الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2508 ). زمن البحث بالثانية ( 0.013 )

العام الهجري : 1012 العام الميلادي : 1603
تفاصيل الحدث:

لما بايع أهلُ مراكش أبا فارس بن أحمد المنصور الذهبي السعدي، عزم أخوه زيدان على النهوض إليه، فخرج من فاس يؤمُّ بلاد الحوز، واتصل الخبَرُ بأبي فارس فجهَّز لقتال أخيه زيدان جيشًا كثيفًا وأمَّر عليهم ولده عبد الملك، فقيل له: إن زيدان رجلٌ شجاع عارفٌ بمكايد الحرب وخُدَعه، وولدك عبد الملك لا يقدِرُ على مقاومته، فلو سرَّحت أخاك محمد الشيخ المأمون لقتالِه كان أقرب للرأي؛ لأن أهل الغرب لا يقاتلونَه؛ لأنه كان خليفةً عليهم مُدَّةً، فهُم آنَسُ به من زيدان، فأَطلق أبو فارس أخاه المأمونَ من السجن وأخذ عليه العهودَ والمواثيق على النصحِ والطاعة وعدمِ شَقِّ العصا، ثم سرَّحه في ستمائة من جيش المتفرِّقة الذين كان المنصور جمعَهم ليبعث بهم إلى كاغو من أعمال السودان، وقال له ولأصحابه: جِدُّوا السير الليلةَ؛ كي تُصبحوا بمحلة جؤذر على وادي أم الربيع، فلما انتهى الشيخ إلى محلة جؤذر وعلم الناسُ به هُرِعوا إليه واستبشروا بمَقدَمِه، ثم كانت الملاقاةُ بينه وبين السلطان زيدان بموضعٍ يقال له حواتة عند أم الربيع، ففرَّ عن زيدان أكثرُ جيشه إلى المأمون وحنُّوا إلى سالف عهدِه وقديمِ صحبتِه، فانهزم زيدان لذلك، ورجع أدراجَه إلى فاس فتحصَّنَ بها، وكان أبو فارس قد تقدَّم إلى أصحابه في القبضِ على الشيخ متى وقعت الهزيمةُ على زيدان، فلما فر زيدان انعزل الشيخُ فيمن انضمَّ إليه من جيشِ أهل الغرب وامتنع على أصحابِ أبي فارس فلم يقدِروا منه على شيءٍ، وانتعش أمرُه واشتدَّت شوكتُه، ثم سار إلى فاس يقفو أثرَ السلطان زيدان، ولما اتصل بزيدان خبرُ مجيئه إليه راود أهل فاس على القيامِ معه في الحصارِ والذبِّ عنه والوفاء بطاعته التي هي مقتضى بيعتِهم التي أعطَوا بها صفقتَهم عن رضًا منهم، فامتنعوا عليه وقلبوا له ظَهرَ المِجَنِّ، وأعلنوا بنصر الشيخ المأمون وبيعته لقديم صحبتِهم له، ولما آيسَ زيدان من نصرهم وقد أرهقه الشيخُ المأمون في جموعِه، خرج من فاس بحشَمِه وثِقلِه ناجيًا بنفسه وتبِعَه جمعٌ عظيم من أصحاب الشيخ فلم يقدروا منه على شيءٍ، وذهب إلى تلمسان فأقام بها، وأما الشيخ فإنه لما وصل إلى فاس تلقَّاه أهلها ذكورًا وإناثًا وأظهروا الفرحَ بمَقدَمِه، فدخلها ودعا لنفسِه فأجيبَ واستبَدَّ بمُلكِها، ثم أمرَ جيش أهل مراكش أن يرجِعوا إلى بلادهم، فانقلبوا إلى صاحبِهم مُخفِقين.

العام الهجري : 202 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 818
تفاصيل الحدث:

من أشهَرِ الثَّوراتِ التي قمَعها الحكَمُ بن هشام ثورة ُالربض، وهم قومٌ كانوا يعيشونَ في إحدى ضواحي قُرطُبة، وقد ثار أهلُها ثورةً كبيرة جدًّا عليه؛ بسبب ما عُرِفَ عنه من معاقرةِ الخَمرِ، وتشاغُلِه باللهوِ والصَّيد، وقد زاد من نقمةِ الشَّعبِ عليه قتلَه لجماعةٍ مِن أعيان قُرطبة، فكرهه الناسُ, وصاروا يتعرَّضون لجُندِه بالأذى والسَّبِّ، فشرعَ في تحصينِ قُرطبةَ وعِمارةِ أسوارِها وحَفْرِ خَنادِقِها، وارتبط الخيلَ على بابِه، واستكثَرَ المماليكَ، ورتَّب جمعًا لا يفارِقونَ بابَ قَصرِه بالسلاحِ، فزاد ذلك في حقدِ أهل قُرطبةَ، وتيقَّنوا أنه يفعلُ ذلك للانتقام منهم. ثم وضَعَ عليهم عُشرَ الأطعمةِ كُلَّ سنةٍ، مِن غيرِ خَرصٍ، فكرهوا ذلك، ثم عمدَ إلى عشرةٍ مِن رؤساء سفهائِهم، فقتَلَهم، وصَلَبهم، فهاج لذلك أهلُ الربض، وتداعى أهلُ قُرطبةَ من أرباضِهم وتألَّبوا بالسلاحِ وقصدوا القصرَ، فكان أوَّلَ مَن شهرَ السلاحَ أهلُ الربض، واجتمع أهلُ الربض جميعُهم بالسلاح، واجتمعَ الجندُ والأمويُّون والعبيدُ بالقصر، وفرَّقَ الحكمُ الخيلَ والأسلحة، وجعل أصحابَه كتائبَ، ووقع القتالُ بين الطائفتينِ، فغَلَبهم أهلُ الربض، وأحاطوا بقَصرِه، فنزل الحكَمُ من أعلى القصر، ولَبِسَ سلاحَه، ورَكِبَ وحَرَّضَ الناس، فقاتلوا بين يديه قتالًا شديدًا. ثم أمَرَ ابنَ عَمِّه عُبيد الله، فثلَمَ في السُّورِ ثُلمةً، وخرج منها ومعه قطعةٌ من الجيش، وأتى أهلَ الربض من وراء ظهورِهم، ولم يعلَموا بهم، فأضرموا النَّارَ في الربض، وانهزم أهلُه، وقُتلوا مقتلةً عظيمةً، وأخرجوا من وجَدوا في المنازلِ والدُّور، فأسروهم، فانتقى من الأسرى ثلاثَمائة من وجوهِهم، فقتَلَهم، وصَلَبَهم منكَّسِينَ، وأقام النَّهبَ والقتلَ والحريقَ والخرابَ في أرباض قرطبةَ ثلاثةَ أيام. ثم استشار الحكَمُ عبدَ الكريم بن عبد الواحد بن عبد المغيث، فأشار عليه بالصَّفحِ عنهم والعفوِ، وأشار غيرُه بالقتل، فقَبِلَ قَولَه، وأمر فنودي بالأمانِ، على أنَّه من بقي من أهلِ الربض بعد ثلاثةِ أيَّامٍ قَتَلْناه وصَلَبْناه؛ فخرج من بقي بعد ذلك منهم مستخفيًا، وتحمَّلوا على الصَّعبِ والذَّلولِ خارجين من حضرةِ قُرطبة بنِسائِهم وأولادِهم، وما خَفَّ من أموالهم، وقعد لهم الجندُ والفَسَقةُ بالمراصِدِ يَنهبونَ، ومن امتنَعَ عليهم قتلوه. فلما انقَضَت الأيامُ الثلاثة أمر الحكَمُ بكَفِّ الأيدي عن حَرَمِ النَّاسِ، وجمعَهنَّ إلى مكان، وأمر بهدمِ الربضِ القبلي. فكانت وقعةً هائلة شنيعةً، قُتِل فيها عددٌ كثيرٌ زُهاءَ أربعين ألفًا من أهل الربض، وعاينوا البلاءَ وهُدِّمَت ديارُهم ومساجِدُهم، ونزل منهم ألوفٌ بطُليطِلة وخَلقٌ في الثغورِ، وجاز آخرون البحرَ ونزلوا بلادَ البربر، ومنهم من نزل بالإسكندرية في مصر. وكان بزيعُ مولى أميَّة ابن الأمير عبد الرحمن بن معاوية بن هشامٍ محبوسًا في حبسِ الدم بقرطبة، في رجليه قيدٌ ثقيلٌ، فلما رأى أهلَ قُرطبة قد غلَبوا الجندَ سأل الحرسَ أن يُفرِجوا له، فأخذوا عليه العهودَ إن سَلِمَ أن يعودَ إليهم، وأطلقوه، فخرج فقاتلَ قتالًا شديدًا لم يكُنْ في الجيشِ مِثلُه، فلما انهزم أهلُ الربض عاد إلى السِّجنِ، فانتهى خبَرُه إلى الحكم، فأطلقه وأحسَنَ إليه.

