في مستهَلِّ صَفَر وردت أخبارٌ بقَصدِ التتر بلادَ الشام، وأنهم عازمونَ على دخول مصر، فانزعج الناسُ لذلك وازدادوا ضعفًا على ضعفهم، وشرعَ الناسُ في الهرب إلى بلادِ مِصرَ والكرك والشوبك والحصون المنيعة، وجلس الشيخُ تقي الدين ابن تيمية في ثاني صفر بمجلِسِه في الجامع وحَرَّضَ الناسَ على القتال، وساق لهم الآياتِ والأحاديثَ الواردة في ذلك، ونهى عن الإسراعِ في الفرار، ورغَّبَ في إنفاق الأموال في الذَّبِّ عن المسلمين وبلادِهم وأموالِهم، وأنَّ ما يُنفَقُ في أجرةِ الهَرَبِ إذا أُنفِقَ في سبيل الله كان خيرًا، وأوجب جهاد التتر حتمًا في هذه الكَرَّة، وتابع المجالِسَ في ذلك، ونودِيَ في البلادِ لا يسافِرْ أحدٌ إلا بمرسومٍ وورقةٍ، فتوقَّفَ النَّاسُ عن السير وسكَنَ جأشُهم، وتحَدَّث الناس بخروج السلطانِ مِن القاهرة بالعساكرِ، وفي أول ربيع الآخر قَوِيَ الإرجاف بأمر التتر، وجاء الخبَرُ بأنهم قد وصلوا إلى البيرة ونودِيَ في البلد أن تخرج العامَّةُ من العسكر، وجاء مرسومُ النائب من المرج بذلك، فاستعرضوا في أثناء الشَّهرِ فعرض نحو خمسةِ آلاف من العامة بالعُدَّة والأسلحة على قدر طاقتِهم، وأشاع المرجفونَ بأن التتر قد وصلوا إلى حَلَب وأن نائب حلب تقهقَرَ إلى حماة، ونودي في البلد بتطييبِ قُلوبِ الناس وإقبالِهم على معايِشِهم، وأن السلطانَ والعساكر واصلةٌ، وأُبطلَ ديوان المستخرج, وكانوا قد استخرجوا أكثَرَ مِمَّا أمروا به، وبقيت بواقٍ على الناس الذين قد اختَفَوا، فعُفي عما بَقِي، ولم يَرُدَّ ما سَلف، لا جرم أن عواقِبَ هذه الأفعال خَسَرٌ ونُكرٌ، وأن أصحابها لا يُفلِحون، ثم جاءت الأخبار بأن سلطان مصر رجع عائدًا إلى مصر بعد أن خرج منها قاصدًا الشام، فكثر الخوفُ واشتد الحال، وكثرت الأمطار جدًّا، وخرج كثير من الناس خفافًا وثِقالًا يتحمَّلونَ بأهليهم وأولادهم، واستهَلَّ جمادى الأولى والناسُ على خطَّة صعبة من الخوف، وتأخَّرَ السلطان واقترَبَ العدُوُّ، وخرج الشيخ تقي الدين ابن تيمية في مستهَلِّ هذا الشهرِ وكان يوم السبت إلى نائبِ الشامِ في المرج فثَبَّتَهم وقَوَّى جأشَهم وطَيَّبَ قلوبهم ووعَدَهم النصرَ والظَّفَرَ على الأعداء، وتلا قولَه تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} [الحج: 60] وبات عند العسكَرِ ليلةَ الأحد ثم عاد إلى دمشق وقد سأله النائِبُ والأمراء أن يركَبَ على البريدِ إلى مِصرَ يستَحِثُّ السلطانَ على المجيءَ، فساق وراء السلطانِ، وكان السلطانُ قد وصل إلى الساحِلِ فلم يدرِكْه إلَّا وقد دخل القاهرةَ وتفارط الحال، ولكنَّه استحَثَّهم على تجهيز العساكر إلى الشامِ إن كان لهم به حاجةٌ، وقال لهم فيما قال: إن كنتم أعرضتُم عن الشامِ وحمايتِه أقَمْنا له سلطانًا يحوطُه ويحميه ويستغِلُّه في زَمَنِ الأمن، ولم يَزَلْ بهم حتى جُرِّدَت العساكِرُ إلى الشام، ثم قال لهم: لو قُدِّرَ أنكم لستُم حكامَ الشَّامِ ولا ملوكَه واستنصركم أهلُه، وجب عليكم النصرُ، فكيف وأنتم حكَّامُه وسلاطينُه وهم رعاياكم وأنتم مسؤولونَ عنهم؟! وقَوَّى جأشَهم وضَمِنَ لهم النصر هذه الكَرَّةَ، فخرجوا إلى الشام، فلما تواصَلَت العساكِرُ إلى الشام فرح الناسُ فَرَحًا شديدًا بعد أن كانوا قد يَئِسوا من أنفُسِهم وأهليهم وأموالهم، ثمَّ قَوِيت الأراجيف بوصول التتر، وتحقُّقِ عَودِ السلطان إلى مصر، ونادى ابنُ النحاس متولي البلد في الناسِ: من قَدَرَ على السَّفَرِ فلا يقعُدْ بدمشق، فتصايح النِّساءُ والوِلدان، ورهق الناسَ ذِلَّةٌ عظيمةٌ وخَمدةٌ، وزُلزِلوا زلزالًا شَديدًا، وغُلِّقَت الأسواقُ وتيَقَّنوا أنْ لا ناصِرَ لهم إلا اللهُ عزَّ وجَلَّ، ودخل كثير من الناس إلى البراري والقِفار والمغر بأهاليهم من