أرسَلَ الاتِّحادُ السُّوفيتي الجيشَ الأربعينَ لِدَعْمِ نِظام بابرك كارمل الشيوعي في كابُل، والذي قام بانقلابٍ اغتِيلَ فيه الرئيسُ الشيوعي حفيظ الله أمين الذي اتُّهِم بأنه "عميل لِلأمريكانِ". جاء كارمل إلى السُّلطة بعد عِدَّة انقلاباتٍ شَهِدتها أفغانستانُ على إثر سُقوط الملَكِيَّة في يوليو 1973م، بعد انقلاب عسكريٍّ قام به محمدُ داود ابن عم الشاه محمد ظاهر وزَوْج شَقيقته، الذي أعلَنَ جُمهورية أفغانستانَ الديمقراطيةَ، وفي 1978م انقلَبَ تراقي على محمد داود وقتَلَه، ثم وقَعَ انقلابٌ على تراقي بقيادةِ رئيسِ الوزراء حَفيظ الله أمين سنة 1979م وقتَلَه، ثم قام كارمل بالانقلابِ الأخيرِ على حَفيظ الله. وقد لقِيَ التَّدخُّل السوفيتي إدانةً دوليةً -خُصوصًا من قِبَل الولايات المتحدة- تجسَّدت في مُقاطعة الألعابِ الأولمبيَّةِ التي جَرَت في مُوسكو في 19 يوليه 1980م، ولم تَنسحِبِ القوَّات السوفيتية إلا في 15 فبراير 1989م بموجِب اتِّفاقِ جِنيف في 14 إبريل 1988م.
بدأت هذه الأزمةُ في 21 ديسمبر 1988م، عندما انفجرت الطائرة البوينج 747، والتابعة لشركة (PANAM) الأمريكية، الرحلة 103 المتَّجِهة من فرانكفورتَ إلى نيويوركَ عبرَ لندنَ، وكان الانفجار فوقَ مُقاطعة إسكتلندا ببلدة لوكيربي، وبلغ مجموعُ ضحايا الانفجار 270 فردًا من 21 دولةً.
كان ردُّ الفعل على الانفجار عنيفًا، حيث صدرت عدَّةُ بياناتٍ، من مختلِف الدول تُدين العملية، وانضمَّت بريطانيا إلى أمريكا في هذا الحادث، نظرًا لانفجار الطائرة فوق أراضيها، وموت 11 فردًا من مواطني لوكيربي.
وقد وعدت الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحادث أنها ستتولَّى التحقيقَ ومتابعةَ المتهمين، واستمرَّ التحقيق ثلاثَ سَنواتٍ، واشترَكَ فيه أكثرُ من دولة لتحديدِ الجهةِ المسؤولةِ عن الانفجار.
وفي 14 نوفمبر 1991م، أَعلنت وزارة الخارجيةُ الأمريكيةُ توجيهَ الاتهام لمواطنين ليبيِّين، من رجال المخابرات الليبيَّة، وقالت: إنهم وراءَ الحادث، ومن هنا بدأ تتابُع الأحداث، فيما عُرف على مدى سنوات باسم: أزمة لوكيربي.
اعترفَت إدارةُ الرئيسِ دونالد ترامب رسميًّا بالقدسِ عاصمةً لإسرائيلَ، وأضافَ ترامب أنَّ وزارةَ الخارجيةِ الأمريكيةَ ستبدأ عمليةَ بناءِ سفارةٍ أمريكيةٍ جديدةٍ في القدسِ.
رفَضَ البيانُ الخِتاميُّ للقمَّةِ العربيَّةِ التاسعُ والعِشرون قرارَ الإدارةِ الأمريكيةِ بالاعترافِ بالقدسِ عاصمةً للاحتلالِ الإسرائيليِّ ونَقْلِ السفارةِ إليها، عادًّا ذلك خَرقًا وتدميرًا لعمليةِ السلامِ وللاتفاقياتِ جَميعِها؛ سواءٌ مع الفِلَسطينيين أو المعاهداتِ الدَّوْليَّةِ والقراراتِ الأُمَميَّةِ.
