الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 3793 ). زمن البحث بالثانية ( 0.014 )

العام الهجري : 859 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1455
تفاصيل الحدث:

هو العلَّامةُ العِزُّ مجد الدين عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم بن أحمد بن محمد بن كيدوم بن عمر بن أبي الخير سعيد الحسيني القيلوي البغدادي ثم القاهري الحنبلي ثم الحنفي. ولدَ تقريبًا بعد سنة 770 والقيلوي نسبة لقرية بالجانب الشرقي من بغداد يقال لها قيلويه نشأ بها العز. قرأ القرآنَ لعاصم وحَفِظَ كتبًا جمة في فنون كثيرة، وبحث في غالب العلوم على مشايخ بغداد والعجم والروم، حتى إنه بحث في مذهبي الشافعي وأحمد وبرع فيهما وصار يقرأ كتبَهما ولازم الرحلةَ في العلم إلى أن صار أحدَ أركانه، وأدمن الاشتغال والأشغال بحيث بقي أوحدَ زمانه، ومن شيوخه في فقه الحنفية الضياء محمد الهروي أخذ عنه المجمع بعد أن حفظه، وسمع غالب الهداية على عبد الرحمن التشلاقي أو القشلاغي، وسمع عليه أصولَ الحنفية، وفي فقه الحنابلة محمد بن الحادي، وسمع عليه البخاري، وتزايد اشتغاله بالمذهب الحنبلي لكون والده كان حنبليًّا، وفي فقه الشافعية ناصر الدين محمد المعروف بأيادي الأبهري ولازمه مدة طويلة أخذ عنه فيها النحو والصرف، ولم يتسير له البحث في فقه المالكية، وقصد ذلك فما قدر، وأخذ أصول الدين وآداب البحث عن السراج الزنجاني، وأصول الفقه عن أحمد الدواليبي، وحضر بحث المختصر الأصلي لابن الحاجب والعضد وكثيرًا من شروح التلخيص في المعاني، وكثيرًا من الكشَّاف على ميرك الصيرامي أحد تلامذة التفتازاني، وبحث بعض الكشاف أيضًا والمعاني والبيان على عبد الرحمن ابن أخت أحمد الجندي، وجميع الشاطبية بعد حفظها على الشريف محمد القمني، والنحو عن أحمد بن المقداد وعبد القادر الواسطي، وبحث عليه الأشنهية في الفرائض بخلوة الغزالي من المدرسة النظامية ببغداد، وانتفع به في غير ذلك, وعُنِيَ بالطب والمعاني والبيان بعد حفظه للتلخيص عن المجد محمد المشيرقي السلطاني الشافعي, والمنطق بعد حفظه الشمسية عن القاضي غياث الدين محمد الخراساني الشافعي، كذا بحث عليه علم الجدل والطب عن موفق الدين الهمذاني، وسمع على موسى باش الرومي علم الموسيقى بحثًا، وارتحل إلى تبريز فأخذ بها عن الضياء التبريزي النحو وأصول الفقه، وعن الجلال محمد القلندشي فقه الشافعية وأصولهم، وحضر المعاني والبيان وبعض الكشاف عند حيدر، ثم ارتحل إلى أرزنجان من بلاد الروم فأخذ علم التصوف عن يارغلي السيواسي، ثم عاد من بلاد الروم بعد أن جال الآفاق وقاسى شدة مع تيمورلنك بحيث كانوا يقطعون الرؤوس ويحمِّلونه إياها إلى البلاد الشامية في سنة 810, ولقي بحلب مَن شاء الله من العلماء، وناظر في الشام الجمالَ الطيماني واجتمع في القدس بالشهاب بن الهائم فعظَّمه كثيرًا وارتحل إلى القاهرة بعد هذا كله, فأشير إليه في الصرف والنحو والمعاني والبيان والمنطق والجدل وآداب البحث والأصلين، والطب والعروض، والفقه والتفسير والقراءات، والتصوف وغيرها، فنزل بالجمالية وقرر في صوفيتها وأقبل الناس عليه فأخذوا عنه، وزوَّجه الشيخ مصطفى المقصاتي ابنته وتدرب به في عمل المقصات، وتكسب بها وقتًا مع اشتهاره بالفضيلة التامة حتى إنه لما تمت عمارة الجامع المؤيدي وحضر السلطان عند مدرسيه ومنهم البدر الأقصرائي الحنفي كان من جملة الحاضرين فلم يتكلم معه غيره، بحيث عظُمَ في عين السلطان، وأشار لما تم الدرس ورام المدرس الدعاء بنفسه مبالغة في تعظيم السلطان القيلوي أن يفعل ففعل، وأعلمه البدر بن مزهر وذلك قبل أن يلي كتابة السر بأنه رجل عالم يتكسب بعمل المقصات، فوعد ببناء مدرسة من أجله يكون هو شيخًا فما تيسر، وربما أقرأه ولده إبراهيم بل رام المؤيد الاجتماع به في محل خلوة للقراءة عليه، فما وافق العز خوفًا من إلصاق كثير مما يصدر عن السلطان به، وعُدَّ ذلك من وفور عقله، واستمر العز ملازمًا للإشغال غير مفتقر للاستفادة من أحد إلا في علم الحديث دراية ورواية؛ فإنه أخذ علوم الحديث جميعًا لابن الصلاح عن الولي العراقي بعد قراءته وسائره سماعًا، وسمع المنظومة في غريب القرآن، ومن أول السيرة الألفية إلى ذكر أزواجه والكثير من النكت على ابن الصلاح، وقرأ منها جميع الألفية الحديثية رواية، والمورد الهني، ومن غيرها الكثير من الأصول الكبار وغيرها، قال شمس الدين السخاوي: " قرأ العز عبد السلام على شيخنا الكمال الشمني صحيح البخاري والنخبة له، واختص به كثيرًا، وكان أحد الطلبة العشرة عنده بالجمالية، وحضر دروسه وأماليه، ورأيت بخط شيخنا بتصنيفه النخبة كتبها برسمه قال في آخرها ما صورته: علقها مختصرها تذكرةً للعلامة مجد الدين عبد السلام نفع الله به آمين، وتمت في صبيحة الأربعاء ثاني عشر شوال سنة أربع عشرة، وقال في أولها ما نصه: رواية صاحبها العلامة الأوحد المفنن مجد الدين عبد السلام البغدادي، وكتب له عليها أنه قرأها قراءة بحث وإتقان وتقرير وبيان، فأفاد أضعاف ما استفاد، وحقق ودقق ما أراد، وبنى بيت المجد لفكره الصحيح وأشاد، ثم قال: وأذن له أن يُقرئها لمن يرى ويرويها لمن درى، والله يسلمه حضرًا وسفرًا، ويجمع له الخيرات زُمَرًا" وأما الرواية فإنه سمع وقرأ على غير واحد وطلبها بنفسه فأكثر وكتب الطباق، وضبط الناس ورافق المتميزين، صار غالب فضلاء الديار المصرية من تلامذة العز عبد السلام، كل ذلك مع الخير والديانة والأمانة والزهد والعفة، وحب الخمول والتقشف في مسكنه وملبسه ومأكله، والانعزال عن بني الدنيا والشهامة عليهم وعدم مداهنتهم، والتواضع مع الفقراء والفتوة والإطعام وكرم النفس والرياضة الزائدة، والصبر على الاشتغال واحتمال جفاء الطلبة والتصدي لهم طول النهار، والتقنع بزراعات يزرعها في الأرياف ومقاساة أمر المزارعين، والإكثار من تأمل معاني كتاب الله عز وجل وتدبره، مع كونه لم يستظهر جميعه ويعتذر عن ذلك بكونه لا يحب قراءته بدون تأمل وتدبر، والمحاسن الجمة بحيث سمعت عن بعض علماء العصر أنه قال: لم نعلم من قَدِمَ مصر في هذه الأزمان مثل العز عبد السلام البغدادي, ولقد تجملت هي وأهلها به, وكان ربما جاءه الصغير لتصحيح لوحه ونحوه من الفقراء المبتدئين لقراءة درسه وعنده من يقرأ من الرؤساء، فيأمرهم بقطع قراءتهم حتى ينتهي تصحيح ذاك الصغير أو قراءة ذاك الفقير لدرسه، ويقول: أرجو بذلك القربة وترغيبهم وأن أندرج في الربانيين ولا يعكس، ولم يحصل له إنصاف من رؤساء الزمان في أمر الدنيا ولا أُعطي وظيفة مناسبة لمقامه، وكان فصيح اللسان مفوهًا طلْقَ العبارة قوي الحافظة سريع النظم جدًّا. مات في ليلة الاثنين الخامس العشر رمضان سنة تسع وخمسين، وصلى عليه من الغد بمصلى باب النصر، ودُفن بتربة الأمير بورى خارج باب الوزير تحت التنكزية، ولم يخلَّف بعده في مجموعِه مثله.