الكبارِ والصغار، ونودي في الناسِ من كانت نيتُه الجهادَ فليلتَحِقْ بالجيش؛ فقد اقترب وصول التتر، ولم يبق بدمشقَ مِن أكابرها إلا القليل، وجاءت الأخبارُ بوصول التتر إلى سرقين، وخرج الشيخ زين الدين الفارقي والشيخ إبراهيم الرقي وابن قوام وشرف الدين ابن تيمية وابن خبارة إلى نائب السلطنة الأفرم، فقَوَّوا عَزمَه على ملاقاةِ العدو، واجتمعوا بمهنا أمير العرب فحَرَّضوه على قتال العدو، فأجابهم بالسَّمعِ والطاعة، وقَوِيَت نياتهم على ذلك، وخرج طلبُ سلار من دمشق إلى ناحية المرج، واستعدوا للحَربِ والقتال بنيَّات صادقة، ورجع الشيخُ تقي الدين ابن تيمية من الديارِ المِصريَّة في السابع والعشرين من جمادى الأولى على البريد، وأقام بقلعة مصرَ ثمانيةَ أيَّامٍ يَحُثُّهم على الجهاد والخروج إلى العدو، وقد اجتمع بالسلطانِ والوزير وأعيان الدولة فأجابوه إلى الخروجِ، وقد غلت الأسعار بدمشقَ جِدًّا، ثم جاءت الأخبار بأن مَلِكَ التتار قد خاض الفراتَ راجِعًا عامَه ذلك لِضَعفِ جَيشِه وقِلَّةِ عَدَدِهم، فطابت النفوسُ لذلك وسكن النَّاسُ، وعادوا إلى منازِلِهم منشرحين آمنينَ مُستبشرينَ، ولَمَّا جاءت الأخبار بعدم وصول التتار إلى الشامِ في جمادى الآخرة تراجعت أنفُسُ الناس إليهم وعاد نائِبُ السلطنة إلى دمشق، وكان مخيمًا في المرج من مدة أربعة أشهر متتابعة، وهو من أعظَمِ الرباط، وتراجَعَ النَّاسُ إلى أوطانهم.
في الرابع والعشرين ذي الحجة قُبض بالمدينة النبوية على أميرها الشريف خشرم بن دوغان بن جعفر بن هبة الله بن جماز بن منصور بن جماز بن شيحة؛ لأنه لم يقم بالمبلغ الذي وعد به، وقُرِّر عِوَضًا عنه الشريف مانع بن علي بن عطية بن منصور بن جماز بن شيحة بن هاشم بن قاسم بن مهنا بن حسين بن مهنا بن داود بن قاسم بن عبد الله بن طاهر بن يحيى بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.
كان أوَّلَ مَنْ آمنَ بالله ورسولِه خَديجةُ بنتُ خويلدٍ زوجتُه صلى الله عليه وسلم، وأبو بكرٍ الصِّدِّيقُ، وعليُّ بنُ أبي طالبٍ، ثمَّ أَسلمَ زيدُ بنُ حارثةَ مولى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم. وقد أَسلمَ بدُعاءِ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ عُثمانُ بنُ عفَّانَ، والزُّبيرُ بنُ العوَّامِ، وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ، وطَلحةُ بنُ عُبيدِ الله، وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ, ثمَّ أَسلمَ أبو عُبيدةَ بنُ الجرَّاحِ، وأبو سَلمةَ بنُ عبدِ الأَسدِ، وعُثمانُ بنُ مَظعونٍ، ثمَّ أَخواهُ قُدامةُ وعبدُ الله، وابنُه السَّائبُ بنُ عُثمانَ بنِ مَظعونٍ، وأسماءُ بنتُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، وعائشةُ بنتُ أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ، وهي صغيرةٌ، ثمَّ أسلمَ خالدُ بنُ سعيدِ بنِ العاصي، وأسلمتْ معه امرأتُه أُمَيْنَةُ بن بنتُ خلفِ بنِ أَسعدَ الخُزاعيَّةُ، وبلالٌ، وعمَّارُ بنُ ياسرٍ، وأمُّهُ سُميَّةُ، وصُهيبُ بنُ سِنانٍ النَّمَريُّ المعروف بالرُّوميِّ، وعَمرُو بنُ عَبَسةَ السُّلميُّ، وعَمرُو بنُ سعيدِ بنِ العاصي، وسعيدُ بنُ زيدِ بنِ عَمرو بنِ نُفيلٍ، وزوجتُه فاطمةُ بنتُ الخطَّابِ أختُ عُمرَ بنِ الخطَّابِ، وعُميرُ بنُ أبي وقَّاصٍ، وعبدُ الله بنُ مَسعودٍ، وأخوهُ عُتبةُ بنُ مَسعودٍ، وسَليطُ بنُ عمرٍو العامريُّ، وعيَّاشُ بنُ أبي رَبيعةَ المخزوميُّ، وامرأتُه أسماءُ بنتُ سَلامةَ بن مُخَرِّبَةَ التَّميميَّةُ، ومَسعودُ بنُ رَبيعةَ بنِ عَمرٍو القاريُّ من بني الهُونِ بنِ خُزيمةَ، وهُم القارَةُ، وخُنَيْسُ بنُ حُذافةَ بنِ قَيسِ بنِ عَدِيٍّ السَّهميُّ، وعبدُ الله جَحشٍ الأسَديُّ, تَتِمَّةُ السَّابقين إلى الإيمانِ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم: وجعفرُ بنُ أبي طالبٍ، وامرأتُه أسماءُ بنتُ عُميسٍ، وعامرُ بنُ رَبيعةَ العَنَزيُّ، من عَنْزِ بنِ وائلٍ، حَليفُ الخطَّابِ بنِ نُفيلٍ، وأبو أحمدَ بنُ جَحشٍ الأعمى، وحاطبُ بنُ الحارثِ بنِ مَعمرٍ الجُمَحيُّ، وامرأتُه بنتُ المُجَلِّلِ العامريَّةُ، وحطَّابُ بنُ الحارثِ أخوهُ، وامرأتُه فكهية فُكَيْهَةُ بنتُ يَسارٍ، وأخوهما مَعمرُ بنُ الحارثِ بنِ مَعمرٍ الجُمَحيُّ، والمُطَّلِبُ بنُ أَزهرَ بنِ عبدِ عَوفٍ الزُّهريُّ، وامرأتُه رَمْلَةُ بنتُ أبي عَوفٍ السَّهميَّةُ، والنَّحَّامُ واسمُه نُعيمُ بنُ عبدِ الله العَدويُّ، وعامرُ بنُ فُهيرةَ مولًى لأبي بكرٍ الصِّدِّيق، وحاطبُ بنُ عَمرِو بنِ شمسِ بنِ عبدِ وُدٍّ العامريُّ أخو سَليطِ بنِ عَمرٍو، وأبو حُذيفةُ بنُ عُتبةَ بنِ رَبيعةَ، واسمُه مِهْشَمُ بنُ عُتبةَ...
ظهر التترُ إلى بلاد الإسلام، وهم نوع كثير من الترك، ومساكنُهم جبالُ طمغاج من نحو الصين، وكان السبب في ظهورِهم أنَّ مَلِكَهم- ويسمى بجنكيزخان، المعروف بتموجين- كان قد فارق بلاده وسار إلى نواحي تركستان، وسيَّرَ جماعة من التجار والأتراك، ومعهم شيءٌ كثير من النقرة- قطع مذابةُ من الذَّهب أَو الفِضَّة- وغيرِها، إلى بلاد ما وراء النهر سمرقند وبخارى؛ ليشتروا له ثيابًا للكسوة، فوصلوا إلى مدينة من بلاد الترك تسمى أوترا، وهي آخرُ ولاية خوارزم شاه محمد، وكان له نائب هناك، فلما ورد عليه هذه الطائفةُ مِن التَّتَر أرسل إلى خوارزم شاه يُعلِمُه بوصولهم ويذكُرُ له ما معهم من الأموالِ، فبعث إليه خوارزم شاه يأمُرُه بقتلِهم وأخْذِ ما معهم من الأموالِ وإنفاذِه إليهم، فقتلهم، وسيَّرَ ما معهم، وكان شيئًا كثيرًا، فلمَّا وصل إلى خوارزم شاه فرَّقه على تجار بخارى، وسمرقند، وأخذ ثمَنَه منهم، وكان بعد أن ملك ما وراء النهر من الخطا قد سدَّ الطرقَ عن بلاد تركستان وما بعدها من البلادِ، وإنَّ طائفةً من التتر أيضًا كانوا قد خرجوا قديمًا والبلادُ للخطا، فلمَّا ملك خوارزم شاه البلادَ بما وراء النهر من الخطا، قتَلَهم. استولى التتَرُ على تركستان: كاشغر، وبلاساغون وغيرهما، وصاروا يحاربونَ عساكِرَ خوارزم شاه، فلذلك منعَ الميرة عنهم من الكسوات وغيرها، فلما قتَلَ نائبُ خوارزم شاه أصحابَ جنكيزخان أرسل جواسيس إلى جنكيزخان لينظُرَ ما هو، وكم مقدارُ ما معه من الترك، وما يريدُ أن يعمل، فمضى الجواسيسُ، وسلكوا المفازةَ والجبال التي على طريقِهم، حتى وصلوا إليه، فعادوا بعد مدَّةٍ طويلة وأخبَروه بكثرةِ عَدَدِهم، وأنَّهم يخرجون عن الإحصاء، وأنَّهم من أصبر خلقِ الله على القتال لا يعرفونَ هزيمةً، وأنهم يعملون ما يحتاجون إليه من السلاحِ بأيديهم، فندم خوارزم شاه على قَتلِ أصحابهم وأخْذِ أموالهم، وكان جنكيزخان قد سار إلى تركستان، فملكها، وأزال عنها التترَ الأولى، فلم يظهر لهم خبَرٌ، ولا بقي لهم أثر، بل بادوا كما أصاب الخطا، وتجهز خوارزم شاه، وسار مبادرًا ليسبِقَ خبره ويكبِسَهم، فأدمن السير، فمضى، وقطع مسيرة أربعة أشهر، فوصل إلى بيوتهم، فلم يرَ فيها إلا النِّساءَ والصبيان والأثقال، فأوقع بهم وغنم الجميع، وسبى النساء والذرية، وكان سببُ غيبة الكفار عن بيوتهم أنَّهم ساروا إلى محاربة ملك من ملوك الترك يقال له كشلوخان، فقاتلوه، وهزموه، وغَنِموا أمواله وعادوا، فلَقِيَهم في الطريق الخبر بما فعل خوارزم شاه بمخَلَّفيهم، فجدُّوا السير، فأدركوه قبل أن يخرجَ عن بيوتهم، وتصافُّوا للحرب، واقتتلوا قتالًا لم يُسمَعْ بمثله، فبَقُوا في الحرب ثلاثة أيام بلياليها، فقُتِلَ من الطائفتين ما لا يُعَدُّ، ولم ينهزم أحد منهم، أما