هو الملك المغيث فتح الدين أبو الفتح عمر بن الملك العادل أبي بكر بن الملك الكامل محمد بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب، صاحب الكرك، كان مولده بالقاهرة في صفر سنة 606. قتل المَلِك المغيث في هذه السنة, وسَبَب قتله كما قال الذهبي: "أنه كان في قلب الملك الظاهِرِ بيبرس منه غيظٌ عظيم، لأمورٍ كانت بينهما، قيل إنَّ المغيث أكره امرأةَ الملك الظاهر بيبرس، لَمَّا قبضَ المغيث على البحرية. وأرسَلَهم إلى الناصر يوسف صاحب دمشق، وهرب الملِكُ الظاهر بيبرس، وبقيت امرأتُه في الكرك، والله أعلم بحقيقة ذلك، وكان من حديثِ مَقتَلِه: أنَّ الملك الظاهر بيبرس ما زال يجتهد على حضور المغيث، وسار المغيثُ حتى وصل إلى بيسان، فركب الملك الظاهِرُ بعساكره والتقاه في يوم السبت السابع والعشرين من جمادى الأولى من هذه السنة، فلما شاهَدَ المغيث الملك الظاهر، ترجَّلَ فمنعه الملك الظاهِرُ وأركبه وساقَ إلى جانِبِه، وقد تغير وجهُ الملك الظاهر، فلما قارب الدهليز، أفرد المَلِكَ المغيثَ عنه وأنزَلَه في خيمةٍ وقَبَضَ عليه، وأحضر الفُقَهاءَ والقضاة وأوقَفَهم على مكاتبات من التتار إلى الملك المغيث، أجوبةً عمَّا كتب إليهم به في إطماعِهم في ملك مصر والشام, ثم أرسَلَه مُعتَقَلًا إلى مصر، فكان آخرَ العهد به. وقيل إنه حُمِلَ إلى امرأة الملك الظاهر بيبرس بقلعة الجبل، فأمَرَت جواريَها فقتَلْنَه بالقباقيبِ" قُتِلَ المغيث في السابع والعشرين من ذي الحجة.
حضر جماعةٌ كثيرة من الفقراء الأحمدية في يوم السبت تاسع جمادى الأولى إلى نائب السَّلطنةِ بالقصر الأبلق وحضر الشيخُ تقي الدين ابن تيمية فسألوا من نائب السلطنةِ بحَضرةِ الأمراء أن يكُفَّ الشيخ تقي الدين إمارتَه عنهم، وأن يسَلِّمَ لهم حالهم، فقال لهم الشيخ: هذا ما يمكِنُ، ولا بُدَّ لكل أحد أن يدخُلَ تحت الكتاب والسنة، قولًا وفعلًا، ومن خرج عنهما وجب الإنكارُ عليه، فأرادوا أن يفعلوا شيئًا من أحوالِهم الشيطانيَّة التي يتعاطَونَها في سماعاتهم، فقال الشيخ: تلك أحوالٌ شيطانيَّةٌ باطلة، وأكثَرُ أحوالهم من باب الحِيَل والبهتان، ومن أراد منهم أن يدخُلَ النارَ فليدخُلْ أوَّلًا إلى الحَمَّامِ وليغسل جسَدَه غَسلًا جَيِّدًا ويَدلكَه بالخَلِّ والأُشنان ثم يدخُل بعد ذلك إلى النَّارِ إن كان صادقًا، ولو فرض أن أحدًا من أهل البِدَعِ دخل النار بعد أن يغتَسِلَ فإن ذلك لا يدُلُّ على صلاحِه ولا على كرامتِه، بل حالُه من أحوال الدَّجاجِلة المخالِفة للشريعة إذا كان صاحِبُها على السُّنَّة، فما الظنُّ بخلاف ذلك؟! فابتدر شيخُ المنيبع الشيخُ الصالح وقال: نحن أحوالُنا إنما تَنفُق عند التتر ليست تَنفُق عند الشرع، فضبط الحاضرونَ عليه تلك الكلمة، وكثُرَ الإنكار عليهم من كل أحدٍ، ثم اتفق الحالُ على أنهم يخلعون الأطواقَ الحديدَ مِن رقابهم، وأنَّ من خرج عن الكتابِ والسنة ضُرِبَت عنقه، وصنَّف الشيخُ جزءًا في طريقة الأحمدية، وبيَّنَ فيه أحوالهم ومسالِكَهم وتخيُّلاتِهم، وما في طريقتِهم من مقبولٍ ومَردودٍ بالكتاب، وأظهر اللهُ السنة على يديه وأخمد بدعتَهم، ولله الحمدُ والمِنَّة.
