عن عبدِ الله بنِ مَسعودٍ رضي الله عنه، قال: انشقَّ القَمرُ على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شِقَّتينِ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «اشْهَدوا». وعن أنسِ بنِ مالكٍ رضي الله عنه، «أنَّ أهلَ مكَّة سألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُرِيَهُم آيةً، فأراهُم القَمرَ شِقَّتينِ، حتَّى رَأَوْا حِراءً بينهُما» وفي صحيحِ مُسلمٍ عن عبدِ الله بنِ مَسعودٍ قال: انشقَّ القَمرُ على عهدِ رسولِ الله صلَّى الله عَليهِ وسلَّم فِلقَتَينِ، فسَترَ الجبلُ فِلْقَةً، وكانتْ فِلْقَةٌ فوقَ الجبلِ، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ اشْهدْ». والمشهورُ أنَّ انشِقاقَ القَمرِ حصلَ مَرَّةً واحدةً، أمَّا ما وردَ في إِحدى رِواياتِ مُسلمٍ: (.. فأَراهُم انشِقاقَ القَمرِ مَرَّتَينِ). فقد أجاب عنها العُلماءُ. ورَجَّحَ ابنُ القَيِّمِ وابنُ حَجَرْ وغيرُهما أنَّه وقع مَرَّةً واحدةً.
هو محمَّدُ بن عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، أبو عبدِ الله المهدي، أميرُ المؤمنين، لُقِّبَ بالمهدي رجاءَ أن يكون الموعودَ به في الأحاديثِ، فلم يكُنْ به. وُلِدَ بالحميمة من أرض البلقاء سنة 126هـ، وقيل 127هـ، ووليَ الخلافةَ بعد أبيه سنة 158هـ في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة، وعمُره إذ ذاك 33 سنة، وكان أسمرَ طويلًا جَعْدَ الشَّعرِ. وكان من مآثِره تتبُّعُه للزنادقة في عهدِه، حتى قُتِلَ عددٌ منهم صبرًا بين يديه, وقيل: إنَّ سبب وفاته أنَّه خرج إلى ماسبذان، بعد أن عزم على خلعِ ابنِه موسى الهادي والبيعة للرَّشيد بولايةِ العهد وتقديمه على الهادي، فبعث إليه فلم يأتِ فخرج المهديُّ إليه فمات في الطريق, بسبب إصابةٍ في ظَهرِه وهو يَلحَقُ الصيدَ، وقيل: بل مات مسمومًا، وكانت خلافتُه عشر سنين وشهرًا؛ ودُفِنَ تحت جوزة كان يجلِسُ تحتها، وصلى عليه ابنُه الرشيد.
سببُ ذلك أنَّ الموفَّقَ لَمَّا توفِّيَ كان له خادمٌ من خواصِّه يقال له: راغب، فاختار الجِهادَ، فسار إلى طرسوس على عَزمِ المُقام بها، فلما وصل إلى الشام سيَّرَ ما معه من دوابَّ وآلاتٍ وخيامٍ وغير ذلك إلى طرسوس، وسار هو إلى خمارَوَيه ليزورَه، ويُعَرِّفَه عزمَه، فلما لَقِيَه بدمشق أكرَمَه خمارَوَيه وأحَبَّه وأَنِسَ به، واستحيا راغِبٌ أن يطلُبَ منه المسيرَ إلى طرسوس، فطال مُقامُه عنده، فظنَّ أصحابُه أنَّ خمارَوَيه قبَضَ عليه، فأذاعوا ذلك، فاستعظَمَه الناسُ، وقالوا: يَعمِدُ إلى رجلٍ قصَدَ الجهادَ في سبيل الله فيَقبِضُ عليه! ثم شَغَّبوا على أميرهم محمد ابن عم خمارَوَيه، وقبضوا عليه، وقالوا: لا تزالُ في الحبسِ إلى أن يُطلِقَ ابنُ عَمِّك راغبًا، ونَهَبوا دارَه وهَتَكوا حَرَمَه، وبلغ الخبَرُ إلى خمارَوَيه، فأطْلَعَ راغبًا عليه، وأذِنَ له في المسيرِ إلى طرسوس، فلمَّا بلغ إليها أطلَقَ أهلُها أميرَهم، فلما أطلقوه قال لهم: قبَّحَ اللهُ جِوارَكم، وسار عنها إلى بيت المقدس فأقام به، ولَمَّا سار عن طرسوس عاد العجيفي إلى ولايتِها.
