الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 65 ). زمن البحث بالثانية ( 0.008 )

العام الهجري : 751 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1350
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ الإمامُ العلَّامةُ أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الدمشقي الحنبلي المعروفُ بابن قَيِّم الجوزيَّة، فهو إمامُ الجوزيَّة، وابنُ قَيِّمِها، ولِدَ بدمشق في سابع صفر سنة 691, وسَمِعَ الحديث واشتغل بالعلم، وبَرَع في العلوم المتعَدِّدة، لا سيما علم التفسير والحديث والأصلين، ولَمَّا عاد الشيخ تقي الدين بن تيمية من الديار المصرية في سنة 712 لازَمَه إلى أن مات الشيخُ، فأخذ عنه علمًا جَمًّا لازمه قرابة 16 عامًا وتأثَّر به, وسُجِنَ في قلعة دمشق في أيام سجنِ ابن تيمية، وخرج بعد أن توفِّيَ شيخه عام 728 ولم يخَلِّفِ الشيخُ العلَّامة تقي الدين ابن تيميَّة مِثلَه، ومع ما سَلَف له من الاشتغال، صار فريدًا في بابِه في فنونٍ كثيرة، مع كثرةِ الطَّلَب ليلًا ونهارًا، وكثرة الابتهال، وكان حَسَن القراءة والخُلُق، كثيرَ التودد لا يحسُد أحدًا ولا يؤذيه، ولا يستعيبُه ولا يحقِدُ على أحد؛ قال ابن رجب: "كان ذا عبادةٍ وتهَجُّد وطولِ صلاةٍ إلى الغاية القصوى، وتألُّه ولَهَج بالذكر، وشَغف بالمحبة والإنابة والاستغفار، والافتقار إلى الله والانكسار له، والاطِّراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهِدْ مِثلَه في ذلك، ولا رأيتُ أوسَعَ منه علمًا، ولا أعرَفَ بمعاني القرآن والسنَّة وحقائق الإيمان منه، وليس هو المعصومَ، ولكن لم أرَ في معناه مِثلَه، وقد امتُحِنَ وأوذيَ مَرَّات، وحُبِسَ مع الشيخ تقي الدين في المرَّة الأخيرة بالقلعة، منفرِدًا عنه، ولم يُفرَجْ عنه إلَّا بعد موت الشيخ, وكان في مُدَّة حبسه مشتغلًا بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر، ففُتِحَ عليه من ذلك خير كثير، وحصل له جانِبٌ عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسَلَّط بسبب ذلك على الكلام في علومِ أهل المعارف، والدُّخولِ في غوامِضِهم، وتصانيفه ممتلئةٌ بذلك، وحَجَّ مرات كثيرة، وجاور بمكَّةَ، وكان أهلُ مكة يذكرون عنه من شِدَّة العبادة، وكثرة الطواف أمرًا يُتعَجَّب منه. ولازمت مجالِسَه قبل موته أزيدَ مِن سنة، وسَمِعتُ عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة، وأشياء من تصانيفه، وغيرها " وقال ابنُ كثير: " كنتُ مِن أصحَبِ النَّاسِ له وأحَبِّهم إليه، ولا أعرف في هذا العالَمِ في زماننا أكثَرَ عبادةً منه، وكانت له طريقةٌ في الصلاة يطيلها جِدًّا ويمُدُّ ركوعَها وسجودَها، ويلومه كثيرٌ من أصحابه في بعضِ الأحيانِ، فلا يرجِعُ ولا ينزِعُ عن ذلك- رحمه الله" وقال ابن حجر العسقلاني: " كان إذا صلَّى الصبح جلس مكانَه يذكُرُ الله حتى يتعالى النَّهارُ، ويقول: هذه غَدوتي لو لم أقعُدْها سَقَطَت قُوايَ، وكان يقولُ: بالصبر واليقين تُنال الإمامةُ في الدين، وكان يقول: لا بد للسَّالك من همَّة تُسيِّرُه وترَقِّيه، وعلمٍ يُبَصِّرُه ويهديه. وكان مُغرًى بجمع الكتب فحصَّل منها ما لا يُحصَرُ حتى كان أولادُه يبيعون منها بعد موتِه دهرًا طويلًا سوى ما اصطَفَوه منها لأنفُسِهم" وله من التصانيف