أرسل النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَريَّةً إلى سِيفِ -ساحِلِ- البحرِ، أمَّر عليها حمزةَ بنَ عبد المطلب، وبعثه في ثلاثين راكبًا مِن المُهاجِرين، وكان لِواءُ حَمزةَ أولَ لواءٍ عَقَده رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكان أبيضَ، وكان حامِلُه أبا مِرثَدٍ كَنَّازَ بنَ حُصينٍ الغَنويَّ رَضي اللهُ عنه، وكان هدفُ هذه السَّريَّةِ اعتِراضَ عِيرٍ لقُريشٍ جاءتْ من الشامِ، وفيها أبو جهلِ بنُ هشامٍ في ثلاثِ مئةِ رجلٍ، فبَلَغوا سِيفَ البحرِ من ناحيةِ العيصِ -اسمُ موضِعٍ قُربَ المدينةِ على ساحِلِ البحرِ- فالْتَقَوا واصطَفُّوا للقتالِ، فمَشَى مَجْديُّ بن عَمرٍو الجُهنيُّ -وكان حليفًا للفَريقَينِ جميعًا- بين هؤلاءِ وهؤلاءِ، حتى حَجَز بينهم، فلم يَقتَتِلوا. وقد كانتْ سريَّةُ حمزةَ رَضي اللهُ عنه في وَقتٍ واحدٍ مع سريَّةِ عُبيدةَ بنِ الحارِثِ رَضي اللهُ عنه إلى رابِغٍ.
وقَعَت الحربُ بين عساكر الخليفة وفيها أحمد بن عبدالعزيز بن أبي دلف، وبين عمرو بن الليث الصَّفَّار، ودامت الحربُ من أوَّلِ النهار إلى الظهر، فانهزم عمرٌو وعساكِرُه، وكانوا خمسةَ عشَرَ ألفًا بين فارسٍ وراجلٍ، وجُرِحَ الدرهميُّ مُقَدَّمُ جيشِ عَمرِو بن الليث، وقُتِلَ مائة رجل من حُماتِهم، وأُسِرَ ثلاثةُ آلاف، واستأمنَ منهم ألفَ رجل، وغَنِموا من معسكرِ عَمرٍو من الدوابِّ والبقَرِ والحميرِ ثلاثينَ ألفَ رأسٍ، وما سوى ذلك فخارِجٌ عن الحَدِّ والحصرِ.
انتهت الحربُ العالمية الأولى وخرجت إنجلترا ومن معها منتَشِين بالنصر، وكانت تُمنِّي المصريين بمنحِهم الاستقلالَ فورَ انتصارهم في الحرب، ولما كان الاحتلالُ مكَلِّفًا أكثر من إبقاء الدولة تابعةً لها بوضع أناسٍ يُخضِعون إدارتها، فتحصُلُ على ما تريد دون خسائرَ بشرية ولا خسائِرَ اقتصادية، فأظهرت اللِّينَ وأبدت الاستعدادَ لفكرة الاستقلالِ، وهيَّأت أشخاصًا مناسبين لها لهذا العمل الجديد، فأوحت لسعد زغلول بالتحرُّكِ، فدعا لاجتماع في صفر تمخَّض عن المطالبة بالاستقلال وتشكيلِ وفدٍ للسَّفَر إلى باريس لعرض القضية على مؤتمر الصُّلحِ، وتشكَّل الوفدُ مِن سعد زغلول، وعلي الشعراوي، وعبد العزيز فهمي، ولكِنَّ الأمر لا بدَّ له من ضجةٍ وضوءٍ ليبدوَ طبيعيًّا، فقامت إنجلترا بمنع الوفدِ مِن السفر وقبضت على سعد زغلول وغيره، ونُفيَ إلى مالطة فأصبح بطلًا وطنيًّا!! وقامت المظاهرات، ومنها المظاهرة النسائية المشهورة في ميدان التحرير، التي قادتها هدى شعراوي، وخلعت فيها الحجابَ وأحرقت صفية فهمي -زوجة سعد زغلول- حجابَها، وفعل