الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2508 ). زمن البحث بالثانية ( 0.014 )

العام الهجري : 836 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1433
تفاصيل الحدث:

كان السلطان الأشرف برسباي قد تجهز للسفر إلى جهة آمد من هذه السنة، وسبب ذلك أن قرا يلك مَلِك آمد أظهر أولًا أنه يريد الطاعة لَمَّا كان ابنه هابيل في قبضة السلطان من أيام تملُّك الرها، ثم لما مات هابيل بالطاعون لم يعُدْ قرا يلك يُلقي بالًا للسلطان، بل عدا على ملطية وغيرها من البلاد، وأحرق وأفسد، وكان السلطان في السنوات الماضية يُشيعُ أنه يريد السفر لقتاله؛ لعل قرا يلك يُرعَب منه فيطلب الصلح، ولكنه لم يفعَلْ، فعزم في هذه السنة على السفر فسافر إلى آمد، ثم وصل كتاب السلطان من الرها، مؤرخًا بالثامن عشر ذي القعدة، يتضمَّنُ أنه رحل عن آمد بعدما أقام على حصارها خمسة وثلاثين يومًا، حتى طلب قرا يلك الصلح، فصُولحَ، ورحل العسكر في الثالث عشر ذي القعدة، وكان من خبرهم أن سار السلطان بعساكره من الرها وعليهم الأسلحة وآلة الحرب، إلى أن نزل إلى آمد في يوم الخميس ثامن شوال، وقبل نزول السلطان عليها صَفَّ عساكره عدة صفوف، ووراءهم الثقل والخدم، حتى ملؤوا الفضاء طولًا وعرضًا، وقد هال أهل آمد ما رأوه من كثرة العساكر وتلك الهيئة المزعجة؛ لكثرة ما اجتمع على السلطان من العساكر المصرية والنواب بالبلاد الشامية وأمراء التركمان والعربان، وكان قرا يلك قبل أن يخرج من مدينة آمد أمر أن يُطلَق الماءُ على أراضي آمد من خارج البلد من دجلة، ففعلوا ذلك فارتطمت خيول كثير من العسكر بالماء والطين، فلم يكترث أحد بذلك، ومشى العسكر صفًّا واحدًا، ولم يكن لآمد قلعة بل سور المدينة لا غير، إلا أنه في غاية الحسن من إحكام بنيانه؛ فلهذا يصعب حصارها ويبعد أخذها عَنوةً، فوقف العسكر حول آمد ساعة، ثم مال السلطان بفرسه إلى جهة بالقرب من مدينة آمد، ونزل به في مخيمه، وأمر الناس بالنزول في منازلهم، وأمرهم بعدم قتال أهل آمد، ونزل الجميعُ بالقرب من آمد، كالحلقة عليها، غير أنهم على بعد منها، بحيث إنه لا يلحقهم الرمي من السور، ونزل السلطان بمخيمه وقد ثبت عنده رحيل قرا يلك من آمد، وأنه ترك أحد أولاده بها، فأقام بمخيَّمه إلى صبيحة يوم السبت عاشر شوال، فركب وزحف بعساكره على مدينة آمد بعد أن كلَّمهم السلطان في تسليمها قبل ذلك، وتردَّدت الرسل بينه وبينهم، فأبى من بها من الإذعان لطاعة السلطان وتسليم المدينة إلا بإذن قرا يلك، ولما زحف السلطان على المدينة اقتحمت عساكر السلطان خندق آمد، وقاتلوا من بها قتالًا شديدًا، حتى أشرف القوم على الظفر وأخْذ المدينة، ورُدِم غالب خندق مدينة آمد بالحجارة والأخشاب، وبينما الناس في أشدِّ ما هم فيه من القتال، أخذ السلطانُ في مقت المماليك وتوبيخهم، وصار كلما جُرِحَ واحد من عساكره وأُتي له به يزدريه ويهزأُ به، وينسب القوم للتراخي في القتال، ثم لبس هو سلاحه بالكامل، وأراد أن يقتحم المدينة بنفسه حتى أعاقه عن ذلك أعيان أمرائه، وهو يتكلم بكلام معناه أن عساكره تتهاون في قتال أهل آمد، فلا زالت الأمراء به، حتى خلع عن رأسه خوذته ولبس تخفيفة على العادة، واستمرَّ القرقل عليه، إلى أن ترضَّاه الأمراء، وخلع قرقله، وسَئِمَت الناس من القتال، هذا مع ما بلغهم من غضب السلطان، بعد أن لم يُبقوا ممكِنًا في القتال، وقد أثخنت جراحات الأمراء والمماليك من عِظَم القتال، كل ذلك والسلطان ساخِطٌ عليهم بغير حق، فعند ذلك فتر عزم القوم عن القتال من يومئذ، ولما انقضى القتال وتوجه كل واحد إلى مخيمه، وهو غير راض في الباطن، وجد أهل آمد راحة كبيرة بعودة القوم عنهم، وأخذوا في تقوية أبراج المدينة وسورها، بعد أن كان أمرهم قد تلاشى؛ مما دهمهم من شدة قتال مَن لا قِبَلَ لهم بقتاله، ونزل السلطان بمخيمه، وندب الأمراء والعساكر للزحف، على هيئة ركوبهم يوم السبت، في يوم الثلاثاء، وهو أيضًا في حال غضبه، وقد اجتهد مماليك السلطان وأمراؤه في القتال، وجُرِح الغالب منهم، فكان آخر كلام السلطان للأمراء: إن العساكر تركب صحبة الأمراء في يوم الثلاثاء، وتزحف على المدينة، ويكون الذي يركب مع الأمراء للزحف المماليك القرانيص، وأنا ومماليكي الأجلاب نكون خلفهم، وقامت قيامةُ القوم، وتنكَّرت القلوب على السلطان في الباطن، وتطاولت أعناقُ أمرائه إلى الوثوب عليه، وبلغ السلطان عن الأمراء والمماليك نوع من الممالأة على الفتك به، فاضطرب أمره وصار يحاور المدينة، وهو في الحقيقة محصور من احتراسه من أمرائه ومماليكه، وأخذ في الندم على سفره، وفتر عزمه عن أخذ المدينة في الباطن، وضَعُف عن تدبير القتال، هذا والقتال مستمر في كل يوم، بل في كل ساعة، بين العسكر السلطاني وبين أهل آمد، وقُتِلَ خلائق من الطائفتين كثيرة، وصار السلطان يضايق أهل آمد بكل ما وصلت قدرتُه إليه، هذا وقد قَوِيَ أمرهم واشتد بأسهم لما بلغهم من اختلاف عساكر السلطان، وبينما السلطان فيما هو فيه قَدِمَ عليه الأمير دولات شاه الكردي صاحب أكل من ديار بكر، فأكرمه السلطان وخلع عليه، ثم لما بلغ الأشرف أحمد ابن الملك العادل سليمان صاحب حصن