الكبار والصغار شيءٌ كثير، وهي أكثَرُ مِن أن تُحصَرَ هنا، ولكن من أشهرها: زاد المعاد في هَدْي خير العباد، وإعلام الموقعين عن ربِّ العالمين، ومدارج السالكين، وبدائع الفوائد، وطريق السعادتين، وشرح منازل السائرين، والقضاء والقدر، وجلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام، ومصايد الشيطان، ومفتاح دار السعادة، والروح، وحادي الأرواح، ورفع اليدين، والصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، وتصانيف أخرى كثيرة؛ قال ابن حجر: "وكلُّ تصانيفه مرغوبٌ فيها بين الطوائف، وهو طويلُ النَّفَسِ فيها يتعانى الإيضاحَ جُهدَه، فيُسهِبُ جدًّا، ومعظمها من كلام شيخِه يتصَرَّفُ في ذلك، وله في ذلك مَلَكَة قويَّة، ولا يزال يدندِنُ حولَ مُفرداتِه ويَنصُرُها ويحتَجُّ لها" ومن نَظْمِه قصيدة تبلغ ستة آلاف بيت سمَّاها الكافية في الانتصار للفرقة الناجية. ومن تلاميذه ابنه برهان الدين إبراهيم، والإمام ابن رجب الحنبلي، والحافظ ابن كثير، والحافظ ابن عبد الهادي، والإمام الذهبي، والفيروزآبادي صاحب القاموس. توفِّيَ رحمه الله في دمشق ليلة الخميس ثالث عشر رجب وقتَ أذان العشاء وصُلِّيَ عليه بعد صلاة الظهر من الغد بالجامِعِ الأموي، ودفن عند والدته بمقابر الباب الصغير، وقد كانت جنازته حافلةً، شهدها القضاة والأعيان والصالحون من الخاصة والعامة، وتزاحم الناسُ على حمل نعشه، وكَمُل له من العمر ستون سنةً.

العام الهجري : 1229 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1814
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ قائِدُ الجنودِ سعود الكبير بن عبد العزيز بن محمد بن سعود ثالثُ حُكَّام الدولة السعودية الأولى، ولد بالدرعية سنة 1165هـ وتولى الحكمَ بعد وفاة والده سنة 1218هـ يعتبر عصر سعودٍ قِمَّةَ ازدهار الحكم السعودي في الدولة السعودية الأولى؛ فقد استطاع إخضاعَ الحجاز وعمان، وبلغ حوران من الشام. يصِفُ ابن بشر الإمامَ سعودًا وعهده بقوله: "أَمِنَت البلاد وطابت قلوب العباد, وانتظمت مصالحُ المسلمين بحُسن مساعيه وانضبطت الحوادث بيُمْنِ مراعيه.., وكان متيقظًا بعيد الهمة، يسَّر الله له الهيبةَ عند الأعداء والحِشمةَ في قلوب الرعايا ما لم يره أحد في وقته, وكانت له المعرفةُ التامة في تفسير القرآن، أخذ العلم عن الشيخ محمد بن عبد الوهاب.. وله معرفةٌ بالحديث والفقه وغير ذلك، بحيث إنه إذا كتب نصيحةً لبعض رعاياه من المسلمين ظهر عليه في حُسنِ نَظمِه ومضمونِ كلامِه عدمُ قصورٍ في الاطلاع على العلوم, وقد رأيتُ العجب في المنطوق والمفهوم.. فمن وقف على مراسلاتِه ونصائحه عرفَ بلاغتَه ووفورَ عِلمِه، وإذا تكلَّم في المحافل أو مجالِسِ التذكير بهر العقولَ مِمَّن لم يكن قد سَمِعه, وخال في نفسِه أنَّه لم يسمع مثله, وعليه الهيبةُ العظيمة التي ما سَمِعْنا بمثلها في الملوك السالفة. بحيث إنَّ ملوك الأقطار لا تتجاسَرُ مراجعة كلامه ولا ترمقُه ببصَرِها إجلالًا له وإعظامًا، وهو مع ذلك في الغاية من التواضع للمساكين وذوي الحاجة، وكثيرُ المداعبة والانبساط لخواصِّه وأصحابه, وكان ذا رأيٍ باهر وعقل وافر.. وكان ثبتًا شجاعًا في الحروب محبَّبًا إليه الجهاد في صِغَرِه وكبره، بحيث إنه لم يتخلَّفْ في جميع المغازي والحِجَج، ويغزو