العام الهجري : 555 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1160
تفاصيل الحدث:

هو حاكِمُ مصر الفائزُ بنَصرِ الله أبو القاسمِ عيسى بن الظَّافِرِ إسماعيلَ بن الحافِظِ عبدِ المَجيدِ بن محمدِ بن المُستَنصِر بالله العُبيديُّ، المصريُّ الفاطِميُّ. كانت مُدَّةُ حُكمِه سِتَّ سِنين ونحوَ شَهرينِ؛ وكان عُمرُه لمَّا وَلِيَ خمسَ سِنين، قال الذَّهبيُّ: "لمَّا اغتَالَ عبَّاسٌ الوَزيرُ الظَّافِرَ، أَظَهَرَ القَلقَ، ولم يكُن عَلِمَ أَهلُ القَصرِ بمَقتَلِه, فطَلَبوه في دُورِ الحَرَمِ فما وَجَدوهُ، وفَتَّشُوا عليه وأَيِسُوا منه، وقال عبَّاسٌ لأَخوَيهِ: أَنتُما الذين قَتَلتُما مولانا، فأَصَرَّا على الإنكارِ، فقَتَلَهُما نَفْيًا للتُّهمَةِ عنه, واستَدعَى في الحالِ عيسى هذا، وهو طِفلٌ له خَمسُ سِنين, وقِيلَ: بل سَنَتانِ. فحَمَلهُ على كَتِفِه، ووَقَفَ باكِيًا كَئيبًا، وأَمَرَ بأن تَدخُل الأُمراءُ، فدَخَلوا, فقال: هذا وَلَدُ مَولاكُم، وقد قَتَلَ عَمَّاهُ مَولاكُم، فقَتَلتُهُما به كما تَرَونَ، والواجِبُ إِخلاصُ النِّيَّةِ والطَّاعةُ لهذا الوَلَدِ، فقالوا كلُّهم: سَمْعًا وطاعَةً، وضَجُّوا ضَجَّةً قَوِيَّةً بذلك، ففَزِعَ الطِّفلُ، ولَقَّبوهُ الفائِزَ، وبَعَثوهُ إلى أُمِّهِ، واختَلَّ عَقلُه من حينئذٍ، وصار يَتَحرَّك ويُصرَع، ودانَت الممالِكُ لعبَّاسٍ. وأمَّا أَهلُ القَصرِ، فاطَّلَعوا على باطِنِ القَضِيَّةِ، فكاتَبُوا طَلائِعَ بنَ رزيك الأرمنيَّ الرَّافِضيَّ، والِيَ المنية" كان ابنُ رزيك ذا شَهامَةٍ وإِقدامٍ, فسَألوهُ الغَوْثَ، والأَخذَ بالثَّأْرِ من عبَّاسٍ الوَزيرِ لقَتْلِه الظَّافِرَ وأَخَوَيْهِ, فلَبِسَ الحِدادَ، وكاتَبَ أُمراءَ القاهرةِ، وهَيَّجَهُم على طَلَبِ الثَّأْرِ، فأَجابوهُ, فسار إلى القاهرةِ، وكان عبَّاسٌ في عَسكرٍ قَليلٍ. فخارَت قُواهُ وهَرَبَ هو وابنُه نَصرٌ ومَماليكُه والأَميرُ ابنُ مُنقِذٍ, واستَولَى الصَّالِحُ طَلائعُ بن رزيك على دِيارِ مصر بلا ضَربَةٍ ولا طَعنَةٍ، فنَزلَ إلى دارِ عبَّاسٍ، ثم استَدعَى خادِمًا كَبيرًا، وقال له: مَن هاهنا يَصلُح للحُكمِ؟ فقال: هاهنا جَماعةٌ؛ وذَكَرَ أَسماءَهُم، وذَكَرَ له منهم إِنسانٌ كَبيرُ السِّنِّ، فأَمَرَ بإحضارِهِ، فقال له بَعضُ أَصحابِه سِرًّا: لا يكون عبَّاسٌ أَحزَمَ منك حيث اختارَ الصَّغيرَ وتَرَكَ الكِبارَ واستَبَدَّ بالأَمرِ؛ فأَعادَ الصالحُ الرَّجُلَ إلى مَوضِعِه، وأَمَرَ حينئذٍ بإحضارِ العاضِدِ لدِينِ الله أبي محمدٍ عبدِ الله بن يوسفَ بن الحافظِ، ولم يكُن أَبوهُ حاكِمًا، وكان العاضِدُ في ذلك الوَقتِ مُراهقًا قارَبَ البُلوغَ، فبايَعَ له بالحُكمِ.