كان غزوُ العاصِ بنِ الإمام عبدِ الله الغَزاةَ المعروفةَ بغَزوةِ رية وفريرة. قاد الخيلَ أحمدُ بنُ محمد بن أبي عبدة. وفصَلَ يوم الخميس لتسعٍ بَقِينَ مِن شعبان؛ فتقدَّمَ إلى بلدة فحاربَها. ثم احتلَّ على نهر طلجيرة، فدارت بينه وبين أصحاب ابن حفصون حربٌ، عُقِرَت فيها خيلُ السُّلطان، وقُتِلَ عددٌ مِن أصحابِ ابنِ حفصون. ثمَّ تقدَّمَ إلى حصون إلبيرة؛ فنزل على حصنِ شبيلش، فكانت هنالك حربٌ شديدةٌ، ونالت بعضَ حُماةِ العَسكرِ جِراحٌ. وتجوَّلَ في كورة إلبيرة، وحلَّ بمحلة بجانة، ثمَّ قفل على كورة جيان، فنازل حِصنَ المنتلون يوم الأربعاء للَيلتين بَقِيتا من ذي القَعدة، فأقام عليه محاصِرًا أيامًا ثمَّ ضحَّى فيه يومَ الأحد، وقفل يومَ الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلَت من ذي الحِجة، ودخل قُرطبةَ يومَ الأربعاء، لأربعَ عَشرةَ ليلةً خَلَت من ذي الحِجَّة.
سار يوسُفُ بنُ أبي الساج من أذربيجان إلى الرَّيِّ، فحاربه أحمدُ بن عليٍّ أخو صعلوك، فانهزم أصحابُ أحمد وقُتِلَ هو في المعركة، وأنفذ رأسَه إلى بغداد؛ وكان أحمدُ بن عليّ قد فارق أخاه صعلوكًا، وسار إلى المقتَدِر فأُقطِعَ الريِّ، ثمّ عصى، وهادن ماكان بنَ كالي وأولاد الحسن بن علي الأطروش، وهم بطبرستان، وجُرجان، وفارق طاعةَ المقتَدِر وعصى عليه، ووصل رأسُه إلى بغداد، وكان ابنُ الفرات يقعُ في نصر الحاجب، ويقول للمقتَدِر إنَّه هو الذي أمر أحمدَ بنَ عليٍّ بالعصيان لمودَّةٍ بينهما، وكان قتلُ أحمدَ بنِ عليٍّ آخر ذي القعدة، واستولى ابنُ أبي الساج على الرَّيِّ، ودخلها في ذي الحجَّة، ثمَّ سار عنها في أوَّل سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة إلى همذان، واستخلف بالريِّ غُلامَه مُفلحًا، فأخرجه أهل الريِّ عنهم، فلَحِقَ بيوسُف، وعاد يوسفُ إلى الريِّ في جُمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة واستولى عليها.
سَيَّرَ تَميمٌ، صاحبُ إفريقية، عَسكرًا كَثيفًا إلى مَدينةِ قابس، وبها أحمدُ بن خُراسان قد أَظهرَ عليه الخِلافُ، وسَببُ ذلك أنَّ المُعِزَّ بن باديس، أبا تَميمٍ، لمَّا فارَقَ القَيروانَ والمَنصوريَّةَ ورَحلَ إلى المَهديَّة، استَخلفَ على القَيروان وعلى قابس قائدَ بنَ مَيمونٍ الصنهاجيَّ، وأَقامَ بها ثلاثَ سنين، ثم غَلبَتهُ هوارةُ عليها، فسَلَّمَها إليهم وخَرجَ إلى المَهدِيَّة، فلمَّا وَلِيَ المُلْكَ تَميمُ بن المُعِزِّ بعدَ أَبيهِ رَدَّهُ إلى قائدِ بنِ ميمونٍ، وأَقامَ عليها، ثم أَظهرَ الخِلافُ على تَميمٍ والْتَجأَ إلى طَاعةِ الناصرِ بن علناس بن حمَّادٍ، فسَيَّرَ إليه تَميمٌ عَسكرًا كَثيرًا، فلمَّا سَمِعَ بهم قائدُ بن مَيمونٍ عَلِمَ أنَّه لا طَاقةَ له بهم، فتَركَ القَيروانَ وسار إلى الناصرِ، فدَخلَ عَسكرُ تَميمٍ القَيروانَ، وخَرَّبوا دُورَ قائدٍ، وسار العَسكرُ إلى قابس، وبها ابنُ خُراسان، فحَصَروهُ بها سَنةً وشَهرينِ، ثم أَطاعَ ابنُ خُراسان تَميمًا وصالَحهُ.