هو أبو مُضَر زيادةُ اللهِ الثَّالث بنُ عبد الله بن إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الأغلب بن إبراهيم بن سالم بن عقال بن خفاجة، هو زيادةُ اللهِ الأصغَرُ، وهو الأميرُ الحاديَ عشَرَ والأخير من أمراء الأغالبة بإفريقية، تولَّى الإمارةَ بعد أن قَتَلَ والِدَه وقَرابَتَه؛ ليخلو له الحُكمُ. كان غارِقًا في اللَّهوِ والمجونِ في وقتٍ كانت إمارتُهم تتعَرَّضُ لاجتياحِ الدَّعوةِ العُبَيديَّة على يدِ داعيتهم أبي عبد الله الشيعي، وقد خاض الشيعيُّ مع الأغالبة عِدَّةَ مَعارِكَ انتصروا فيها على جيوشِ الأغالبة. حتى هرب أبو مُضَرَ خَوفًا منهم على نَفسِه إلى المشرِقِ، فقدم دمشق سنة 302 مجتازًا إلى بغدادَ طالبًا عون الخليفة العباسيِّ له ليستردَّ حُكمَه في القيروان، لكنه توفي بالرملة، ودُفِنَ بها.
لَمَّا استقرَّ عبد الله بن فيصل في الحكم في الرياض بعد ثورة أهل الرياض على أخيه سعود، بدأ سعود يحشد أعوانه من مناطق الجنوب الخرج والدلم والأفلاج ووادي الدواسر، وقرَّرَ محاربة أخيه عبد الله الذي أرسل جيشًا بقيادة أخيه محمد للاستيلاء على الخرج مركزِ تحرُّك سعود، لكنَّ قوات سعود تمكَّنَت من هزيمة قوات محمد، وأسرت عمَّ سعود عبد الله بن تركي الذي كان يرافِقُ الحملة، وسجنه حتى توفِّيَ في سجنه، ثم لاحقت قوات سعود فلولَ جيش محمد فحطمَتْها في وقعة الجزعة، وعلى إثر هذه الهزيمة سقطت الرياضُ بيد سعود، وفَرَّ منها عبد الله بن فيصل إلى الكويت وأقام في الصبيحية عند قبائل قحطان المؤيِّدة له، وتقاطرت الوفودُ على الرياض مرة ثانية لتقديم فروض الولاءِ والطاعة لسعود.
هو العلَّامة الفقيهُ المجتهدُ الربَّاني الحنفي، أبو الهذيل زُفَر بن الهذيل بن قيس بن سلم وُلد سنة 110 في العراق. وكانت أسرة زُفر على جانبٍ مِن سَعة الرزق وبُحبوحة العيش، وهو ما ساعَده على الانصراف إلى طلب العلمِ دون أن يشغَلَ نفسَه بأعباءِ الحياة، فحَفِظَ القرآنَ صغيرًا واستقام به لسانُه، وتفتَّحَت مواهِبُه واستعَدَّت لطلب العلم، ومالت نفسُه ورَغِبَت في تلقِّي الحديثِ النبوي، فتردَّدَ على حلقاتِه واتصل بشيوخِه الأبرار، وفي مقدِّمتِهم محدِّث الكوفة سليمان بن مهران المعروف بالأعمش، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وسعيد بن أبي عَروبة، وإسماعيل بن أبي خالد، ومحمد بن إسحاق، وأيوب السختياني في أصبهان. ثم ذهب إلى أصبهان مع والده، في خلافة الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكان أبوه قد تولَّى أمرَ أصبهان، وفي الفترة التي أقامها زُفَرُ في أصبهان أخذ عن عُلَمائها ومحدِّثيها المشهورين، حتى أصبحَ حافظًا مُتقنًا، وثِقةً مأمونًا. ولَمَّا رسخت قدمه في السُّنَّة أقبل عليه طلابُ العِلمِ يتعلَّمون على يديه، ويروونَ عنه أحاديثَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ومن أشهَرِ هؤلاء: أبو نُعَيم الأصبهاني، وحسان بن إبراهيم، وأكثم بن محمد، وعبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجرَّاح، وخالد بن الحارث. وكان زُفَرُ محدِّثًا بصيرًا وخبيرًا بفنون الحديثِ، وناقدًا دقيقًا، ويصف أبو نُعَيم ذلك بقوله: "كنتُ أعرِضُ الحديثَ على زُفَر، فيقول هذا ناسِخٌ وهذا منسوخ، وهذا يؤخَذُ به وهذا يُرفَض". وبلغ من سَعةِ عِلمِه وتمكُّنه من فنون الحديث وقدرتِه على التمييز بين درجاتِ الحديث من حيثُ الصِّحةُ والضَّعفُ أنه كان يقول للحافظ أبي نعيم: "هاتِ أحاديثَك، أُغَرْبِلْها لك غَربلةً"، ولَمَّا عاد إلى الكوفة وكانت تموجُ بحلقاتِ العلماء، استأنف اتصالَه بكبار الأئمة، وانتظم في حلقاتِهم، ونهَل من عِلمِهم، حتى اتَّصل بأبي حنيفة النعمان، وكان قد انتهت إليه رئاسةُ الفِقه في العراقِ، واتَّسَعت شهرتُه، فلازمه ملازمةً لصيقةً، حتى غلب عليه الفقهُ وعُرِفَ به، فقيل: "كان صاحِبَ حديثٍ، ثم غلَبَ عليه الفِقهُ". ويذكرُ أبو جعفر الطحاوي أنَّ سبب انتقال زُفَر إلى حلقةِ أبي حنيفةَ مسألةٌ فقهيَّةٌ أعيَتْه وأعيَتْ أصحابَه من المحدِّثين، وعجزوا عن حَلِّها، فلما أتى بها إلى أبي حنيفة أجابه إجابةً شافيةً، فكان ذلك أحدَ الأسبابِ التي دفعت بزُفَرَ إلى الاشتغالِ بالفقه والإقبال عليه، فالتزم أبا حنيفةَ أكثر من عشرين سنة، ووجد فيه الفَهمَ العميقَ والفِكرَ السَّديد، ومالت نفسُه إليه. ولَمَّا توفِّي أبو حنيفة النعمان خلَفَه في حلقتِه زُفَرُ بن الهذيل بإجماعِ تلامذةِ الإمام دونَ مُعارضةٍ، وقد رفض منصِبَ القضاء حين عُرِضَ عليه، وظل منقطعًا إلى العِلمِ، وقد توفِّيَ وهو في الثامنة والأربعين. قال الذهبي: ذكَره يحيى بن مَعين، فقال: ثقةٌ مأمون
هو محمَّدُ بن مُسلِم بن عُبيدِ الله بن شِهاب الزُّهري، أوَّلُ مَن دَوَّنَ الحَديثَ، أَحدُ كِبارِ الحُفَّاظ والفُقَهاء، حَدَّث عن عَددٍ مِن الصَّحابة كَأَنَسٍ وابنِ عُمَر، وأَرسَل عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم أَحاديثَ كَثيرَة، كان مِن مَشاهير القُرَّاء، له مُؤَلَّفات في المَغازي والتَّاريخ والقُرآن، اسْتَقَرَّ في الشَّام وبَقِيَ إلى أن قِيلَ ليس في الدُّنيا له نَظير، تُوفِّي في قَريَةِ شَغْب أوَّل حُدودِ فِلَسطين مع الحِجاز، فرَحِمَه الله تَعالى وجَزاهُ عن الإسلامِ والمسلمين خَيرًا.
قبل أن يتسَلَّمَ عبدُالرحمن بن الحكَم مقاليدَ الحُكمِ، فوجئ بخروجِ عَمِّ أبيه عبد الله بن عبدالرحمن البلنسي عليه؛ لينتزع المُلكَ منه، خرج من بلنسية يريد قُرطبة، فتجهَّزَ له عبد الرحمن واستعَدَّ لمواجهتِه، وعندما بلغ ذلك عبد الله خاف وضَعُفَت عزيمتُه، وانسحب إلى بلنسية، ثم ما لبث أن مات في أثناء ذلك سريعًا، ووقى الله ذلك الطَّرفَ شَرًّا. فلما مات نقلَ عبدُ الرحمن أولادَه وأهلَه إليه بقُرطبة، فخَلَصت الإمارةُ لولد هشام بن عبد الرحمن.