بعضُ الساذجات المغفَّلات مثلَهنَّ، وكأن الحجابَ فرضته إنجلترا حتى يكون هذا مظهرًا من التنديد بالاستعمارِ!!! وقامت المظاهراتُ بالتخريب والتدمير بلا هدفٍ ولا مبرِّرٍ، ليس إلا التقليد الأعمى، فهم يدمرون بلادَهم هم لا بلادَ العدو، بل وسمِّيَ هذا الميدان فيما بعد "ميدان التحرير"!! واستقالت الوزارةُ واندلعت الثورةُ في أرجاء مصر، واعترفت أمريكا بالحماية الإنجليزية على مصر، ثم رُفِع الحظر على السفر، وأطلق سراح المنفيين في مالطة، فتألَّف وفدٌ جديد ضمَّ سعد زغلول، وعلي الشعراوي، وسينوت حنا، وجورج خياط، وغيرهم، وفي 11 رجب 1337هـ / 11 نيسان 1919م غادر الوفد البلادَ ووصل باريس، وبدأ الاتصال بالمسؤولين في مؤتمر الصلح، غير أن الأمور كانت مرتبةً وجاهزة كما يريد الصليبيون، وحدثت اضطراباتٌ بمصر، واتفقت كلمة شعب مصر أن الرأي للمفاوِضين في باريس ولهم القرار، ورفَضَ أيٌّ منهم المفاوضةَ داخل مصر َبغياب الوفد المصري، فسافرت لجنةُ ملنر التي جاءت إلى مصر للمفاوضة إلى لندن، ودعت المفاوضين للسفر من باريس إلى لندن للمفاوضة معهم، وتبيَّن أن أعضاء الوفد متفاوتون في درجة رضوخِهم للمفاوضات وشروطها، فرجع البعض لمصر وبقي البعض، منهم سعد زغلول، وبقيت الأمورُ بين أخذٍ وردٍّ، وكل ذلك إنجلترا تصِرُّ على إبقاء حامية إنجليزية في مصر، وفشلت المباحثات. ثم جرى اتفاقٌ بين المعتمد البريطاني في القاهرة وبين عبد الخالق ثروت، وعدلي يكن، وإسماعيل صدقي، وذلك في 14 جمادى الأولى 1340هـ / 12 كانون الثاني 1922م، نص الاتفاق على تأليف وزارة برئاسة عبد الخالق ثروت؛ شريطة موافقة الحكومة البريطانية على نقاطٍ، منها إلغاء الحماية والاعتراف بمصر مستقلةً، وإلغاء الأحكام العسكرية، وحماية المصالح الأجنبية وغيرها.
غزا أبو يوسُفَ يعقوبُ بنُ عبد المؤمن، صاحِبُ بلاد المغرب والأندلس، بلادَ الفِرنجِ بالأندلُسِ، وسبَبُ ذلك أنَّ ألفونسو مَلِك الفرنج بها، ومَقَرُّ مُلكِه مدينة طليطلة، كتب إلى يعقوبَ كتابًا فحواه أنَّه يريد الإغارةَ على البلادِ والقَتلَ، وأنَّه لا مانع له من ذلك ويستهزئُ بقوة المسلمين ويتَّهِمُهم بالضَّعفِ مع أنَّهم- أي المسلمين- مأمورون بالجهاد، حتى لو كان العدوُّ ضِعفَ العَدَد، واستهزأ بالمَلِك أبي يوسف يعقوب، فلمَّا وصل كتابُه وقرأه يعقوبُ، كتب في أعلاه هذه الآية: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} [النمل: 37]، وأعاده إليه، وجمع العساكِرَ العظيمةَ من المسلمينَ وعبَرَ المجاز إلى الأندلس، وقيل: كان سبَبُ عبوره إلى الأندلس أن يعقوبَ لَمَّا قاتل الفرنج سنة