هو طاغيةُ التُّركِ والخطا، كوخان من أبطالِ مُلوك الترك المجوسِ، و"كو"، بلسان الصين: لقَبٌ لأعظَمِ ملوكهم. أقبل كوخان في ثلاثمئة ألف فارس وكسر السُّلطانَ سنجر السلجوقي في موقعة قطوان، واستولى كوخان على بخارى وسمرقند سنة 536، فما أمهله الله، فهلك في رجَبٍ مِن هذه السَّنَةِ. كان كوخان جميلًا، حسَنَ الصورةِ، لا يلبَسُ إلَّا الحريرَ الصيني، له هَيبةٌ عظيمةٌ على أصحابِه، وكان سائِسًا، محِبًّا للعدلِ، داهيةً, ولم يُمَلِّكْ أميرًا على أقطاعٍ بل كان يعطيهم مِن عنده، ويقول: متى أخذوا الأقطاعَ ظَلَموا، وكان لا يُقَدِّمُ أميرًا على أكثَرَ مِن مئة فارس حتى لا يَقدِرَ على العِصيانِ عليه، وكان ينهى أصحابَه عن الظُّلمِ، وينهى عن السُّكرِ ويُعاقِبُ عليه، ولا ينهى عن الزِّنا ولا يُقَبِّحُه، ومَلَك له بعدَه ابنةٌ له فلم تطُلْ مُدَّتُها حتى ماتت، فمَلَك بعدها أمُّها زوجة كوخان وابنةُ عَمِّه، وبَقِيَ ما وراء النهر بيَدِ الخطا إلى أنْ أخَذَه منهم علاء الدين محمد خوارزم شاه سنة 612.
هو الحافِظُ لدينِ الله عبدُ المجيد بنُ الأمير أبي القاسم بن المستنصر بالله الفاطمي العُبَيدي حاكِمُ مصر، كان في جميعِ مُدَّةِ حُكمِه محكومًا عليه، يَحكُمُ عليه وزراؤُه، حتى إنَّه جَعَلَ ابنَه حسنًا وزيرًا ووَلِيَّ عَهدِه فحَكَمَ عليه واستبَدَّ بالأمرِ دونَ أبيه وقَتَلَ كثيرًا مِن أُمَراءِ دَولةِ أبيه وصادَرَ كثيرًا، فلما رأى الحافِظُ ذلك سقى الحسَنَ سُمًّا فمات. توفِّيَ الحافِظُ بعد أن أصابه مَرَضٌ شديدٌ، وقد ثارت فِتنةٌ بين العَسكَرِ والريحانيَّة أصحاب الحَسَن، وهَمُّوا بخَلعِ الحافِظِ، فنُقِلَ إلى قصر لؤلؤة وهو مَريضٌ فمات به، وكانت مُدَّةُ حُكمِه عشرينَ سَنةً إلَّا خمسة أشهر، وولِيَ الحُكمَ بَعدَه في مصرَ ابنُه الظَّافِرُ بأمرِ اللهِ أبو مَنصورٍ إسماعيلُ بنُ عبد المجيد الحافِظ، وبُويِعَ له في اليوم الذي مات فيه الحافِظُ لدين الله، وعُمُرُه سَبعَ عَشرةَ سَنةً وأربعة أشهر وعشرة أيام، بوَصيِّةٍ مِن أبيه له بالحُكمِ، وكان أصغَرَ أولادِه.