العام الهجري : 808 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1406
تفاصيل الحدث:

هو القاضي ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون التونسي الإشبيلي الحضرمي القاهري المالكي. وُلِدَ في تونس سنة 732. اشتغل في بلاده وسمع من الوادي آشي وابن عبد السلام وغيرهما، وأخذ القراءات عن محمد بن سعد بن براد، واعتنى بالأدب وأمور الكتابة والخط، حتى مهر في جميع ذلك. وولي كتابة العلامة عن صاحب تونس. ثم غادرها فارًّا من الطاعون متوجهًا إلى فاس في سنة ثلاث وخمسين، فعلا شأنه فيها حتى كِيدَ له فسُجِن فيها حتى أطلقه الوزير الحسن الفودوي، كان دخل في الأحوال السياسية ثم عافها بعد موت صديقه لسان الدين الخطيب، فاعتزل في قلعة بالجزائر في وهران، وألَّف فيها مقدمته المشهورة، ثم تنقل ابن خلدون بين تونس وغرناطة عند بني الأحمر وتلمسان وفاس، إلى أن استقر في مصر سنة أربع وثمانين. قال ابن حجر العسقلاني: "قدم الديار المصرية سنة 784 في ذي القعدة، وحجَّ ثمَّ رجع فلازم ألطنبغا الجوباني، فاعتنى به إلى أن قرَّره الملك الظاهر برقوق في قضاء المالكية بالديار المصرية، فباشرها مباشرةً صعبة، وقَلَب للناسِ ظَهرَ المجن، وصار يعزِّر بالصفع ويسِّميه الزج. فإذا غضب على إنسان، قال: زجوه، فيُصفَع حتى تحمَرَّ رقبته. قرأتُ بخط البشبيشي: كان فصيحًا مفوهًا جميل الصورة، وخصوصًا إذا كان معزولًا عن القضاء. أما إذا ولي فلا يُعاشَر، بل ينبغي ألَّا يُرى. وقد ذكره لسان الدين ابن الخطيب في تاريخ غرناطة ولم يصِفْه بعلم، وإنما ذكر له تصانيف في الأدب، وشيئًا من نظمه، ولم يكن بالماهر فيه. وكان يبالغ في كتمانه، مع أنه كان جيدًا لنقد الشعر من غير تقدم فيه، ولكن محاضرته إليها المنتهى، ولما دخل الديار المصرية تلقاه أهلها وأكرموه، وأكثروا ملازمته والتردد إليه، فلما ولي المنصب تنكَّر لهم، وفتك في كثير من أعيان الموقعين والشهود. وقيل: إن أهل المغرب لما بلغهم أنه ولي القضاء عجبوا من ذلك، ونسبوا المصريين إلى قلة المعرفة، ولما دخل القضاة للسلام عليه، لم يقم لأحدٍ منهم، واعتذر لمن عاتبه على ذلك. وباشر ابن خلدون بطريقة لم يألفها أهل مصر، حتى حصل بينه وبين الركراكي تنافس، فعُقِد له مجلس، فأظهر ابن خلدون فتوى زعم أنها خط الركراكي، وهي تتضمن الحط على السلطان الظاهر برقوق. فتنصَّل الركراكي من ذلك، وتوسَّل بمن اطَّلع على الورقة فوُجِدت مُدلَّسة. فلما تحقق برقوق ذلك عزل ابن خلدون، وأعاد القاضي جمال الدين. وذلك في جمادى الأولى سنة سبع وثمانين. فكانت ولايته الأولى دون سنتين. واستمر معزولًا ثلاث عشرة سنة وثلاثة أشهر، وحجَّ في سنة تسع وثمانين. ولازمه كثير من الناس في هذه العطلة وحَسُن خلقه فيها، ومازح الناس وباسطهم، وتردد إلى الأكابر وتواضع معهم. ومع ذلك لم يغيِّرْ زيه المغربي ولم يلبَس زي قضاة هذه البلاد. وكان يحب المخالفةَ في كل شيء. ولما مات ناصر الدين ابن التنسي، طلبه الملك الظاهر برقوق، ففوض إليه القضاء في خامس عشر شهر رمضان سنة إحدى وثمانمائة. فباشر على عادته من العسف والجنف. لكنه استكثر من النواب والشهود والعقاد، على عكس ما كان في الأول، فكثرت الشناعةُ عليه، إلى أن صرف ببعض نوابه، وهو نور الدين ابن الجلال صرفًا قبيحًا، وذلك في ثاني عشر المحرم سنة ثلاث وثمانمائة. وطلب ابن خلدون إلى الحاجب الكبير فأقامه للخصوم وأساء عليه بالقول. وادَّعوا عليه بأمور كثيرة أكثرها لا حقيقة له, وحصل له من الإهانة ما لا مزيد عليه وعُزل، فتحيَّل لما حاصر تيمورلنك دمشق إلى أن حضر مجلسه، وعرَّفه بنفسه فأكرمه وقرَّبه، وكان غرضه استفساره عن أخبار بلاد المغرب، فتمكَّن منه إلى أن أذن له في السفر وزوَّده وأكرمه. فلما وصل القاهرة أعيد إلى منصب القضاء، فباشره عشرة أشهر. ثم صرف بجمال الدين البساطي إلى آخر السنة. وأعيد ابن خلدون وسار على عادته، إلا أنه تبسَّط بالسكن على البحر، وأكثر من سماع المطربات، ومعاشرة الأحداث، فكثرت الشناعة عليه. قرأت بخط جمال الدين البشبيشي في كتابه (القضاة) قال: وكان -ابن خلدون- مع ذلك أكثر من الازدراء بالناس، حتى شهد عنده الأستادار الكبير بشهادة فلم تُقبَل شهادته، مع أنه كان من المتعصبين له. ولم يشتهر عنه في منصبه إلا الصيانة، إلى أن صُرِف في سابع شهر ربيع الأول سنة ست وثمانمائة. ثم أعيد في شعبان سنة سبع، فباشر في هذه المرة الأخيرة بلين مفرِطٍ وعجزٍ وخَورٍ. ولم يلبث أن عُزِل في أواخر ذي القعدة. وقرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي في وصف تاريخ ابن خلدون: (مقدمته لم يُعمَل مثالها، وإنه لعزيز أن ينال مجتهد منالها؛ إذ هي زبدة المعارف والعلوم، وبهجة العقول السليمة والفهوم، تُوقِف على كُنهِ الأشياء، وتعرف حقيقة الحوادث والأنباء، وتعبِّرُ عن حال الوجود، وتنبئُ عن أصل كل موجود، بلفظ أبهى من الدر النظيم، وألطف من الماء مر به النسيم). انتهى كلامه. وما وصفها به فيما يتعلق بالبلاغة والتلاعب بالكلام على الطريقة الجاحظية مُسلَمٌ له فيه، وأما ما أطراه به زيادة على ذلك فليس الأمر كما قال، إلَّا في بعض دون بعض، إلا أن البلاغة تُزين بزخرفها، حتى تري حسنًا ما ليس بالحسن. وقد كان شيخنا الحافظ أبو الحسن بن أبي بكر يبالغ في الغض منه. فلما سألته عن سبب ذلك، ذكر لي أنه بلغه أنه ذكر الحسين بن علي رضي الله عنهما في تاريخه، فقال: قُتل بسيف جدِّه. ولما نطق شيخنا بهذه اللفظة، أردفها بلعن ابن خلدون وسَبِّه، وهو يبكي. قلت (ابن حجر): ولم توجد هذه الكلمة في التاريخ الموجود الآن. وكأنه كان ذكرها في النسخة التي رجع عنها. والعجَبُ أن صاحبنا المقريزي كان يُفرِطُ في تعظيم ابن خلدون؛ لكونه كان يجزم بصحة نسب بني عبيد الذين كانوا خلفاء بمصر، وشهروا بالفاطميين إلى علي، ويخالف غيره في ذلك، ويدفع ما نُقِل عن الأئمة في الطعن في نسبهم ويقول: إنما كتبوا ذلك المحضر مراعاة للخليفة العباسي". ثم استعفى وانقطع للتدريس والتأليف وله مصنفات غير مقدمته المشهورة، ومنها: كتاب العِبَر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، وشرح البردة والحساب، ورسالة في المنطق، توفي في القاهرة يوم الأربعاء الخامس والعشرين من شهر رمضان فجأة عن 76 عامًا ودُفِن بمقابر الصوفية.

العام الهجري : 1369 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1950
تفاصيل الحدث:

وقَّعَت أعضاءُ دُول الجامعة العربية معاهدةَ دفاع وتعاون مشترك بينها، نصَّت على الآتي: إنَّ حكومات حضرة صاحب الجلالة مَلِك المملكة الأردنية الهاشمية، وحضرة صاحب الفخامة رئيس الجمهورية السورية، وحضرة صاحب الجلالة ملك المملكة العراقية، وحضرة صاحب الجلالة ملك المملكة العربية السعودية، وحضرة صاحب الفخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، وحضرة صاحب الجلالة ملك المملكة المصرية، وحضرة صاحب الجلالة ملك المملكة المتوكلية اليمنية رغبةً منها في تقوية وتوثيق التعاون بين دُول الجامعة العربية حِرصًا على استقلالِها والمحافظة على تراثها المشتركِ، واستجابةً لرغبة شعوبها في ضَمِّ الصفوف لتحقيق الدفاعِ المشتَرَك عن كيانها وصيانة الأمن والسلام وفقًا لمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الأمم المتحدة ولأهدافِها، وتعزيزًا للاستقرار والطمأنينة وتوفير أسباب الرفاهية والعمران في بلادها: قد اتَّفَقَت على عقد معاهدة لهذه الغاية، وأنابت عنها مفوضين، وقد اتَّفَقوا على ما يأتي: المادة 1: تؤكِّدُ الدول المتعاقدة حرصًا على دوام الأمن والسلام واستقرارهما وعَزمِها على فَضِّ جميع منازعاتها الدولية بالطُّرُق السلمية سواءٌ في علاقاتها المتبادلة فيما بينهما أو في علاقاتها مع الدول الأخرى. المادة 2: وتطبيقًا لأحكام المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية والمادة الحادية والخمسين من ميثاقِ الأمم المتحدة يخطر على الفور مجلس الجامعة ومجلس الأمن بوقوعِ الاعتداء وما اتُّخِذ في صدده من تدابيرَ وإجراءات. المادة 3: تتشاور الدولُ المتعاقدة فيما بينها بناءً على طلب إحداها كلمَّا هددت سلامةَ أراضي أية واحدة منها أو استقلالها أو أمنها, وفي حالة خطر حرب داهم أو قيام حالة دولية مفاجئة يخشى خطرها تبادر الدولُ المتعاقِدةُ على الفور إلى توحيدِ خطَطِها ومساعيها في اتخاذ التدابير الوقائية والدفاعية التي يقتضيها الموقف. المادة 4: رغبةً في تنفيذ الالتزامات السالفة الذكر على أكمل وجهٍ تتعاون الدول المتعاقدة فيما بينها لدعمِ مقوِّماتها العسكرية وتعزيزها وتشترك بحسَبِ مواردها وحاجاتها في تهيئة وسائلها الدفاعية الخاصة والجماعية؛ لمقاومة أي اعتداء مسلح. المادة 5: تُؤلَّف لجنة عسكرية دائمة من ممثِّلي هيئة أركان حرب جيوش الدول المتعاقدة لتنظيم خطط الدفاع المشترك، وتهيئة وسائله وأساليبه. وتحَدَّد في ملحق هذه المعاهدة اختصاصات هذه اللجنة الدائمة، بما في ذلك وضع التقارير اللازمة المتضَمِّنة عناصر التعاون والاشتراك المشار إليهما في المادة الرابعة، وتَرفَعُ هذه اللجنة الدائمة تقاريرَها عمَّا يدخل في دائرة أعمالها إلى مجلس الدفاع المشترك المنصوص عنه في المادة التالية. المادة 6: يُؤلَّفُ تحت إشراف مجلس الجامعة مجلِسٌ للدفاع المشترك يختَصُّ بجميع الشؤون المتعلِّقة بتنفيذ أحكام المواد 2،3،4،5 من المعاهدة، ويُستعان على ذلك باللجنة العسكرية الدائمة المشار إليها في المادة السابقة. ويتكَوَّن مجلس الدفاع المشترك المشار إليه من وزراء الخارجية والدفاع الوطني للدول المتعاقدة أو من ينوبون عنهم. وما يقرِّرُه المجلس بأكثرية ثلثي الدول يكون ملزِمًا لجميع الدول المتعاقدة. المادة 7: استكمالًا لأغراض هذه المعاهدة وما ترمى إليه من إشاعة الطمأنينة وتوفير الرفاهية في البلاد العربية ورفع مستوى المعيشة فيها تتعاون الدول المتعاقدة على النهوض باقتصاديات بلادِها، واستثمار مرافِقِها الطبيعية، وتسهيل تبادل منتجاتها الوطنية الزراعية والصناعية، وبوجهٍ عام على تنظيم نشاطها الاقتصادي وتنسيقِه، وإبرام ما تقتضيه الحال من اتفاقات خاصة لتحقيق هذه الأهداف. المادة 8: ينشأ مجلس اقتصادي من وزراء الدول المتعاقدة المختصِّين بالشؤون الاقتصادية، أو من يمثِّلونهم عند الضرورة؛ لكي يقترح على حكومات تلك الدول ما يراه كفيلًا بتحقيق الأغراض المبيَّنة في المادة السابقة. وللمجلس المذكور أن يستعينَ في أعماله بلجنة الشؤون الاقتصادية والمالية المشار إليها في المادة الرابعة من ميثاق جامعة الدول العربية. المادة 9: يعتبر الملحَقُ المرفق بهذه المعاهدة جزءًا لا يتجزَّأُ منها. المادة 10: تتعهد كل من الدول المتعاقدة بألَّا تعقد أي اتفاق دولي يناقضُ هذه المعاهدة. وبألَّا تسلك في علاقاتها الدولية مع الدول الأخرى مسلكًا يتنافى مع أغراض هذه المعاهدة. المادة 11: ليس في أحكامِ هذه المعاهدة ما يمَسُّ أو يقصد به أن يمس بأية حال من الأحوال الحقوق والالتزامات المترتبة، أو التي قد تترتب للدول الأطراف فيها بمقتضى ميثاق الأمم المتحدة أو المسؤوليات التي يضطلع بها مجلس الأمن في المحافظة على السلام والأمن الدولي. المادة 12: يجوز لأية دولة من الدول المتعاقدة بعد مرور عشر سنوات من نفاذ هذه المعاهدة أن تنسحب منها في نهاية سنة من تاريخ إعلان انسحابها إلى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية. وتتولى الأمانةُ العامة إبلاغَ هذا الإعلان إلى الدول المتعاقدة الأخرى. المادة 13: يُصَدَّق على هذه المعاهدة وفقًا للأوضاع الدستورية المرعيَّة في كل من الدول المتعاقدة. وتُودَع وثائق التصديق لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وتصبح المعاهدة نافذةً من قِبَلِ من صدَّق عليها بعد انقضاء خمسة عشر يومًا من تاريخ استلام الأمانة العامة وثائق تصديق أربع دول على الأقل. وحُرِّرت هذا المعاهدة باللغة العربية في الإسكندرية بتاريخ 2 رمضان سنة 1369هـ الموافق 17 يونيو سنة 1950م من نسخة واحدة تُحفَظُ في الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وتُسَلَّم صورة منها مطابِقة للأصل لكل دولة من الدول المتعاقدة.

العام الهجري : 416 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1025
تفاصيل الحدث:

كان لأهلِ الهندِ صَنمٌ مَعروفٌ بسومنات يُعَظِّمونَه أشَدَّ التَّعظيمِ، ويقَدِّمونَ له مِن القَرابينِ ما لا يُقَدَّمُ لصَنَمٍ غَيرِه، وكان يمينُ الدَّولة كلَّما فتَحَ مِن الهندِ فتحًا، وكسَرَ صنمًا يقولُ الهنود: إنَّ هذه الأصنامَ قد سَخِطَ عليها سومنات، ولو أنَّه راضٍ عنها لأهلَكَ مَن تقَصَّدَها بسُوءٍ، وقد كانوا يَفِدونَ إليه مِن كُلِّ فَجٍّ عَميقٍ، كما يفِدُ النَّاسُ إلى الكعبةِ بالبيتِ الحَرامِ، ويُنفِقونَ عنده النَّفَقاتِ والأموالَ الكثيرةَ التي لا تُوصَفُ ولا تُعَدُّ، وكان عليه من الأوقافِ عَشرةُ آلافِ قَريةٍ ومدينةٍ مشهورةٍ، وقد امتلأت خزائِنُه أموالًا، وعنده ألفُ رجُلٍ يَخدُمونَه، ومئاتُ الرِّجالِ يَحلِقونَ رُؤوسَ حَجيجِه، وكان عنده من المجاورينَ ألوفٌ يأكُلونَ مِن أوقافِه، فلَمَّا بلغ خبَرُ هذا الصَّنمِ وعُبَّادِه السُّلطانَ يَمينَ الدَّولةِ محمودَ الغَزنويَّ، عَزَمَ على غَزوِه وإهلاكِه, فاستخار اللهَ لِما بلَغَه مِن كَثرةِ الهُنودِ في طريقِه، والمفاوِز المُهلِكة، والأرض الخَطِرة، في تجَشُّم ذلك في جَيشِه، وعليه أن يقطَعَ تلك الأهوالَ، فانتَدَب معه ثلاثون ألفًا مِن المُقاتِلة مِمَّن اختارهم لذلك سِوى المتطَوِّعةِ، فسَلَّمَهم اللهُ حتى انتَهَوا إلى بلدِ هذا الوَثَن، ونزلوا بساحةِ عُبَّادِه، فإذا هو بمكانٍ بقَدرِ المدينةِ العظيمة، فما أسرَعَ أن مَلَكَه، وقتَلَ مِن أهله خمسينَ ألفًا وقلَعَ الوَثَن وأوقد تحته النَّارَ. قال ابنُ كثير: "ذكر غيرُ واحدٍ أنَّ الهنودَ بَذَلوا للسُّلطانِ مَحمود أموالًا جزيلةً لِيَترُكَ لهم هذا الصَّنمَ الأعظَمَ، فأشار من أشار مِن الأمراءِ على السلطان محمود بأخذِ الأموالِ وإبقاءِ هذا الصَّنَم لهم، فقال: حتى أستخيرَ اللهَ عَزَّ وجَلَّ، فلمَّا أصبَحَ قال: إنِّي فكَّرتُ في الأمرِ الذي ذُكِرَ، فرأيتُ أنَّه إذا نودِيتُ يومَ القيامةِ أين محمود الذي كسَرَ الصَّنَم، أحَبُّ إليَّ مَن أن يقالَ: الذي ترَكَ الصَّنَمَ لأجْلِ ما ينالُه من الدُّنيا! ثمَّ عَزَم رَحِمَه اللهُ فكَسَرَه، فوجد عليه وفيه مِن الجواهِرِ واللآلئِ والذَّهَبِ والجواهِرِ النَّفيسة ما يُنَيِّفُ على ما بَذَلوه له بأضعافٍ مُضاعَفةٍ، ونرجو مِن اللهِ له في الآخرةِ الثَّوابَ الجَزيلَ الذي مِثقالُ دانقٍ منه خيرٌ مِن الدنيا وما فيها، مع ما حصَلَ له من الثَّناءِ الجَميلِ الدُّنيوي، فرَحِمَه اللهُ وأكرَمَ مَثواه", ثمَّ رحَلَ يَمينُ الدَّولة عائدًا إلى غزنة، فوصَلَها عاشِرَ صَفَر سنة 417.