ست وثمانين وصالحهم، بَقِيَ طائفة من الفرنج لم تَرْضَ الصلح، فلما كان الآن جَمَعت تلك الطائفة جمعًا من الفرنجِ، وخرجوا إلى بلاد الإسلام، فقَتَلوا وسَبَوا وغَنِموا وأسروا، وعاثوا فيها عيثًا شديدًا، فانتهى ذلك إلى يعقوب، فجمع العساكِرَ، وعبَرَ المجاز إلى الأندلس في جيشٍ يضيقُ عنهم الفضاء، فسَمِعَت الفرنج بذلك، فجمعت قاصيَهم ودانيهم، فالتقوا تاسِعَ شعبان شماليَّ قُرطبةَ عند قلعة رياح، بمكانٍ يعرف بمرج الحديد، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، فكانت الدائرة أولًا على المسلمين، ثمَّ عادت على الفرنج، فانهزموا أقبحَ هزيمةٍ، وانتصر المسلمون، وغَنِمَ المسلمون منهم شيئًا عظيمًا، ولَمَّا انهزم الفرنج اتَّبَعهم أبو يوسف، فرآهم قد أخذوا قلعةَ رياح، وساروا عنها من الرُّعبِ والخوف، فمَلَكَها وجعل فيها واليًا وجندًا يحفظونها، وعاد إلى مدينة إشبيلية، وأما ألفونسو فإنه لما انهزم حَلَقَ رأسَه، ونكَّسَ صليبَه، ورَكِبَ حمارًا، وأقسَمَ أنْ لا يركب فرسًا ولا بغلًا حتى تُنصَرَ النَّصرانيَّة.
لما رحل الفرنج نحو عكا كان قد اجتمع عند صلاح الدين عسكر حلب وغيره، فسار إلى مدينة يافا، وكانت بيد الفرنج، فنازلها وقاتَلَ مَن بها منهم، وملَكَها في العشرين من رجب بالسَّيفِ عَنوةً، ونَهَبها المسلمون، وغَنِموا ما فيها، وقتلوا الفرنجَ وأسَروا كثيرًا، وكان بها أكثَرُ ما أخذوه من عسكرِ مِصرَ والقفل -حِمل كبير- الذي كان معهم، وكان جماعةٌ من المماليك الصلاحيَّة قد وقفوا على أبوابِ مدينة يافا، وكلُّ مَن خرج من جند الفرنجِ ومعه شيء من الغنيمةِ أخذوه منه، فإن امتَنَع ضَرَبوه وأخذوا ما معه قهرًا، ثم زَحَفَت العساكر إلى قلعة يافا، فقاتلوا عليها آخِرَ النهار، وكادوا يأخُذونَها، فطلب مَن بالقلعة الأمان على أنفُسِهم، وخرج البطرك الكبيرُ الذي لهم، ومعه عِدَّةٌ من أكابر الفرنج، في ذلك، وترَدَّدوا، وكان قَصدُهم منع المسلمين عن القتال، فأدركهم الليلُ، وواعدوا المسلمينَ أن ينزلوا بكرةَ غَدٍ ويسَلِّموا القلعة، فلما أصبح الناسُ طالبهم صلاح الدين بالنزول عن الحِصنِ، فامتنعوا، وإذا قد وصلهم نجدةٌ مِن عكَّا، وأدركهم ملك الإنكليز، فأخرج مَن بيافا من المسلمين، وأتاه المدَدُ مِن عكا وبرز إلى ظاهِرِ المدينة، واعترض المسلمينَ وَحدَه، وحمل عليهم، فلم يتقَدَّم إليه أحد، وعاد عن الفرنجِ. ونزل في خيامه، وأقام حتى اجتَمَعَت العساكر، وجاء إليه ابنُه الأفضل وأخوه العادل وعساكرُ الشرق، فرحل بهم إلى الرملة لينظُرَ ما يكون منه ومن الفرنج، فلزم الفرنجُ يافا ولم يبرَحوا منها.