كيفا قدوم السلطان الملك الأشرف إلى آمد، خرج من الحصن في قليل من عسكره في أوائل ذي القعدة يريد القدوم على السلطان، فاعترضه في مسيره جماعة من أعوان قرا يلك على حين غفلة، وقاتلوه إلى أن قُتِلَ الملك الأشرف من سهم أصابه، وانهزم بقيةُ من كان معه وانتهبوا، فقدم جماعةٌ منهم على السلطان الأشرف، وعَرَّفوه بقتل الملك الأشرف صاحب الحصن، فعَظُم عليه ذلك إلى الغاية، ومن هذا اليوم أخذ السلطان في أسباب الرحيل عن آمد، غيرَ أنه صار يترقب حركة يرحل بها؛ لتكونَ لرحيله مندوحةٌ، ثم ندب السلطان جماعة كبيرة من التركمان والعربان من عسكره لتتبع قتلة الملك الأشرف صاحب الحصن، ولما ندب السلطان الجماعة المذكورة لتتبُّع قتلة الملك الأشرف وغيره، خرجوا إلى جهة من الجهات فوافوا جماعة كبيرة من أمراء قرا يلك وقاتلوهم حتى هزموهم، وأسَروا منهم جماعة كبيرة من أمراء قرا يلك وفرسانه، وأتوا بهم إلى السلطان، وهم نيِّف على عشرين نفسًا، فأمر السلطان بقيدهم فقُيِّدوا، ثم توجهوا ثانيًا فوافقوا جماعة أخرى فقاتلوهم أيضًا وأسروا منهم نحو الثلاثين، ومن جملتهم قرا محمد أحد أعيان أمراء قرا يلك، فأحضر السلطان قرا محمد وهدده بالتوسيط إن لم يُسَلِّم له آمد، فأخذوا قرا محمد ومرُّوا إلى تحت سور المدينة، فكلَّمهم قرا محمد في تسليم المدينة، فلم يلتفتوا إليه، فأخذوه وعادوا، وأصبح السلطان فوسَطَ منهم تحت سور آمد عشرين رجلًا، من جملتهم قرا محمد، ثم بلغ السلطان أن قرا يلك نزل من قلعة أرقنين بجماعة من عساكره يريد أن يكبس على السلطان في الليل، أو يتوجه بهم إلى حلب، فندب السلطانُ جماعة من الأمراء والمماليك في عمل اليزك بالنوبة، في كل ليلة لحفظ العساكر، ثم رسم السلطان للأمير جارقطلو نائب الشام بالتوجُّه لقرا يلك بقلعة أرقنين، وندب معه جماعة من النواب والأمراء والعساكر المصرية، فخرجوا من الوطاق السلطاني في الليل بجموع كثيرة، وجدُّوا في السير حتى وافوا قرا يلك وهو بمخيمه تحت قلعة أرقنين بين الظهر والعصر، وكان غالب العسكر قد تخلَّف، فتقدم بعض العسكر السلطاني من التركمان والعربان، واقتتلوا مع القرا يلكية قتالًا جيدًا إلى أن كانت الكسرة في العسكر السلطاني، وقُتِل جماعة كثيرة من التركمان والعربان وأمراء دمشق وغيرهم، كل ذلك وسنجق السلطان إلى الآن لم يَصِل، وأما جارقطلو فإنه لما قَوِيَ الحر عليه نزل على نهر بالقرب من أرقنين ليروي خيوله منه، وصار الرائد يرد عليه بأن القوم قد التقوا مع عساكر قرا يلك، وهم في قلة وقد عزموا على القتال، فلم يلتفت إلى ذلك وسار على هيئته، فتركه بعض عساكره وساروا حتى لحقوا بمن تقدَّمهم وقاتلوا القرا يلكية، ثم تراجع القومُ وكرُّوا على القرا يلكية وهزموهم أقبح هزيمة، وتعلَّق قرا يلك بقلعة أرقنين وتحصَّن بها، ونُهِبت عساكره وتمزقوا كل ممزق، هذا والسلطان مجتهد في عماره قلعة من الخشب تجاه أبراج، ومكاحل النفط ترمي في كل يوم بالمدافع، والمجانيق منصوبة يُرمى بها، وأيضًا على الأبراج، وأهل آمد في أسوأ ما يكون من الحال، هذا مع عدم التفات السلطان لحصار آمد الالتفات الكلي؛ لشغل خاطره من جهة اختلاف عساكره، وهو بتلك البلاد بين يدي عدوِّه، وقد تورط في الإقامة على حصار آمد، والشروع ملزم، وطالت إقامته على آمد بعساكره نحو خمسة وثلاثين يومًا، وقد ضاق الحالُ أيضًا على أهل آمد، فعند ذلك ترددت الرسل بين السلطان وبين قرا يلك في الصلح، وكان قرا يلك هو البادئ في ذلك، حتى تم وانتظم الصلح بينهما على أن قرا يلك يُقَبِّل الأرض للسلطان، ويَخطُب باسمه في بلاده ويَضرِبَ السكةَ على الدينار والدرهم باسمه، فأجاب إلى ذلك، فأرسل إليه السلطان القاضيَ شرف الدين الأشقر نائب كاتب السر، فتوجَّه إليه القاضي شرف الدين بالخِلَع والفرس الذي جهزه السلطان إليه بقُماش ذهب، ونحو ثلاثين قطعة من القماش السكندري، ولما بلغ قرا يلك مجيءُ القاضي شرف الدين نزل من قلعة أرقنين بمخيمه، ولقي القاضي شرف الدين وسَلَّم عليه، ثمَّ قام وقَبَّل الأرض، فألبسه القاضي شرف الدين الخِلعة، ثم قُدِّمَ له الفرس صحبة الأوجاقي، فقام إليه، فأمره القاضي شرف الدين بتقبيل حافرِ الفرس، فامتنع من ذلك قليلًا، ثم أجاب بعد أن قال: واللهِ، إن هذه عادة تعيسة، أو معنى ذلك, ثم أخذ في الكلام مع القاضي شرف الدين، فأخذ القاضي شرف الدين يعظه ويحذره مخالفة السلطان وسوء عاقبة ذلك، وعاد القاضي شرف الدين إلى السلطان، وفي الحال أخَذَ السلطان في أسباب الرحيل، ورحل في ليلة الخميس ثالث عشر ذي القعدة في النصف الثاني من الليل من غير ترتيب ولا تطليب، ولا تعبية، ورحلت العساكر من آمد كالمنهزمين، لا يلوي أحد على أحد، بل صار كل واحد يسير على رأيه، وعند رحيل القوم أطلق الغلمان النيران في الزروع المحصودة برسم عليق خيول الأجناد، فإنه كان كل جندي من الأجناد صار أمام خيمته جرن كبير مما يحصُدُه غلامه، ويأتيه به من زروع آمد، فلما انطلق النار في هذه الأجران، انطبق الوطاق بالدخان إلى الجو، حتى صار الرجل لا ينظر إلى الرجل الذي بجانبه، ورحل الناس على هذه الهيئة مسرعين، مخافة أن يسير السلطان ويتركهم غنيمةً لأهل آمد!