معه العلماء من أهل الدرعية.. وإخوانه وبنو عمه كلُّ واحد من هؤلاء بدولة عظيمة من الخيل والركاب والخيام والرجال وما يتبع ذلك من رحائِلِ الأمتاع والأزواد للضيفِ وغيره, وقام في الجهاد وبذَلَ الاجتهاد، وفتحَ أكثر البلدان في أيامِ أبيه وبعد موتِه، وأُعطي السعادةَ في مغازيه, ولا أعلَمُ أنه هُزِمَت له راية، بل نُصِر بالرعب في قلوب أعدائه، فإذا سمعوا بمغزاه ومعداه هرب كلٌّ منهم وترك أباه وأخاه وماله وما حواه" وكان له مجلس علم في الدرعية بعد طلوع الشمسِ يَحضُرُه جمعٌ عظيم، بحيث لا يتخَلَّفُ إلا النادر من أهل الأعمال يجلسون حِلَقًا كُلُّ حلقة خلفها حلقةٌ، لا يحصيهم العَدُّ، فإذا اجتمع الناسُ خرج سعود من قَصرِه ويجلس بجانِبِه الشيخ عبد الله ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وهو الذي يقرأ عليه، ومن الكتب التي تُقرأ عليه في هذا المجلس تفسيرُ ابن جرير الطبري، وابن كثير, وله مجالِسُ أخرى يُقرأ فيها عليه رياضُ الصالحين، وصحيح البخاري. توفي الإمام سعود ليلة الاثنين 11 جمادى الأولى من هذه السنة, عن عمر 74 سنة، وكانت ولايته عشر سنين وتسعة أشهر وأيامًا، وكان موته بعِلَّةٍ وقعت أسفل بطنه أصابه منها حَصَر بول, وكان قد أنجب 12 ولدًا وانقرضت ذريَّتُه سنة 1265هـ, وتولَّى بعده ابنه عبد الله خلفًا له.

العام الهجري : 1377 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1958
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ الأستاذ العلَّامة المحَدِّث أبو الأشبال أحمد بن محمد شاكر بن أحمد بن عبد القادر من آل أبي علياء. وُلِدَ بعد فجر يوم الجمعة في 29 جمادي الآخرة سنة 1309هـ / 1892م بالقاهرة، ووالده هو العلَّامة الشيخ محمد شاكر، لَمَّا عُيِّن والده الشيخ محمد شاكر قاضيًا بقضاءِ السودان سنة 1900م أخذه معه وأدخله كلية غوردون، فبقي بها حتى عودة والده إلى الإسكندرية سنة 1904م، فالتحق بمعهد الإسكندرية. وفي سنة 1327هـ / 1909م عُيِّن والده الشيخ محمد شاكر وكيلًا لمشيخة الأزهر، فالتحق الشيخُ أحمد شاكر وأخوه علي بالأزهر، فاتَّصَل بعلماء القاهرة ورجالها، وعرف طريقَه لدُور الكتب العامة والمكتبات الموجودة في مساجدها. ومن أشهر العلماء الذين استفاد منهم: والِدُه العلامة محمد شاكر، وكان أعظَمَ الناس أثرًا في حياته. والشيخ عبد السلام الفقي، تعلم منه كتُبَ الأدب واللغة والشعر، والشيخ محمود أبو دقيقة، تعلم منه الفقه وأصوله بالإضافة إلى أنه تعلَّم منه الفروسية، والرماية، والسباحة، وعلامة الشام الشيخ جمال الدين القاسمي، وعلَّامة المغرب ومحدِّثُها الشيخ عبد الله بن إدريس السنوسي، وقد أجازه برواية صحيح البخاري وبقية الكتب الستة، والشيخ طاهر الجزائري من كبار علماء الشام، والعلَّامة محمد رشيد رضا، كما أخذ عن الشيخ محمد بن الأمين الشنقيطي كتابَ بلوغ المرام، وحصل على شهادة العالمية بالأزهر سنة 1917م، فعيِّن مدرِّسًا بمدرسة ماهر. ثم عُيِّن عضوًا بالمحكمة الشرعية العليا، وظَلَّ في سلك القضاء حتى أحيلَ إلى التقاعُد سنة 1951م. عمل مشرفًا على التحرير بمجلة الهدْي النبوي سنة 1370هـ، ولما كانت سنة 1911م اهتمَّ بقراءة مسند الإمام أحمد بن حنبل، وظَلَّ منذ ذلك التاريخ مشغولًا بدراسته حتى بدأ في طبع شرحه على المسنَدِ سنة 1365هـ / 1946م بعد أن ظَلَّ في دراسته 35 سنة، وعاجلَتْه المنية دون أن يتمكَّنَ من مراجعته، تولى القضاءَ في مصر أكثر من ثلاثين سنة، وكان له فيها أحكامٌ مشهورة في القضاء الشرعي، قضى فيها باجتهادِه غيرَ مقلِّدٍ ولا متَّبِع. حقق كتاب ((الرسالة)) للشافعي، وكتاب ((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة، و ((لباب الأدب)) لأسامة بن منقذ، وشرح كتاب الحافظ ابن كثير اختصار علوم الحديث، وله كتاب ((عمدةُ التفسير))، وهو تهذيب لتفسير ابن كثير، وله تحقيقُ ((الإحكام)) لابن حزم، وجزأين من المحلى لابن حزم، و ((العمدة في الأحكام)) للحافظ عبد الغني المقدسي، ومن كتبه كتاب ((نظام الطلاق في الإسلام))، دلَّ فيه على اجتهاده وعدم تعصُّبِه لمذهب من المذاهب، و ((الكتاب والسنة يجب أن يكونا مصدر القوانين)) و ((كلمة الفصل في قتل مدمني الخمر)). وللشيخ أحمد جهودُه في المجال السياسي والاجتماعي، فقد عاش الشيخ في فترة امتازت بكثرة الأحداث وتواليها، والدول الإسلامية تئِنُّ تحت نِيرِ الاستعمارِ الإنجليزي والفرنسي، واليهود يخطِّطون لاحتلال فلسطين، فانبرى الشيخُ للتصدي لكل الأفكار الهدَّامة متمسِّكًا بكتاب الله ملتَزِمًا بعقيدة السلف، يقارعُ الأعداء وتلامذة الغرب من المستشرقين دون أن تلينَ له قناة أو تخور له عزيمة، مع قلةٍ من أمثاله من الرجال، وصار يدبِّج ببراعة مقالاتٍ نفيسةً وتعليقاتٍ مفيدةً على بعض ما حقَّقه من الكتب، وتصدَّى للمبتدعين والخرافيين والمستشرقين وغيرهم، وتوفي الشيخ أحمد رحمه الله في السادسة بعد فجر يوم السبت 26 ذي القعدة 14 يونيه.

العام الهجري : 402 العام الميلادي : 1011
تفاصيل الحدث:

كُتِبَ ببغدادَ مَحضَرٌ يتضَمَّنُ الطَّعنَ والقَدحَ في نَسَبِ الفاطميِّينَ، وهم ملوكُ مِصرَ فليسُوا كذلك، وإنَّما نسَبُهم إلى عُبيدِ بنِ سَعدٍ الجَرميِّ، وكَتَب في ذلك جماعةٌ من العُلَماءِ والقُضاة والأشراف والعُدول، والصالحين والفُقهاء، والمحَدِّثين، وشَهِدوا جميعًا أنَّ الحاكِمَ بمِصرَ: منصورُ بنُ نِزارِ الملَقَّب بالحاكم- حَكَمَ اللهُ عليه بالبَوارِ والخِزيِ والدَّمارِ- بن مَعد بنِ إسماعيلَ بنِ عبد الله بن سعيد، لا أسعَدُه الله؛ فإنَّه لَمَّا صار إلى بلاد المغرِبِ تَسمَّى بعُبَيد الله، وتلَقَّب بالمهديِّ، وأنَّ مَن تقَدَّمَ مِن سَلَفِه أدعياءُ خوارِجُ، لا نسَبَ لهم في ولدِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، ولا يتعَلَّقونَ بسَببٍ، وأنَّه مُنَزَّهٌ عن باطلهم، وأنَّ الذي ادَّعَوه إليه باطِلٌ وزُورٌ، وأنَّهم لا يَعلَمونَ أحدًا مِن أهل بيوتاتِ عليِّ بنِ أبي طالب توقَّف عن إطلاقِ القَولِ في أنَّهم خوارِجُ كَذَبةٌ، وقد كان هذا الإنكارُ لباطِلِهم شائعًا في الحَرَمينِ، وفي أوَّلِ أمْرِهم بالمَغربِ مُنتشِرًا انتشارًا يمنع أن يُدَلَّسَ أمرُهم على أحدٍ، أو يذهَبَ وَهمٌ إلى تَصديقِهم فيما ادَّعوه، وأنَّ هذا الحاكِمَ بمِصرَ هو وسَلَفُه كُفَّارٌ فُسَّاقٌ فُجَّارٌ، مُلحِدون زنادِقة، مُعَطِّلون، وللإسلامِ جاحدون، ولِمَذهب المجوسيَّة والثنويَّة مُعتَقِدونَ، قد عطَّلوا الحُدودَ، وأباحوا الفُروجَ، وأحلُّوا الخَمرَ، وسَفَكوا الدِّماءَ، وسَبَوا الأنبياءَ، ولَعَنوا السَّلَف، وادَّعَوا الرُّبوبيَّة.
