هو الأميرُ الوزير والرئيس الكبير، كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله بن أحمد بن يحيى بن زهير بن هارون بن موسى بن عيسى بن العديم العقيلي الحنفي الحلبي، ولد سنة 586، سمع الحديث وحَدَّث وتفَقَّه وأفتى ودرَّس وصنف، وكان إمامًا في فنونٍ كثيرة، وقد ترسل إلى الخلفاء والملوك مرارًا عديدة، وكان يكتُبُ حَسنًا طريقة مشهورة، وصنف لحلب تاريخًا مفيدًا قريبًا في أربعين مجلدًا، وكان جيد المعرفة بالحديث، حسنَ الظَّنِّ بالفقراء والصالحين كثيرَ الإحسان إليهم، وقد أقام بدمشقَ في الدولة الناصرية المتأخرة، وكانت وفاتُه بمصر، ودُفِنَ بسفح الجبل المقطم بعد الشيخ عز الدين بعشرة أيام.
هو تقيُّ الدين أبو الحسن علي بن زين الدين عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم الأنصاري السبكي الشافعي، توفِّيَ بشاطئ النيل في ليلة الاثنين رابع جمادى الآخرة؛ ومولِدُه في شهر صفر سنة 683 بسبك الثلاث، وهي قرية بالمنوفية من أعمال الديار المصريَّة بالوجه البحري، كان إمامًا عالِمًا بالفقه والأصلينِ، والحديث والتفسير، والنحو والأدب، ولِيَ الإفتاء والقضاء بالقاهرة ثم انتقل إلى دمشق، فلما اعتَلَّ عاد إلى القاهرة، وهو والد تاج الدين السبكي, وله من المصنَّفات مختصر طبقات الفقهاء، ومجموع فتاوى، والابتهاج شرح المنهاج، ورفع الشقاق في مسألة الطلاق، وقد تناظر فيها كثيرًا مع ابن القيم، وكان بينهم بسبب ذلك مناظرات، وله كشف الغمة في ميراث أهل الذمة، وله كشف الدسائس في هدم الكنائس، وغيرها.
هو العلَّامةُ المحَقِّقُ الشيخ حمد بن ناصر بن عثمان بن معمر النجدي التميمي من آل معمر أهل العُيَينة، نزح منها واستوطن مدينة الدرعية، وقرأ فيها على الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأخيه الشيخ سليمان بن عبد الوهاب، وأخذ العربية عن الشيخ حسين بن غنام، وبعد ذلك جلس للتدريس بمدينة الدرعية، فأخذ عنه العلمَ خَلقٌ كثير من أهل الدرعية وغيرهم، منهم العلامة سليمان ابن الشيخ عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب, وعبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب, وابنه العالم القاضي الأديب الأريب عبد العزيز بن حمد بن معمر. وعبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين, وأرسله الإمام عبد العزيز بن محمد على رأس ركبٍ من العلماء ليناظروا عُلماء الحرم بطلبٍ من شريف مكة الشريف غالب سنة 1211، فأقام مدة عند الشريف قاضيًا، كانت وفاته في هذا العام بمكة بعد قضاء مناسك الحج في منتصف شهر ذي الحجة، فصلى عليه عددٌ كثير من المسلمين تحت الكعبةِ، ثم خرجوا به من الحرم إلى البياضية وخرج معهم الإمامُ سعود ودُفِن بمكة.
توفِّيَ طاهِرُ بن عبدالله بن طاهر بن الحُسين الخزاعي، أميرُ خراسان وابنُ أميرها, وكان قد ولِيَ إمرة خراسان بعد أبيه ثماني عشرة سنة, فلما ورد على المستعين وفاةُ طاهر بن عبدالله، عقدَ لابنه محمَّد بن طاهر على خراسان، ولمحمد بن عبدالله بن طاهرٍ على العراق، وجعل إليه الحَرَمين، والشُّرطة
لمَّا استَلَم يَزيدُ بن الوَليدِ الخِلافَة بعدَ أن قُتلَ ابنُ عَمِّه الوَليد بن يَزيد اضْطَربَت الأُمور عليه واختَلفَت كَلمةُ بَنِي مَرْوان، وخرج سُليمانُ بن هِشام مِن السِّجْن واسْتَولى على الأَموالِ، وكان في سِجْن الوَليد بن يَزيد في عَمَّان ثمَّ حَضَر دِمَشق، وثار أَهلُ حِمص يُطالِبون بِدَمِ الوَليد بن يَزيد وخَلعَوا أَميرَهم، وثار أَهلُ فِلَسطين وبايَعوا يَزيدَ بن سُليمان، وأَهلُ الأردن كذلك ثاروا وبايَعوا محمَّدَ بن عبدِ الملك، وكان مَرْوان بن محمَّد في أرمينية يُحرِّض على الأَخذِ بِدَمِ الوَليد بن يَزيد، ثمَّ إنَّ يَزيد بن الوليد بايَعَ لأَخيهِ إِبراهيم مِن بَعدِه ومِن بَعدِه لِعبدِ العزيز بن الحَجَّاج؛ ولكن لم يَلبَث أن تُوفِّي يَزيد بالطَّاعون في 7 ذي الحِجَّة مِن العام نَفسِه فلم تَدُم خِلافتُه أَكثرَ مِن سِتَّة أَشهُر.
هو الإمامُ العَلَمُ, سَيِّدُ الحفَّاظ, أبو بكر عبدُالله بن محمد بن القاضي أبي شيبة إبراهيم بن عثمان بن خُوَاستَى العبسي مولاهم, الكوفي. ولد بالكوفةِ عام 159هـ. أحدُ أعلام الحديثِ، صاحِبُ المصَنَّف المعروف. أخو الحافظ عثمانَ بنِ أبي شيبة، والقاسمِ بن أبي شيبة الضَّعيف. فالحافظ إبراهيمُ بن أبي بكر هو ولَدُه, والحافِظُ أبو جعفر محمد بن عثمان هو ابنُ أخيه, فهُم من بيتِ علم, وأبو بكر: أجَلُّهم. قال أبو عُبيدٍ: انتهى عِلمُ الحديثِ إلى أربعةٍ: أحمدَ بنِ حنبل، وأبي بكرِ بنِ أبي شيبة، ويحيى بنِ مَعين، وعليِّ بنِ المَديني؛ فأحمدُ أفقَهُهم فيه، وأبو بكرٍ أسرَدُهم، ويحيى أجمَعُ له، وابنُ المَديني أعلَمُهم به. قَدِمَ ابنُ أبي شيبة بغداد وحَدَّثَ بها، وله كتاب التفسيرِ، والأحكام، والمُسنَد المصَنَّف.
تطَلَّع الإمامُ تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود إلى ضَمِّ الأحساء التي استعادها بنو خالد بعد سقوطِ الدرعية، وأراد التخلص من تهديدهم لدولته، فأمر عمر بن محمد بن عفيصان فغزاها فرَدَّ عليه أحدُ زعماء بني خالد بغزوِ بلدة حرمة بنجد. ولكنَّ الدائرةَ دارت على بني خالد ودخل الإمامُ تركي الأحساء دون قتالٍ، بعد هروب بني خالد منها، وقد وفد زعماءُ القطيف على الإمام وبايعوه على السَّمعِ والطاعة، وبهذا رجَعَت الأحساءُ مرة أخرى للدولة السعودية، وغادرها الإمام تركي تاركًا فيها عمر بن محمد بن عفيصان أميرًا عليها، وعبد الله الوهيبي قاضيًا لها.
أخذ الشَّريفُ راجح بن قتادة مكَّةَ من الشريف جماز بن حسن، بغيرِ قتال، ثم أخذها ابنُه غانم بن راجح في ربيعٍ الأول بغير قتالٍ، فقام عليه الشَّريفُ أبو نمي بن أبي سعيد بن علي بن قتادة في شوال ومعه الشريفُ إدريس، وحارباه ومَلَكَا مكة، فقدم في خامس عشر ذي القعدة مبارز الدين الحسين بن علي بن برطاس من اليمن، وقاتَلَهما وغَلَبَهما، وحجَّ بالنَّاسِ.