العام الهجري : 45 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 665
تفاصيل الحدث:

هي حَفصَةُ بنتُ عُمَر بن الخطَّاب، أُمُّها زينبُ بنتُ مَظعونِ بن حَبيبِ بن وَهْبٍ، كانت تحت خُنَيْس بن حُذافَة بن قيسِ بن عَدِيٍّ، هاجَرا سَوِيًّا للمدينةِ، ثمَّ تُوفِّي عنها بعدَ بدرٍ فتَزَوَّجَها النَّبِيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ثمَّ طَلَّقَها تَطليقَة ثمَّ ارْتَجَعَها، أَمَرَهُ جِبريلُ بذلك وقال: (إنَّ الله يَأمُرك أن تُرْجِعَها إنَّها صَوَّامَة قَوَّامَة، وإنَّها زَوجتُك في الجنَّة). توفِّيت في المدينةِ في خِلافَة مُعاوِيَة عام 45 هـ، ودُفِنَت في البَقيعِ رضي الله عنها وأرضاها.

العام الهجري : 321 العام الميلادي : 932
تفاصيل الحدث:

أمر القاهِرُ بالله بمَنعِ بَيعِ الخَمرِ وسائِرِ الأنبذة، وتحريمِ القِيانِ وبيعِ المُغَنِّيات من الجواري إلَّا على أنهنَّ ساذجاتٍ- يعني حتى لا يُبَعْنَ بثمنٍ غالٍ للغناء- وقَبَضَ على المُغَنِّينَ وكسَرَ آلاتِ اللَّهوِ ونفى المخانيثَ، ومع هذا كلِّه كان هو مُغرمًا بسماعِ الغناءِ وتَعاطي الشُّربِ. قال ابن الأثير: " ثم وضع القاهِرُ من يشتري له كُلَّ حاذقةٍ في صنعةِ الغِناءِ، فاشترى منهنَّ ما أراد بأرخَصِ الأثمانِ، وكان القاهِرُ مشتَهِرًا بالغناءِ والسَّماعِ، فجعل ذلك طريقًا إلى تحصيلِ غَرَضِه رخيصًا، نعوذُ بالله من هذه الأخلاقِ التي لا يرضاها عامَّةُ النَّاسِ".

العام الهجري : 340 العام الميلادي : 951
تفاصيل الحدث:

قلَعَ حَجَبةُ الكعبةِ الحجَرَ الأسودَ لا لأخْذِه، بل لعدمِ رِضاهم عن وَضعِ سنبر بن الحسن صاحِبِ القرمطيِّ الذي وضَعَه لَمَّا ردُّوه في العام الماضي، فجعلوه في الكعبةِ، فأحبُّوا أن يجعلوا له طوقًا مِن فِضَّة فيُشَدُّ به كما كان قديمًا، كما عَمِلَه عبد الله بن الزبير، وأخذ في إصلاحِه صانعانِ حاذقانِ فأحكماه. قال أبو الحسن محمَّد بن نافع الخزاعي: " دخلتُ الكعبةَ فيمن دخَلَها فتأمَّلتُ الحجَرَ، فإذا السَّوادُ في رأسِه دون سائِرِه, وسائِرُه أبيضُ، وكان طولُه فيما حزرتُ مِقدارَ عَظمِ الذِّراعِ ".

العام الهجري : 365 العام الميلادي : 975
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ الفقيهُ الأصوليُّ اللُّغويُّ, عالمُ خُراسان, أبو بكر مُحمَّدُ بنُ عليِّ بنِ إسماعيل الشافعيُّ، صاحِبُ التصانيفِ، المعروفُ بالقَفَّال الكبيرِ، الشَّاشيُّ نِسبةً إلى مدينة شاشَ وراءَ النَّهرِ، ولد بها سنة 271, وكان من أكابر عُلَماءِ عَصرِه بالفِقهِ والحديث واللغة، رحل إلى العراقِ والشام وخراسان، قال الحاكم عنه: "عالمُ أهلِ ما وراءَ النَّهرِ في الأصولِ ". وعنه انتشر المذهبُ الشَّافعيُّ هناك، له مصنَّفاتٌ؛ منها: أصول الفقه، ومحاسن الشريعة، وشرح رسالة الشافعي، وغيرها، كانت وفاتُه بشاش عن 74 عامًا.

العام الهجري : 465 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1072
تفاصيل الحدث:

قال ابنُ كَثيرٍ: "في يومِ الخَميسِ حادي عشر المُحرَّمِ حَضرَ إلى الدِّيوانِ أبو الوَفا عليُّ بنُ محمدِ بنِ عَقيلٍ العَقيليُّ الحَنبليُّ، وقد كَتبَ على نَفسِه كِتابًا يَتضمَّن تَوبتَه من الاعتِزالِ، وأنَّه رَجعَ عن اعتِقادِ كَوْنِ الحَلَّاجِ من أَهلِ الحَقِّ والخَيرِ، وأنه قد رَجعَ عن الجُزءِ الذي عَمِلَه في ذلك، وأنَّ الحَلَّاجَ قد قُتِلَ بإجماعِ عُلماءِ أَهلِ عَصرِه على زَندَقتِه، وأنَّهم كانوا مُصِيبينَ في قَتلِه وما رَمَوْهُ بهِ، وهو مُخطِئٌ، وأَشهَدَ عليه جَماعةً من الكُتَّابِ، ورَجعَ من الدِّيوانِ إلى دارِ الشَّريفِ أبي جَعفرٍ فسَلَّمَ عليه وصالَحه واعتَذرَ إليه، فعَظَّمَه"

العام الهجري : 542 العام الميلادي : 1147
تفاصيل الحدث:

لَمَّا استولى عبدُ المؤمن بنُ علي قائدُ المُوحِّدينَ على مراكش، أحضَرَ اليهودَ والنَّصارى، وقال: إنَّ الإمامَ المَهديَّ أمَرَني ألَّا أُقِرَّ النَّاسَ إلَّا على مِلَّةٍ واحدةٍ وهي الإسلامُ، وأنتم تَزعُمونَ أنَّ بعد الخَمسِمئة عام يظهَرُ مَن يُعضِّدُ شريعتَكم، وقد انقَضَت المُدَّةُ، وأنا مُخَيِّرُكم بين ثلاثٍ: إمَّا أن تُسلِموا، وإمَّا أن تَلحَقوا بدارِ الحَربِ، وإمَّا أن أضرِبَ رِقابَكم، فأسلم منهم طائِفةٌ، ولَحِقَ بدار الحَربِ أخرى. وأخرَبَ عبدُ المؤمِنِ الكنائسَ والبِيَعَ ورَدَّها مساجِدَ، وأبطل الجِزيةَ، وفعل ذلك في جميعِ ولاياتِه.

العام الهجري : 546 العام الميلادي : 1151
تفاصيل الحدث:

جمعَ نُورُ الدِّينِ مَحمود بن زنكي عَسكَرَه وسار إلى بلادِ جوسلين الفرنجي، وهي شَماليَّ حَلَب منها تل باشر، وعين تاب، وإعزاز وغيرها، وعَزَمَ على مُحاصَرتِها وأخْذِها، وكان جوسلين فارِسَ الفِرنجِ غَيرَ مُدافَعٍ، قد جمع الشَّجاعةِ والرَّأيَ، فلَمَّا عَلِمَ بذلك جَمَعَ الفِرنجَ فأكثَرَ، وسار نحوَ نور الدين فالتَقَوا واقتتلوا، فانهزم المُسلِمونَ وقُتِلَ منهم وأُسِرَ جمعٌ كثيرٌ، وكان في جُملةِ مَن أُسِرَ سلاحُ دار نور الدين محمود، فأخذه جوسلين، ومَعَه سلاحُ نور الدين، فسَيَّرَه إلى الملك مسعود بن قلج أرسلان، صاحِبِ قونية، وأقصرا، وقال له: هذا سِلاحُ زَوجِ ابنَتِك، وسيأتيك بعده ما هو أعظَمُ منه، فلمَّا عَلِمَ نور الدين محمود الحالَ، عَظُمَ عليه ذلك، وأعمَلَ الحيلةَ على جوسلين، وهَجَرَ الراحةَ ليأخُذَ بثَأرِه، وأحضَرَ جَماعةً مِن أمراء التركمان، وبذَلَ لهم الرَّغائِبَ إن هم ظَفِروا بجوسلين وسَلَّموه إليه إمَّا قتيلًا أو أسيرًا؛ لأنَّه عَلِمَ أنَّه متى قَصَدَه بنفسه احتمى بجُموعِه وحُصونِه، فجعل التُّركمانُ عليه العُيونَ، فخرج مُتصَيِّدًا، فلَحِقَت به طائفةٌ منهم وظَفِروا به فأخذوه أسيرًا، فصانَعَهم على مالٍ يُؤدِّيه إليهم، فأجابوه إلى إطلاقِه إذا حضَرَ المالُ، فأرسل في إحضارِه، فمضى بعضُهم إلى أبي بكر بن الداية، نائِبِ نورِ الدين بحَلَب، فأعلَمَه الحالَ، فسَيَّرَ عَسكرًا معه، فكَبَسوا أولئك التُّركمانَ وجوسلين معهم، فأخذوه أسيرًا وأحضَروه عنده، وكان أسْرُه من أعظَمِ الفُتوحِ؛ لأنَّه كان شَيطانًا عاتيًا، شديدًا على المُسلِمينَ، قاسيَ القَلبِ، وأُصيبَت النصرانيَّةُ كافَّةً بأسْرِه، ولَمَّا أُسِرَ سار نور الدين إلى قلاعِه فمَلَكَها، وهي تل باشر، وعين تاب، وإعزاز، وتل خالد، وقورس، والراوندان، وبرج الرصاص، وحصن البارة، وكفرسود، وكفرلاثا، ودلوك، ومرعش، ونهر الجوز، وغير ذلك من أعمالِه، في مُدَّةٍ يسيرةٍ، وكان نورُ الدين كلَّما فتح منها حِصنًا نقل إليه مِن كُلِّ ما تحتاجُ إليه الحُصونُ؛ خَوفًا من نَكسةٍ تَلحَقُ بالمُسلِمينَ من الفِرنجِ، فتكون بلادُهم غيرَ مُحتاجةٍ إلى ما يَمنَعُها من العَدُوِّ.