وقد كتَبَ خَطَّه في المَحضَرِ خَلقٌ كَثيرٌ؛ فمِن العَلَويِّينَ: الشَّريفُ المُرتضى وأخوه الرَّضِي، وابن البطحاويِّ العَلَوي، وابن الأزرق المُوسَوي، والزكي أبو يعلى عمرُ بن محمد، ومن القُضاة: ابنُ الأكفاني، وابن الخرزي، وأبو العبَّاسِ الأبيوردي، وأبو عبدِ اللهِ بنُ النُّعمان، فقيه الشيعة، ومِن الفُقَهاءِ: أبو حامدٍ الإسفرايينيِّ، والكشفلي، والقُدوري، والصيمري، وأبو عبد الله بن البيضاوي، وأبو الفَضلِ النَّسَوي، ومن الشُّهودِ: أبو القاسِمِ التَّنوخيُّ في كثيرٍ منهم، وكَتَبَ فيه خلقٌ كثيرٌ غيرَهم. قال أبو الفرجِ بنُ الجوزي: "وممَّا يدُلُّ على أنَّ هؤلاء أدعياءُ كَذَبةٌ، كما ذكَرَ هؤلاء السَّادة العُلَماء، والأئِمَّة الفُضَلاء، وأنَّهم لا نسَبَ لهم إلى عليِّ بن أبي طالب، ولا إلى فاطمةَ، كما يَزعُمونَ؛ قَولُ ابنِ عُمَرَ للحُسَينِ بنِ علي حين أراد الذَّهابَ إلى العراق، وذلك حين كتَبَ عَوامُّ أهلِ الكوفةِ بالبَيعةِ إليه، فقال له ابنُ عمر: لا تذهَبْ إليهم؛ فإني أخافُ عليك أن تُقتَلَ، وإنَّ جَدَّك قد خُيِّرَ بين الدنيا والآخرةِ فاختار الآخِرةَ على الدنيا، وأنت بَضعةٌ منه، وإنَّه- والله- لا تنالها لا أنت ولا أحَدٌ مِن خَلَفِك ولا مِن أهلِ بَيتِك، فهذا الكلامُ الحسَنُ الصَّحيحُ المتوَجِّه المعقول، من هذا الصَّحابيِّ الجليلِ، يقتضي أنَّه لا يلي الخلافةَ أحَدٌ مِن أهلِ البَيتِ إلَّا مُحمَّدُ بنُ عبد اللهِ المهديُّ الذي يكونُ في آخِرِ الزَّمانِ عندَ نُزولِ عيسى بنِ مريم؛ رغبةً بهم عن الدُّنيا، وألَّا يُدَنَّسوا بها. ومعلومٌ أنَّ هؤلاء قد مَلَكوا ديارَ مِصرَ مُدَّةً طَويلةً، فدَلَّ ذلك دَلالةً قَويَّةً ظاهِرةً على أنَّهم ليسوا مِن أهلِ البَيتِ، كما نَصَّ عليه سادةُ الفُقَهاءِ". قال ابن كثير: "وقد صَنَّف القاضي الباقلَّاني كتابًا في الردِّ على هؤلاء، وسَمَّاه: (كَشْف الأسرارِ وهَتْك الأستار) بيَّنَ فيه فضائِحَهم وقبائِحَهم، ووضَّحَ أمْرَهم لكُلِّ أحدٍ، ووضوحُ أمْرِهم يُنبئُ عن مطاوي أفعالِهم وأقوالِهم، وقد كان الباقلَّاني يقولُ في عبارته عنهم: هم قومٌ يُظهِرونَ الرَّفضَ، ويُبطِنونَ الكُفرَ المَحض". قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميَّةَ: "وهؤلاء القومُ- يعني العُبَيديِّينَ- يَشهَدُ عليهم عُلَماءُ الأمَّةِ وأئمَّتُها وجماهيرُها أنَّهم كانوا مُنافِقينَ زَنادقةً، يُظهِرونَ الإسلامَ ويُبطِنونَ الكُفرَ, وقد عُلِمَ أنَّ جُمهورَ الأمَّة تَطعَنُ في نَسَبِهم، وَيذكُرونَ أنَّهم من أولادِ المجوسِ أو اليهودِ، هذا مشهورٌ مِن شهادةِ عُلَماءِ الطَّوائِفِ: من الحنفيَّة والمالكيَّة والشَّافعية والحنابلة وأهلِ الحديثِ، وأهلِ الكلامِ، وعُلَماءِ النَّسَبِ، والعامَّة وغيرهم, وهذا أمرٌ قد ذكَرَه عامَّةُ المُصَنِّفينَ لأخبارِ النَّاسِ وأيَّامِهم، حتى بعض مَن قد يتوقَّفُ في أمْرِهم، كابنِ الأثيرِ المَوصليِّ في تاريخِه، ونحوه؛ فإنَّه ذكَرَ ما كتَبَه عُلَماءُ المُسلِمينَ بخُطوطِهم في القَدحِ في نَسَبِهم"