هو الأميرُ أبو حفص عمر بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص ملك تونس. لمَّا استقر لأبي حفص المُلك بتونس بعد قتله أحمد بن مرزوق بن أبي عمار الذي ادَّعى أنه الفضل بن أمير المؤمنين الواثقِ بالله يحي بن محمد بن أبي زكريا. تلقَّب أبو حفص بالمستنصِر بالله أمير المؤمنين، وهو المستنصِرُ الثاني، ولما استقَرَّ في المملكة سار ابنُ أخيه يحيى بن إبراهيم بن أبي زكريا الذي سَلِمَ من المعركة إلى بجاية، وملَكَها وتلقَّب بالمنتخب لإحياءِ دين الله، أمير المؤمنين، واستمَرَّ المستنصر الثاني أبو حَفص عمرُ بن أبي زكريا في مملكتِه حتى توفي، وفي أوائِلِ المحرم سنة 695، ولما اشتَدَّ مَرَضُه بايع لابنٍ له صغيرٍ، فاجتمَعَت الفُقَهاءُ، وقالوا له: أنت صائرٌ إلى الله، وتوليةُ مثل هذا لا يحِلُّ، فأبطل بيعَتَه، وأخرج ولَدَ الواثِقِ المخلوعَ، الذي كان صغيرًا وسَلِمَ من الذبح، الملَقَّب بأبي عصيدة، وهو أبو عبد الله محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن عبد الواحد، وبويع صبيحةَ مَوتِ أبي حفص عمر الملقَّب بالمستنصر, وكانت وفاة أبي حفص ليلة الجمعة رابع عِشْري ذي الحجة، وكانت مدَّةُ حُكمِه إحدى عشرة سنة وثمانية أشهر.
زحف الملك فرديناند ملك قشتالة على غرناطة سنة 895 وحاصرها وشدد الحصار عليها, وامتدَّ الحصار إلى هذه السنة وقعت خلاله ملاحم كثيرة، والمسلمون كانوا يلحُّون على حمايتها, فلم يزالوا يدافعون عنها ويقاتلون من قصَدَها حتى قصر عنها العدو؛ لكثرة ما قُتل له عليها من خيل ورجال، ولم تزل الحرب متصلة وقد أصيب فيها كثير من أنجاد فرسان المسلمين بالجراحات، واستشهد آخرون، ومن النصارى أضعاف ذلك, والمسلمون فوق ذلك صابرون محتسبون واثقون بنصر الله تعالى، يقاتلون عدوهم بنية صادقة وقلوب صافية, وكان يُغيرُ منهم رجال في الليل على النصارى فيغنموا ما وجدوا عندهم من خيل وبغال وحمير وبقر وغنم ورجال، حتى صار اللحم بالبلد من كثرته الرطل بدرهم, والحرب متصلة بينهم والقتل والجراح فاشيان في الفريقين سبعة أشهر إلى أن فنيت خيل المسلمين بالقتل، ولم يبق منها إلا القليل، وفني أيضًا كثير من نجدة الرجال, وفي هذه المدة انجلى كثير من الناس إلى بلاد البشرة لما نالهم من الجوع والخوف وكانت الطريق للبشرة على جبل شلير، وكان يأتي للبلد من البشرة على ذلك الطريق خير كثير من القمح والشعير والذرة والزيت والزبيب والفواكه والسلع، وما زال حال البلد يضعف ويقل من الطعام والرجال إلى أن دخل محرم سنة 897 ودخل فصل الشتاء والثلج نازل بالجبل، وقُطع الطريق من البشرة، فقل الطعام في أسواق المسلمين بغرناطة واشتد الغلاء، وأدرك الجوع كثيرًا من الناس، وكثر السُّؤَّال والعدو ساكن ببلده ومحلته، ولقد منع المسلمين من الحرث والزراعة وانقطعت