العام الهجري : 721 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1321
تفاصيل الحدث:

ثارت العامَّةُ يدًا واحدةً في يوم الجمعة تاسِعَ ربيع الآخر، وهَدَموا كنيستينِ مُتقابلتَينِ بالزهري، وكنيسة بستان السكري، وتعرف بالكنيسة الحمراء، وبعض كنيستين بمصرَ، ففي هذا اليوم الجمعة تاسع ربيع الآخر بطل العَمَلُ وقتَ الصلاةِ لاشتغالِ الأمراء بالصلاةِ، اجتمع من الغلمانِ والعامَّة طائفةٌ كبيرة، وصرخوا صوتًا واحدًا: اللهُ أكبر، ووقعوا في أركانِ الكنيسة بالمساحي والفُؤوسِ حتى صارت كُومًا، ووقع مَن فيها من النصارى، وانتهب العامَّةُ ما كان بها، والتفَتوا إلى كنيسة الحمراء المجاورة لها، وكانت من أعظَمِ كنائس النصارى، وفيها مالٌ كبير، وعِدَّةٌ من النَّصارى ما بين رجالٍ ونساءٍ مُتَرَهِّبات، فصعدت العامَّةُ فوقها، وفتحوا أبوابَها ونهبوا أموالَها وخُمورَها، وانتقلوا إلى كنيسةِ بومنا بجوار السبع سقايات، وكانت مَعبدًا جليلًا من معابد النصارى، فكَسَروا بابَها ونهبوا ما فيها، وقَتَلوا منها جماعة، وسَبَوا بنات كانوا بها تزيد عِدَّتُهن على ستين بكرًا، فما انقضت الصلاة حتى ماجت الأرضُ، فلما خرج الناسُ من الجامع رأوا غبارًا ودخانَ الحريق قد ارتفعا إلى السَّماءِ، وما في العامَّةِ إلَّا من بيده بنتٌ قد سباها أو جَرَّة خمرٍ أو ثوب أو شيء من النهب، فدُهِشوا وظنُّوا أنها الساعة قد قامت، وقَدِمَ مملوك والي مصر وأخبر بأن عامَّتَها قد تجمَّعَت لهدم كنيسة المعلَّقة حيث مسكَنُ البطرقِ وأموال النصارى، ويَطلُبُ نجدة، فلِشِدَّةِ ما نزل بالسلطان من الغَضَبِ هَمَّ أن يركَبَ بنَفسِه، ثم أردف أيدغمش بأربعةِ أمراء ساروا إلى مصر، وبعث بيبرس الحاجِبَ، وألماس الحاجب إلى موضع الحفر، وبعث طينالَ إلى القاهرة، ليضعوا السيف فيمن وَجَدوه، فقامت القاهرةُ ومصر على ساق، وفَرَّت النهَّابة، فلم تُدرِك الأمراءُ منهم إلا من غلب على نفسِه بالسُّكرِ مِن الخمر، وأدرك الأميرُ أيدغمش والي مصر وقد هزمته العامَّةُ من زقاق المعلقة، وأنكَوا مماليكَه بالرَّميِ عليهم، ولم يبقَ إلَّا أن يحرقوا أبوابَ الكنيسة، فجَرَّد هو ومن معه السيوفَ ليفتِكَ بهم، فرأى عالَمًا عظيمًا لا يحصيهم إلَّا خالِقُهم، فكفَّ عنهم خوفَ اتِّساعِ الخَرقِ، ونادى مَن وقَفَ فَدَمُه حلالٌ، فخافت العامَّةُ أيضًا وتفَرَّقوا، ووقف أيدغمش يحرُسُ المعَلَّقة إلى أن أُذِّنَ بالعصر، فصلى بجامع عمرو بن العاص، وعيَّنَ خمسينَ حارِسًا للمَبيتِ مع الوالي على بابِ الكنيسة، وعاد. وقيل كأنَّما نودي في إقليم مصر بهدمِ الكنائس، وأوَّل ما وقع الصوتُ بجامع قلعة الجبل, وذلك أنَّه لما انقضت صلاةُ الجمعة صرخ رجلٌ مُولَهٌ في وسط الجامع: "اهدِموا الكنيسةَ التي في القلعةِ"، وخرج في صراخه عن الحَدِّ واضطرب، فتعجَّب السلطانُ والأمراء منه، ونُدِبَ نقيب الجيش والحاجب لتفتيش سائر بيوت القلعة، فوجدوا كنيسةً في خرائب التتر قد أُخفِيَت، فهدموها، وما هو إلَّا أن فرغوا من هَدمِها والسلطانُ يتعَجَّبُ إذ وقع الصراخُ تحت القلعة، وبلغه هدمُ العامَّة للكنائس، وطُلِبَ الرجُلُ المُولَهُ فلم يُوجَدْ، وعندما خرج الناسُ من صلاة الجمعة بالجامع الأزهر من القاهرة رأوا العامةَ في هرج عظيم، ومعهم الأخشابُ والصُّلبان والثياب وغيرها، وهم يقولون: "السلطانُ نادى بخراب الكنائس"، فظنُّوا الأمر كذلك، وكان قد خُرِّبَ من كنائس القاهرة سوى كنيستي حارة الروم وحاره زويلة وكنيسة بالبندقانيين كنائس كثيرة، ثم تبيَّنَ أنَّ ذلك كان من العامة بغير أمر السلطان، فلما كان يومُ الأحد الحادي عشر سقط الطائِرُ من الإسكندرية بأنَّه لَمَّا كان الناس في صلاة الجمعة تجمَّع العامَّةُ وصاحوا هُدِمَت الكنائس، فركب الأميرُ بدر الدين المحسني متولي الثغر بعد الصلاةِ لِيُدرِك الكنائس، فإذا بها قد صارت كُومًا، وكانت عِدَّتُها أربع كنائس، ووقعت بطاقةٌ من والي البحيرة بأنَّ العامَّةَ هَدَمت كنيستين في مدينة دمنهور، والنَّاسُ في صلاة الجمعة، ثمَّ ورد مملوكُ والي قوص في يوم الجمعة السابع عشر، وأخبر بأنه لما كان يوم الجمعة هدم العامَّةُ سِتَّ كنائس بقوص في نحو نصف ساعة، وتواترت الأخبار من الوجه القبلي والوجه البحري بهدم الكنائس وقت صلاةِ الجمعة، فكثُرَ التعَجُّبُ من وقوع هذا الاتِّفاق في ساعةٍ واحدة بسائر الأقاليم، وكان الذي هُدِمَ في هذه الساعة من الكنائِسِ سِتُّونَ كَنيسةً!!

العام الهجري : 1336 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1918
تفاصيل الحدث:

هو السلطانُ عبد الحميد الثاني بن عبد المجيد الثاني، السلطان الرابع والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، وآخِرُ من امتلك سلطةً فعليةً منهم. ولد في 16 شعبان 1258هـ الموافق 21 سبتمبر 1842م، وتولَّى الحكم عام 1293هـ 1876م. أبعِدَ عن العرش عام 1327هـ / 1909م بتهمة الرجعية، وأقام تحت الإقامة الجبرية حتى وفاته في 15 جمادى الأولى 1337هـ الموافق 10 فبراير 1918م. تلقى السلطان عبد الحميد بن عبد المجيد تعليمَه بالقصر السلطاني، وأتقن من اللغات: الفارسية والعربية، وكذلك درس التاريخ والأدب. يعرِّفُه البعض، "باولو خاقان" أي "الملك العظيم" وعُرِفَ في الغرب باسم "السلطان الأحمر"، أو "القاتل الكبير" بسبب مذابح الأرمن المزعوم وقوعُها في فترة تولِّيه منصِبَه. رحَّب جزء من الشعب العثماني بالعودة إلى الحكم الدستوري بعد إبعاد السلطان عبد الحميد عن العرش في أعقاب ثورة الشباب التركي "الاتحاديين". غيرَ أن الكثير من المسلمين ما زالوا يقدِّرون قيمة هذا السلطان الذي خَسِرَ عرشه في سبيل أرض فلسطين التي رفض بيعَها لزعماء الحركة الصهيونية. تولى السلطانُ عبد الحميد الثاني الخلافة في 11 شعبان 1293هـ، الموافق 31 آب (أغسطس) 1876م، وتبوَّأ عرشَ السلطنة يومئذٍ على أسوأ حال؛ حيث كانت الدولة في منتهى السوء والاضطراب، سواء الأوضاع الداخلية أو الخارجية. دبَّرت جمعية "الاتحاد والترقي" عام 1908م انقلابًا على السلطان عبد الحميد تحت شعارات الماسونيةِ "حرية، عدالة، مساواة". كان اليهودُ لَمَّا عُقِدَ مؤتمرُهم الصهيوني الأول في (بازل) بسويسرا عام 1315هـ، 1897م، برئاسة ثيودور هرتزل 1860م-1904م رئيس الجمعية الصهيونية، اتَّفقوا على تأسيس وطنٍ قوميٍّ لهم يكون مقرًّا لأبناء عقيدتهم، وأصَرَّ هرتزل على أن تكون فلسطينُ هي الوطنَ القوميَّ لهم، فنشأت فكرةُ الصهيونية، وقد اتَّصل هرتزل بالسلطان عبد الحميد مرارًا ليسمح لليهودِ بالانتقال إلى فلسطين، ولكِنَّ السلطان كان يرفض، ثم قام هرتزل بتوسيطِ كثير من أصدقائه الأجانب الذين كانت لهم صلةٌ بالسلطان أو ببعض أصحابِ النفوذ في الدولة، كما قام بتوسيطِ بعض الزعماء العثمانيين، لكنه لم يُفلح، وأخيرًا زار السلطانَ عبد الحميد بصحبة الحاخام (موسى ليفي) و(عمانيول قره صو)، رئيس الجالية اليهودية في سلانيك، وبعد مقَدِّمات مُفعَمة بالرياء والخداع، أفصحوا عن مطالبهم، وقدَّموا له الإغراءاتِ المتمثلة في إقراض الخزينة العثمانية أموالًا طائلةً مع تقديم هدية خاصة للسلطان مقدارها خمسة ملايين ليرة ذهبية، وتحالُف سياسي يُوقفون بموجِبِه حملات الدعاية السيئة التي ذاعت ضِدَّه في صحف أوروبا وأمريكا. لكِنَّ السلطان رفض بشدةٍ وطردهم من مجلسِه، وقال: " إنكم لو دفعتم ملءَ الدنيا ذهبًا، فلن أقبل؛ إنَّ أرضَ فلسطين ليست ملكي، إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلِمون بدمائهم لا يمكن أن يباعَ، وربما إذا تفَتَّت إمبراطوريتي يومًا يمكِنُكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل"، ثم أصدر أمرًا بمنعِ هجرة اليهود إلى فلسطين. عندئذ أدرك خصومُه الصهاينة أنهم أمام رجلٍ قوي وعنيد، وأنَّه ليس من السهولة بمكانٍ استمالتُه إلى صفِّها، ولا إغراؤه بالمال، وأنه ما دام على عرش الخلافة فإنَّه لا يمكِنُ للصهيونية العالمية أن تحقِّقَ أطماعها في فلسطين، ولن يمكِنَ للدول الأوروبية أن تحقِّقَ أطماعها أيضًا في تقسيمِ الدولة العثمانية والسيطرة على أملاكها، وإقامة دويلات لليهود والأرمن واليونان؛ لذا قرَّروا الإطاحةَ به وإبعاده عن الحكم، فاستعانوا بالقوى المختلفة التي نذرت نفسَها لتمزيق ديار الإسلام؛ أهمها الماسونية، والدونمة، والجمعيات السرية (الاتحاد والترقي)، وحركة القومية العربية، والدعوة للقومية التركية (الطورانية)، ولَعِبَ يهود الدونمة دورًا رئيسًا في إشعال نار الفتن ضد السلطان إلى أن تمَّ عزلُه وخَلعُه من منصبه عام 1909، وتم تنصيب شقيقِه محمد رشاد خلفًا له. وتوفِّيَ السلطان عبد الحميد الثاني في المنفى في 15 جمادى الأولى 1337هـ 10 فبراير 1919م.