العام الهجري : 695 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1296
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامة، مفتي المسلمين، أبو البركات زين الدين المنجي بن عثمان بن أسعد بن المنجي بن بركات بن المؤمل، التنوخي، المعرِّي الأصل، الدمشقي، شيخُ الحنابلة. ولد سنة 631. سمع الحديث وتفقَّهَ فبرع في فنون من العلمِ كثيرةٍ مِن الأصول والفروع والعربيَّة والتفسير وغير ذلك، وانتهت إليه رياسة المذهب، وصنَّف في الأصول وشرَحَ المُقنِعَ، وله تعاليقُ في التفسير, فدرَّس وأفتى وصنَّف, وتفقَّه عليه: ابن الفخر، وابن أبي الفتح، وابن تيمية، وجماعة من الأئمة. وكان قد جمع له بين حُسنِ السَّمت والديانة والعِلمِ والوجاهة وصِحَّة الذهن والمناظرة, وطولِ النفس في البحث، وله مُلكٌ وثَروةٌ وحُرمةٌ وافرةٌ, وكان له في الجامِعِ حلقة للإشغالِ والفتوى نحو ثلاثين سنة متبَرِّعًا لا يتناوَلُ على ذلك أجرًا. وكانت له أوراد، منها صومُ الاثنين والخميس، والذِّكرُ من حين يصلِّي الصبحَ إلى أن يصلي الضُّحى. وله مع الصلوات تطوع كثير. ويصلي الضحى ويطيلُها جِدًّا. وكان له في آخِرِ الليل تهجدٌ كثيرٌ وتيقُّظٌ وذِكرٌ. وكان له إيثارٌ كبير؛ يفطِّرُ الفقراء عنده في بعضِ الليالي، وفي شهر رمضانَ كُلِّه. وكان مع ذلك حسَنَ الأخلاقِ، لطيفًا مع المشتغلين، مليحَ المجالسة. قال الذهبي: " أجاز لي مرويَّاتِه سنة سبع وسبعين، وقصدته لأسمعَ منه فقال لي: تعالَ وقتًا آخر. فاشتغلت ولم يقَدَّر لي السماعُ منه. وكان مليحَ الشكل، حسَنَ البِزَّة، كثيرَ التطهُّر والنظافة. وكان غالِبَ أوقاته في الجامع وفي بيت المأذنةِ". توفي يوم الخميس رابع شعبان، وتوفيت معه زوجتُه أم محمد ست أبيها بنت صدر الدين الخجندي، وصُلِّيَ عليهما بعد الجمعة بجامع دمشقَ وحُمِلا جميعًا إلى سفح قاسيون شمال الجامع المظفري تحت الروضة، فدفنا في تربةٍ واحدة رحمهما الله تعالى، وهو والد رئيسِ القضاة علاء الدين، وكان شيخ المسماريَّة ثم وليها بعده ولداه شرف الدين وعلاء الدين، وكان شيخَ الحنبليَّة فدَرَّس بها بعده الشيخ تقي الدين ابنُ تيمية.

العام الهجري : 898 العام الميلادي : 1492
تفاصيل الحدث:

كلف ملك البرتغال مانويل الأول فاسكو دي جاما القيامَ برحلة للبحث عن طريق آخر يوصل بالهند دون المرور على بلاد المسلمين، فقام فاسكو بالسير جنوبًا بمحاذاة السواحل الغربية ووصل إلى رأس الزوابع في جنوب أفريقيا وسماها رأس الرجاء الصالح، ثم استدار شمالًا إلى السواحل الشرقية فوصل إلى موزمبيق وماليندي، وكانوا قد التقوا بسفن عربية أدهشتهم صناعتها، وكذلك أدوات الملاحة التي مع بحاريها من بوصلة وخرائط والمزاول، فأراد الاستفادة منهم للوصول إلى الهند، وكان من أبرز نتائجِ هذا الاكتشاف إضعافُ المسلمين اقتصاديًّا بانقطاع مرور التجارة ببلادهم بين الشرق والغرب؛ مما أدى إلى تدهورِ اقتصاد الدولة المملوكية، وكان أحدَ أسباب سقوطِها. أما ما أُشيع من أن ابن ماجد أرشد قائد الأسطول البرتغالي فاسكو دي غاما إلى طريق الهند، فهو باطل؛ قال أحمد علاونة: "هو قول باطل مدارُه على النهروالي في كتابه (البرق اليماني في الفتح العثماني)، وقد ذكر هذه الأسطورةَ بعد ثمانين سنة من حدوثها، ولم يذكر أيُّ مؤرخ بعد النهروالي هذه الأسطورةَ، ثم جاء المستشرق فران عام 1922 ونفخ فيها من روحه، وتابعه عليها كثيرون، منهم الزِّرِكْلي". وقد أورد العلاونة بعضَ الأدلةِ على بطلان إرشاد ابن ماجد لدي غاما، منها: أ / أن ابن ماجد أرشد دي غاما وهو سكران، وهذا غير معقول أن يطمَئِنَّ قائدٌ عسكري لفاقد الوعي ليدُلَّه على طريق محفوف بالمخاطر. ب/ لم تكن لابن ماجد خبرة في الساحل الأفريقي. ج/ لم يَرِدْ ذكرُ هذه الحادثة في أيٍّ من أعمال ابن ماجد النثرية والشعرية. د/ كان ابن ماجد يَعرِفُ حقَّ المعرفة نوايا البرتغاليين وما يضمرونه من شر للمسلمين. هـ/ لا يوجد مؤرخ برتغالي ممن عاصروا دي غاما وعُنُوا بتاريخ رحلاته، أو ممن جاؤوا على أثارهم ذكروا أحمد بن ماجد. و/ عاصر وصول البرتغاليين إلى المحيط الهندي عددٌ من المؤرخين العرب، ومنهم من عاصر ابن ماجد، ولم يذكر أيٌّ منهم صلةَ ابن ماجد بالبرتغاليين.ا.