العام الهجري : 505 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1111
تفاصيل الحدث:

هو الشيخ البحر حُجَّة الإسلام، أُعجوبة الزمان: زين الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الغزالي الألوسي الطوسي الشافعي؛ إمام عصره صاحب التصانيف والذكاء المفرط. وُلِدَ بطوس سنة 450, وتفقَّه ببلده أولًا، ثم تحول إلى نيسابور في مرافقة جماعة من الطلبة، فلازم إمام الحرمين، فبرع في عدة علوم في مدة قريبة، ومهر في الكلام والجدل، حتى صار عينَ المناظرين، وشرع في التصنيف. يقول الذهبي: "سار أبو حامد إلى المخيَّم السلطاني، فأقبل عليه نظام الملك الوزير، وسُرَّ بوجوده، وناظَرَ الكبارَ بحضرته، فانبهر له وشاع أمره؛ فولَّاه نظام الملك التدريسَ في نظامية بغداد، فقدمها بعد 480، وسِنُّه نحو الثلاثين، وأخذ في تأليف الأصول والفقه والكلام والحكمة، وأدخَلَه سيلانُ ذهنِه في مضايق الكلام، ومزالِّ الأقدامِ، ولله سرٌّ في خلقه. وعَظُمَ جاه الرجل وازدادت حشمته؛ بحيث إنه في دست أمير، وفي رتبة رئيس كبير، فأدَّاه نظره في العلوم وممارسته لأفانين الزهديات إلى رفض الرئاسة، والإنابة إلى دار الخلود، والتأله والإخلاص وإصلاح النفس، فحجَّ من وقته، وزار بيت المقدس" وأخذ الغزالي في تصنيف كتاب الإحياء وتمَّمه بدمشق، وقد شنع عليه أبو الفرج بن الجوزي ثمَّ ابن الصلاح في ذلك تشنيعًا كثيرًا، وأراد المازري أن يحرق كتاب إحياء علوم الدين، وكذلك غيره من المغاربة، وقالوا: "هذا كتاب إحياء علوم دينه، وأما ديننا فإحياء علومه كتابُ الله وسنة رسوله". قال عبد الغافر في السياق: "لقد زرته مرارًا، وما كنت أحدس في نفسي مع ما عهدته عليه من الزعارة والنظر إلى الناس بعين الاستخفاف كبرًا وخيلاء، واعتزازًا بما رُزِق من البسطة والنطق والذهن وطلب العلو؛ أنَّه صار على الضد، وتصفَّى عن تلك الكدورات، وكنت أظنه متلفعًا بجلباب التكلف، متنمِّسًا بما صار إليه، فتحققت بعد السبر والتنقير أن الأمر على خلاف المظنون، وأن الرجل أفاق بعد الجنون، وحكى لنا في ليالٍ كيفية أحواله من ابتداء ما أظهر له طريق التأله، وغلبة الحال عليه بعد تبحره في العلوم، واستطالته على الكل بكلامه، والاستعداد الذي خصه الله به في تحصيل أنواع العلوم، وتمكُّنه من البحث والنظر، ولما عاد إلى طوس واتخذ في جواره مدرسة للطلبة، وخانقاه للصوفية، ووزع أوقاته على وظائف الحاضرين من ختم القرآن، ومجالسة ذوي القلوب، والقعود للتدريس، حتى توفي بعد مقاساة لأنواع من القصد، والمناوأة من الخصوم، والسعي فيه إلى الملوك، وحفظ الله له عن نوش أيدي النكبات... إلى أن قال: وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب الحديث ومجالسة أهله، ومطالعة (الصحيحين)، ومما كان يعترض به عليه