العام الهجري : 702 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1302
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ شَيخُ الإسلام تقيُّ الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المصري المنفلوطي، المالكيُّ الشافعي، أحَدُ الأعلام وقاضي القضاة, المعروفُ بابن دقيق العيد. وُلِدَ يوم السبت الخامس والعشرين من شعبان سنة 625 بساحل مدينة ينبع من أرض الحجاز، تفقَّهَ على والده بقوص, وكان والِدُه مالكيَّ المذهب، ثم تفقَّه على الشيخ عزِّ الدِّين بن عبد السلام الشافعي، فحقَّق المذهبَين، وأفتى فيهما، سَمِعَ الكثير ورحل في طلب الحديثِ وخرج وصَنَّفَ فيه إسنادًا ومتنًا مُصَنَّفات عديدة، فريدةً مفيدة، وانتهت إليه رياسةُ العلم في زمانه، وفاقَ أقرانه ورحل إليه الطَّلَبةُ ودرَّسَ في أماكن كثيرة، ولي قضاءَ الديار المصرية، وكان وقورًا قليل الكلام غزيرَ الفوائِدِ كثيرَ العُلومِ، فيه ديانةٌ ونزاهة، وله شعرٌ رائق، كما كان بارعًا في الفقه والأصول، له مصنَّفاتٌ عديدة، منها: الإلمام في أحاديث الأحكام، وله إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام، وله شرح الأربعين النووية، وغيرها، وله خُطَبٌ بليغة مشهورة، أنشأها لَمَّا كان خطيبًا بقوص. قال الذهبي في معجمه: "هو قاضي القضاة بالدِّيارِ المصرية، وشيخُها وعالِمُها، الإمامُ العلَّامة، الحافِظُ القدوة الوَرِع، شيخُ العصر. كان علَّامةً في المذهبين، عارفًا بالحديثِ وفنونه، سارت بمصنَّفاته الرُّكبان. ولي القضاءَ ثمانيَ سنين", وبسط السبكيُّ ترجمته في الطبقاتِ الكبرى قال: "لم ندرِكْ أحدًا من مشايخنا يختَلِفُ في أنَّ ابنَ دقيق العيد هو العالمُ المبعوثُ على رأس السَّبعمائة". وقال عنه ابنُ كثير في طبقاته: "أحدُ عُلماء وقته، بل أجلُّهم وأكثَرُهم عِلمًا ودِينًا، وورَعًا وتقشُّفًا، ومداومةً على العلم في ليلِه ونهاره، مع كِبَرِ السِّنِّ والشُّغلِ بالحكم. وله التصانيف المشهورة والعلوم المذكورة. برع في علومٍ كثيرة لا سيما في علم الحديث، فاق فيه على أقرانِه وبرز على أهل زمانِه، رحلت إليه الطلبة من الآفاق، ووقع على عِلمِه ووَرَعِه وزُهدِه الاتِّفاق". توفي يوم الجمعة حادي عشر شهر صفر، وصُلِّيَ عليه يوم الجمعة بسوق الخيل، وحضر جنازته نائب السلطنة والأمراء، ودفن بالقرافة الصغرى.

العام الهجري : 312 العام الميلادي : 924
تفاصيل الحدث:

سار أبو طاهر سليمان القرمطيُّ إلى الهَبِير في عسكرٍ عظيم ليلقى الحاجَّ في رجوعِهم من مكَّة، فأوقع بقافلةٍ تقدَّمت معظمَ الحاجِّ، وكان فيها خلقٌ كثيرٌ مِن أهل بغدادَ وغيرهم، فنهَبَهم، واتَّصل الخبر بباقي الحاجِّ وهم بفَيد، فأقاموا بها حتَّى فني زادُهم، فارتحلوا مسرعينَ، وكان أبو الهيجاء بن حَمدان قد أشار عليهم بالعَودِ إلى وادي القُرى، وأنَّهم لا يقيمون بفَيد، فاستطالوا الطريقَ، ولم يَقبَلوا منه، فلمَّا فني زادُهم ساروا على طريقِ الكوفة، فأوقع بهم القرامِطة، وأخذوهم، وأسروا أبا الهيجاءِ، وأخذ أبو طاهر جِمال الحُجَّاج جميعها، وما أراد من الأمتعةِ والأموالِ والنِّساء والصِّبيان، وعاد إلى هَجَر، وترك الحاجَّ في مواضعهم، فمات أكثَرُهم جوعًا وعطشًا، ومن حرِّ الشمس، وكان عُمْرُ أبي طاهرٍ حينئذ سبعَ عشرة سنة، وانقلبت بغداد، واجتمع حُرَم المأخوذين إلى حُرَم المنكوبينَ الذين نكبهم ابن الفرات، وجعلن ينادين: القرمطيُّ الصغيرُ أبو طاهر قتل المسلمينَ في طريق مكَّة، والقرمطيُّ الكبير ابن الفرات قد قتل المسلمين ببغداد، وكانت صورة فظيعةً شنيعة، وكسر العامَّةُ منابِرَ الجوامع، وسوَّدوا المحاريبَ يوم الجمعة لستٍّ خلون من صفر، وتقدَّم المقتَدِر إلى ياقوت بالمسيرِ إلى الكوفة ليمنَعَها من القرامطة، فخرج في جمعٍ كثير، ومعه ولداه المظفَّر ومحمَّد، فأنفق على ذلك العسكرِ مالٌ عظيم، وورد الخبرُ بعود القرامطة، فعطل مسير ياقوت، ووصل مؤنسٌ المظفَّر إلى بغداد.

العام الهجري : 329 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 940
تفاصيل الحدث:

هو أبو إسحاقَ محمَّد - وقيل: أحمد – الراضي بالله بن المقتَدِر بالله جعفر بن المعتضد بالله أحمد بن الموفق بن المتوكل الهاشمي، العباسي. ولد: سنة 297. وأمُّه رومية. كان أسمَرَ قصيرًا نحيفًا، في وَجهِه طول. استخلف بعد عَمِّه القاهر عندما سمَلوا عينيه سنة 322. له فضائِلُ؛ منها: أنه آخر خليفة خطب يومَ الجمعة، وآخِرُ خليفةٍ جالسَ النُّدَماء، وآخِرُ خليفة له شِعرٌ مُدَوَّن، وآخر خليفة انفرد بتدبيرِ الجيوش. وكانت جوائِزُه وأموره على ترتيبِ المتقدمين منهم، وكان سمحًا جوادًا، أديبًا فصيحًا محبًّا للعُلَماءِ، سَمِعَ من البَغَوي. حاول الإصلاحَ لكنَّه فشَلَ، وفي عهده تفكَّكَت الدولة حتى صارت كلُّ ناحية بيدِ رجلٍ، توفي في بغداد ودُفِنَ بالرصافة، توفي وله اثنتان وثلاثون سنة سوى أشهرٍ. وكانت مدة خلافتِه سِتَّ سنين وعشرة أشهر وعشرة أيام. اجتمع القضاةُ والأعيان بدار بجكم وتشاوروا فيمن يولُّونَ عليهم، فاتَّفَق رأيُهم كلِّهم على المتَّقي، فأحضروه في دارِ الخلافة وأرادوا بيعتَه فصلى ركعتينِ صلاةَ الاستخارةِ وهو على الأرضِ، ثم صعِدَ إلى الكرسيِّ بعد الصلاة، ثم صَعِدَ إلى السرير وبايعه الناسُ يوم الأربعاء لعشرٍ بَقِينَ مِن ربيع الأول منها، فلم يغيِّرْ على أحد شيئًا، ولا غدر بأحدٍ، ولما استقَرَّ المتقي لله في الخلافة أنفذ الرسُلَ والخِلَعَ إلى بجكم وهو بواسط، ونفذت المكاتبات إلى الآفاقِ بولايته.