هو جمالُ الدين أبو محمَّدٍ عبدُ اللهِ بنُ يوسُفَ بنِ أحمد بن هشام الأنصاري الحنبلي النحويُّ. وُلِدَ وتوفِّيَ بمصر, كان بارعًا في عدة علوم، لا سيما العربية؛ فإنه كان فارِسَها ومالِكَ زِمامِها، وعُدَّ مِن كبار أئمَّةِ النحو، وله فيه الأبحاث العجيبة، والنكات الغريبة، والأنظار الدقيقة، حتى قيل عنه: أنحى مِن سيبويه, وهو صاحِبُ الشَّرحِ على ألفية ابن مالك في النحو، المسمى أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، وشرح أيضًا البردة، وشرح بانت سعاد، وكتاب المغني، وله شذور الذهب في معرفة كلام العرب، وله قَطْر الندى وبَلُّ الصَّدى، والإعراب وقواعد الإعراب، وغير ذلك، وكان أولًا حنفيًّا ثم استقَرَّ حنبليًّا وتنَزَّل في دروس الحنابلة. توفِّيَ في ليلة الخامس من ذي القعدة، ومات عن بضعٍ وخمسين سنة، ودفن بعد صلاة الجمعة بمقابر الصوفيَّة خارج باب النصر من القاهرة.
عاد السلطانُ مراد الثاني للسلطة بعد أن ترك اعتزالَه لقتال الصليبيين في فارنا وهزمهم ثم عاد مرةً أخرى إلى مكان إقامتِه تاركًا الأمر لابنه محمد، لكن إقامتَه لم تطل أكثر من ثلاثة أشهر فاضطر للعودةِ إلى أدرنة قاعدةِ الملك، حيث استصغر قادةُ الجيش العثماني من الانكشارية السلطانَ محمد بن مراد، فعَصَوا أمره ونهَبوا المدينة، فوصل السلطانُ مراد فأدَّب القادة وأشغَلَهم بالقتالِ في بلاد اليونان، وذلك أنَّ إمبراطور القسطنطينية قسَمَ أملاكَه بين أولاده؛ إذ أعطى ابنه حنا مدينة القسطنطينية، وابنه قسطنطين بلاد المورة، أي جنوب اليونان، فسار السلطان لحرب اليونان مستعملًا المِدفَع لأول مرة، ولكنَّه لم يتمكن من فتحها بسبب تمرُّد إسكندر بك أحد أبناء أمير ألبانيا الذين عاشوا رهينةً عند السلطان عندما سلَّم أبوه البلاد للسلطان، فأظهر إسكندر الإسلامَ فلما وجد الفرصةَ مواتية بانشغال السلطان بحربه فرَّ إلى ألبانيا وطرد العثمانيين منها.
لما وقعت البيعةُ للمأمون عبد الله بن المنصور أحمد السعدي العام الماضي وتكاملَ أمرُها، ثار الرئيس أبو سليمان داود بن عبد المؤمن ابن السلطان محمد الشيخ، وهو ابن أخي المنصور، وفرَّ إلى جبل سكسيوة وشقَّ عصا الطاعة ودعا إلى نفسه، فانثالت عليه أوشابٌ من البربر وغيرهم، ونجَمَ أمرُه وأثَّرت في أذن الرعية جعجعتُه، فبعث إليه المنصور قائدَه الزعيم أبا عبد الله محمد بن إبراهيم بن بجة، فناوشه القتال بجبل سكسيوة، فهزمه وفرَّ إلى جبل هوزالة، فتحزبوا عليه وقَوِيَت بهم شوكته، وأخذ يشنُّ لهم الغارات على أهل درعة إلى أن ضاقوا به ذرعًا، فشكَوا أمره إلى المنصور، فبعث إليه قائده الذي ذُكِرَ فلم يزَلْ في مقابلته ومقاتلته إلى أن شرَّده عن جبل هوزالة، ففرَّ داود منه إلى الصحراء واستقرَّ به الرحيل بها عند عرب الودايا من بني معقل، فلم يزل عندهم إلى أن هلك، وكُفِيَ المنصورُ أمرَه.
