هو الوَزيرُ الكَبيرُ، أبو غالبٍ مُحمَّدُ بنُ عليِّ بنِ خَلَفِ بنِ الصيرفيِّ الشِّيعيِّ، المُلَقَّبُ فَخر الملك، وزيرُ بهاءِ الدَّولة أبي نصرِ بنِ عضُدِ الدَّولة بن بُوَيه، وبعد وفاتِه وَزَرَ لِوَلَدِه سُلطانِ الدَّولةِ أبي شُجاعٍ فناخِسرو. أصلُه مِن واسِط، وكان أبوه صيرفيًّا، وباسمِه صَنَّفَ كتاب "الفخري" في الجبرِ والمُقابلة. كان صدرًا مُعظَّمًا، جوادًا مُمَدَّحًا، مِن رجالِ الدَّهرِ، وكان مِن صِباه يتعانى المكارِمَ والأفضالَ، ويلَقِّبونَه بالوزيرِ الصَّغيرِ، وكان من أعظَمِ وُزراءِ آلِ بُوَيه على الإطلاقِ بعدَ أبي الفَضلِ مُحَمَّدِ بنِ العَميد والصَّاحِبِ بنِ عَبَّاد، وكان واسِعَ النِّعمةِ، فسيحَ مجالِ الهمَّة، جَمَّ الفضائِلِ، جَزيلَ العَطايا والنَّوال، وكان شَهمًا كافيًا، خبيرًا بالتصَرُّفِ، سديدَ التَّوقيعِ، طَلْقَ المُحَيَّا، يكاتِبُ مُلوكَ النواحي، ويهاديهم، وفيه عَدلٌ في الجُملةِ، عَمَرَت العراقُ في أيَّامِه، أنشأ بيَمارستانًا، ودارًا عَظيميَنِ ببَغداد, وكان من أثَرِ تَشَيُّعِه أنَّه أعاد اللَّطمَ يومَ عاشوراءَ، فثارت الفِتَنُ لذلك سنة406. كانت جوائِزُه متواترةً على العُلَماء والصُّلَحاء والشُّعَراء. وَلِيَ بعضَ الأعمال، وتنَقَّلَت به الأحوالُ إلى أن وَلِيَ ديوانَ واسط، ثم وزَرَ وناب للسُّلطانِ بهاءِ الدَّولة بفارِس، وافتتَحَ قِلاعًا، ثمَّ وَلِيَ العِراقَ بعد عميدِ الجيوش. لم يزَلْ فَخرُ الملك في عِزِّه وجاهِه وحُرمَتِه إلى أنْ نَقَم عليه سُلطانُ الدَّولة، فحَبَسَه ثمَّ قتلَه بسَفحِ جَبَلٍ قريبٍ مِن الأهواز لثلاثٍ بَقِينَ مِن شهرِ ربيع الأول سنة 407, وعاش ثلاثًا وخمسينَ سنةً.
كانت سَلْطنة عُمانَ من بيْن أوائل الدُّول التي نالَت استقلالَها في المنطقةِ. بعدَ أنْ أنهى السُّلطان قابوس دِراساتِه العسكريةَ في لَنْدن وقِيامِه بجولةٍ حولَ العالم، تمَّ استدعاؤه إلى الوطَنِ، ووُضِعَ قابوس في عُزْلة في قصْر صلالةَ؛ بسَبب تَعارُض أفكارِه التقدُّميةِ العالمية مع مُيول والِدِه في الإبقاءِ على محافظةِ وانعزاليةِ عُمان. وبدَعْمٍ مِن البريطانيين والصَّفوة السياسية في عُمان استولَى السُّلطان قابوس (البالغ مِن العُمر 30 عامًا) على الحكْمِ إثرَ انقلابٍ نفَّذه ضِدَّ أبيه سعيدِ بن تَيمور، ثم نَفى والدَه إلى لَندن؛ حيث مات هناك عام 1972م، وما إنْ تَسلَّم السُّلطانُ قابوس السُّلطةَ في يوليو 1970م حتى حصَل على اعترافٍ عالميٍّ كامل يَمنَحُه الاستقلالَ التامَّ عن بِريطانيا. وتمَّ تَغييرُ اسمِ الدَّولة من "سَلْطنة مسْقطَ وعُمان" إلى "سَلْطنة عُمان"، وبالإضافةِ إلى دَور قابوس كسُلْطانٍ يَشغَلُ قابوس مناصبَ رئيسِ الوزراء، ووزيرِ الخارجية، ووزيرِ الماليَّة، ووزيرِ الدِّفاع. جاء آل بوسعيد إلى حُكْمِ عُمان عام 1154هـ / 1741م، وما زالوا يَحكُمون إلى الآن، ويعودُ تاريخُ بوسعيد إلى أحمدَ بنِ سعيد الذي عُيِّن مُستشارًا لسيف بنِ سُلطان، آخِر مَن حكَمَ عُمان مِن اليعاربةِ، فلمَّا رأى اضطرابَ الأمورِ في البلادِ، وضَعْفَ الحاكمِ سيفِ بن سُلطان، وتفتُّتَ البلاد في عهْدِه؛ عمِلَ على تَوحيد الصُّفوف، وقضى على القواتِ الفارسيةِ الموجودةِ بالبلاد، وعلى إثْر ذلك بُويِعَ إمامًا للبلادِ، وتوالى الأئمةُ مِن آل بوسعيد حتى آل الأمْرُ للسُّلطان قابوس بنِ سعيد.