العام الهجري : 701 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1302
تفاصيل الحدث:

كثُرَ فَسادُ العُربان بالوجه القبلي، وتعَدَّى شَرُّهم في قَطعِ الطَّريقِ إلى أن فَرَضوا على التجَّار وأرباب المعايش بأسيوط ومنفلوط فرائِضَ جَبَوها شبه الجماليَّة، واستخَفُّوا بالولاة ومنعوا الخراجَ، وتَسَمَّوا بأسماء الأمراء، وجعلوا لهم كبيرينِ أحدهما سَمَّوه بيبرس، والآخر سلار، ولبسوا الأسلحةَ وأخرجوا أهلَ السُّجونِ بأيديهم، فاستدعى الأمراءُ القُضاةَ والفُقَهاءَ، واستفتَوهم في قتالِهم، فأفتَوهم بجواز ذلك، فاتَّفَق الأمراء على الخروج لقتالِهم وأخْذِ الطرق عليهم، لئلا يمتَنِعوا بالجبالِ والمفاوزِ فيَفوتَ الغَرَضُ فيهم، فاستدعَوا الأمير ناصر محمد بن الشيخي متولي الجيزية, وغيرَه من ولاة العمل، وتقَدَّموا إليه بمنع الناسِ بأَسرِهم من السفر إلى الصعيدِ في البَرِّ والبحر، ومَن ظَهَر أنه سافر كانت أرواحُ الولاة قبالةَ ذلك، فاشتَدَّ حِرصُهم، وأشاع الأمراءُ أنَّهم يريدون السَّفَرَ إلى الشام، وكُتِبَت أوراق الأمراء المسافرين، وهم عشرونَ مُقَدَّمًا بمضافيهم، وعيَّنوا أربعة أقسام: قسمٌ يتوَجَّهُ في البر الغربي من النيلِ، وقِسمٌ في البَرِّ الشرقي، وقِسمٌ يركب النيل، وقِسمٌ يمضى في الطريق السالكةِ، وتوجه الأميرُ شمس الدين سنقر الأعسر إلى جهة ألواح في خمسةِ أمراء، وقرر أن يتأخَّرَ مع السلطان أربعةُ أمراء من المقَدَّمين، وتقَدَّمَ إلى كُلِّ مَن تعَيَّنَ لجهة أن يضَعَ السَّيفَ في الكبير والصَّغيرِ والجليل والحقير، ولا يُبقُوا شيخًا ولا صبيًّا، ويحتاطوا على سائِرِ الأموال، وسار الأميرُ سلار في رابع جمادى الآخرة ومعه جماعةٌ من الأمراء في البر الغربي، وسار الأميرُ بيبرس بمن معه في الحاجر في البر الغربي على طريق الواحات، وسار الأميرُ بكتاش أميرُ سلاحٍ بمن معه إلى الفيوم وسار الأميرُ بكتمر الجوكندار بمن معه في البرِّ الشرقي، وسار قتالُ السبع وبيبرس الدوادار وبلبان الغلشي وعرب الشرقية إلى السويس والطور، وسار الأميرُ قبجق ومن معه إلى عقبةِ السَّيل، وسار طقصبا والي قوص بعرب الطاعةِ وأخذ عليهم المفازاتِ، وضَرَبَ الأمراءُ على الوجه القبلي حلقةً كحلقةِ الصيدِ، وقد عُمِّيَت أخبارُهم على أهل الصعيد، فطَرَقوا البلادَ على حينِ غَفلةٍ مِن أهلها، ووضَعوا السيفَ في الجيزيَّة بالبر الغربيِّ والإطفيحية من الشرق، فلم يتركوا أحدًا حتى قَتَلوه، ووسطوا نحو عشرة آلاف رجلٍ، وما منهم إلَّا من أخذوا مالَه وسَبَوا حريمه، فإذا ادَّعى أحدٌ أنَّه حَضَريٌّ قيل له قل: دقيق، فإن قال بقاف العَرَبِ قُتِلَ، ووقع الرعبُ في قلوبِ العُربان حتى طَبَّق عليهم الأمراءُ، وأخَذوهم مِن كُلِّ جِهةٍ فَرُّوا إليها، وأخرَجوهم من مخابِئِهم حتى قَتَلوا مَن بجانبي النيلِ إلى قوص، وجافت الأرضُ بالقتلى، واختفى كثيرٌ منهم بمغائِرِ الجبالِ، فأُوقِدَت عليهم النيرانُ حتى هلكوا عن آخِرِهم، وأُسِرَ منهم نحوُ ألف وستمائة لهم فلاحات وزروع، وحَصَل من أموالهم شيءٌ عَظيمٌ جدًّا تفَرَّقَتْه الأيدي، وأُحضِرَ منه للديوان ستة عشر ألف رأسٍ من الغنم، من جملةِ ثمانين ألف رأسٍ ما بين ضأن وماعز، ونحو أربعةِ آلاف فرس واثنين وثلاثين ألف جمل، وثمانية آلاف رأس من البقر، غيرَ ما أُرصِدَ في المعاصر، ومن السِّلاحِ نحو مائتين وستين حملًا ما بين سيوف ورماح، ومن الأموالِ على بغالٍ مُحَمَّلة مائتين وثمانين بغلًا، ثم عاد العسكَرُ في سادس عشر رجب، وقد خلت البلادُ بحيث كان الرجلُ يمشي فلا يجِدُ في طريقه أحدًا، وينزِلُ بالقرية فلا يرى إلا النِّساءَ والصِّبيانَ والصِّغارَ، فأفرجوا عن المأسورينَ وأعادوهم لحِفظِ البلاد، وكان الزَّرعُ في هذه السنة بالوجه القبلي عظيمًا إلى الغاية، تحصَّلَ منه ما لم يُقدَرْ قَدرُه كَثرةً.

العام الهجري : 409 العام الميلادي : 1018
تفاصيل الحدث:

سار يمينُ الدَّولةِ إلى الهندِ غازيًا، واحتَشَد وجَمَع، واستَعَدَّ وأعَدَّ، وسبَبُ هذا أنَّ بيدا أكبَرَ مُلوكِ الهند قَوِيَ أمْرُه واستمال إليه كُلَّ مَن كان يمينُ الدَّولةِ قد هَزَمَهم ووعَدَهم بإعادةِ مُلكِهم لهم، فتجَهَّزَ يمينُ الدَّولة للغَزوِ، وقصَدَ بيدا، وابتدأ في طريقِه بالأفغانيَّةِ، وهم كُفَّارٌ، فغَنِمَ المُسلِمونَ مِن أموالِهم الكثيرُ، ثمَّ واصَلَ المَسيرَ، وبلَغَ إلى مكانٍ لم يَبلُغْه فيما تقَدَّمَ مِن غَزَواتِه، وعَبَرَ نَهرَ كنك، ولم يَعبُرْه قَبلَها، فأتاه في الطَّريقِ خَبَرُ مَلِكٍ مِن مُلوكِ الهِندِ يقال له تروجنبال قد سار مِن بينِ يديه مُلتَجِئًا إلى بيدا ليحتَمِيَ به عليه، فطوى المَراحِلَ، فلَحِقَ تروجنبال ومَن معه، رابِعَ عَشَرَ من شَعبان، فاقتتلوا وانهزم تروجنبال ومَن معه، وكَثُر فيه القَتلُ والأسْرُ، وأسلَموا أموالَهم وأهلِيهم، فغَنِمَها المسلمون، وانهزم مَلِكُهم جريحًا، وتحيَّرَ في أمْرِه، وأرسل إلى يمينِ الدَّولة يطلُبُ الأمانَ فلم يُؤَمِّنْه، ولم يقنَعْ منه إلَّا الإسلام، وقتَلَ مِن عساكِرِه ما لا يُحصى، وسار تروجنبال ليلحَقَ ببيدا، فانفَرَدَ به بعضُ الهنودِ فقَتَلَه. فلما رأى ملوكُ الهند ذلك تابعوا رسُلَهم إلى يمينِ الدَّولةِ يَبذُلونَ له الطاعةَ والإتاوةَ. وسار يمينُ الدَّولة بعد الوقعةِ إلى مدينة باري، وهي من أحصَنِ القِلاعِ والبِلادِ وأقواها، فرآها مِن سُكَّانِها خاليةً، وعلى عُروشِها خاويةً، فأمَرَ بهَدمِها وتخريبِها وعَشْر قِلاعٍ معها مُتَناهية الحَصانة، وقتَلَ مِن أهلِها خلقًا كثيرًا، وسار يطلُبُ بيدا المَلِك، فلَحِقَه وقد نزل إلى جانبِ نهرٍ، وأجرى الماءَ مِن بين يديه فصار وحْلًا، وتَرَك عن يمينِه وشماله طريقًا يَبسًا يقاتِلُ منه إذا أراد القِتالَ، وكان عِدَّةُ مَن معه ستَّةَ وخمسينَ ألف فارس، ومِئَةَ ألفٍ وأربعةً وثمانينَ ألفَ راجلٍ، وسبعَمئة وستةً وأربعين فيلًا، فأرسل يمينُ الدَّولة طائفةً من عَسكَرِه للقِتالِ، فأخرج إليهم بيدا مِثلَهم، ولم يزَلْ كُلُّ عَسكرٍ يَمُدُّ أصحابَه، حتى كثُرَ الجمعان، واشتَدَّ الضَّربُ والطعان، فأدرَكَهم اللَّيلُ وحجز بينهم، فلمَّا كان الغَدُ بكَّرَ يمينُ الدَّولة إليهم، فرأى الدِّيارَ منهم بلاقِعَ، ورَكِبَ كُلُّ فرقةٍ منهم طريقًا مخالِفًا لطريق الأخرى. ووجد خزائِنَ الأموالِ والسِّلاحِ بحالها، فغَنِموا الجميعَ، واقتفى آثارَ المُنهَزِمين، فلَحِقوهم في الغِياضِ والآجامِ، وأكثَروا فيهم القَتلَ والأسْرَ، ونجا بيدا فريدًا وحيدًا، وعاد يمينُ الدَّولة إلى غزنةَ مَنصورًا.