هو السلطان أبو فارس عبد الله بن المنصور أحمد السعدي، بويع بمراكش بعد وفاة والده، ثم بعث أخاه محمد الشيخ المأمون لقتال أخيهما السلطان زيدان، فلما انتصر عليه نكث محمد الشيخ عهده مع أخيه أبي فارس واستبدَّ عليه، ثم بعثَ إليه ابنَه عبد الله فهزَمَ عمَّه أبا فارس إلى مسفيوة ثم منها إلى السوس، فأقام عند حاجب أبيه عبد العزيز بن سعيد الوزكيتي، ثم لما بالغ زيدان في طلبه فرَّ إلى أخيه الشيخ المأمون فلم يزل مع ابنه عبد الله بن الشيخ إلى أن قُتل مصطفى باشا ودخل عبد الله فاس، فاستولى عليها فاتَّفق رأي قوَّاد شراكة على قتل عبد الله وتولية عمِّه أبي فارس، فبلغ ذلك عبد الله فدخل على عمِّه أبي فارس ليلًا مع حاجبه حمو بن عمر فوجده على سجادتِه وجواريه حوله فأخرجهنَّ وأمر بعمِّه فخُنِق وهو يضربُ برجليه إلى أن مات.
الشيخُ محمد المقراني هو أحدُ قادة الثوراتِ الشعبيَّة الجزائرية بعد الغزو الفرنسيِّ للجزائر عام 1830م. ومحمد المقراني هو ابن أحمد المقراني أحد قواد منطقة مجانة الهضاب العليا، وبعد وفاة الأب عُيِّن مكانَه ابنه محمد المقراني، لكن بلقب منحَتْه إياه السلطات الفرنسية، والذي كان "باشا آغا" وامتيازاته أقَلُّ من امتيازات أبيه, تحدر من زعماء سلطنة بني عباس في القرن السادس عشر الميلاد من آخر سلطان حفصي في بجاية، أبو العباس عبد العزيز. وفي سنة 1281هـ قدَّم استقالتَه للسلطات الفرنسية، وفي نفس السنة ثار على الاحتلال الفرنسي، وقاد مقاومةً ضِدَّ الاحتلال الفرنسي، فزحف بجيشه إلى مدينة برج بو عريريج. قُتِل المقراني برصاص جيش الاحتلال الفرنسي؛ إذ باغتوه وهو يصلي برصاصةٍ توفي على إثرها أثناء إحدى المعارك عند وادي سَفلت بالقرب من سور الغزلان، ثم خلفه في قيادة الثورة أخوه أبو مرزاق.
هو الإمام العلامة شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي القاهري أصله من سخا من قرى مصر، ولد بالقاهرة في ربيع الأول سنة 831 بحارة مجاورة لمدرسة شيخ الإسلام البلقيني محل أبيه وجده، ثم تحول منه حين دخل في الرابعة مع أبويه لمِلْك اشتراه أبوه مجاور لسكن شيخه ابن حجر، وأدخله أبوه المكتب بالقرب من الميدان عند المؤدب الشرف عيسى بن أحمد المقسي الناسخ، فأقام عنده يسيرًا جدًّا، ثم نقله لزوج أخته الفقيه الصالح البدر حسين بن أحمد الأزهري فقرأ عنده القرآن وصلى بالناس التراويح في رمضان، ثم توجه به أبوه لفقيهه المجاور لسكنه الشيخ المفيد النفاع القدوة المؤدب الشمس محمد بن أحمد النحريري الضرير, ثم لازم شيخه إمام الأئمة الشهاب ابن حجر العسقلاني حيث كان يسمع منه مع والده ليلًا الكثير من الحديث، فكان أول ما وقف عليه من ذلك في سنة ثمان وثلاثين، وأوقع الله في قلبه محبته فلازم مجلسه وعادت عليه بركته في هذا الشأن فأقبل عليه بكليته إقبالًا يزيد على الوصف؛ بحيث تقلل مما عداه, وداوم الملازمة لشيخه ابن حجر حتى حمل عنه علمًا جمًّا اختص به كثيرًا بحيث كان من أكثر الآخذين عنه، وأعانه على ذلك قُرب منزله منه، فكان لا يفوته مما يقرأ عليه إلا النادر، إما لكونه حمله أو لأن غيره أهم منه وينفرد عن سائر الجماعة بأشياء. ولما علم شيخه ابن حجر شدة