كثُرَ فَسادُ العُربان بالوجه القبلي، وتعَدَّى شَرُّهم في قَطعِ الطَّريقِ إلى أن فَرَضوا على التجَّار وأرباب المعايش بأسيوط ومنفلوط فرائِضَ جَبَوها شبه الجماليَّة، واستخَفُّوا بالولاة ومنعوا الخراجَ، وتَسَمَّوا بأسماء الأمراء، وجعلوا لهم كبيرينِ أحدهما سَمَّوه بيبرس، والآخر سلار، ولبسوا الأسلحةَ وأخرجوا أهلَ السُّجونِ بأيديهم، فاستدعى الأمراءُ القُضاةَ والفُقَهاءَ، واستفتَوهم في قتالِهم، فأفتَوهم بجواز ذلك، فاتَّفَق الأمراء على الخروج لقتالِهم وأخْذِ الطرق عليهم، لئلا يمتَنِعوا بالجبالِ والمفاوزِ فيَفوتَ الغَرَضُ فيهم، فاستدعَوا الأمير ناصر محمد بن الشيخي متولي الجيزية, وغيرَه من ولاة العمل، وتقَدَّموا إليه بمنع الناسِ بأَسرِهم من السفر إلى الصعيدِ في البَرِّ والبحر، ومَن ظَهَر أنه سافر كانت أرواحُ الولاة قبالةَ ذلك، فاشتَدَّ حِرصُهم، وأشاع الأمراءُ أنَّهم يريدون السَّفَرَ إلى الشام، وكُتِبَت أوراق الأمراء المسافرين، وهم عشرونَ مُقَدَّمًا بمضافيهم، وعيَّنوا أربعة أقسام: قسمٌ يتوَجَّهُ في البر الغربي من النيلِ، وقِسمٌ في البَرِّ الشرقي، وقِسمٌ يركب النيل، وقِسمٌ يمضى في الطريق السالكةِ، وتوجه الأميرُ شمس الدين سنقر الأعسر إلى جهة ألواح في خمسةِ أمراء، وقرر أن يتأخَّرَ مع السلطان أربعةُ أمراء من المقَدَّمين، وتقَدَّمَ إلى كُلِّ مَن تعَيَّنَ لجهة أن يضَعَ السَّيفَ في الكبير والصَّغيرِ والجليل والحقير، ولا يُبقُوا شيخًا ولا صبيًّا، ويحتاطوا على سائِرِ الأموال، وسار الأميرُ سلار في رابع جمادى الآخرة ومعه جماعةٌ من الأمراء في البر الغربي، وسار الأميرُ بيبرس بمن معه في الحاجر في البر الغربي على طريق الواحات، وسار الأميرُ بكتاش أميرُ سلاحٍ بمن معه إلى الفيوم وسار الأميرُ بكتمر الجوكندار بمن معه في البرِّ الشرقي، وسار قتالُ السبع وبيبرس الدوادار وبلبان الغلشي وعرب الشرقية إلى السويس والطور، وسار الأميرُ قبجق ومن معه إلى عقبةِ السَّيل، وسار طقصبا والي قوص بعرب الطاعةِ وأخذ عليهم المفازاتِ، وضَرَبَ الأمراءُ على الوجه القبلي حلقةً كحلقةِ الصيدِ، وقد عُمِّيَت أخبارُهم على أهل الصعيد، فطَرَقوا البلادَ على حينِ غَفلةٍ مِن أهلها، ووضَعوا السيفَ في الجيزيَّة بالبر الغربيِّ والإطفيحية من الشرق، فلم يتركوا أحدًا حتى قَتَلوه، ووسطوا نحو عشرة آلاف رجلٍ، وما منهم إلَّا من أخذوا مالَه وسَبَوا حريمه، فإذا ادَّعى أحدٌ أنَّه حَضَريٌّ قيل له قل: دقيق، فإن قال بقاف العَرَبِ قُتِلَ، ووقع الرعبُ في قلوبِ العُربان حتى طَبَّق عليهم الأمراءُ، وأخَذوهم مِن كُلِّ جِهةٍ فَرُّوا إليها، وأخرَجوهم من مخابِئِهم حتى قَتَلوا مَن بجانبي النيلِ إلى قوص، وجافت الأرضُ بالقتلى، واختفى كثيرٌ منهم بمغائِرِ الجبالِ، فأُوقِدَت عليهم النيرانُ حتى هلكوا عن آخِرِهم، وأُسِرَ منهم نحوُ ألف وستمائة لهم فلاحات وزروع، وحَصَل من أموالهم شيءٌ عَظيمٌ جدًّا تفَرَّقَتْه الأيدي، وأُحضِرَ منه للديوان ستة عشر ألف رأسٍ من الغنم، من جملةِ ثمانين ألف رأسٍ ما بين ضأن وماعز، ونحو أربعةِ آلاف فرس واثنين وثلاثين ألف جمل، وثمانية آلاف رأس من البقر، غيرَ ما أُرصِدَ في المعاصر، ومن السِّلاحِ نحو مائتين وستين حملًا ما بين سيوف ورماح، ومن الأموالِ على بغالٍ مُحَمَّلة مائتين وثمانين بغلًا، ثم عاد العسكَرُ في سادس عشر رجب، وقد خلت البلادُ بحيث كان الرجلُ يمشي فلا يجِدُ في طريقه أحدًا، وينزِلُ بالقرية فلا يرى إلا النِّساءَ والصِّبيانَ والصِّغارَ، فأفرجوا عن المأسورينَ وأعادوهم لحِفظِ البلاد، وكان الزَّرعُ في هذه السنة بالوجه القبلي عظيمًا إلى الغاية، تحصَّلَ منه ما لم يُقدَرْ قَدرُه كَثرةً.
كان ضُبَّاط الجيشِ قد نَظَّموا مظاهرة أيَّدها الشعب طالبوا الخديوي توفيق بتشكيلِ وَزارةٍ جديدة وتسَلُّم أحمد عُرابي في الوزارة الجديدة وزارةَ الحربية، واقترحت هذه الوَزارةُ مناقشةَ المجلس للميزانية باستثناءِ القِسمِ المخَصَّص لتسديد الديون للحيلولةِ دون التدخُّلِ الأجنبي، فوافق المجلِسُ واعتمد الخديوي الدستور عام 1299هـ فعارضت إنكلترا وفرنسا ذلك وعَمِلَتا على إثارة الفِتَنِ لإمكانية التدخُّلِ، وكان أحمد عرابي قد سَرَّح عددا من الضباط وأحال بعضَهم إلى المحاكمة، فوجدت إنكلترا البذورَ لزَرعِ الشِّقاقِ، فحَرَّضت الخديوي على رفض تصرُّف الوزارة، فانصاع وعاد الخلافُ وبدأت المناوراتُ الأجنبية؛ حيث جاء الأسطولان الفرنسي والإنجليزي إلى المياهِ المصرية قُربَ الإسكندرية وشجَّعا الخديوي على ضَربِ المتمَرِّدين، فأمر الخديوي بإبعاد أحمد عرابي فنُفِيَ ومَن معه إلى الريف، وفي نفس الوقتِ حَرَّكت إنجلترا أعوانَها من النصارى في الإسكندرية لإحداثِ فِتنةٍ دينيةٍ، فتدخَّلت إنجلترا بالقَصفِ المِدفعيِّ على المدينة، وأعلن أحمد عرابي الثورةَ على الخديوي الذي احتمى في الإسكندرية قريبًا من الإنجليز، وأسرع أحمد عرابي إلى الإسكندرية للدفاع عنها، لكِنَّ الإنجليز استطاعوا احتلالها فانسحب عرابي بجيشِه ونزلت القوات الإنجليزيةُ في الإسماعيلية، وأسرع عرابي لملاقاتِهم والتقى الطرفان عند التل الكبير في رمضان 1299هـ وهُزِمَ أحمد عرابي واحتَلَّ الإنجليز مصرَ، وحاكموا أحمد عرابي ورفاقَه وحُكِمَ عليهم بالقتل، ثم استُبدِلَ بالقتل النَّفيُ المؤَبَّد.
جائحةُ فَيروس كُورونا، أو جائحةُ (كوفيد-19)؛ هي جائحةٌ عالَميةٌ سبَّبها فَيروس (كورونا 2) المرتبِطُ بالمُتلازمة التَّنفُّسيةِ الحادَّة الشَّديدةِ (سارس-كوف-2). تفشَّى المرضُ للمرةِ الأُولى في مَدينة وُوهان الصِّينيةِ في أوائل شَهْر دِيسمبر عامَ 2019م/ رَبيعٍ الآخَرِ 1441هـ، وانتشَرَ في نهايةِ المطافِ إلى بَقيَّة الصِّينِ، وفي 30 يناير 2020م / 5 جُمادى الأولى 1441 أعلَنَت منظَّمةُ الصِّحةِ العالميَّة رسميًّا أنَّ تفشِّيَ الفيروس يُشكِّل حالةَ طوارئٍ صِحِّية عامَّة تَبعَثُ على القلَقِ الدَّولي، وأكَّدت تحوُّلَ الفيروسِ إلى جائحةٍ في 11 مارس/ 16 رجَب.