العام الهجري : 16 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 637
تفاصيل الحدث:

عزَم سعدُ بن أبي وَقَّاص أن يَعْبُرَ جَيشُه دِجلَة بالخيلِ، فجمَع النَّاس فحمِد الله وأثنى عليه ثمَّ قال: إنَّ عَدُوَّكُم قد اعْتصَم منكم بهذا البحرِ، فلا تَخْلُصون إليه معه ويَخْلُصون إليكم إذا شاءوا في سُفُنِهم فَيُناوِشُونَكُم، وليس وَراءَكُم شيءٌ تخافون أن تُؤْتَوْا منه، قد كَفاكُم أهلُ الأيَّام وعَطَّلُوا ثُغورَهُم، وقد رأيتُ مِن الرَّأي أن تُجاهِدوا العَدُوَّ قبلَ أن تَحْصُدَكُم الدّنيا، ألا إِنِّي قد عَزمتُ على قَطْعِ هذا البحرِ إليهم. فقالوا جميعًا: عزَم الله لنا ولك على الرُّشْدِ، فافْعَلْ. فندَب النَّاسَ إلى العُبورِ وقال: مَن يَبدأُ ويَحْمي لنا الفِراضَ حتَّى تَتلاحَقَ به النَّاسُ لِكَيْلا يَمنَعوهُم مِن العُبورِ؟ فانْتَدَبَ عاصمُ بن عَمرٍو ذو البَأْسِ، في سِتِّمائةٍ مِن أهلِ النَّجدات لِيَحموا لهم الشَّاطئَ مِن الفُرْسِ حتَّى تَتَلاحقَ الجُنْدُ، ولمَّا رَأى سعدٌ عاصِمًا على الفِراضِ قد مَنَعَها، أَذِنَ للنَّاسِ في الاقتحامِ وقال: قولوا: نَستَعينُ بالله، ونَتوَكَّلُ عليه، حَسبُنا الله ونِعْمَ الوَكيلُ، والله ليَنْصُرَنَّ الله وَلِيَّهُ، وليُظْهِرَنَّ دِينَهُ، وليَهْزِمَنَّ عَدُوَّهُ، لا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا بالله العَلِيِّ العظيمِ. وتَلاحَقَ النَّاسُ في دِجْلة وإنَّهم يَتَحدَّثون كما يَتَحدَّثون في البَرِّ، وطَبَّقوا دِجْلة حتَّى ما يُرى مِن الشَّاطئ شيءٌ. فلمَّا رَأى الفُرْسَ ذلك، وأَتاهُم أَمْرٌ لم يكنْ في حِسابِهم خرَجوا هاربين نحو حُلْوان، وتَركوا في الخَزائنِ مِن الثِّيابِ والمَتاعِ والآنِيَةِ والفُصوصِ والألطافِ ما لا يُدْرَى قِيمتُه، وخَلَّفُوا ما كانوا أَعَدُّوا للحِصارِ مِن البَقر والغَنَم والأطعِمَة، وكان في بيتِ المالِ ثلاثةُ آلافِ ألف ألف ألف، ثلاث مرَّات، وكان أوَّلَ مَن دخَل المدائنَ كَتيبةَ الأهوالِ، وهي كَتيبةُ عاصمِ بن عَمرٍو، ثمَّ كَتيبةُ الخَرْساء، وهي كَتيبةُ القَعقاعِ بن عَمرٍو، فأخذوا في سِكَكِها لا يَلْقون فيها أحدًا يَخْشَوْنَهُ إلَّا مَن كان في القَصرِ الأبيضِ، فأحاطوا بهم ودَعوهم فاستَجابوا على تَأدِيَةِ الجِزيَةِ والذِّمَّةِ، فتَراجَع إليهم أهلُ المدائنِ على مِثلِ عَهدِهم، ليس في ذلك ما كان لآلِ كِسرى، ونزَل سعدٌ القَصرَ الأبيضَ، واتَّخَذ سعدٌ إيوانَ كِسرى مُصَلَّى، ولمَّا دخَل سعدٌ الإيوانَ قرَأ: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الدخان: 25]...الآيةَ، وصلَّى فيه صَلاةَ الفَتحِ ثماني رَكعاتٍ، ثمَّ جمَع ما في القَصرِ والإيوانِ والدُّورِ مِن الغنائمِ، وكان أهلُ المدائنِ قد نَهبوها عند الهَزيمةِ، وهَربوا في كُلِّ وَجهٍ، فما أَفْلَتَ أحدٌ منهم بشيءٍ إلَّا أَدْرَكَهُم الطَّلَبُ، فأخذوا ما معهم، ورَأَوْا بالمدائنِ قِبابًا تُرْكِيَّةً مَمْلُؤةً سِلالًا مَختومَةً بِرَصاصٍ فحَسَبوها طعامًا، فإذا فيها آنِيَةُ الذَّهبِ والفِضَّةِ.

العام الهجري : 98 العام الميلادي : 716
تفاصيل الحدث:

لمَّا فَتَح يَزيدُ بن المُهَلَّب قُهِسْتان وجُرْجان طَمِعَ في طَبَرِسْتان أن يَفْتَحها، فَعَزَم على أن يَسيرَ إليها، فاسْتَعمَل عبدَ الله بن المُعَمَّر اليَشْكُرِيَّ على السَّاسان وقُهِسْتان، وخَلَّفَ معه أَربعةَ آلاف، ثمَّ أَقبَل إلى أَدانِي جُرجان مما يَلِي طَبَرِسْتان، فاسْتَعمَل على أَيْذُوسا راشِدَ بن عَمرٍو، وجَعَلَه في أَربعةِ آلاف، ودَخَل بِلادَ طَبَرِسْتان، فأَرسَل إليه الإِصْبَهْبَذ صاحِبُها يَسألُه الصُّلْحَ وأن يَخرُج مِن طَبَرِسْتان، فأَبَى يَزيدُ، ورَجَا أن يَفْتَتِحَها، ووَجَّه أَخاهُ أبا عُيَينَة مِن وَجْهٍ، وابنَه خالدَ بن يَزيدَ مِن وَجْهٍ، وأبا الجَهْم الكَلْبِيَّ مِن وَجْهٍ، وقال: إذا اجْتَمعتُم فأَبُو عُيينَة على النَّاس. فسار أبو عُيينَة وأقام يَزيدُ مُعَسْكِرًا, واسْتَجاش الإصْبَهْبَذ أَهلَ جِيلان والدَّيْلَم، فأَتوه فالْتَقوا في سَفْحِ جَبلٍ، فانْهَزَم المشركون في الجَبلِ، فاتَّبَعهُم المسلمون حتَّى انْتَهوا إلى فَمِ الشِّعْبِ، فدَخلَه المسلمون وصَعَد المشركون في الجَبلِ واتَّبَعَهم المسلمون يَرومُون الصُّعود، فرَماهُم العَدُوُّ بالنِّشابِ والحِجارَةِ، فانْهَزَم أبو عُيينَة والمسلمون يَركَب بَعضُهم بَعضًا، يَتَساقَطون في الجَبلِ حتَّى انْتَهوا إلى عَسْكَرِ يَزيدَ، وكَفَّ عَدُوُّهم عن اتِّباعِهم، وخافَهُم الإصْبَهْبَذ، فكان أَهلُ جُرجان ومُقَدِّمُهم المَرْزبان يَسأَلُهم أن يُبَيِّتُوا مَن عندهم مِن المسلمين، وأن يَقطَعوا عن يَزيدَ المادَّةَ والطَّريقَ فيما بينه وبين بِلادِ الإسلام، ويَعِدُهم أن يُكافِئَهم على ذلك، فثاروا بالمسلمين، فقَتَلوهُم أَجمعين وهُم غارُون في لَيلةٍ، وقُتِلَ عبدُ الله بن المُعَمَّر وجَميعُ مَن معه فلم يَنْجُ منهم أَحَدٌ، وكَتَبوا إلى الإصْبَهْبَذ بِأَخْذِ المَضايِق والطُّرُق. وبَلَغ ذلك يَزيدَ وأَصحابَه فعَظُمَ عليهم وهالَهُم، وفَزِعَ يَزيدُ إلى حَيَّان النَّبَطِي وقال له: لا يَمنَعك ما كان مِنِّي إليك مِن نَصيحَة المسلمين، وقد جاءَنا عن جُرجان ما جاءَنا، فاعْمَل في الصُّلْح. فقال: نعم. فأَتَى حَيَّانُ الإصْبَهْبَذ فقال: أنا رَجُلٌ منكم، وإن كان الدِّينُ فَرَّقَ بيني وبينكم، فأنا لكم ناصِح، فأنت أَحَبُّ إِلَيَّ مِن يَزيدَ، وقد بَعَث يَسْتَمِدُّ وأَمْدادُه منه قَريبَة، وإنَّما أصابوا منه طَرَفًا، ولست آمَن أن يأتيك مَن لا تقوم له، فأَرِحْ نَفسَك وصالِحْه، فإن صالَحتَه صَيَّرَ حَدَّهُ على أَهلِ جُرجان بِغَدْرِهِم وقَتْلِهم أَصحابَه. فصالَحَهُ على سَبعمائة ألف، وقِيلَ: خَمسمائة ألف، وأربعمائة وَقْرِ زَعْفَران، أو قِيمتِه مِن العَيْنِ، وأَربعمائة رَجُلٍ، على كُلِّ رَجُلٍ منهم تُرْسٌ وطَيْلَسان، ومع كُلِّ رَجُل جامٌ مِن فِضَّة وخِرْقَة حَرير وكُسْوَة. ثمَّ رَجَع حَيَّانُ إلى يَزيدَ، فقال: ابْعَث مَن يَحْمِل صُلْحَهُم. فقال: مِن عندهم أو مِن عندنا؟ قال: مِن عندهم. وكان يَزيد قد طابت نَفسُه أن يُعطِيَهم ما سَأَلوا ويَرجِع إلى جُرجان، فأَرسَل إلى يَزيد مَن يَقبِض ما صالَحَهم عليه حَيَّان.