المسلمون فإنهم صبروا حميَّةً للدين، وعلموا أنهم إن انهزموا لم يبقَ للمسلمين باقية، وأنهم يؤخَذون لبُعدِهم عن بلادهم، وأما الكفَّار فصبروا لاستنقاذ أهليهم وأموالهم، واشتدَّ بهم الأمر، حتى إنَّ أحدهم كان ينزل عن فرسِه ويقاتل قرنَه رَجِلًا، ويتضاربون بالسكاكين، وجرى الدمُ على الأرض، حتى صارت الخيلُ تزلق من كثرته، واستنفذ الطائفتان وُسعَهم في الصبر والقتال، هذا القتالُ جميعه مع ابن جنكيزخان ولم يحضُر أبوه الوقعة، ولم يشعرْ بها، فأحصِيَ من قتل من المسلمين في هذه الوقعة فكانوا عشرين ألفًا، وأما من الكفَّار فلا يحصى من قُتِل منهم، فلما كان الليلة الرابعة افترقوا، فنزل بعضُهم مقابل بعض، فلما أظلم الليلُ أوقد الكفار نيرانهم وتركوها بحالها وساروا، وكذلك فعل المسلمون أيضًا، كل منهم سَئِمَ القتال؛ فأما الكفار فعادوا إلى مَلِكهم جنكيزخان؛ وأما المسلمون فرجعوا إلى بخارى، فاستعدَّ صاحبها للحصار لعلمه بعجزه؛ لأنَّ طائفة عسكره لم يقدر على أن يظفَرَ بالتتر، فكيف إذا جاؤوا جميعُهم مع ملكهم؟ فأمر أهل بخارى وسمرقند بالاستعداد للحصار، وجمعَ الذخائرَ للامتناع، وجعلَ في بخارى عشرين ألف فارس من العسكر يحمونَها، وفي سمرقند خمسين ألفًا، وقال لهم: احفظوا البلد حتى أعود إلى خوارزم وخراسان وأجمع العساكر وأستنجد بالمسلمين وأعود إليكم.
جرَّد السلطان قلاوون الأميرَ عِزُّ الدين أيبك الأفرم أمير جاندرا إلى بلاد النوبة، ومعه من الأمراء قبجاق المنصوري وبكتمر الجوكندار، وأيدمر والي قوص، وكثير من الأمراء، وسائرُ أجناد المراكز بالوجه القبلي، ونواب الولاة، ومن عُربان الوجهين القبلي والبحري عدة أربعين ألف راجل، ومعهم متمَلِّك النوبة وجريس، فساروا في ثامن شوال، وصَحِبَتهم خمسمائة مركب ما بين حراريق ومراكب كبار وصغار تحمِلُ الزاد والسلاح والأثقال، فلما وصلوا ثغر أسوان مات متمَلِّك النوبة ونائبه، فدُفِن بأسوان، فطالع الأميرُ عز الدين الأفرم السلطانَ بموته، فجَهَّزَ إليه من أولاد أخت الملك داود رجلًا كان بالقاهرة ليملِّكَه، فأدرك العسكرَ على خيل البريد بأسوان وسار معه، وقد انقسموا نصفين: أحدهما الأميرُ عز الدين الأفرم وقبجاق في نصف العسكرِ مِن الترك والعَرَب في البر الغربي، وسار الأمير أيدمر والي قوص والأمير بكتمر بالبقية على البر الشرقي، وتقَدَّمَهم جريس نائب ملك النوبة ومعه أولاد الكنز؛ ليؤمِّنَ أهل البلاد ويجهِّز الإقامات، فكان العسكرُ إذا قَدِمَ إلى بلد خرج إليه المشايخ والأعيان، وقَبَّلوا الأرض وأخذوا الأمان وعادوا، وذلك من بلد الدو إلى جزائر ميكائيل، وهي ولاية جريس، وأما ما عدا ذلك من البلاد التي لم يكن لجريس عليها ولاية، من جزائر ميكائيل إلى دنقلة، فإنَّ أهلَها جلوا عنها طاعة لمتمَلِّك النوبة، فنهبها العسكرُ وقَتَلوا من وجدوه بها، ورَعَوا الزروع وخرَّبوا السواقي إلى أن وصلوا مدينةَ دنقلة، فوجدوا المَلِكَ قد أخلاها حتى لم يبقى بها سوى شيخ وعجوز، فأخبر أنَّ المَلِكَ نزل بجزيرةٍ في بحر النيلِ بُعدُها عن دنقلة خمسة عشر يومًا، فتتبعه والي قوص، ولم يقدِرْ مركب على سلوك النيل هناك لتوعُّرِ النيل بالأحجارِ. وفي جمادى الأولى من عام 689 هـ وصل أيدمر والي قوص ممَّن معه إلى اتجاه الجزيرة التي بها سمامون ملك النوبة، فرأوا بها عدة من مراكب النوبة، فبعثوا إليه في الدخولِ في الطاعةِ وأمَّنوه فلم يقبَلْ، فأقام العسكرُ تجاهه ثلاثة أيام، فخاف سمامون من مجيءِ الحراريق والمراكبِ إليه، فانهزم إلى جهةِ الأبواب، وهي خارجةٌ عن مملكتِه، ففارقه السواكرة وهم الأمراء وفارقه الأسقُفُ والقُسوس، ومعهم الصليبُ الفِضَّة الذي كان يُحمَلُ على رأسِ الملك، وتاجُ الملك، وسألوا الأمان فأمَّنَهم أيدمر