العام الهجري : 783 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1381
تفاصيل الحدث:

هو الشَّيخُ الإمامُ العالم شهابُ الدين أبو العباس أحمد بن حمدان بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الغني بن محمد بن أحمد بن سالم بن داود الأذرعي الشافعي، نزيلُ حَلَب، وُلِدَ سنة 707، وتفَقَّه بدمشق قليلًا، وناب في بعض النواحي في الحُكمِ بها، ثم تحوَّل إلى حلب فقَطَنَها، وناب في الحُكم بها، ثم ترك وأقبَلَ على الاشتغال والتصنيف والفتوى والتدريس، وجمع الكتبَ حتى اجتمع عنده منها ما لم يحصُلْ عند غيره، وظَفِرَ من النقولِ ما لم يحصُلْ لأهل عصره، وذلك بيِّنٌ في تصانيفه، وتعَقَّب "المهمات" للإسنوي بقدر حَجمِها، والذي بيَّضَه منها إلى النكاح في أربع مجلداتٍ، وهو ثَبْتٌ في النقل وسَطٌ في التصرفات، قاصِرٌ في غير الفقهِ، وأجاز له القاسم بن عساكر والحجَّار وغيرهما، وسمع من الكمال بن عبد وطائفة، وجمع له شهاب الدين بن حجي مشيخة، وتفقه بشيوخ عصره ومهر في الفن، وكان اشتغالُه على كِبَر، وكان عديمَ النَّظِير، فقيهًا عالِمًا، وسأل السبكي أسئلةً شهيرة اسمها الحلبية، وصنف شرحين على المنهاج، وجمع على الروضة كتابًا سماه التوسط والفتح بين الروضة والشرح، أكثَرَ فيه من النقولاتِ المفيدة، وانتهت إليه رئاسةُ العلم بحلب، مات بها في نصف جمادى الآخرة عن نيف وسبعين سنة بعد أن حصل له عَرَجٌ وقليلُ صَمَمٍ وضَعفُ بَصَر، وله شِعرٌ، فمنه ما حكاه ابنه عبد الرحمن عنه.

العام الهجري : 1264 العام الميلادي : 1847
تفاصيل الحدث:

الأميرُ خالد بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود أميرٌ مِن آل سعود، وهو مِن أمٍّ حبشية. نشأ بمصرَ بعد حرب إبراهيم باشا للدرعية,  ولما قَوِيَ أمر الإمام فيصل بن تركي في الديار النجدية أرسل محمد علي باشا خالدًا مع قوة عسكرية يقودُها إسماعيل بك سنة 1252 هـ لقتال فيصل بن تركي، فنشبت بينهما معاركُ انتهت باستسلام فيصل لخورشيد باشا في رمضان 1255 1838 م ووجَّهه خورشيد إلى مصر، ومعه ولداه عبد الله ومحمد وأخوه جلوي بن تركي. وتولى خالدٌ الإمارة، فسيَّرَ حملة بقيادة سعد بن مطلق إلى الأراضي المجاورة لنجد، وخضعت له عددٌ من بلدان نجد عدا الخرج وبلدة الحلوة، رفض أهلها الخضوع له؛ لعِلمِهم أن حُكمَه صوريٌّ والحكم الحقيقي لمحمد علي باشا. كتب خالدُ بن سعود إلى إمام مسقط سعيد بن سلطان يطالِبُه بالجزية التي كان يؤدِّيها من قبل لأجداده آل سعود. ومال خالدُ بن سعود إلى اللَّهوِ، فنفر منه أصحابُه، وثار عليه عبد الله بن ثنيان بن إبراهيم بن ثنيان ابن سعود، فرحل خالد إلى الأحساء، فلما دخل ابن ثنيان الرياضَ واجتمع عليه أهلُ نجد مضى خالد بن سعود إلى الدمَّام ثم الكويت، ومنها إلى مكة. وتوفي بجُدة محمومًا.

العام الهجري : 354 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 965
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ الحافِظُ المجَوِّدُ, شيخُ خُراسان, أبو حاتمٍ, محمَّدُ بنُ حِبَّان بن أحمد بن حبان بن معاذ بن معبد بن سهيد بن هدية بن مُرة التميمي الدارمي البُستي، ولِدَ سنة بِضعٍ وسَبعينَ ومائِتين. صاحِبُ الكُتُب المشهورة. ومنها كتابُ الأنواع والتقاسيم، المعروف باسم (صحيح ابن حبان)، كان مِن أوعيةِ العِلمِ، برع في الحديثِ والفِقهِ واللُّغةِ والوَعظِ، تنقَّلَ في الأقطارِ لطَلَبِ العِلمِ، له تصانيفُ كثيرةٌ في الحديثِ والرِّجالِ والوَعظِ وغيرِها، وجمع كتُبُه وجعَلَها في دارٍ وجعَلَها وقفًا. تولَّى القضاءَ في بُست، قال أبو سعد الإدريسي: "كان على قضاءِ سَمَرقند زمانًا، وكان من فقهاءِ الدِّينِ، وحُفَّاظ الآثار, عالِمًا بالطِّبِّ وبالنجوم, وفنونِ العِلمِ, صنَّفَ المسند الصحيح- يعني به كتاب "الأنواع والتقاسيم" - وكتاب "التاريخ"، وكتاب "الضعفاء"، وفقَّه النَّاسَ بسَمَرقند". وقال الحاكم: "كان ابنُ حِبَّان من أوعية العلم في الفِقهِ, واللُّغة, والحديث، والوعظ, ومِن عُقَلاء الرجال, قَدِمَ نيسابور سنة 334, فسار إلى قضاء نَسا, ثم انصرف إلينا في سنة 337, فأقام عندنا بنيسابور, وبنى الخانقاه, وقرئَ عليه جملةٌ مِن مُصَنَّفاته, ثمَّ خرج من نيسابور إلى وطنِه سجستان, عامَ أربعين, وكانت الرِّحلةُ إليه لِسَماعِ كُتُبِه". مات في بُست عن 94 عاما.