العام الهجري : 127 العام الميلادي : 744
تفاصيل الحدث:

كان سَببُ ذلك أنَّه لمَّا قَدِمَ الأندَلُس أَميرًا أَظهَر العَصبِيَّة لليَمانِيَّة على المُضَرِيَّة، فاتَّفَق في بعضِ الأيَّام أنَّه اختَصَم رَجلٌ مِن كِنانَة ورَجلٌ مِن غَسَّان، فاسْتَعان الكِنانيُّ بالصُّمَيلِ بن حاتِم بن ذي الجَوْشَن الضَّبابي، فكلَّم فيه أبا الخطَّار، فاسْتَغلَظ له أبو الخطَّار، فأجابه الصُّمَيل، فأُمِرَ به فأُقِيمَ وضُرِب قَفاهُ، فمالَت عِمامتُه، فلمَّا خرَج قِيلَ له: نَرَى عِمامَتك مالَت! فقال: إن كان لي قومٌ فسَيُقِيمُونَها. وكان الصُّمَيْلُ مِن أَشرافِ مُضَر، فلمَّا جَرى له ذلك جَمَعَ قَومَه وأَعلمَهم، فقالوا له: نحن تَبَعٌ لك. قال: أُريدُ أن أُخرِجَ أبا الخَطَّار مِن الأندَلُس. فقال له بعضُ أَصحابِه: افْعَل واسْتَعِن بمَن شِئتَ ولا تَسْتَعِن بأبي عَطاء القَيسي. وكان مِن أَشرافِ قَيس، وكان يَنظُر الصُّميلَ في الرِّياسَة ويَحسُده. وقال له غيرُه: الرَّأيُ أنَّك تأتي أبا عَطاء وتَشُدُّ أَمرَك به فإنَّه تُحرِّكُه الحَمِيَّة ويَنصُرك، وإن تَركتَه مال إلى أبي الخَطَّار وأَعانَه عليك لِيَبلُغ فيك ما يُريد، والرَّأيُ أيضًا أن تَستَعِينَ عليه بأَهلِ اليَمن فَضلًا عن مَعْد. ففَعَل ذلك وسار مِن لَيلتِه إلى أبي عَطاء، وكان يَسكُن مَدينَة إسْتِجَة، فعَظَّمَه أبو عَطاء وسَألَه عن سَببِ قُدومِه، فأَعلمَه، حتَّى قام فرَكِبَ فَرسَه ولَبِسَ سِلاحَه وقال له: انهَض الآنَ حيث شِئتَ فأنا معك. وأَمَر أَهلَه وأَصحابَه باتِّباعِه، فساروا إلى مَرْو، وبها ثَوابَة بن سَلامَة الحُداني، وكان مُطاعًا في قَومِه، وكان أبو الخطَّار قد استَعمَله على إشبيلية وغيرها، ثمَّ عَزلَه ففَسَد عليه، فدَعاهُ الصُّمَيل إلى نَصرِه ووَعَدَهُ أنَّه إذا أخرجوا أبا الخطَّار صار أَميرًا، فأجاب إلى نَصرِه ودَعا قَومَه فأجابوه فساروا إلى شدونة، وسار إليهم أبو الخطَّار مِن قُرطُبة، فالتقوا واقْتَتَلوا في رَجب مِن هذه السَّنَة، وصَبَر الفَريقان ثمَّ وَقَعت الهزيمةُ على أبي الخطَّار وقُتِلَ أَصحابُه أَشدَّ قَتْلٍ وأُسِرَ أبو الخطَّار. ولمَّا انهَزَم أبو الخطَّار سار ثَوابةُ بن سَلامَة والصُّمَيل إلى قُرطُبة فمَلكاها، واسْتَقَرَّ ثَوابةُ في الإمارة فثارَ به عبدُ الرحمن بن حَسَّان الكلبي وأَخرَج أبا الخطَّار مِن السِّجْن، فاسْتَجاش اليَمانِيَّة فاجْتَمَع له خَلْقٌ كثيرٌ، وأَقبلَ بهم إلى قُرطُبة، وخَرَج إليه ثَوابةُ فيمَن معه مِن اليَمانِيَّة والمُضَريَّة مع الصُّمَيل. فلمَّا تَقاتَل الطَّائفتان نادى رَجلٌ مِن مُضَر: يا مَعشرَ اليَمانِيَّة، ما بالُكُم تَتَعرضون للحَربِ على أبي الخطَّار وقد جعلنا الأَميرَ منكم؟ يعني ثَوابَة، فإنَّه مِن اليَمَن... فلمَّا سَمِع النَّاسُ كَلامَه قالا: صَدَق والله، الأَميرُ مِنَّا فما بالُنا نُقاتِل قَومَنا؟ فتَركوا القِتالَ وافتَرقَ النَّاسُ، فهرَب أبو الخطَّار فلَحِقَ باجة، ورَجَع ثَوابةُ إلى قُرطُبة، فسُمِّيَ ذلك العَسكَر عَسكَر العافِيَة.