الحرب في هذه المدة بين الفريقين، فلما دخل صفر اشتد الحال على الناس بالجوع وقلة الطعام وأدرك الجوع كثيرًا من الناس الموسرين، فاجتمع أعيان الناس من الخاصة والعامة والفقهاء والأمناء والأشياخ والعرفاء ومن بقي من أنجاد الفرسان، ومن لهم النظر بغرناطة، وساروا إلى أميرهم أبي عبد الله الصغير، فأعلموه بحال الناس وما هم فيه من الضعف وشدة الجوع وقلة الطعام، وأن بلدهم بلد كبير لا يقوم به طعام مجلوب، فكيف ولم يُجلَب إليه شيء، وأن الطريق التي كانت يأتيهم عليها الطعام والفواكه من البشرة انقطعت بسبب الثلوج، وأن أنجاد الفرسان هلكوا وفنوا، ومن بقي منهم أُثخِن بالجراحات، وقد امتنع عنهم الطعام والزرع والحرث، وأن رجالهم هلكوا في تلك الملاحم، ثم قالوا له: إن إخواننا المسلمين من أهل عدوة المغرب بعثنا إليهم فلم يأتنا أحد منهم لنُصرتنا وإغاثتنا، وعدُوُّنا قد بنى علينا وسكَنَ معنا وهو يزداد قوةً ونحن نزداد ضعفًا والمَدَد يأتيه من بلاده ونحن لا مدد لنا، وهذا فصل الشتاء قد دخل وحملة عدونا تفرقت وضعفت، وقد قطع عنا الحرب، وإن تكلمنا مع الملك فرديناند الآن قَبِلَ منا وأعطانا كل ما نطلب منه، وإن بقينا حتى يدخل فصل الربيع تجتمع عليه جيوشُه مع ما يلحقنا نحن من الضعف والقلة، فلن يعود يقبلُ منا ما نطلبه منه، ولا نأمن نحن على أنفسنا منه؛ فقد هرب لحملته من بلدنا أناس كثيرون يدلونه على عوراتنا ويستعين بهم علينا، فقال لهم أبو عبد الله الصغير: انظروا ما يظهر لكم وما تتفقون عليه من الرأي الذي فيه صلاحكم، فاتفق رأي الجميع من الخاصة والعامة أن يبعثوا للملك فرديناند من يتكلم معه في أمرهم،وقد زعم كثير من الناس أن أمير غرناطة ووزيره وقواده كان قد تقدم بينهم وبين فرديناند الكلام في إعطائه البلد، إلا أنهم خافوا من العامة وكانوا يحتالون عليهم ويلاطفونهم، فحين أتوهم بما كانوا أضمروا عليه أسعفوهم من حينهم, فأرسل أبو عبد الله الصغير المندوبين لهذه المهمة، فوجدوا الملك فرديناند راغبًا في الصلح بالتسليم، فأنعم لهم بجميع ما طلبوا منه وما شرطوا عليه, فتمت المفاوضة بوضع معاهدة التسليم، ووقَّع الطرفان عليها وتضمنت ستة وخمسين بندًا تعهد فيها الأمير أبو عبد الله الصغير ووزراؤه والفقهاء والعلماء بتسليم المدينة في ظرف ستين يومًا ابتداء من تاريخ المعاهدة التي بدأت في الثاني من محرم 897 الموافق لتشرين الثاني 1491م ومن جملة الشروط التي شرط أهل غرناطة على فرديناند: أن يؤمِّنَهم على أنفسهم وبلادهم ونسائهم وصبيانهم ومواشيهم ورباعهم وجناتهم ومحارثهم، وجميع ما بأيديهم، ولا يغرمون إلا الزكاة والعُشر لمن أراد الإقامة ببلده غرناطة، ومن أراد الخروج منها يبيع أصله بما يرضاه من الثمن لمن يريده من المسلمين والنصارى من غير غَبن، ومن أراد الجواز