وخلَعَ على أكابِرِهم، وعادوا إلى مدينةِ دنقلة وهم جمعٌ كبير، وعند وصولهم عبر الأمير عزُّ الدين الأفرم وقبجاق إلى البر الشرقي، وأقام العسكرُ مكانه، واجتمع الأمراءُ بدنقلة، ولبس العسكرُ آلةَ الحرب وطلبوا من الجانبينِ، وزُيِّنَت الحراريق في البحر، ولعب الزرَّاقون بالنِّفاط، ومدَّ الأمراء السماط في كنيسةِ أسوس أكبَرِ كنائس دنقلة وأكلوا، ثم ملَّكوا الرجلَ الذي بعثه السلطانُ قلاوون وألبسوه التاجَ، وحلفوا وسائِرَ الأكابرِ، وعينوا طائفةً من العسكر تقيمُ عندهم وعليها بيبرس العزي مملوكُ الأمير عزِّ الدين، وعاد العسكرُ إلى أسوان بعدما غاب عنها ستة أشهر، وساروا إلى القاهرةِ في آخر جمادى الأولى بغنائِمَ كثيرة، وأما سمامون فإنَّه عاد إلى دنقلة مختفيًا، وصار بطريقِ باب كلِّ واحد من السواكرة ويستدعيه، فإذا خرج ورآه قَبَّلَ له الأرضَ وحلف له، فما طلع الفجرُ حتى ركِبَ معه سائرُ عَسكرِه، وزحف سمامون بعسكره على دار الملك، وأخرج بيبرس العزي ومَن معه إلى قوص، وقَبَض على الذي تمَلَّك مَوضِعَه وعرَّاه من ثيابه، وألبسه جلدَ ثورٍ كما ذُبِحَ ولَفَّها عليه، ثمَّ أقامه مع خشبةٍ وتركه حتى مات، وقُتِلَ جريس أيضًا، وكتب سمامون إلى السلطانِ يسأله العفو، وأنَّه يقوم بالمقرَّر وزيادة، وبعث رقيقًا وغيره تقدمةً فقَبِلَ منه، وأقرَّه السلطانُ بعد ذلك بالنوبةِ.
لما سار الجيش الذي قَدِمَ من القاهرة في ثاني عشر شعبان، وقَدِموا دمشق تلقَّاهم الأمير تنكز، ولم يعبأْ تنكز بالأمير أرقطاي مُقَدَّم العسكر لِما في نفسه منه، ومَضَوا إلى حلب، فقدموها في رابع عشر رمضان، وأقاموا بها يومين فقدم الأمير قطلوبغا الفخري بعساكرِ الشام، وقد وصل إلى جعبر ثمَّ ساروا جميعًا يومَ عيد الفطر، ومعهم الأميرُ علاء الدين ألطبغا نائب حلب، وهو مُقَدَّم على العسكر جميعًا، حتى نزلوا على الإسكندرونة أوَّلَ بلاد سيس، وقد تقَدَّمَهم الأمير مغلطاي الغزي إليها بشهرينِ حتى جهَّزَ المجانيق والزحَّافات والجسور الحديد والمراكِبَ وغير ذلك لعبور نهر جهان، فقَدِمَ عليهم البريد من دمشق بأن تكفور وعَدَ بتسليم القلاع للسلطان، فلْتُرَدَّ المجانيق وجميع آلات الحصار إلى بغراس، ولْيَقُمِ العسكر على مدينة إياس حتى يَرِدَ مرسوم السلطان بما يُعتَمَدُ في أمرهم وكانت التراكمين قد أغاروا على بلاد سيس، ومعهم عسكَرُ ابن فرمان فتركوها أوحشَ مِن بطن حمار، فبعث تكفور رسُلَه في البحر إلى دمياط، فلم يأذَن السلطان لهم في القدومِ عليه، من أجل أنهم لم يعلموا نائِبَ الشام بحضورِهم، فعادوا إلى تكفور، فبعث تكفور بهديَّة إلى تنكز نائب الشام، وسأله مَنْعَ العسكر من بلاده، وأنه يسَلِّمُ القلاع التي من وراء نهر جهان جميعًا للسلطان، فكاتب تنكز السلطانَ بذلك، وبعث أوحَدَ المهمندار إلى الأمير علاء الدين ألطبغا نائِبِ حلب وهو المقَدَّم على العسكر جميعًا بمَنعِ الغارة ورَدِّ الآلات إلى بغراس، فردَّها ألطبغا وركب بالعسكَرِ إلى إياس، فقَدِمَها يوم الاثنين ثاني عشر شوال، وكانت إياس قد تحصَّنت، فبادر العسكَرُ وزحف عليها بغير أمرِه، فكان يومًا مهولًا، جُرح فيه جماعة كثيرة، واستمَرَّ الحِصارُ إلى يوم الخميس خامس عشره، وأحضر نائب حلب خمسين نجارًا وعَمِلَ زحافتين وستارتين ونادى في الناس بالركوبِ للزحف، فاشتد القتالُ حتى وصلت الزحَّافات والرجال إلى قريب السورِ، بعدما استُشهِدَ جماعة كثيرة، فترجَّلَ الأمراء عن الخيول لأخذِ السور، وإذا بأوحد المهمندار ورسل تكفور قد وافَوا برسالة نائِبِ الشام، فعادُوا إلى مخَيَّمِهم فبلَّغَهم أوحَدُ المهنمدار أن يكفوا عن الغارة، فلم يوافقوه على ذلك، واستقر الحالُ على أن يسلموا البلادَ والقلاع التي شرقي نهر جهان، فتسَلَّموا