ثم انتشَر الفيروسُ إلى كلِّ بُلدانِ العالَم، وأصاب عشَراتِ الملايينَ، وتُوفِّي منهم مِئاتُ الآلاف!
يَنتقِل الفيروسُ بالدَّرجة الأُولى عند المخالَطة بين الأفراد، وغالبًا عبْرَ الرَّذاذِ والقُطيرات التنفُّسية الناتجة عن السُّعال أو العُطاس أو التحدُّث. وقد يُصاب الأفرادُ نتيجةً لِلمْسِ العينينِ أو الفَمِ أو الأنْف بعْدَ لمْسِ سطْحٍ ملوَّث بالفيروس.
ومِن أعراضِه الشائعة: الحُمَّى، والسُّعال، والإعياءُ، وضِيقُ النفَسِ، وفقْدانُ حاسَّتي الشَّمِّ والتذوُّقِ.
وقد سبَّب الوباءُ أضرارًا اجتماعيةً واقتصاديةً عالميةً بالغةً، تَسبَّبت في أضخَمِ رُكودٍ اقتصاديٍّ عالمي، بالإضافةِ إلى تَعطيل الصَّلوات في المساجدِ، وانتقالِ الدِّراسة والأعمال لتُمارَسَ عن بُعْدٍ، وتَأجيلِ الأحداث الرِّياضية والسِّياسية والثقافيةِ أو إلْغائِها، ونقْصٍ كبير في الإمداداتِ والمُعِدات.
فكانت بحقٍّ جائحةً وكارثةً عالَميةً!
تَزوَّج الخَليفةُ المُقتَدِي بابنةِ السُّلطانِ ملكشاه فاشتَرطَت عليه أن لا يُبقِي تَحتَه لا زَوجةً ولا سُرِّيَّةً إلا هي وَحدَها، فأُجِيبَت رَغبتُها. فنُقِلَ جِهازُها إلى دارِ الخِلافَةِ على مائةٍ وثلاثين جَمَلًا مُجَلَّلَةً بالدِّيباجِ الرُّوميِّ، وكان أَكثرَ الأحمالِ الذهبُ والفِضَّةُ وعلى أربعٍ وسبعين بَغْلًا مُجَلَّلَةً بأَنواعِ الدِّيباجِ المَلَكِيِّ، وأَجراسُها وقَلائدُها من الذهبِ والفِضَّةِ، وكان على سِتَّةٍ منها اثنا عشر صُندوقًا من فِضَّةٍ لا يُقَدَّر ما فيها من الجَواهرِ والحُلِيِّ، وبين يدي البِغالِ ثلاثةٌ وثلاثون فَرَسًا من الخَيْلِ الرَّائقَةِ، عليها مَراكِبُ الذهبِ مُرَصَّعَةً بأَنواعِ الجَوهَرِ، ومَهْدٌ عَظيمٌ كَثيرُ الذَّهبِ، وسار بين يدي الجِهازِ سعدُ الدولةِ كوهرائين، والأَميرُ برسق، وغيرُهما، ونَثَرَ أَهلُ نَهرِ معلى عليهم الدَّنانيرَ والثِّيابَ، وكان السُّلطانُ قد خَرجَ عن بغدادَ مُتَصَيِّدًا، ثم أَرسلَ الخَليفةُ الوَزيرَ أبا شُجاعٍ إلى تركان خاتون، زَوجَةِ السُّلطانِ، وبين يَديهِ نحو ثلاثمائة مَوْكِبِيَّةٍ، ومِثلُها مَشاعِلُ، ولم يَبقَ في الحَريمِ دُكَّانٌ إلَّا وقد أُشعِل فيها الشَّمعةُ والاثنتانِ وأكثرُ من ذلك، وأَرسلَ الخَليفةُ مع ظُفَر خادمِه مَحِفَّةً لم يُرَ مِثلُها حُسْنًا، وقال الوَزيرُ لتركان خاتون: سيدنا ومولانا أَميرُ المؤمنين يقول: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}، وقد أَذِنَ في نَقلِ الوَديعَةِ إلى دارِه. فأَجابَت بالسَّمعِ والطَّاعةِ، وحَضَرَ نِظامُ المُلْكِ فمَن دُونَه مِن أَعيانِ دَولةِ السُّلطانِ، ثم جاءَت الخاتون ابنةُ السُّلطانِ بعدَ الجَميعِ، في مَحِفَّةٍ مُجَلَّلَةٍ، عليها من الذهبِ والجَواهرِ أكثرُ شيءٍ، وقد أَحاطَ بالمَحِفَّةِ مائتا جاريةٍ من الأتراكِ بالمَراكبِ العَجيبةِ، وسارَت إلى دارِ الخِلافةِ، وكانت ليلةً مَشهودَةً لم يُرَ ببغدادَ مِثلُها، فلمَّا كان الغَدُ أَحضرَ الخَليفةُ أُمراءَ السُّلطانِ لِسِماطٍ أَمَرَ بِعَمَلِهِ وخَلَعَ عليهم كُلِّهم، وعلى كلِّ مَن له ذِكْرٌ في العَسكرِ، وأَرسلَ الخِلَعَ إلى الخاتون زَوجةِ السُّلطانِ، وإلى جَميعِ الخَواتين.
هو أبو بكرٍ محمَّدُ بنُ داود بن عليِّ بن خلف الأصبهانيُّ المعروفُ بالظاهريِّ. ابنُ الإمامِ داودَ بنِ عليٍّ الظاهري, كان عالِمًا بارعًا, إمامًا في الحديث, أديبًا شاعِرًا ظريفًا، فقيهًا ماهرًا، اشتغل على أبيه وتَبِعَه في مذهبه ومَسلَكِه وما اختاره من الطرائِقِ وارتضاه، وكان أبوه يحبُّه ويقَرِّبُه ويُدنيه. كان أحدَ من يُضرَبُ المثَلُ بذكائه. تصَدَّرَ للفُتيا بعد والده، لَمَّا جلس للفتوى بعد والِدِه استصغروه، فدَسُّوا عليه من سأله عن حَدِّ السُّكرِ، ومتى يعَدُّ الإنسانُ سَكرانَ؟ فقال: إذا عَزَبَت- يعني: بعُدت وغابت- عنه الهُمومُ، وباح بسِرِّه المكتومِ، فاستُحسِنَ ذلك منه. كان مِن أجمل النَّاسِ وأكرَمِهم خلقًا، وأبلَغِهم لسانًا، وأنظَفِهم هيئةً، مع الدِّينِ والورَع، وكلِّ خَلَّةٍ محمودةٍ، مُحَبَّبًا إلى الناس. حَفِظَ القرآنَ وله سبعُ سنين، وذاكَرَ الرِّجالَ بالآدابِ والشِّعرِ وله عشرُ سنين، وكان يُشاهَدُ في مَجلِسِه أربعُمئة صاحبِ مِحبَرةٍ، وله من التآليفِ: كتابُ الزهرة، صنَّفه في عنفوان شبابِه، وهو مجموعٌ في الأدبِ، جمعَ فيه غرائبَ ونوادِرَ وشِعرٍ رائق، كتابُ (الإنذار والإعذار)، وكتاب (التقصِّي) في الفقه، وكتاب (الإيجاز) ولم يَتِمَّ، وكتاب (الانتصارُ من محمَّد بن جريرٍ الطَّبَري)، وكتاب (الوصولُ إلى معرفة الأصول)، وكتاب (اختلافُ مصاحف الصحابة)، وكتاب (الفرائض) وكتاب (المناسِك).