العام الهجري : 554 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1160
تفاصيل الحدث:

هو السُّلطانُ محمدُ بن محمودِ بن محمدٍ، كان مَولِدُه سَنةَ 522هـ، وكان كَريمًا عاقِلًا، وهو الذي حاصَرَ بغدادَ طالِبًا السَّلْطَنَةَ وعادَ عنها، فأَصابَهُ سُلٌّ، وطالَ به فماتَ ببابِ همذان، فلمَّا حَضَرَهُ الموتُ أَمَرَ العَساكرَ فرَكِبَت وأَحضرَ أَموالَه وجَواهِرَه وحَظَاياهُ ومَمَاليكَهُ، فنَظَرَ إلى الجَميعِ مِن طَيَّارَةٍ تشرف على ما تحتها، فلمَّا رَآهُ بَكَى، وقال: هذه العَساكرُ والأَموالُ والمَماليكُ والسَّراري ما أرى يَدفَعون عَنِّي مِقدارَ ذَرَّةٍ، ولا يَزيدون في أَجَلِي لَحظةً. وأَمَرَ بالجَميعِ فرُفِعَ بعدَ أن فَرَّقَ منه شَيئًا كَثيرًا. وكان له وَلَدٌ صَغيرٌ، فسَلَّمَهُ إلى آقسنقر الأحمديلي وقال له: أنا أَعلمُ أن العَساكرَ لا تُطيعُ مِثلَ هذا الطِّفلِ، وهو وَديعةٌ عندك، فارحَل به إلى بِلادِك. فرَحَلَ إلى مراغة، فلمَّا ماتَ اختَلَفَت الأُمراءُ، فطائِفةٌ طَلَبوا ملكشاه أَخاهُ، وطائِفةٌ طَلَبوا عَمَّهُ سُليمانَ شاه، وهُم الأَكثرُ، وطائِفةٌ طَلَبوا أرسلان الذي مع إيلدكز؛ فأَمَّا ملكشاه فإنه سار من خوزستان، ومعه دكلا صاحِبُ فارسن وشملة التُّركمانيُّ وغَيرُهما، فوَصلَ إلى أصفهان، فسَلَّمَها إليه ابنُ الخجندي، وجَمَعَ له مالًا أَنفَقَهُ عليه، وأَرسلَ إلى العَساكرِ بهمذان يَدعُوهم إلى طاعَتِه، فلم يُجيبوهُ لعدم الاتِّفاقِ بينهم، ولأنَّ أَكثرَهُم كان يُريدُ عَمَّهُ سُليمانَ شاه, وكان مَسجونًا بالمَوصِل فأُفرِجَ عنه وانعَقَدَت له السَّلطَنَةُ، وخُطِبَ له على مَنابرِ تلك البِلادِ سِوَى بغدادَ والعِراقِ.

العام الهجري : 1206 الشهر القمري : شوال العام الميلادي : 1792
تفاصيل الحدث:

هو شيخُ الإسلامِ الإمامُ المجَدِّد محمد بن عبد الوهاب ابنُ الفقيه العالم سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد التميمي النجدي، ولِدَ في العُيينة بنجد سنة 1115ونشأ فيها، تربَّى في حجر أبيه الفقيه الحنبلي، ثم انتقل للحَجِّ والدراسة في الحجازِ، ثمَّ درس في البصرة وبغداد والأحساء، تأثَّرَ بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية ودعوتِه، وخاصَّةً فكرة محاربة البدع والمعتقدات الشركية التي كانت منتشرةً بكثرةٍ في نجد وغيرها, وقد ساعده على تحقيقِ محاربةِ البِدَع والشركيات تحالُفُه مع محمد بن سعود، فكان مجدِّدًا للدعوة السَّلفية في نجد، يصِفُ ابنُ بشرٍ شَيئًا من سيرة الشيخ فيقول: "كان- رحمه الله- كثيرَ الذكر لله، قلَّما يفتُرُ لسانُه من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر. وكان إذا جلس الناس ينتظرونَه يعلَمون إقباله إليهم قبل أن يَرَوه من كثرة لهجِه بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، وكان عطاؤه عطاءَ مَن وَثق بالله عن الفَقرِ، بحيث يهَبُ الزكاة والغنيمة في مكانٍ واحدٍ ولا يقومُ ومعه منها شيءٌ، ويتحمَّلُ الدَّين الكثير لأضيافِه وسائليه والوافدين عليه, وعليه الهَيبةُ العظيمة التي ما سَمِعْنا بها اتَّفَقت لغيره من الرؤساءِ وغيرِهم، وهذا شيءٌ وضعه الله له في القلوبِ، وإلا فما علمنا أحدًا ألين وأخفَضَ منه جانبًا لطالب العلم أو سائل حاجة أو مقتَبِس فائدة، وكان له مجالِسُ عديدة في التدريس كلَّ يومٍ وكُلَّ وقت: في التوحيد والتفسير، والفقه وغيره، وانتفع الناسُ بعلمِه، وكان من بيت علمٍ في آبائه وأعمامِه وبني أعمامه، واتصلَ العلمُ في بنيه وبني بنيه. كان سليمانُ بن علي جدُّه عالمَ نجد في زمانِه، وله اليد الطولى في العلمِ، وانتهت إليه الرئاسةُ فيه في نجدٍ، وضُرِبَت له آباط الإبل، وصَنَّف وأفتى.... أما والده عبد الوهاب فكان عالِمًا فقيهًا قاضيًا في بلد العُيينة، ثم في بلد حريملاء... وأما أخوه سليمان بن عبد الوهاب، فله معرفةٌ في الفقهِ، وكان قاضيًا في بلد حريملاء.... وأما محمد: فهو شَيخُ الإسلامِ والبحرُ الهُمام الذي عَمَّت بركةُ علمه الأنام، فنصر السُّنَّة وعَظُمت به من اللهِ المِنَّة بعد أن كان الإسلام غريبًا، فقام بهذا الدين ولم يكن في البلد إلا اسمُه, فانتشر في الآفاقِ، وكُلُّ أمرٍ أخَذَ منه حظَّه وقَسمَه، وبعث العمَّالَ لقبض الزكواتِ وخَرْص الثمار من البادي والحاضر بعد أن كانوا قبل سنوات يُسَمَّون عند الناس مُكاسًا وعُشَّارًا, ونُشرت راية الجهاد بعد أن كانت فِتَنًا وقتالًا, وعرف التوحيدَ الصغيرُ والكبيرُ بعد أن كان لا يعرفُه إلا الخواصُّ, واجتمع الناسُ على الصلوات والدروس والسؤال عن معنى لا إله إلا الله, وفِقْه معناه، والسؤال عن أركان الإسلام، وشروط الصلاة وأركانها وواجباتها، ومعاني قراءتها وأذكارها, فتعلم ذلك الصغيرُ والكبير والقارئ والأمي بعد أن كان لا يعرِفُه إلا الخصائص, وانتفع بعلمه أهل الآفاق؛ لأنهم يسألون عما يأمُرُ به الشيخُ وينهى عنه, فيقال لهم يأمرُ بالتوحيد وينهى عن الشرك, ويقال لهم: إنَّ أهل نجد يمقتونكم بالإشراكِ مع الله في عبادتِه... فانتهى أناسٌ كثير من أهل الآفاق بسبب ما سمعوه من أوامِرِه ونواهيه, وهدَمَ المسلمون ببركةِ عِلمِه جميعَ القباب والمشاهِد التي بُنِيت على القبور وغيرِها من جميع المواضِعِ المضاهية لأوثان المشركينَ في الأقطارِ مِن الحَرَمين واليمن وتهامة وعمان والأحساء ونجد، وغير ذلك من البلاد.. ثم قال ابن بشر بعد أن سرد جملة من آثاره وفضائله رحمه الله: ولو بسطتُ القول فيها واستقصيتُها لاتسع لأسفارٍ، ولكن هذه قطرة من بعض فضائله على وجه الاختصارِ، وكفى بفضلِه شرفًا ما حصل بسببه من إزالة البِدَع واجتماع المسلمين وإقامة الجَماعات والجُمَع وتجديد الدين بعد دروسِه، وقلع أصولِ الشِّرك بعد غروسِه, وكان- رحمه الله- هو الذي يجهِّز الجيوشَ ويبعَثُ السرايا على يد محمد بن سعود، ويكاتِبُ أهل البلدان ويكاتبونَه، والوفود إليهما والضيوفُ عنده, وصدورُ الأوامر من عندِه حتى أذعن أهلُ نجد وتابعوا على العمَلِ بالحَقِّ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكرِ، وبايعوا فعَمَرت نجد بعد خرابِها وصَلَحت بعد فسادِها, واجتمعت بعد افتراقِها، وحُقِنت الدماء بعد إهراقِها، ونال الفخرَ والفضل والمُلك مَن نصَرَه وآواه " ومن أبرز مشايخ الإمام المجدِّد الذين نهل منهم عِلمَه: والده عبد الوهاب، والشيخ محمد حياة السندي المدني، والشيخ عبد الله بن سيف النجدي. وأبناءُ الشيخ الأربعة عُلماء وقضاة، جمعوا أنواع العلومِ الشرعية، وهم: حسين، وعبد الله، وعلي، وإبراهيم. لهم مجالسُ علم من أهل الدرعية ومِن أهل الآفاقِ: اليمن وعمان ونواحي نجد, وأبناء هؤلاء الأربعة عُلماء وقضاة, وقد اشتهر الشيخُ بمؤلَّفاته التي يُبَيِّن فيها التوحيدَ الصافيَ، ومنها: كتاب التوحيد، وكشف الشبهات، والأصول الثلاثة، والرد على الرافضة، ومختصر السيرة النبوية، ومختصر زاد المعاد، والقواعد الأربعة، وغيرها من الكتب. توفِّيَ الشيخ محمد في العُيينة بالقرب من الرياض عن عمر 92 سنة, وكان قد بدأه المرضُ في شوال من هذه السنة، وتوفي يوم الاثنين آخر شهر شوال- رحمه الله تعالى.