منهم ذلك، وهو مُلكٌ كبير، وبلادٌ كثيرة، كالمصيصة، وكويرا، والهارونية، وسرفندكار، وإياس، وباناس، وبخيمة، والنقبر، وغير ذلك. وعلى أن تُسَلَّم إياس بعد ثمانية أيام، فلما كان اليومُ الثامن أرسل تكفور مفاتيحَ القلاع، على أن يُرَدَّ ما سُبِيَ ونُهِبَ من بلاده، فنُودِيَ بِرَدِّ السَّبيِ، فأُحضِرَ كثير منه، وأخرب الجسر الذي نُصِبَ على نهر جهان، وتوجَّه الأمير مغلطاي الغزي فتسَلَّمَ قلعة كوارة وكانت من أحصن قلاع الأرمن، ولها سورٌ مساحته فدان وثلث وربع فدان، وارتفاعه اثنان وأربعون ذراعًا بالعَمَل، وأنفق تكفور على عمارته أربعَمائة ألف وستين ألف دينار، وتسَلَّم العسكر إياس، وهدم البرج الأطلس في ثمانية أيام، بعدما عَمِلَ فيه أربعون حَجَّارًا يومين وليلتين حتى خرج منه حجَرٌ واحد، ثمَّ نُقِبَ البرج وعُلِّقَ على الأخشاب، وأُضرِمَت فيه النار، فسَقَط جميعه، وكان برجًا عظيمًا، بلغ ضمانُه في كل شهر لتكفور مبلغ ثلاثين ألف دينار حسابًا عن كلِّ يومٍ ألف دينار سوى خَراجِ الأراضي، وكان ببلدة إياس أربعمائة خمَّارة وستمائة بَغِيٍّ، وكان بها في ظاهرها ملَّاحة تضمن كل سنة بسبعمائة ألف درهم، ولها مائتان وستة عشر بستانًا تغرس فيها أنواع الفواكه، ودور سورها فدانان وثلثا فدان، ثم رحل العسكَرُ عن إياس بعدما قاموا عليها اثنين وسبعين يومًا، فمر نائِبُ حلب على قلعة نجيمة وقلعة سرفندكار وقد أخربهما مغلطاي الغزي حتى عبَرَ بالعسكر إلى حلب في الرابع عشر من ذي الحجة.
في عام 1924 ألَّف الدكتور عبد الرحمن الشهبندر بدمشق حزبًا سياسيًّا سمَّاه حزب الشعب، وتولى رئاسته، وأطلق على نفسِه لقب الزعيم، وأخذ يعمَلُ في تنظيم العمل السياسي ويدعو إلى الوَحدة العربية، ويطالِبُ بإلغاء الانتداب، وإقامة جمهورية سورية في نطاق الاتحاد مع جميع البلدان العربية المستقِلَّة؛ ولتحقيق ذلك بدأ الدكتور عبد الرحمن الشهبندر الاتصالَ بزعماء ووجهاء المدن السورية يحثُّهم على الثورة ضِدَّ الاستعمار الفرنسي ويشحَذُ هِمَمهم ويعزِّز شعورهم الوطني، ويطلب منهم بدء الكفاح المسلَّح لنيل الاستقلال، وتحقيق الحلم الوطني العربي بإقامة الجمهورية السورية العربية، وقد جاءت الثورةُ السورية الكبرى كرَدِّ فعلٍ على السياسات الدكتاتورية العسكرية التي اتبعَتْها السلطات الفرنسية الاستعمارية، والمتمثِّلة في تمزيق سوريا إلى عدَّة دويلات، وإلغاء الحريات، وملاحقة الوطنيين، وإثارة النزعات الطائفية، ومحاربة الثقافة والطابع العربي للبلاد، ومحاولة إحلال الثقافة الفرنسية، بالإضافة إلى رفضِ سُلُطات الانتداب عَقْدَ اتفاق مع القوى الوطنية السورية لوضع برنامج زمني لاستقلال سوريا، انطلقت ثورة سوريا الكبرى في 29 ذي الحجة الموافق 21 تموز / يوليو، وانضَمَّ تحت لوائها عددٌ من المجاهدين من مختَلِف مناطق سوريا ولبنان والأردن، ومنهم دروز الجبل، وقد شَهِدت سوريا خمسًا وثلاثين ثورة قبل الثورة الكبرى، وقُتِلَ في تلك الثورات ما يقرُبُ من خمسة آلاف جندي فرنسي، وكان الدروز غائبين تمامًا عن كل تلك الثورات 35 ثورة، وبعد وفاة سليم الأطرش حاكِمِ جبل الدروز وتعيين حاكم فرنسي بدلًا عنه ناقضين اتفاقَهم مع زعماء الجبل الذين نفاهم الجنرال سراي بعد ذلك، فتمرد الدروز ووقعت معركةُ المزرعة؛ مما اضطر سراي أن يدخُلَ في مفاوضات مع الدروز لوقف القتال وإطلاق سراح الزعماء، ثم اتصل أعضاءُ حزب الشعب بزعماء الدروز في الجبل وقرَّروا التعاونَ للدفاع عن استقلال البلاد، وحثَّ الدكتور عبد الرحمن الشهبندر زعيمَ الدروز الجديدَ سلطانَ الأطرش على التقدُّم نحو دمشق ضِدَّ السلطات الفرنسية، فاشتعلت المعارِكُ حول دمشق وغوطتها والجبل وقراه، فأرسلت فرنسا الجنرالَ جاملان