وأكَّد البيانُ أنَّ الولاياتِ المتحدةَ لم تَعُد راعيًا حقيقيًّا للسلامِ، وغدَتْ طرَفًا يدعَمُ العدوانَ على الحقِّ والسلامِ، وهو ما يتناقَضُ مع موقفِ الإدارةِ المُعلَنِ كراعٍ حِياديِّ لعمليةِ السلامِ في الشرقِ الأوسطِ؛ ممَّا أفقدها المِصداقيَّةَ والحياديَّةَ والشفافيةَ، والسعيَ الحقيقيَّ الدؤوبَ لإحلالِ السلامِ في الشرقِ الأوسطِ، وإنصافِ الشعبِ الفلسطينيِّ في إقامةِ دولتِه ونَيلِه الحريةَ والاستقلالَ التامَّ، مشدِّدًا على ضرورةِ إيجادِ إطارٍ دَوليٍّ جديدٍ لرعايةِ السلامِ في الشرقِ الأوسطِ.
استقرَّت القاعدة بين مظفر الدين بن زين الدين، صاحب إربل وبين جلال الدين بن خوارزم شاه وبين الملك المعظَّم، صاحب دمشق، وبين صاحِبِ آمد، وبين ناصر الدين، صاحب ماردين، ليقصِدوا البلادَ التي بيد الأشرف، ويتغلَّبوا عليها، ويكون لكُلٍّ منهم نصيبٌ، فبادر مظفر الدين إلى الموصِل, وأمَّا جلال الدين فإنَّه قد شُغِلَ بعصيان نائبه ببلاد كرمان، فانفسخ جميعُ ما كانوا عزموا عليه إلَّا أن مظفر الدين سار من إربل ونزل على جانب الزابن ولم يمكِنْه العبور إلى بلد الموصل, وكان بدرُ الدين قد أرسل من الموصل إلى الأشرف، وهو بالرقَّة، يستنجده ويطلُبُ منه أن يحضُرَ بنفسه الموصِلَ ليدفع مظفر الدين، فسار منها إلى حرَّان، ومن حران إلى دنيسر، فخربَ بلد ماردين وأهله تخريبًا ونهبًا, وأما المعظَّم، صاحب دمشق، فإنه قصد بلادَ حِمص وحماة، وأرسل إلى أخيه الأشرف ليرحلَ عن ماردين وحلب، على أن يعودَ كُلٌّ منهم إلى بلده. فرحل الأشرفُ عن ماردين، ورحل المعظَّم عن حمص وحماة، ورحل مظفَّر الدين عن الموصل.
اهتم السلطانُ الظاهر بيبرس بأمر صفد، وأحضر العساكِرَ المجردة، ورحَّل الأمير بكتاش الفخري أميرَ سلاح بالدهليز السلطاني ونزل على صفد، وتبعه الأميرُ البندقدار والأميرُ عز الدين أوغان في جماعة، وحاصروها، هذا والسلطانُ مقيم على عكا حتى وافته العساكرُ، وعمل عدةَ مجانيقَ، ثم رحل والعساكِرُ لابسة، وساق إلى قربِ باب عكا، ووقفَ على تل الفضول، ثم سار إلى عين جالوت، ونزل على صفد يوم الاثنين ثامن شهر رمضان وحاصرها، فقدم عليه رسول متملك صور ورسل الفداوية، ورسول صاحب بيروت ورسول صاحب يافا، ورسل صاحب صهيون، وصار السلطان يباشر الحصارَ بنَفسِه، وقَدِمَت المجانيق من دمشق إلى جسر يعقوب وهو منزلة من صفد ثم نصبت المجانيقُ فرمي بها في السادس عشر، وصار السلطان يلازم الوقوف عندها وهي ترمي، وأتت العساكِرُ من مصر والشام، فنزلوا على منازلهم وفي ثاني يوم عيد الفطر: وقع الزحفُ على صفد، ودفع الزراقون النفطَ، ووعد السلطان الحجَّارين أنه من أخذ أول حجر كان له مائة دينار، وكذلك الثاني والثالث إلى العشرة، وأمر حاشيته بألا يشتغلوا بخدمته، فكان بين الفريقين قتال عظيم استُشهِدَ فيه جماعة، وكان الواحد من المسلمين إذا قُتِلَ جَرَّه رفيقه ووقف