العام الهجري : 861 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1457
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلامة كمال الدين محمد ابن الشيخ همام الدين عبد الواحد ابن القاضي حميد الدين عبد الحميد ابن القاضي سعد الدين مسعود الحنفي السيرامي الأصل المصري المولد والدار والوفاة، المشهور بابن الهمام، ولد سنة 790 بالإسكندرية ومات أبوه وكان قاضي الإسكندرية وهو ابن عشر أو نحوها، فنشأ في كفالة جدته لأمه، وكانت مغربية خيِّرة تحفظ كثيرًا من القرآن وقدم بصحبتها القاهرة فأكمل بها القرآن عند الشهاب الهيثمي وتلاه تجويدًا على الزراتيتي، وبالإسكندرية على الزين عبد الرحمن الفكيري، وكان شيخه يصفه بالذكاء المفرط والعقل التام والسكون، وحَفِظَ مختصر القدوري والمنار والمفصَّل للزمخشري وألفية النحو، ثم عاد بصحبتها أيضًا إلى الإسكندرية فأخذ بها النحو عن قاضيها الجمال يوسف الحميدي الحنفي، وقرأ في الهداية على الزين السكندري، وفي المنطق على العز عبد السلام البغدادي والبساطي، وعنه أخذ أصول الدين وقرأ عليه شرح هداية الحكمة لملا زادة, ولم يبرح عن الاشتغال بالمعقول والمنقول حتى فاق في زمن يسير أقرانه, وأشير إليه بالفضل التام والفطرة المستقيمة، بحيث قال البرهان الأبناسي أحد رفقائه حين رام بعضهم المشي في الاستيحاش بينهما: "لو طلبت حجج الدين ما كان في بلدنا من يقوم بها غيره. ثم قال: وشيخنا البساطي وإن كان أعلم، فالكمال أحفظ منه وأطلق لسانًا، هذا مع وجود الأكابر إذ ذاك، بل أعلى من هذا أن البساطي لما رام المناظرة مع العلاء البخاري بسبب ابن الفارض ونحوه قيل له: من يحكم بينكما إذا تناظرتما، فقال: ابن الهمام لأنه يصلح أن يكون حَكَم العلماء" وقال يحيى بن العطار: "لم يزل يُضرَب به المثل في الجمال المفرد مع الصيانة وفي حسن النغمة مع الديانة، وفي الفصاحة واستقامة البحث مع الأدب" واستمر يترقى في درج الكمال حتى صار عالِمًا مفننًا علَّامة متقنًا، درَّس وأفتى وأفاد، وعكف الناس عليه، واشتهر أمره وعظُم ذِكرُه، قال شمس الدين السخاوي: "فقد كان إمامًا علامة عارفًا بأصول الديانات والتفسير والفقه وأصوله، والفرائض والحساب، والتصوف والنحو والصرف والمعاني والبيان، والبديع والمنطق والجدل والأدب والموسيقى، وجُل علم النقل والعقل، متفاوت المرتبة في ذلك, ومع قلة علمه في الحديث فهو عالم أهل الأرض ومحقِّق أولي العصر حُجة أعجوبة ذا حجج باهرة واختيارات كثيرة وترجيحات قوية, وقد تخرج به جماعة صاروا رؤساء في حياته، فمن الحنفية التقي الشمس والزين قاسم وسيف الدين، ومن الشافعية ابن خضر والمناوي. ومن المالكية عبادة وطاهر والقرافي, ومن الحنابلة الجمال بن هشام. وهو أنظَرُ من رأيناه من أهل الفنون ومن أجمعهم للعلوم وأحسنهم كلامًا في الأشياء الدقيقة وأجلدِهم على ذلك مع الغاية في الإتقان والرجوع إلى الحق في المباحث ولو على لسان آحاد الطلبة، كل ذلك مع ملاحة الترسل وحسن اللقاء والسمت والبِشر والبزَّة ونور الشيبة وكثرة الفكاهة والتودد والإنصاف وتعظيم العلماء، والإجلال لتقي الدين ابن تيمية وعدم الخوض فيما يخالف ذلك، وعلو الهمة وطيب الحديث ورقة الصوت وطراوة النغمة جدًّا, وسلامة الصدر وسرعة الانفعال والتغير والمحبة في الصالحين وكثرة الاعتقاد فيهم والتعهد لهم والانجماع عن التردد لبني الدنيا حتى الظاهر جقمق مع مزيد اختصاصه به، ولكنه كان يراسله هو ومن دونه فيما يسأل فيه" وقد حجَّ غير مرة وجاور بالحرمين مدة، وشرب ماء زمزم- كما قاله في شرحه للهداية- للاستقامة والوفاة على حقيقة الإسلام معها. ونشر في الحرمين علمًا جمًّا, وعاد في رمضان سنة ستين وهو متوعِّك فسُرَّ المسلمون بقدومِه وعكف عليه من شاء الله من طلبته وغيرهم أيامًا من الأسبوع إلى أن مات في يوم الجمعة سابع رمضان، ودفِنَ من يومه، وصُلِّيَ عليه عصرًا بمصلى المؤمني، وكانت جنازته مشهودة، شهده السلطانُ فمَن دونه، قدِمَ للصلاة عليه قاضي مذهبه ابن الديري، ودُفِنَ بالقرافة في تربة ابن عطاء الله، ولم يخلف بعده في مجموعه مثله. وله مصنفات أشهرها فتح القدير في الفقه الحنفي، وله التحرير في أصول فقه الأحناف، وغيرها من المصنفات.