العام الهجري : 564 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1169
تفاصيل الحدث:

في أوائل ذي القعدة قُتِلَ مؤتمن الخلافة، وهو خصِيٌّ كان بقصرِ العاضد، إليه الحُكم فيه، والتقدُّم على جميع من يحويه، فاتَّفَق هو وجماعة من المصريين على مكاتبة الفرنج واستدعائهم إلى البلاد، والتقَوِّي بهم على صلاح الدين ومَن معه، وسَيَّروا الكتب مع إنسانٍ يثقون به، وأقاموا ينتَظِرون جوابه، وسار ذلك القاصدُ إلى البئر البيضاء، فلَقِيه إنسان تركماني، فرأى معه نعلين جديدين، فأخذهما منه وقال في نفسه: لو كانا مما يلبَسُه هذا الرجل لكانا خَلِقين؛ فإنه رث الهيئة، وارتاب به وبهما، فأتي بهما صلاح الدين ففتَقَهما، فرأى الكتابَ فيهما، فقرأه وسكت عليه، وكان مقصودُ مؤتمن الخلافة أن يتحَرَّك الفرنجُ إلى الديار المصرية، فإذا وصلوا إليها خرج صلاحُ الدين في العساكرِ إلى قتالهم، فيثور مؤتمنُ الخلافة بمن معه من المصريِّين على مخلفيهم فيقتلونَهم، ثم يخرجون بأجمعهم يتبعون صلاحَ الدين، فيأتونه مِن وراء ظهره، والفرنجُ من بين يديه، فلا يبقى لهم باقية. فلما قرأ الكتابَ سأل عن كاتبه، فقيل: رجل يهودي، فأُحضِرَ، فأمَرَ بضَربِه وتقريره، فابتدأ وأسلم وأخبَرَه الخبر، وأخفى صلاح الدين الحال، واستشعر مؤتمنُ الخلافة، فلازم القصر ولم يخرج منه خوفًا، وإذا خرج لم يبعد صلاح الدين لا يظهرُ له شيئًا من الطلب، لئلا ينكرَ الحال ذلك، فلما طال الأمرُ خرج من القصر إلى قرية له تعرف بالحرقانية للتنزُّه، فلما علم به صلاح الدين أرسل إليه جماعة، فأخذوه وقتلوه وأتوه برأسِه، وعزل جميعَ الخدم الذين يتولَّون أمر الخلافة، واستعمل على الجميع بهاء الدين قراقوش، وهو خَصِيٌّ أبيض، وكان لا يجري في القَصرِ صغيرٌ ولا كبير إلا بأمره وحُكمِه، فغضب السودان الذين بمصر لقَتلِ مؤتمن الخلافة حَمِيَّة، ولأنه كان يتعصَّبُ لهم، فحشدوا وأجمعوا، فزادت عدتُهم على خمسين ألفًا، وقصدوا حرب الأجناد الصلاحيَّة، فاجتمع العسكرُ أيضًا وقاتلوهم بين القصرين، وكثر القتلُ في الفريقين، فأرسل صلاح الدين إلى محلَّتِهم المعروفة بالمنصورة، فأحرقها على أموالهم وأولادِهم وحرَمِهم، فلما أتاهم الخبَرُ بذلك ولَّوا منهزمين، فركبهم السَّيفُ، وأُخِذَت عليهم أفواه السكك، فطلبوا الأمان بعد أن كثُرَ فيهم القتل، فأجيبوا إلى ذلك، فأُخرجوا من مصر إلى الجيزة، فعبر إليهم وزيرُ الدولة توارن شاه أخو صلاح الدين الأكبر في طائفة من العسكر، فأبادهم بالسَّيفِ، ولم يبقَ منهم إلا القليلُ الشريد، وكفى الله تعالى شَرَّهم.

العام الهجري : 617 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1220
تفاصيل الحدث:

بعد استيلاء المغول على بخارى وما كان فيها منهم رحلوا نحو سمرقند وقد تحقَّقوا عجز خوارزم شاه عنهم، وهم بمكانه بين ترمذ وبلخ، واستصحبوا معهم من سَلِمَ من أهل بخارى أسارى، فساروا بهم مشاةً على أقبح صورة، فكلُّ من أعيا وعجز عن المشي قتلوه، فلما قاربوا سمرقند قدَّموا الخيَّالة، وتركوا الرجَّالة والأسارى والأثقال وراءهم، حتى تقدموا شيئًا فشيئًا، ليكون أرعبَ لقلوب المسلمين؛ فلما رأى أهل البلد سوادهم استعظموه، فلما كان اليومُ الثاني وصل الأسارى والرجالة والأثقال، ومع كل عشرةٍ من الأسارى عَلَم، فظن أهل البلد أن الجميعَ عساكر مقاتلة، وأحاطوا بالبلدِ وفيه خمسون ألف مقاتل من الخوارزمية، وأما عامة البلد فلا يحصون كثرة، فخرج إليهم شجعان أهله، وأهل الجلد والقوة رجالة، ولم يخرج معهم من العسكر الخوارزمي أحدٌ؛ لما في قلوبهم من خوف هؤلاء الملاعين، فقاتلهم الرجَّالة بظاهر البلد، فلم يزل التتر يتأخَّرون، وأهل البلد يَتبَعونهم، ويطمعون فيهم، وكان الكفار قد كمنوا لهم كمينًا، فلما جاوزوا الكمين خرج عليهم وحال بينهم وبين البلد، ورجع الباقون الذين أنشبوا القتال أولًا، فبَقُوا في الوسط، وأخذهم السيفُ من كل جانب، فلم يسلَمْ منهم أحد، قتلوا عن آخرهم، وكانوا سبعين ألفًا على ما قيل، فلما رأى الباقون من الجند والعامة ذلك ضَعُفت نفوسهم وأيقنوا بالهلاك، فقال الجند: وكانوا أتراكًا: نحن من جنس هؤلاء ولا يقتلوننا، فطلبوا الأمان، فأجابوهم إلى ذلك، ففتحوا أبوابَ البلد، ولم يقدِر العامة على منعهم، وخرجوا إلى الكفَّار بأهلهم وأموالهم، فقال لهم الكفار: ادفعوا إلينا سلاحَكم وأموالكم ودوابَّكم ونحن نسيركم إلى مأمنِكم، ففعلوا ذلك، فلما أخذوا أسلحتهم ودوابهم وضعوا السيف فيهم وقتلوهم عن آخِرِهم، وأخذوا أموالَهم ودوابَّهم ونساءهم، فلما كان اليوم الرابع نادوا في البلد أن يخرج أهله جميعهم، ومن تأخَّرَ قتلوه، فخرج جميعُ الرجال والنساء والصبيان، ففعلوا مع أهل سمرقند مثل فعلِهم مع أهل بخارى من النهب، والقتل، والسبي، والفساد، ودخلوا البلدَ فنهبوا ما فيه، وأحرقوا الجامِعَ وتركوا باقي البلد على حاله، وافتضُّوا الأبكار، وعذَّبوا الناس بأنواع العذاب في طلب المال، وقتلوا من لم يصلح للسبي، وكان ذلك في المحرَّم، وكان خوارزم شاه بمنزلته كلمَّا اجتمع إليه عسكر سيره إلى سمرقند، فيرجعون ولا يقدرون على الوصولِ إليها.