عندما ثار الأخُ الأوسَطُ مبارك بن صباح الصباح على أخيه الأكبر الشيخِ محمد أمير الكويتِ وقَتَله وقَتَل معه الأخَ الأصغَرَ جراحًا في ليلة واحدةٍ، تولى بعدها الشيخُ مبارك الصباح سُدَّة الإمارة في الكويتِ، وقيل: إنَّ الشيخ خزعل حاكِمَ المحمرة عاصِمةِ الأحواز كان له دورٌ في تشجيعِ مبارك على تصفية أخويه ليتفَرَّدَ بإمارةِ الكويتِ!
لمَّا قُتِلَ عُثمانُ بن عفَّانَ مَظلومًا في دارهِ بَقِيَ الأمرُ في المدينةِ دون خَليفةٍ، وكان يُديرُها الغافِقِيُّ المِصْريُّ وهو مِن رُؤوسِ الفِتنَةِ هو وأصحابُه، وحاوَلوا تَولِيةَ سعدٍ وابنِ عُمَرَ ولكن لم يَتِمْ لهم الأمرُ، فعرَض الصَّحابةُ الأمرَ على عَلِيِّ بن أبي طالبٍ فرفَض في اليومِ الأوَّلِ، ثمَّ جاءَهُ طَلحةُ والزُّبيرُ وبايَعوهُ في اليومِ الثَّاني، ثمَّ بايَعهُ النَّاسُ إلَّا القَليلَ مِن الصَّحابةِ، وبذلك تَسَلَّمَ أُمورَ الخِلافَةِ رضِي الله عنه وأرضاهُ. وقد وَرَدَ أنَّ عَلِيًّا قال: اللَّهمَّ إنِّي أَبْرَأُ إليك مِن دَمِ عُثمانَ، ولقد طاشَ عَقْلِي يومَ قَتْلِ عُثمانَ، وأَنكرتُ نَفْسِي، وجاؤوني للبَيْعَةِ فقلتُ: والله إنِّي لأسْتَحْيِي مِن الله أن أُبايِعَ قومًا قَتلوا رجلًا قال فيه رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم: (إنِّي لأَسْتَحْيِي ممَّن تَسْتَحِي منه الملائكةُ). وإنِّي لأسْتَحِي مِن الله أن أُبايِعَ وعُثمانُ قَتيلٌ في الأرضِ لم يُدْفَنْ بعدُ. فانصرفوا، فلمَّا دُفِنَ رجَع النَّاسُ يسألوني البَيْعَةَ فقلتُ: اللَّهمَّ إنِّي أُشْفِقُ ممَّا أُقْدِمُ عليه، ثمَّ جاءت عَزْمَةٌ فبايَعَت.
لمَّا افتَتَح المسلمون بابَ لِيُون ثمَّ افتَتَحوا قُرى الرِّيفِ فيما بينها وبين الإسكندريَّة قريةً فقريةً، حتَّى انتهوا إلى بَلْهِيب -قرية يُقال لها: الرّيش- أرسل صاحبُ الإسكندريَّة الى عَمرِو بن العاصِ: إنَّني كنتُ أُخرِج الجِزيةَ إلى مَن هو أبغضُ إليَّ منكم: فارِسَ والرُّومِ، فإن أحببتَ الجِزيةَ على أن تَرُدَّ ما سَبَيْتُم مِن أرضي فعلتُ. فكتب عَمرٌو إلى عُمَرَ يَستأذِنهُ في ذلك، ورفعوا الحربَ إلى أن يَرِدَ كِتابُ عُمَرَ، فوَرَدَ الجوابُ مِن عُمَرَ: لَعَمْرِي جِزيةٌ قائمةٌ أَحَبُّ إلينا مِن غَنيمةٍ تُقَسَّم ثمَّ كأنَّها لم تكُن، وأمَّا السَّبْيُ فإن أعطاك مَلِكُهُم الجِزيةَ على أن تُخَيِّروا مَن في أيديكم منهم بين الإسلامِ ودِينِ قَومِه، فمَن اختار الإسلامَ فهو مِن المسلمين، ومَن اختار دِينَ قَومِه فضَعْ عليه الجِزيةَ، وأمَّا مَن تَفَرَّق في البُلدانِ فإنَّا لا نَقدِرُ على رَدِّهِم. فعرَض عَمرٌو ذلك على صاحبِ الإسكندريَّة، فأجاب إليه، فجمعوا السَّبْيَ، واجْتمعَت النَّصارى وخَيَّروهُم واحدًا واحدًا، فمَن اختار المسلمين كَبَّروا، ومَن اختار النَّصارى نَخَروا وصار عليه جِزيةٌ، حتَّى فَرَغوا. وكان مِن السَّبْيِ أبو مَريمَ عبدُ الله بن عبدِ الرَّحمن، فاختار الإسلامَ وصار عَرِّيفَ زُبيدٍ.