موضِعَه، وتكاثرت النقوبُ ودخل النقَّابون إليها، ودخل السلطانُ معهم، وبذل السلطانُ في هذا اليوم من المال والخِلَع كثيرًا، ونصب خيمةً فيها حكماء وجرائحية وأشربة ومآكل، فصار من يُجرَحُ من العُربان والفقهاء والفقراء وغيرهم يُحضَرُ إليها، وفي ثامنه: كانت بين الفريقين أيضًا مَقاتِلُ، وفي ليلة الرابع عشر: اشتد الزحف من الليل إلى وقت القائلة، فتفرق الناس من شدة التعب، فغضب السلطانُ من ذلك وأمر خواصَّه بالسَّوقِ إلى الصاواوين وإقامة الأمراء والأجداد بالدبابيس، وقال المسلمون على هذه الصورة، وأنتم تستريحون!! فأقيموا، وقبَضَ السلطان على نيف وأربعين أميرًا، وقيَّدَهم وسجَنَهم بالزردخاناه-خزانة السلاح-، ثم شفع فيهم فأطلَقَهم وأمرهم بملازمةِ مواضِعِهم، وضُرِبَت الطبلخاناه- الطبول والأبواق- واشتد الأمر إلى أن طلب الفرنجُ الأمان، فأمَّنَهم السلطان على ألا يخرجوا بسلاحٍ ولا لَأْمةِ حَربٍ ولا شيءٍ مِن الفضيات، ولا يُتلِفوا شيئًا من ذخائر القلعة بنارٍ ولا هدم، وأن يُفتَّشوا عند خروجهم، فإن وُجِدَ مع أحد منهم شيء من ذلك انتقَضَ العهد، ولم تزل الرسُلُ تتردد بينهم إلى يوم الجمعة الثامن عشر، ثم طلعت السناجق –رماح- الإسلاميَّة، وكان لطلوعها ساعةٌ مشهودة، هذا والسلطان راكِبٌ على باب صفد حتى نزل الفرنجُ كُلُّهم، ووقفوا بين يديه فرسم بتفتيشِهم، فوجد معهم ما يناقض الأمانَ من السلاح والفضيات، ووجد معهم عِدَّةً من أسرى مسلمين أخرجوهم على أنهم نصارى، فأخذ ما وجد معهم وأُنزِلوا عن خيولهم، وجُعِلوا في خيمةٍ ومعهم من يحفظهم، وتسَلَّمَ المسلمون صفد، وولى السلطانُ قلعَتَها الأميرَ مجد الدين الطوري، وجعل الأميرَ عز الدين العلائي نائب صفد، فلما أصبح حضر إليه النَّاسُ، فشكر اجتهادَهم واعتذر إليهم مما كان منه إلى بعضِهم، وإنه ما قصَدَ إلَّا حَثَّهم على هذا الفتح العظيم، وقال: من هذا الوقتِ نتحالَلُ، وأمَرَهم فركبوا، وأُحضِرَت خيالة الفرنج وجمعٌ من صفد، فضُرِبَت أعناقهم على تل قرب صفد حتى لم يبق منهم سوى نفرينِ، أحدهما الرسول، فإنه اختار أن يقيمَ عند السلطان ويُسلِم، فأسلم وأقطَعَه السلطانُ إقطاعًا وقَرَّبَه، والآخَرُ تُرِكَ حتى يخبِرَ الفرنج ممَّا شاهده، وصَعِدَ السلطانُ إلى قلعة صفد، وفَرَّق على الأمراء العُدَد الفرنجية والجواري والمماليك، ونَقَل إليها زردخاناه من عنده، وحمل السلطانُ على كتفه من السلاح إلى داخل القلعة، فتشَبَّه به الناس ونقلوا الزردخاناه في ساعةٍ واحدة، واستدعى السلطانُ الرجال من دمشق للإقامةِ بصفد، وقرر نفقةَ رجال القلعة في الشهرِ مبلغ ثمانين ألف درهم نقرةً واستخدم على سائر بلاد صفد، وعَمِلَ بها جامعًا في القلعة وجامعًا بالربض ووقفَ على المجنون نصف وربع الحباب، وللربع الآخر على الشيخ إلياس، ووقف قريةً منها على قبر خالد بن الوليد بحمص، وفي السابع عشر: رحل السلطان من صفد إلى دمشق.