حرصه على ذلك كان يرسل خلفه أحيانًا بعض خدمه لمنزله يأمره بالمجيء للقراءة, وكان شيخه يأذن له في الإقراء والإفادة والتصنيف، وصلى به إمامًا التراويح في بعض ليالي رمضان, وتدرب به في طريق القوم ومعرفة العالي والنازل والكشف عن التراجم والمتون وسائر الاصطلاح, وأخذ عنه علم الحديث وبرع فيه، ولم ينفك عن ملازمته ولا عدل عنه بملازمة غيره من علماء الفنون؛ خوفًا على فقده، ولا ارتحل إلى الأماكن النائية، بل ولا حجَّ إلا بعد وفاة شيخه ابن حجر, ومع ذلك حمل السخاوي عن شيوخ مصر والواردين إليها كثيرًا من دواوين الحديث وأجزائه بقراءته وقراءة غيره في الأوقات التي لا تعارض أوقات شيخه، سيما حين اشتغال شيخه بالقضاء وتوابعه، حتى صار السخاوي أكثر أهل العصر مسموعًا وأكثرهم رواية، ولما عاد السخاوي سنة تسع وتسعين للقاهرة من الحج للمرة السادسة والمجاورة في المدينة انجمع عن الناس وامتنع من الإملاء لمزاحمة من لا يحسن فيها وعدم التمييز من جُل الناس أو كلهم, وراسل إلى من لامه على ترك الإملاء بما نصه: "إنه ترك ذلك عند العلم بإغفال الناس لهذا الشأن؛ بحيث استوى عندهم ما يشتمل على مقدمات التصحيح وغيره من جمع الطرق التي يتبين بها انتفاء الشذوذ والعلة أو وجودهما، مع ما يورد بالسند مجردًا عن ذلك، وكذا ما يكون متصلًا بالسماع مع غيره, وكذا العالي والنازل والتقيد بكتاب ونحوه مع ما لا تقيد فيه إلى غيرها، مما ينافي القصد بالإملاء وينادي الذاكر له العامل به على الخالي منه بالجهل". كما أنه التزم ترك الإفتاء مع الإلحاح عليه فيه حين تزاحم الصغار على ذلك واستوى الماء والخشبةَ، سيما وإنما يعمل بالأغراض، بل صار يكتُب على الاستدعاءات وفي عرض الأبناء من هو في عدادِ من يلتمس له ذلك حين التقيد بالمراتب والأعمال بالنيات، وقد سبقه للاعتذار بنحو ذلك شيخ شيوخه الزين العراقي وكفى به قدوة، بل وأفحش من إغفالهم النظر في هذا وأشد في الجهالة إيراد بعض الأحاديث الباطلة على وجه الاستدلال وإبرازها حتى في التصانيف والأجوبة، كل ذلك مع ملازمة الناس له في منزله للقراءة دراية ورواية في تصانيفه وغيرها، بحيث خُتم عليه ما يفوق الوصف من ذلك، وأخذ عنه من الخلائق من لا يُحصى" وقد حدث خلاف بين السخاوي ومعاصره جلال الدين السيوطي، وهو من خلاف الأقران الذي لا يُقبَل فيه نقد أحدهما في الآخر مع جلالة قدر كل منهما في علمه وعمله في خدمة العلم وأهله. وللسخاوي مصنفات كثيرة جدًّا منها ترجمة لشيخه ابن حجر في كتاب سماه الجوهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، والقول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع، والمقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة، وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي، ووجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام، والضوء اللامع في أخبار أهل القرن التاسع، واستجلاب ارتقاء الغرف بحب أقرباء الرسول وذوي الشرف، وغيرها من الكتب والسؤالات المدونة له. توفي بالمدينة عصر يوم الأحد 28 من شعبان سنة 902 (1497م) وهو في الحادية والسبعين من عمره، ودُفِن بالبقيع بجوار الإمام مالك.