وعيَّنوه قائدًا عامًّا لجيش الشرق، فزحف نحو الجبل ولم يستطِع احتلال عاصمة الجبل السوداء، ثم نشبت ثورة حماة في تشرين الأول 1925م وانتشرت إلى دمشق وعمَّت أنحاء سوريا، وقُصفت قوات فرنسا في دمشق بعد أن اتَّسع نطاق حرب العصابات، فأطلق الفرنسيون نيرانَ مدافِعِهم وقنابل طائراتِهم على دمشق وأسواقها وأحيائها أيامًا وشهورًا خلال الثورة، واشتركت في هذه الثورة جميعُ الطوائف بما فيهم البدوُ، إلَّا أنَّ بعضَ الطوائف لم تشترك بالثورة، مثل النصيريين وسكان سنجق إسكندرون، وأغلبهم نصيرية، وكانت القواتُ الفرنسية تستعين في إخماد الثورات على الأقليات الذين جنَّدَتْهم للثورة، كالأرمن وبعض الشراكسة وبعض البدو الذين كان لهم ثأرٌ مع الدروز، ولكِنْ في أواخر أيام الثورة انضمَّ الدروز إلى السلطات الفرنسية تحت لواء قيادتهم عبد الغفار الأطرش ومتعب الأطرش، وتطوعوا في الجيش الفرنسي وأجهزة الأمن الفرنسية، وقد كانوا قبل ذلك في اللجنة العليا للثورة السورية التي أعلن المجاهِدونَ حَلَّها بعد هذه الخيانة، وأمَّا عموم النصارى فكان غالِبُهم وقف موقف المتفَرِّج، غير الذين كانوا يعملون في أجهزة الأمنِ الفرنسي، وكان النصارى في دمشق يضعون على منازلهم أقمشةً بيضاء عليها صليبٌ أحمر لِيَعرِفَ الطيارون أنها بيوت للنصارى فلا يقصِفونها، وأما الغوطة فقد كانت ملجأً للمجاهدين، فقام الفرنسيون بإحراق معظَمِ بساتينها، وفرضت السلطاتُ الفرنسية غراماتٍ مالية على الأهالي فوق القَصفِ العشوائي الذي استنكرته القناصِلُ، وهاجر كثيرٌ من أهل دمشق إلى بيروت ومصر وغيرها، واستمر مسلسل العنف والدمار إلى أيار 1926م، ثم حدثت مفاوضاتٌ مع بعض المسؤولين السوريين بَقِيَت قرابة التسعة أشهر، لكِنْ دون نتيجة، فعادت سياسةُ العنف والقصف والنهب للأحياء كما كانت.
هو الشريف أبو الحسن علي بن عجلان بن رميثة، واسمُ رُميثة منجد بن أبي نمي بن أبي سعد حسن بن علي بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن عيسى بن حسين بن سليمان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله المحض بن موسى بن الحسن السبط بن الحسن بن علي بن أبي طالب المكي الحسني، أمير مكة المشرفة، وَلِيَها ثماني سنين ونحو ثلاثة أشهر مستقلًّا بالإمارة، غير سنتين أو نحوهما؛ فإنه كان فيهما شريكًا لِعَنان بن مغامس بن رميثة، ووقع له أمورٌ بمكة مع الأشراف ووقائع، وآخِرَ الأمر توجَّه أخوه الشريف حسن بن عجلان إلى القاهرة يريد إمرة مكة، فقبض عليه السلطان وحبسه، وبعث إلى أخيه علي هذا باستمراره على إمرة مكة، فاستمَرَّ على إمرتها إلى أن وقع بينه وبين بعض القوَّاد، وخرج إليهم عليٌّ، فبدره بعضُهم وسايرَه وهو راكب على راحلته، والشريف عليٌّ على الفرس، فرمى القائد بنفسه على الشريف عليٌّ وضربَه بجنبية كانت معه، فوقعا جميعًا على الأرض، فوثب عليه عليٌّ وضربه بالسيف ضربةً كاد منها يهلك، وولى عليٌّ راجعًا إلى الحلة، فأغرى به شخصٌ يقال له أبو نمي غلام لصهره حازم بن عبد الكريم جنديًّا، وعتبة وحمزة وقاسمًا، فوثبوا عليه وقتلوه وقطَّعوه وبعثوا به إلى مكة، فدُفِن بالمعلَّاة مع أبيه عجلان، وكان قتلُه يوم الأربعاء سابع شوال، ووَلِيَ إمرة مكة بعده أخوه حسن بن عجلان.
هو السلطانُ ركن الدين كيقباد بن السلطان غياث الدين كيخسرو بن السلطان علاء الدين كيقباد بن كيخسرو بن قليج أرسلان بن مسعود بن قليج أرسلان بن سليمان بن قطلمش بن أتسز بن إسرائيل بن سلجوق بن دقماق السلجوقي صاحب الروم، كان ملكًا جليلًا شجاعًا لكنَّه كان غيرَ سديد الرأي، كان جعَلَ أمْرَه بيَدِ البرواناه- الحاجب- فاستفحل أمر البرواناه، فأراد ركن الدين هذا قتْلَه فعاجله البرواناه وعمل على قَتْلِه حتى قُتِلَ.