سار عسكَرُ دِمشقَ مع مُقَدَّمِهم الأميرِ بزاوش إلى طرابلس الشَّام، فاجتمع معه من الغُزاةِ المُتطَوِّعة والتركمان أيضًا خَلقٌ كثير، فلَمَّا سَمِعَ القُمص- كبيرُ القَساوِسة- صاحِبُها بقُربِهم مِن ولايتِه، سار إليهم في جُموعِه وحُشودِه، فقاتَلَهم وانهزم الفرنجُ وعادوا إلى طرابلسَ على صورةٍ سَيِّئةٍ، وقد قُتِلَ كثيرٌ مِن فُرسانِهم وشُجَعانِهم، فنهب المسلمونَ مِن أعمالهم الكثيرَ، وحَصَروا حِصنَ وادي ابنِ الأحمر فمَلَكوه عَنوةً ونَهَبوا ما فيه، وقَتَلوا المُقاتِلةَ، وسَبَوا الحريمَ والذُّريَّة، وأسَروا الرِّجالَ فاشتَرَوا أنفُسَهم بمالٍ جَليلٍ، وعادوا إلى دِمشق سالِمينَ.
وصلت العساكرُ المصريَّةُ إلى حضرة السلطان الظاهر بيبرس إلى دمشق فسار بهم منها في سابع هذا الشهر، فاجتاز بحماة واستصحب ملكها المنصور، ثم سار إلى حَلَب فخيم بالميدان الأخضر بها، وكان سَبَبُ ذلك أن عساكِرَ الروم جمعوا نحوًا من عشرة آلاف فارس وبعثوا طائفةً منهم فأغاروا على عينِ تاب، ووصلوا إلى نسطون ووقعوا على طائفة من التركمان بين حارم وأنطاكية فاستأصلوهم، فلما سمع الروم بوصول السلطان ومعه العساكر المنصورة ارتدوا على أعقابهم راجعينَ، وكان بلغه أن الفرنج أغاروا على بلاد قاقون ونهَبوا طائفة من التركمان، فقبض على الأمراءِ الذين هناك حيث لم يهتَمُّوا بحفظ البلاد وعادوا إلى الديارِ المصرية.
تمرَّدَ متولي المغربِ محمَّد بن مقاتل العكي، وظلَم وعسَفَ واقتطَعَ مِن أرزاق الأجنادِ وآذى العامَّةَ، فخرج عليه تمامُ بنُ تميم التميمي نائبُه على تونس، فزحَفَ إليه فبَرَز لملاقاته العكي، فهَزَمه ابنُ تميمٌ، فتحَصَّنَ العكيُّ بالقيروان في القصرِ، وغلَبَ تمَّام على البلد، ثم نزل العكيُّ بأمانٍ وانسحب إلى طرابلس، فنهض لنُصرتِه إبراهيمُ بنُ الأغلب، فتقهقر تمَّام إلى تونُسَ ودخل ابنُ الأغلب القيروانَ، فصلى بالنَّاسِ وخطب وحَضَّ على الطاعةِ، ثم التقى ابنُ الأغلب وتمَّام فانهزم تمَّام، واشتَدَّ بغضُ الناسِ للعكيِّ، وكاتبوا الرشيدَ فيه، فعَزَله وأقَرَّ عليهم إبراهيمَ بن الأغلبِ.
ابتدأ الطاعون بالقاهرة ومصر، وتزايد حتى فشا في الناس وكثر الموت وبلغ عدد من يرد اسمه الديوان إلى مائتين وخمسين في كل يوم، وترجف العامة بأن عددهم أضعاف ذلك وشبهتهم أن الحوانيت المعدة لإطلاق الأموات أحد عشر حانوتًا، في كل حانوت نحو الخمسين تابوتًا، ما منها تابوت إلا ويتردد إلى الترب كل يوم ثلاث مرات وأكثر، مع كثرة ازدحام الناس عليها، وعز وجودها، فيكون على هذا عدة من يموت لا يقصر عن ألف وخمسمائة في اليوم، سوى من لا يرد اسمه الديوان من مرضى المارستان، ومن يُطرَح على الطرقات، وغالب من يموت الشباب والنساء، ومات بمدينة منوف العليا أربعة آلاف وأربعمائة إنسان، كان يموت بها في كل يوم مائة وأربعون نفرًا!