سار يوسُفُ بن عبد المؤمن إلى إفريقيَّةَ، وملك قفصة، وكان سبب ذلك أنَّ صاحِبَها علي بن عبد المعز بن المعتز لَمَّا رأى دخولَ الترك إلى إفريقيَّة واستيلاءهم على بعضها، وانقياد العرب إليهم؛ طَمِعَ أيضًا في الاستبدادِ والانفراد عن يوسف وكان في طاعته، فأظهر ما في نفسه وخالفه وأظهر العِصيان، ووافقه أهلُ قفصة، فقتلوا كلَّ من كان عندهم مِن الموحِّدين أصحابه، وكان ذلك في شوال سنة 572، فأرسل والي بجاية إلى يوسفَ بن عبد المؤمن يخبِرُه باضطراب أمور البلاد، واجتماعِ كثيرٍ من العرب إلى بهاء الدين قراقوش القائد الأيوبي الذي دخل إلى إفريقيَّة, فشرع يوسف بن عبد المؤمن في سدِّ الثغور التي يخافُها بعد مسيره، فلما فرغ من جميع ذلك جهَّز العسكر وسار نحو إفريقيَّة سنة خمس وسبعين، ونزل على مدينة قفصة وحَصَرها ثلاثة أشهر وهي بلدة حصينة، وأهلها أنجاد، وقطَعَ شَجَرَها، فلما اشتد الأمرُ على صاحبها وأهلها خرج منها مستخفيًا وطلب عفوَ أمير المؤمنين واعتذر، فَرَقَّ له يوسف فعفا عنه وعن أهل البلد، وتسلم المدينة أول سنة ست وسبعين وسيَّرَ علي بن المعز صاحِبَها إلى بلاد المغرب، فكان فيها مُكرمًا عزيزًا، وأقطعه ولايةً كبيرة؛ ورتَّب يوسف لقفصة طائفةً من أصحابه الموحِّدين.
هو الخليفةُ العباسي الواثِقُ عُمَرُ ابن الخليفة المستعصم بالله أبي إسحاق إبراهيم بن المستمسك بالله أبي عبد الله محمد بن الإمام الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن الحسن بن أبي بكر بن أبي علي إسحاق بن علي القبي. في يوم الاثنين الخامس والعشرين من شوال استدعى السلطانُ برقوق زكريَّا ابنَ الخليفة المعتصم بالله وأعلمه أنَّه يريد أن ينصِبَه في الخلافةِ بعد وفاة أخيه الواثق بالله عمر، ثم استدعى السلطانُ القضاة والأمراء والأعيان، فلما اجتمعوا أظهر زكريا المذكور عَهدَ عَمِّه المعتضد له بالخلافة، فخلع السلطانُ عليه خِلعةً غير خلعة الخلافةِ ونزل إلى داره، فلما كان يوم الخميس الثامن والعشرين منه طلع الخليفة زكريا إلى القلعةِ وأحضر أعيانَ الأمراء والقضاة والشيخ سراج الدين عمر البلقيني، فبدأ البلقينيُّ بالكلام مع السلطان في مبايعة زكريا على الخلافةِ، فبايعه السلطان أولًا، ثم بايعه من حضر على مراتِبِهم، ونُعِتَ بالمستعصم بالله، وخُلِعَ عليه خِلعةُ الخلافة على العادة، ونزل إلى داره وبين يديه القضاة وأعيان الدولة، ثم طلع زكريا في يوم الاثنين ثاني ذي القعدة وخلع عليه السلطان ثانيًا بنَظَرِ المشهد النفيسي على عادة من كان قبلَه مِن الخلفاء.
هو الشريف أبو الحسن علي بن عجلان بن رميثة، واسمُ رُميثة منجد بن أبي نمي بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله المحض بن موسى بن الحسن السبط بن الحسن بن علي بن أبي طالب المكي الحسني، أمير مكة المشرفة، وَلِيَها ثماني سنين ونحو ثلاثة أشهر مستقلًّا بالإمارة، غير سنتين أو نحوهما؛ فإنه كان فيهما شريكًا لِعَنان بن مغامس بن رميثة، ووقع له أمورٌ بمكة مع الأشراف ووقائع، وآخِرَ الأمر توجَّه أخوه الشريف حسن بن عجلان إلى القاهرة يريد إمرة مكة، فقبض عليه السلطان وحبسه، وبعث إلى أخيه علي هذا باستمراره على إمرة مكة، فاستمَرَّ على إمرتها إلى أن وقع بينه وبين بعض القوَّاد، وخرج إليهم عليٌّ، فبدره بعضُهم وسايرَه وهو راكب على راحلته، والشريف عليٌّ على الفرس، فرمى القائد بنفسه على الشريف عليٌّ وضربَه بجنبية كانت معه، فوقعا جميعًا على الأرض، فوثب عليه عليٌّ وضربه بالسيف ضربةً كاد منها يهلك، وولى عليٌّ راجعًا إلى الحلة، فأغرى به شخصٌ يقال له أبو نمي غلام لصهره حازم بن عبد الكريم جنديًّا، وعتبة وحمزة وقاسمًا، فوثبوا عليه وقتلوه وقطَّعوه وبعثوا به إلى مكة، فدُفِن بالمعلَّاة مع أبيه عجلان، وكان قتلُه يوم الأربعاء سابع شوال، ووَلِيَ إمرة مكة بعده أخوه حسن بن عجلان.