هو أميرُ مَكَّة الشريفُ عَجلان بن رُمَيثة بن أبي نُمَي محمد بن أبي سعد علي بن الحسن بن قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن موسى بن عيسى بن سليمان بن عبد الله بن موسى الجور بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وكان قبل موته نَزَل لوَلَدِه الشريف أحمد بن عجلان عن نِصفِ إمرةِ مَكَّة التي كانت بيده؛ فإنه كان قبل ذلك نزَل له عن النصفِ الأوَّلِ قديمًا، وكان وَلِيَ إمرةَ مَكَّة غير مرة نحو ثلاثين سنة، مستقِلًّا بها مدة، وشريكًا لأخيه ثُقبة مُدَّة، وشريكًا لابنه أحمد مُدَّة، وكانت وفاته في ليلة الاثنين الحادي عشر من شهر جمادى الأولى ودُفِنَ بالمُعَلَّاة وقد قارب السبعين سنة من العمر، وكان ذا عَقلٍ ودَهاء ومعرفة بالأمور وسياسةٍ حَسَنة، وكان بخلافِ آبائه وأقاربه؛ يحِبُّ أهل السنة ويَنصُرُهم على الشيعة، وربما كان يُذكَرُ أنَّه شافعيُّ المذهَب.
لَمَّا انهَزَم البربر عن قُرطُبةَ مع أبي القاسِمِ، اتَّفَق رأيُ أهل قُرطُبة على رَدِّ الأمرِ إلى بني أميَّة، فاختاروا منهم ثلاثةً، وهم: عبدُ الرَّحمنِ بنُ هِشامِ بنِ عبد الجبَّار بن عبد الرَّحمن الناصر أخو المهديِّ، وسُليمانُ بنُ المرتضى، ومحمَّدُ بنُ عبد الرحمن بن هشام بن سليمان القائمُ على المهدي بن الناصر، ثم استقَرَّ الأمر لعبدِ الرَّحمنِ بن هشامِ بنِ عبد الجبَّار، فبويع بالخلافةِ لثلاثَ عَشرةَ ليلةً خلت لرمضان سنة 414هـ، وله اثنتان وعشرون سنةً، وتلَقَّبَ بالمُستَظهر، ثم قام عليه أبو عبدِ الرَّحمنِ مُحمَّدُ بن عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الرحمن الناصر مع طائفةٍ مِن أراذِلِ العَوامِّ فقُتِلَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ هشام، وذلك لثلاثٍ بَقِينَ مِن ذي القَعدةِ سَنةَ 414هـ، وتلَقَّب محمَّدُ بنُ عبد الرحمن هذا بالمُستكفي، وبويعَ له بالخِلافةِ.
عَيَّنَ الوَليدُ بن عبدِ الملك عُمَرَ بنَ عبدِ العزيز على إِمارَةِ المَدينَة بعدَ أن عَزَلَ هِشامَ بن إسماعيلَ عن وِلَايَتِها، ثمَّ ضَمَّ إليه وِلايَةَ الطَّائِف سنة 91هـ، وبذلك صار وَالِيًا على الحِجازِ كُلِّها, وكانت إمارتُه عليها أربعَ سِنين غير شَهرٍ أو نَحوِه، فقَدِمَها وَالِيًا وثَقَلُه على ثلاثين بَعِيرًا، فنَزَل دارَ مَرْوان، وجَعَل يَدخُل عليه النَّاسُ فيُسَلِّمون، فلمَّا صلَّى الظُّهْرَ دَعَا عَشرةً مِن الفُقَهاء الذين في المدينة: عُرْوَةَ بن الزُّبير، وأبا بَكْر بن سُليمان بن أبي خَيْثَمَة، وعُبيدَ الله بن عبدِ الله بن عُتْبَة بن مَسْعود، وأبا بَكْر بن عبدِ الرَّحمن بن الحارِث، وسُليمان بن يَسار، والقاسِم بن محمَّد، وسالِم بن عبدِ الله بن عُمَرَ، وعبدَ الله بن عُبيدِ الله بن عُمَرَ، وعبدَ الله بن عامِر بن ربِيعَة، وخارِجَة بن زَيدٍ، فدَخَلُوا عليه، فقال لهم: إنَّما دَعَوْتُكم لِأَمْرٍ تُؤْجَرُون عليه, وتَكُونون فيه أَعوانًا على الحَقِّ، لا أُريدُ أن أَقْطَعَ أَمْرًا إلَّا بِرَأْيِكم، أو بِرَأْيِ مَن حَضَر منكم، فإن رَأيتُم أَحدًا يَتَعَدَّى, أو بَلَغَكُم عن عامِلٍ لي ظُلْمٌ، فأُحَرِّجُ اللهَ على مَن بَلغَهُ ذلك إلَّا بَلَّغَنِي. فخَرجُوا يَجْزُونَهُ خَيْرًا وافْتَرقوا.
هو الملك المنصور عبد الله بن الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس بن المجاهد علي بن المؤيد داود بن المظفر يحيى بن المنصور عمر بن علي بن رسول متملك اليمن, وهو تاسع حكَّام دولة بني رسول باليمن، وحكم سنة واحدة فقط من 829 إلى 830. توفِّي في جمادى الأولى، وأُقيم مِن بَعدِه أخوه الأشرف إسماعيل.