هو الشاعرُ المشهور محمد بن جمد بن محمد ابن لعبون بن مدلج الوايلي البكري العنزي، أمير شعراء النبط، ولِدَ في بلدة حرمة بنجد سنة 1205هـ وحَفِظَ بها القرآن وتعَلَّم الكتابة، وكان خطُّه فائقًا. ونَظَم الشعرَ في صغرِه. ومال إلى اللهوِ والبطالة. ورحل إلى الزبير في العراق، ساعده ذكاؤه الشِّعري وشخصيتُه المَرِحة الطَّرِبة في توطيدِ علاقاته مع كثيرٍ مِن وجهاءِ وأعيان نجد والزبير والكويت والأحساء والبحرين والهند، وورد في شعره ذِكرُ كِبارِ شخصيات عصره، كان شعره جيدًا إلَّا أن فيه تخبيطًا في العقيدةِ، وقيل: إنه أنشأ قصيدةً تاب فيها وتضَرَّع إلى الله. قصَدَ الكويت فمات فيها بالطاعون.
دعا الملِكُ عبد العزيز ذوي الرأيِ من شيوخ وقادة القبائل إلى اجتماعٍ في قرية الشعراء، وطلب منهم أن يأتوه بآرائِهم وآراءِ قبائلهم في شأنِ المتمَرِّدين من الإخوان (إخوان من طاع الله)، وفي اليوم التالي انعقد الاجتماعُ واتفقوا على عددٍ مِن المقررات، منها: 1/ كل من شارك في الفتنة وبقي حيًّا يؤخذ مالُه ورِكابُه وسلاحُه وتحكَّمُ الشريعة في رقبته. 2/ كل من كان متهمًا بممالأة أهل الفساد ولم يجاهِدْ مع المسلمين تؤخذ منه شوكة الحرب (ركابه وسلاحُه). 3/ كل ما يؤخذ من المفسدين يُمنَحُ للمجاهدين الصادقين. 4/ كل هجرة غلب على أهلها الفسادُ يُطرَدون من هجرتهم، ويفَرَّقون ولا يُسمَحُ لفريق منهم الاجتماعُ في مكان واحد.
كانت بعدَ غزوة مُؤْتَةَ، وسُمِّيتْ ذاتَ السَّلاسِلِ لأنَّها وقعت بالقُرْبِ مِن ماءٍ يُقالُ له: السَّلْسَلُ. بلَغ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أنَّ جمعًا مِن قُضاعةَ تَجَمَّعوا وأَرادوا أن يَدنوا مِن أَطرافِ المدينةِ فَدعا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عَمرَو بنَ العاصِ فعقَد له لِواءً أَبيضًا وبَعثَهُ في ثلاثمائةٍ مِن سَراةِ المُهاجرين والأنصارِ، فكان أَميرُها عَمرَو بنَ العاصِ رضي الله عنه. قال عَمرٌو: بعَث إليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: خُذْ عليك ثِيابَك وسِلاحَك ثمَّ ائْتِني. فأَتيتُه وهو يتَوضَّأُ، فصَعَّد فِيَّ النَّظرَ، ثمَّ طَأْطَأَ، فقال: إنِّي أُريدُ أن أَبعثَكَ على جَيشٍ، فيُسَلِّمَك الله ويُغْنِمَك، وأَرْغَبُ لك مِنَ المالِ رَغبةً صالِحةً، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، ما أَسلمتُ مِن أجلِ المالِ، ولكنِّي أَسلمتُ رَغبةً في الإسلامِ، وأن أكونَ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا عَمرُو، نِعْمَ المالُ الصَّالحُ للمَرءِ الصَّالحِ).