ولَمَّا فَرَغ صلاح الدين من منبج سار إلى قلعة إعزاز، فنازلها ثالثَ ذي القعدة، وهي من أحصَنِ القلاع وأمنَعِها، فنازلها وحَصَرها، وأحاط بها وضَيَّقَ على من فيها ونَصَب عليها المجانيقَ، حتى فتحها وقُتِل عليها كثيرٌ من العسكر. فبينما صلاح الدين يومًا في خيمةٍ لأحد أمرائه يقال له جاولي، وهو مُقَدَّم الطائفة الأسدية، إذ وثب عليه باطنيٌّ إسماعيليٌّ فضَرَبه بسكينٍ في رأسِه فجَرَحه، فلولا فضلُ الله ثمَّ إنَّ المِغفَر الزند كانت تحت القلنسوةِ لقَتَله، فبقي الباطنيُّ يَضرِبُه في رقبته بالسكين، وكان عليه كزاغند فكانت الضَّرَباتُ تقع في زيق الكزاغند فتُقَطِّعُه، والزرد يمنَعُها من الوصول إلى رقبته، فجاء أمير من أمرائه اسمه يازكش، فأمسك السكينَ بكَفِّه فجرحه الباطنيُّ، ولم يُطلِقْها من يده إلى أن قُتِلَ الباطني، وجاء آخَرُ من الإسماعيليَّة فقُتِلَ أيضًا، وثالِثٌ فقُتِلَ، ثم لازم حصار إعزاز ثمانيةً وثلاثين يومًا، كل يوم أشد قتالًا مما قبله، وكَثُرَت النقوب فيها فأذعَنَ مَن بها، وسَلَّموا القلعة عليه، فتسَلَّمَها حاديَ عشر ذي الحجة.
كان مَقتلُ الخليفةِ المتوكِّلِ على الله على يَدِ وَلَدِه المنتَصِر، وكان سببُ ذلك أن المتوكِّلَ أمَرَ ابنَه عبدَ الله المعتَزَّ أن يخطُبَ بالناسِ في يومِ جمعة، فأدَّاها أداءً عظيمًا بليغًا، فبلغ ذلك من المنتَصِر كلَّ مبلغٍ، وحَنقَ على أبيه وأخيه، وزاد ذلك أنَّ المتوكِّلَ أراد من المنتَصِر أن يتنازلَ عن ولايةِ العهد لأخيه المعتَزِّ فرفض، وزاد ذلك أيضًا أنَّه أحضَرَه أبوه وأهانَه وأمَرَ بضَربِه في رأسِه وصَفْعِه، وصَرَّحَ بعَزلِه عن ولايةِ العَهدِ، فاشتَدَّ أيضًا حَنقُه أكثَرَ ممَّا كان، فلمَّا كان يومُ عيدِ الفِطرِ خطَبَ المتوكِّلُ بالنَّاسِ وعنده بعضُ ضَعفٍ مِن عِلَّةٍ به، ثم عدَلَ إلى خيامٍ قد ضُرِبَت له أربعةُ أميالٍ في مثلِها، فنزل هناك ثم استدعى في يومِ ثالثِ شَوَّال بنُدَمائِه على عادتِه في سَمَرِه، ثمَّ تمالأ ولَدُه المنتصِرُ وجماعةٌ مِن الأمراءِ على الفَتكِ به فدخلوا عليه ليلةَ الأربعاءِ لأربعٍ خَلَونَ مِن شَوَّال، وهو على السِّماطِ، فابتدروه بالسُّيوفِ فقَتَلوه، وكانت مدةُ خلافتِه أربعَ عشرةَ سَنةً وعَشرةَ أشهر وثلاثة أيام، ثم