العام الهجري : 1357 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1938
تفاصيل الحدث:

هو محمد إقبال ابنُ الشيخ نور محمد؛ الشاعر المعروف، ولِدَ في سيالكوت إحدى مدن البنجاب الغربية في الثالث من ذي القعدة 1294هـ الموافق 9 من نوفمبر 1877م. ينتمي محمد إقبال إلى أسرة هندوكية من البراهمة، وهي جماعةٌ لها شأنٌ كبير في الهند رغم أنَّها تعبُدُ الأصنامَ وتقَدِّسُ التماثيل، لكِنَّ أسرة محمد إقبال تنازلت عن كلِّ هذه العظمة؛ لتدخُلَ في دين الإسلام في عهدِ السلطان زين العابدين بادشاه 1421 - 1473م، فاعتنق الجدُّ الأكبر لمحمد إقبال واسمه (بنديت) بعد أن هداه الله على يدِ أحدِ رجالِ الإسلامِ في كشمير، ففَضَّل بنديت الإسلامَ مع الفقرِ على عبادة الأصنام مع الغِنى والعظمة، ثمَّ أنجبت أسرتُه -التي كانت بالأمس القريب تعبدُ الأصنامَ وتحتَقِرُ الآخرينَ- محمد إقبال: فيلسوفَ الإسلامِ الكبيرَ وشاعِرَه. بدأ محمد إقبال تعليمَه في سن مبكرةٍ على يد أبيه، ثم التحق بأحَدِ مكاتب التعليم في سيالكوت، وفي السنة الرابعة من تعليمِه رأى أبوه أن يتفرَّغَ للِعلمِ الديني، ولكِنَّ أحد أصدقاء والده وهو الأستاذ مير حسن لم يوافِقْ، وقال: هذا الصبيُّ ليس لتعليم المساجِدِ، وسيبقى في المدرسة، وانتقل إقبال إلى الثانوية؛ حيث كان أستاذُه مير حسن يدَرِّسُ الآداب العربية والفارسية، وكان قد كرَّس حياتَه للدراسات الإسلامية. وبدأ إقبال في كتابةِ الشعر في هذه المرحلة المبكرة، وشجَّعه على ذلك أستاذه مير حسن، فكان يَنظِمُ الشعر في بداية حياته بالبنجابية، ولكِنَّ السيد مير حَسن وجَّهَه إلى النَّظْمِ بلغة الأردو، وكان إقبال يرسِلُ قصائده إلى ميرزا داغ دهلوي الشاعر البارز في الشعر الأردو حتى يبديَ رأيه فيها، وينصَحَه بشأنها وينقِّحها، ولم يمضِ إلا فترة بسيطة حتى قرَّر داغ دهلوي أنَّ أشعار إقبال في غنى تام عن التنقيح، وأتم إقبال دراستَه الأولية في سيالكوت، ثم بدأ دراسته الجامعية باجتياز الامتحان العام الأول بجامعة البنجاب 1891م، التي تخرَّج فيها وحصل منها على إجازة الآداب 1897م، ثمَّ حصل على درجة الماجستير 1899م، وتلقَّى إقبال دراساتِه الفلسفيةَ في هذه الكلية على يدِ الأستاذ توماس آرنولد، وكان أستاذًا في الفلسفة الحديثة، أجاد محمد إقبال الكثيرَ مِن اللغات؛ كالأوردية، والفارسية، والإنجليزية، والألمانية، وكان يَعرِفُ العربية. بعد أن أنهى (محمد إقبال) دراستَه الجامعية بلاهور عُيِّن أستاذًا للتاريخ والفلسفة والسياسة المدنية بالكلية الشرقية بلاهور، ثم أستاذًا للفلسفة واللغة الإنجليزية في الكلية الحكومية التي تخرَّج فيها، لكِنَّه كان طموحًا يريد مزيدًا من العلم، ويتمنى أن يرى البلاد الأوربية وحضارتها، فسافر إلى أوروبا سنة 1323هـ/1905م؛ حيث نال درجةً في الفلسفة من جامعة (كمبردج) ودرجةً في القانون من كلية لندن للعلوم السياسية، وعَمِلَ أستاذًا للغة العربية في جامعة لندن، كما حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة (ميونيخ) بألمانيا، وعاد مرةً أخرى إلى لندن، فنال شهادةَ المحاماة من جامعة لندن. وهناك في بلاد الغرب كان محمد إقبال يدعو إلى دين الإسلام، ويدافِعُ عنه دفاعًا صادقًا من خلال المقالات التي كان ينشرُها والقصائد الشعرية التي كان يُبدِعُها، وكان دائمًا يفخَرُ بالإسلام الذي حرَّر الرؤوس، وطهَّر النفوس، وأصلح الأرضَ، وحصَّن العِرْض، ولم يعجِبْه الفِسقُ والكفر الذي يعيش فيه الأوربيون، وقال لهم محذِّرًا: (يا أهل الغربِ، إنَّ أرض الله ليست دارَ تجارة، ولسوف تنتحِرُ حضارتكم بخِنْجَرها؛ لأنَّها كالعش الذي بُني على غُصنٍ ضَعيفٍ لا قوة له). رجع إقبال إلى لاهور عام 1908م بعد رحلة استغرقت ثلاث سنوات، وبدأ العمَلَ بالمحاماة، يدافِعُ عن المظلومين، وعُرِفَ عنه في أثناء عمله بها أنَّه لا يقبل إلا قضايا الحق، كما عُرِفَ عنه أيضًا اقتدارُه في مهنته، وكان مؤهَّلا لبلوغ أعلى الدرجات فيها، لكنَّه ترك المحاماة وعمل أستاذًا للفلسفة واللغة الإنجليزية في الكلية الإسلامية بلاهور، ثم استقال من منصب الأستاذية، واشتغل بالسياسة، فانتُخِبَ عام 1926م في الجمعية التشريعية في بنجاب، وعَمِلَ في حزب الرابطة الإسلامية، ورأَسَ المؤتمر السنوي لها في "إله آباد" سنة 1930م، واشترك إقبال في مؤتمر المائدة المستديرة عام 1931م، 1932م في لندن؛ للنظر في وضع دستور للهند. وقد كان إقبال يحلُمُ بإنشاء دولة إسلامية لمسلِمي الهند، وسَخِرَ منه الناس حينئذ، ولكِنْ تحققت فكرتُه بقيام دولة باكستان الإسلامية، زار إقبال كثيرًا من الدول الإسلامية، فزار مصر، وأفغانستان، كما زار قرطبة، وصلَّى في مسجد قرطبة الشهير، وظَلَّ طيلة حياته المجيدة يدافِعُ عن الإسلام والمسلمين في المحافِلِ الدولية والمؤتمرات الإسلامية، والكتب والأشعار التي أبدعها، ويحاوِلُ قَدرَ طاقته إيقاظ المسلمين من غفلتهم، ومساعدة الأمة الإسلامية على النهوض، وكان إقبال دائمًا يعطِفُ على الفقراء والمساكين؛ يجلس معهم، ويهتمُّ بأمرهم، ويخالطهم في الطعام والشراب. كما كان يدعو المسلمين إلى المشاركة في حركة الحضارة والتقَدُّم، وكان له موقِفٌ أصيل من التصوف يقوم على رفض التصوُّفِ الذي يخالِفُ الكتاب والسنَّة، ويتأثر بفلسفات وَثَنية، كما رفض التصوفَ الذي يجعلُ من المسلم سلبيًّا لا يشارِكُ في خدمة مجتمعه، ومقاومة الظلم والدفاع عن المسلمين، وكان يسمِّي هذا اللون من التصوف بالتصوف الأعجمي، وكان إقبال في كل أسفاره يعمَلُ على نشر الإسلام، وأثَّر بشِعرِه وأسلوبه في كثير من الأوروبيين، ثم اجتمع المرضُ على إقبال في السنوات الأخيرة من عمره، فضَعُف بصره لدرجة أنه لم يستطع التعَرُّفَ على أصدقائه بسهولةٍ، وكان يعاني من آلام وأزمات شديدة في الحلق؛ مما أدى إلى التهاب حلقه، وأدى بالتالي إلى خفوت صوته، ممَّا اضطره إلى اعتزال مهنة المحاماة، وفكَّر في أن يقصِدَ فيينا طلبًا للعلاج إلا أن حالاته المادية لم تسمَحْ بذلك، وفي 21 من إبريل من هذا العام في تمام الساعة الخامسة صباحًا كانت وفاته رحمه الله. يقول الشيخ أبو الحسن الندوي عنه: ومن دواعي العجَبِ أنَّ كُلَّ هذا النجاح حصل لهذا النابغة، وهو لم يتجاوز اثنين وثلاثين عامًا من عُمُرِه!!