وفي الغَزوةِ سأَلهُ أصحابُه أن يُوقِدوا نارًا فمَنعَهُم فكَلَّموا أبا بكرٍ فكَلَّمهُ في ذلك فقال: لا يُوقِدُ أحدٌ منهم نارًا إلَّا قَذفْتُه فيها. قال: فلَقوا العَدُوَّ فهَزموهُم فأرادوا أن يَتَبَعوهُم فمنَعهُم، فلمَّا انصرَف ذلك الجيشُ ذَكَروا للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وشَكَوْهُ إليه، فقال: يا رسولَ الله، إنِّي كَرِهتُ أن آذنَ لهم أن يُوقِدوا نارًا فيَرى عَدُوُّهم قِلَّتَهُم، وكَرِهتُ أن يَتْبَعُوهم فيكونُ لهم مَدَدٌ فيَعْطِفوا عليهم. فحمِد رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أَمْرَهُ...). وفيها صلَّى عَمرٌو بالنَّاسِ وهو جُنُبٌ ومعه ماءٌ، لم يَزِدْ على أن غسَل فَرْجَهُ وتَيمَّمَ، فلمَّا قَدِمَ عَمرٌو على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم سأَلهُ عن صلاتِه، فأَخبرَهُ فقال: والذي بعثَك بالحقِّ لو اغْتسَلتُ لَمُتُّ، لم أَجِدْ بَردًا قَطُّ مِثلَهُ، وقد قال الله عزَّ وجلَّ: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، فضَحِك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ولم يَقُلْ له شيئًا.
هو علي بك الكبير مملوكي حكم القاهرة كشيخ البلد أيام الدولة العثمانية, وكغيره من المماليك، لا تُعرف أصولُهم وإنما يُشتَرَون صغارًا، ثم يُجلبون لتركيا فيعتنقون الإسلام ثم يتربَّون تربية عسكرية صارمة، ويبدؤون في الصعود إلى مناصِبَ عليا والسيطرة على مقاليد الأمور، ويقال إن علي بك ابن قسيس رومي أرثوذكسي من قرية أماسيا في الأناضول. ولد سنة1140 ثم خُطِفَ وهو في الثالثة عشرة من عمره وبيع في القاهرة، فاشتراه الأمير إبراهيم كتخدا وبدأ معه رحلة التدريب والتعلُّم، حتى ظهرت عليه علامات النجابة وقوة الشخصية، حتى فاق أقرانَه في ركوب الخيل، والضربِ بالسيف، والطعنِ بالرمح، واستخدام الأسلحة النارية، وهو ما جعل سيِّدَه يعتقه وهو لم يتجاوز العشرين، وولَّاه بعضَ المهام الإدارية، إلى أن توفي أستاذه إبراهيم كتخدا سنة 1167هـ فخلفه في مناصبه الإدارية, وهو يتطلَّع إلى منصب مشيخة البلد، فأخذ يعدُّ العدة بشراء أعداد كبيرة من المماليك ويدرِّبُهم على الفنون العسكرية إلى أن جاءت سنة 1177 حيث تبوأ منصِبَ مشيخة البلد بالقاهرة، لكنَّ خصومَه أجبروه على الفرارِ إلى الصعيدِ ثم الحجاز وتارة إلى الشام، ثم عاد لمنصب مشيخة البلد عام 1181 وهو أعظم قوةً وأكثرُ عددًا، ولما استتَبَّ له الأمر تخلَّص من خصومه، فصادر أموالهم، وقتل بعضَهم ونفى البعض الآخر، ولم يسلَمْ من هذه الإجراءات حتى من قدَّموا له العونَ والمساعدة، فبطش ببعضهم ونفاهم إلى خارج البلاد. ثم ثار عليه تلميذُه وزوجُ بنته محمد بك أبو الذهب الذي تمكن من السيطرة على مصر وحكَمَها بعد فرارِ علي بك إلى الشام, ولَمَّا عاد علي بك في مطلع عام 1187هـ سار إلى مصر ومعه أربعمائة جندي روسي، فالتقى الطرفان وانتصر أبو الذهب عليهم في معركة بالصالحية بمصر، وقتل كلَّ من كان مع علي بك، الذي توفي فيما بعد متأثرًا بجراحِه بعد أن سعى للانفصال عن الدولةِ العثمانيةِ بدعمٍ وتأييدٍ من روسيا العدو اللَّدود للدولة العثمانية, فأرسل أبو الذهب رأسَ علي بك والضباط الروس إلى الوالي العثماني خليل باشا، فقام بدوره بإيصالها إلى السلطان في إستانبول, وتولى الحكم مكانَه محمد أبو الذهب الذي لم يلبث في الحكم سوى عامين ثم توفي.