العام الهجري : 819 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1416
تفاصيل الحدث:

دخل فصل الربيع، وقد فشا في الناس الموت بالطاعون، وأُحصيَ من ورد اسمُه الديوان ممن مات بالقاهرة في مدة شهر أوله عاشر المحرم، فكان ثلاثة آلاف إنسان، ثم تجاوز عدد من يرد اسمه الديوان من الأموات مائة نفس في اليوم، وهذا سوى من يموت بالمارستان، وفي عدة مواضع خارج المدينة، ويكون ذلك نحو الخمسين نفسًا، وكانت عدة من صُلِّي عليه من الأموات بمصلى باب النصر خاصة من أول النهار إلى آذان الظهر اثنين وتسعين ميتًا، وشنع ما يحكى من تواتر نزول الموت في الأماكن، بحيث مات في أسبوع واحد من درب واحد ثلاثون إنسانًا، وكثير من الدور يموت منها العشرة فصاعدًا، وقدم الخبر بكثرة الوباء أيضًا ببلاد الصعيد، وفي طرابلس الشام، وأُحصي من مات بها في مدة أيام، فكانت عدتهم عشرة آلاف إنسان، وكثر الوباء أيضًا بالوجه البحري من أراضي مصر، وقدم الخبر بأن معظم أهل مدينة من صعيد مصر قد ماتوا بالطاعون، وفي شهر ربيع الأول كثر الموتان بالقاهرة ومصر، وتجاوزت عدة من ورد اسمه الديوان من الموالي الثلاثمائة، وتوهم كل أحد أن الموت آتيه عن قريب؛ لسرعة موت من يُطعن، وكثرة من يموت في الدار الواحد، وتواتر انتشار الوباء في جميع أراضي مصر، وبلاد الشام، والمشرق، بحيث ذكر أنه بأصبهان مات غالب أهلها، حتى صار من يمشي بشوارعها لا يرى أحدًا يمر إلا في النادر، وأن مدينة فاس بالمغرب أحصى من مات بها في مدة ثلاثين يومًا ممن ورد الديوان فكانوا ستة وثلاثين ألفًا سوى الغرباء من المساكين، وأن المساكن عندهم صارت خالية ينزل بها من قدم إليها من الغرباء، وأن هذا عندهم في سنتي سبع عشرة وثماني عشرة، وبلغت عدة من يرد اسمه الديوان من الأموات في الثالث والعشرين ما ينيف على خمسمائة، بما فيهم من موتى المارستان والطرحاء، ومع ذلك والأخبار متواترة بأنه صلِّيَ في هذا اليوم بمصليات الجنائز على ما ينيف على ألف ميت، وأن الكُتَّاب يخفون كثيرًا ممن يرد اسمه إليهم، وانقضى هذا الشهر، وقل دار بالقاهرة ومصر وظواهرهما لم يكن بها حزن على ميت، وأقل ما قيل: إنه مات من عاشر المحرم إلى آخر هذا الشهر عشرون ألفًا، وفي شهر ربيع الآخر، أوله الجمعة: بلغت عدة من ورد اسمه الديوان من الأموات إلى مائة وعشرين سوى المارستان والطرحاء، وقدم الخبر من دمشق بتزايد الموتان عندهم، وأنه يموت في اليوم ستون إنسانًا، وأنه ابتدأ الوباء عندهم من أثناء ربيع الأول، عندما تناقص من ديار مصر.

العام الهجري : 1330 العام الميلادي : 1911
تفاصيل الحدث:

أبلى الشعب الليبي بلاءً حسنًا في جهاده ضد المحتل الإيطالي الصليبي، فلما طارت أخبارُ معارك بنغازي وطرابلس ودرنة إلى العالم أجمع، ورأت حكومة الأتراك أنَّ الشعب الليبي جديرٌ بالمساعدة وجادٌّ في جهاده وكفاحه ضِدَّ العدو، أرسلوا الإمدادات، فقام أنور باشا وزير الحربية التركية باختيار مجموعاتٍ من الشباب الليبي، واستقبلهم في استانبول لتعليمهم النظم السياسية والعسكرية الجديدة؛ ليُشرِفوا على قيادة الجيش الوطني، وتدافع المجاهدون المسلمون من كل مكان إلى ميدان القتال عن طِيبِ خاطر، وجاد المسلمون الخيِّرون بأموالهم وأعزِّ ما ملكت أيديهم، وفاضت قرائِحُ الشعراء وأقلام الكتَّاب بما أوحته ضمائرهم، وقامت الصحفُ، وفي طليعتها المؤيد الغراء المصرية بدورها، وكانت هذه الصحف حلقةَ الاتصال بين جهاد الليبيين والعالم الإسلامي، وكانت المساعدات تأتي إلى مصر ثم تُرسَل إلى المجاهدين، وكان الأميرُ عمر طوسون في مصر، ووالدة الخديوي (أم المحسنين) وخَلْفَهم مسلمو مصر قد وقفوا بما يملكون لدعم الشعب الليبي ماديًّا ومعنويًّا، فكانت أم المحسنين تنفق الأموال والمُؤَن، والملابس والأدوية، والقوافل المحمَّلة للمجاهدين، وعندما قابلت الوفد الذي تسلَّم هذه المواد والمؤن قالت: (إنني لم أفعل شيئًا يُذكَر في جانب ما يقوم به أولئك المجاهِدون في سبيل الله، وإنني قلقة لأنني لم أسمع منذ أيام خبرًا عن ميدان القتال) وكان الليبيون الذين هاجروا إلى مصر من عشرات السنين قد وقفوا وقفةَ رجل واحد بالمال والرجال، وكان أحمد الباسل من وجهاء مصر سندًا قويًّا لحركة الجهاد في ليبيا، وبدأت وفود المتطوِّعين من مصر والعالم الإسلامي تترى لمساعدة إخوانهم المسلمين في ليبيا، ووصلت البعثاتُ الطبية من تركيا ومصر، فقامت بدورها خيرَ قيام، كما وصل عددٌ من مراسِلي صحف إسلامية، ووصل الأمير شكيب أرسلان على رأس بعثة طبية كان عدد جمالها التي تحمل الأثقال من المؤن والأدوية 650 جملًا يصحبُه خمسة أشخص من أخصِّ رجاله، قد تطوعوا للجهاد ببرقة، ومن بين المتبرعين مسلمو أندونيسيا، ومسلمو الهند، وحاكم قطر الشيخ قاسم محمد؛ فقد تبرع للمجاهدين بعشرين ألف روبية، وملك أفغانستان حبيب الله خان وشعبه، وأهل البحرين، وجاء إلى ميدان القتال كلٌّ من محمد حلمي، وعبد المعطي صالح ضابط مصري، وعارف بك والي البصرة سابقًا، ونشأت بك أحد كبار رجالات تركيا المشهورين، ومحمد طاهر أفندي مصري، وغيرهم كثير!!

العام الهجري : 1339 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1921
تفاصيل الحدث:

كان غورو قد أرسل إلى المَلِك فيصل كتابًا يشيرُ فيه إلى استغرابه من بدءِ الفساد والتمرُّد منذ دخول جيوش فرنسا للمنطقة بعد رحيل إنجلترا، وذلك في تموز 1920م، ثم أرسل إليه إنذارًا أو بلاغًا يدور حولَ خمسِ نقاطٍ، أهمُّها: قَبولُ الانتداب الفرنسي، وإلغاءُ التجنيد الإجباري. رفَضَ وزيرُ الحربية يوسف العظمة قرارَ التسريحِ للجيشِ ولكنَّه اضطرَّ للتوقيع على القرار مُكرهًا بحضور الملك فيصل، وكتب الملك فيصل برقيةً لغورو بأنَّ مطالِبَه قُبِلَت، لكن غورو زعم أنَّ البرقية تأخَّرت وأنَّه أرسل جيشًا نحو دمشق واستطاع هذا الجيشُ أسْرَ فوجين من الجيشِ السوري بدون إطلاقِ رصاصة واحدة، وأراد الملِكُ أن يعود للدفاع لكِنَّ الجيش كان قد سُرِّح وخلت الكتائِبُ مِن معظم الجنود فذهب الوزير يوسف العظمة إلى ميسلون، وأخذ يُعِدُّ المعدَّاتِ مُنتظِرًا ما وعد به من النَّجدات، ولكن لم يَزِد عددُ الجنود مع المتطوِّعين على الأربعة آلاف، وكان القائم مقام "جميل الألش" -الذي كان على صلاتٍ جيِّدةٍ مع الفرنسيين- قد اطَّلع على الجيش في ميسلون، وقام بتعريف الجيش الفرنسي على مواضِعِ الضعف فيه، وكان الفَرقُ كبيرًا جدًّا في العَدَد والعُدَّة، وبدأت المعركة التي استُخدِمَت فيها الدَّبابات والطائرات، وقاتل العظمة ومَن معه ببسالةٍ، ولكن بوجود الخَوَنة حُسِمَت المعارك لصالحِ الفرنسيين؛ فقد قام رجلٌ درزي من المتطوِّعين مع بعضِ الفرسان بالوثوبِ على أحد المساير السورية من الخلف، وفتحوا النارَ عليها ونهبوا السلاحَ منهم، ورغم ذلك بقي العظمة يدير المعركةَ بإمكانيَّاتِه المتوفرة حتى قضى نحبَه بقذيفةِ إحدى الدبابات الفرنسية، وذلك في السابع من ذي القعدة 1339هـ / 24 يوليو. دامت المعركة ثماني ساعات انتهت بالقضاء على الجيش السوري المقاوِم، ودخولِ الجيش الفرنسي إلى دمشق بقيادة غوابييه، أما الملك فيصل وأعوانُه فقد كانوا خرجوا من دمشق إلى الكسوة (قريبًا من دمشق) ثم عادوا بعد دخول القوات الفرنسية إلى دمشق للتفاهمِ، إلَّا أن الفرنسيين رفضوا رفضًا باتًّا بقاء فيصل في البلاد، وأقلُّوه قطارًا خاصًّا هو وأعوانه، وتبعثر رجالُ الثورة العربية في مختَلِف الأقطار بعد أن عَرَفوا الفرق بين ما كانوا فيه وما أصبحوا فيه، أمَّا الفرنسيون فلم يُخفُوا أبدًا حِقدَهم الصليبي ولا أخفَوا أبدًا أنَّ حَربَهم هذه صليبيةٌ؛ فقد قال غورو أمام قبر صلاح الدين: ها قد عُدنا يا صلاحَ الدين! وقال: إنَّ حضوري هنا يقدِّسُ انتصارَ الصليبِ على الهلالِ.