ولَّوا بعده ولَدَه المنتَصِر، وبعث إلى أخيه المعتَزِّ فأحضَرَه إليه فبايعه المعتَزُّ، وقد كان المعتَزُّ هو وليَّ العَهدِ مِن بعدِ أبيه، ولكِنَّه أكرَهَه، وخاف فسَلَّمَ وبايعَ، ومِن المعروفِ أنَّ الأتراكَ الذين كان قد قَرَّبَهم الواثقُ وجعَلَهم قوَّادَه الأساسيِّينَ قد حَقَدوا على المتوكِّلِ، فكان ذلك من أسبابِ تَمالُئِهم على قَتلِه، وباغتيالِ المتوكِّلِ يعتبَرُ العصرُ العباسيُّ الأوَّلُ قد انتهى، وهو عصرُ القُوَّة، وبدأ العصرُ الثاني- عصرُ الضَّعفِ والانحدارِ- بالمنتصرِ؛ وذلك لأنَّ الخِلافةَ أصبحت صورةً ظاهريَّةً، والحُكمُ الحقيقيُّ هو للقُوَّاد العسكريِّين.
هو فَخرُ الدولة أبو الحَسَنِ عليُّ بن ركن الدولة الحسَن بن بُوَيه أميرُ الرَّيِّ وهمذان. وُلِدَ سنة 341, ولَمَّا توفِّيَ أخوه مؤيد الدولة في شعبان سنة 373ه بجرجان، استولى على مملكتِه، فأقَرَّ الصاحِبَ ابنَ عبَّاد على وزارته، وكان مُبَجَّلًا عند فخر الدولة, ومُعَظَّمًا نافِذَ الأمر، كان فخرُ الدولة شهمًا شُجاعًا، لَقَّبَه الخليفةُ الطائِعُ مَلِكَ الأمة, توفِّيَ بقلعة طبرق, عن سِتٍّ وأربعين سنة، وكان سببُ وفاتِه أنَّه أكل لحمًا مشويًّا، وأكل بعده عِنَبًا، فأخذه المَغصُ، ثم اشتَدَّ مَرَضُه فمات منه، كانت دولتُه أربع عشرة سنة، وترك ألفي ألفِ دينارٍ وثمانمائة ألف دينار، ومن الجواهر ما قيمتُه ثلاثةُ آلافِ ألفٍ، ومن آنية الذَّهَب ما وزنُه ألف ألف، ومن آنية الفِضَّة ما وزنه ثلاثة آلاف ألف، ومن فاخِرِ الثياب ثلاثة آلاف حِمل. وكانت خزائنُه على ثلاثة آلاف وخمسمائة جملٍ, ومع كُلِّ هذا المُلك لَمَّا مات طلبوا له كفَنًا فلم يجدوه، وتعَذَّر النزولُ إلى البلد؛ لشِدَّةِ شَغبِ الديلم، فاشتروا له مِن قَيِّمِ الجامِعِ ثوبًا كفَّنوه فيه، وزاد شغبُ الجند فلم يُمكِنْهم دفنُه فبَقِيَ حتى أنتَنَ ثمَّ دفنوه. وحين توفِّيَ قام بمُلكِه بعده ولدُه مَجدُ الدولة أبو طالِب رُستم، وعمره أربع سنين، أجلسه الأمراءُ في الملك، وجعلوا أخاه شمسَ الدولة بهمذان وقرميسين إلى حدود العراق. وكان المرجع إلى والدةِ أبي طالب في تدبير الملك، وعن رأيها يَصدُرون، وبين يديها في مباشرة الأعمالِ أبو طاهرٍ صاحِبُ فخر الدولة، وأبو العبَّاس الضبِّي الكافي.