الحربُ السُّوفيتية في أفغانستانَ، أو الغزوُ السُّوفيتيُّ لأفغانستانَ؛ هو اسمٌ يُطلَق على حرْبٍ دامتْ عشْرَ سنواتٍ، كان هَدَف السُّوفيت المعلَنُ دعْمَ الحكومة الأفغانيةِ الصَّديقة للاتِّحاد السُّوفيتيِّ، والتي كانت تُعاني مِن هَجَمات الثوَّار المعارضِينَ للسُّوفيت، والذين حَصَلوا على دَعْمٍ مِن مجموعةٍ من الدول المناوئةِ للاتحادِ السُّوفيتي، مِن ضِمْنها الولاياتُ المتحدة الأمريكيةُ، والسُّعودية، وباكستانُ، والصِّين. أدخَلَ السُّوفيت قوَّاته في 25 ديسمبر 1979، وقد بدَأَ التدخل الرُّوسي -أو الاحتلال الرُّوسي- مع الرئيس الجديد بابرك كارمل الذي ما كان سِوى دُميةً يُحرِّكها الروسُ، بينما هم يَصُولون ويَجُولون في أفغانستان كما يَشاؤون.
دخَلَ كارمل أفغانستانَ مع القوات الرُّوسية على متن دبَّابة رُوسية من نوع (تي 72)، وكانوا قد سَبَقوه وهو ما يَزال في مُوسكو يُذِيع بَياناتِه على الشعبِ الأفغاني، فاجتازوا نهْرَ جَيحون ممارسينَ الإرهابَ بكلِّ صُوره وأشكالِه، ثم بدَأَ النقلُ الجويُّ الضخم؛ حيث وصَلَ أكثرُ من 300 طائرةِ نقْلٍ ضخمةٍ لنقْلِ الجنود والعَتادِ والمؤنِ إلى كابُلَ، وهاجمت القواتُ الرُّوسية قصرَ الأمانِ ومحطةَ الإذاعةِ، كما جرَّدت وَحدات الجيشِ الأفغاني من سِلاحِها، ثم تَلا ذلك إرسالُ الجيشِ الأربعين الرُّوسي، فتوزَّعت قوَّاته على العواصم الإقليميةِ، ثم نُوقِش مَوضوعُ هذا التدخُّل في هيئة الأُمَمِ، مع المطالَبةِ بالانسحابِ الفوريِّ وغيرِ المشروط، ولكنْ دُون جَدْوى؛ فكالعادةِ عندما يكونُ الأمرُ متعلِّقًا بدولةٍ إسلامية لا يُحرِّكون ساكنًا! واسْتنكَرَت الدولُ الإسلامية هذا التدخُّل السافرَ، ولكنَّ القوَّات الروسيةَ تابعَت تَزايُدَها، فوصَلَ عددُها إلى 75 ألفًا، وأخذَتْ تَستعمِل الغازاتِ السامةَ ضدَّ المجاهدين، وحتى ضدَّ السُّكَّان المحلِّيين، فكَثُرَ اللاجِئون إلى باكستانَ، ولم يَنْقَضِ عام 1400هـ حتى كان عددُ الضحايا المسلمينَ مليونَ شخصٍ، ثم وصَل عددُ القواتِ الروسيةِ بعدَ سنتينِ إلى 150 ألفًا، وتمَّ عقْدُ اتفاقيةٍ مع كابُلَ مُدَّتها خمسُ سنواتٍ، تعهَّدَت فيها موسكو بتأمينِ الخُبراءِ والمعدَّاتِ والتدريبِ؛ حيث لم تَنسحبِ القواتُ السُّوفيتيةُ التي بلَغ عددُها في أفغانستانَ 110 آلاف جُنديٍّ، إلا بمُوجِب اتفاقِ جِنيف الذي وُقِّع في 14 إبريل 1988م، وفي 15 فِبراير 1989م انسحَبَت كافَّة قُوَّات الرُّوس بعد أنْ فَقَدوا 15 ألفَ جُنديٍّ.