العام الهجري : 1224 العام الميلادي : 1809
تفاصيل الحدث:

عندما منع الإمام سعود حاجَّ الشام من دخول مكَّةَ لأداء الحجِّ، أرسل والي الشام إلى الإمام سعود يستنكِرُ منع حجاج الشام من دخول مكة، فأرسل له الإمام سعود رسالةً مطولة بيَّن فيها سبَبَ مَنعِهم من دخول مكةَ، وممَّا ورد في هذه الرسالة: "السلام التام والتحية والإكرام يُهدى إلى سيِّد الأنام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام, ثم ينتهي إلى جناب الأحشم المكرَّم سلمه الله من الآفات واستعمله بالباقيات الصالحات، وبعد.. ما ذكرتَ من طرف الحاجِّ فأنت تفهَمُ أنَّ البيت بيتُ الله، والوفدَ وفدُه، ولا نمنَعُ عن بيته إلَّا من أمرنا بمَنعِه والله سبحانه وتعالى، قال: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125]، وقال تعالى: {سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: 25]، وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} [التوبة: 28] ولا يخفاكم ما يجري مع الحاجِّ من الأمورِ العظائِمِ الشِّركية مِن دعوة غير الله، وتعظيمِ الشِّرك بالله، وتعظيمِ المشاهد، وتَركِ الفرائض, وأعظَمُ الفرائض بعد التوحيد الصلواتُ الخمس، لا يؤذَّنُ لها ولا يصلِّي مع أحد جماعة، والأمور العظائم القبائح التي تُنقَلُ مع الحاج من أنواع المنكرات والفواحش من اللُّواطِ والقِحاب وشُربِ المسكر والزَّمر والطَّبل وما يُشابه ذلك من أنواع الملاهي التي يُعرف قبحُها, والله قال جل جلاله: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 197] فإذا كان الرَّفَثُ والجدال مِن مبطلاتِ الحَجِّ، فكيف بهذه القبائِحِ والمنكراتِ؟! فإن قال قائل: إنه لا يفعَلُ ذلك فنحن نقول: ما نعمُّ النَّاسَ بذلك, ولكِنَّ الحُكمَ على الظاهر, والظاهِرُ مع الحاجِّ وفي أوطانِكم فِعلُ ما ذكرناه، ومن رعاياكم من يقول: هذا ما فعَلَه إلا طوارِفُ [أي حاشية] السلطان, وإنَّ السلطان هو الذي يأمُرُ به, ونقول: هذا لا يفعَلُه ولا يأمر به مَن له أدنى عَقلٍ وبصيرةٍ في الدين فضلًا عن أنَّ السلطان يأمرُ به أو يرضاه, وهذا من الافتراءِ عليه والكذب, ولَمَّا أراد الله أن أهل الحرمين يدخلون في الإسلام, ويشهدون أنَّ الذي هم عليه قبل ذلك أنَّه الباطل،  والشاهد بذلك الشَّريفُ والعلماء والعامة, وأراد الله أن يجعَلَ لنا في الحرمين حُكمًا نافذًا وأمرًا  مطاعًا، فلم يكن لنا عذر من الله مِن مَنعِ [ما] أمَرَنا الله بمَنعِه، ونمنع مَن منَعَه القرآن، ونأذن [لِمن] أذِنَ له القرآن, فغايةُ المطلوب ومنتهى المراد عبادةُ الله وحده، ولا يُشرَكُ له، وتَرْك عبادة ما سواه، وألَّا يُصرَفَ شيء من أنواع العبادة لغير الله، وإقام الصلوات الخمس التي فرض الله في كتابه بعد الشهادتين، وأداء الزكاة والصوم والحج، ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، ونفي البِدَع وإزالة المنكرات، وإقامة الحدود على من أصاب منها شيئًا، وإعطاء كل ذي حَقٍّ حَقَّه، وإنصاف الضعيف من القويِّ بالعدل, فهذا جملة ما نحن عليه، وتفصيلُه يطول ذِكرُه, فمَن عَمِل ذلك ودان به فهو المسلمُ له ما لنا، وعليه ما علينا برًّا وبحرًا، ونحن وهو في بلد الله الحرام سواءٌ, ومن أبى عن ذلك منعناه من بلد الله الحرام، وقاتلناه حتى يكون الدينُ كُلُّه لله، كائنًا من كان، ولَمَّا ورد إلينا كتابُك وآدميك [ومندوبك] أركبنا أوادِمَ من أوادِمنا يمشون بالحاجِّ على هالشروط المذكورة، بأن يظهروا الإسلام، وإقام الصلوات الخمس جماعة بأذان وإقامة، وجميع المنكرات تُزال، وأنَّ الحاجَّ يبايعون على العمل بالإسلام، ولا يحجُّ عسكر قليل ولا كثير، ولا أزغة حرب، ولا يحجُّ المحمل لأنَّ المَحمَل فيه اعتقادات وتآليه به من دونِ الله, وظهرت للمسلمين ورأوها في مخالطتِنا لكم في الحج الماضي، ولا نشتهي أن المحمَلَ يجيء بأمامنا ويرجع ما وصل مكة، ولا يجوز لنا [أن] نقِرَّ سياق الشرك، ولا نرضى به، وعلى أنَّ جميع قوانين الحرمين المعروفة التي للبيت وخُدَّام البيت والشريف وعامة أهل مكة، وكذلك ما كان لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وخُدَّامه، وما كان لأهل المدينة من جميع القوانين علمائهم وعامتهم وأهل القلعة، وكذلك قانون ابن مضيان وحرب أن الجميع ما يختلف منه [في] شيء, وأنه يسلم بأيدي رجاجيلنا وعلى أن ما يبقى في الحرمين ممَّن قَدِم معكم أحد، فإن أحدثتم بعد ما يمشي الحاج حدثًا على الإسلام وأهله، فلا بوجهي من الحاج شيء, فإن صبرتم بما ذكرنا فالحاج يمشي بوجهي عن جميع المسلمين ذهابًا وإيابًا, وذكرنا لملا حسن ورجب مثل ما ذكرنا في هذه الصحيفة, وذكرنا إلى أوادمك أنك معاهدنا على الإسلام، وأنك أمرتَ بالصلوات تقام، وأمرت على معازِفِ الخمر تُرفَع، وهذا إذا وفقك الله للعمل به، وعملت بالتوحيد، وأزلت الشرك، وأقمت الفرائض..."