العام الهجري : 4 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 625
تفاصيل الحدث:

عن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قال: «بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عشرةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عينًا، وأَمَّرَ عليهم عاصمَ بنَ ثابتٍ الأَنصاريَّ، جَدَّ عاصمِ بنِ عُمَرَ بنِ الخطاَّبِ، فانطلقوا حتَّى إذا كانوا بالهَدَأَةِ، وهو بين عُسْفانَ ومكَّةَ، ذُكِروا لِحَيٍّ مِن هُذيلٍ يُقالُ لهم: بنو لَحْيانَ، فنَفَروا لهم قريبًا مِن مائتي رجلٍ كُلُّهم رامٍ، فاقْتَصُّوا آثارَهُم حتَّى وجدوا مَأكلَهُم تمرًا تَزوَّدوهُ مِنَ المدينةِ، فقالوا: هذا تمرُ يَثْرِبَ. فاقْتَصُّوا آثارَهُم، فلمَّا رآهُم عاصمٌ وأصحابُه لَجَئُوا إلى فَدْفَدٍ وأحاط بهم القومُ، فقالوا لهم: انزلوا وأَعْطونا بِأَيديكُم، ولكم العهدُ والميثاقُ، ولا نقتُل منكم أحدًا، قال عاصمُ بنُ ثابتٍ أَميرُ السَّرِيَّةِ: أمَّا أنا فَوَالله لا أنزِلُ اليومَ في ذِمَّةِ كافرٍ، اللَّهمَّ أَخبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فرَمَوْهُم بالنَّبْلِ فقَتلوا عاصمًا في سَبعةٍ، فنزل إليهِم ثلاثةُ رَهْطٍ بالعهدِ والميثاقِ، منهم خُبَيْبٌ الأَنصاريُّ، وابنُ دَثِنَةَ، ورجلٌ آخرُ، فلمَّا اسْتمكَنوا منهم أطلقوا أَوتارَ قِسِيِّهِم فأَوثَقوهُم، فقال الرجلُ الثَّالثُ: هذا أوَّلُ الغَدْرِ، والله لا أَصحَبُكُم، إنَّ لي في هؤلاءِ لِأُسْوَةً يُريدُ القَتلى، فجَرَّروهُ وعالَجوهُ على أن يَصحبَهُم فأَبى فقَتلوهُ، فانطلقوا بخُبَيْبٍ، وابنِ دَثِنَةَ حتَّى باعوهُما بمكَّةَ بعدَ وَقعةِ بدرٍ، فابتاع خُبَيْبًا بنو الحارثِ بنِ عامرِ بنِ نَوفلِ بنِ عبدِ مَنافٍ، وكان خُبَيْبٌ هو قَتَلَ الحارثَ بنَ عامرٍ يومَ بدرٍ، فلَبِثَ خُبَيْبٌ عندهم أَسيرًا، فأخبرني عُبيدُ الله بنُ عِياضٍ، أنَّ بنتَ الحارثِ أخبرتْهُ: أنَّهم حين اجتمعوا اسْتَعار منها موسى يَسْتَحِدُّ بها، فأعارتْهُ، فأخذ ابنًا لي وأنا غافلةٌ حين أتاهُ قالت: فوجدتُه مُجْلِسَهُ على فَخِذِهِ والموسى بيدِه، ففَزِعْتُ فَزْعَةً عرَفها خُبَيْبٌ في وجهي، فقال: تَخْشَيْنَ أن أَقتُلَهُ؟ ما كنتُ لأَفعلَ ذلك. والله ما رأيتُ أَسيرًا قَطُّ خيرًا مِن خُبَيْبٍ، والله لقد وجدتُهُ يومًا يأكلُ مِن قِطْفِ عِنَبٍ في يدِه، وإنَّه لَمُوثَقٌ في الحديدِ، وما بمكَّةَ مِن ثَمَرٍ، وكانت تقولُ: إنَّه لَرزقٌ مِنَ الله رَزَقَهُ خُبَيْبًا، فلمَّا خرجوا مِنَ الحَرَمِ لِيقتُلوه في الحِلِّ، قال لهم خُبَيْبٌ: ذَروني أَركعُ رَكعتينِ. فتركوه، فركَع رَكعتينِ، ثمَّ قال: لولا أن تَظنُّوا أنَّ ما بي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُها، اللَّهمَّ أَحْصِهم عددًا، ثمَّ ارْتَجز يقولُه: لا أُبالي حين أُقتَلُ مُسلمًا... على أيِّ شِقٍّ كان لله مَصرعي، وذلك في ذاتِ الإلهِ وإن يشأْ... يُبارِك على أَوصالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ. فقتَله ابنُ الحارثِ، فكان خُبَيْبٌ هو سَنَّ الرَّكعتينِ لِكُلِّ امرئٍ مُسلمٍ قُتِلَ صَبرًا، فاستجاب الله لعاصمِ بنِ ثابتٍ يومَ أُصيبَ، فأَخبرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه خبرَهُم، وما أُصيبوا، وبعَث ناسٌ مِن كُفَّارِ قُريشٍ إلى عاصمٍ حين حُدِّثوا أنَّه قُتِلَ، لِيُؤْتَوْا بشيءٍ منه يُعرفُ، وكان قد قتَل رجلًا مِن عُظمائهِم يومَ بدرٍ، فبُعِثَ على عاصمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ، فحَمَتْهُ مِن رسولهِم، فلم يَقدِروا على أن يَقطعَ مِن لَحمِه شيئًا.