العام الهجري : 1343 العام الميلادي : 1924
تفاصيل الحدث:

كانت الموصِل جزءًا من الدولة العثمانية حتى نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما احتلَّتْها بريطانيا، وبعد حرب الاستقلال التركية، اعتبرت تركيا الموصل من القضايا الحاسمة المحدَّدة في الميثاق الوطني التركي. وعلى الرغم من المقاومة المستمرة تمكَّنت بريطانيا من طرح هذه القضية في الساحة الدولية، كمشكلة حدود بين تركيا والعراق. فقرَّر مجلسُ عصبة الأمم في جلسته المنعقدة في الثالث من ربيع الأول عام 1343هـ / الأول من تشرين الأول 1924م أن يتولى بنفسِه تعيينَ الحدود بين تركيا والعراق، وإنهاء الخلاف بين الحكومتين على ولاية الموصل، وأرسل مجلِسُ عصبة الأمم لجنةً مؤلفة من ثلاثة أعضاء وصلت إلى بغداد في العشرين من جمادى الآخرة 1343هـ / 15 كانون الثاني 1925م، وكانت إنجلترا ترى أن المنطقةَ المتنازَعَ عليها تضُمُّ مجموعاتٍ نصرانيةً وأخرى يهودية، وكذلك مجموعة يزيدية، وبما أنهم سيوطَّنون تحت دولة مسلمة فلا بد من اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحمايتهم تمامًا، وخاصة أنهم رغم بقائهم بكلِّ أمن وسلام فترة عيشهم في ظل الدولة العثمانية إلا أنهم عند اندلاع الحرب العالمية الأولى أظهروا ما تُخفي صدورهم من الحقد الصليبي، فكانوا شرًّا وبيلًا على المسلمين من قَتلٍ وترويع ونهب؛ فلذا رفض الأتراك أن يكون الآشوريون على الحدود، فقامت إنجلترا ومن خلال جمع التبرعات لهم بإسكانِهم في مناطق أخرى في الوسَط، وطُلِب من الحكومة العراقية منحُهم أراضيَ مقابل التي تركوها في الموصل، وإعفاؤهم من الضرائب، واعترفت الحكومةُ بالبطريك مار شمعون بطريقًا لهم، أمَّا الأكراد الذين كانوا جيرانًا للآشوريين فلم يَسلَموا أيضا من أذاهم أيامَ اندلاع الحرب بحكم أن الأكراد يخالفونهم في العقيدة، فهو مسلمون، وزاد أذاهم لهم لَمَّا احتل الإنجليز العراق، وبعد رفع الأمر لمحكمة لاهاي وإرسال اللجان التي درست المنطقة قرَّر مجلس عصبة الأمم أن تكون الحدودُ بين العراق وتركيا كما في قرار الأول من ربيع الثاني 1343هـ ولم توافق تركيا طبعًا فعرض الإنجليز على تركيا اتفاقًا تتعهَّدُ فيه المحافظة على سلامة أملاكها مقابِلَ بقاء الموصل للعراق وأن تُجرَّدَ الموصِلُ من وسائل الدفاع وتُعَدُّ حيادية، وتعطى تركيا قرضًا بقيمة عشرة ملايين جنيه وتتنازل عن جزء من السليمانية، ورفضت أيضًا تركيا ذلك، ثمَّ عُقِدَ مؤتمر ثلاثي عراقي تركي إنجليزي وُقِّعَت فيه معاهدة شَمِلَت رسم الحدود وجنسية سكان المناطق التي كانت موضِعَ خلافٍ، وموضوعَ استثمارِ النِّفطِ، وتعهدت إنجلترا بدفع عشرة بالمائة من عائدات النفط لمدة خمسة وعشرين سنة.

العام الهجري : 618 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1221
تفاصيل الحدث:

اشتَدَّ القتال بين الفرنج والمسلمين برًّا وبحرًا، وقد اجتمع من الفرنج والمسلمين ما لا يعلم عددهم إلا الله، هذا والرسُل تتردد من عند الفرنج في طلب الصلحِ بشروط: منها أخذ القدس وعسقلان وطبرية، وجبلة واللاذقية، وسائر ما فتحه السلطان صلاحُ الدين من بلاد الساحل، فأجابهم الملوك إلى ذلك، ما خلا الكرك والشوبك، فأبى الفرنجُ، وقالوا: لا نسَلِّم دمياط حتى تسلِّموا ذلك كله فرضي الكامل، فامتنع الفرنج، وقالوا: لا بد أن تعطونا خمسمائة ألف دينار، لنعمر بها ما خربتم من أسوار القدس، مع أخْذِ ما ذكر من البلاد، وأخذ الكرك والشوبك أيضًا، فاضطر المسلمون إلى قتالهم ومصابرتِهم، وعبَرَ جماعة من المسلمين في بحر المحلة إلى الأرض التي عليها معسكر الفرنج، وفتحوا مكانًا عظيمًا في النيل، وكان وقتَ قوة زيادة النيل، والفرنج لا معرفةَ لهم بحال أرض مصر، ولا بأمر النيل، فلم يشعر الفرنج إلا والماء قد غرق أكثر الأرض التي هم عليها، وصار حائلًا بينهم وبين دمياط، وأصبحوا وليس لهم جهة يسلكونها، سوى جهةٍ واحدة ضيقة، فأمر السلطانُ في الحال بنصب الجسور وعبَرَت العساكر الإسلامية عليها، وملكت الطريق التي تسلكها الفرنجُ إلى دمياط، فانحصروا من سائر الجهات، وقَدَّر الله سبحانه بوصول فرقةٍ عظيمة في البحر للفرنج، وحولها عدةُ حراقات تحميها، وسائرها مشحونة بالميرة والسلاح، وسائر ما يحتاج إليه، فأوقع بها شواني الإسلام، وكانت بينهما حربٌ، أنزل الله فيها نصره على المسلمين، فظَفِروا بها وبما معها من الحراقات، ففتَّ ذلك في عضد الفرنج، وألقِيَ في قلوبهم الرعب والذلة، بعدما كانوا في غاية الاستظهار والعنت على المسلمين، وعلموا أنهم مأخوذون لا محالة، فأجمعوا أمرهم على مناهضة المسلمين؛ ظنًّا منهم أنهم يصلون إلى دمياط، فخَرَّبوا خيامهم ومجانيقَهم، وعزموا على أن يحطموا حطمةً واحدة، فلم يجدوا إلى ذلك سبيلًا، لكثرةِ الوحل والمياه التي قد ركبت الأرضَ مِن حولهم، فعجزوا عن الإقامة لقلَّةِ الأزواد عندهم، ولاذوا إلى طلَبِ الصلحِ، وبعثوا يسألون الملك الكامل وأخويه الأشرف والمعظم الأمانَ لأنفُسِهم، وأنهم يسلِّمونَ دمياط بغير عوض، فاقتضى رأيُ الملك الكامل إجابتهم، هذا وقد ضجرت عساكر المسلمين، وملت من طول الحرب، فإنها مقيمة في محاربة الفرنج ثلاث سنين وأشهرًا، وما زال الكامل قائمًا في تأمين الفرنج إلى أن وافقه بقيَّة الملوك على أن يبعث الفرنجُ برهائن من ملوكِهم لا من أمرائهم إلى أن يسَلِّموا دمياط فطلب الفرنجُ أن يكون ابن الملك الكامل عندهم رهينةً، إلى أن تعود إليهم رهائنُهم، فتقَرَّر الأمر على ذلك، وحلف كل من ملوك المسلمين والفرنج، في سابع شهر رجب، وبعث الفرنج بعشرين ملكًا من ملوكهم رهنًا، منهم يوحنا صاحب عكا، ونائب البابا، وبعث الملك الكامل إليهم بابنه الملك الصالح نجم الدين أيوب، وله من العمر يومئذ خمس عشرة سنة، ومعه جماعة من خواصه، وعندما قدم ملوك الفرنج جلس لهم الملك الكامل مجلسًا عظيمًا، ووقف الملوكُ من إخوته وأهل بيته بين يديه، في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب، فهال الفرنج ما شاهدوا من تلك العظمة وبهاء ذلك الناموس، وقدمت قسوس الفرنج ورهبانهم إلى دمياط، ليسَلِّموها إلى المسلمين، فتسَلَّمها المسلمون في يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب، فلما تسلمها المسلمون قدم في ذلك اليوم من الفرنج نجدة عظيمة، يقال أنها ألف مركب، فعُدَّ تأخُّرُهم إلى ما بعد تسليمِها من الفرنج صنعًا جميلًا من الله سبحانه، وشاهد المسلمون عندما تسلموا دمياط من تحصين الفرنج لها ما لا يمكِن أخذُها بقوة البتة، وبعث السلطان بمن كان عنده في الرهن من الفرنج، وقَدِمَ الملك الصالح ومن كان معه، وتقررت الهدنة بين الفرنج وبين المسلمين مدة ثماني سنين، على أن كلًّا من الفريقين يطلق ما عنده من الأسرى، وحلف السلطان وإخوته وحلف ملوك الفرنج على ذلك، وتفرَّق من كان قد حضر للقتال، فكانت مدة استيلاء الفرنج على دمياط سنة واحدة وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يومًا، ثم دخل الملك الكامل إلى دمياط بعساكره وأهله، وكان لدخوله مسرة عظيمة وابتهاج زائد، ثم سار الفرنج إلى بلادهم وعاد السلطان إلى قلعة الجبل في يوم الجمعة ثاني عشر شهر رمضان، ودخل الوزير الصاحب صفي الدين عبد الله بن علي بن شكر في البحر، وأطلق من كان بمصر من الأسرى، وكان فيهم من أُسِرَ من الأيام الصلاحية، وأطلق الفرنج من كان في بلادهم من أسرى المسلمين.