كان الفقيهُ أبو عبد الله محمد الأندلسي نزيلُ مراكش قد استهوى بما يظهر عليه من زهدٍ وصلاحٍ كثيرًا من العامة، فتبعوه، وكانت تصدرُ عنه مقالات قبيحةٌ من الطعن على أئمة المذاهب رحمهم الله تعالى، ويتفوه بمقالات شنيعة في الدين، فأمر السلطانُ الغالب بالله بقتلِه، فاستغاث بالعامَّةِ مِن أتباعه، واعصوصبوا عليه ووقعت فتنةٌ عظيمة بمراكش بسَبَبِه إلى أن قُتِلَ وصُلِب على باب داره برياض الزيتون بمراكش، وكان ذلك أواسِطَ ذي الحجة من هذه السنة.
سار بغدوين ملك القدس إلى ديار مصر في جمع الفرنج، قاصدًا ملكها والتغلب عليها، وقوي طمعه في الديار المصرية، وبلغ مقابل تنيس وسبح في النيل، فانتقض جرح ٌكان به، فلما أحس بالموت وصَّى ببلاده للقمص -كبير القساوسة- صاحب الرها، وهو الذي كان أسره جكرمش، وأطلقه جاولي سقاوو، واتفق أن هذا القمص كان قد سار إلى القدس يزور بيعة قمامة، فلما وصى إليه بالملك قبله، واجتمع له القدس والرها. وكان بغدوين قد وصل إلى الفرما وأحرق جامعها وأبواب المدينة ومساجدها، وقتل بها رجلًا مقعدًا وابنة له ذبحَها على صدره، ورحل وهو مثخنٌ مَرضًا، فمات قبل العريش، فشق بطنه ورمى ما فيه هناك، فهو يُرجَم إلى اليوم، ويُعرَف مكانه بسبخة بردويل، ودفنت رمَّته بقمامة من القدس.
لما طلب البيزنطيون المساعدةَ من العثمانيين ضِدَّ الصرب، أدرك بذلك العثمانيون ضَعفَ البيزنطيين، فرأى أورخان سلطانُ العثمانيين أن ينتَقِلَ إلى الضفة الغربية من مضيقِ الدردنيل ليتقَدَّمَ بعدها إلى أوروبا فيتمَكَّنَ من الإحاطة بالقسطنطينية والهجومِ عليها من الغرب؛ حيث عجز المسلمون عن فتحها من الشرقِ، فأرسل ابنه الكبير سليمان لدراسة هذه الخطة، وفي هذا العام اجتاز سليمانُ مضيق الدردنيل ليلًا مع أربعين رجلًا من أبطالِه، ولما وصلوا إلى الضفة الغربية استولوا على الزوارق الروميَّة الراسية هناك وعادوا بها إلى الضفة الشرقيَّة؛ إذ لم يكن للعثمانيين أسطول، ثم انتقلوا إلى الشاطئِ الأوربيِّ فاحتلوا قلعة تزنب وغاليبولي التي فيها قلعة جنا- القلعة المشهورة- وأبسالا ورودستو، وهذه كلها تقع على مضيق الدردنيل من الجنوب إلى الشمال حتى تصبح رودستو على بحر مرمرة.
هو سليمان باشا والي بغداد، وهو غير سليمان باشا الكبير. سار عبد الرحمن باشا الكردي إلى بغداد، فنازل أهلها ودخلها وقتل سليمان باشا، وسَبَبُ ذلك أن السلطان محمود بن عبد الحميد بعث رجلًا يقال له آغا بكر إلى سليمان يطلب منه خراجَ العراق من مدة سنين لم يأتِه منه شيء، فقام الأغا بكر عنده في بغداد، فلم يحصُلْ له شيء، ثم إن سليمان أعطاه رشوةً وأذن له في الخروجِ من بغداد، فخرج فاستصرخ الأكراد وبادية العراق على سليمان، وذكر لهم أنه عصى على السلطان, فسار إليه عبد الرحمن الكردي ووقعت المصافَّةُ خارج بغداد وهُزِمَ سليمان وجنوده فهرب سليمان لوجهِه، فأمسكه رجال من بوادي الدفافعة فقطعوا رأسه وأتوا به إلى الكردي.