وقوع خلل من جهة النحو في أثناء كلامه، ورُوجِعَ فيه، فأنصف واعترف أنه ما مارسه، واكتفى بما كان يحتاج إليه في كلامه، مع أنه كان يؤلِّفُ الخطب، ويشرح الكتب بالعبارة التي يعجز الأدباء والفصحاء عن أمثالها. ومما نُقم عليه ما ذكر من الألفاظ المستبشعة بالفارسية في كتاب (كيمياء السعادة والعلوم) وشرح بعض الصور والمسائل بحيث لا توافق مراسم الشرع وظواهر ما عليه قواعد الملة، وكان الأولى به -والحق أحق ما يقال- ترك ذلك التصنيف، والإعراض عن الشرح له؛ فإن العوامَّ ربما لا يُحكمون أصول القواعد بالبراهين والحجج، فإذا سمعوا شيئًا من ذلك تخيلوا منه ما هو المضرُّ بعقائدهم، وينسُبون ذلك إلى بيان مذهب الأوائل. على أن المنصِفَ اللبيب إذا رجع إلى نفسه علم أن أكثر ما ذكره أبو حامد مما رمز إليه إشارات الشرع، وإن لم يَبُح به، ويوجد أمثاله في كلام مشايخ الطريقة، فلا يجب حمله إذًا إلا على ما يوافق، ولا ينبغي التعلق به في الرد عليه إذا أمكن، وكان الأولى به أن يترك الإفصاحَ بذلك، وقد سمعت أنه سمع سنن أبي داود من القاضي أبي الفتح الحاكمي الطوسي" قلت (الذهبي): ما نقمه عبد الغافر على أبي حامد في الكيمياء فله أمثاله في غضون تواليفه، حتى قال أبو بكر بن العربي: شيخنا أبو حامد بلع الفلاسفة، وأراد أن يتقيَّأهم فما استطاع". وقال عياض القاضي: "والشيخ أبو حامد ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف العظيمة، غلا في طريقة التصوف، وتجرد لنصر مذهبهم، وصار داعيةً في ذلك، وألَّف فيه تواليفه المشهورة، أُخِذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنونُ أمة، والله أعلم بسِرِّه، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوى الفقهاء بإحراقها والبعد عنها، فامتثل ذلك". قلت(الذهبي): ما زال العلماء يختلفون ويتكلم العالم في العالم باجتهادِه، وكل منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور، وإلى الله تُرجَع الأمور". ثم قصد الغزالي مصر وكان ينوي منها للاجتماع بالأمير يوسف بن تاشفين، فبينما هو كذلك بلغه نعي ابن تاشفين، فصرف عزمه عن تلك الناحية، ثم عاد إلى وطنه بطوس واشتغل بنفسه، وصنف الكتب في عدة فنون؛ منها كتاب "الوسيط" و "البسيط" و "الوجيز" و "الخلاصة" في الفقه، وله في أصول الفقه "المستصفى" فرغ من تصنيفه في سادس المحرم سنة 503، وله المنحول والمنتحل في علم الجدل، وله تهافت الفلاسفة، ومحك النظر، ومعيار العلم، والمقاصد، والمضنون به على غير أهله, ولم يُعقِب إلا البنات، ثم ألزم بالعود إلى نيسابور والتدريس بها بالمدرسة النظامية، ثم ترك ذلك وعاد إلى بيته في وطنه، واتخذ خانقاه للصوفية، ومدرسة للمشتغلين بالعلم في جواره، ووزع أوقاته على وظائف الخير؛ مِن خَتمِ القرآن، ومجالسة أهل القلوب، والقعود للتدريس، إلى أن انتقل إلى ربه. وكانت وفاته في يوم الاثنين الرابع عشر من جمادى الآخرة، ودفن بطوس.