لبلاد العدوة بالغرب يبيع أصله ويحمل أمتعته ويحمله في مراكبه إلى أي أرض أراد من بلاد المسلمين من غير كراء ولا شيء يلزمه لمدة ثلاث سنين، ومن أراد الإقامة بغرناطة من المسلمين فله الأمان على نحو ما ذُكر، وقد كتب لهم فرديناند ملك قشتالة بذلك كتابًا وأخذوا عليه عهودًا ومواثيق في دينه مغلَّظة على أنه يوفِّي لهم بجميع ما شرطوه عليه, فلما تمت هذه العقود والمواثيق قُرئت على أهل غرناطة, فلما سمعوا ما فيها اطمأنوا إليها وانقادوا لطاعته، وكتبوا بيعتهم وأرسلوها لصاحب قشتالة وسمحوا له في الدخول إلي مدينة الحمراء وإلى غرناطة, فعند ذلك أمر أمير غرناطة أبو عبد الله الصغير محمد بن علي بإخلاء مدينة الحمراء فأُخليت دُورها وقصورها ومنازلها، وأقاموا ينتظرون دخول النصارى لقبضها، فلما كان اليوم الثاني لربيع الأول سنة897 أقبل فرديناند بجيوشه فبعث جناحًا من جيشه فدخلوا مدينة الحمراء وبقي هو ببقية الجيش خارج البلد؛ لأنه كان يخاف من الغدر، وكان طلب من أهل البلد حين وقع بينهم الاتفاق رهونًا من أهل البلد ليطمئن بذلك، فأعطوه خمسمائة رجل منهم, فلما اطمأن من أهل البلد ولم ير منهم غدرًا سرَّح جنوده لدخول البلد والحمراء، فدخل منهم خلق كثير وبقي هو خارج البلد وأشحن الحمراء بكثير من الدقيق والطعام والعدة، وترك بها قائدًا من قواده وانصرف راجعًا إلى محلته، وأخذ يبعث بالدقيق والعلوفات وأنواع الطعام والعدة وما يحتاجون إليه, فلما سمع أهل البشرة أن أهل غرناطة دخلوا تحت ذمة النصارى أرسلوا بيعتهم إلى الملك فرديناند ودخلوا في ذمته، ولم يبق حينئذ للمسلمين موضع بالأندلس، فإنا لله وإنا إليه راجعون! ولما اطمأن الملك فرديناند من غدر أهل غرناطة سرَّح الذين كانوا عنده مرتهنين مؤمَّنين في أموالهم وأنفسهم مكرَّمين، ثم أقبل في جيوشه فدخل مدينة الحمراء في بعض خواصه، وبقي الجند خارج المدينة وبقي هو يتنزه في الحمراء في القصور والمنازل المشيدة إلى آخر النهار، ثم خرج بجنده وصار إلى محلته, ومن غدٍ أخذ في بناء الحمراء وتشييدها وتحصينها وإصلاح شأنها وفتح طرقها، وهو مع ذلك يتردد إليها بالنهار ويرجع بالليل لمحلته، فلم يزل كذلك حتى ازداد اطمئنانًا من غدر المسلمين، فسرَّح للمسلمين الجواز إلى أرض العدوة فأتاهم بالمراكب في الساحل, فصار كل من أراد الجواز يبيع ماله ورباعه ودوره، فكان الواحد منهم يبيع الدار الكبيرة الواسعة المعتبرة بالثمن القليل وكذلك يبيع جنانه وأرض حرثه وكرمه وفدانه بأقل من ثمن الغلة التي كانت فيه، فمنهم من اشتراه من المسلمين الذين عزموا على الدجن- المداهنة- ومنهم من اشتراه من النصارى وكذلك جميع الحوائج والأمتعة، وأمرهم بالمسير إلى الساحل بما معهم فيرفعهم النصارى في البحر محترمين مكرمين، ويجوزونهم إلى عدوة المغرب آمنين مطمئنين.