لَمَّا أتت صلاحُ الدين البِشارةَ بهزيمة الإسبتارية والدواية، وقَتْل مَن قُتِل منهم، وأسْر مَن أُسِرَ في صفوريَّة، عاد عن الكرك إلى العسكَرِ الذي مع وَلَدِه الملك الأفضل، فنزل بالأقحوانةِ بقرب طبرية، وتقَدَّم صلاح الدين حتى قارب الفرنجَ، فلم يَرَ الفرنج من يمنَعُهم من القتال، ونزل جريدةً إلى طبرية وقاتلَهم، ونقَّبَ بعض أبراجها، وأخذَ المدينة عَنوةً في ليلة، ولجأ من بها إلى القلعةِ التي لها، فامتنعوا بها، وفيها صاحبتُها، فنهَبَ المدينةَ وأحرَقَها، فقَوِيَ عَزمُ الروم على التقَدُّم إلى المسلمين وقتالِهم، فرحلوا من مُعسكَرِهم الذي لَزِموه، وقَرُبوا من عساكِرِ الإسلام، فلما سمع صلاح الدين بذلك عاد عن طبريَّةَ إلى عسكره، وكان قريبًا منه، وإنما كان قَصدُه بمحاصرةِ طبريَّةَ أن يفارِقَ الفرنج مكانَهم للتمكُّنِ مِن قتالهم، وكان المسلمونَ قد نزلوا على الماء، والزَّمانُ قَيظٌ شديدُ الحر، فوجد الفرنجُ العَطشَ، ولم يتمكنوا من الوصولِ إلى ذلك الماء من المسلمين، وكانوا قد أفنَوا ما هناك من ماءِ الصهاريج ولم يتمكَّنوا من الرجوع خوفًا مِن المسلمين، فبَقُوا على حالهم إلى الغد، وهو يوم السبت، وقد أخذ العطشُ منهم، وأصبح صلاحُ الدين والمسلمونَ يوم السبت لخمسٍ بَقِينَ مِن ربيع الآخر، فرَكِبوا وتقَدَّموا إلى الفرنج، فركب الفرنجُ، ودنا بعضُهم من بعضٍ إلَّا أن الفرنجَ قد اشتَدَّ بهم العَطَشُ وانخَذَلوا، فاقتتلوا، واشتَدَّ القتال، وصبر الفريقان، ورمى المسلمونَ مِن النشاب ما كان كالجراد المنتَشِر، فقَتَلوا من خيول الفرنج كثيرًا. والفرنج قد جمعوا نفوسَهم براجِلِهم وهم يقاتلون سائرينَ نحو طبرية، لعَلَّهم يردون الماء. فلما عَلِمَ صلاح الدين مَقصِدَهم صَدَّهم عن مرادِهم، وكان بعضُ المتطَوِّعة من المسلمين قد ألقى في تلك الأرض نارًا، وكان الحشيش كثيرًا فاحترق، وكانت الريحُ على الفِرنجِ، فحَمَلت حَرَّ النار والدُّخان إليهم، فاجتمع عليهم العَطَشُ وحَرُّ الزمانِ وحَرُّ النار، والدُّخانُ، وحَرُّ القتال، فلما انهزم القُمُّص-كبير القساوسة- سُقِطَ في أيديهم وكادوا يستسلِمونَ، ثمَّ عَلِموا أنَّهم لا ينجِّيهم من الموتِ إلَّا الإقدام عليه، فحملوا حملاتٍ مُتداركة كادوا يزيلونَ بها المسلمينَ، على كثرتِهم، عن مواقِفِهم، لولا لُطفُ الله بهم، إلَّا أن الفرنجَ لا يَحمِلونَ حملةً فيَرجِعونَ إلَّا وقد قُتِلَ منهم، فوهنوا لذلك وهنًا عظيمًا، فأحاط بهم المسلمون إحاطةَ الدائرة بقُطرِها، فارتفع من بَقِيَ مِن الفرنج إلى تلٍّ بناحية حطين، وأرادوا أن ينصِبوا خيامَهم، ويجمُّوا نفوسَهم به، فاشتد القتالُ عليهم من سائر الجهات، ومنعوهم عمَّا أرادوا، ولم يتمَكَّنوا من نصب خيمةٍ غيرَ خيمةِ مَلِكِهم، وأخذ المسلمونَ صَليبَهم الأعظمَ الذي يسمُّونَه صليبَ الصلبوت، ويذكرون أنَّ فيه قطعة من الخَشَبة التي صُلِبَ عليها المسيحُ عليه السَّلامُ- بزَعمِهم- فكان أخذُه عندهم من أعظَمِ المصائب عليهم، وأيقنوا بعده بالقَتلِ والهلاك، هذا والقَتلُ والأسرُ يَعمَلانِ في فرسانهم ورجالتِهم، فبَقِيَ الملك على التلِّ في مقدار مائة وخمسين فارسًا من الفُرسان المشهورين والشُّجعان المذكورين، وكان سبَبُ سقوط الفرنج لَمَّا حملوا تلك الحملات ازدادوا عطشًا، وقد كانوا يرجون الخلاص في بعض تلك الحَمَلاتِ مِمَّا هم فيه، فلما لم يجِدوا إلى الخلاصِ طريقًا، نزلوا عن دوابِّهم وجلسوا على الأرض، فصَعِدَ المسلمون إليهم، فألقوا خيمةَ الملك، وأسرُوهم عن بَكرةِ أبيهم، وفيهم الملِكُ وأخوه والبرنس أرناط، صاحِبُ الكرك، ولم يكن للفرنجِ أشَدُّ منه عداوةً للمسلمين، وأسَروا أيضًا صاحِبَ جبيل، وابن هنفري، ومقدم الداوية، وكان من أعظم الفرنجِ شأنًا، وأسروا أيضًا جماعةً مِن الداوية، وجماعةً من الإسبتارية، وكثُرَ القتل والأسر فيهم، فكان من يرى القتلى لا يظُنُّ أنهم أَسَروا واحدًا، ومَن يرى الأسرى لا يظُنُّ أنهم قتلوا أحدًا! فلما فرغ المسلمونَ منهم نزل صلاح الدين في خيمتِه، وأحضر مَلِكَ الفرنجِ عنده، وبرنس أرناط صاحِبَ الكرك، وأجلس المَلِك إلى جانبه وقد أهلَكَه العَطَشُ، فسقاه ماءً مثلوجًا، فشَرِبَ، وأعطى فَضْلَه برنس صاحب الكرك، فشَرِبَ، فقال صلاح الدين: إنَّ هذا الملعون لم يشرَبِ الماءَ بإذني فينالَ أماني؛ ثمَّ كلَّم البرنس، وقَرَّعه بذنوبه، وعَدَّد عليه غَدَراتِه، وقام إليه بنفسه فضَرَبَ رَقَبتَه، وقال: كنتُ نَذَرتُ دفعتَينِ أن أقتُلَه إن ظَفِرتُ به: إحداهما لَمَّا أراد المسيرَ إلى مكة والمدينة، والثانية لَمَّا أخذ القافلةَ غدرًا، فلما قتَلَه وسُحِبَ وأُخرِجَ، ارتعدت فرائص الملك، فسَكَّن جأشَه وأمَّنَه.
هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، أميرُ المؤمنين في الحديث، أبو عبد الله سفيانُ بنُ سعيد بن مسروق الثوريُّ التميميُّ، وُلِدَ سنة 97 بالكوفة, وهو سيِّدُ أهل زمانه في العِلم والدين، من كبارِ تابعي التابعينَ, وأحدُ الأئمة المجتهدينَ الذين كان لهم أتباعٌ، مصنف كتاب (الجامع) ولد: سنة 98 اتفاقا، وطلب العلم وهو حدث باعتناء والده المحدث الصادق سعيد بن مسروق الثوري، وكان والده من أصحاب الشعبي، وخيثمة بن عبد الرحمن، ومن ثقات الكوفيين، وعداده في صغار التابعين, ولا يُختلف في إمامة سفيان وأمانته وحفظه وعلمه وزهده. قال يونس بن عبيد: "ما رأيت أفضل من سفيان الثوري، فقيل له: يا أبا عبد الله رأيت سعيد بن جبير، وإبراهيم، وعطاء، ومجاهدا وتقول هذا؟ قال: هو ما أقول، ما رأيت أفضل من سفيان" قال عبد الرحمن بن مهدي: "ما رأيت رجلاً أحسن عقلاً من مالك بن أنس، ولا رأيت رجلاً أنصح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن مبارك، ولا أعلم بالحديث من سفيان، ولا أقشف من شعبة". وقد ساق الذهبي جملة من اقوال الأئمة والعلماء في الثوري منها: قال ابن المبارك: "كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان, وما نعت لي أحد فرأيته، إلا وجدته دون نعته، إلا سفيان الثوري. قال أبو حنيفة: لو كان سفيان الثوري في التابعين، لكان فيهم له شأن. وقال أيضا: لو حضر علقمة والأسود، لاحتاجا إلى سفيان. وقال المثنى بن الصباح: سفيان عالم الأمة، وعابدها. وقال ابن أبي ذئب،: ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان الثوري. وقال شعبة: ساد سفيان الناس بالورع والعلم, وهو أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن عيينة،: ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري. وقال أحمد بن حنبل: قال لي ابن عيينة: لن ترى بعينيك مثل سفيان الثوري حتى تموت. وعن حفص بن غياث، قال: ما أدركنا مثل سفيان، ولا أنفع من مجالسته. وقال أبو معاوية: ما رأيت قط أحفظ لحديث الأعمش من الثوري، كان يأتي، فيذاكرني بحديث الأعمش، فما رأيت أحدا أعلم منه بها. وقال يحيى بن سعيد: سفيان أعلم بحديث الأعمش من الأعمش. وقال ابن عرعرة: سمعت يحيى بن سعيد يقول: سفيان أثبت من شعبة، وأعلم بالرجال. وقال محمد بن زنبور: سمعت الفضيل يقول: كان سفيان والله أعلم من أبي حنيفة. وقال بشر الحافي: سفيان في زمانه، كأبي بكر وعمر في زمانهما.". يقال: إن عدد شيوخه ستمائة شيخ، وكبارهم الذين حدثوه عن: أبي هريرة، وجرير بن عبد الله، وابن عباس، وأمثالهم. وقد قرأ الختمة عرضا على: حمزة الزيات أربع مرات. وأما الرواة عنه فقد حدث عنه من القدماء من مشيخته وغيرهم خلق، منهم: الأعمش، وأبان بن تغلب، وابن عجلان، وخصيف، وابن جريج، وجعفر الصادق، وجعفر بن برقان، وأبو حنيفة، والأوزاعي، ومعاوية بن صالح، وابن أبي ذئب، ومسعر، وشعبة، ومعمر وكلهم ماتوا قبله, وغيرهم كثير. قال يحيى بن أيوب العابد: حدثنا أبو المثنى، قال: "سمعتهم بمرو يقولون: قد جاء الثوري، قد جاء الثوري. فخرجت أنظر إليه، فإذا هو غلام قد بقل وجهه - خرج شعر وجهه-. قلت (الذهبي): "كان ينوه بذكره في صغره، من أجل فرط ذكائه، وحفظه، وحدث وهو شاب قال أبو بكر بن عياش: إني لأرى الرجل يصحب سفيان، فيعظم في عيني. وقال ورقاء، وجماعة: لم ير سفيان الثوري مثل نفسه." كان سفيان رأسا في الزهد، والتأله، والخوف، رأسا في الحفظ، رأسا في معرفة الآثار، رأسا في الفقه، لا يخاف في الله لومة لائم, وهو من أئمة الدين، وكان يكثر من ذكر الآخرة, واغتفر له غير مسألة اجتهد فيها، وفيه تشيع يسير، كان يثلث بعلي، وهو على مذهب بلده أيضا في النبيذ. ويقال: رجع عن كل ذلك، وكان ينكر على الملوك، ولا يرى الخروج أصلا ومن أقوله رحمه الله: ما أودعت قلبي شيئا فخانني. قال وكيع، سمعت سفيان يقول: ليس الزهد بأكل الغليظ، ولبس الخشن، ولكنه قصر الأمل، وارتقاب الموت. وقال يحيى بن يمان: سمعت سفيان يقول: المال داء هذه الأمة، والعالم طبيب هذه الأمة، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه، فمتى يبرئ الناس وقال عبد الرزاق: دعا الثوري بطعام ولحم، فأكله، ثم دعا بتمر وزبد، فأكله، ثم قام، وقال: أحسن إلى الزنجي، وكده. أبو هشام الرفاعي: سمعت يحيى بن يمان، عن سفيان، قال: إني لأرى الشيء يجب علي أن أتكلم فيه، فلا أفعل، فأبول دما. وقال سفيان: ما وضع رجل يده في قصعة رجل، إلا ذل له. قيل: إن عبد الصمد عم المنصور دخل على سفيان يعوده، فحول وجهه إلى الحائط، ولم يرد السلام. فقال عبد الصمد: يا سيف! أظن أبا عبد الله نائما. قال: أحسب ذاك أصلحك الله. فقال سفيان: لا تكذب، لست بنائم. فقال عبد الصمد: يا أبا عبد الله! لك حاجة؟ قال: نعم، ثلاث حوائج: لا تعود إلي ثانية، ولا تشهد جنازتي، ولا تترحم علي. فخجل عبد الصمد، وقام، فلما خرج، قال: والله لقد هممت أن لا أخرج، إلا ورأسه معي. دعاه المنصور لتولِّي القضاءِ فأبى، ثم طلَبَه المهدي لذلك, فأبى ثم أتي به للمهدي، فلما دخل عليه سلم تسليم العامة ولم يسلم بالخلافة، والربيع قائم على رأس المهدي متكئاً على سيفه يرقب أمر الثوري، فأقبل عليه المهدي بوجه طلق، وقال له: يا سفيان، تفر منا ها هنا وها هنا وتظن أنا لو أردناك بسوء لم نقدر عليك، فقد قدرنا عليك الآن، أفما تخشى أن نحكم فيك بهوانا قال سفيان: إن تحكم فيّ يحكم فيك ملك قادر يفرق بين الحق والباطل، فقال له الربيع: يا أمير المؤمنين، ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا إيذن لي أن أضرب عنقه، فقال له المهدي: اسكت ويلك، وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن نقتلهم فنشقى بسعادتهم اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على أن لا يُعترض عليه في حكم، فكتب عهده ودفع إليه، فأخذه وخرج فرمى به في دجلة وهرب، فطلب في كل بلد فلم يوجد. هرب إلى مكَّة أولًا، ثم خرج إلى البصرة وبقي فيها متواريًا حتى مات فيها", وأُخرِجَت جنازتُه على أهلِ البصرة فجأةً، فشَهِدَه الخلقُ، وصلَّى عليه عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر، ونزل في حُفرتِه هو وخالد بن الحارث. مات وله ثلاث وستون سنة.