وُلِد شمعون بيريز في بولندا، وهاجَرَت عائلتُه إلى فِلَسطينَ في عامِ 1934م (أيامَ الانتدابِ البريطانيِّ)، واستقَرَّت في مدينةِ تل أبيب التي أصبَحَت في تلك الأيامِ مَركزًا للمجتمَعِ اليهوديِّ. تعلَّمَ في مدرسةِ "غيئولا" في تلِّ أبيب، ثم واصلَ دراستَه في المدرسةِ الزراعيَّة "بن شيمن" قُربَ مدينةِ اللدِّ. وفي 1947م انضمَّ إلى قيادةِ الهجاناه، وكان مَسؤولًا عن شراءِ العَتادِ والموارِدِ البشريَّة. وفي ذلك الحينِ عَمِلَ مع دافيد بن غوريون وليفي أشكول، وعمِلَ دبلوماسيًّا في وزارةِ الدِّفاعِ الإسرائيليَّةِ، وكانت مُهمَّتُه جَمعَ السِّلاحِ اللازمِ لدولةِ إسرائيلَ الحديثةِ. وفي 1949م عُيِّن بيريز رئيسًا لبَعثةِ وزارةِ الدَّفاعِ الإسرائيليَّةِ إلى الولاياتِ المتَّحدة. وفي 1952م عُيِّنَ نائبًا للمديرِ العامِّ لوَزارةِ الدفاعِ الإسرائيليَّة، ثم أصبحَ المديرَ العامَّ في 1953م. ونجَحَ في بناءِ المُفاعلِ النوويِّ الإسرائيليِّ (مفاعلِ ديمونةَ) من الحُكومةِ الفرنسيَّة، كذلك نظَّمَ التعاونَ العسكريَّ مع فرنسا الذي أدَّى إلى الهجومِ على مصرَ في أكتوبر 1956 ضِمنَ العُدوانِ الثُّلاثيِّ. وترَكَ بيريز حزبَ ماباي عام 1965 ليؤسِّسَ مع ديفد بن غوريون حزبَ رافي، ثم عاد للعمَلِ على توحيدِ الحِزبينِ عامَ 1968 تحت اسمِ حِزبِ العمَلِ الإسرائيليِّ، وأصبحَ زعيمًا له عامَ 1977. وتولَّى منصبَ رئيسِ الوزراءِ بالتناوبِ مع إسحاق رابين، ثم صار نائبًا لرئيسِ الوُزراءِ ووزيرًا للخارجيَّةِ في المدَّةِ ما بين 1986 و1988، وشغَلَ بعدها منصِبَ وزير الماليَّةِ، ثم عُيِّنَ عامَ 1992 وزيرًا للخارجيَّةِ. فشرَعَ في مفاوضاتٍ تمخَّضَت عن توقيعِ اتفاقيَّةِ أوسلو مع منظمَّةِ التحريرِ الفلسطينيَّةِ في سبتمبر 1993، تقاسَم بعدها جائزةَ نوبل للسَّلامِ مع رابين وياسر عرفات. وفي أكتوبرَ 1994 وقَّع معاهدةَ السلامِ مع الأَردُنِّ. وبعد اغتيالِ رابين، تولَّى رئاسةَ الوزراءِ في 1995، وأمرَ بعُدوانٍ عسكريٍّ شاملٍ ضدَّ لُبنانَ في 1996 سُمِّي بعناقيدِ الغضَبِ في محاولةٍ للقَضاءِ على المقاومةِ، قصَفَ فيه مدُنَ لُبنانَ بما فيها العاصمةُ بيروتُ، وفي عامِ 2007 انتُخِب رئيسًا لإسرائيلَ حتى 2014. وفي 13 سبتمبر 2016 نُقِلَ إلى مستشفى تلِّ هاشومير، قُربَ تلِّ أبيب، بعد تَعرُّضِه لجَلطةٍ في الدِّماغِ. وتوفِّيَ عن عمرٍ ناهزَ 93 عامًا.