كان يَزيدُ بن المُهَلَّب قد سُجِنَ أيَّام عُمَر بن عبدِ العزيز لِتَأْدِيَة المَظالِم التي عليه، فلمَّا عَلِمَ بِمَرَضِ عُمَر بن عبدِ العزيز هَرَب مِن السِّجْن خَوفًا مِن يَزيد بن عبدِ الملك، فلمَّا تَوَلَّى يَزيدُ بن عبدِ الملك سَجَنَ آلَ المُهَلَّب؛ لكنَّ يَزيد بن المُهَلَّب اسْتَطاع أن يَفُكَّهم وتَغَلَّبَ على البَصْرَة ثمَّ سَجَنَ أَميرَها وبَعَث عُمَّالَه إلى الأَهوازِ وفارِس، وأَرسَل أخاه إلى خُراسان، ونَزَل هو واسِط، ثمَّ أَرسَل يَزيدُ بن عبدِ الملك أخاه مَسلمَة لِقِتال ابنِ المُهَلَّب، ثمَّ دارت مَعركَة كان مِن نَتائِجِها قَتْلُ يَزيد بن المُهَلَّب وإخْوَتِه: حَبيب ومحمَّد. وكان اجْتِماع يَزيد بن المُهَلَّب ومَسلمَة بن عبدِ الملك بن مَرْوان ثَمانِيَة أيَّام مِن شَهرِ صَفَر سَنَة 102هـ.
هو السلطان أبو سعيد بن عثمان بن أبي العباس أحمد بن أبي سالم إبراهيم بن أبي الحسن المريني ملك المرينيين، لما اغتِيلَ نُصب ولده الناصر عبد الحق خلفًا له وتولى الوصايةَ عليه أبو زكريا يحيى الوطاسي زعيم بني وطاس، والذي به قامت دولة بني وطاس التي خلفت دولة بني مرين فيما بعد.
هو السلطان العثماني مصطفى الثاني ابن السلطان محمد الرابع بن إبراهيم الأول بن أحمد الأول بن محمد الثالث بن مراد الثالث بن سليم الثاني بن سليمان القانوني بن سليم الأول بن بايزيد الثاني بن محمد الفاتح بن مراد الثاني بن محمد الأول جلبي بن بايزيد الأول بن مراد الأول بن أورخان. وُلِدَ عام 1074هـ وتولى الخلافة عام 1106هـ/1694م وفي عهده بدأ تراجع المد الإسلامي عن ديار أوروبا الشرقية؛ بسبب ضعف روحِ الجهاد، وتسرُّب أسباب الهزيمة في كيان الأمة، وقسوة الهجمات الصليبية على الدولة العثمانية، وفي عهده تم توقيع معاهدة كار لوفتس مع روسيا وطبقًا لهذه المعاهدة انسحب العثمانيون من بلاد المجر، وإقليم ترانسلفانيا، وأصبحت كلُّ الدول التي كانت تدفع الجزية ممتنعةً من دفعها وتقِفُ في وجه المد العثمانيين. وبدأت الدولة العثمانية في الانتقال الى عصر التفكُّك والاضمحلال السريع, وعلى إثر تدخل الانكشارية صاروا يطالبون بعزل الصدورِ كما يحلو لهم، ثم قرَّروا عزل السلطان نفسه ونصبوا أخاه أحمد الثالث, ثم توفي السلطان مصطفى بعد عزله بأربعة أشهر، وكان عند وفاته في التاسعة والثلاثين من عُمره.
كان إبراهيمُ بنُ الأمير أحمدَ أمير إفريقيَّة قد استَعمَلَ على صقليَّةَ أبا مالكٍ أحمدَ بنَ عمر بن عبدالله، فاستضعفه، فولَّى بعده ابنَه أبا العباسِ بنَ إبراهيمَ بنِ أحمد بن الأغلب، فوصل إليها في مائةٍ وعشرين مركبًا وأربعينَ حربيًّا.
هو السُّلطانُ داودُ بنُ محمود بن محمَّدِ بنِ ملكشاه بن ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل بن سلجوق بن دقماق السلجوقي، صاحِبُ أذربيجان وغيرِها، وهو الذي اختَلَفَ مع السُّلطان مسعود وجَرَت بينهما وقائِعُ وحُروبٌ حتى استولى داودُ على أذربيجان وما حولَها، وكان سبَبُ مَوتِه أنَّه رَكِبَ يومًا في سوقِ تبريز، فوَثَبَ عليه قومٌ مِن الباطنيَّةِ فقَتَلوه غِيلةً، وقتلوا معه جماعةً مِن خواصِّه، ودُفِنَ بتبريز، وكان مَلِكًا شُجاعًا جَوادًا عادِلًا في الرعيَّةِ يُباشِرُ الحروبَ بنَفسِه.