بعد إخفاقِ الملك عبد العزيز في المحاولةِ الأولى لاستعادةِ الرِّياضِ، ازداد إصرارًا على انتزاع الرياضِ مِن ابن رشيد واستعادةِ حُكمِ آل سعود، فأعاد الكرَّةَ مرةً أخرى في هذا العام. فاستطاع دخولَ الرياض، وقَتَل عجلانَ بن محمد العجلان أميرَ الرياضِ مِن قِبَلِ ابنِ رشيد، بعد خوضِ مغامرةٍ جَريئةٍ قام بها مع أربعينَ رجلًا من أقربائِه وأتباعِه في الليلة الخامسة من شوال.
أعلن عبد العزيز بعدها حُكمَه للرياضِ ونهايةَ حُكم ابن رشيد, وأوَّلُ عملٍ قام به هو إعادةُ إصلاحِ ما تهَدَّم من أسوارِ الرِّياضِ؛ ليجعلَها حصينةً أمامَ أي محاولةِ لاسترجاع ابن رشيد حُكمَها, ثم اتَّجه إلى الخرج والدلم وضَمَّهما لحُكمِه، وذلك سنة 1320ه ليؤمٍّن وجوده في الرياضِ.
يقول ابن بشر: "كانت هذه البلدةُ -الدِّرعية- أقوى البلادِ، وقوَّةُ أهلها وكثرةُ رجالهم وأموالهم لا يحصيه التَّعداد، فلو ذهبت أعددُ أحوالهم وإقبالَهم فيها وإدبارَهم في كتايب الخيل والنجايب العمانيات، وما يدخلُ على أهلها من أحمالِ الأموالِ مِن سائر الأجناس التي لهم مع المسافرينَ منهم، ومن أهل الأقطار- لم يسَعْه كتاب، ولرأيت العجَبَ العجاب، وكان الداخِلُ في موسمها لا يفقد أحدًا من أهل الآفاقِ مِن اليمن وتهامة والحجاز وعمان، والبحرين وبادية الشام والعراق، وأناس من حاضرتهم، إلى غير ذلك من أهل الآفاقِ ممن يطول عَدُّه، هذا داخِلٌ فيها وهذا خارجٌ منها، وهذا مستوطِنٌ فيها، وكانت الدورُ لا تُباعُ فيها إلا نادرًا، وأثمانُها سبعة آلاف ريال وخمسة آلاف، والداني بألف ريال، وأقل وأكثر، وكلُّ شيء يقدره على هذا التقدير من الصغير والكبير، وكروة الدكان الواحد بلغت في الشَّهرِ الواحد خمسةً وأربعين ريالًا، وكروة الدكان الواحد من سائر الدكاكين بريالٍ في اليوم، والنازل بنصفٍ، وذُكر لي: أن القافلة من الهدم -الملابس- إذا أتت إليها بلغَت كروة الدكان في اليوم الواحد أربعة أريُل، وأراد رجلٌ منهم أن يوسِّعَ بيته ويعمره فاشترى نخلاتٍ تحت هذا البيت يريدُ قطعها ويعمر موضِعَها، كل نخلة بأربعين ريالًا أو خمسين ريالًا، فقطع النخل وعمر البيت، ولكِنَّه وقع عليه الهدم قبل تمامِه، وذَكر لي من أثقُ به أن رجلًا من أهل الدرعية قال له: إني أردت ميزابًا في بيتي فاشتريتُ خشبة طولها ثلاثة أذرع بثلاثة أريُل، وأجرة نَجْره وبِناه ريال, وكان غلاء الحطب فيها والخشب إلى حدِّ الغاية، حتى قيل: إنَّ حملَ الحطب بلغَ خمسة أريل وستة، والذراع من الخشبة الغليظة بريال، وكل غالبِ بيوتها مقاصير، وقصور كأنَّ ساكنيها لم يكونوا من أبناء ساكني القبور، فإذا وقفْتَ في مكان مرتفع ونظرت موسمها وكثرة ما فيها من الخلائق وتزايلهم فيه وإقبالهم وإدبارهم، ثم سمعتُ رنَّتَهم فيه ونجناجهم فيه، إذا كأنه دويُّ السيل القوي إذا انصَبَّ من عالي جبل، فسبحان من لا يزولُ مُلكُه ولا يُضامُ سُلطانُه ولا يُرامُ عِزُّه {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26] "