بعد أن انصرفَ خالدٌ مِن عَيْنِ التَّمْرِ أقام بدُومَة الجَندلِ فظَنَّ الفُرْسُ أنَّه قد غادَر العِراقَ مُتوجِّهًا إلى الجَزيرةِ العربيَّة مع القسم الأكبر مِن قُوَّاتِه، فأرادوا طَرْد قُوَّاتِه مِن العِراق، واستعادَة الأراضي التي فتَحها المسلمون؛ فطَمِع الأعاجمُ، وكاتَبَهم عربُ الجَزيرةِ غضبًا لِعَقَّةَ، فخرَج زرمهر وروزبه يُريدان الأنبارَ، واتَّعدا حُصيدًا والخَنافِسَ، فسمِع القعقاعُ بن عَمرٍو وهو خَليفةُ خالدٍ على الحِيرَةِ، فأرسل أَعْبَدَ بن فَدَكِيٍّ وأَمَره بالحُصيدِ (وادٍ بين الكوفة والشام)، وأرسَل عُروةَ بن الجَعْدِ البارقيَّ إلى الخَنافِسِ، ورجَع خالدٌ مِن دُومة إلى الحِيرَةِ وهو عازِمٌ على مُصادَمَةِ أهلِ المدائن مَحَلَّةِ كِسرى، لكنَّه كَرِهَ أن يَفعلَ ذلك بغيرِ إذن أبي بكرٍ الصِّدِّيق، وشَغلَه ما قد اجتمع مِن جُيوش الأعاجمِ مع نَصارى الأعرابِ يُريدون حَربَهُ، فبعَث القعقاعَ بن عَمرٍو أميرًا على النَّاس، فالْتَقَوْا بمكانٍ يُقال له: الحُصيد، وعلى العجمِ رجلٌ منهم يُقال له: روزبه، وأَمَدَّهُ أميرٌ آخرٌ يُقال له: زرمهر، فاقتتلوا قِتالًا شديدًا، وهُزِم المشركون وقتَل منهم المسلمون خلقًا كثيرًا، وقَتَل القَعقاعُ بِيَدِهِ زرمهر، وقَتَل رجلٌ يُقال له: عِصْمَةُ بن عبدِ الله الضَّبِّيُّ روزبه. وغَنِمَ المسلمون شيئًا كثيرًا، وهرَب من هرَب مِن العجمِ، فلَجأوا إلى مكان يُقال له: خَنافِس، فسار إليهم أبو ليلى بن فَدَكِيٍّ السَّعديُّ، فلمَّا أحسُّوا بذلك ساروا إلى المُصَيَّخِ، وعندما وصل أبو ليلى إلى الخَنافِس وجدَها خالية مِن الفُرْس، فأقام بها مُدَّةً، ثمَّ أرسل إلى خالدِ بن الوَليد يُنهي إليه أنباءَ استيلائِه على المدينةِ، ويُخبِرهُ بفِرارِ الفُرْس إلى المُصَيَّخ، فلمَّا استقرَّ الفُرْسُ بالمُصَيَّخ بمن معهم مِن الأعاجم والأعارِب قصَدهم خالدُ بن الوَليد بمَن معه مِن الجُنود، وقَسَّم الجيشَ ثلاث فِرَقٍ، وأغار عليهم ليلًا وهُم نائِمون فأَنامَهُم، ولم يُفْلِت منهم إلَّا اليَسيرُ فما شُبِّهُوا إلَّا بِغَنَمٍ مُصَرَّعَةٍ.
بدَأَت الحربُ بين العراقِ وإيرانَ في 13 ذي القعدة عام 1400هـ / 22 أيلول، باندفاعِ القواتِ العراقيةِ داخلَ إيرانَ؛ اعتمادًا على اتِّفاقية الجزائر التي تُطالِبُ الطرفينِ بالانسحابِ مِن المناطق المحتلَّةِ من أرْض الطرَفِ الآخَرِ، غيرَ أن إيرانَ لم تَنسحِبْ من مَنطقة زين القوسِ، وتجاهَلَت مُطالبةَ العراقِ لها بالانسحابِ، ثم قامتْ إيرانُ بهُجومٍ مُعاكس في جُمادى الأولى عام 1402هـ / آذار 1982م، وتمكَّنت مِن استعادة مَدينة المحمرة (خرمشهر) بعدما يَقرُب مِن شَهرينِ مِن بَدْء الهجوم، ثم اشتدَّت المعارضةُ الداخلية في العراقِ على الحرْب مِن عدة أطرافٍ؛ مِن إسلاميين، وشِيعةٍ، وحِزْبيينَ مُوالين لِسُوريَة وأكرادٍ، ولكنَّ الرئيس صدامًا لم يَأْبَه للمعارضين، فهاجَمَ هو أيضًا ناقلات النِّفط في شَهر شوال من عام 1402هـ / آب 1982م، في مُحاولة للضغْطِ على إيرانَ للصُّلح وإيقاف مُساعدتِها للأكرادِ، وشنَّت إيرانُ هُجومًا من الجبهةِ الشَّمالية، واستطاعَتْ احتلالَ ما يَقرُبُ من 700 كم2، وزادت العراقُ مِن الهجماتِ الصاروخيةِ والغاراتِ الجويةِ ضِدَّ المُدن والمنشآتِ النِّفطية في جزيرة خرج، وهدَّدت إيرانُ بإغلاقِ مَضيق هُرْمزَ حتى يتِمَّ حَجْزُ الخليج عن الاتِّصال ببقية البحارِ، وحاولت أمريكا ومِصر وسُوريَة والسُّعودية التوسُّطَ؛ لِيَتِم التفاوض بيْن العراق وإيرانَ، إلا أنَّ إيرانَ رفَضَت إلا بتَنحيةِ صدَّام عن الحكمِ وانسحابِ القوات العراقيةِ من المناطق التي دخلَتْها، ودفْعِ العراقِ تعويضاتٍ عن خسائرِ إيرانَ في هذه الحرب، وحرَصَت كلُّ دولة على التسلُّح بأحدث الأسلحةِ، وأمدَّت مصرُ العراقَ بمعِداتٍ عسكريةٍ تُقارِب ملياريْ دُولارٍ، وباعتِ الصِّين للعراقِ أسلحةً بما يقارب الثلاثةَ مِليارات دُولار، وزوَّدت أمريكا العراقَ بطائرات مروحيةٍ ومُعدات ثقيلةٍ، مع تَصريحِها بالحياد، وزوَّدت رُوسيا العراقَ بالأسلحةِ والصواريخِ، مع إعلانِها هي الأخرى الحيادَ، وباعت الكويتُ والسُّعودية رُبعَ مليونَ برميلٍ من النِّفط يوميًّا من المنطقة المحايدة لصالح العراقِ، أمَّا إيرانُ فاشترَتْ من الصِّين أسلحةً بقيمة 575 مليونَ دولارٍ، واشترَتْ من البرازيلِ وتشيلي، وزوَّدتها أمريكا ورُوسيا أيضًا بالأسلحةِ، وهاتانِ الدولتانِ مِن صالحهما بَقاءُ الحرب، ومن أهمِّ المصالحِ بيعُ الأسلحةِ وغيرها مِن المصالح الأخرى في المنطقة التي يُرِيدون أن تبقى غيرَ مُستقرَّةٍ دائمًا، ثم حشَدَت إيرانُ نِصف مليونَ مقاتلٍ قُرب شطِّ العرب، وأنشأَتِ العراقُ السُّدود والحواجزَ أمام الهجومِ الإيراني الذي قام بضَرْب الناقلاتِ الكويتية والسُّعودية وموانئ الدَّولتينِ النِّفطية، واستأنَفَ العراقُ الهجومَ على ناقلاتِ النِّفط الإيرانية، وفي جمادى الآخرة 1405هـ / آذار 1985م