الرس وكان إمامُهم المُتَوَكِّلَ أحمدَ بن سُليمانَ فأَنجَدَهُم ودَفَعَ عنهم غاراتِ عليِّ بن مَهديٍّ الذي استَطاعَ دُخولَها سَنةَ 553هـ.