قامت أمينة ودود أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة فيرجينيا كومونولث الأمريكية بإمامةِ مجموعةٍ من النساء والرجال سويًّا في صلاة الجمُعة، بعدَ أنْ ألقَت خُطبةَ الجمُعة عليهم، وقد اتخذت أمينة ودود هذه الخطوةَ غيرَ المسبوقة ضمنَ الاحتفال بيوم المسلم بالولايات المتحدة، وقد أُقيمت هذه الصلاةُ في إحْدى الكنائس الأنجليكانية بنيويوركَ بعد أنْ رفضت المساجدُ استضافتَها، حيث رفضَت ثلاثةُ مساجدَ بنيويوركَ أداءَ تلك الصلاة بها، جاءت هذه الخطوةُ التي قامت بها (ودود) برعاية ودعم جماعاتٍ إسلاميةٍ أمريكيةٍ تَدْعو إلى "حرية المرأة المسلمة"، وتقومُ بتنظيم مَسيراتٍ وفعالياتٍ عديدةٍ لتعزيز مكانة المرأةِ والمطالَبة بحقوقها، زَعَموا!!.
هو أبو شُعَيب- وقيل: أبو جعفر- محمد بن نُصَير بن بكر النميري البصري، أحد نوَّاب الإمام المنتظَر عند الرافضة في فترة الغَيبة الصغرى. إليه تُنسَبُ الفرقةُ النصيرية، وهي من الفِرَق الباطنيةِ من غُلاة الشيعة، زعم ابنُ نصير هذا أنَّه الباب إلى الإمامِ الحسن العسكري، أي: أنَّه الإمام والمَرجِعُ من بعده، ثم ادَّعى ألوهيَّةَ علي بن أبي طالب، وأنه هو الذي أرسلَه للنَّاسِ رسولًا، قال بالتناسُخِ وأنَّ المؤمِنَ يتحَوَّلُ إلى سَبعِ مراحِلَ قبل أن يأخُذَ مكانه بين النجوم، وأما الشِّريرُ فيُنسَخ إلى نصراني أو يهودي أو مُسلم حتى يتخَلَّصَ من الكفرِ أو يتحَوَّلَ إلى كِلابٍ وبغال وحمير، وقيل: بل هؤلاء الذين لا يعبدون عليًّا، وإباحة المحارم، والخَمر، والنُّصيرية اليوم قبائِلُ موزعة غالِبُها في جبال العلويين في أطرافِ الساحل الغربي لسوريا، ولواء إسكندرون بتركيا وكردستان وإيران.
في هذه السنةِ ملَكَ المُسلِمونَ سَرقوسة- وهي من أعظمِ مُدُنِ صَقَليَّة- وكان سببَ مِلكِها أنَّ جعفرَ بنَ محمد أميرَ صقليَّة غزاها فأفسَدَ زَرعَها وزَرْعَ قطانية، وطبرمين، ورمطة، وغيرِها من بلاد صقليَّة التي بيَدِ الروم، ونازل سرقوسة، وحصَرَها برًّا وبحرًا وملَكَ بعضَ أرباضها، ووصَلَت مراكِبُ الرومِ نَجدةً لها، فسيَّرَ إليها أسطولًا فأصابوها وتمكَّنوا حينئذٍ مِن حَصرِها فأقام العسكرُ مُحاصَرًا لها تسعة أشهر، وفُتِحَت، وقُتِلَ من أهلها عِدَّةُ ألوفٍ، وأصيبَ فيها من الغنائِمِ ما لم يُصَبْ بمدينةٍ أخرى، ولم ينجُ مِن رجالِها إلا الشاذَّ الفَذَّ، وأقاموا فيها بعدَ فتحها بشهرين، ثم هَدَموها ثمَّ وصل بعدَ هَدمِها من القسطنطينية أسطولٌ، فالتقَوا بالمسلمين، فظفِرَ بهم المسلمون، وأخذوا منهم أربعَ قِطَع، فقَتَلوا من فيها، ثم انصرف المسلمون إلى بلدِهم آخِرَ ذي القَعدة.