حشَدَت إيرانُ نِصف مليون مقاتل على الجبهةِ الجنوبية شَرق نَهر دِجْلة، وتمكَّنت مِن عُبور النهر، واتَّهَمت العراقَ باستعمالِ الأسلحةِ الكيماوية، وهاجَم العراقُ طَهرانَ بالصواريخ، وثلاثينَ مدينةً أخرى، وردَّت إيرانُ بالمثلِ، وفي شهر شوال / حُزيران احتلَّت العراقُ جَزيرة خرك الإيرانية، وفي مَطلع عام 1407هـ / أيلول 1986م دمَّرت العراق ناقلات النِّفط في جَزيرة لافان، وهاجمَت جزيرة لارك، وتقدَّمت إيرانُ إلى البصرةِ، ثم أخذَتِ التهديداتُ العسكريةُ الإيرانية تقِلُّ، فركَّزت العراقُ على الأكرادِ، وفي 8 جمادى الأولى 1407هـ / 8 كانون الثاني 1987م قامت فِرقةٌ إيرانية تَحمِل اسم (كربلاء 5) بهجومٍ نحوَ البصرة، ولكنها تكبَّدت خسائرَ جسيمةً، ثم أعقَبها هَجمات أخرى على طُول الحدودِ مع العراقِ، وما أنِ انتصَفَ العامُ حتى كان العراقُ قد استعاد كثيرًا من أراضيهِ التي كانت إيرانُ قد احتلَّتْها، وفي بداية النِّصف الثاني من عام 1408هـ / شباط 1988م، استأنَفَت العراقُ قصفَ المُدن بعد انقطاعٍ دامَ أكثر من عامٍ، وسبَقه استئنافُ قَصفِ الناقلاتِ، وفي رجب من العام نفْسِه بدأ جيشُ التحريرِ الوطني -وهو الجناحُ العسكريُّ لتجمُّع المقاومة الإيرانية من مُجاهدي خلق، والمدعومُ مِن العراق- ببَدْءِ عَملياته الهجوميةِ في إقليم عَرَبستان، ثم استعادتِ العراقُ الفاو في شَعبان، وفي ذي الحجة وافقتْ إيرانُ على قَرار مجلس الأمن رقم (598) دون قيدٍ أو شرطٍ بعد أن ماطَلَت أكثرَ من عامٍ، وتقدَّمت السرايا العراقيةُ داخِلَ إيران قبل عمليةِ انسحابِ إيران إلى خلْف الحدود، ودخلَت إيرانَ، وفي أواخر شَهر ذي الحجة دخلَت العراقُ وإيرانُ في مفاوضاتٍ لإنهاء الحرب، وطلَب العراق تأخيرَ تنفيذ وَقفِ إطلاق النار حتى تتمَّ المفاوضات المباشِرةُ مع إيرانَ تحت إشراف الأُمَمِ المتحدة، وفي 8 محرم 1409هـ / 20 آب 1988م توقَّف إطلاقُ النار، ووُضِعَ 350 ضابطًا من الأُمَمِ المتحدة للإشراف على تَنفيذ وقفِ إطلاق النارِ، وأقرَّ مجلسُ الشيوخ الأمريكي فَرْضَ عُقوبة اقتصادية على العراقِ، وامتنَعَت أمريكا مِن استيراد النِّفط العراقي، أمَّا المفاوضاتُ بين العراق وإيرانَ فكانت كلُّ دولةٍ تدَّعي أن شطَّ العرب من حقِّها، وبدأ الاختلافُ على بعضِ القضايا؛ كتَفتيش السُّفن العراقية في مَضيق هُرْمز، ومَن بدَأ بالحربِ، وغير ذلك، وبقِيَ الخلاف مُستحكمًا إلى صفر 1410هـ / أيلول 1989م، ثم في ربيع الثاني / تشرين الثاني وافقَت كلٌّ من العراق وإيرانَ على تبادُلِ الأسرى، بعد أنْ دامت الحربُ أكثرَ من 8 سنوات.
هو العَلَّامةُ، الثَّبْتُ، الفَقيهُ، شَيخُ الإسلامِ، أبو بكرٍ أَحمدُ بنُ الحُسينِ بن عَلِيِّ بن عبدِ اللهِ بن موسى البَيهقيُّ، الخسرو جردي الشافعيُّ الخُرسانيُّ الحافظُ الكَبيرُ المَشهورُ، المُحَدِّثُ الأُصوليُّ. وُلِدَ سَنةَ 384هـ. أَخَذَ الفِقهَ عن أبي الفَتحِ المروزيِّ، ثم غَلَبَ عليه الحَديثُ، واشتَهرَ به، وهو أوَّلُ مَن جَمعَ نُصوصَ الإمامِ الشافعيِّ في عَشرِ مُجلَّداتٍ. قال إمامُ الحَرمينِ في حَقِّهِ: "ما من شافعيِّ المَذهبِ إلَّا وللشافعيُّ عليه مِنَّةٌ، إلَّا أحمدَ البيهقيَّ فإنَّ له على الشافعيِّ مِنَّةً، وكان مِن أَكثرِ الناسِ نَصرًا لِمَذهبِ الشافعيِّ". كان له التَّصانيفُ التي سارَت بها الرُّكبانُ إلى سائرِ الأمصارِ، أَخذَ العِلمَ عن الحاكمِ أبي عبدِ الله النيسابوري، وسَمِعَ على غَيرِه شيئًا كَثيرًا، وجَمعَ أَشياء كَثيرةً نافعةً، لم يُسبَق إلى مِثلِها، ولا يُدرَك فيها، منها كتاب: ((السُّنَن الكبير))، و((السُّنَن الصغير))، و((مَعرِفَة السُّنَن والآثار))، و((المَدْخَل))، و((الآداب)) و((شُعَب الإيمان))، و((الخِلافِيَّات))، و((دَلائِل النُّبُوَّة))، و((البَعْث والنُّشُور))، وغيرُ ذلك من المُصَنَّفاتِ الكِبارِ والصِّغارِ المُفيدَةِ، وكان زاهدًا مُتقَلِّلًا من الدُّنيا، كَثيرَ العِبادَةِ والوَرَعِ. قال الحافظُ عبدُ الغافِر بن إسماعيل: "كان البيهقيُّ على سِيرَةِ العُلماءِ، قانِعًا باليَسيرِ، مُتجَمِّلًا في زُهدِهِ ووَرَعِه, الفَقيهَ، الحافظَ الأُصوليَّ، الدَّيِّنَ الوَرِعَ، واحدَ زَمانِه في الحِفْظِ، وفَرْدَ أَقرانِه في الإتقانِ والضَّبْطِ، مِن كِبارِ أَصحابِ الحاكمِ، ويَزيدُ على الحاكمِ بأَنواعٍ مِن العُلومِ، كَتَبَ الحَديثَ، وحَفِظَهُ مِن صِباهُ، وتَفَقَّه وبَرَعَ، وأَخَذَ فَنَّ الأُصُولِ، وارتَحَلَ إلى العراقِ والجبالِ والحِجازِ، ثم صَنَّفَ، وتَواليفُه تُقارب ألفَ جُزءٍ مما لم يَسبِقهُ إليه أَحدٌ، جَمَعَ بين عَلْمِ الحديثِ والفِقْهِ، وبَيانِ عِلَلِ الحَديثِ، ووَجْهِ الجَمْعِ بين الأحاديثِ، طَلبَ منه الأئمَّةُ الانتقالِ من بَيهَق إلى نيسابور، لِسَماعِ الكُتُبِ، فأتى في سَنةِ 441هـ، وعَقَدوا له المَجلِسَ لِسَماعِ كِتابِ ((المعرفة)) وحَضَرهُ الأئمَّة" تُوفِّي بنيسابور، ونُقِلَ تابوتُه إلى بَيهَق.