العام الهجري : 6 العام الميلادي : 627
تفاصيل الحدث:

هو أبو رافعٍ سَلَّامُ بنُ أبي الحُقَيْقِ شاعرٌ وفارسٌ يَهوديٌّ، أحدُ الذين حَزَّبوا الأحزابَ ضِدَ المسلمين في غزوةِ الأحزابِ، وأَعانَهُم بالمُؤَنِ والأَموالِ الكَثيرةِ، ولمَّا قتَل الله كعبَ بنَ الأشرفِ على يدِ رجالٍ مِنَ الأَوسِ بعدَ وقعةَ بدرٍ كان أبو رافعٍ سَلَّامُ بنُ أبي الحُقيقِ ممَّن أَلَّبَ الأحزابَ على رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولم يُقتلْ مع بني قُريظةَ كما قُتِلَ صاحبُه حُيَيُّ بنُ أَخطبِ، رَغِبتِ الخَزرجُ في قتلِه طلبًا لِمُساواةِ الأَوسِ في الأَجرِ. وكان الله سُبحانه قد جعَل هذين الحَيَّيْنِ يَتَصاولانِ بين يدي رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في الخيراتِ، فاسْتأذَنوا رسولَ الله في قتلِه فأَذِن لهم، فعنِ البَراءِ بنِ عازبٍ قال: بعَث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي رافعٍ اليَهوديِّ رِجالًا مِنَ الأنصارِ، فأَمَّرَ عليهم عبدَ الله بنَ عَتيكٍ، وكان أبو رافعٍ يُؤذي رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويُعينُ عليه، وكان في حِصنٍ له بأرضِ الحجازِ، فلمَّا دَنَوْا منه وقد غَربتِ الشَّمسُ، وراح النَّاسُ بِسَرْحِهِم، فقال عبدُ الله لأصحابِه: اجْلِسوا مَكانَكُم، فإنِّي مُنطلِقٌ، ومُتَلَطِّفٌ للبَوَّابِ، لَعلِّي أن أَدخُلَ، فأقبل حتَّى دَنا مِنَ البابِ، ثمَّ تَقَنَّعَ بِثَوبهِ كأنَّه يَقْضي حاجةً، وقد دخل النَّاسُ، فهتَف به البَوَّابُ: يا عبدَ الله، إن كُنتَ تُريدُ أن تَدخُلَ فادخُلْ، فإنِّي أُريدُ أن أُغلقَ البابَ، فدخلتُ فكَمَنْتُ، فلمَّا دخَل النَّاسُ أَغلقَ البابَ، ثمَّ عَلَّقَ الأَغاليقَ على وَتَدٍ، قال: فقمتُ إلى الأقاليدِ فأَخذتُها، ففتحتُ البابَ، وكان أبو رافعٍ يُسْمَرُ عنده، وكان في عَلالِيَّ له، فلمَّا ذهَب عنه أهلُ سَمَرِهِ صَعدتُ إليه، فجعلتُ كلمَّا فتحتُ بابًا أَغلقتُ عليَّ مِن داخلٍ، قلتُ: إن القومَ نَذِروا بي لم يَخْلُصوا إليَّ حتَّى أَقتُلَه، فانتهيتُ إليه، فإذا هو في بيتٍ مُظلمٍ وسطَ عِيالهِ، لا أَدري أين هو مِنَ البيتِ، فقلتُ: يا أبا رافعٍ، قال: مَن هذا؟ فأَهويتُ نحوَ الصَّوتِ فأَضرِبُه ضَربةً بالسَّيفِ وأنا دَهِشٌ، فما أَغنيتُ شيئًا، وصاح، فخرجتُ مِنَ البيتِ، فأَمكثُ غيرَ بَعيدٍ، ثمَّ دَخلتُ إليه، فقلتُ: ما هذا الصَّوتُ يا أبا رافعٍ؟ فقال: لِأُمِّكَ الوَيْلُ، إنَّ رجلًا في البيتِ ضَربَني قبلُ بالسَّيفِ. قال: فأَضرِبُه ضَربةً أَثْخَنَتْهُ ولم أَقتُلْه، ثمَّ وَضعتُ ظِبَةَ السَّيفِ في بَطنِه حتَّى أخَذ في ظَهرهِ، فعَرفتُ أنِّي قَتلتُه، فَجعلتُ أَفتحُ الأبوابَ بابًا بابًا، حتَّى انْتهَيتُ إلى دَرجةٍ له، فوَضعتُ رِجلي، وأنا أَرى أنِّي قد انْتهَيتُ إلى الأرضِ، فوقعتُ في ليلةٍ مُقْمِرَةٍ، فانكَسرتْ ساقي، فعَصَبْتُها بِعِمامةٍ، ثمَّ انطَلقتُ حتَّى جَلستُ على البابِ، فقلتُ: لا أخرجُ اللَّيلةَ حتَّى أَعلمَ: أَقتلتُه؟ فلمَّا صاح الدِّيكُ قام النَّاعي على السُّورِ فقال: أَنْعى أبا رافعٍ تاجرَ أهلِ الحِجازِ. فانطَلقتُ إلى أصحابي، فقلتُ: النَّجاءَ، فقد قتَل الله أبا رافعٍ، فانتهَيتُ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فحَدَّثتُه، فقال: «ابْسُطْ رِجْلَكَ». فبَسطتُ رِجلي فمسَحها فكأنَّها لم أَشْتَكِها قَطُّ.

العام الهجري : 26 العام الميلادي : 646
تفاصيل الحدث:

أَمَرَ عُثمانُ بن عفَّانَ رضِي الله عنه بِتَجديدِ أَنْصابِ الحَرمِ، وفيها زاد في المَسجدِ الحَرامِ ووَسَّعَهُ، وابْتاع مِن قَومٍ، وَأَبَى آخَرون فهَدَم عليهم، ووضَع الأثْمانَ في بيتِ المالِ، فصاحوا بعُثمانَ، فأَمَر بهم فحُبِسُوا، وقال: أتدرون ما جَرَّأَكُم عَلَيَّ؟ ما جَرَّأَكُم عَلَيَّ إلَّا حِلْمِي، قد فعَل هذا بكم عُمَرُ فلم تَصيحوا به. فكَلَّمَهُ فيهم أَميرُ مكَّةَ عبدُ الله بن خالدِ بن أَسِيدٍ فأَطْلَقَهُم.